– حلم أم يقظة !بدا رافايللو في مزاج جيد .. جيد جداً منذ أشهر عديدة ومنذ أن وجه إليه والده ذلك الإنذار المستحيل : إما الزواج وإما حرمانه من الميراث إنها المرة الأولى التي يشعر فيها بالمزاج الجيد .
جعله ذلك يدرك كم كان مزاجه سيئاً وكم طال مزاجه الكدر .
لكن ذلك كله تغير الآن فالحياة تبتسم له ثانية وهاهو يبادلها الابتسام إنه شعور جيد ورائع كأنما حملاً ثقيلاً رفع عن كتفيه .
ما إن عاد إلى الفيلا حتى تلقى بمشاعر متناقضة الأخبار من غوسيب فانريكو قد غادر إلى روما وعليهم عدم توقع عودته في وقت قريب .
اعترف لنفسه أن الأمر أكثر أهمية الآن هو أنه يشعر بالراحة وفي ظل مزاجه المتحسن الجديد فهو لا يستسيغ أي لقاء بينهما حسناً ! إذا كان والده قد ارتحل فجأة إلى شقته في روما فذلك هو خياره هذا ما فكر به رافايللو .
منتديات ليلاس
بدا أكثر حيوية ونشاطاً عندما استدار نحو ماغي .
_ أخبرني غوسيب أن والدي سافر إلى روما لدينا شقة هناك والآن ..
تابع بفرح : .. لما لا تذهبين لرؤية بنجي همم ؟
ابتسم لها وللمرة الثانية شعرت أن أعصابها تطير محلقة بأجنحة ملائكية .
_ علي التأكد من بريدي الإلكتروني والقيام ببضع الاتصالات الهاتفية لكنني سأنضم إليك عما قريب .
سار بخطى واسعة باتجاه المكتب وعلمت ماغي من غوسيب أن بنجي في غرفتها في الطابق العلوي صعدت إلى هناك وهي ما تزال في حالة انبهار كامل ..
أرادت أن تفكر بما يجري معها لكن بنجي بدا سعيداً جداً وقد استيقظ من قيلولته في فترة بعض الظهر فلم تحظ بوقت كاف لتعيش في أحلام اليقظة فرحته برؤيتها جعلتها تنسى كل شيء على الأقل في هذه اللحظة رفعته بين يديها وضمته إليها بقوة شاكرة جينا على عنايتها به .
استيقظ بنجي من نومه الخفيف وأصبح جاهزاً لمزاولة نشاطه ثانية فتوجهت ماغي معه إلى الطابق الأرضي .
أوقفتها ماريا في القاعة ولمعت عيناها ما إن باغتها مظهر ماغي الجديد لكنها لم تقل شيئاً بشأن ذلك بل قالت بمرح : سأحضر القهوة إلى الشرفة السنيور و السنيورة كالي هناك .
وجدت ماغي أن بنجي بات فخوراً في نفسه وهو يجلس على عجلة خشبية يستطيع دفع نفسه بسهولة عليها وفي فترة قصيرة راح يتحرك عليها ذهاباً وإياباً على الشرفة وكأنه محترف أما بالنسبة لعمة رافايللو فقد بدت اكثر انفتاحاً بشأن مظهر ماغي الجديد .
_ رائعة ! تبدين جميلة يا عزيزتي وسيسعدك أن تعلمي أن ما تبقى من ثياب لخزنتك قد وصل منذ قليل .
بدت الدهشة على ماغي فابتسمت عمة رافايللو بعتاب بسبب تعابير وجه ماغي وقالت : بالطبع ! لا يمكنك البقاء في ثوب واحد لقد شاهدت المجموعة وهي رائعة قامت جينا بترتيبها والآن تعالي واشربي فنجان قهوة وأنا سأخبرك عما قام به ولدك الصغير المرح والمحبوب هذا الصباح .
بدا من الواضح أن اليزابيث في مزاج مرح جداً وعندما وصل رافايللو إلى الشرفة نصف ساعة من ذلك استقبلته بالمرح نفسه لكن ماغي لاحظته النظرة السريعة المدققة التي رمتها بها ما إن جلس على المقعد بجانب ماغي شعرت بخديها يتوردان وبالتوتر يسيطر عليها ثانية وهي تشرب القهوة مدركة بقوة وجود رافايللو بجانبها وهو يتحدث إلى عمته وعمه .
