.
ولكن في إسبرطة منحت المرأة بعض الحقوق المدنية المتعلقة بالبائنة والإرث وأهلية التعامل مع المجتمع الذي تعيش فيه، ولم تكن هذه الميزة للمرأة الإسبرطية وليدة تشاريع أو نصوص قانونية، وإنما كانت بسبب وضع المدينة الحربي حيث شغف الرجال بخوض المعارك مما أفسح المجال أمام المرأة لتخرج من عزلتها في بيتها لشراء حاجاتها أثناء غياب زوجها، لذلك يمكن أن نعتبرها أفضل من المرأة التي كانت تعيش في أثينا وبقية البلدان اليونانية الأخرى
ولما أخذت الحضارة الإغريقية تتطور وتتقدم تبدلت أوضاع المرأة الإغريقية بشكل جذري وسريع، فراحت ترتاد الأندية وتختلط بالرجال مما أدى إلى إشاعة الفاحشة والزنى، واعتبرت دور البغايا مراكز للسياسة والأدب، واتخذت التماثيل للنساء العاريات باسم الأدب والفن.
وليس بمقدورنا أن ننكر بأن أسباب الكبت التي عانته المرأة اليونانية، ولد لديها القلق في فترة من فترات التاريخ فعمر قلبها بالحقد، واشتعلت نفسها بالكراهية لصنف الرجال فراحت تحرق نفسها بنفسها كشمعة لتنير دروب التقدم والتطور للمرأة الإغريقية.
ورغم كل هذه الأمور لابد لنا من أن نتساءل هل المرأة الإغريقية قد نالت حقوقها كاملة من الرجل مع تقدم حضارة بلادها أم لا؟ وجوابنا على هذا السؤال يتخلص في أن المرأة الإغريقية لم تنل حقوقها كاملة، ولم تحصل على اهتمام الرجل رغم تقدم الحضارة ونبوغ الفلاسفة والعلماء في بلاد الإغريق، ومع هذا الإهمال فقد حصلت على بعض الامتيازات في عصور الترف والبذخ، وكانت هذه الامتيازات نتيجة حتمية للوجاهة الاجتماعية والنهوض إلى المتعة والشهوة.
وبالرغم من الحياة الإغريقية الباذخة لم تحصل المرأة الإغريقية على كامل حقوقها التشريعية القانونية نظراً لانشغال القادة والمفكرين والفلاسفة بالمجون والترف، مما أدى إلى انتشار الفسق والفجور في المجتمعات اليونانية دون أن يلتفت إلى هذا المجون أي مصلح اجتماعي محاولاً إيقافه عند حده ولو عن طريق نص بعض القوانين والتشريعات التي تحد من انغماس المرأة في هذه الحرية المصطنعة الغير منضبطة.
ومما يلفت النظر بأن أثينا وأغلب بلاد اليونان قد فرضت الحجاب على النساء الحرائر، ورفعته عن الإماء والبغايا. ففي بيوت الحريم على سبيل المثال كانت المرأة أو الفتاة التي لم تتزوج بعد، تقبع في ركن الحريم لا تغادره حتى زواجها حيث يتم نقلها إلى بيت الزوجية، ولم يكن الزوجان يرى أحدهما الآخر إلا ليلة الزفاف. ولم يكن الزواج يخول للمرأة حرية الاختلاط بالرجال ولا حرية الخروج من المنزل. فلم تكن المرأة تستقبل في دارها سوى النساء أو أقاربها الأقربين من الذكور. ولم يسمح لها باستقبال ضيوف زوجها أو مجالستهم، أو تناول الطعام معهم ولو بحضور زوجها، بل كان مجرد حضور الزوج مصحوباً بأحد أصدقائه سبباً في اختفاء المرأة من الجزء الخارجي من الدار لتحتمي في الغرف المخصصة للنساء. وعندما قدم (كورينلوس تيبوس) المؤرخ الروماني لزيارة اليونان في القرن الأول قبل الميلاد، أدهشته حياة العزلة والانفصال التي تعيشها المرأة اليونانية وهو الذي تعود في بلده على اختلاط الجنسين، فكتب يقول: ((كثير من الأشياء التي نظمها الرومان بلباقة يرى فيها اليونانيون منافاة لحسن الآداب. فأي روماني يستشعر العار من اصطحابه زوجته إلى مأدبة؟، والرومانيات يشغلن عادة الحجرات الأولى من المنزل والأكثر تعرضاً للرؤية حيث يستقبلن كثيراً معارفهن. وأما عند اليونانيين فالأمر على النقيض. فنساؤهم لا يشتركن في مأدبة إلا إذا كانت لدى أقاربهن، وهن يشغلن دائماً الجزء الأكثر انزواء من المنزل والذي دخوله محرم على كل رجل غير قريب)).ولم يكن يسمح للمرأة أن تخرج من دارها إلا بإذن زوجها، ولم يكن ذلك عادة إلا لسبب وجيه، كزيارة قريبة أو عيادة مريض، أو أداء واجب العزاء. وفي الحالات التي كان يسمح فيها للمرأة بالخروج كانت التقاليد تلزمها بوضع حجاب يخفي معالم وجهها.
