رقص الأقنعة
عند السابعة إلا ربعا بالضبط قرع جرس الباب.
- رجال الأعمال دقيقون في مواعيدهم كما هي حالهم بالنسبة إلى أي شيء آخر.
تمتمت موللي بذلك و هي تسير إلى الباب لتفتحه. وعندما رأت نك حبست أنفاسها.ظهر ذلك اليوم بدا لها وسيما بما يكفي لتعود إليها شهيتها للطعام.أما الآن فهي تعلم لماذا تريد النساء أن يرتدي الرجال ملابس السهرة.إنها تسبغ عليهم روعة خلابة.سألها وهو يشملها بنظراته: "جاهزة؟"
ظنت نفسها قد رأت شعلة من اللهب في عينيه.
- تقريبا,أدخل و تعرف إلى جارتي شيلي.
قامت بواجب التعارف بسرعة شاعرة بالتسلية لرؤية الحذر على وجه نك و الارتياب على وجه شيلي.
سألها نك:" كانت الخطبة الزائفة فكرتك,أليس كذلك؟"
فأومأت:" لكنك أحدثت تغييرا.لم يكن في خطتي رجل."
- ما كان الأمر لينجح.
- وهل هذا سينجح؟ ماذا لو أن أحدا اكتشف الخدعة؟
- مادام الأمر في سبيل شفاء أمي فلا ضرر في ذلك.
فقالت موللي وهي تتناول معطفا خفيفا:" المعذرة. ليس لدي ما أقوله في هذا الأمر."
فقال نك لها بجمود:" هل نذهب؟"
فقالت شيلي:" استمتعا بوقتكما.ولا تنسي يا موللي ما قالته أمي."
ثم خرجت قبلهما و دخلت بابا في آخر الممشى. عندما اطمأنت موللي إلى أن بابها مقفل سألها نك عن آخر ما قالته شيلي. تصورت ملامحه إذا هي أخبرته فقالت:" لا شيء,مجرد نصيحة أم. هل هناك شيء علي أن أعرفه قبل أن نصل إلى هناك أم أن علي أن أبقى هاربة طوال الليل؟"
- سنجلس مع بعض الأصدقاء,آل بيترسن و آل هاربل.فأنا أعرف الرجلين منذ سنوات.زوجة تيم بيترسن هي زوجته الثانية و قد تزوجا منذ أشهر فقط أما بيتسي و باكستر هاربل فقد تزوجا منذ أيام الجامعة.
- هل عرفتهما في الجامعة؟
كانا قد وصلا إلى السيارة ففتح لها الباب لتصعد. و ارتجفت قليلا في برودة الليل فقد كان الضباب يغطي سان فرانسيسكو.وكانت أضواء الليل تبدو متألقة و جلس نك وراء المقود وما لبث أن اتجه بالسيارة إلى فندق "ريفال" حيث تقام الحفلة الخيرية الراقصة.
قالت تذكره:" كنا نتحدث عن أصدقائك وهل هما من أيام الجامعة."
- لا بل منذ الطفولة.
- هل كانا يعيشان في جوار منزلكم؟
- لا بل كنا نرى بعضنا البعض في مدرسة السيدة بورتر للرقص التي كانت أمي تصر على أن أحضرها كما يفعل الآخرون.
فتمتمت:" مدرسة للرقص؟"
- إياك أن تتفوهي بكلمة عن هذا أمام أحد!
فضحكت برقة:" سأتذكر هذا.إذا صديقاك القديمان متزوجان بينما أنت عازب؟"
- نعم
- و لم تتزوج قط؟
- لا
- ولن تتزوج على الإطلاق؟
بقي لحظة صامتا:" أتوقع ذلك يوما ما. وأنت؟"
- نعم إذا وجدت الرجل المناسب.
- وكيف تعرفين بأنه مناسب؟
- أرجو أن أعرف توأم روحي عندما يظهر.إذا أردت زواجا طويل الأمد على أن أحرص أن لا أقترف أي غلطة.
