_ هذا ممكن … مع مرافق فالأراضي واسعة قد تضيع فيها الآنسة .
_ أوه .. حقاً ؟ قل لسيدك إنني أحفظ الاتجاهات جيداً .
وبدا القلق على توماس : ومع ذلك …
أيحاول إخفاء مكان هبوط الطائرة ؟ أم أنها قد تعثر على شيء آخر ؟ وقاطعته بسرعة : أنا أمازحك توماس ما دمت سأخرج من غرفتي لا أمانع مهما كان عدد المرافقين .
_ سأقول للسيد .
وابتسمت لنفسها .. يبدوا أن الوقت شيء تملكه كثيراً … وإذا كان هناك طريق للخروج من هذه الجزيرة … فستجده .. ولو استطاعت في الوقت نفسه إركاع وحش الجزيرة … فستفعل .
عندما سمعت بارتياح وقع خطوات توماس بدأت تحس أن ماثيو سبيراس يلاعبها لعبة القط والفأر !
_ أتسمح الآنسة بمرافقتي إلى الصالون . سألها توماس .
كانت تأمل لو تتجنب اللقاء مع سيد كاستاريوس إلى أن تكون آثار ما حدث ليلة أمس بينهما قد تلاشت قليلاً من ذاكرتها .. لكن يبدوا أن اللقاء حتمي وعليها مواجهته .
4_ جناح الحريم
تحت ضوء الشمس وجدت ما يحيط بها من معالم القصر تبهر النظر الجدران نظيفة تعكس الضوء على الممرات المليئة على جانبيها بكوات صغيرة كل منها يحوي على قطعة أثاث أثرية نفيسة أو تمثال أو لوحة .
كانت تود لو تتوقف لتتفحص بعضاً منها لكنها كانت متشوقة لمعرفة مدى الحرية التي ستمنح لها .. فتبعت خطوات توماس السريعة الرشيقة وسرعان ما وصلا إلى رواق عريض ذو درابزين حجرية منحوتة قادهما إلى بهو على طول مدخل القصر السفلي وأوصلهما إلى غرف تقود إلى أجنحة مختلفة من القصر مركزها كله حول سلم مرمري عريض يستدير بانحناء لطيف ليصل إلى الطابق الأرضي .
كانت الأبواب في الردهة التحتية مرتفعة جداً وسوداء ثقيلة ومحفورة لها مقابض حديدية مزينة على شكل رأس نمر وتساءلت بينها وبين نفسها ترى أي منها باب مكتب ماثيو سبيراس لكن الأبواب كلها كانت موصدة تخفي كل شيء ورائها .
كان الباب الرئيسي مفتوحاً يتسلل منه هواء الصباح …وبيدوا أن الحرية ونور الشمس بانتظارها لكنها مع ذلك تحس أن أي محاولة للهرب ستنتزع الحرية منها وصل توماس إلى أحد الأبواب المرتفعة وفتحه مشيراً لروندا بالدخول فدخلت فإذا بها تجد نفسها في غرفة سارعت لتنظر حولها إلى ما يحيط بها من أناقة والأرض الرخامية السقف المرتفع المنحوت .. ثم توقفت عيناها على صورة الرجل الواقف عند مؤخرة الغرفة ينظر عبر باب زجاجي إلى الخارج و ظهره لها .
في بذلته الرسمية لم يكن يبدوا طويلاً أو مهيباً كما بدا ليلة أمس أدار وجهه إليها فوجدت نفسها أمام رجل غريب كان شاباً أصغر سناً من ماثيو وأشد اسمراراً لكنه جذاب كذلك ابتسامته تتراقص على شفتيه مضيئة وجهه :
_ إذن أنت الآنسة ستورم .. يفتنني التعرف إليك .
تقدم منها ليأخذ يدها وينحني بطريقة قديمة الطراز وجدتها روندا مبهجة :
_ اسمحي لي بأن أقدم نفسي أنا بيدروس سبيراتوس ابن عم ماثيوس .
_ أمقيم أنت هنا كذلك ؟
فابتسم : من الآن وصاعداً …
_ وهل بعلم ابن عمك الطاغية بذلك ؟
كان كلامها فظاً إلا أنها عجزت عن منعه : بالطبع يعرف فأنا هنا بناء على دعوته عادة أبقى معه في وقت قادم من السنة لكنني ليلة أمس استلمت دعوته فوصلت باكراً بالطائرة .
_ بالطائرة … بالهليوكوبتر ؟
_ أجل .. لعلي لم أزعج منامك ؟
_ أوه لا .. وهل ستطيل الإقامة ؟
_ هذا يتوقف عليك آنستي .
_ علي أنا ؟
_ سأبقى هنا مادمت هنا … آنستي .
