كاتب الموضوع :
lona-k
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
الفصل العاشر
قضى "سوير" معظم الأيام الثلاثة التالية جالسا في الشرفة ، ينظر إلى الرياح وهي تداعب الأشجار البرية المنتشرة أمام المنزل ومع أن الطبيعة المحيطة به كانت تعكس الهدوء إلا أن الشاب لم يستطع أن يستلهم ذلك منها .
كانت صورة الفتاة تداعب عينيه في كل مكان ، كان يسمع صوتها ويشم عطرها. وبدا القط"شادو" كأنه يحس بحالة صاحبه لكن وجوده لم يشغل بال"سوير هايس" الذي يجلس هنا بدون أن يفعل أي شيء ،كأنه كان ينتظر مرور الوقت ليعود إلى النوم.لقد وعدها بإعطائها وقتا للتفكير بمعنى أنها منعته من الاتصال بها بأي طريقة كانت لكنه لم يتصور أنه سيتألم لمجرد أنه لايعرف أين هي أو ماذا تفعل أو كيف حالها؟
رن جرس التليفون ليقطع الصمت السائد في المكان ،نهض "سوير" قافزا، مما جعل القط يفر ليختبئ تحت الطاولة، رفع الشاب السماعة ،كانت "بيب" صوتها الحبيب إلى قلبه الذي كاد يخرج من بين ضلوعه من فرط الأحاسيس المتدافعة بداخله.
- أهلا.كيف حالك؟
- آه صباح الخير يا"سوير" ،كنت أود أن أتحدث معك بخصوص الوظيفة التي عرضتها علي .قال وهو يشعر بالإحباط:
- نعم، هل قررت قبولها؟
- لا، لا أفضل ذلك.
شعر الشاب بانقباض في قلبه . وواصلت "بيب" حديثها:
- لا أعتقد أنني الشخص الأكثر كفاءة لهذا العمل بالإضافة إلى ان، الوضع...... ولكنني تحدثت إلى "بيل روسكا" ، وهو شخص ذو كفاءة عالية وهو شغوف أيضا بأنواع الرياضة ، ووجدت أنه مهتم للغاية . لم ينطق"سوير".
- "سوير" ؟هل أنت معي؟
الاتصال رد "سوير" مسرعا بعد أن استجمع أفكاره.
- نعم. نعم أنا معك.إن كنت قلت ذلك فأنا أصدقك ، ماعليك إلا الاتصال بـ"هيربرت" وإخباره بالأمر بأسرع مايمكن .ساد صمت صمت آخر . ثم قال:
- لقد افتقدتك.
ردت مسرعة لتحيي الأمل من جديد بداخل "سوير":
- ,أنا أيضا افتقدتك .
- هل فكرت؟
- لا، ليس بعد.
- هل ترغبين في الخروج معي في انتظار ذلك،نستطيع أن نذهب إلى السينما أو تناول شيئا ما ،لست أدري...
قاطعته قائلة:
- توقف عن ذلك يا "سوير"!
- ألا ترغبين في الخروج معي؟
- لست متأكدة أحتاج إلى مزيد من الوقت .
قال في نفسه:
"تبا،ألم تتصلي بي فقط إلا لتحدثيني عن هذا "بيل" لست أدري ماذا".كلا لقد كان هناك شيء أخر،وكان عليه أن يجاري الأمور حتى النهاية وأجبر نفسه على ذلك .قال لنفسه يحدثها:
"الصبر، الصبر، سيأتي دوري قريبا ". لكنه كان يكره الأنتظار ، كان ألمه يزيد مع الانتظار ولم يكن يحب ذلك أيضا وعندما طالت مدة تفكير الفتاة كره ذلك أكثر .كان لديه الإحساس بأنها تستغل ذكاءه بطريقة ذكية،لأنها أجبرت نفسها على ذلك.
قالت في النهاية:
- حسنا أعتقد أن علي أن انهي المكالمة.
- هل أستطيع أن أقول لك شيئا قبل أن ننهي المكالمة؟
- نعم.