- لكن الطلاق سهل.
- ليس بالنسبة إلي.أنا سأتزوج بنية البقاء كذلك حتى أموت كوالدتي ووالديك. أمك مازالت تحب أباك كما تعلم.
لم يجب نك.و أدركت موللي أن حركة السير ليست السبب..فقد كانت خفيفة. وسرعان ما ركن السيارة في موقف الفندق.
خرجت من السيارة و انتظرت نك الذي أمسك بذراعها ثم دخلا الفندق. من الآن فصاعدا عليها أن تتذكر أنها خطيبة رجل بالغ الأهمية, و هي ترجو أن تتمكن من تأدية دورها ببراعة بحيث تخدع العالم و خصوا كارمن هيرناندز.
وجدا مائدتهما بسهولة و سرعان ما تعرف موللي إلى صديقي نك القديمين. أحبتهما و كذلك انسجمت مع زوجتيهما. و كانت انيسا زوجة تيم الثانية أصغر من الآخرين بسنوات حتى إنها اصغر من موللي. وكانت جميلة ودودا و تبدو كما تكهنت موللي في الثالثة و العشرين من العمر. هل كان تيم قد اجتاز أزمة منتصف العمر فاقتنى عروسا صغيرة دليلا على انتصاره؟ ونظرت إلى نك. ربمما انتظار الشريك المناسب هو أكثر عقلانية فهي لا تريد أبدا أن تحطم قلبها بالطلاق.
بعد تعارفهما هي و تيم قال هذا:" ليس من عادة نك أن يفاجئنا.لكنه فعل ذلك الان بالنسبة إليك.آخر مرة رأيته فيها كان يسير مع..."
و سكت فجأة و نظر إلى نك بما يشبه الذعر.فقال نك بسهولة:" كارمن! لا تخف لأن موللي تعرف كل شيء عن كارمن."
مالت نحوه و ابتسمت وهي تقول هامسة بإغراء:" كل شيء عنها؟"
ضحك الآخرون و اشتبكت عينا نك بعينيها. و للحظة شعرت موللي بأنهما وحدهما. ارتفعت يده و كأنه لم يستطع أن يقاوم ولامس خدها وأجاب:" مل الأشياء المهمة."
فقال باكستر :" آه, آه, لقد فتنته منذ الآن."
فقال نك و عيناه لا تفارقان عينيها:" بل سحرته."
كادت موللي تصدقه.حتما عندما يقع في غرام امرأة سيخلص لها طوال حياتها.يا لها من امرأة محظوظة!
ابتدأت الموسيقى فنهض نك و مد يده إلى موللي:" هل نرقص؟"
اعترض الآخرون قائلين إنهم يريدون أن يتعرفوا إلى موللي بشكل أفضل, لكنه ابتسم لهم ثم أخذها بيدها إلى حلبة الرقص. وقالت موللي وهو يأخذها بين ذراعيه:" في المرة التالية سأخبرهم بكل شيء مسبقا. فأنا أشعر و كأن علي أن أشرح قصة حياتي باستمرار."
قادها نك في الرقص بانسجام تام و كانا يتحركان على الأنغام بخيرة بالغة فقالت:" كلية الرقص فعلت فعلها حتما."
- التساؤل سيدوم تسعة أيام و بعد ذلك هذه الخطوبة سيطويها النسيان. لو أنني لم أوافق من قبل على الحضور لبقينا بعيدين. لكن القدوم من دونك سيشير الأقاويل في صفحة المحليات وهذا ستلحظه أمي على الفور.
- كانت تبدو أحسن اليوم.
- هذا صحيح و هذا سبب استمرارنا معا.
- مازلت أظن أننا إذا أخبرنها فستصاب بصدمة.
