((دعني أعود لبيتي .. أرجوك))
سارت (بيج) على مهل عبر ممر ملتو .. كانت ترتدي فستان زفافها الأبيض الطويل .. وبعيون جامدة , راقبتها الأبواب التي توصد خلفها كلما مرت من إحداها .. ظهر رجل في أقصى الممر .. كان طويلاً , عريض المنكبين .. اتجهت إليه و استدار نحوها معطياً إياها إيماءة متبرمة .. بدأت تحث خطاها .. ولكن دون جدوى إن آخر الممر يزداد تعرجاً و طولاً .. إلى أن سدته جدراناً شاهقة .. لقد اختفى الرجل وأصبحت (بيج) لوحدها في هذا المكان الغريب من الأشباح والظلمات ..لفها الخوف في أحضانه الباردة .. ..منتديات ليلاس
فجأة تنامت إلى أسماعها ضوضاء بعيدة .. و دقات من وراء الجدار .. هناك شخص ما .. شخص سيساعدها ..
طق طق طق
"سيدة (فولر)؟! "
تأوهت (بيج) بصوت خافت و هي لا تزال في شرك هذا الحلم المشوش ..
عاد الطرق المزعج مرة أخرى ..
طق طق طق
" سيدة (فولر) ؟ هل لازلتِ نائمة يا سيدتي ؟ لقد طلب السيد (فولر) إخبارك بأن الإفطار صار جاهزاً "
السيدة (فولر) !!
طار النوم من عيني (بيج) و فتحتها هامسة ..
" (آلن) ؟ "
فُتح الباب .. و ظهرت امرأة تحمل صينية ذهبية .. و خطت بتردد إلى الحجرة الغارقة في الظلام ..
" أنا (نورا) يا سيدتي .. لقد أحضرتُ لكِ بعض القهوة "
وضعت المرأة الصينية على المنضدة المجاورة لفراش (بيج) , ثم تنحنحت , وقالت : "هل أنتِ أفضل يا سيدة (فولر) ؟ هل أحضر لكِ بعض الأسبرين أو ما شابه ؟ "
" (نورا) ؟ "
كانت آثار النوم ما زالت عالقة في صوت (بيج) ..
أومأت المرأة , ولمعت عيناها بالاحترام وهي تقول : " مدبرة المنزل يا سيدتي , ولكن .. هل أنتِ بخير يا سيدة (فولر) ؟
بللت (بيج) شفتيها بلسانها و قالت : " نعم , أنا بخير .. مجرد أنني ..
و تنبهت ذاكرتها فجأة ... السيدة (فولر) .. إنها هي ولكنها ليست زوجة (آلن) ..
بل زوجة (كوين) !
جلست في فراشها ببطء و أجرت يديها في شعرها المبعثر .. أحست بدوار .. و كأنها أفرطت في الشرب .. . إنها رحلة الطائرة النفاثة .. ونتيجة التركيز في نهاية يوم أمس لمدة أربع ساعات استغرقتها الرحلة من نيويورك إلى لندن .. شيء آخر ..
إنه الطريق الذي انتقلت له حياتها في الساعات الأخيرة ..
كانت (نورا) تقول شيئا عن جمال الطقس لهذا اليوم ..
رفعت (بيج) بصرها وابتسمت لها بتردد ..
" آسفة يا (نورا) . يبدو أنني مرهقة بعض الشيء .. كم الساعة الآن ؟ "
" تجاوزت الثامنة بقليل يا سيدتي " .
وضعت (بيج) يديها على رأسها .. و سألت بضحكة محدودة :
" صباحاً أم مساءً ؟ "
ابتسمت (نورا) , وقالت : " صباحاً يا سيدتي .. هل تحبين أن أعد لك الحمام ؟ "
" لا , شكراً "
أومأت المرأة وقالت : " لقد أعددت الإفطار في المكتبة , أرجو أ، يلقى هذا قبولك " ..
بعد كل الذي حدث لها , ضحكت (بيج) من فكرة أن يكون هنا من يتساءل عما يلقى قبولها ..
و رفعت مدبرة المنزل حاجبيها وهي تسألها مرة أخرى :
" هل أنتِ واثقة أنك على ما يرام يا سيدة (فولر) ؟ ربما يجب أن أرسل لكِ السيد (فولر) ! "
قالت (بيج) بحدة : " لا "
ثم التقطت أنفاسها , وقالت بحذر :
" لا .. شكرا لك يا (نورا) "
و ابتسمت وهي تتابع :
" أنا بخير "
و طوحت بالأغطية قائلة :
" إن فنجان من القهوة سوف ......
تعثرت الكلمات .. وصمتت عندما نظرت إلى نفسها في المرآة ..
