كاتب الموضوع :
redroses309
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
6 - الدوامة العمياء
عندما اقترب اليخت من هيدرا رأت تارا الجزيرة في وهج غروب الشمس ، و بدت كأنها عروس بحر تطفو على سطح الماء الهادئ .
في خليج سارونيك . و بالرغم من وضعها لفت نظرها هذا المكان الذي ستعيش فيه .
عرفت تارا شيئا عن تاريخ الجزيرة من جملة ما قص عليها ليون .
كانت مركزا لقراصنة البحر ، اما الآن فانها تستهوي الكتاب و الفنانين و اصحاب السفن و غيرهم .
و المباني الضخمة القائمة على سفوح التلال يملكها الاثرياء ... و كان ليون أحد هؤلاء .
قال لها انه كان في وقت ما أحد ملاك البواخر الا انه تحول الى فن الازياء . يملك مؤسسة هيرا و هي من ارقى بيوت الازياء النسائية المشهورة .
تذكرت تارا الآن لماذا ذكر ليون في احاديثه السابقة معها عبارة " نماذج و دمى "
وعرفت ان ذوقه دقيق للغاية .
و اشهر فساتين هذه المؤسسة صممها ليون بنفسه فأكسبتها شهرة عالمية .
رفعت هذه المعلومات من قيمته في عينيها و اعتبرته اقل و حشية من ذي قبل ، و لكنها لم تتخل عن فكرة الهرب في اول فرصة ممكنة تواتيها على الجزيرة .
كانت واقفة عند سياج اليخت عندما انضم ليون اليها :
- سأدلك على بيتنا عندما نقترب من الجزيرة .
احست بدغدغة في معدتها لدى سماعها كلمة " بيتنا " لانها دلت على ان مستقبلها تقرر و انتهى .
و لا شيئ في العالم يستطيع ان يغير منه شيئا .
اصبحت ملكا لزوجها ، و المبنى لهما كليهما ، ستسكنه حيث ستكون قطعة اثاث و عبدة مطيعة لليون كباقي نساء اليونان .
التفتت اليه و دفع الهواء شعرها فغطى وجهه ، و عندما تكلمت كانت في صوتها مرارة اليأس :
- أنه بيتك انت ! لن يكون ابدا بيتنا نحن الاثنين !
اغضبته هذه العبارة و قال محتدا :
-ما معنى هذا ؟ هل مازلت تفكرين بالافلات مني ؟
- سأكون نموذجا لامرأة او دمية تعيش في عبودية ، لذا سأحاول الهرب .
توقعت ان يرفع صوته عاليا ادهشها هدوؤه عندما قال :
- يجب ان تؤمني بما قلته لك و هو انك ستباركين هذا الزواج . فقد يولد لنا طفل في وقت ليس ببعيد ... قد يكون على الطريق الان ... و عندئد ستقبلين نصيبك .
احست بانقباض في قلبها .
طفل على الطريق ؟
فعلا ، بعد تلك الليالي التي امضتها معه ربما صار هذا حقيقة واقعة .
لم تفكر في ذلك مطلقا . دعت الى الله ان ينقدها من ذلك ، و اذا صح انها ستنجب طفلا ، فسيسد عليها هذا الطفل طريق الهرب .
و لن يفرط ليون بطفله لتأخذه معها ذات يوم .
و هذا سيرغمها على البقاء .
لاحظ ارتعاشها و هي تعلق على كلامه :
- أصلي من كل قلبي الا يحصل هذا . هل نسيت اني احب رجلا آخر ؟ اخذتني زوجة لك ، و لكنك ستندم !
- او ستذهبين الى الشرطة اذا هربت ؟ هل هذا الذي سيجعلني أندم ؟
بانت لها قساوة صوته كقساوة جبل من جليد ، و لكنها تابعت كلامها بحدة لم يعهدها فيها :
- قلت لك قبل هذه المرة اني لن اخبر الشرطة اذا تركتني اذهب . رجوتك فرفضت ، و لكنني هذه المرة سأذهب ! و صديقك الكاهن سيكون مأواه السجن ... برفقتك طبعا !