توقفت الموسيقى وعاد الاثنان إلى مائدتهما. وعندما اقتربا رأت موللي كارمن جالسة مكانها. تنفست بعمق استعدادا لمواجهة أخرى مع ( القنبلة الاسبانية) وقالت له:" صديقتك عنيدة و أنا أشهد لها بذلك.:
شعرت به يتوقف لحظة و قد بدا عليه الغضب تقريبا:" هذا أكثر من مجرد العناد."
- مرحبا يا حبيبي.
قالت له كارمن هذا وهي تبتسم بغرور. و نظرت إلى الآخرين حول المائدة متباهية بالأعين المنصبة عليها.
- قال لها نك:" لا أعتقد أن هذه طاولتك."
- و أنا لا أعتقد أنك مخطوب. إن ما يعنيه الواحد منا للآخر هو أكبر من أن يجعلك تغرق بحب امرأة أخرى خلال الأسابيع القليلة التي افترقنا فيها. إذا كنت تحاول إثارة غيرتي, فأنا اعترف بأنك نجحت في ذلك. والآن تخلص منها.
فقال تيم بنعومة:" آه, يا إلهي."
وقالت موللي وهي تمسك بذراعه و تضغط بصدرها عليه:"آه, يا حبيبي لا تصغ إليها.فأنا أحبك و قد خلقنا لبعضنا البعض فلا تدعها تأخذك مني يا حبيبي. لا أحتمل الحياة بدونك."
نظر إليها و كأنها فقدت صوابها ثم إذا به يأخذها بين ذراعيه و يعانقها بشدة حتى ذابت عظامها و أحست بالعالم بأسره يتلاشى من حولها لدرجة أنها نسيت مسألة التمثيلية ولم تشعر سوى بقوة هذا الرجل وجاذبيته و إثارته التي لا يمكن لها أن تنكرها. استمرت العناق طويلا طويلا و أخيرا ابتدأ يتضح لها العالم الخارجي فتأوهت بصوت ناعم.
وقف نك وهو يبتعد عنها ببطء و عيناه عليها:" هل يقنعكم هذا بأنني مأسور تماما؟"
منتديات ليلاس
مضت لحظة شعرت فيها موللي فيها بأنها أسيرة شعورين مختلفين : الأول هو أن نك يحبها حفا و قد أرى العالم ذلك و الثاني خطتهما الموضوعة لخداع الجميع بأي طريقة كانت.
قالت بتسي :" أنا مقتنعة."
و قالت أنيسا:" و أنا أيضا.أنت لم تعانقني قط بهذا الشكل يا تيم."
- لا أظن أن امرأة في العالم تلقت عناقا بهذه الطريقة يا حبيبتي."
حملقت فيهم كارمن ثم انتفضت واقفة و انطلقت مبتعدة كالعاصفة. صفق باكستر وهو يقول:" هذا حسن للغاية. بعض الناس لا يفهمون إلا أذا تلقوا ضربة على الرأس."
جلست موللي و حاولت أن تشترك معهم في مداعباتهم و مزاحهم لكن عقلها كان مركزا على ذلك العناق, و تساءلت متى تهدأ خفقات قلبها؟ لم تستطع أن تمنع نفسها من النظر إلى نك خلسة من تحت أجفانها. كان يتأملها و ابتسمت راجية أن تبدو حقا تلك الخطيبة الشغوف التي يريدها أن تمثلها. ما كانت تريده الآن هو العودة إلى شقتها و الابتعاد عن الأعين الفضولية و حقل الألغام الذي يتخلل الأحاديث... و بالأخص الابتعاد عن إغراء نك بايلي.
كانت تعلم أنها هي التي طلبت منه أن يتصرف كالمفتون. ولكن هل كان مضطرا إلى القيام بذلك بهذا الشكل الرائع؟ لن يكون بإمكانه أن يبعد نفسه عنها الآن بعد أن أقنع الجميع بأنهما غارقان في الحب. و إذا لم تتحكم في مشاعرها فسوف تفقد عقلها من دون شك و بالتالي قلبها.
سألتها نيسا:" ما هو مجال عملك يا موللي؟"
- أنا اعمل كمصممة فنون تخطيطية في شركة زنتك.
