القرصان:
في العاشرة بالضبط وصلت موللي إلى أول شارع لومبارد حيث كانت الأشجار وفي أوج إزهارها و ألوانها الزرقاء والوردية تزيد المشاهد الجميلة جمالا. كانت قد ربطت شعرها لتبعده عن وجهها إزاء هواء البحر.وكانت ترتدي بنطلون جينز فوقه و كنزة ناعمة و تساءلت عما سيلبس نك.ربما سروال الركض ذاك!
ضحكت لهذه الفكرة و أخذت تنظر إلى السيارات التي كانت تمر بقربها
نظرت إلى ساعتها.كانت تظن أن نك دقيق دوما في مواعيده فقد كانت الساعة اجتازت العاشرة بدقيقتين.
منتديات ليلاس
وقال من خلفها:" ركن السيارة هو معاناة في هذا المكان."
و عندما التفتت انحنى نك يعانقها وكأن ذلك شيء عادي.
- أنا اركب الترام وهذا يجنبني متاعب توقيف السيارة
- ألم يكن لديك يوما سيارة؟
فهزت رأسها:" ولماذا أزعج نفسي طالما أن المواصلات حولي سهلة للغاية؟ أأنت جاهز؟"
- هيا بنا. و شبك أصابعه بأصابعها ثم ابتدآ نهار الأحد معا.
أمسكت بيده مستمتعة بالتظاهر بأنهما خطيبان و أنها تخرج معه الآن لتكوين ذكريات سعيدة و مستمتعة بقضاء النهار معا. لم يحاول جاستين قط أن يبذل جهدا لأجلها غلا إذا ألحت هي بطلب شيء.كان كل وقتهما مكرسا من اجله هو.كيف أقنعت نفسها بأنها تشعر بأي شيء تجاه ذلك الرجل؟
- أنت لم تعترض حين اقترحت عليك الذهاب إلى مطعم صيني لتناول الغداء. هل تحب هذا النوع من الطعام؟
- أنسيت أن طاهيتنا صينية؟ أنها تعمل عند أمي منذ سنوات و كثيرا ما تطهي لنا طعاما صينيا. عندما كنت صغيرا كنت أحب أن أمضي وقت العاصر في المطبخ أراقبها وهي تطهي وكانت دوما تشركني معها في اختيار الطعام وهكذا كنت أبدأ بالعشاء باكرا.
- أنا أحبه أيضا و بإمكاني أن أتغدى طعاما صينيا يوميا إذا استطعت.لكن معظم زملائي في العمل لا يهتمون به إلى هذا الحد لذا لا آكله إلا مرة أو مرتين شهريا.
- وهل تحبين الطعام الياباني أيضا؟
و هكذا أخذا يتحدثان عن الطعام طوال سيرهما.
و عندما صعدا إلى التلال بدا الخليج الأزرق يمتد أمامهما و الأمواج المزبدة تلوح في الأفق. شعرت موللي بحر شديد وكانت يدها في يد نك فلم يصعب عليها مجاراته في السير خصوصا وهو غير مسرع في سيره. وأخيرا وصلا إلى المرفأ حيث احتشد الكثير من الناس و قد فتنها نك بطريقة حمايته لها إذ كان يبعدها عن طريق بعض المراهقين المشاكسين أو يمنع بنظرة واحدة بائعي الشوارع من إزعاجها. وتمنت لو بإمكانها أن تفوز بتلك النظرة. وفي الواقع تمنت لو بإمكانها أن تفوز بكل النهار, ذلك أنها كانت مستمتعة أكثر مما تتوقع بكثير.فقد كان وجودها مع نك شيئا بالغ البهجة.
لقد ذهب ثري الفنادق المتشكك ذاك ليحي محله رجل عادي راغب في تمضية يوم رائع برفقتها. لكنها عادت فذكرت نفسها بأن ذلك كله مجرد ادعاء. عندما تجاوزا معرض صامويل للفنون, توقف نك ثم عاد وهو يجذب موللي معه.