- ماذا عمل لك الكاهن ؟ انك لم تتذمري ابدا و هو يقوم بمراسيم الزواج .
تأخرت في التعليق على قوله هذا لانها احست باختناق من فرط حنقها ، لكنها استطاعت ان تقول :
- لم اتذمر من تهديدك لي اذا انا رفضت . لكني اعتقد ان الكاهن ، و هو مفرط الذكاء ، احس بشيئ غير طبيعي .
- لم يرتكب الكاهن اي شيئ غير قانوني . فدعيه و شأنه ... هذا اذا تمكنت من الهرب .
- افهم من كلامك هذا ان الهرب قد يكون محتملا . اتعرف ؟ لقد شجعتني ، و اني اشكرك لإحياء هذا الامل في .
تطلع نحو الجزيرة يتأملها و بعد برهة قال :
- اذا تحققت آمالي فستلدين طفلا في وقت قريب . عندئذ لن تتركيني .
ادارت نظرها عنه و بكت . لقد نجح في كل خططه حتى الآن ، فأي أمل لها بعد اليوم ؟
قالت و هي ترتجف :
- كما قلت سابقا سأصلي كيلا أحمل طفلا .
- كلانا في صحة جيدة ، و من المعقول ان تلدي طفلي خلال السنة .
لم تعلق بشيئ على كلامه ، و ادار وجهها اليه ضاغطا على ذقنها باصابعه القاسية . فاستعدت لاحد مشاهده المعروفة بوحشيتها . ركز بصره فيها و قال :
- سأعمل المستحيل كي تلدي لي طفلا يا تارا . افهمت ؟ انا سيدك و حياتك رهن بي ، و ستحملين العدد الذي اريده من الاطفال .
- سأكون قطعة اثاث في بيتك اذن !
كاد صوابها يطير من الغضب . اي اهانة اكبر من اجبارها على سماع وقاحاته ؟
- و عبدة ايضا ! سأفلت منك يوما من الايام ! و ستكون أغبى الناس اذا ظننت انك ستفلح في ابقائي سجينة عندك !
تحول عنها واخذت تارا تتحسس ذقنها و الدموع تترق في عينيها ، دموع الشقاء و اليأس ، اليأس من أملها في التغلب على بطشه و على ضعفها . اذ انها ستبقى اذا هي ولدت له طفلا .
ادار ظهره لها وتركها . رأته وقحا في مشيته ، وقحا في مظهره .
و بالرغم من ارستقراطيته الراقية فانه لن يستطيع تغيير الطباع الدنيئة التي نمت فيه جنبا الى جنب مع رقيه .
و عادت بتفكيرها الى الليلة الاولى على اليخت عندما ابدى تحولا في معاملته لها ، بعد ان لان لتوسلاتها و خرج من غرفتها دون ان يمسها .
في تلك اللحظة كان صوته لطيفا و معاملته انسانية مما يدل على انه كان قلقا عليها ، و برهن على ذلك في الايام القليلة التي تبعت تلك الليلة و التي تعهد فيها بأن يبقى على وئام معها .
و لكن ما ان اقترب اليخت من جزيرة هيدرا حتى دب الخلاف بينهما من جديد عندما ذكر لها اقتراب ساعة عقد قرانهما الذي يعني نهاية املها .
و زاد في الشقاق في اول ليلة لهما معا بعد مراسيم الاكليل ، عندما حاولت ان تقاومه بكل قواها التي ما لبثت ان تلاشت امام بطشه .
فهدأت تارا جسميا الا انها كانت تقاومه بكل عقلها .
ارادها ليون امرأة خاضعة جسما و عقلا و لهذا لم يتمتع بانتصاره كاملا .
دوخها و هو يؤكد لها ان اساليبه ستتغلب على مقاومتها و ستتشوق في نهاية الامر لتكون بين ذراعيه .
اقرت و الاسى يملأ قلبها بصدق قوله معترفة بضعفها في لحظات كهذه .