أجابت موللي بذلك مسرورة لتحويل ذهنها عن نك.فسألها باكستر: "زنتك؟ أليست هي إحدى الشركات التقنية القائمة في منطقة باي؟"
فأومأت بالإيجاب.
- كيف تعارفتما إذن؟
- عرفنا دوني ببعضنا البعض.
قال نك هذا و ذراعه ممتدة على ظهر كرسي موللي و أصابعه ترسم خطوطا على كتفها. لم تستطع موللي أن تركز على الحديث.فقد كان ذهنها منصرفا إلى ملامسات نك و ما تثيره فيها من احاسيس أليس لديه فكرة عما يفعله بها؟
سأله تيم:" متى موعد الزفاف؟"
فقالت موللي بسرعة :" لم نقرر بعد. والداي في رحلة بحرية و نريد أن ننتظر عودتهما قبل أن نقرر شيئا."
و سأل باكستر نك:" كيف حال أمك؟"
- إنها تتماثل للشفاء.شكرا.
فسألته بيتسي بابتسامة عريضة:" وهل هي سعيدة لأن ستتزوج؟" أرهن على أنها متلهفة لتصبح جدة."
نظرت موللي إلى نك وكادت تضحك لملامحه المذهولة.أكثر الناس يتوقعون أن ينجبوا أولادا بعد الزواج ولكن يبدو أن هذه الفكرة لم تخطر ببال نك قط.
فأجاب: "لم تقل هذا."
ابتدأ الندل يشقون طريقهم خلال الموائد يقدمون الطعام. ومالبثت الموسيقى أن تيرت فأصبحت ناعمة. وفي نهاية الوجبة أعلن عن مجموع التبرعات التي جمعت. وعندما انتهى التصفيق عزفت موسيقى أخرى فأمسك نك بيد موللي و أخذها إلى حلبة الرقص.
- الأمر يسير بشكل حسن أليس كذلك؟
قالت له و هما يرقصان على انغام الموسيقى الحالمة:" الجميع يظن أني اعبدك.أنا ممثلة عظيمة حقا و ربما كان علي أن أحترف التمثيل."
نظر إليها ثم شدد قليلا من احتضانها:" لا تغتري بنفسك فأنا أعرف هؤلاء الناس منذ وقت طويل."
- وما هو رأيك؟
- لست واثقا من أنهم اقتنعوا.
نظرت إلى المائدة و لكنها كانت خاوية فقد ذهب الآخرون هو أيضا إلى الرقص :" وكيف يمكنك أن تقول ذلك؟ لقد ظننوا ما بيننا حبا عاصفا."
- ربما صدقوا هذه الليلة و لكن عدم معرفتك بشقتي عندما ذكروا المشهد الذي تطل عليه أثار ارتياب تيم.
- لكن إذا عرفوا الحقيقة لن يخبروا أمك أليس كذلك؟
- بالطبع لن يذهب أحد إلى بيتها ليقرع الباب ليخبرها بأنني لست مخطوبا لكن الأخبار تنتشر. انظري إلى الوضع الذي نحن فيه.
- حسنا لم يكن لدي فكرة عن أن حفلة زنتك سيكون فيها مصورو
صحف أو سيكون لديهم أي اهتمام بخطوبتي الزائفة.كان على ابن خالتك أن يخبرني بشخصيتك الحقيقية بدلا من أن يعقد الاتفاقية.
- ربما كان يظن أنك سبق و عرفت ذلك.
- هل عدنا إلى ذلك مرة أخرى؟ صدقني يا نك بأنني لا أدري كيف تسير بك الأيام بكل هذه الشكوك التي تساورك.
و تبددت بهجة الرقص:" أريد أن أذهب إلى بيتي. لقد جئنا و رآنا الناس و أهانتنا عشيقتك السابقة و رأى أصدقاؤك عرض حبنا العميق الراسخ فما الذي يبقينا هنا؟"
فشدها إليه:" ولماذا العجلة؟ ألا تحبين الرقص؟"
- مع شخص يعجبني.