كانت ترتدي ثوب نوم بلون الكريم الباهت .. واحد من الثياب المزركشة التي اشترتها لها أمها في جهازها ... ولكن متى ؟! .. ومن ؟! ..
تراءت لها ذكرى سريعة مروعة ليدين قويتين داكنتين و وهما تفكان أزرار بلوزتها ..
ولكن لم تتذكر أي شيء بعد ذلك ..
" سيدتي ؟! "
التقطت (بيج) أنفاسها , وقالت : " فقط أخبري .. أخبري السيد (فولر) أنني سأهبط خلال دقائق قليلة .. فقط سأفرغ حقائبي "
هزت مدبرة المنزل رأسها , وقالت : " سأقوم أنا بذلك أثناء تناولك الإفطار يا سيدتي .. كنتُ سأقوم به ليلة أمس بعد ما أرسلني السيد (فولر) لأساعدك على ارتداء ثياب نومك . ولكن طلب مني ألا أزعجك . . لذلك ...
أصدرت (بيج) ضحكة مرتعشة , و قالت : " تقصدين أنك أنتِ ... شكراً يا (نورا) ليس من عادتي أن أكون بهذا العجز .. "
ابتسمت المرأة في سرور .. وقالت :" أنتِ لم تكوني عاجزة على الإطلاق يا سيدة (فولر) .. فقط كنتِ منهكة , ومن لا يكون كذلك بعد مثل هذا اليوم المثير ؟ إنه لشيء خيالي جداً "
" خيالي ؟! "
" فرارك للزواج دون موافقة أهلك يا سيدتي . من كان يظن أن السيد (فولر) سيعود إلى المنزل مع عروس ...
جميلة "
توردت وجنتا (بيج) , وقالت : " حقاً ؟ " , و اغتصبت ابتسامة بشفتيها المتيبستين , و أضافت :
" من كان يظن ؟ "
بمجرد أن أُغلق الباب .. اختفت الابتسامة المصطنعة .. وسبحت في أفكارها ..
شيء مثير .. خيالي ..
أوه .. نعم .. هذا ما يظنه الجميع ..
لا يحلم أي إنسان بأنه جاء إلى هذا المنزل في لندن , رُغماً عنها .. و كأسيرة أكثر منها زوجة ..
لقد رتب (كوين) أن يراهما العالم كعاشقين .. سقطا في الهوى رغماً عن إرادتهما .. ولقد أدى الدور ببراعة لعينه .. فقط هي و (كوين) يعرفان الحقيقة البشعة ..
وضعت (بيج) فنجان قهوتها على المنضدة .. وسارت إلى النافذة .. أزاحت ستائرها الثقيلة جانباً ..
و مدت بصرها إلى الشارع المشمس ..
إنها لندن .. و راقبت المنظر الذي تطل عليه , والغير مألوف لها ..
كان المنزل مُحاطاً بشوارع هادئة .. ضاحية ماي فير .. نعم لقد سمعت (كوين) يقول اسم الضاحية لسائق التاكسي الذي أحضرهما من المطار ..
في ظروف أخرى , كان ينبغي أن ترقص من الإثارة .. سروراً بسحر هذا الشارع المرصوف بالمربعات الحجرية الكبيرة , والبيوت الصغيرة المبنية على الطراز المنسوب للملك (إداور) , والسيارات التي تسير على الجانب المخالف من الطريق .
تركت الستائر تعود لمكانها مرة أخرى .. كان منظر الشارع يؤكد إحساسها بالانتقال من موطنها إلى هنا .. إنها في بلد غريب ولا تعرف أحداً .. فقط (كوين) ..
و كأن عقارب الساعة قد عادت للوراء أربعة أو خمسة قرون .. و هاهو (كوين) يمتطي جواداً راقصاً و يختطفها .. نعم .. إنها رهينة لديه الآن ..
التقطت (بيج) نفساً عميقاً عندما بدأت في ارتداء ملابسها ..
إنه وقت مواجهة (كوين) و وضع قواعد لحياتها الجديدة .. معه ..
ستكون هناك ((تعويضات)) .. هكذا قال لها عندما أخذها من منزل آل (فولر) منذ مليون سنة ..
لم تطالب بهذه التعويضات منه .. فقد كانت مأخوذة تماماً بما يحدث .. ولكنها ستطالب بها الآن .. ستخبره أن هناك حدوداً لما يمكن أن يحدث بينهما أو يطلبه منها ..
قد تكون سجينته .. لكنها لن تكون جاريته أبداً ...
