الجزء الرابع....
من وراء يده, ظهرت عينيه الحائرتان ... الضائعتان ...... المرتعدتان .......
هوى بجسده على السرير.......
- يا الله لقد أكتشف أمر....... ماذا أفعل ؟...... ( فخرجت تنهيدة من فمه )
دخلت عليه أمه المذعورة .... ومن ورائها نجوى....
فرفع رأسه المنكس....
بصوت ملئه الخوف...
قالت...
- تامر ماذا جرى بينك وبين عمر؟...... لقد خرج من هنا وهو متضايق....
قام من على السرير , و أقترب من أمه....و لما غدا أمامها مباشرة قال:
- تعلمين عمر يا أمي... لا يحب أن يسمع الحقيقة ...
أغمضت عينيها , و أخذت تهز رأسها بأسى .... وتقول....
- لا أعلم ماذا أفعل بهذا الولد , سوف يقتلن من كثرة الخوف عليه...
سند يده على كتفها , و قال :
- لا تقولي هذا الكلام يا أمي, لا يستحق أن تتعبي نفسك بتفكير به, فهو لم يفكر بمدى الألم و الخوف الذي يسببه لك , هو لا يستحق أن يهتم به أحد , العين بالعين , و السن بسن ...
فتحت عينيها المنذرتان بسكب الدمع...
وقالت:
- يسهل عليك قول هذا الكلام ... فأنت لست أمه ... قلبي لا يطاوعني ...... يجب أن أخاف.... حتى لو لم يكن يكترث بمشاعري ....... و كان يجرحني.....
حرر كتفها من يده, و هرب بأنظاره إلى الأرض ...
جاءت من ورائها يد نجوى لتحط على كتف أم تامر...تبعتها كلماتها المواسية ...
- خالتي لا بد أن يصطلح عمر, فهي فقد مسألة وقت لا غير...
- متى ..... متى سوف يحصل هذا يا بنيتي ... متى ؟
قال تامر:
- أعذرني, يجب أن أذهب الآن ..
ومشى قدما ...
.................................
قبل أن يخرج من عتبت البيت , جاءه صوتها وهي تناديه :
- تامر....تامر توقف....
ألتفت إلى ورائه ...... ليجدها مقبلة عليه بخطى متسارعة ...
بحاجب مرتفع إلى أعلى , قال:
- ماذا هناك يا نجوى ؟
- أريد أن أكلمك في موضوع...
زفر زفرة قوية ...
ومن ثم قال:
- ليس الآن يا نجوى ,فأنا مستعجل؟
- إذا متى سوف أكلمك ؟ فهذه الأيام بالكاد أراك, وحين أراك تكون في عالم آخر, و لا تطيق أن تتكلم , فمتى يا تامر أستطيع أن أكلمك , متى ؟ ( قالتها وضيق على محياها )
- نجوى أنت تعلمين كم أنا مشغول هذه الأيام ...
- بماذا ؟ لا تقل بالمشروع , فأنت أخبرتني بأنك انتهيت منه , ما الشيء الذي يشغلك , قل, ما الشيء الذي يجعلني بالكاد أراك .... ما هو ...ما هو؟
قفز إلى ذهنه سؤال واحد .... تردد صداه في عقله ....
( أتشك بشيء؟ )
أخذ يبتلع ريقه بصعوبة ... فهي محاصرته بأسئلتها من كل جانب .... لا مفر... لا عذر يطرأ على البال... لينقضه من هذا الحصار...
بوجه لانت قسمات وجهه قالت:
- تامر هل هناك شيء تخفيه عليه ؟
جاء سؤالها كصاعقة عليه .....
وبصوت مرتعد .... و بكلمات متفرقة ...قال:
- شيء....... ش.......شيء مثل.... مثل ماذا ؟
- لا أعلم, أخبرني أنت ...
- أنت تتوهمين لا غير لا .......... لا يوجد شيء....فقد .........فقد .........
أنقذه صوت رنين هاتفه النقال...
فأخرجه من جيبه بسرعة البرق....فرأى الرقم الظاهر على شاشته ....... فجاءته فكرة تنقذه من الورطة التي هو فيها ....
