كاتب الموضوع :
redroses309
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
4 - وقت للدموع
وقفت تارا امام المرآة و كادت الدموع تنهمر من عينيها الا انها تماسكت نفسها .
و لولا هذا اليوناني لكانت الآن تتناول طعام العشاء مع ديفد وبعد العشاء ...
تنهدت و فكرت في سيدها هذا و في قولها انها تتمنى ان تراه جثة هامدة عند قدميها .
هل يمكنها تشويهه ؟
دهشت لهذه الفكرة الشيطانية و العملية ايضا ، و سيسهل هربها اذا هي تمكنت منه .
سمعت قرعا على الباب و عندما فتح رأت امامها يونانيا قصيرا اسمر اللون ، ابتسم لها بتكشيرة زاد في بشاعتها سن من ذهب في فمه .
انتفضت عندما سمعته يقول :
- يقول المستر ليون ان ارافقك الى صالة الطعام .
شعرت بالجوع و رأت ان لا فائدة من بقائها هكذا حتى لو كانت وحدها .
كانت الصالة من احدث ما يمكن . جدرانها البراقة مصنوعة من خشب الصنوبر و اثاثها مثبت ليصمد ضد تأرجح اليخت على سطح الماء .
اما الموائد فسطحها من الزجاج المحاط بإطار من الفضة .
وصلت الى انفها رائحة الطعام الشهي .
و كان ليون انيقا جدا في لباسه البحري الابيض و الازرق .
كان منهمكا في تفحص الادوات و اشار بيده الى الخادم كي يبتعد عندما رأى تارا قادمة .
دعاها للجلوس و سألها اذا كانت تحب ان تتناول مقبلا قبل العشاء .
و لكنها رفضت بلطف ، و عرض عليها شرابا خاصا و كانت على وشك ان ترفض و لكنها امتنعت عندما رأت نظراته و انطباق شفتيه .
هذه اشارات تدل على بدء هيجانه و اصبحت تفهمها الآن .
و ككل سيد مهذب سحب كرسيها قليلا الى الوراء .
و جلست و هي تنظر باعجاب الى الشمعدانات الفضية و الى هندسة باقة الازهار .
ثم قالت بصوت لاذع :
- لقد جهزت كل شيئ .
- لعشاء رومانسي في البحر ؟ نعم ، اردت ان يكون كل شيئ جاهزا . الياس الذي لم تلتقي به بعد ، سيأتي بعد لحظة ، هو الذي اشترى الازهار و رتبها ، اما
الشموع ...
- اما الشموع فكانت في العنبر تحتفظ بها لمناسبات مثل هذه . اعتقد ان عشرات النساء المنحلات كن ضيفاتك على هذا الزورق .
- منحلات ؟ لا تسميهن منحلات . كنت أقيم حفلات خاصة لصديقاتي .
قرب كرسيا منه ومد رجليه تحت الطاولة فوضعهما عليه ثم صفق .
و على الفور حضر رجل ليتلقى الطلبات .
- ستأتي بالدور الاول من الطعام يا الياس ، و قل لدميتري ان يهيء السلطة .
- كم عدد رجال الطاقم على هذا اليخت ؟
دهشت تارا من نفسها و من قبولها لهذا الوضع العجيب التي هي فيه الآن .
كانت جائعة تنتظر الطعام بفارغ الصبر . و ودت لو كانت برفقة رجل آخر غير هذا الرجل البغيض .
- ثلاثة فقط . هذا العدد أقل من العدد اللازم ليخت من هذا الحجم ، الا اني حصرت العدد برجال أثق بهم .
و لذا لن يتفوه اي منهم بكلمة عما حدث اثناء هذه الرحلة .
و دميتري هو الرجل الذي كان يسوق التاكسي الاول .
- هو اذن . آه لو فكرنا في ذلك ...
- كيف كان يمكنكم ان تشكوا ؟ كنتم حجزتم سيارات لحفلة الزفاف و من المستحيل ان تعرفوا ان احد السواق من خدمي .
لم تعلق على ذلك و اخذ دميتري يقدم السلطة بينما الياس يقدم السلمون المدخن .