كان الصمت يخيم على الرواق خارج حجرتها .. لقد رأت جزءاً يسيراً من المنزل ليلة أمس .. فمن بين ذراعيه استطاعت أن تلمح جدراناً داكنة و أركاناً معتمة .. والآن .. يكشف ضوء النهار عن منزل جميل ملئ بالأجهزة الكهربائية التي تحمل طابعاً رجالياً ..
حادثت نفسها .. لا توجد هنا جسور متحركة ولا خنادق سرية .. وندت عنها ضحكة ساخرة وهي تنزل الدرج .
كان من الواضح أنه منزل (كوين) , الجدران تزدان بإطارات تضم صوراً بالأبيض والأسود لمناظر و أماكن مختلفة من البلاد .. يجمع بينهما درجة من الكآبة التي تتدفق كأنهار مظلمة ..
أدركت (بيج) سريعاً أن (كوين) هو الذي التقط هذه الصور .
و على المنضدة بالصالة الأمامية .. كانت هناك كومة من الخطابات , كُتبت عناوينها بنفس الخط المتدفق الثابت الذي تعرفه .. إنه خط (كوين) !
و على ظهر احد الكراسي , رأت سترة (تويد) مُلقاة بلا اهتمام , إنها سترته , لمستها بيدها , وأحست بضربات قلبها الثقيلة المفاجئة تجتاح صدرها ..
وصلت الموسيقى إلى أسماعها ,, إنها تنساب من باب نصف مفتوح في بداية الصالة . موسيقى موتَسارت .. وسارت تجاهها على مهل .. و عند مدخل الحجرة , توقفت , و فجأة .. جف حلقها ..
كان وحده في حجرة الضيوف .. و كانت تقول في نفسها أن من السهل أن تضع القواعد التي ستحكم حياتها الجديدة .. في هذه اللحظة .. عرفت أن الأمر لن يكون بالبساطة التي تخيلتها ..
ولكنها ستفعل .. هذا هو المهم .
رفع التصميم من هامتها .. وتقدمت خطوة , وطرقت الباب النصف مفتوح ...
" ادخلي يا (بيج) .. أغلقي الباب ورائك "
كان (كوين) يجلس إلى مكتب عتيق الطراز في أقصى الحجرة .. نهض عندما دخلت و ألقى ببعض الأوراق على المكتب الذي يفتقر إلى النظام ..
كانت الحجرة جميلة .. إلى جوار المكتب كانت هناك منضدة من النحاس و أخشاب الساج .. يعود طرازها لعصر حملات نابليون , و قد وضع عليها جهاز كومبيوتر أنيق ..
كانت الكتب تكاد تحجب الجدران مع مزيد من الصور .. بعضها دون إطار وقد لصق على الحائط ببساطة .. و أكثر ما يلفت النظر في الحجرة كان مُصطلى النيران الرخامي , وقد اتقد الفحم بداخله طارداً برد الصباح .
كانت الستائر تُغطي بابين داخليين يطلان على ما افترضت (بيج) أنه حديقة , وبين البابين وُضعت منضدة صغيرة .
عادت عيناها إلى (كوين) .. كان يرتدي سروالاً رمادياً و سترة زرقاء قصيرة . وكان يرقبها بنظرة مندهشة .
سألها: " ما رأيك ؟ هل أعجبتك الحجرة ؟ "
نظرت له بثبات , وقالت : " قالت (نورا) أنك تريد رؤيتي ! "
ارتفع حاجباه دهشة , وقال : " لم تكن تلك الرسالة التي بعثتها على وجه الدقة , لقد طلبت منها إخبارك أن الفطور جاهز . "
ارتسم الخجل الخفيف على وجنتها , وقالت : " نعم , هذا ما قالته .. ولكني لا أتناول إفطاراً , شكراً لك , أنا أشرب القهوة فقط في الصباح و ...
قال مبتسماً : " و كذلك أنا . ولكنني ظننت .. حيث أن هذا يوم خاص ...
ازداد تورد وجنتيها , وبدأت تشيح بوجهها .. وهي مصممة على ألا تنزلق في لعبة القط والفأر .
" إذا كان هذا كل ما أردتَه ...
" هل تفضلين قهوتك سادة ؟ أم مع القشدة والسكر ؟ "
اجتاز الحجرة إلى المائدة القصيرة الأنيقة و التي وُضعت عليها الصينية .
" سادة .. ولكن ...
كرر : " سادة "
و تناول إبريق قهوة فضي . وعبقت الحجرة برائحة عطرية عندما ملأ فنجانين وناولها أحدهما , وقال : " سأتذكر ذلك .. يجب أن يعرف الزوج القهوة التي تفضلها زوجته .. ألا ترين ذلك ؟ "
التقطت نفسهاً عميقاً ..
" (كوين) , هناك أموراً يجب أن نناقشها ...