- ألست من تلك الفئة؟
هزت كتفيها و فجأة ابتسمت في عينيه مباشرة وهمست بحيث يسمعها وحده:" كارمن إلى يساري."
و بعد ذلك بلحظة قالت بصوت مرتفع:" يمكننا أن نذهب إلى شقتي يا حبيبي."
أدرك أنها قالت هذا لتسمعها كارمن التي لا بد تقترب منهما.لكنه اجفل وهو يدرك أنه يريد فعلا الذهاب إلى شقة موللي. لقد تعب من هذه الليللة و من التعامل مع الأفكار و المناورات... شقة موللي هادئة طبيعية غير متكلفة.
- فلنذهب إذن ونودعهم.
و بعد دقائق كانا في سيارة نك متجهين إلى الحي الصيني. استرخت موللي في مقعدها وهي لا تزال تترنم بآخر أغنية:" أمضينا جميعا وقتا طيبا."
سألها نك:"تبدين كدهوشة.أما كنت تتوقعين ذلك؟"
- لا كل ذلك في الحقيقة لم أتعوده.كنت خائفة من أن أقترف غلطة شنيعة و يشفق عليك جميع أصدقائك لخطبتك لي.
أحقا؟
ملأه ذلك بالفضول.لم يستطع أن يتصور أيا من النساء اللاتي عرفهن تفكر بهذا الشكل او تعترف به بصوت مرتفع.كلهن كن متحمسات للظهور معه و آخر ما كن يفكرن فيه آراء أصدقائه فيهن. عندما بقيت صامتة خطر بباله مدى الفضول الذي تثيره موللي في نفسه. مازال غير واثق من ان تعارفهما كان مصادقة تماما.لكنها لم تندفع لتستحوذ على انتباهه كما هو المفروض.كانت واثقة من نفسها بهدوء. تبدو راضية بحياتها كما هي. في الحقيقة لم تطلب شيئا قط. قطب نك حاجبيه... هذا غير معقول!
فالجميع يريد منه شيئا. لكنها رفضت حتى تعويضها عن إلغائها قضاء إجازة الأسبوع في المنتجع. للمرة الأولى ابتدأ نك يتساءل إن كانت تصرفات موللي حقيقية و ليست تمثيلا. هل يوجد نساء لا يخرجن مع رجل لهدف حقيقي؟
عندما اوقف نك السيارة قالت له:" أظنك مستعجلا للذهاب إلى بيتك؟"
- ادعيني إلى فنجان قهوة.
فنظرت إليه بدهشة.
- قهوة فقط؟
نزل يفتح لها باب السيارة. لم يكن لديه موعد هذه الليلة وموللي تبدو حلم كل رجل في هذا الثوب وهذه التسريحة. كان شعرها يتوسل ان يطلق سبيله لينهار على كتفيها و هاتان الكتفان المغطاتان الآن بمعطفها كانتا تجذبانه طوال السهرة.
عندما دخلا الشقة خلعت معطفها و ألقت به على كرسي, ثم سارت إلى المطبخ. فك ربطة عنقه و خلع سترته. لقد أصبح الجو حرا فجأة.
تبعها و اتكأ على الطاولة مشبكا ذراعيه على صدره بينما كانت هي تعد القهوة و كانت تنظر إليه من وقت لآخر. هل تشعر نحوه بنفس انجذابه نحوها؟ أم أنها لا تفكر إلا في التخلص منه؟
- يمكنك أن تنتظر في غرفة الجلوس.
- أتحاولين التخلص مني؟
واجهنه قائلة:" نعم أن توتر أعصابي."
تقدم منها وهي تتراجع حتى اصطدمت بحوض الغسيل فوضع يدا على كل جانب منها ثم مال إلى الأمام:" حقا؟"
بسطت راحتها على صدره فانتظر إن كانت ستدفعه عنها لكنها لم تفعل. وببطء مال إلى الأمام ليعانقها. لقد اشتاق إلى ضمها إليه.