- أليس هذا أحد المعرضين اللذين يعرضان لوحاتك؟
- بلى. دهشت موللي لتذكره ذلك. وقبل أن تتمكن من قول أي شيء قادها معه إلى الداخل.
قال :" أريني"
أشارت إلى اليسار حيث كانت لوحاتها معروضة و اخذت تنظر إليه وهو يتامل كلا منها. لم تكشف ملامحه الجامدة عن شيء فأخذت تتساءل بقلق عما إذا كان عملها قد أعجبه أم انه يبحث عن طريقة يظهر فيها العكس بشكل مهذب.
نظر اليها :" إنها لوحات جميلة."
- شكرا.
- أعجبتني لوحة الزورق الشراعي بشكل خاص.
فابتسمت:" و أنا أيضا. بذلت محاولات كثيرة لكي أستطيع رسم البحر كما أريد."
اقترب البائع منهما متسائلا:" هل يمكنني المساعدة؟"
سحب نك محفظته و أخرج بطاقته الخاصة وناولها إلى البائع:" أريد أن أشتري هذه اللوحات."
قال هذا مشيرا إلى لوحات موللي. طرف الرجل بعينيه و هو يقرأ البطاقة ثم نظر إلى نك:" كل اللوحات؟"
- كل لوحات موللي ماغاير.
- ماذا؟ هل أنت مجنون يا نك؟ لا يمكنك أن تشتري كل اللوحات. هتفت موللي بهذا معترضة ذاهلة لمجرد الفكرة.
- لدي ثمانية فنادق فخمة و نحن نزينها بقطع فنية قيمة فلماذا لا يمكنني أن أضيف اللوحات إلى مجموعتنا؟
لم تعرف موللي ماذا تقول. إنها سبع لوحات و قد استغرق منها رسمها أكثر من سنتين. هل هو جاد في شرائها كلها لفنادقه؟
لماذا ينفق كل هذه النقود على تلك اللوحات لمجرد أنه يعرف من ريمها؟ لا بدا أن هناك غرضا خفيا لا تعرفه.
نقل البائع النظرات بين الاثنين لا يعرف ما عليه أن يفعل و كادت تبتسم لحيرته هذه لأنه لم يحدث قط أن اشترى رجل سبع لوحات مرة واحدة... خصوصا بأسعار وضعها صامويل نفسه.
- سأعطيك العناوين غدا لترسل اللوحات.لا اريدها كلها إلى فندق واحد. هل لشركتك أن ترسل الفاتورة؟
تنحنح الرجل:" المعذرة لحظة, لا أدري كيف سأقوم بهذا الأمر."
و اتجه بسرعة إلى مؤخرة المعرض, بينما عاد نك يتأمل اللوحات.
فقالت:" أنت لست مضطرا لشرائها."
فقال بغطرسة:" طبعا لست مضطرا. لكنني سأكون أحمق لو تجاهلت الأعمال الجيدة عندما أراها.ومن ناحية أخرى أتوقع أن يرتفع سعرها."
شعرت موللي بانتعاش داخلي. رجل الأعمال هذا يشتري لوحاتها لأنه يظن أن سعرها سيرتفع! هذا كان احسن مدح لعملها تلقته على الإطلاق. و إذا بهارولد صامويل يأتي من مؤخرة المعرض و في إثره البائع:" آه يا عزيزتي موللي.ما أجمل أن أراك و كذلك يا سيد بايلي! زيارتك للمعرض شرف كبير."
ثم عاد بنظره إلى موللي بابتسامة عريضة:" و أظن على أن اهنئك.لقد رأيت المقالة في الصحيفة عن خطبتك."
ابتسمت و كبحة آهة أترى العالم كله رأى تلك المقالة؟
و قال لنك:" يسعدنا أن نرسل اللوحات إلى المكان الذي تريده,يا سيد بايلي. نرجو أن تزودنا بالعناوين غدا فنرسلها لك يوم الأربعاء."