" القهوة أولاً .. وبعد ذلك سأنظر في أمر النقاش "
ارتشف بعضاً من قهوته ثم عاود النظر إليها , وقال : " هل تشعرين بتحسن ؟ "
أومأت , وقالت : " أفضل كثيراً , أنا .. فقط كنتُ متعبة على ما أظن .. أنا ..
" نعم كنتِ غائبة عن العالم " .
عادت لها صورة كأنه احلم .. لمسات دافئة .. و شفتان تلمس باطن يدها بأرق القبلات ..
" وعندما رأيتك في الصباح وددت أن أدعك تنامين قدر ما تريدين .. ولكن هذا يزيد من صعوبة التعود على فارق التوقيت ..
و أمال رأسه جانباً , وقال : " هل بقهوتك شيء خطأ يا (بيج) ؟ "
لكنه يعلم ما الخطأ .. ذلك اللعين ..
إنها تستطيع أن ترى السخرية في أعماق عينيه الباردة الزرقاوية كمياه المحيط ..
" هل كنت في حجرتي أثناء الليل ... ثم هذا الصباح ؟ "
هز رأسه موافقاً .. فتابعت : " لكنك قلت ..
قال بتأوه : " في الواقع .. أنا كنتُ في حجرتي يا (بيج) "
حجرته .. لقد نامت في حجرته !! .. في فراشه ...
" حجرتك !! "
كان صوتها مرتفعاً فبدت الكلمات كأنها ترتعش في الهواء , و أضافت : " لقد ظننت .. لقد افترضت أنني كنتُ في حجرة الضيوف "
التقت عينا (كوين) بعينها و هو يسألها :
" لماذا تنام زوجتي في حجرة الضيوف ؟ "
" (كوين) .. منتديات ليلاس
ابتسم وقال : " لقد نمتُ أنا في حجرة الضيوف .. يا (بيج) "
اندفع زفيرها قوياً من رئتيها , وقالت :
" لم يكن هذا ضرورياً .. "
و تخضب وجهها خجلاً مرة أخرى , وتابعت :
" أقصد أنني سأنام في حجرة الضيوف .. أنا لا أجد بأساً في ..
" ولكنني أجد بأساً "
كان صوته واضحاً وكلماته حادة .
" حقيقة يا (كوين) , سيكون ذلك على ما يرام .. أنا ..
" لا أظن أنك تفهمينني يا (بيج) . فنحن لن ننام في حجرتين منفصلتين "
اهتز صوتها و هي تقول : " ليس لدي أي نية لــ ...
قال : " أنتِ زوجتي " .. وكأنه التوضيح الوحيد اللازم لذلك ...
مسحت عيناه جسدها ببطء .. كادت هي أن تشعر بعناقهما .. ثم أضاف :
" لقد رأت (نورا) أنها شهامة مني أن أدعك تنعمين بنومك في ليلتنا الأولى معاً "
" أنا لا أكترث البتة لما قد تقوله (نورا) .. فأنــ ..
" لم تبغ الحقيقة نصف هذا الاحترام " ..
سرت كلماته خلالها كالبرق في السماء المظلمة . و أضاف : " الحقيقة هي أنني أريد أن تكوني متيقظة و دافئة و أنتي بين ذراعي (كوين) " .
و التقت عيناه بعيناها , وتابع : " ولهذا أمضيتُ ليلة أمس خراج فراشنا " .
فراشنا !
حدقت فيه وتساءلت إن كان سمع دقات قلبها , ورأته قد اختار هذه الكلمات الناعمة عن قصد لكي يفقدها توازنها . ولكن نظرة واحدة إلى وجهه .. إلى وضع فكه المتحدي والبريق المتوحش في عينيه.. كل ذلك أنبأها أن ماقاله كان الحقيقة المجردة .
سارت (بيج) عبر الحجرة حيثُ وضعت فنجانها والصفحة على المائدة . وقالت بسرعة : " هذا مستحيل .. نحن لسنا ..
ضحك قائلاً : " لسنا زوجة و زوجة ؟ توجد وثيقة رسمية على مكتبي تقول ذلك " ..
رفعت ذقنها قائلة في تحد : " إن زواجنا عار .. كلانا يعرف ذلك يا (كوين) .. نحـ ..
اجتاز الحجرة إليها في خطوات واسعة فتراجعت حتى وصلت إلى الحائط .
قال بتأوه : " أنصتي لي يا جميلتي جولييت ... أنا أحب أخي .. ولكنني لستُ مرشحاً لأكون قديساً .. كان الزواج منكِ لحماية (آلن) شيء .. أما عدم الاستفادة مما حدث فهو شيء آخر , مختلف تماماً "
أشاحت بوجهها عندما مد يده إليها , ولكنه أمسك بذقنها وأدار وجهها إليه , وقال : " سأكون جديراً باللعنة , لو كنتُ أنا الخاسر الوحيد في هذه العملية " ..