- "أي لوف يو"، هل تسمعين؟! إنني أحبك بكل روحي بكل قلبي حاولي أن تتذكري ذلك وأنت تفكرين ، وبمناسبة ذكر القلب أرجو أن تنظري من حين لآخر داخل قلبك، لأن ذكاءك في بعض الأحيان ينسيك بقية الأشياء. استشف "سوير" أنينا قبل أن تغلق "بيب" الخط تساءل وهو يمسك بالسماعة إن لم يكن قد أفسد كل شيء بالفعل .
قالت"كارول فينهويزن" وهي تضع طبق القهوة على مكتبها :
- أظن أنها مجرد أزمة معرفة للذات. وهو المثال النموذجي لاختلاط الأدوار الذي تتعرضين له.
ردت الفتاة وهي تقرض أحد أظافرها:
- هذاما قاله لي "سوير".
- هذا لأنه رجل عاقل ،اما أنت فتبدين كأنك فقدت عقلك.
سألتها "بيب":
- تماما ، مع أنك حذرتني من ذلك.
ردت صديقتها وهي تبتسم لها ابتسامه غريبة:
- نعم، ولكن الحب يجبرنا على فعل أشياء عجيبة، هل تعلمين ذلك، أظن أنك واقعة في الحب طبعا.
- كليا تماما وبجنون إنه الشيء الوحيد الذي أجدني متأكدة منه ولكن ليس في كل الأوقات لأنني أخشى أن تكون أساليبنا في الحياة غير متفقة تماما . وأظن أن هذا أساسي . أليس كذلك؟
- للأسف لايوجد من يرد على هذا السؤال غيرك.
- كنت متأكدة أنك ستقولين لي ذلك لقد قرأت الكثير من الكتب خلال الأيام الماضية وكنت أتساءل عم إذا لم يكن "سوير" يعاني أعراض مرض "بيتر بان" إلا إذا كان يقوم بالتعبير عن الطفل الكامن بداخله.
ابتسمت الطبيبة النفسية من جديد وقالت:
- أظن أنك قرأت الكثير حقا، ولكن علي أن أقول لك شيئا: كل إنسان منفرد لدرجة تجعل من الصعب بل من المستحيل أ، نقوم بتحليل تصرفاته بناء على مقاييس ثابتة.وأظن بالرغم من كل هذا أنه يمكننا أن ترسم صورة تخطيطية عامة للحالة التي توجد أمامنا وهي حالة"سوير" طبعا.
أولا هل لديه سلوك أناني أو نرجسي؟
قالت"بيب" محتجة:
- كلا على الإطلاق! إنه شديد الكرم والجود لدرجة أنه يمول مشاريع اجتماعيه خيرية كثيرة ، دون أن نذكر مزرعة "ميرث" التي سبق أن كلمتك عنها.
- افهم . هل هو لحوح أو متشدد في سلوكه أو في أفكاره عن الحياة؟
- إن"سوير" يمتلك شخصية مرنه جدا، كما أنه سهل المعاشرة لدرجة أنني لم أقابل من يضاهيه في ذلك حتى الآن.
- هل لديه فكر استقلالي؟
- لايمكن أن يكون أكثر من ذلك على ماأظن.
- هل هو سعيد في عمله؟
- بكل تأكيد. لقد أنشأ شركته من لاشيء تقريبا أما اليوم فتمثل الألعاب التي أخترعها منذ أكثر من خمسة عشر عاما أكبر جزء من دخل "ميرث" والشيء الوحيد الذي يضايق الناس الذين يعمل معهم هو طريقته الغريبة في إدارة الشركة.
قالت"كارول فينهويزن" مستخلصة:
- إنه الصورة المثالية للعبقري الفذ.
- حقا؟
- نعم مثالي حقا لابد أنه يعمل بجد في بعض الأحيان.
- أعتقد ذلك . ولكننا لم نتحدث عن ذلك قط، لأن علاقتنا اقتصرت على اللعب أساسا وهو تلقائي وحيوي جدا بالإضافة أنه لايأخذ الأمور بجدية أبدا إلا في بعض الأحيان كما فعل مع عمه في الشركة عندما حاول طرده من منصبه.
- هل يحبك ويريد الزواج بك؟
- نعم.