كما اعتبرت قوله صحيحا عندما أكد لها ان ديفد لن يستطيع منحها و لو جزءا صغيرا مما يمنحها هو ، فهذا ذو خبرة واسعة مع النساء و ذاك ما زال مبتدئا .
اصبح اليخت كاتانا قريبا من مدخل الميناء .
و اخذت تارا تمتع بصرها بمشهد اليخوت ذات الاشرعة البيضاء و القوارب الصغيرة ذات الالوان الزاهية .
و رفعت نظرها لتشاهد جبل الجزيرة الخالي من اي خضرة .
كان المشهد جميلا جدا .
و الفيللات و البيوت البديعة تنتشر في المناطق العليا من التلال أمام بيوت اهل الجزيرة المتواضعة المدهونة بالابيض و الازرق فكانت متراصة في المناطق الادنى مستوى او منتشرة بمحاذاة الشاطئ يعلوها برج ... كانت الجزيرة جبلية محرومة من الطرق المعبدة ، و حركة السير فيها على الارجل او على الحمير ، و حيث الطرق معدومة تماما يصل الناس الى بيوتهم بواسطة الأدراج الحجرية .
و لما ابدت تارا ملاحظة بأن الجزيرة فريدة من نوعها ، قال ليون بأن كل الجزر الجبلية حيث يصعب شق الطرق مبنية على هذا النسق .
كانت تنظر الى كل ذلك وحدها عندما احست بحركة قريبة منها .
كان ليون خفيفا في حركاته و لهذا اطلقت عليه لقب القط البري .
- انظري ! هذا هو بيتنا .
رأت قصرا جميلا فوق هضبة تطل على الميناء و على خليج سارونيك .
- من المؤكد ان المنظر جميل من هناك .
لو انها اتت الى هذا المكان مع زوج تحبه لكانت اسعد النساء ...
- آمل ان يعجبك القصر يا تارا . سيكون بيتك الابدي من الآن فصاعدا ، و عليه انصحك با تتكيفي مع حياتك الجديدة هنا .
- سأتكيف كسجينة طبعا . اني اتساءل كيف ستتدبر أمر ابقائي هنا ، غير ان لك خطتك التي ستنجح كما نجحت غيرها و لا شك .
كانت و هي تتكلم تشعر بمرارة و أسى شديدين .
- سأقول لخدمي انك تعانين من انهيار عصبي يمنعك من الاختلاط بالناس فيجعلك تتجولين بمفردك .
وبما ان مرضك هذا يقلقني كثيرا و لكي تكوني في أمان فسيراقبك الخدم طيلة الوقت .
هناك بستانيان يراقبانك اثناء تجوالك في الحديقة ، و بلايا التي ستكون وصيفتك الخاصة لن تفارقك و انت داخل البيت . و هي تقوم باعمال اخرى منها الا تتركك تذهبين خارج محيط القصر .
وجدت نفسها مرغمة على الاعجاب به رغم حقدها العميق .
- انت ذكي و ماكر ! و اذا قلت لهم ان كل ذلك كذب في كذب ؟
كان التهكم واضحا في ابتسامته .
- هل سيصدقونك و يكذبون رجلا يعرفونه منذ سنوات ؟ و هل دفعت بك سذاجتك الى الاعتقاد انهم سيخاطرون فيخسرون عملهم من اجلك ؟
نظرت في عينيه مليا و سألته بكل جدية و اهتمام :
- هل يصدقون كل ما تقوله لهم ام انهم فقط ينفذون اوامرك و أعينهم مغمضة دون ان يحاولوا معرفة مدى الصدق او الكذب فيما تقول ؟
احنى رأسه موافقا و قال :
- يتقاضون راتبا مني ، و هم يعلمون ان العمل على هذه الجزيرة صعب المنال . و من حظي بعمل يتمسك به بيديه و رجليه . و انا واثق يا تارا انهم سيعتنون بك اكبر عناية و لن يدعوك تفلتين .