و أشار إلى البائع بأن يتقدم ثم قال له:" موللي هي الفنانة و هذا خطيبها.إنها بادرة
رومانسية أن تشتري مجموعتها لتوزعها على فنادقك.و أنت لن تندم لأن موللي ترسم بشكل رائع."
فقال نك :" أظن ذلك."
- لكنك اخذت كل لوحاتها التي لدي.
و هز رأسه ناظرا إلى موللي:" متى يمكنني أن أتوقع المزيد؟"
فقالت وهي تنظر إلى نك:" قريبا لأن اللوحة التي أنهيتها لتوي قد بيعت."
فقال نك:" تلك لمجموعتي الخاصة."
تمتمت و هما يتابعان السير على رصيف المرفأ:" لا أدري ماذا أقول"
كانت تسير متجنبة السياح ناظرة إلى طيور النورس من بعيد. ثمن اللوحات السبع الإجمالي كان مذهلا. عندما علقها المعرض لأول مرة ظنت الثمن الذي وضعه لها باهظا جدا. لكن نك لم يفكر حتى في المساومة.ربما هارولد كان يعرف ماذا يفعل!
سألها:" أتودين أن تأتي معي لنختار المكان المناسب لتعليق اللوحات في كل فندق؟"
نظرت إليه مترددة.أتراه يمزح؟ هذا محتمل جدا. فرئيس الشركة لا يعلق لوحاته بنفسه و لديه عشرات الموظفين لمثل هذه المهمات. هزت كتفيها و لم تجب. فمن غير الوارد أن تدعه يعلم كم تود رؤية لوحاتها معلقة في ردهات فنادق ماغيللان.ربما تذهب إلى الفندق في ساحة يونيون لترى إن كانوا يعرضون إحدى لوحاتها.
سألها:" هل تشعرين بالجوع؟"
- نعم.
كانت أشعة الشمس و الهواء النقي قد أثارا شهيتها. فقررا أن يسيرا إلى الحي الصيني وراحا يتأملان تغير المباني من الجديدة الطراز قرب المرفأ إلى القديمة منها. نظرت إلى المطعم الذي أكلا فيه منذ أيام وهما يمران به.لقد أصبح لديها ذكريات مع نك.
و سرعان ما انعطفا إلى الشارع الكبير حيث كانت موللي تشعر دوما بأنها في تايوان. كانت الروائح المنبعثة من المطاعم شهية للغاية ومنظر النسوة اللاتي يحملن الأكياس و يسرن منحنيات تحت ثقل أحفادهن الصغار المشدودين إلى ظهورهن يظهر حضارة مختلفة للغاية.
سار أمامها إلى مطعم معروف ثم دخلا و إذا بها تذهل وهي ترى أنهما وحدهما من غير الآسيويين في المكان. قالت عندما أجلسهما النادل على الفور:
- المكان رائع هنا.
- أشهى طعام في المدينة.
عندما طلبا منم النادل ما يريدانه اكتفت بالنظر. لو سألها عما تختاره لطلبت أن تتذوق كل الأنواع حتى تلك التي لا تعرفها.
طلب الطعام باللغة الصينية و ليس بالإشارة إلى الأطباق المعروضة. وكانت تعلم أنه تعلم ذلك من طاهيتهم شو ــ وين.
قالت بعد أن تذوقت أول لقمة:" لذيذة, هل تطهي شو ــ وين هذا النوع؟"
- أحيانا في الدعوات الكبرى.
عند ذلك رن جرس هاتفه الخليوي, فأجاب فورا. تناولت لقمة أخرى و أخذت تنظر حولها محاولة عدم الاستماع إلى ما يقوله رغم استحالة ذلك لقربه منها.
- نعم في الحقيقة إنها هنا.
عند ذلك نظرت إليه فقال لها:" المكالمة لك."
فأخذت منه الهاتف:" آلو."