_ آه فهمت .. استدعاك ابن عمك لتكون سجاني .
_ آنسة ستورم .. هل أبدو لك سجاناً .. من الطبيعي أن تفضلي البقاء مع ماثيو .. ومن يلومك لكن هذا مستحيل في الوقت الحاضر لذا طلب مني أن أكون مرافقك إلى أن ينتهي الأمر ويستطيع ماثيو العودة إلى دور المضيف ثانية .
فقاطعته روندا :
سيد سبيراتوس .. أظنك واقع ضحية سوء فهم فليس لي أية رغبة بالبقاء مع ابن عمك لا الآن ولا فيما بعد فأنا لا أرغب بوجوده .. ولست أدري من أين أتتك فكرة أنه مضيفي كلمة سجاني وصف أضق بالنسبة له .
فأطلق بيدروس صفيراً خافتاً !
_ إذن أنت لا تتمتعين بالإقامة بالقصر آنستي ؟ ربما تخاصمت معه طبعه كريه أحياناً لدي تجاربي معه …
_ لا … أنت مخطئ تماماً سيدي مهما كان ما قاله لك ابن عمك فأنا لست ضيفة هنا بل إنني لم أكن أعرفه حتى يوم أمس عندما اعتقلني رجاله وأنا أستحم تحت أشعة الشمس على الشاطئ في الجهة الأخرى من الجزيرة لقد حملوني إلى هنا مغطاة الرأس وكأنني كيس غسيل تحت الحراسة ومنذ ذلك الوقت أنا سجينة في غرفة فيها أبواب ونوافذ حديدية ولوحة سادي تعود إلى القرون الوسطى أتسلى بالنظر إليها .
قطب بيدروس جبينه :
غرفة سبيراس ؟ أؤكد لك آنستي أن تلك الغرفة معدة لاستضافة أقرب المقربين من معارف ماثيوس .. وأؤكد لك أنه لا يريدك أن تكرهيه وبعد أن رأيتك آنستي لا أستطيع لومه .
_ أعتقد أنك تظن أن علي أن أكون ممتنة لإطرائك هذا ! لكنني أجد هذا ثمناً باهظاً أدفعه لأجل بعد الحرية .. قل لابن عمك إنني أفضل رفقة نفسي سيد سبيراس ولك العودة من حيث أتيت … !
ارتدت مبتعدة عنه بحدة والدموع تثقل جفنيها لكنه سارع يضع يده على ذراعها وجاء صوته رقيقاً لطيفاً :
_ آنستي .. ربما أخطأت في تقييم الموقف وأطلب صفحك أرجوك لا تبعديني عن هنا فكلانا مجبر على البقاء لوقت ما ومن الغباء لنا أن نكون وحدنا .
فتنهدت : أجل .. هذا غباء أنا أقبل اعتذارك سيدي ربما أنا شديدة الحساسية بالنسبة للموضوع لكني بقيت ممن يعتقدون أنني هدية مناسبة للنمر .
_ ومن هو الرجل الشجاع الذي قال هذا آنستي ؟
للحظات تأرجحت بين الانزعاج والضحك إلى أن فاز الضحك :
_ أحد الرجال الذين ألقوا القبض علي يومها لم أكن أعرف ما يعني بالطبع فأحست بالذعر .
_ وعندما اكتشفت الحقيقة ؟
_ ازددت رعباً .
وضحكا معاً فانجلى الجو بينهما ثم تقدم إلى المدفأة ليجذب حبلاً مجدولاً طويلاً : لقد أصبحنا الآن صديقين سأستدعي توماس ليحضر لنا القهوة سنتناولها على الشرفة و ستخبرينني قليلاً عن نفسك روندا … هل لي أن أناديك باسمك وتناديني بيدرو ؟
_ لا بأس في هذا .
رافقها إلى الشرفة العريضة المغطاة بعريشه من النباتات المتسلقة ذات الرائحة اللذيذة المتربع فيها أرجوحة ذات مقعد عريض وطاولة كان الهواء من هناك عليلاً والمناظر رائعة تطل على حدائق متسعة تصل إلى حدود البحر .
وقال لها بيدرو : القصر مبني على حرف صخري ينتهي هناك والقرية مع الميناء تحته مباشرة .
_ إنها حماية مزدوجة بالنسبة للأيام الغابرة .
_ في الواقع … هذا صحيح وحش كاستاريوس الأول المعلقة صورته في غرفتك بنى عدة مراكز مراقبة فوق أطراف جزيرته المرتفعة بنى الحصون حولها لحمايتها من القراصنة بعد وفاته اجتيحت الجزيرة أكثر من مرة لكن هذا ما كان يحدث إلا عندما يغيب سيدها عنها لذا يتناقل القرويين أسطورة أن وحش الجزيرة هو حاميهم وأن ما من شر يحل عليهم ما دام يعيش بينهم .