- هل قيام مراقبة مراقبة على مدى اربع و عشرين ساعة في اليوم ممكن ؟
ابتسم كمن يبتسم لطفل ساذج .
- ستكونين تحت مراقبتي فترة لا بأس بها في الاربع و العشرين ساعة اذ انك ستكونين رفيقتي من العشاء حتى ما بعد الفطور من صباح اليوم التالي .
كانت النظرة السامة التي رمته به نقطة ارتباك و ضعف .
- نعم يا سجاني !
- انبهك ألا تتمادي في الكلام . الصبر ليس من صفات زوجك .
تركها فجأة كما اتى خلسة . و عادت تنظر الى اليخوت و القوارب الراسية في الميناء بينما عادت بافكارها الى ديفد .
هل يفكر فيما يكون قد جرى لها من اختطاف و تعذيب او موت ايضا ؟
هل يتوقع اخبارا تقول انهم وجدوا جثة ملقاة في احد الحقول او في حفرة ؟
و تعرف تارا ان كل يوم يمر على ديفد يفقد امله في العثور عليها ، و قد مضى اسبوعان على اختطافها في ذلك اليوم المشؤوم ...
قد يكتشف ديفد انها متزوجة ، و اذا نجحت في الهرب و كان ليون في السجن سيلغى زواجها .
تصورت ليون في السجن يقوم بالاشغال الشاقة و يعيش على الخبز و الماء و ستأسف لانتهاء مدة سجنه !
في تلك اللحظة عاد ليون اليها و فكرت في ايذائه مثل دفعه الى الماء و النظر اليه و هو يغرق .
- اراك تفكرين كثيرا يا تارا .
- نعم . كنت افكر في مدى تمتعي بمنظرك و انت تغرق و تتحول طعاما لكلاب البحر .
قال ضاحكا :
- لا اتصورك امرأة متعطشة للدماء ، و لا توجد كلاب بحر في هذه المنطقة .
و انذرته تارا بيوم الحساب قائلة :
- ان يومي لآت .
- سنرى ياطفلتي . اراهنك على انه لن يمضي شهر الا و تكونين متعلقة بي لدرجة لا تستطيعين معها الا التراجع عن تهديداتك .
متكبر ، متغطرس ، ادارت له ظهرها لعله يتركها فتتخلص منه . و لكنها احست بيدين قويتين تشدان على كتفيها و تديرانها لترى وجها كل تقاطيعه صارمة و فما مطبقا و عينين تقدحان نارا .
توترت اعصابها و نبض قلبها و اسودت الدنيا في عينيها و اخذت شفتاها تتلويان .
- لا تديري ظهرك لي مرة اخرى ! تعلمي اصول الاحترام و الا ...
هز جسمها هزا دل على وزن تحذيره لها .
كانت تارا تبتلع ريقها المرة تلو المرة و هي تحاول التخلص من الاحساس المخيف الذي تشعر به كلما كانت في قبضته هذا الشيطان المتجبر و الذي يجمد فيها قوة التفكير .
- ارفع يديك ، ارجوك ، انت تؤلم كتفي !
- سيؤلمك في جسمك غير كتفيك اذا عاملتني بهذه الطريقة !
كانت تبكي . تركها و لكنه ظل ينظر اليها نظرته الكريهة .
اعتقدت انه سيرغمها على الاعتذار و على الطاعة له .
و لكنه ظل صامتا . كان ينظر الى الجزيرة و الى انوارها المتكاثفة مع غياب الشمس وراء أفق ذهبي اللون اضفى جمالا حتى على الغيوم العالية .
و بدأت النجوم تتلألأ في سماء هيدرا و الهلال من عليائه يطل على العالم .
و كلما اقترب اليخت من الشاطئ توضحت معالم الفيللات و البيوت و التلال التي كانت فيما مضى مأوى للقراصنة الذين جمعوا اموالا طائلة و عاشوا عيشة بذخ و جنون .
و قارنت تارا بين هذه المباني الفخمة و بين البيوت الصغيرة المكعبة الشكل ، و الفرق الشاسع بين ابهة الأولى و وضاعة الثانية .
