كاتب الموضوع :
tarana
المنتدى :
كتب الأدب واللغة والفكر
سوسيولوجيا القبيلة في المغرب العربي
الدكتور محمد نجيب بوطالب
مركز دراسات الوحدة العربية
سلسلة أطروحات الدكتوراه 41
الكتاب بنظام Pdf وحجمه 6.23 ميجا (الرابط في الأسفل)
من مقدمة الكتاب:
يهدف هذا البحث إلى دراسة مظاهر تواصل بعض محدّدات البنية الاجتماعية القبلية في العالم العاصر، وهي بنية ما انفكت في الفترة الأخيرة تحرّك واجهات الأحداث محلياً وإقليمياً ودولياً. لقد ظلّت أغلب الدراسات التي قاربت المسألة القبلية في المغرب العربي تتحرّك في نسق التاريخ أو الأنثروبولوجيا، أمّا علم الاجتماع فإن مساهمته كانت جزئية أو متحفظة. ومن الافتراضات التي يمكن أن تفسر هذا الواقع أن التحولات السريعة والكثيفة التي أصابت هذه المجتمعات، دفعت - على الأغلب - بعلماء اجتماع المنطقهَ إلى المصادقة على أطروحات غيرهم، كما دفعت بهم إلى تهيب الإجابة عن السؤال التالي: ما مدى صحّة القول بتفكّك البنيات التقليدية؟ كما أن التأثيرات الإيديولوجية لنزعة التحديث التي غلبت على الخطاب المعرفي الاجتماعي السائد في الفترة العاصرة، ساهمت في هذا الهجر وذلك التحاشي. ويهدف اعتماد الدراسة على القطيعة والتواصل كثنائية تحليلية إلى منع الانقطاعات البادية من أن تحجب عنّا التواصلات المكنة، وهو فعل تاريخي أساسي بالنسبة إلى مجتمع صور بأنه بلا تاريخ، كما تهدف هذه المقاربة إلى إجلاء عمليات التواصل المتخفية وراء ما يمكن أن يحجبها من انقطاعات. إن المجتمع يحمل في داخل أنساقه أسباب انتظامه وأسباب عدم انتظامه بما يعلنه عادة من تبدلات، ومن جهة أخرى فإن دراسة صيرورة تبدل البناء الاجتماعي القبلي في الشكل وفي المضمون في المغرب العربي ليست مجرد دراسة جهوية، بل إنها تنطلق من رؤية شمولية اعتمدت عمليات المقارنة والكشف عن التفاعلات واماطة اللثام عن الجدليات في علاقة وظيفية بين /ص11/ الجزء والكل، وبين الفرع والأصل. وفي معالجة موضوع التحولات التي عرفتها المجتمعات المغاربية، في إطار مقاربة سوسيولوجية لمفهوم الاندماج الاجتماعي، فقد تئم طرح الأسئلة الرئيسية التالية:
- هل استطاعت الدولة الوطنية تفكيك مرتكزات المجتمع القبلي من خلال مشروعها التغييري؟ وكيف فعلت ذلك؟
- ما هي الاَليات التي اعتمدت لتحقيق الاندماج؟
- ما علاقة الدولة بالمجتمع المحلي؟ وما هي الصور المتبادلة بينهما عبر عقود من التفاعل؟
لقد أفاضت الدراسة في التعمّق في مظاهر تواصل المعطى القبلي والظاهرة القبلية في الممارسات اليومية، علا أن المتابعة لم تكن معزولة عما يجري في بعض مواقع العالم من تفاعلات شبيهة. لقد بينت الدراسات أن التابوات (Taboos) (الأرض والسياسة والقرابة) لا تنفك حتى الآن، وفي فترات متقطعة، تستنهض المعطى القبلي، ولذلك فكثيراً ما تطبع علاقات الفاعلين واستراتيجياتهم اليومية بطابع يستمد جذوره من الإرث القبلي للمجموعات المحلية على الرغم مما يلاحظه الباحث من عمليات تخفي تلك المحركات والنوازع في أثواب قد تبدو جديدة.
إن التضامن الاجتماعي في منطقة الدراسة لا يزال يوظف البنية القرابية والموروث القبلي، وقد بينت المتابعة أن البنية القبلية عرفت عملية تفكيك واسعة لكنّها استمرت رمزياَ وثقافياً. فهي لا تفتا تستعيد إنتاج بعض ملامحها في مناسبات أو بشكل دوري، وبخاصّة حينما تتحرّك المصالح الفردية والجماعية فضلاً عن إمكانية تهيكلها في الخارج. إن الهدف الأساسي الذي يكمن وراء هذا البحث يتمثل في العمل على إجلاء إشكالية استمرار الظاهرة العروشية في المجتمعات المغاربية المعاصرة، ويساعد هذا الطرح في إطار ابستيمولوجي يخص العلوم الاجتماعية، فبمقابل هاجس عولمة المعرفة تطرح قضية توطن المعرفة، وهذه ليست هنا مجرد قضية انتماء وإنّما هي أكثر من ذلك لأنها، بمرورها بالسؤال المنهجي، ذات علاقة بمشكلة الإبداع السوسيولوجي. لقد بيّنت مقاربة القبيلة المغاربية هنا، نظرياَ وتطبيقياً، أن عولمة المفاهيم /ص12/ السوسيولوجية زادت من غموض صورة الواقع الاجتماعي وتشويهها، إن ذلك التمشي الذي ران على الساحة المغاربية العلمية عقوداً طويلة بما شمله من إسقاطات وتعميمات واختزالات بدت مغرية للغالبية ولا تزال، هو الذي عمل على إلغاء الاَخر غير الهيمن، وقد صُور وبدا منفعلاً أكثر مما بدا فاعلاَ، إذ تمّ تجاهل المساهمات المتنوّعة والخلاقة للمجتمعات المستهدفة بالدرس. وبينت هذه الأطروحة أن الأزمة كثيراَ ما ترتبط بالمفاهيم وبالخطاب أكثر مما ترتبط بالمجتمع ذاته. تمثل الظاهرة القبلية في المنطقة العربية إحدى الظواهر التي هجرها البحث الاجتماعي في المرحلة الراهنة، ولعل ضغوطات موضوعات التنمية والبناء الوطني والقومي ونقل العلوم الاجتماعية تمثل بعضاً من مبررات هذا الهجر.