و كان دميتري يتكلم مع ليون باليونانية و لم يعجب هذا تارا التي قالت دون تفكير و بحدة :
- اظنكما تتكلمان عن نجاحكما الباهر في عملية اختطافي .
التفت الرجل فنظر اليها بعينيه السوداوين ثم الى رئيسه :
- كنت فقط انفذ اوامر سيدي .
كان صوته هادئا و انكليزيته الصحيحة التي استعملها و هو يسوق التاكسي .
-لا بأس يا دميتري ...
و اشار ليون اليه بيده كي يذهب . خرج دميتري و خرج معه الياس الذي لم تفارقه ابتسامته الغريبة .
يالهم من طغمة كريهة من اليونانيين ! كلهم محتالون !
و بالوحدة ذاتها .
سألت ليون :
- الا يحسبون للقانون
حسابا ؟
- انهم يطيعون الاوامر مثلما ستطيعينها انت عندما آمرك بالا تعيدي مثل هذا الكلام امام أي من الخدم .
أولا لأنه غير لائق بك ، و ثانيا لاني لا اريد ان تنزل كرامة زوجتي في اعين غيري من الناس . افهمت ؟
ردت و الغضب بائن في عينيها :
- انت آخر من أحط كرامتي امامه .
كانت احدى يديها على شرشف الطاولة الابيض .
و قبل ان تفطن الى حركة يده ضربها على مفاصل اصابعها بشفرة السكين .
كانت الضربة شديدة فآلمتها كثيرا و بكت بسبب صدمة المفاجأة و الألم معا .
- إياك و هذه الهفوات . احفظي لسانك اذا اردت تجنب العقاب .
نظر الى صحنها ثم الى وجهها فقال آمرا :
- امسحي عينيك وكلي السمك .
اخرجت منديلا صغيرا مطرزا كانت سو قد دسته في كم ثوبها و هي تلبسها اياه استعدادا لحفلة الزواج ، قائلة لها جادة و مازحة معا انه كثيرا ما يحدث ان تتأثر العروس بموقفها .
و ان دمعة تترقرق من عينيها عادة و عليها ان تحتفظ بالمنديل في يدها .
و لكنها بدلا من ان تمسح عينيها بالمنديل اخذت تبكي اكثر فاكثر .
اثار عملها هذا غضب ليون الذي صرخ قائلا :
- ما بك بحق السماء ؟ اريد ان اعرف . الا تكفين عن البكاء ؟
- ه ... هناك عدة اسباب تجعلني ابكي .
تبلل منديلها الصغير فاستعملت فوطة المائدة .
الا ان ليون اوقفها على قدميها واخرج منديله و مسح وجهها به .
و بكل بساطة سمعت صوتها يقول :
- ش ... شكرا .
نظر اليها بعطف و ربت على وجنتها .
- اجلسي و عودي الى طبيعتك اذ ان الياس قادم الآن .
نظرت تارا اليه طويلا متسائلة عما اذا كان ما رأته على وجهه حنانا و عطفا أم انه ضباب دموعها الذي حجب عنها قسوة وجهه .
و لكن من المؤكد ان عملية تجفيف دموعها بمنديله و بيده و بهذا اللطف تناقض تماما شراسته و قسوته منذ دقيقة . شعرت بلطفه و حنانه الحقيقيين و هذا شيئ لم تتوقعه منه على الاطلاق .
كانت تأكل و هي صامتة . وبعد برهة رفعت نظرها اليه و سألته :
- اين ثوب العرس ؟
لا اهمية كبيرة ، و لكني ارغب في الاحتفاظ به .
- و لماذا تحتفظين به طالما لن تلبسيه في حفلة زواجنا ؟
صدمها صوته القاسي الحازم و كأن لطفه السخي الذي ادهشها قبل لحظة لم يكن .
- لا ادري سببا لذلك .
اطمأنت لانها لم تتعلثم في كلامها بسبب البكاء و تابعت تقول :
- لا استطيع شرح ذلك بوضوح ، الا اني احب ان احتفظ به .