- موللي عزيزتي توقعت أن تكونا معا. يسعدني أن نك يعطل نفسه عن العمل لعض الوقت ليمضيه معك.لقد استمتعت بالغداء معا أمس.
قالت ايلين هذا بحرارة فقالت موللي:" و أنا أيضا."
- ما هذه الضجة عندك؟
- إننا نتغدى في المطعم.
- آه توقيت مكالمتي سيء. لن أعطلك يا عزيزتي.أردت فقط أن أعلم إذا كنت غير مشغولة مساء السبت القادم.أفكر أن أدعو مجموعة صغيرة من أصدقاء الأسرة ليتعرفوا إليك. لن تكون حفلة خطبة رسمية فأنا أعلم أنك تنتظرين عودة والديك. لكنني متلهفة للمباهاة بك أمام أصدقائي.
نظرت موللي إلى نك بذعر فأخذ منها الهاتف:" ماذا هناك يا أمي؟"
و رأت موللي وجهه يسود:" لا, لا تفعلي ذلك. عليك أن ترتاحي لتتحسن صحتك قبل أن تستضيفي الناس."
سكت لحظة ثم تنفس بعمق:" أمي, هل يمكننا التحدث في هذا الأمر فيما بعد؟ ... لا في الواقع لقد خططنا لزيارة بعض الفنادق الأخرى.سنغيب طوال العطلة الأسبوعية."
انحبست أنفاسها. هل سيغيبان معا في العطلة الأسبوعية؟ لم تكن تظن ذلك.إنه يتحجج بذلك فقط ليقنع أمه . أقفل الهاتف بعد لحظة:" الأمور تخرج عن السيطرة."
- ربما و لكن يبدو أن خطتنا تنجح, فهي تشعر بتحسن كبير أليس كذلك؟
- سترهق نفسها إذا أقامت حفلة في العطلة الأسبوعية القادمة مهما كان عدد المدعوين قليلا. على كل حال أخبرتها أننا لن نكون في المدينة.
فتنحنحت :" هذا يبدو عذرا جيدا."
- عذر جيد؟
- اعني إذا ظنت أننا خراج المدينة فكأننا فعلا خارج المددينة.أليس كذلك؟
- لكنني كنت أعني ذلك.سنذهب بالطائرة إلى لوس أنجلس أو سان دييغو و نقيم هناك في الفندق.
فقالت معترضة:" ربما تعودت أن تأمر مستخدميك لكنني لا أتلقى الأوامر منك."
- ماذا؟
- ربما لدي خططي الخاصة للأسبوع القادم.
- أحقا؟
توقف ذهنها عن التفكير.لا بد أن هناك ما تدعيه:" على مراجعة مفكرتي."
- هيا يا موللي. ليس هناك ما لا يمكن تأجيله. سبق و ألغيت زيارتك
إلى المنتجع.دعيني أعوضك عن ذلك برحلة إلى فندقنا في سان دييغو. إنه رائع و يقع على شاطئ خليج ميشين تماما حيث الزوارق و الرمال الذهبية و وجبات الطعام التي تبهج الحواس.
فقالت ضاحكة:" أنت تتحدث و كأنك مندوب تجاري."
- أنا فخور بفنادقنا خصوصا هذا الفندق.
- لماذا ذلك الفندق بالذات؟
- لأنه فندقي. لقد اقتنيته منذ مات أبي و بنيت له شهرة بأفكار مبتكرة. وهو الآن أحد أكثر فنادقنا شعبية.
ثم أوقف عربة تحمل أطعمة ليطلب لها نوعين إضافيين. وكانت قد ابتدأت تشعر بالشبع لكن الطعام كان من اللذة بحيث لم تشأ أن تتوقف.