و لكنها لاحظت ان كل بيت من هذه البيوت الشعبية تحيط به حدائق صغيرة تزينها الازهار ، و لا يخلو من شجرة برتقال او ليمون .
كان الظلام تاما عندما رسى اليخت في الميناء ، و لكي لا يترك لها اية فرصة للهرب امسك ليون بذراعها بقبضة من حديد و حذرها من محاولة القيام بأي شيئ و الا اعادها الى غرفتها على اليخت و اغلق الباب عليها حيث سيبقيها الى صباح اليوم التالي .
اخذا طريقهما عبر ممرات مظلمة و بدأ صعود التل .
و قال لها زوجها ان ثلاثة رجال اشداء سيرافقونهما فتبين لتارا مدى حرص زوجها على سد جميع الطرق في وجهها .
و لكي يؤكد لها ذلك قال بسخرية :
- حاولي الهرب يا تارا و سترين ان ذلك يكلفك غاليا .
منتديات ليلاس
تلفتت تارا حولها و لكنها لم ترى للرجال أثرا .
- انهم لا يزالون على اليخت لينزلوا حقائبنا اذ اني جمعت لك مختلف الثياب من مخازن الازياء في مدن الثغور حيث كنا نرسو .
و ستحصلين على المزيد منها ، كما اني مهتم بأن ترتدي فساتين من نماذجنا .
يعني هذا انها ستلبس فساتين من تصاميم مؤسسته و ستكون دمية يستعملها للدعاية .
و صلا الى الفيلا و كان احد الخدم عند الباب ليستقبل سيد الدار .
أخذ الخادم يبتسم و لكن ابتسامته اختفت عندما وقع نظره على تارا .
- هذه زوجتي يا كليانش . تارا ، هذا احد الخدم .
بدا الرجل مذهولا و قال على الفور :
- زوجتك يا سيد ليون ؟ و لكن الآنسة ...
توقف عن الكلام على الفور و بدا الرعب في عينيه لتسرعه في السؤال .
رمقت تارا زوجها بنظرة خفيفة و رأت الغضب في عينيه .
- اهلا بكما ... سيد ليون ... سيدة ليون .
كان كليانش يتعلثم خوفا من سيده . و استنتجت تارا من ذلك انه قد يعاقب ، و ودت لو تعرف من هي هذه السيدة الاخرى التي هجرها ليون بعد ان اصبحت له زوجة .
لا تستغرب تارا ان يكون لزوجها اكثر من امرأة واحدة في نفس الوقت ، اذ ان بهيميته تسمح له بذلك .
وقف كليانش جانبا فدخلا بهوا واسعا تزينه الازهار و الطنافس و المفروشات العتيقة الغالية الثمن و السجاجيد العجمية و ارض من الفسيفساء .
- اخيرا سيسعد الجميع لأن للسيد ليون زوجة الآن ! نعم ، سيكون لهما اولاد عديدون !
استولى الغضب على تارا التي صرخت في وجهه :
- اذهب الى الشيطان !
نظر الرجل الى ليون مستغربا .
- الى الشيطان ؟ ما هذا ... الى الشيطان ؟
- ان السيدة ليون متعبة . ارسل لنا بلايا لترافقها الى غرفتها .
- حسنا يا سيدي . انا ذاهب لتوي !
قال ذلك و اختفى راكضا ليشيع خبر قدوم العروس .
في تلك الاثناء التفت ليون الى زوجته و عنفها قائلا :
- تعلمي ان تضبطي لسانك . كنت نبهتك الى ذلك من قبل !
- لن اقبل ان يتكلم خادم عن اولاد . لي كرامتي .
- هذه تمنيات طيبة ترافق التهاني بالزواج في بلادنا . و ستعتادين على عفوية اليونانيين و اندفاعهم .
- الرجال منهم . اما النساء فاظن انهن خرس ... بفضل جبروت ازواجهن .
- يا آلهي ! كنت صفعتك الآن لولا مجيء بلايا في اية لحظة !