ازداد توترها بعد مرور عشر دقائق عندما استدار رافايللو إليها وقال فجأة : حان وقت السباحة أنا متأكد أن بنجي سيسعد باللعب بالماء … هيا !
ما إن تكلم حتى أدركت ماغي مدى الصدق في دعوته من المحتمل أن الأم والطفل سيستمتعان بالسباحة لكن ما سيسعده حقاً هو رؤية ماغي في ثوب سباحة ملائم .
طارت أفكاره إلى بعد ظهر يوم البارحة عندما تفاجأ برؤيتها في ثوب سباحة بشع وفضفاض ومع ذلك لاحظ أنها تملك جسداً جميلاً لم يتوقعه قط والذي يعرفه أنها إذا ارتدت ثوب سباحة جميل وأنيق فالنتيجة ستكون أكثر جمالاً بدون أي شك .
نالت توقعاته النتيجة المرجوة فقد بدت ماغي جميلة جداً في ثوب سباحة من قطعة واحدة خوخي اللون تماماً كما تمنى فبشرتها قد تحولت إلى لون عسلي دافئ بسبب شمس توسكانا تدلى شعرها الكثيف على كتفيها وهي تمشي ببطء واثقة إلى بركة السباحة ممسكة بيد ابنها الصغير لم يستطع رافايللو إبعاد نظره عنها كيف يمكن أن تخفي هذا الجمال الطبيعي طوال الوقت ؟ شتم نفسه بسبب عماه كان حقاً أعمى بسبب شعرها الأشعث وظهرها المنحني وعدم اهتمامها المطلق بمظهرها وبسبب تلك الثياب الفظيعة الكريهة أما الآن …
مهما بلغت قيمة الفاتورة التي ستقدمها أوليفيا فإنه سيدفعها ولو تضاعفت عشر مرات فقط بسبب إحساسه بالسعادة من رؤية ماغي تسير نحوه بجمالها الطبيعي وخجلها .
بحركة رشيقة قفز إلى الماء .. برودة الماء هدأت من اضطرابه ولو إلى حين قام بالسباحة لعدة مرات برشاقة قبل أن يطفو على السطح ليجد ماغي جالسة بقلق قرب الدرج الموصل إلى الماء كان بنجي في الماء يلعب ويقذف الماء بقوة رفع رافايللو جسمه من الماء بدون أي مجهود وأمسك بكرة بنجي .
_ التقطها !
ورمى الكرة باتجاه الصبي الصغير الذي صرخ من الفرح ومشى بخطى قصيرة نحو الكرة بالسرعة التي تسمح بها ساقاه الصغيرتان والإطار المطاطي الذي يحمله ضربها فطارت بعيداً وأخذ يركض ورائها ضحكت ماغي وكذلك رافايللو الذي غطس مرة أخرى في البركة وبدأ يلاعب الطفل .
اكتشف أن تسلية الأطفال أمر سهلاً للغاية فكل ما هو مطلوب التخلي عن التكبر والانغماس تماماً في اللعبة ..
قالت ماغي محذرة : لن يشعر بالتعب قبلك .
كانت ما تزال تجلس هناك واضعة قدميها في الماء وضاغطة على ركبتيها بقوة .
ضحك رافايللو فشعرت بدفء قوي يجتاحها أما أفكارها فكانت في انبهار ودوار كامل هل يعقل أن هذا رافايللو دي فيسنتى الذي لم يرد أن ينادي بنجي باسمه والآن هو يلعب معه ودلائل الفرح بادية عليه ؟
هل يعقل ان هذا رافايللو دي فيسنتى الذي كان ينظر إليها بازدراء وهو ينظر إليها الآن وكأنه غير قادر على إبعاد عينيه عنها للحظة واحدة ؟
لا يمكنها أن تصدق ان هذا يحدث فعلاً إذا كان هذا حلماً فإنها لا تريد أن تستيقظ منه أبداً .
***********
_ إذاً إلى أين تريدين الذهاب اليوم ؟
بدا صوت رافايللو مرحباً لم لا ؟ فهو مرتاح .. مرتاح جداً فهو يشعر انه سعيد وليس لديه ما يفعله إلا أن يمتع نفسه بمباهج الحياة صحيح أن مستقبل شركة فيسنتى أصبح بين يديه وهو سيحمل مسؤولياته في وقت قريب لكن باستطاعة الانتشار الشامل والعالمي أن ينتظر أما الآن فلديه مشروع آخر عليه أن يلاحقه ويسعى إليه .. مشروع ممتع جداً .. ورمى بنظره إلى حيث مركز اهتمامه .