أجبرت عينيها أن تلاقيا عينيه دون إجفال . . وسألته بتأوه :
" ماذا خسرت يا (كوين) ؟ .. لقد آذيتَ أخاك .. و أربكتَ عائلتك , وأفسدتَ حياتي .. "
اشتدت قبضته عندما انزلقت لمؤخرة عنقها .. و تساءل :
" أفسدتُ حياتكِ "
كان صوته في صمت القبور , وتابع : " لقد بلغتِ مأربكِ يا حبي .. لقد أردت أن تتزوجي المال .. و أنا لدي أموال يا (بيج) أكثر مما يستطيع (آلن) أن يقدمه لكِ .. لقد أردت أن تتزوجي أحد أبناء (فولر) .. بحق الله , كان لابد أن تتزوجي أحدهم من أجل والدك .. حسناً , أنا أحد أبناء (فولر) "
ثم انفرجت شفتاه كاشفة عن أسنانه ., و أضاف : "ليس الشخص المُستهدف بخططك .. ولكن هذه ميزة , أليس كذلك ؟ "
قالت (بيج) بسرعة : " لا تقارن نفسك بـ (آلن) .. أنت لا تشبهه في أي شيء "
كتمت أنفاسها عندما جذبها (كوين) إليه , وقال في همسة خافتة :
" بالضبط .. يكفي أن تفكري في متعتك و أنتي بين أحضاني أكثر منك بين أحضانه "
أحست بالدماء تهرب من وجهها , وقالت : " هذا شيء مثير للغثيان . أنتـ ..
قال (كوين) بهدوء : " يمكنني أن أفهم الآن .. هذه الرجفة البريئة على شفتيكِ , ونظرة الخوف التي تملأ هذه العيون الواسعة .. "
و تحرك إبهامه بخفة على امتداد حلقها , و تابع : " لا عجب أن ظن (آلن) ..
قالت بحدة : " لن أعيش معك ..
" ستفعلي ما يمليه عقدنا "
" ما يمليه ماذا ؟! "
" عقدنا .. قسم زواجنا " , وابتسم ببرود , و أضاف : "لا تقولي أنكِ قد نسيتِ فعلاً تسوية الأمور التي توصلنا إليها "
مست (بيج) شفتيها بطرف لسانها , وقالت : " كانت كذلك بالضبط .. تسوية و ..
" أنا أعرف المصطلحات يا (بيج) , صدقيني ليس لدي أي وهم بشأن حب ضخم قد يكون بيننا "
" ولا أنا .. وهذا سبب لـ ..
قاطعها بصوت مرتفع : " سبب أنكِ كنتِ تفضلين (آلن) , أليس كذلك ؟ .. سيكون (آلن) عريكة .. لن يطلب أي شيء مطلقاً , ولن يسأل عن أي شيء .. وسيكون ممتنا لأي فتات تلقين به إليه "
و أطبقت يداه على كتفيها بقوة قائلاً :
" ولكنني لستُ (آلن) "
تجمعت الدموع في جانبي عينيها , وقالت بسرعة : " لا . أنت لا تشبه (آلن) في أي شيء .. إنه عطوف و مراع لمشاعر الآخرين و ..
" و هو لا يصلح لمومس مثلك "
التوت ضد القوة الحديدية ليديه , وقالت بصوت مخنوق : " لا تصفني بذلك أيها اللعين .. أنا ..
" لا عليكِ يا (بيج) , لا داعي لهذا الهراء .. كلانا يعرف حقيقتك "
همست وهي تحاول أن تمسح دموعها بيدها :
" أنت لا تعرف عني أي شيء "
" بالعكس أنا أعرف عنكِ كل شيء . لكن (آلن) هو الذي لا يعرف شيئاً .. لقد تبعتني مثل ..
سألته في تحد : " أنت لم تأبه عندما عرفت أنني مخطوبة لشخص آخر أليس كذلك ؟ .. لقد قلت (الجحيم على خطيبك انسيه ) .. ولكن عندما أدركت أنني مخطوبة لـ (آلن) ...