- هذه ليست فكرة جيدة.
و تأوهت برقة و هي تغمض عينيها.كان عناقا رقيقا عذبا حنونا. قاطعهما أزيز غليان إبريق الماء فتركها ببطء رغم رغبته في المزيد. قالت:" اذهب إلى غرفة الجلوس و سأحضر القهوة إلى هناك."
أومأ وهو يغادر المطبخ الصغير. وعندما دخل الغرفة تذكر ما أخبرت به أمه عن طلائها. كانت الجدران عالية.إذا أرادت أن تفعل هذه مرة أخرى فهو يرجو أن تستخدم دهانا.
كان يفصل غرفة النوم عن غرفة الجلوس نصف جدار.أراد أن يصعد السلم ليرى غرفتها. هل لديها سرير مزدوج أم مفرد؟
صرف تلك الأفكار من ذهنه و أخذ يتأمل اللوحة الموضوعة بجانب النافذة. وتكهن بأنها تجسد" حديقة الشاي اليابانية" في الصباح الباكر
وكان الضباب يسبغ على المشهد سكونا وصفاء رائعين.لم يكن يعلم أنها موهوبة بهذا الشكل.
سألته:" هل تضع السكر في قهوتك."
فالتفت دون أن يبتعد عن اللوحة:" لا. هل لديك شار لهذه اللوحة؟"
سارت إليه تناوله الفنجان ثم هزت رأسها نفيا.
- من يدير اعمالك؟
- لدي بعض اللوحات في معرضين للفنون.معرض"بوكارد" في السوق و معرض " صامويل" عند المرفأ.
عاد ينظر إلى اللوحة :" سأشتري هذه."
رشفت موللي الشاي و تاملت الصورة ثم نظرت إلى نك بفضول: "لماذا؟"
- ماذا تعنين بقولك لماذا؟ أليست للبيع؟
- أظنني مدهوشة فقط, هذا كل شيء.
نظر إلى الصور المعلقة على الجدران متأملا كل منها.كانت الأولى تمثل مشهدا بحريا فيه تحد و جرأة و كان نك يشعر بمذاق الملح في الهواء. واللوحة التي بجانب الكرسي و المصباح كانت تمثل حديقة في الريف الإنكليزي فيها أزهار كثيرة و شاعرية بحيث تعجب النساء في كل مكان. أما الثالثة و هي قرب خزانة الكتب فقد كانت تمثل ناحية أخرى من حديقة " البوابة الذهبية" العامة حيث الأرض وفيرة العشب وتتنزه فيها الأسر و يلعب الأولاد.
التفت ينظر إليها:" لماذا تعملين في زنتك طالما كنت بإمكانك أن تكوني ثروة من الرسم؟"
فقالت:" زنتك هي الأساس."
- ستبيعينني هذه اللوحة؟
- بكل تأكيد . ذكرت له ثمنا رأه زهيدا بشكل سخيف, لكنه لم يساومها لرفع الثمن.إذا كان هذا هو الثمن الذي تطلبه فليكن.
جلست على الأريكة ثانية ساقيها تحتها. ووضعت كوب قهوتها على الطاولة ثم نظرت إليه:" لقد قرأت الورقة التي كتبها دوني عنك قبل أن أذهب لزيارة امك من باب الاحتياط. لكنه لم يدون أي هواية.هل تعمل طوال الوقت؟"
جلس بجانبها و كان من القرب منها بحيث توترت اعصابها.وضع فنجانه بجانب فنجانها ثم استند إلى الخلف على الوسائد:" ليس لدي وقت للهوايات إلا إذا اعتبرت الركض هواية.إنني احاول ان افعل ذلك بضع ساعات في الأسبوع.لكن فنادق ماغيللان تاخذ معظم وقتي.ليس الفندق الذي هنا فقط ولكن كل تلك الممتدة على طول الساحل.احيانا اظن نفسي أعيش في طائرة."
