بسم الله الرحمن الرحيم
نشاة الكتابة في مصر القديمة
لقد مر الانسان في عصور ما قبل التاريخ بمرحلتين حضاريتين اساسيتين هما: مرحلة القوت و مرحلة جمع القوت.
اما المرحلة الاولي فكان الانسان فيها يسعي بحثا عن القوت
فكان يخرج للصيد البري او النهري او البحري كما كان يقوم باقتلاع جذور النباتات البرية و اذا كان
من غير الممكن تحديد متي بدات مرحلة جمع القوت فانه من الممكن معرفة متي انتهت هذه المرحلة
ليبدا الانسان مرحلة انتاج القوت و لقد انتهت تلك المرحلة بتلك الطفرة الهائلة التي حققها الانسان و التي تتمثل في استئناس الحيوان
و ايقاد النار و معرفة الزراعة (مع اعتراضي الشخصي لنظرية التطور لانه في رايي الشخصي ان ابو البشر ادم عليه السلام
عند خروجه من الجنة كان يعلم كل شيء و علمه لابنائه فهو كان يعرف الاسماء كلها كما انه كان يتحدث بلغة مفهومة)
و لكن لانني انقل الموضوع من مراجعه التاريخية فليس لي الا التعقيب
و نكمل انه كان اكتشاف الزراعة بمثابة الاستقرار الفعلي للانسان الذي ارتبط بفيضان النيل و اقام لنفسه مسكنا بالقرب من زراعته
و صنع لنفسه ملابس من الكتان و كون لنفسه اسرة و بدا يتبادل المصالح مع التجمعات السكانية المجاورة و كان هذا كافيا لينقل الانسان
من مرحلة جمع القوت الي مرحلة الابداع الفكري و الذهني و الفني و الي التفكير في خلق الكون و فيما يجري حوله و كان الانسان يري القمر يضيء ثن يخفت ثم يضيء مرة اخري
و ان النبات يبذر ثم ينمو ثم يحصد و ان النيل يفيض ثم يغيض هذه الدورة للقمر و النبات و النيل هي التي اوحت له بالقطع
بحياة ما بعد الموت بمعني انه يحيا لفترة مؤقتة ثم يبعث من جديد لابد الابدين هكذا امن المصري بجوهر و مركز الثقل في الحضارة
المصرية اي البعث و الخلود و كان من حسن حظ مصر ان كان الانسان المصري مهيئا لكي يتعامل مع الطبيعة و يتفاعل معها لكي ينجزا لنا معا هذه
الحضارة الرائعة و التي نري شواهدها في كل مكان علي ارض مصر.
و في ظل هذا الاستقرار بدا الانسان يخطو خطواته الاولي بثقة ورسوخ نحو الفن فبدا يشكل من مواد لينة كالطين تماثيل لكائنات
في الطبيعة تشغله في حياته اليومية في زراعته و صيده و رعيه و بدا يسجل علي الصخور بعض المناظر التي تمثل انشطته المختلفة
و تعبر عن محاولاته المستمرة لفهم العناصر التشريحية للانسان و الحيوان و الطير و الزواحف و لبعض الموجودات في الطبيعة مثل
المياه و الصحراء و الجبال و ذلك في اطار ما يعر ب"المخربشات" و هي مرحلة وسط بين النقش و الرسم حاول الانسان من خلالها
ان يعبر في اشكال بلا نسب عما يجري من حوله في الكون
و عندما تعددت انشطته اليومية و ازدادت التجمعات السكانية كان علي الانسان ان يتبني وسيلة ثابتة للتعبير عن افكاره
و لتسجيل احداث حياته اليومية
و ليس من شك في ان الانسان ظل لفترة طويلة يتعامل بوسائل مؤقتة للتعبير عن الفكرة و لعل من ابرزها استخدام الاشارات المتبادلة
لتحقيق التفاهم بين الافراد و الاشارة باستخدام اعضاء الجسم او باستخدام عوامل مساعدة قد تخدم الفكرة في لحظتها
ثم تنتهي الفكرة بانتهاء استخدام الاشارة . و لابد ان الانسان قد ادرك في وقت ما ان الاشارة لا يمكن ان تفي بالغرض
فالكثير من المعاني الجمالية و القيم و المباديء و كذلك المعاملات الانسانية كل هذه و غيرها كانت تحتاج الي مفردات و لا يمكن التعبير عنها
بالاشارة ثم ان الانسان عندما خطا خطوات و اسعة في مجال العقائد الدينية و الانشطة المدنية و العسكرية ادرك انه