ويصف ديكايرش حجاب نساء طيبة إحدى المدن اليونانية، فيقول: ((إنهن كن يلبسن ثوبهن حول وجههن بطريقة يبدو معها هذا الأخير وكأنه قد غطى بقناع، فلم يكن يرى سوى العينين)). وفضلاً عن ذلك كان من اللازم أن يرافقها أحد أقاربها من الذكور أو أحد الأرقاء. وكان بعض الأزواج لا يكتفي بما كانت تفرضه التقاليد على حرية المرأة، فكانوا يضعون أختامهم على أبواب دورهم عندما يتغيبون رغبة في زيادة الاطمئنان.
ومما يلفت النظر أن بعض الفلاسفة والحكماء اليونانيين قد طالبوا بإلغاء هذه التقاليد والعادات وخاصة ما يتعلق منها بنظام الحجاب. فيذكر (ميناندر) على سبيل المثال، أن على الزوج أن يخفف من إحاطة زوجته بالرقابة المتطرفة والحبس في أعماق المنزل لأن عيوننا تحب التطلع إلى متع الخارج، فلا تضيعوا على المرأة لذة التمتع بالمنظر الموجودة في الخارج، بل اتركوها ترى كل شيء وتذهب حيث تشاء. فإن حب الاستطلاع سيشبع رغباتها، ولن تعود إلى التفكير في فعل الشرور وارتكاب الموبقات. فالأشياء التي اعتدنا أن نحجبها عنها، يزيد فيها الرغبة وحب الاستطلاع، وهذا ما ينطبق على الرجل والمرأة سواء بسواء. فالزوج الذي يبقي زوجته خلف الأبواب ووراء السجف والستائر يعتقد بأنه ينهج منهج الرجل الحكيم بدون أن يدري أنه ليس سوى أحمقاً وليست هذه الحكمة التي يتبجح فيها سوى نوع من أنواع الجنون. ولم يكن هذا الحكيم الإغريقي الوحيد الذي نادى بضرورة منح المرأة اليونانية بعض الحرية، ولكن هناك فيلسوف آخر هو المعلم أفلاطون الذي طالب بوجوب منح المرأة اليونانية كامل حريتها وإتاحة الفرصة أمامها لتغترف وتعبّ من الثقافة والعلوم كما يعبّ منها الرجل حتى تتمكن من إداء واجبها الوطني، وتقدم للوطن نفس الخدمات التي يؤديها الرجل.
ولم يقف نشاط أفلاطون عند هذا الحد، بل أوجب أن تكون المدارس ودور العلم مشتركة بين الجنسين حتى يتم التفاهم بينهما، ويخبو إحساس الفتيان والفتيات ولو قليلاً نحو القضايا الجنسية نتيجة احتكاكهما بعضهما مع البعض منذ الطفولة. وإذا ما أتيحت للمرأة اليونانية هذه الفرصة خف الاهتمام والاكتراث عن طريق التعارف والتفاهم وانطفئت بصورة تلقائية جذوة الخلاف والشقاق بين الجنسين لا سيما أثناء الزواج وتأسيس منزل الزوجية.
وإذا ما تلقتنا بتروي وإمعان إلى جذور الحضارة الإغريقية التي كانت من أعرق وأقدم الحضارات في العالم، يمكننا أن نتبين أهمية المرأة ومركزها في تلك الحضارة.
قد يكون أهمُّ ما يميِّز الإسلام في موقفه من المرأة عن غيره من المبادئ والنُّظم التي عاشَتْ قبله واستجدَّت بعده ، وهو نظرته الإنسانية إلى المرأة والرجل على السواء في كل تشريعاته ومفاهيمه ، ونظرته للمرأة بما هي أنثى إلى صف نظرته للرجل بما هو ذكر .