سألته:" هل السعي وراء المال هو الذي أملى عليك أن تشتري فندق سان دييغو.؟"
فهز رأسه:" كان ذلك مقامرة.الفنادق التي تركها أبي كانت ناجحة, ولكن ليس بشكل كبير.كان المال قليلا نوعا ما فابتدأت ألتمس تمويلا لها. لكني وجدت فندقا معروضا في السوق, اشتريته."
- مجازفة
- طبعا, ولكن إذا أردت شيئا من كل قلبك فهو يستحق كل مجازفة.
- ولكن لماذا أردته؟ أعني ألم يكن ما لديك كافيا؟
- كان كافيا فعلا, لكنها كانت من إنشاء أبي و جدي من قبله.فأردت شيئا يثبت أن بإمكاني أنا أيضا أن أنشئ شيئا مختلفا.أردت شيئا لأظهر للموظفين في كل الفنادق التي أعرفها أن بإمكاني أن أقود الشركة للتغيير و أن بإمكاني أن أقود الشركة في اتجاه جديد و أجعلها مزدهرة.
- وقد نجحت لأن فنادق ماغيللان ذات شهرة عالمية.
أومأ بهدوء ثم وضع قطعة حلوى أخرى في صحنه.
- هل كان ذلك مخيفا؟
- بل كان تحديا.
كانت تعلم أن الرجال ينظرون إلى الأمور بشكل مختلف. ولكن أن يعرض الرجل شركة ناجحة للخطر من خلال مجازفته بمشروع جديد فإن ذلك يستلزم عزيمة و إرادة قوية و ثقة بالغة بالنفس.
- هل ستأتين إذن لتري فندقي؟
- يمكننا أن ندعي أننا سافرنا إلى هناك إذا لم يجب أي منا على هاتفه أثناء تلك العطلة.أمك لن تعرف أبدا أننا في المدينة كما أنه ليس بإمكانها الخروج لتتجسس علينا.
- أنا أود أن تأتي معي.
لم تتوقع ذلك فسألته:" لماذا؟"
- لكي تري الفندق. لقد فاتتك الرحلة إلى المنتجع فدعيني أعوضك عن ذلك لعونك لي في الخروج من مأزقي.
- لكنك فعلت بشرائك سبع لوحات. و هز رأسها ومازالت ذاهلة لعمله ذاك.
- لوحة الزورق ستكون رائعة في ردهة فندق سان دييغو. تعالي معي يا موللي انظري إليها هناك.
رن جرس هاتفه مرة أخرى فقال متذمرا وهو يفتح الخط:" تبا! ألا يمكن للمرء أن يأخذ نهار عطلة؟"
سرت موللي لانقطاع الحديث.لم تستطع أن تتصور نفسها تمضي عطلة نهاية الأسبوع مع نك. حتى لو كانت علاقتهما مختلفة, هي ليست من نوع النساء اللاتي يمضين عطلات نهاية الأسبوع مع الرجال, وعلاقتهما ليست كما يدعيانها. و لكن إذا أمكنها أن تملي بعض الشروط فهل تجرؤ على اغتنام الفرصة؟ لم تنزل قط من قبل في أي من فنادق ماغيللان, وربما لن تنزل فيها أبدا في المستقبل, فهي غالية الأجر, فلماذا لا تطلق لنفسها العنان ما دامت علاقتهما رسمية أمام الناس وكل منهما يعرف حدودها؟
- سأكون هناك حالا.
اخترقت أفكارها كلمات نك هذه فنظرت إليه وهو يقفل الهاتف و يقول: "علي أن أذهب."
ثم رفع يده يستدعي النادل ليدفع الحساب.
- ماذا هناك؟ هل هي أمك؟
أترى حدث لأمه شيء بين المكالمتين؟
- لا.دوني أمسك بشخص يعتقد بأنه هو من يختلس النقود من البار.وأنا أود أن أتحدث إليه قبل أن نستدعي الشرطة. كانت المسافة من المطعم إلى ساحة يونيون قصيرة للغاية فأوسع نك خطواته.
- أليس من الأفضل أن تدع الشرطة تستجوبه؟
- بلى لكنني أريد أن أقابله أولا. فقد اختلس من فندقي.