توترت عضلة فكه , وقال : " تقصدين عندما أدركت أنكِ قد خدعته , و أنكِ جعلته يراكِ على غير حقيقتكِ "
ثم أضاف بهدوء : " أنا أعرف كيف أتعامل مع امرأة مثلك . لكن (آلن) لا يعرف .. إن الأبرياء يحتاجون لمن يحميهم . وهذا سبب أنني أخذتكِ منه "
سددت نظرتها الحاقدة إليه قائلة : " رائع جداً .. (كوين) تقدم على تضحية لأجل أخيه الصغير "
" بمعنى ؟ "
ابتسمت ببرود , و قالت : " هل هذا هو السبب الذي تردي أن تصدقه ؟ "
أظلمت عيناه , وقال : " بحق الله .. مالمقصود بهذا السؤال ؟! "
قالت بصوت يفيض بالغل : " فقط أنصت لنفسك يا (كوين) .. كل هذا الحديث عن (حماية) الأبرياء هل يدخل ابتزاز النساء ودفعهن إلى فراشك ضمن هذه (الحماية) .. إنك حتى قد تقدمها بكرم شديد "
" اللعنة عليكِ يا (بيج) "
" لماذا لا تحاول أن تكون صادقاً مع نفسك ؟ .. أنت لم تتزوجني لتحمي (آلن) .. لقد فعلت ذلك لأنك أردتني لنفسك أيها البغيض "
اعتصرت يداه يديها وهو يجذبها إليه بوحشية , وقال : " أنتِ تتمنين أن تصدقي هذا , أليس كذلك ؟ "
قالت : " لا أدري لم أرى ذلك قبل الآن ...
و هنا ذهبت رغبتها في إيذائه بصوابها .. وأكملت : " هل كنتَ تحاول استغفالي أم استغفال نفسك ؟ .. ليس هذا ما يهم ... كلانا يعرف الحقيقة , أليس كذلك ؟ .. أراهن أنك أعدت على أن تخطف لُعب (آلن) منه أيضاً "
ضحك قائلاً : " أنا أكبر من (آلن) بتسعة أعوام يا (بيج) .. الأشياء الوحيدة التي آخذها منه هي فقط ما تؤذيه " . وتوقف .. وارتسمت على جانبي فمه ابتسامة لا تحمل من الابتسام شيء , و أضاف :
" أشياء مثلك مثلاً "
" ماذا تعرف عني أو عن (آلن) ؟ لقد خرجت من حياته منذُ سنين .. تلهو بالمعيشة مُغترباً .. تعبث بأجهزة الكومبيوتر ..
ضاقت عيناه وهو يحدق فيها , وقال : " يؤسفني أن أخيب أملك , غير أن هذا لم يحدث . أنا لم (أعبث) بأي شيء .. لقد عملتُ بكل جدية كي أصل إلى ما حققته " .
" إنه (آلن) الذي عمل بجدية , وحمل على كاهله العبء في مؤسسة (فولر) بعد انسحابك " .
سقطت يداه عن كتفيها , وقال بهدوء : " أنتِ لا تعرفي أي شيء بخصوص ذلك "
عندما راقبت وجهه , عرفت أنها قد نفذت تحت سطح الهادئ , و أنها مست بعض الجراح الخفية , وتحدثت بسرعة .. باحثة عن الكلمات التي قد تجرحه ..منتديات ليلاس
" أنا اعرف ما يكفي .. لقد تركت عائلتك ..
ضحك لاشمئزازها , وقال : " أنا في ثقة الجحيم مما فعلت .. لقد غادرت بناءً على طلبهم .. ألم يخبرك (آلن) بذلك ؟ "
حدقت فيه (بيج) وقالت : " تقصد أن والديك هما من طلبا منك المغادرة ؟ "
ابتسم قائلاً : " أنا نفسي لا أستطيع صياغة ما حدث في كلمات أفضل من هذه "
استرسلت في محاولة جرحه أكثر , وقالت : "أنت تبدو .. أنت تبدو وكأنك فخور بذلك "
" لأنها الحقيقة اللعينة .. أنا فخور بما فعلته ...
" يا لـ (آلن) التعس .. وكان يسميك (أخي الأكبر) ! .. وهو يتحدث عنك كأنه .. كأنك من طراز سيد خاص "
نظرت له , ثم أشاحت بوجهها , وتابعت : " أنا سعيدة لأنه لا يعرف الحقيقة "
قال (كوين) بهدوء ساخر : " ياله من إخلاص "
اتقدت عينا (بيج) بالغضب .. وقالت : " أعرف أنه شيء أبعد من أن تفهمه , ولكنني لا أريد أن أرى (آلن) و قد مسه الأذى "
خفض (كوين) رأسه في تقدير ساخر , وقال : " رائع .. لولا معرفتي الجيدة بكِ , لربما أكون قد صدقتك ! "
قالت بصوت كالفحيح : " فقط لو أنك لم ترجع , فقط لو بقيتَ بعيداً "
قال : " ولكنني لم أبق بعيداً " , وجذبها إليه قائلاً : " لقد عاد الابن المعربد ... وأفسد كل خططك الدقيقة البارعة . حظٌ سيء يا محبوبتي "
" لا فائدة من النقاش معك .. أليس كذلك ؟ .. فأنتَ على يقين لعين أنك على صواب "
" أنا على صواب فيما يخصك يا (بيج) .. ستجدين من الصعب أن تصدقي ذلك , ولكن النساء أمثالك .. ليس شيئاً نادراً " .