- أنه خالد ....... لقد تأخرت عليه ..... يجب أن أذهب ....
وقبل أن تنطق ..... كان قد أعطاها ظهره ومضى قدما ....
.......................................................
بعينين تتمتعان بمشاهدة ذلك الملاك الصغير النائم على مهده ...
وبوجه زينته ابتسامة واسعة قالت:
- يال جمالها ....أنها حقا تشبهك .
- حقا ........ غريب فالجميع يقلون أنها تشبه أبها ...
- ربما أنفها يشبه أنف أبها .... أم ما تبقى فهو نسخة منك يا نادية...
تبسمت ضاحكة نادية ..... ومن ثم قالت...
- وهل هذا شيء جيد بأنها تشبهني ؟
- للأسف لا ...
بوجه رسم الذهول على محياه ...
- ماذا ؟!!! أيعني أنني بشعة الآن يا هند ؟؟!!!
انفجرت هند ضاحكة .... و أخذت تقترب من صاحبتها المستلقية على سريرها ....فجلست بالقرب منها ... وقالت :
- أيتها الحمقاء كنت أمزح معك ...
- كالعادة مزاحك ثقيل....
- ماذا سوف تسموها ؟
- لازلنا محتارين ..
- ما رأيك بأن أساعدكم , وأحل مشكلتكم ...
- أعندك أسم ؟
- نعم ....... بدور... ما هو رأيك به ؟
- بدور....... أسم جميل .......... لكن أليس هذا الاسم الذي كنت سوف تسمين ابنتك به عندما تنجبين, وكنت تحذرينا من ألا نسمي أحدا من أبنائنا بهذا الاسم ؟
شيئا فشيئا أخذت تتلاشى تلك الابتسامة التي زينتها ... وقالت بغصة ...
- نعم ... لكن لم تأتي بدور ...
لاحظت نادية مسحت الحزن التي حلت بهند.... فقالت :
- هند يجب أن تقنعيه ... فهذا من حقك .... بأن تصبحي أما ...
خرجت من فم هند تنهيدة ساخنة ..
وقالت بصوت حزين...
- أنا قبلت بهذا منذ البداية .....
- لكنك الآن غير هند قبل الزواج .. لقد صحية و أدركت أن موافقتك بعدم الإنجاب كان خطئا .... وبتأكيد هو كذلك قد تغير مثلك... ففاتحيه بالأمر, لن تخسري شيئا يا عزيزتي...
لم ترد عليها ... فقد أكتفت بصمت .... وتفكر بكلام صاحبته الأخير....
............................................................
- السلام عليكم يا نجوى ..
- وعليكم السلام يا عمي ...
- كيف حالك يا نجوى؟
- بخير الحمد لله , و أنت يا عمي, كيف حالك ؟
- الحمد لله بأفضل حال..
- تفضل يا عمي ...
و أشارت له بدخول....
جاءهما صوت أم تامر وهي تسأل بصوت عالي :
- من على الباب يا نجوى ؟
فردت عليها نجوى بصوت مرتفع :
- أنه عمي أبو تامر ...
بعينين ترسمان الدهشة ...
- أبو تامر!!!
- نجوى هل رنا هنا ؟
- نعم يا عمي..
- نادها لي, أريد أن أكلمها ....
- حسنا , عن إذنك ...
- إذنك معك ...
فذهبت عنه .... تاركة إياه لوحده .... لكن لم يطل بقائه وحيدا.... فقد خرجت أم تامر من المطبخ .... لتجده جالسا على الكنبة المواجهة للمطبخ ... تشابكت عينيها بعينيه الحادتان ....
ضلوا على هذا الحال لبضع دقائق .... ساكنين بلا حراك ... و لا كلام .... لكن عيناهما بحتا بكل ما في الصدور....
فجاءت نجوى لتقاطع حديث عيناهما ....
- عمي أنها قادمة , أتشرب شيئا ؟
- لا داعي فقد طلبة من الخادمة أن تحظر له القهوة وسط .... إلا إذا كان عمك تركها ... و لم يعد يحبها ...
قالتها وعينها الضيقتان مصوبة ناحية أبو تامر....