وصلا إلى الفندق فتوجه نك رأسا إلى المصعد الذي اتجه بهما إلى الطابق الثالث عشر.
- هل مكتب الفندق في الطابق الثالث عشر.
سألته في أنهم لو كانوا سألوها لاختارت الطابق لجمال المنظر.
- بعض الناس يتشاءمون من الرقم 13 لذا فهم يرفضون الإقامة في هذا الطابق مع أن المنظر منه يضاهي الطابق الأخير جمالا.
قال هذا بشرود فأدركت أن أفكاره كانت منصبة على ما اخبره به دوني.
كانت المكاتب فخمة رائعة و لون الجدران رماديا فاتحا علقت عليه أعمال فنية أصلية و فرشت بسجادات سميكة.كانت مكاتب زنتك الفاخرة مخصصة فقط للموظفين الرفيعي الشأن. أما في فندق ماغيللان فجميع الموظفين يستمتعون بهذه الأمكنة المرفهة. خرج نك من المصعد و بعد لحظة كان يدفع باب أحد المكاتب.
وقفت موللي عند الباب و نظرت إلى الداخل فرأت دوني واقفا بجانب النافذة و قد تبدل من الرجل اللطيف إلى رجل حازم مخيف مثل نك. أخذا يحملقان في الرجل الجالس على كرسي أمام المكتب والذي كانت يتململ ارتباكا و قد بدا عليه التوتر. حاول أن يبدو شجاعا لكن الرهبة كانت تتملكه إزاء الرجلين الواقفين أمامه.
- سأنتظر في الخارج. تمتمت موللي بذلك وهي تتراجع مغلقة الباب خلفها.ثم جلست بجانب مكتب السكرتيرة.و أخذت تفكر.
مع نك لا يمكن للسأم أن يتملكها. إنه يثير فضولها يوما بعد يوم.هو ممتع و يتصرف بمرح و ذهن خال من أي هم لكنها تعلم أن ذلك مجرد تمثيل و أنه دوما وراء مظهره السطحي يركز على أولوياته.وعمله كان في القمة. حتى الآن لم تكتشف أي دلالة علة مناورة أو تملق لأجل مكسب كما كان الحال مع جاستين.
قطبت جبينها متمنية لو أنها لم تفكر في جاستين.لم يكن حكمها صائبا عليه.كيف فكرت يوما في أنه يحبها أو أنها تحبه؟
إنها تعرف الآن... و توقف ذهن موللي عن التفكير.
لا لم تكن تريد أن تقول أنها تعرف الآن الفرق.فهي لا تعرف شيئا ولن تفكر في ذلك والواقع أنها لم ولن تحب نك بايلي!
ليس بينهما أي قاسم مشترك. ولولا الرجل الذي اختلس نقود البار ما تعارفا.وهكذا عقدا اتفاقية مؤقتة لتسريع شفاء أمه. وهذا لا يعني حتى أن عليهما أن يكونا صديقين. فهي لا تحبه !!
نهضت... و نظرت إلى الباب ثم اتخذت قرارها. هو لن يفتقدها أبدا.وعليها أن تنشئ لنفسها حياة خاصة بها, حياة بعيدة عن تأثير نك بايلي المزعج والأفكار المتعلقة به.
أخذت ورقة عن المكتب و كتبت كلمة سريعة و تركتها حيث يراها نك ثم انطلقت خارجة كالسهم.بقاؤها مع نك أشبه باللعب بالنار.وما دامت بلغت هدفها فقد أصبح عليها أن تخرج من حياته بأسرع وقت ممكن ذلك أن من الجنون المستحكم أن تنمي أي شعور نحو ذلك الرجل.
لكنها وهي تنزل بالمصعد خافت من أن يكون الأوان قد فات.خرجت إلى أشعة الشمس لكن البهجة بالنهار بددها القلق من أن تكون قد ارتكبت خطأ فادحا مثل الوقوع في حب ذلك الرجل.