انحنت "كارول" نحو صديقتها وقالت:
- بالمناسبة أليس لديه أخ؟
- كلا،لماذا؟.http://www.liilas.com/vb3
لم تستطع الطبيبة النفسية أن تداري ابتسامتها وهمست قائلة قبل أن تعتدل على كرسيها :
- ياللأسف .اما الآن فسوف أطرح عليك بعض الأسئلة الخاصة بك: ماهو الوقت الذي شعرت فيه بأكبر قدر من السعادة في حياتك؟
بدا وجه "بيب" في الاحمرار .واصلت "كارول " وهي تبتسم:
- عدا ذلك متى كانت سعادتك الكبرى؟
- عندما قمنا بالطيران الشراعي في"اكابولكو".
- ثم متى؟
- عندما تعلمت ركوب الخيل.
- هل كان الأمر أكثر إثارة من حصولك على الدكتوراه أو من عملك؟
- بأمانه، نعم .أعتقد أن كل هذه الأمور أصبحت بالنسبة لي أكثر أهمية من الوظائف التي أقوم بها.
- هل تستمتعين بعملك الآن بنفس الطريقة التي كنت تستمتعين به في الماضي؟
- كلا، حتى عندما أكون مشغولة في العمل الذي أؤديه في الـ"ناسا" يعتريني ملل كبير جدا.
- ماهو العمل الذي استمتعت به منذ أن بدأت هذا الموضوع؟
- أن أصمم ألعابا للأطفال، إن ذلك ممتع حقا.
همهمت "كارول":
- هممم.
قالت "بيب" بشيء من الحيرة:
- مامعنى هذه هممم؟
- في لغة علم النفس يمكن أن يكون لها معنيان: إما ألا يكون لدي أية فكرة عما يجول بخاطرك، وإما أن أكون قد اكتشفت ماذا يجري بداخلك ولكنني أريد أن تجدي الإجابة بنفسك. هذا هو ماأعنيه.
- إن هذا لايساعدني البتة!
- بل يساعدك بكل تأكيد يا"بيب" لابد أن تفكري أكثر من المعتاد فكري فيما تريدين ، فيما تحبين، فيما تودين أن تفعلي بحياتك المستقبلية انتظري سوف أسهل لك المسألة قليلا، تخيلي أن حياتك سوف تنتهي بعد شهر أو بعد سنة ، فما هي الأشياء التي ترغبين في تحقيقها حتى ذلك الحين ؟فكري في ذلك وسوف تجدين الإجابة.
لم تنقطع "بيب" عن التفكير في اليومين التاليين، كانت تحلم بذلك أثناء نومهاايضا، كانت ترى نفسها على ظهر الفرس وسط الرياح في الحقول أو سابحة في السماء بواسطة طائرة شراعيه فوق الجبال الرائعة ودائما كانت بصحبة رجل لم تتبين ملامحه لكنها تحس انها تعرفه.
وعندما تستيقظ كان جسمها كله يهتز من تأثير أحلام الليل.كان لديها الإحساس بأنها حرة طليقة . لكن هذا الإحساس سرعان مايختفي بمجرد أن تتذكر الفتاة بأن وراءها عملا يجب أن تنجزه لـ "ناسا" وأحست "بيب" فجأة بالقهر.
دون أن تفكر رفعت سماعة التليفون وطلبت رقم"سوير" لكنها وضعت السماعة فورا بعد ثانيتين رن جرس تليفونها.
قال"سوير" متسائلا:
- هل طلبتني؟
تلعثمت وهي ترد عليه:
- نعم ......نعم كنت ..... كنت أريد أن أسألك سؤالا، سؤالا جادا، بل في غاية الأهمية أيضا.
- إني أنصت إليك..
- هل تعمل أحيانا؟
رد"سوير" وهو يضحك:
- بالطبع أعمل، بل إنني اعمل كثيرا لكن أغلب عملي يرتكز على وسائل اللهو، ولذلك فأنا ألهو أثناء عملي.
- حقا؟
- لكنني افضل أن اللهو بدون عمل، مثلما كنا نفعل معا.إن ذلك مايمتعني حقا ألا ترغبين في أن أحضر إليك لنلهو معا؟
- أرجوك يا"سوير" كن جادا! ألا تحس بالذنب لأنك لاتعمل بنفس الطريقة التي يعمل بها الناس جميعا؟
- ولم ذلك؟ إنها طريقتي في كسب عيشي ولاأملك تغييرها ،بالإضافة إلى أنه يجب أن تتنوع مكاسب الناس حتى يكون العالم. لقد كنت محظوظا فقط.