كانت رسالة أم تامر واضحة وضوح الشمس ...
- لا شكرا لا أريد قهوة و لا شيئا آخر, فأنا جئت لأقول لكم بأن يوم الأربعاء سوف يأتي أخي و عائلته لك تصبح الخطبة رسمية ....
- بهذه السرعة !!!
جاءهم صوتها المصدوم ....
فلتفت الجميع ناحية صاحبة الصوت... ليجدوها واقفة في أعلى الدرج, و الصدمة تملكت قسمان وجهها ....
............................................................ ....
بوجه ملئ رعبا ...
- ماذا أفعل يا خالد , ماذا أفعل؟
- لا أعلم .. لكن كان يجب أن تعلم أن هذا اليوم سوف يأتي...
- لكن ليس بهذه السرعة ...
قوس خالد حاجبيه إلى الأعلى ...
وقال بتعجب :
- بسرعة!!! ........ لقد مضت أربع سنوات على زواجك بهدى .....
هز رأسها بقل حيلة .... و غطى معالم وجهه بيديه ....وقال :
- الوقت غير مناسب ........ غير مناسب ..... وأنا لست مستعدا بعد, لست مستعد ......
- متى سوف يكون الوقت مناسبا في وجهة نظرك, و متى سوف تستعد ؟! بعد 4 سنوات أخرى .....أو 5....6.... 10 سنوات , أتعلم يا تامر لو الأمر بيدك لضلت مخفيا أمر زواجك بهدى لآخر عمرك....
............................................................ .....
بعينين مصبوغتان بالحزن .... و شفتين ترتعشان .... قالت:
- بعد يومين سوف يصبح كل شيء رسميا ؟
- لازال لديك وقت يا رنا ... تحرك قبل أن تتورطي....
هزت رأسها بنفي... مصحوبا بكلماتها :
- كلا ....... كلا ........ سوف أستمر ..... أنها فقط البداية ........ دائما البداية تكون صعبة .... سوف أتجاوزها ....و عندما أتجاوزها سوف يكون كل شيء على خير ما يرام ....
هزت نجوى رأسها بأسى , و قالت ..
- أتحاولين أن تقنعي نفسك بهذه الأكاذيب ؟
ألتفتت بسرعة ناحية نجوى الجالس بجوارها , و قالت :
- أنها ليست أكاذيب أنها حقيقة , الجميع يقولون هذا ....
- و الجميع يكتشفون أنها أكاذيب .... فيندموا لكن للأسف بعد فوات الأوان ....
لم يسعفها عقلها برد ........ فهو يعرف أنها أكاذيب ..... أوهام ........ لهذا رافقت الصمت .....
............................................................ ....
من على سماعة الهاتف جاءه صوته وهو يقول ....
- أصحيح الذي سمعته من أمي يا عادل ؟
- وماذا سمعت يا حسن ؟
- سمعت يا أخي الكبير بأنك سوف تتزوج من رنا , أهذا صحيح ؟
ابتسم ومن ثم قال:
- نعم ...
بصوت كله فرح ...
- ألف مبرووووك يا أخي , حقا لقد فرحت لك , أخيرا بعد طول انتظار قررت أن تتزوج, لماذا الآن وافقت على الزواج .... أكنت تنظرها حتى تنهي دراستها ؟
- ش....شيء من هذا القبل ...
- أنها فتاة جيدة ... سوف تسعدان معا ... أنا متأكد ....
بابتسامة باهتة قال ....
- أرجو ذلك يا حسن , أرجو ذلك من كل قلبي .....
............................................................ .........
كان جالسا على الأريكة , يتصفح كتابا ...
لكنه بين الفنية و الأخرى كان يلقي نظرة عليها , كانت جالستا على السرير و وجهها يقول بأنها تريد أن تقول شيئا ...
رفع أحد حاجبيه وأنزل الآخر....
ومن ثم قال:
- ماذا هناك يا هند؟ يبدو أنك تردين أن تقولي شيئا ...
بنبرة صوت تعكس التردد وتوتر الذي بداخلها , قالت:
- نعم .... هناك شيء..
- ما هو ؟
أخذت تبتلع ريقها بصعوبة ....