- هل تقرأ أثناء وجودك في الطائرة؟
- بكل تأكيد.التقارير الأوراق تحليلات السوق.لماذا تهتمين بذلك؟
- من باب الاحتياط فقط.
- الاحتياط؟
- ستسألني امك عن كل شيء اثناء وجودي معها و سوف تستغرب أذا كنت لا اعرف شيئا عن حياتك.أخبرتني عن نشأتك لكنها لم تخبرني عن مدرسة السيدة بورتر للرقص.
- تلك المعلومات ليست للتداول كما ان عليك ان لا تنشريها.
ضحكت فضاع عقل نك فمد يده إليها و سره ان جاءته طائعة.
لكنها لم تمنحه سوى عناق سريع ثم تراجعت عنه ملامسة خده بخفة و هي تنهض:" عليك أن تخرج."
فوقف بجانبها وهو يحيط عنقها بيده و يدنيها منه:" أو أبقى."
لكنها بقيت حازمة:" لا. لا يمكنك أن تبقى يا نك.إنها خطبة زائفة اتفقنا عليها فقط لمساعدة أمك على الشفاء وأنا لست من تلك الفتيات العابثات."
- وهل تظنين أنني أعبث مع أي امرأة؟
- يمكن لكارمن أن تجيب على هذا السؤال.
هزها برفق ثم تركها:" ربما لدي علاقة أو اثنتان في الماضي.هل تتوقعين مني في هذا العمر أن أكون راهبا؟"
- أنا لا أتوقع شيئا منك, ما عدا أن تغادر بيتي الآن.
سألها وهو يتناول سترته:" ماذا ستفعلين غدا؟"
- بعض الأعمال المنزلية لماذا؟
- أعمال منزلية؟
- الغسيل التنظيف وما شابه.أي شيء مفروض القيام به.
فقال :" امضي النهار معي.إذا سألتني أمي لا تريدينني أن أكذب أليس كذلك؟"
فضحكت:" كل هذه التمثيلية هي كذب في كذب ماذا لو أضفت كذبة جديدة؟"
- امضي النهار معي.
- ماذا ستفعل؟
كانت تعلم انه لا ينبغي لها ذلك لكن الإغراء كان قويا. إنها تريد أن تمضي معه مزيدا من الوقت قبل أن يفسخا خطبتهما.و إذا استمر شفاء أمه بهذه السرعة فسيكون عليهما الانفصال قريبا جدا قبل عودة والديها من رحلتهما بوقت طويل.
- ما تشائين.
- آه هذا شيء مغر للغاية
فأضاف بسرعة:" إنما بالمعقول."
- منذ متى لم تركب الترام؟
- ماذا؟
فابتسمت:" حسنا. هذه هي الاتفاقية.نتقابل في أول شارع لومبارد ثم نسير متجهين نحو المرفأ.يمكننا أن نتسكع هناك فترة ثم نركب "الترام" إلى المدينة الصينية حيث نتناول الغداء.هل فريق العمالقة يلعب غدا؟ يمكننا أن نذهب إلى الملعب و نتفرج على المباراة.أنا لست مجنونة بكرة القدم لكنني لا أمانع في التفرج على البيزبول سيكون ذلك رائعا غدا."
- يبدو و كأنها نزهة سياحية تتضمن كل الأماكن الجديرة بالمشاهدة في المدينة.
- لماذا يحصل السياح وحدهم على كل المتع؟ إننا نعيش عنا وعلينا أن نتمتع بكل تلك المشاهد الممتعة.
- الساعة العاشرة؟
- أول شارع لومبارد. أومأ برأسه ثم خرج. حدقت موللي في الباب لحظة طويلة و قد أذهلتها موافقته.لم تكن تتوقع ذلك.هل سيتمتع بيومه؟ تمنت ذلك و بالنسبة إليها يمكنها على الأقل أن تختزن ذكرى هذه النزهة معه لتستمتع بذكراها في سنواتها القادمة