قد يفيد الهواء النقي في أخلاء ذهنها من الحماقات لكنها بقيت تفكر في كل دقيقة أمضتها مع نك.من الرقص بين ذراعيه الليلة الماضية إلى أول مرة رأته فيها إلى المعانقات التي تبادلاها.
أجفلت حين رفعت رأسها فرأت نفسها أمام بيتها, فهو يبعد عن ساحة يونيون أميالا.اندفعت إلى الداخل ثم أخذت تقرع جرس شيلي بنفاذ صبر ففتحت هذه لها الباب دهشة.
- هيه موللي. ظننتك خرجت اليوم مع ذلك الرجل؟
اندفعت موللي إلى الداخل واتجهت إلى غرفة الجلوس وهي تقول:" أنا غاضبة للغاية."
- ألم ينجح موعدكما؟
قالت شيلي و هي تنظر إلى موللي التي كانت تذرع الغرفة بضيق. فلوحت بيدها:" بل كان بأحسن حال حتى قبض على اللص و أظنني وقعت في غرام ذلك الرجل المدمر."
- أحببت اللص؟
- لا ... بل نك بايلي.
فابتسمت شيلي:" وما هي المشكلة إذن؟ سبق و أخبرتك أن الوقوع في حب رجل ثري هو بنفس سهولة الوقوع في حب رجل فقير. فكري كم سيسعدك أن تمضي الليل في فندق مختلف منى شئت!"
- لا يهمني أبدا النزول في الفنادق. فأنا أملك شقة رائعة في هذا المبنى.
- لكنك لن تمكثي فيها إذا تزوجت نك.لا أظنه سيرب في السكن هنا.
- الزواج؟ نحن أبعد ما يكون عن الزواج.أنت تعرفين غايته من كل هذه التمثيلية.ما إن تشفى أمه حتى يقول وداعا يا موللي.
- وربما لا. بدا لي أنه يعزك عندما جاء ليأخذك .هل عانقك مرة؟
هزت موللي كتفيها:" ربما مرة أو اثنتين.لكن ذلك لا يعني شيئا. لقد عانقني جاستين لكن ذلك لم يسفر عن شيء أيضا .
فقالت شيلي بجفاء:" ما كنت لأضع نك بايلي وجاستين في الخانة نفسها. إنهما غير متشابهين بشيء."
توقفت موللي عن السير و نظرت إلى صديقتها:"ماذا سأفعل؟"
- بأي شأن؟
- هجر جاستين لي بذلك الشكل الفظ آذى شعوري. لكن هذا الأمر الآن أكبر بكثير,شيلي. نحن نتحدث هنا عن قلبي.
تقدمت شيلي منها تحتضنها بسرعة و أشارت إلى الأريكة:" اجلسي لنتحدث عن ذلك. ربما بإمكانك أن تجعليه يحبك."
- آه لا. أنت لم تري كارمن... لتعرفي نوع النساء اللاتي يعاشرهن. صدقيني سأتوقف عن رؤيته الآن. ألا تظنين أنني ربما أتخيل كل ذلك
و أن كل هذا مجرد أمنيات تساورني كردة فعل لهجر جستين لي؟
- بكل تأكيد.المثل يقول: بعيد عن العين بعيد عن القلب. يمكنك أن تبقي بعيدة طوال الأسبوع مشغولة بعملك و في العطلة الأسبوعية اذهبي إلى المنتجع كما خططت سابقا. عند ذلك تكون أمه قد تعافت تماما فتخرجين من هذه المشكلة!
أومأت موللي و حاولت أن تشعر بالحماسة لاقتراح شيلي.بإمكانها أن تشرع برحلتها المرجأة لكنها لم تستطع أن تمنع نفسها من التفكير في عطلة أسبوعية في أحد فنادق ماغيللان في سان دييغو.