تمرّ عقود ولا تظهر الأبحاث المتعلّقة بالبنية القبلية إلا لماماً، هنا أو هناك، لكن أليست بعض مشكلات التنمية نابعة من استمرارية تحكم بعض البنى الاجتماعية التقليدية في بعض المجتمعات المعاصرة ومنها الظاهرة القبلية؟ ومن جهة أخرى أليس توطين المعرفة أو نقلها يعني توطن الموضوعات بدراسة المشكلات الجوهرية والتحرر من أسر موضوعات الآخر؟ على كل حال، فقد كانت القبائل والزوايا والمجموعات الأهلية تمثل مجال دراسات كثيرة في المرحلة الاستعمارية، مع اختلاف في أسباب التناول باختلاف المراحل والسياقات. فهل يمكن التساؤل- من هنا- عن أسباب ضعف الدراسات حول البنية القبلية في أغلب الأقطار المغربية، رغم أنها وبدون استثناء عرفت الظاهرة وتأثر تاريخها بها، وهل يمكن القول من جهة أخرى إن النفور من الاستعمار هو الذي أدى إلى النفور من موضوعات السوسيولوجيا والاثنولوجيا الكولونياليتين هذا الانفلات لم يمنع عودة المنسي من الذاكرة، من خلال استعادة المجتمع في عدة أقطار عربية لإنتاج العلاقات والمشاعر القبلية. غير أن بعض الدارسين لا يحبذ الحديث عن عودة، لأنه يشك بحقيقة الغياب قبل الحديث عن العودة، باعتبار أن البنى القبليهَ بمعناها الواسع لا يصح الحكم عليها بالقطيعة والانحلال إلا باعتبار أن ذلك الحكم هو مجرد افتراض أو نتيجة غير صادقة لدراسة الواقع. يمكن القول إن إعادة إنتاج بعض العلاقات الأولية أو استمرارها في /ص13/ المنطقة، ما هي سوى ردة فعل على الأزمات والتوترات التي اعترضت التغير الاجتماعي في المجتمعات العربية.
ولعل التفسير الأكثر قدرة على تبرير النقص الحاصل في التناول العلمي الرصين يكمن في اللهاث وراء استهلاك ما ينتجه الاَخر من نظريات ومناهج وتجارب دون القدرة على هضمها، فلم يتم تيسير الفجوة بينها كأدوات مساعدة للفهم والتغيير، وبين الواقع الاجتماعي المحلي كموضوع للبحث والتفسير. إن الانتشار الواسع اليوم للعلاقات الحميمية والشخصانية والوثيقة في المجتمعات العربية، وكذا الأفريقية والآسيوية بشكل خاص، يدل على ازدواجية الأداء الاجتماعي. وهذا ما يفسر بأن الهياكل المدنية لم تستطع بعد أن تلغي الهياكل الأهلية بشكل نهائي أو تحل محلها، بالنسبة إلى بعض الوظائف على الأقل. لا يزال الفرد رغم تغير وضعيته في التعليم والعمل والمكانة الاجتماعية محكوماً بسلطة الجماعة الأولية. إن ظاهرة الاستنجاد بالقرابة والتوسط بالمعارف في الحصول على العمل أو المنصب، بل حتى ضمان الحقوق المعيشية الأساسية لا تختفي عن أي وسط اجتماعي عربي. كما أن التنافس لا يتحقق دوماً وفق القوانين والضوابط الرسمية، وإنما ضمن شبكة خفية أو شبه علنية من الأعراف والتوسطات.
يسعى هذا البحث قدر المستطاع لأن يكون حلقة من حلقات العمل العلمي حول المجتمع العربي، جامعاً بين التنظير المؤطر الذي يمثل أداة للرؤية والتحليل، وبين التطبيق الميداني دون إغراق في التفاصيل. كما كان التوغل في التاريخ الاجتماعي سنداَ أساسياَ لتتبع الظواهر الاجتماعية، على رغم ما كان يتطلبه هذا التوغل من جهد إضافي قد يبلغ حد لعب دور المؤرخ أحياناَ.
إن هذا العمل يمثل بالأساس جزءاً معدلاَ من أطروحة دكتوراه الدولة في علم الاجتماع، كانت قد نوقشت سنة 1999 في رحاب الجامعة التونسية، واستغرق إعدادها عقداً من الزمن، فهو يركز الاهتمام على منطقة مهمة من الوطن العربي هي منطقة بلاد المغرب، أو ما يصطلح على تسميته اليوم بالمجتمعات المغاربية ذات التقاليد العريقة في الظاهرة القبلية. /ص14/
|