ردت الفتاة قبل أن تغلق الخط:
- حسنا جدا، شكرا إلى اللقاء.
ولكن سرعان ماعاد جرس التليفون إلى الرنين.
قال"سوير" متسائلا بنوع من الغضب:
- هل يمكن أن تشرحي لي ماذا يعني كل هذا؟
قالت:
- أحاول فقط أن ارتب أفكاري ولقد كنت خير عون لي شكرا.
قال الشاب مؤكدا:
- الأ ترغبين في الذهاب إلى الشاطئ؟
تنهدت "بيب" قبل أن تقول:
- "سوير" ، يجب أن أذهب إلى العمل.
كان الوقت متأخرا جدا عندما وصلت الفتاة إلى منزلها القريب من البحيرة، زادت أفكارها المتشابكة من إحساسها بالقهر . ولكنها سرعان مايقنت أنها لابد أن تعترف بالأمر الواقع خاصة عندما آوت إلى فراشها محاولة الخلود إلى النوم ، إنها لم تعد تجد أي طعم لعملها، ولاحتى شعورا بالاستحسان،لاشيء سوى الإحساس بالإجبار المسيطر عليها .كما استطاعت أيضا أن تعترف أن هذا الشعور ليس بجديد عليها.
قالت في نفسها معترفة:
"أنا متأكدة من أن" سوير" يعلم ذلك وربما علمه قبلي بوقت طويل".
كم كانت رغبتها شديدة في أن تكلمه، تراه وتلمسه.لم تستطع إلا أن تفكر فيه وعندما قررت أن تنام امتدت يدها تلقائيا نحو التليفون لكنها ترددت للحظة بعد أن نظرت إلى الساعة المتأخرة التي يشير إليها المنبه.
بالرغم من ذلك رفعت السماعة وطلبت رقم"سوير" ،رن الجرس مرة، مرتين، ثلاث مرات دون إجابة.قالت تحدث نفسها وهي تشعر بالإحباط:
"لابد أنه قد نام". وضعت السماعة.
أخذت كتابا في علم النفس وفتحته ، لتسقط من بين صفحاته أربعة أنفال ذات أربع ورقات نظرت إليها للحظة قبل أن تعيدها إلى مكانها برقة.
فكرت في صمت مبتسمة:
"لقد جلبت لي حظا كثيرا إلى الآن، أرجو أن يستمر ذلك" .ثم أطفأت الأنوار وانزلقت تحت الأغطية لتنام. بدأت تحلم بالجنيات،مخلوقات صغيرة تطير داخل الغرفة لها أجنحة وتنساب منها خيوط من غبار النجوم اللامعة في الظلام.
قالت تلك المخلوقات العجيبة للفتاة:
-"هيا لتطيري معنا، هيا معا"
انتصبت "بيب" فوق سريرها ومدت يديها وكأنها تستعد للطيران مع الجنيات لكنها سرعان مااستيقظت لتكتشف أنها لاتزال داخل غرفتها، بقيت مذهولة للحظات قبل أن تحاول العودة إلى النوم وهي حزينة.
بعد فترة سمعت صوتا ليس بغريب عنها أمام نافذتها ثم آخر، وآخر كذلك.
قفزت من فراشها لتتجه مسرعة إلى النافذة.إنه"سوير"يجلس على فرع الشجرة نفسه مبتسما، فتحت النافذة.
قال لها ببساطة:
- هل طلبتني؟
- نعم.
- هل انتهيت من التفكير أم لا؟
- نعم، لقد نظرت داخل قلبي هذه المرة.
- وبعد؟
- كنت أطير من جديد، هيا خذني.
قال وهو يضحك:
- ماعليك غلا إتباعي ياحبيبتي،إنني أنتظرك في مركبتي الفضائية،لأحملك إلى ماوراء النجوم.
ارتدت "بيب" ثيابها بسرعة،وحملت بعض متعلقاتها في حقيبة سفر، ثم جلست لتكتب هذه الكلمات الموجهة إلى "نان".
"إنني رحلت إلى عالم"سوير" الخيالي.لاأظن أنني سوف أعود يوما ما. إنني أحبكم..http://www.liilas.com/vb3
"بيب"
|