- سوف أقول , لكن أرجوك لا تغضب ........ أرجوك...
وضع الكتاب جانبا , و عدل من جلسته , ومن ثم قال..
- المسألة فيها غضب, ماذا هناك يا هند, تكلم ؟
- أولا عدني ...
نفذ صبره , فصرخ عليها قائلا...
- هند ما هذه التصرفات الغريبة ؟ تكلم , أنطقي .... أهناك مشكلة تورطت بها ؟ ها , قولي ...
زاد خوفها .... و أخذ يعصر قلبها أكثر فأكثر....
مما جعلها تفضل السكوت عن فتح باب الجحيم على نفسها ....
- لا شيء لا يوجد شيء...
قام من مجلسه ... و أقترب منها بخطى واسعة ....ووقف أمامها مباشرة ... وزمجر قائلا ...
- لا شيء...... لا شيء.........بل هناك شيء ....... وشيء كبير أيضا ......... فنطقيه ... وقول ما هو ...... هيا ....
قررت أن تنهي الموضوع , و تنفذ بجلدها من براثمه....
فقامت هي الأخرى و قالت...
- قلت لك لا يوجد شيء مهم....
ألقت كلماتها هذه و اندفعت ناحية الباب , هربا من نوبة غضبه ....
لكن يده حالت دون ذلك...
أمسك بيدها , و دفعها ناحيته ....
حتى غدا وجهها مواجها لوجهه الذي أخذ منه الدهر ما أخذ .... و خط عليه علاماته .....
كانت عيناه تقدح شررا .... ووجهه ينذر بالأسوأ....
- أسوف تنطقين أو أجبرتك بالقوة ...
أخذت تحدق بتلك العينين الغاضبتان .... فارتعدت.... و خافت .... ولم تجد سوى أن تتكلم .... ففي كلى الحالتين سوف ينفجر عليها غاضبا ....
- أريد أن أنجب أولادا .... ( قالتها وهي تحاول أن تتصنع القوة)
قوس كلى حاجبيه إلى أعلى....
وارتخت قبضة يده على يدها ...
وبذهول تجلى على تعابير وجهه .... و نبرة صوته قال...
- تنجبين ........و لماذا ؟
- لأني امرأة, ومن حقي أن أصبح أما ...
- لكن نحن اتفقنا بألا ننجب ...
- كنت حمقا عندما وافقت على هذا الأمر ....
- و الآن ماذا جد .... ما الذي جرى ......... أهي لعبة ...ها ؟
- الآن أدركت بأني لا أستطيع أن أعش بدون ابن يملئ حياتي ... و ينشر الفرح فيها ...
- ما هذا الكلام؟... من الذي أدخل هذا الكلام في رأسك؟ ... طوال السنتين ونصف الماضيتان لم تفكر بهذا الأمر ... الآن تأتي و تطلب مني هذا الطلب ... بتأكيد أن أحدا دس هذه الأفكار في رأسك ....
أمسكت بيده بكلى يديها ... و بعينين راجيتان قالت ...
- لم يدس أحد هذه الفكرة في رأسي ...أنا لوحد أردة هذا .... غسان أنت لا تستطيع أن تحس بالإحساس الذي أشعر به .... فأنت عندك أبناء ... لهذا لا تستطيع أن تحس بمدى الألم و العذاب الذين أشعر بهما .... فأرجوك وافق...
بحركة سريعة سحب يده من قبضة يديها .... و صرخ بها قائلا ... و هو مقطب حاجبيه ....
- لا ..... لن أوافق على هذا الأمر ........ فالأولاد ليس ورائهم سوى التعب و ألم الرأس........ كما أنني في هذا السن ليس فيه قوة على تربية الأطفال ...... لهذا الأفضل لك ( رفع يده و صوب أصبعه ناحية رأسها و هو يكمل قائلا ) بأن تمسحي هذه الفكرة من رأسك ونهائيا.... مفهوم .... و إلا سوف يحصل لك شيء لا يحمد عقباه...
وخرج من الغرفة, تارك إياها ....تغرق في دموعها .... و تندب حظها العاثر الذي أجبراها على الزواج به ....
يتبع.....