رفعت بصرها متسائلة : " و ما المقصود بذلك ؟ "
" ما قلته فقط , لقد قابلتُ أمثالك من قبل .. أنتِ و أمثالكِ تبعن أنفسكن مقابل أي شيء يمكن الحصول عليه .. لذة عابرة .. أو إثارة طويلة المدى .. حسب المناسبة والمشتري .. أنتن يمكن أن تقمن بأي شيء "
" يا إلهي , كم أكرهك .. لا عجب أن قذف بك والدك بعيداً .. ربما كنتَ من أولئك الصبية الملعونين اللذين يخلقون المشاكل في كل آن "
ضحك قائلاً : " لقد كنتُ من ذلك النوع الذي يفكر لمصلحته يا (بيج) .. ولا زلت كذلك . لو أن (آلن) طوًر من موهبته الفطرية فربما تمكن من الرؤية الصائبة و أكتشف مسرحية الملكة الثلجية التي تمثلينها"
شحب وجهها , وهمست : " لا حق لك في أن تقول ذلك لي .. أنا لم أكذب على (آلن) مطلقاً بشأن .. بشأن هذا الأمر .. إن (آلن) يعرف أنيــ
" (آلن) لم يعرف أي شيء . لقد جعلت ذلك اللقيط التعيس نصف مقتنع أنك الجمال النائم و أنه الأمير المنقذ الذي ستوقظك قبلته الأولى " .. قبض على كتفيها بقوة و جذبها غليه قائلاً : " فقط لو كان يعرف الحقيقة " .
التوت (بيج) محاولة الإفلات منه , وقالت : " أنا لم أغر أخاك على الإطلاق .. لقد كان يطاردني .. أنا ..
قاطعها : " نعم .. أراهن على أنه فعل ذلك "
كان صوته حاداً يفيض بالسخرية , و أضاف : " لقد جعلته كفرد مروض .. تدلين له بالجزرة فيتبعك إلى أي مكان .. وكنتِ ستنجحين لو أنكِ لم تلتقي بي صدفه " .
رفعت (بيج) نفسها إليه , وقالت بتصميم : " مرة أخرى نعود لنفس نقطة البدء : ( (كوين) ينقذ (آلن) من براثن المرأة الفاتنة ) , أنا مندهشة أنك لم تحكي لجميع من قابلك عني .. إذا صدقوا أكاذيبك .. لكان مكانك قد تغير بين عشية وضحاها من خروف العائلة الأسود المنبوذ إلى البطل الخارق " .
لمعت عيناها بالتحدي .. و أضافت : " أتمنى ألا تكون أحمقاً لدرجة أن ترى فيما فعلته تذكرة عودتك إلى عائلتك يا (كوين) .. لقد زاد إسوداد اسمك أكثر مما مضى "
ضحك بصوت ناعم مرعب .. وتظاهر بالاستحسان قائلاً :" أداء رائع , أنا أكرر ما قلته سلفاً يا (بيج) : مثيلاتك لسن شيئاً فريداً , ولكن قد تكون مواهبك فريدة .. علم نفس أخرق تافه و تمثيل حقير .. اللعنة .. ولكنك بارعة "
انزلقت يداه إلى خصرها و جذبها إليه أكثر , وأضاف : " ولكنكِ لستِ بارعة بدرجة كافية " .
سرى الخوف في أوصالها عندما أحست بحرارة جسده وهو يلامس جسدها ..
" دعني "
ابتسم ببرود , وقال : " هل أفاد ذلك مع (آلن) "
و شهقت عندما ضغطها إليه مستعرضاً قوته و أضاف : " بيقين الجحيم إن ذلك لن يحرك لي ساكناً "
" لا تـ ..
ارتفعت يداه على ظهرها ثم أحاط بها وجهها وأماله إليه , وقال : " لم يكن هذا ما قلته على الشاطئ "
ردت بسرعة : " كان لا بد أن أقوله .. و ها أنا ذا أقوله الآن .. أرجوك ..