_ أهذا ما يشعرون به الآن وحراس ابن عمك المسلحون يشرفون عليهم ؟
_ إنهم يتقبلون الضرورة .
_ كما يتقبلون العيش هنا دون نسائهم حسب رغبة السيد .
_ روندا .. قد تبدو لك هناك بعض الأشياء الغريبة لكن أتوسل إليك لا تسألي عنها ... حاولي أن تتقبلي ..
_ كأي فرد من أفراد أهل الجزيرة المساكين المؤمنين بالخرافات ؟ آسفة بيدرو .. فأنا لست مهتمة بحماية وحشهم لي وعندما ابتعد عن هنا سأجعله يتمنى قائلاً : ليتني لم أولد .
ضحك فجأة : ربما لن تحتاجي إلى مغادرة الجزيرة لتفعلي هذا يا روندا .. والآن .. وماذا تودين أن تفعلي بعد الغذاء ؟
تبادلا الحديث بعفوية وعلمت أن بيدرو لا يعرف كل أسرار ابن عمه لكنها تشك في أن تحصل على مساعدة منه .
_ سأريك القصر ثم نستلقي قرب بركة السباحة لنشرب المرطبات المثلجة .
_ بركة سباحة ؟ أوه ما أروع هذا .. أين هي ؟
_ إلى جانب المنزل مخفية عن الأنظار .. أنا لست خبيراً في التاريخ بل ماثيوس هو المهتم بهذا لذا يجب أن تطلبي منه أن يشرح لك تاريخ القصر وما يحتويه عندما يعود .
_ لا !
_ من الغريب جداً أن تكرهينه .. فهذا مخالف لآراء النساء .
_ لكنني لا أعتقد أن رأي النساء يهمه وإلا لماذا لا يسمح لهن بدخول برجه العاجي ؟
فضحك بيدرو :
_ أنت أسأت فهم الموقف فهو لا يعيش منعزلاً عن الناس وعندما يحتاج إلى امرأة .. تأتيه صدقيني .
احمر وجهها خجلاً وكأنها تلميذة فصحيح أن ماثيو سبيراس رجل أعزب إلا أنه لرجل لا يتردد في التمتع بحياته كلما أراد لكن متابعة هذه النقطة مع بيدرو لن تؤدي إلا لمواجهة مع أحاسيسها .
ولأنها لم تجد شيئاً تعرفه عن ماثيو سبيراس .. أقنعت نفسها بألا تبحث عن شيء !
منتديات ليلاس
كانت الجولة في القصر تثقيفية و متعبة فقدت خلالها روندا القدرة على عد الغرف والممرات التي شاهدتها إذا كانت كلها تلتف وتدور لتصل نهاية الأمر إلى الرواق المركزي فوق السلم المرمري .
بيدرو رغم جاذبيته الظاهرة كان أبعد ما يكون عن ابن عمه الغامض .
_ جناح ماثيوس الخاص من هنا أتريدين رؤيته ؟
_ لا !
انكمشت تخشى فكرة لقائه في جناحه فهي لم تره طوال اليوم وما تزال تذكر كلامه البارد : أنا لست فرجة للمتجسسين آنسة .
_ حسناً .. اظننا شاهدنا القصر كله الآن .. إذن يمكننا الاستفادة من بعض العصير المثلج .
فقطبت جبينها : هذه الممرات كالمتاهة .. لكنني واثقة أننا لم نمر في تلك الفتحة المغطاة بالستائر لا أذكرها أبداً .
_ أوه .. لا يعقل أن تكوني راغبة في رؤية المزيد .. فلنذهب ونبدل ملابسنا ولنجلس بعدها قرب بركة السباحة .. فأنا متعب .
_ فلنزر هذا المكان فقط فمن يعلم قد نجد منحوتة أثرية لرافاييل أوبوتشيللي نسيت أن تريني إياها .
_ مستحيل فأي شيء كهذا لا شك أنه تدمر منذ قرون عندما تهدم القصر الأصلي خلال إحدى الغزوات .. فهذا هو ثالث أو رابع بناء .. وهو وحده الناجي .
_ أكانت هذه اللوحات كلها والكنوز الأثرية موجودة يومها ؟
فهز رأسه : بعد الحرب قرر والد ماثيوس نقل نفائس العائلة إلى الجزيرة التي كانت من قبل ذلك مخبأة لتبقى بعيدة عن يد المحتل الألماني والقصر كان مهجوراً قبل الحرب لكن عمي فيلبيس قرر بعد أن أنجب نمراً جديداً للعائلة أن يترك له إعمار إرثه بنفسه .
