كاتب الموضوع :
شرف عبد العزيز
المنتدى :
الفنون الجميلة وابداعات الاعضاء
فان جوخ.. رسام ألوان الشمس والحياة
عندما أطلق فان كوخ النار على نفسه في العام 1890، بعد حياة قصيرة ومأساوية ، لم يكن أحد يعرف أي شيء عن فنه.
ولد في 30 آذار عام 1853 بقرية زندرت الهولندية .
لأب يعمل قسيساً بكنيسة البلدة، وهو الأب الذي زرع في أعماق هذا الصغير من خلال الجو الديني الصارم الذي أحاط بالأسرة مثلاً علياً ربما كانت تصطدم كثيراً جداً بالواقع طوال حياة " فان جوخ".
ويعد فان كوخ الذي اشتهر باستخدام الألوان بكثافة وخطوط الفرشاة البارزة أعظم فنان هولندي بعد رمبرانت.
وتملكت حالة من اليأس الشديد فان كوخ قبل عامين من انتحاره.
وغطي تابوته بزهور عباد الشمس التي كان يعشقها، ووضع عليه حامل لوحات الرسم وكرسيه وفرشاته. وحقق فان غوغ الذي كان مجهولا في حياته القصيرة والمأساوية شهرة عالمية بعد مماته فقط.
توقع «فان كوخ» أن يصل سعر لوحته «أزهار عبّاد الشمس» إلى 500 فرنك وقت إنجازها، معتبرا إياها علامته الفارقة كرسام.
أليس غريبا أن يكون الفنان الذي فشل في بيع أي لوحة أثناء حياته عدا لوحة «كرمة العنب الأحمر» قادرا بأعماله، وبعد مائة وعشرين عاما، أن يمنحنا ذلك الإلهام بعظمة الطبيعة وسحرها؟
تسلط رسائل «فان كوخ» الضوء على ما تعنيه كلمة «الكدح» في حياته، وظهر ذلك جليا في لوحاته، التي صارت تقليدا للوجود الحيوي لما هو قيد التصوير، أي فعل كينونته، مثلا، عندما يصور الأرض المنقوبة في حقل، ادخل إلى لوحته، حركة المحراث وهو يشق الأثلام، في الارض، فحيثما التفت كان يرى كدح الوجود، الذي صار هو الواقع بالنسبة إليه.
عاش «فان كوخ» مهرجان الطبيعة حوله، بقدرته على رؤية ما يدور خلف سطح الاشياء، بقدرته على رؤية النسغ الطالع من الأسفل إلى اعلى، الى كيف تتفاعل شجرة السرو مع الريح والشمس في حركتها وتشكلها. لقد تهدم الخط الفاصل بين الذات والعالم الخارجي، وأصبحت الطبيعة بمختلف مظاهرها قادرة على التعبير عن أغوار النفس، فالأمل يعبر عنه ببضعة نجوم، وتلهف الروح للانعتاق بإشعاع الغروب.
لذلك جاءت لوحتا أزهار عبّاد الشمس تتويجا لذلك الكدح الجنوني وتراكم خبرات هائلة في زمن قصير جدا. «سترى أن هاتين اللوحتين تشدان بصرك إليهما. انهما نوع من الرسوم التي تتغير صفاتها كلما ازددت إمعانا بها، فتصبح اكثر ثراء». كتب ذلك إلى أخيه بعد فترة قصيرة من إتمام رسمهما، من المستشفى الذي حُجر عليه فيه، لكنه أضاف في الرسالة نفسها «انا دائما ممتلئ بالندم الى حد كبير، عندما أفكر في عملي لأنه لم يكن مماثلا لما كنت احب إنجازه، آمل على المدى البعيد، ان أنجز أشياء افضل».
رسائل «فان كوخ» تجعلنا نتلمس مدى اقترابه من الواقع الى النقطة التي لم يصلها رسام قبله، والتي أتاحت له ان يمس ذلك السحر والبهاء المخفي عن الأبصار، وكان عليه، في نهاية المطاف، ان يدفع ثمن تلك الهبة السماوية النادرة. يقول «فان كوخ» في رسالة أخرى: «الموت ليس أسوأ ما يمكن أن يواجهه الفنان في حياته»، إذ قد تكون متطلبات العيش، أو الجنون او الحاسرة او الوظيفة أو غيرها عناصر اكثر تهديدا من الموت على مواصلة الفنان في تحقيق ذاته كفنان، ولعل «فان كوخ» عبـّر عن تلك القوى المعيقة له بالغربان السوداء التي اكتظ حقل القمح الذهبي بها.
تعتبر لوحة " حقل القمح مع غربان " واحدة من أشهر أعماله الفنية، ومن المحتمل أن يكون موضوعها هو الأكثر إثارة للتفكير والتأمل. أنجز هذا العمل في يوليو " تموز " عام 1890. وقد ادعى العديد من الدارسين والمعنيين بتجربة فان كوخ الفنية بأن هذه اللوحة كانت هي العمل الأخير في حياته. ويمكن رؤية السماء المثيرة، والمهتاجة، والملبدة بالغيوم مليئة بالغربان والطريق المسدودة هي بمثابة نذر واضحة لاقتراب نهايته،
إذ قال: " كانتا مرسومتين بشكل واسع، حقل قمح بسنابل منتفخة تحت سماء غاضبة، وحاولت تماماً أن أعبّر عن الحزن، والوحدة المفرطة فيهما
كانت حالات الهياج الجنوني تعاوده من حين لآخر حتى قام في إحداها بقطع آذنه و ربط رأسه المصاب ثم قدم الأذن المقطوعة في لفافة إلى محبوبته التي طلبت منه أذنه خلال إحدى مداعباتها له ،
وعندما عاد إلي بيته أغمي عليه و لم يفق إلا في المستشفي،
و عندما استرد صحته طاردته أنظار أهل البلدة و صيحات أطفالها.. فانهارت أعصابه و لم يجد أخوه بداً من نقله إلى مستشفي للأمراض العقلية بالقرب من " أرل"، وهي المستشفي التي مكث فيها عام، و سمح له بالرسم فيها فظهر في لوحاته بهذه المرحلة شيء من عنف نوبات الصرع التي تعرض لها..
و لكن نوبات الصرع راحت تتوالى بانتظام وسئم جوخ الحياة.. فخرج إلى حقل مجاور وأطلق على نفسه الرصاص و لكنه لم يمت على الفور حيث نقله " تيو " إلى المستشفي التي مات بها بعد يومين وهو لم يتجاوز السابعة والثلاثين من عمره بعد أن رسم أكثر من 700 لوحة وحوالي 1000 رسمة .
مات معدما، هزيلا، نحيلا، مهووسا، بعد أن طارده المرض وقذف به إلى مصحة عقلية، مات فان كوخ ليبدأ العالم تذكره وكتابة اسمه في قائمة الخالدين بأعمالهم .. الآن لوحاته لا تقدر بملايين الدولارات .. وهو كان يعيش أياما بأكملها على رغيف خبز واحد .. !
|