_ فرنزي ؟ بيزا ؟ سينيا ؟
عضت ماغي على شفتها فحاول رافايللو ألا يحدق بها سيكون هناك وقت كاف للحصول على ما يريده فالوقت طويل أمامهما أما الآن فهو يريد أن يريها جمال توسكانا يريدها أن تكون له بمفرده فقط له من دون مراقبة الجميع لهما ليس فقط عمته وزوجها بل أيضاً ماريا و غوسيب .
قالت : من فضلك لست مضطراً إلى مرافقتي حقاً !
أجاب برقة : يسعدني ذلك كل ما عليك فعله اختيار المكان ما رأيك بفونزي ؟ إنها الجوهرة الرائعة في عرش توسكانا وهي الأكثر هدوءاً وسحراً في لوكا .
ابتسمت ماغي ولكنها بقيت غير متأكدة بما ستجيبه .
_ من فضلك لا تعتقد أني لست ممتنة لكنني لا أستطيع ترك بنجي هنا فهذا ليس عدلاً له ول ماريا وحتى لعمتك .
_ إذاً سنأخذه معنا .
ليس هذا ما يريده حقاً لكنه يفهم وجهة نظرها .
أصبحت حيرتها اكبر فقالت : لا أعتقد أن مدينة مليئة بالناس هي المكان المناسب له فكيف إذا ذهبنا إلى متحف الفنون أو لرؤية نصب تذكاري .
بحركة من يده تجاهل رافايللو اعتراضها هذا وقال : الحل واضح سنذهب إلى الشاطئ .
وكأنه تلفظ بكلمة سحرية أضاءت وجه ماغي …
_ آه ! هل نستطيع الذهاب حقاً ؟ بنجي سيسعد كثيراً على الشاطئ لم يذهب يوماً إلى هناك ولا حتى أنا ..
بدا صوتها حزيناً وشيء ما في نبرة صوتها أصابته في العمق لم تذهب يوماً إلى الشاطئ !
لكنها عاشت حياة محرومة ليس فقط من الحياة المادية فهي لا تملك عائلة هل يمكن حدوث مثل هذه الأشياء ؟ شعر بغضب شديد لا عجب أن تعلقت بذلك الولد من الميتم كايس حبيبها ولا عجب أنها بحثت عن الراحة بين ذراعيه وفي سريره .
لمعت ظلال من الحزن في عينيه حتى هذا قد أخذ منها ..
أعلن بنبرة حاسمة : إذاً اتفقنا سنذهب إلى الشاطئ .
********************
فكرت ماغي بعد أن أطل بعض الظهر أن هذا اليوم هو أفضل يوم في حياتها ! حتى انه أفضل من البارحة لأن اليوم أمضته مع أحب شخصين إلى قلبها : بنجي و رافايللو بدا رافايللو كما لم تره يوماً فاتناً متعاوناً ولطيفاً بشكل مربك .
كما ان هناك شيئاً إضافياً لكنها لا تعرف ما هو إلا أنه يجعل دمها يرقص في عروقها ويجعلها تحلق في الأعالي كلما تبادلت هي و رافايللو النظرات .
فكرت أنها تعيش في حلم فقد جلست على الشاطئ في فيراجو فيما جلس بنجي بين ساقيها الممدودتين راح رافايللو يعيد بناء قلعة من الرمال ليهدمها بعد ذلك بنجي بفرحة لا توصف كانت أشعة الشمس تلمع على جذعه الذهبي عاكسة ألواناً برونزية اللون على شعره الأسود الحريري كل ما كانت تستطيع فعله هو أن تحتفظ بذكرى تلك اللحظة .
لمعت فكرة في خاطرها .. كم هي خطرة ومستحيلة هذه الفكرة المغرية ! إنها تتحدى كل منطق وحقيقة في أعمق أعماقها تمنت لو أن الحلم يغدو حقيقة أن تجلي هنا ليس مع الرجل الذي تزوجها ليهين والده وينقذ ميراثه بل مع زوجها الحقيقي ووالد طفلها .