- هذا شعور مريض . فستانك الآن يسبح مع السمك . كان جميلا بحد ذاته و لكنك انت جملته . لماذا اخترت هذا الزي ؟
تكلم دون اعتبار لشعورها فأجابته بغيظ كي لا تبكي :
- اني احببته و هذا يكفي ! و للفتاة الحق في ان تختار الزي و الشكل اللذين تريدهما لثوب عرسها !
- انت احببته ؟ يجب تثيف ذوقك من جديد لأنه خال من اي تصور . قد تبدين في مظهر ملكة اذا لبست اللون و الزي الملائمين لملكة .
منتديات ليلاس
و فجأة نظر الى شعرها كأنه يفطن اليه للمرة الاولى :
- يجب قص شعرك . انا لا أميل الى الشعر الطويل . هل كان خطيبك يغمر وجهه فيه ؟ انا أفضل ان يحس وجهي بما هو أنعم من الشعر .
و اخذت عيناه تلتهمان بنظرتهما كل جزء من جسمها .
- انت بهيم !
- انتبهي يا تارا ! منذ لحظة ضربت مفاصل يدك و لكن الأمر سيختلف في المرة القادمة .
اغتاظت منه كثيرا و لكنها لم تخاطر بأن تترك المكان .
و بعد صمت دام بعض الوقت سألته :
- من طريقة كلامك افهم انك تلبس نسوتك حسب ذوقك انت . هل انا دمية متحركة اخرى ؟
اعجبه كلامها . قال :
- يعتبر الناس ذوقي في منتهى الكمال . اما كون نماذجي دمى ... فهذا صحيح الى حد ما ، انا احرك هذه الدمى و هي ترقص لي .
كادت تقفز من مكانها بسبب غطرسته الفاحشة و اعتزازه بنفسه .
- لن تراني ارقص لك . لا ادري ما نوع النسوة اللواتي لك علاقة بهن و لكن تنقصهن الجرأة الكافية !
سرها سلوكه الهادئ . فهي تستطيع الآن ان تخفي عنه جانبها الاضعف و ان تظهر له الجانب الاقوى الذي تمرست فيه بصفتها ممرضة في المستشفى .
- انا اوافقك . تنقصهن الجرأة . و لا تنقصك انت بالرغم من دموعك الغزيرة .
و انا متأكد من اننا سنتفاهم بشكل مدهش اذا اعترفت بأنك ربحت اكثر مما خسرت بسبب اختطافك .
كانت عيناه القاسيتان لا تحيدان عنها و هو يقدم لها سلة الخبز :
- الخبز طازج ، من عمل كارلوس ، و كارلوس هذا رجل ماهر في كل شيئ .
- بما فيها اعمال سيده الشريرة !
- ما لم تضبطي لسانك السام هذا سأضربك على مفاصل يدك . لا اريد ان اكرر تحذيري لك اكثر من مرة .
كانت السكين في يده و كانت يدها على الطاولة . فسحبتها بسرعة البرق وشدت على اسنانها من الغيظ عندما سمعته يضحك .
- كم بقي لنا من الوقت لنصل الى جزيرتك ؟
- بعض الوقت . لي صديق كاهن في الجزيرة و هو الذي سيزوجنا .
انقذت حياته يوما و هو يعيش في عرفان جميل دائم لي .
و لكي يؤكد شكره و امتنانه فانه مستعد تلبية كل طلباتي .
- لا اصدق انه سينفذ طلبك هذا .
- بل سيزوجنا و لن يسأل اي سؤال .
- و هذا مجرم آخر في ثوب الصلاح .
كانت تارا مع كل لحظة تمر تكسب مناعة في نفسها و تزداد ثقتها كأن قوة داخلية تعينها على مواجهة محنتها الحاضرة .
وتمنعها من الانهيار و الاستسلام لليأس و البكاء و كان ملجأها الوحيد تحتمي به من شر هذا اليوناني الصلف .
- انه رجل متعبد .
- و لكنه غير مهتم بخلاص نفسه .
ضحك ليون و قال :
- ارى ان لك حب التنكيت .
هذا دليل على تفاهمنا و ستكون لك قدرة
عظيمة على الترويح عن النفس اقوى من قدرتهن كلهن مجتمعات .
كان ما يزال يضحك و شكت في انه يسخر منها .
كانت عيناه بدون تلك القسوة المعهودة فيهما ، وشفتاه مسترخيتين .