_ نمر جديد ؟
_ ماثيوس كان المولود الأول الذي يولد منذ أجيال ببشرة كبشرة جدنا الأول بعد أن كان يظن العديد أن اللون الأبيض والشعر الأسمر الأحمر قد اندثر من إرث العائلة .
كادت روندا تتلفظ بكلمات طفولية تقول فيها : ليت ذلك اليوم يوم ولادته لم يكن إلا أنها سارعت لتغيير الموضوع :
_ ألم يبق شيء من المبنى الأصلي ؟
_ أعتقد أن الأساسات ذاتها قد استخدمت على الدوام .. أوه .. والزنزانات تحت الأرض ما زالت موجودة .. وهي تستخدم الآن كأقبية .
بعد قليل من الصمت كان يعبث خلالها بالمفاتيح قال : أمر غريب … مفتاح هذا الباب ليس بين المفاتيح .. يجب أن نعود .
فقالت خائبة الرجاء : أوه ألا يمكن أن ترى إذا كان يناسبه أي مفتاح آخر ؟
جرب بيدرو مفتاحاً بعد آخر دون جدوى : أرأيت روندا .. لا فائدة يجب أن نعود .
_ ألا يبدوا لك هذا غريباً يا بيدرو ؟ كل المفاتيح هنا إلا هذا كان ناقص .
كانت واثقة أنها شاهدت أمراً غريباً في عينيه لكن رده الباسم كان هادئاً كعادته :
_ يجب أن تعذريني يا عزيزتي حتى أفضل مدبرات المنزل تنسى أين تضع بعض الأشياء ويجب أن أخبر ماثيو عن فقدان المفتاح .
فردت ببرود : أوه .. لا تزعج نفسك أظنه يعرف هذا .
ارتدت على عقبيها تبتعد وهي على يقين من أن سراً ما يخفيه هذا البيت لكن سيد القصر لا يريدها أن تعرف إلا ما يريده هو .
التفتت مبتسمة إلى بيدرو وقد لحق بها ليسأل :
_ ماذا ترغبين الآن يا عزيزتي ؟ .. المزيد من الجولات .
فدست ذراعها بذراعه : الآن أريني بركة السباحة .
كانت المياه الزرقاء باردة على جسدها دفعت بجسدها عن حافة البركة تسبح على ظهرها .. ثم غاصت حتى القاع لتعود بعد إلى السطح بسرعة قاطعة وأكملت السباحة السريعة إلى الأمام حتى آخر البركة واستلقى بيدرو على كرسي طويل إلى جانب البركة وصاح مهنئاً .
_ تسبحين بشكل رائع روندا سنتسابق يوماً .
فضحكت : سأغلبك .. ألا تتمرن يا بيدرو أبداً ؟
_ العب التنس قليلاً لا أجد معنى للتمرين واكتساب العضلات لأستخدمها بالمزيد من التمرين .
هذه الساعات من السباحة والاسترخاء قرب البركة أصبحت جزءاً من روتين يومي منذ وصول بيدرو .. جدران سجنها الآن تمددت فشملت معظم الأرض المحيطة بالقصر لكن بيدرو كان يبدو لها سجاناً رائعاً وإن كانت حريتها ما تزال محدودة .
لم تكن تعرف أكثر مما عرفت يوم وصولها طائرة الهليوكوبتر تابعت مجيئها وإيابها في أوقات غريبة من الليل والنهار لكنها ما تمكنت من اكتشاف ما تحمل ولا عرفت موضع هبوطها واستمرت حياة القصر السرية دون انزعاج رغم وجودها فيه لكنها باتت تشعر بخطر يداهم نفسها أولاً وهو انسياقها لهذه الحياة المتماسكة المتراخية .
كانت أحياناً تتناول الغذاء مع ابني العم معاً لكنها كانت تجهد لتتجنب هذا الموقف قدر الإمكان … فهناك أوقات كانت تدفعها صحبة بيدرو المسلية إلى نسيان وضعها المراقب فتتصور نفسها أنها ليست سوى ضيفة في القصر لكن نظرة ساخرة واحدة من ماثيو كانت تذكرها بوضعها الحقيقي هنا.
كان لطيف المعشر معها لكنه متحفظ لكنه متحفظ حتى بدأت تتساءل عما إذا كانت اللحظات التي قضتها بين ذراعيه ما هي إلا حلم لكن في الوقت نفسه كانت استجابات جسدها الطوعية لوجوده توضح لها بجلاء أنها بعيدة عن التخيل إنها تعرف ما يكفي عن الرجال لتعرف أنها تروق له وأنه يرغبها .. كانت تتساءل أحياناً لو أن علاقتهما استمرت حتى نتيجتها الحتمية تلك الليلة أكان ليعاملها بعدها بالطريقة ذاتها ؟