فالإسلام حين ينظر إلى الرجل بوصفه إنساناً وينظمه ويوجهه ينظر إلى المرأة باعتبارها إنساناً أيضاً ، ويساويها مع الرجل على الصعيد الإنساني في كل تنظيماته وتوجيهاته لأنهما سواء في كرامة الإنسانية وحاجاتها ومتطلباتها .
وأما حين ينظر الإسلام إلى المرأة بما هي أنثى وينظم أنوثتها ويوجهها ، ينظر في مقابل ذلك إلى الرجل باعتباره ذكراً .
فيفرض على كل منهما من الواجبات ، ويعطي لكل منها من الحقوق ، ما يتَّفق مع طبيعته ، وفقاً لمبدأ تقسيم العمل بين أفراد المجتمع ، وتنشأ عن ذلك الفروق بين أحكام المرأة وأحكام الرجل .
فمَرَدُّ الفرق بين أحكام المرأة وأحكام الرجل إلى تقدير حاجات ومتطلبات الأنوثة والذكورة ، وتحديد كل منهما وفقاً لمقتضيات طبيعته .
أما في مجال التنظيم الذي يرتبط بإنسانية الإنسان فلا فرق فيه بين المرأة والرجل ، لأنهما في نظر الإسلام إنسان على السواء .
فالإسلام وحده هو الذي نظر إلى المرأة نظرة إنسانية على قدم المساواة مع الرجل ، بينما لم تنظر الحضارات الأخرى وحتى الحضارة الأوربية الحديثة إلى المرأة إلا بوصفها أنثى ، وتعبيراً عن المتعة والتسلية .
والموقف الحضاري لكل مجتمع من المرأة ينعكس بدرجة كبيرة ، بمقدار تغلغل تلك الحضارة على دور المرأة في تاريخ ذلك المجتمع ، وطبيعة موقفها من الأحداث .
فالمرأة في مجتمع يؤمن بإنسانية المرأة والرجل على السواء تمارس دورها الاجتماعي بوصفها إنسان ، فتساهم مع الرجل في مختلف الحقول الإنسانية ، وتقدم أروع النماذج في تلك الحقول نتيجة للاعتراف بمساواتها مع الرجل على الصعيد الإنساني .
وعلى العكس من ذلك المرأة في مجتمع ينظر إليها بوصفها أنثى ، قبل أن ينظر إليها بوصفها إنسان ، فإنها تنكمش وفقاً لهذه النظرة ، وتحرم من ممارسة أي دور يقوم على أساس إنساني ، بل يرغمها المجتمع على التعويض عن ذلك بمختلف ألوان الظهور على أساس أنوثتها ، وما تعبِّر عنه من متعة ولذَّة للرجل .
ونجد خير مصداق لذلك في تاريخ المرأة التي عاشت في كنف الإسلام ، وفي ظِلِّ مختلف الحضارات الأخرى ، فكان دورها ومختلف بطولاتها تتكيَّف وفقاً لطبيعة المبدأ ومفهومه الحضاري عنها .
فقد عبَّرت في ظِلِّ الإسلام عن إنسانيتها أروع تعبير ، وأقامت بطولاتها على هذا الأساس ، بينما لم تعبِّر في المجتمعات الأخرى الغير إسلامية إلا عن أنوثتها ، ولم يتح لها أن تقيم لها مَجداً إلاَّ على أساس هذه الأنوثة ، وبقدر ما فيها من وسائل الإغراء للرجال ، لا على أساس إنسانيتها ، وبقدر ما فيها من طاقات الخير والإصلاح .
بطولات المرأة المسلمة :
أما المرأة المسلمة فقط اعتمدت ببطولتها على إنسانيتها فبعد أن تبوَّأت مكانتها السامية في الإسلام على حسابها الخاص ، وعلى كونها إنسانة كالرجل المسلم ، لها ما له وعليها ما عليه ، وان اختلفت عنه بالوظائف والتكاليف التي وزعت على البشر كل حسب ما تتطلبه فطرته ويقتضيه تكوينه .
ولكونها في الصعيد العام إنسانة كالرجل برزت شخصيتها لامعة وضَّاءة وسجلت لها في التاريخ ذكراً عطراً كأروع ما تسجله إنسانة مستقلة لها عقيدتها ورسالتها السماوية .