كما كان هناك تجويف بسيط في زاويتي فمه ، مما جعلها توافق رأي سو القائل بأنه بهي الطلعة .
و رأت تارا ان لوجهه جاذبية خاصة على بعض النساء ، تلك اللواتي يحببن الاستسلام .
و استخلصت تارا من تحليل وجهه ان كل ما فيه يدل على رجل لا يقهر .
و كما قارنت بينه و بين ديفد سابقا قارنتهما الآن
و لا تدري لماذا رغم الفارق الكبير بين الاثنين . فديفد لطيف حنون لا يفرض نفسه بالقوة ، و كان يترك لها حرية التصرف .
كان عناقه لطيفا و فيه احترام للشخص و رقة بعيدة عن كل اذية ، بعكس هذا اليوناني المتعجرف المتعالي الذي يجد لذة في ايلامها إن في حديثه او في عناقه او في فرض نفسه عليها و اجبارها على الموافقة .
قطع عليها حبل افكارها و سألها و على شفتيه ابتسامة تهكم :
- ما هذا الحذق الذي فيك ؟
- كنت افكر في مدى احتقاري لك !
- و مع ذلك و عدت بأن تتزوجيني .
- لكنني لم افكر ابدا في الزواج منك .
- انت كاذبة . في تلك الليلة عندما وعدت بأن تخبري خطيبك ان زواجك به خطأ و لو كان الوقت متأخرا بعض الشيئ .
- كنت ... كنت تحت تأثير ... ايه ...
و لكي لا تعيد على مسامعه تأثير تلك الامسية في المستشفى تناولت كأس الماء الطبيعي و ابتلعت ما فيه دون توقف .
- تحت تأثير الحب ...
- قذارة !
- لم ارد منك ان تتمسكي بكلامي حرفيا . انت وقعت تحت تأثير الرغبة ، تحت تأثير حبي .
كان مشتهاك حينذاك هو ان تكوني معي .
- اوه ... انت لا تطاق ، و انا اكرهك !
- لأني قلت الحقيقة ؟ انت جبانة تارا ، و لا تملكين الشجاعة الكافية لتعترفي بأنك مغرمة او مولهة مثلي او مثل اي انسان آخر .
- اخرس ... اهدأ !
وضعت يديها على اذنيها و تمتمت .
- لا اريد ان اسمع ... لا اريد ان اسمع !
تركت الكرسي و اسرعت نحو الباب .
و لكنه سبقها اليه و سد الطريق عليها ، ثم جذبها اليه بعنف و ضع فيه قوة عضلاته و اخذ يعانقها .
كانت تقاوم لتتنفس . بهذا كان يريد ان يبرهن على سيادته و تفوقه .
كانت يداه تتحسسان طريقهما و حتى يفرح بانتصاره عليها أبعدها عنه قليلا و تفرس في وجهها .
انه يريدها و يريدها بكل قواه . اغمضت عينيها عالمة بما سيحل بها .
لا تريد ان تبكي او ان تتوسل كي لا تكشف عن ضعفها .
بينما كانت القوة اللازمة لمقاومته نائمة فيها لم تسعفها بشيئ .
قال بصوت متهدج :
- اعترفي ! اعترفي بأنك تريدين الزواج مني ... و بأنك كنت دائما ترغبين في ذلك حتى بعد فراقنا في ذلك المساء ! كان يجب ان أروضك تلك الليلة لأبرهن على رغبتك التي تنكريها .
- اعترفي بأنك تريدينني سابقا و حاضرا .
قال بصوت مبحوح :
- اعترفي .
فقدت كل مقاومة كي تتحداه ... و فقدت كل رغبة في ذلك .
انها مستعدة الآن لتستسلم بأي شكل من الاشكال و لكل أمر يصدره و هو يعلم ذلك ، مستعدة لتصبح زوجته و سمعها تقول ذلك .
اكتفى بهذا و تركها ، و بعد ذلك سمعا الياس و دميتري يتكلمان في الخارج .
طلب اليها ان تجلس و قال :
- سنتزوج عما قريب يا تارا و ستحصلين على ما تشتهيه نفسك .
**********************
يتبع....
|