قالت ببطء:" لقد اشترى كل لوحاتي."
- ماذا؟
- ذهبنا إلى المرفأ فتذكر أن معرض صامويل للفنون يعرض بعض أعمالي فذهبنا إليه و اشتراها جميعها.
حدقت شيلي إليها:" أنت تمزحين!"
- لا.حتى لم يساوم. وقد طلب مني اللوحة التي أرسمها حاليا أيضا.
- أووووه .... يا لها من لفتة شاعرية.
و اتسعت عيناها وهي تفكر في هذا الخبر.
-لا بل هذا مجرد عمل. لديهم لوحات جميلة في فنادقهم.وهي نسخ أصلية, وهو يريد أن يضيف لوحاتي إلى مجموعة الفندق.ما عدا اللوحة التي أنهيتها لتوي فقد قال تلك لمجموعته الشخصية.
- ربما عليك أن تبرئيه فأنت لم تري منه سوءا.فأنا لم أسمع قط عن شخص اشترى مجموعة أعمال كاملة لفنان غير معروف نسبيا.
- لقد رأيت مدى قسوته مع كارمن. وكان عليك أن تريه عندما دخل على اللص... لم يظهر أي رحمة على الإطلاق. و أنا لا أريد أن أكون يوما في ذلك الموقف. إذا قطعت علاقتي به الآن بإمكاني أن أنساه بسرعة. ربما أنا أسبغ معنى عاطفيا على الأمر كله لا سيما و أننا استمتعنا معا هذا الصباح.
فقالت شيلي بحيرة:" أنا لا أفهمك."
قفزت موللي واقفة:" ولا أنا أفهم نفسي. سأذهب إلى بيتي و أعد كوبا من الكاكاو و أفكر في كيف عساي أنسى نك بايلي."
وقفت شيلي هي أيضا ورافقت موللي إلى الباب:" امنحي نفسك فرصة. أنت فتاة رائعة يا موللي. ولا ادري لماذا لا يقع في غرامك."
احتضنتها موللي قائلة:" أنت صديقة مخلصة.أتريدين أن نذهب إلى السينما معا هذا الأسبوع؟ سيكون لدي وقت فراغ."
- أحقا لن تريه مجددا؟
- وما الفائدة؟ لا أظن فعلي هذا ينبئ عن ذكاء كبير.يمكنه أن يخبر أمه أننا نرى بعضنا البعض و يختلق شيئا عن انشغالي البالغ عن زيارتها و عندما تشفى يخبرها بأننا انفصلنا.
و ابتسمت آملة بألا تلحظ شيلي الكآبة التي تغلف قلبها.ثم اتجهت إلى شقتها.
و لكن رغم كلماتها الشجاعة اغرورقت عيناها بالدموع و غاص قلبها بالألم.كانت مغرمة بالرجل. ويا له من مأزق! حاولت أن تخرج من وضع سيء فأوقعت نفسها في وضع أسوأ. هذا بالإضافة إلى أنها تشك في أنها ستنساه في فترة قصيرة.
وعندما انفردت بنفسها في غرفتها سارت إلى اللوحة وهي تمسح دموعها. لقد أعجبه عملها و هو يريد اللوحة ليضمها إلى مجموعته الخاصة. عندما ينظر إليها هل سيفكر في الفنانة التي رسمتها؟ أم أنه سيرى فقط الصباح البارد في " حديقة البوابة الذهبية" العامة؟
رم جرس الهاتف فتجاهلته. ثم استمعت إلى الرسالة التي تركها المتصل:" موللي أنا نك. هل أنت في البيت؟ اتصلي بي عندما تصلين."
ثم أقفل الخط.سارت إلى الهاتف و أعادت الصوت مصغية إلى صوته ثم محته. لن تنوح كالمراهقات. استدارت و رفعت الصورة. غدا ستأخذها و تؤطرها ثم تضعها في صندوق و تشحنها إلى عنوانه.
وهكذا ينتهي الأمر.