قال بهدوء : " عودة ملكة الثلج .. يالها من فتنة "
تحرك إصبعا إبهامه ببطأ على حلقها .. وابتسم لها ابتسامة خطرة خاطفة , وقال : " ولكن الوقت متأخر جداً لمحاولة ذلك يا (بيج) , لن يجدي .. ليس معي .. "
سألت في يأس : " أليس بإمكانك .. أليس بإمكانك أن تنسى تلك الليلة ؟ لقد قلت لك مراراً وتكراراً أنها كانت غلطة .. إنها كانت ...
بدت عيناه غامضة وهو يلف يديه حول عنقها , وقال بصوت ناعم : " لقد عرفت نساء كثيرات يا جولييت الجميلة .. أرادت بعضهن القيام ببعض الألعاب التي ربما تصيبك بالخجل ولكن ما حدث على ذلك الشاطئ .. "
بسطت يداها على صدره , وقالت : " أنا .. أنا لا أريد أن أتحدث عنه .. لقد كان ذلك .. كان كما لو أنـ ..
ضحك بهدوء , وقال : " أنتِ لستِ مضطرة لإخباري كيف كان .. أنا أذكره .. و سأظل دائما أعيش ذكراه .. " , وغلظ صوته ثم تابع : " لماذا لم تعودي لي في تلك الليلة ؟ "
" أنا .. أنا لم أستطع .. لقد كانوا .. كانوا ينتظرونني .. وقد كان ما فعلناه خطأً .. كنتُ .. كنتُ سأتزوج (آلن) خلال أيام قلائل .. كنتُ ..
أظلمت عيناه , وقال : " كنتِ خائفة من ضبطك " .
" نعم .. لا لا .. ليس كذلك .. أنا كنتُ مرتبكة جداً .. فقط لم أرد أن أؤذي (آلن) "
" تقصدي أنكِ لم تريدي أن تخسري الربح الذي جاهدتي بقوة لتحقيقه .. لقد عدتِ إلى قاعة الرقص و واصلتِ إمتاع نفسك .. ماذا لو كان شخص ما قد رآنا ؟ كانت كل خططك ستذهب أدراج الرياح "
" أنت على خطأ يا (كوين) .. أنا ..
حاولت أن تشيح بوجهها بعيداً عنه , ولكن منعتها يداه ..
" لا شيء تمنحيه لـ (آلن) بدون زواج .. هذا كل ما في الأمر , أليس كذلك ؟ كان هذا ما أوقعت به ذلك المسكين في المقام الأول "
" لقد سمعت ما يكفيني .. لن أدعك تقول هذه الأشياء لي .. أنا ..
" أجيبيني .. هل كنتِ ستسمحين لـ (آلن) أن يفعل ما يريده معك ؟ "
تمتمت : " نعم "
" لأنه سيكون زوجك ؟ "
قالت مرة أخرى : " نعم "
التقط (كوين) أنفاسه بعصبية , و قال : " لأن هذا سيكون مكافأته إذا جعلك أحد أفراد عائلة (فولر) "
رفعت رأسها في حدة , وقالت صارخة: " لا .. عليك لعنة الله يا ابن (فولر) "
كان هناك شر يتأرجح في عينيه , وقال بهدوء : " حسناً .. أنتِ الآن أحد أفراد هذه العائلة يا (بيج) "
ثم انزلقت يداه إلى أسفل حلقها ..
إلى كتفيها ..
إلى ظهرها ..
و تأوهت بألم عندما جذبها إليه بقسوة قائلاً :
" و هذا وقت المكافأة "
بدأت ترتعد بين يديه , وقالت :
" لا تفعل ذلك يا (كوين) .. لقد عقدنا صفقة ..
" نعم . و أنا قلت أنني سأحمي والدك إذا تزوجتني "
" ولقد تزوجتك يا (كوين) .. أنا ..
تحركت يداه على جسدها مضرماً فيه النار ببطء .. وهمس :
" نعم .. لقد فعلتِ .. و أنا الآن أريدكِ في أحضاني "
كانت لمسته واثقة , وخبيرة .. و بدأت هي ترتجف تحتها ..
التقطت أنفاسها قائلة : " دعني أعود لبيتي يا (كوين) , أتوسل إليك ..
" هذا بيتك يا (بيج) "
" طلقني .. افسخ عقدنا ..
ضحك بتأوه , وقال : " لن يكون هناك أي مجال للفسخ .. ليس بعد الليلة "
ومع أخر ذرة في جهدها , رفعت (بيج) رأسها و سددت نظراتها إلى عينيه ..
قالت في كراهية واضحة : " أتمنى أن تُحرق في الجحيم "
ومض ضوء ما في أعماق عينيه الزرقاء بلون أغوار البحر ..
و همس :
" أحياناً يا جولييت الجميلة .. أعتقد أنني فيه فعلاً "منتديات ليلاس