وقد عرفت المرأة المسلمة قِيمة النصر الذي أحرزَتْه ، والمستوى الرفيع الذي ارتقَتْ إليه بعد أن قَضَتْ عصوراً عاشتها وهي في مهملات التاريخ ، ولهذا فقد سَعَتْ جاهدة للعمل على إثبات كفاءتها لذلك .وكان في كثرة النساء المبادرات للإسلام أصدق دليل على ما حمله الإسلام للمرأة المسلمة من خير وصلاح ، وما هيَّأ لها من محلِّ رفيع .
وفعلاً فقد سجلت المرأة المسلمة في التاريخ الإسلامي أروع صفحات كتبتها بالتضحية والفداء ، وخطَّتها بدماء الآباء والأبناء ، بعد أن أكَّد الإسلام على اعتبارها في الصعيد الإنساني كأخيها الرجل لا أكثر ولا أقل .
فكما أن بطولة الرجل المسلم كانت في مجالين وفي اتجاهين ، في مجال التضحية والجهاد ، وفي مجال الدعوة إلى الله تعالى ، كانت بطولة المرأة المسلمة أيضا في نفس المجالين ، وفي كلا الصعيدين كانت تعمل كإنسانة لا كأنثى .
أما على صعيد حمل الفكرة ، ونشر الثقافة الإسلامية ، ومفاهيم الشريعة الجديدة وأحكامها ، فما أكثر النساء اللَّواتي أخذْنَ الإسلام من منبعه الزاخر ، فبشِّرن به ودعون إليه ، بعد أن تعمَّقن في فهمه ، وكنَّ مدارس إسلامية يَروين عن النبي ويروى عنهُنَّ .
وفي طليعة الراويات عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) والناشرات لأحكام الإسلام الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) فقد روت عن أبيها ( صلى الله عليه وآله ) ، وروى عنها ابناها الحسن والحسين ( عليهما السلام ) ، وزوجها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وأم سلمة ، وأرسلت عنها فاطمة بنت الحسين وغيرها .
وروت عن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) أيضاً أسماء بنت عُميس الخثعمية ، وروت عنها أمُّ جعفر وأُم محمد ابنتا محمد بن جعفر .
المرأة المسلمة في الوقت الحاضر :
والمرأة المسلمة اليوم هي بنت تلك المرأة المسلمة التي عرضت صدرها لحراب الأعداء ، وشهدت بعينها قتل الآباء والأبناء ، فما الذي يقعد بالمرأة المسلمة البنت عن أن تعيد تاريخ المرأة المسلمة الأم ، وأن تقفو خطواتها في الحياة ؟! .
لا شيء غير أنها افتقدت وبالتدريج ونتيجة لابتعادها عن روح الإسلام الحقيقة إنسانيتها ، وعادت مجرد أنثى تتلاعب بها الأهواء والتيارات ، وتسخرها ميول الرجال ، ويستهويها كُلُّ لمح كاذبٍ أو وميض خادع .
ولهذا فقد وقعت في أحابيل شائكة شوَّهت أنوثتها وأفقدتها شخصيتها كإنسانة في الحياة ، فهي مَهما سمَتْ أَمْ حاوَلت السمو لن تتمكن أن تسمو كإنسانة مستقلة ، ما دامت تخضع لأحكام الرجل في اتِّخاذ طريقتها في الحياة ، وتتبع ما يمليه عليها من أساليب الخلاعة الرخيصة .
فما الذي يمنع المرأة المسلمة اليوم من أن تشقَّ طريقها في الحياة ثقافة وعملاً مع محافظتها على حِجابها الذي يلزمها الإسلام به ؟! ، لا شيء غير غضب الرجال لذلك ، وسخطهم عليه ، لأنه سوف يحول دون متعة استجلاء مفاتن المرأة ومحاسنها .
فهل السفور من شروط طلب العلم ؟ أو هل الخلاعة والتهتك من شروط الثقافة والتمدن ؟ لا وألف لا ، ليس للسفور ولا للخلاعة أي دخلٍ من قريب أو بعيد في العلم والثقافة ، ويمكن التمييز بينها وبسهولة أيضاً متى ما عادت المرأة المسلمة ، وأحست بوجودها كإنسانة لا كأداة من أدوات إرضاء الرجل .
ولكن أعداء الإسلام لن يسمحوا بفرز العلم عن السفور والثقافة عن الخلاعة ، فهم يحاولون بشتَّى الأساليب المُغرية ربط الاثنين معاً ليحطُّوا من شأن المرأة المسلمة ومن مكانتها في العالم
افرحو صبايا تارخكم مجيد تليد حافل بالبطولات
وان شالله يكون مستقبلكم متل تاريخكم
ــــــــــــــــــــ
رومانتك