لم تجب تارا و اخذت تجيل نظرها في انحاء البهو لتتلهى قليلا و تهدأ اعصابها المتوترة .
رأت على الجدران لوحات قديمة و صورا تاريخية ، و فيما هي كذلك اتت بلايا و رافقتها الى غرفة لها سقف عال ابيض موشى بالذهب .
ستائرها تتوهج و السرير مغطى بالمخمل الاخضر .
اما جدران الغرفة فبيضاء و كل شيئ فيها يدل على ذوق سليم ليس فيه تطرف.
وجدت في غرفة الحمام مناشف سميكة من الحرير .
و على الرفوف زجاجات جميلة تحتوي على كل ما تحتاج اليه .
و تساءلت تارا كم من النساء سبقنها و مكثن في هذا القصر .
وجدت بجانب غرفتها غرفة اخرى كان بابها مغلقا .
و حاولت ان تنصت لعلها تسمع صوتا او حركة فيها و لكنها لم تسمع شيئا كانت سجينة بين غرباء و شعرت بالوحدة و الشوق الى من تحب و بالحقد على من اختطفها و أذلها ...
تكذب اذا هي ادعت انها لا تستمتع بعناق ليون .
فليون يسيطر عليها بقوة و جاذبية خارقتين فيغريها بطرق سلسة و يستولي عليها بأساليبه الاخاذة .
اي نوع من المرأة هي ؟ كم من مرة سألت نفسها هذا السؤال منذ ان اختطفها ليون .
قبل ذلك كانت تحمر خجلا اذا حاول رجل ان يتقرب اليها بجرأة مكشوفة .
و قبلت بديفد لأنها وجدته معتدلا و رزينا .
و مع ذلك فهي تتمتع بهذا الرجل الذي تكرهه .
لا تفهم كل هذا لأنها لا تفهم نفسها .
كان هناك باب داخلي يؤدي الى غرفة ثانية .
و جمدت في مكانها عندما رأت مقبض الباب يدور ببطء و دون اي صوت . من عساه يكون ؟ و لما لم يفتح الباب استعمل مفتاحا .
كان رجلا . استدارت تارا لتستنجد ببلايا و لكن هذه لم تكن في الغرفة .
و الرجل هذا كان زوجها و لم تتميزه بسرعة لأن الضوء كان وراءه فبدت تقاطيعه كتقاطيع الشيطان .
اخذت تتفحصه و كلما حاولت ان تتبينه اكثر ترى فيه عدوها اللدود ! و لا تعرف من اين اتتها قوة داخلية مفاجئة جعلتها تصمم على مقاتلته حتى النهاية .
لن تخضع له كما كانت تفعل في السابق .
- تعالي الى هنا !
وجه اليها هذا الامر مشيرا الى مكان عند رجليه .
- اني منشغلة الآن بالنظر الى الخارج .
قالت ذلك و اقتربت من نافذة عليها ستائر غير مسدلة بعد .
- تنظرين في الظلام ؟ لا تكوني سخيفة !
- لست عمياء . استطيع ان ارى .
- ماذا تستطيعين ان تري غير الانوار و البحر ؟
- ماذا تريد ؟
سألته و هي تقترب من النافذة اكثر فاكثر .
- قلت لك ان تأتي الي ، و اذا كان لك قليل من العقل يا تارا فاعلمي اني لست رجلا يتقبل التحدي . أطيعيني حالا !
- اين ثيابي ؟ اريد ان اغتسل ثم اغير .
- ثيابك في طريقها الى هنا .
و أمرها ان تقترب منه عند قدميه .
بدأت دقات قلبها تتسارع و عقلها يعمل و مع ذلك كانت تتقدم نحوه كآلة مسيرة .
- انا ... انت ...
- من حسن حظك انك تحركت في النهاية . كنت على وشك تلقينك درسا لن تنسيه !
- اي انك تستعمل العنف ؟
- أنوي ان اركعك على ركبتيك و ان اذلك .
****************
يتبع...
|