لابد من تسجيل احداث بعينها و لعل ابسطها ان ايمانه بحياة ما بعد الموت جعله يسعي للحفاظ علي الجسد لكي تتعرف
عليه الروح و تدب فيه و من بين وسائل الحفاظ علي الجسد و ضمان خلود الانسان اسمه الشخصي الذي كان و لابد من تسجيله علي جدران مقبرته
و علي تمثاله و علي اثاثه الجنائزي و غيره
من هنا نجح المصري بعد جهد جهيد في ان يحقق هذا الحدث الهائل فقد ابتكر الكتابة و جاء اختراع الكتابة تعبيرا عن الاستقرار الذي تحقق
للانسان المصري و تعبيرا عن ان هذا الانسان كان مهيئا قبل غيره للنهوض بعبء هذه الخطوة علي طريق حضارته الرائدة
و لسنا نعرف علي وجه التحديد متي حقق الانسان المصري القديم هذا الانجاز اي الكتابة و ان كنا نعرف ان الاسرة الاولي بدات حوالي القرن الحادي و الثلاثون
قبل الميلاد هذه الاسرة تمثل اللبنات الاولي في بناء الحضارة المصرية القديمة و انها قد شهدت محاولات للكتابة الهيروغليفية
فلابد وان محاولات الانسان المصري للكتابة قد بدات قبل الاسرة بحوالي قرنين من الزمان تشير الي ذلك بعض شواهد الفترة المتاخرة
من العصر الحجري و عصري ما قبل الاسرات و ما قبيل الاسرات
و قبل ان نتحدث عن اقدم كتابات اللغة المصرية القديمة ة هي الكتابة المعروفة بالهيروغليفية فلعله من المنطقي ان نشير الي مسمي اللغة التي
احتضنت هذه الكتابة و غيرها من الكتابات الاخري التي سيرد ذكرها فيما بعد
اشار المصريين في نصوصهم الي لغتهم بمسميات كثيرة من بينها (لسان مصر) (كلام مصر) (كلام اهل مصر) كما عرفت ايضا باسم (كلام الاله ).
و قد كتبت هذه اللغة بخطوط اربع هي
الهيروغليفية و الهيراطيقية و الديموطيقية و القبطية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
كيف تقرأ الكلمات المصرية القديمة
أولا - اتجاه قراءة الحروف والعلامات:
معظم النصوص المصرية
الهيروغليفية مكتوبة من اليمين لليسار مثل اللغة العربية واللغة العبرية .. وذلك بنسبة 96% تقريبا .. فقط حوالي 4% من هذه النصوص مكتوبة من اليسار لليمين مثل اللغة الإنجليزية .. وهذه الحقيقة تتضح بجلاء في نصوص الأهرام .. وهي أكثر النصوص المصرية كثافة .. ثم نصوص كتاب الموتى .. ونصوص حجر باليرمو ونصوص حجر رشيد ونصوص المقابر والمعابد والأكفان والتوابيت والمسلات وغيرها من عشرات النصوص المسجلة على كافة الأوساط المصرية القديمة .. كما في الأمثلة التالية:
لكن من الناحية النظرية يمكن أن تكتب الكلمات من اليمين لليسار .. أو من اليسار لليمين .. إلا أنه من الخطأ الجسيم تغيير التشكيل المكاني للعلامات بتقديمها أو تأخيرها أو رفعها أو خفضها أو تمديدها أو ضغطها أو حذف أو إضافة بعض العلامات مهما كانت صغيرة أو بسيطة كما فعل بعض علماء المصريات عندما فشلوا في قراءة معظم الكلمات المصرية بصورة صحيحة فلجأ بعضهم إلى تغيير تشكيل الكلمات لما اعتقدوا أنه الأصح لقراءة تلك الكلمات .. وتوجب الأمانة العلمية نقل النصوص المصرية كما هي مدونة في مصادرها الأصلية .. دون عكس اتجاه الكتابة .. كما فعلوا في معظم النصوص المصرية القديمة ليقرأوها من اليسار إلى اليمين على ما تعودوا في لغاتهم الحالية!!
ونعرف اتجاه الكتابة من اتجاه أوجه صور العلامات .. فإذا كان وجه علامة النسر .. مثلا .. ينظر لليمين فإن اتجاه الكتابة يكون من اليمين لليسار
أما إذا كانت أوجه العلامات تنظر لليسار فإن اتجاه الكتابة يكون من اليسار لليمين
كما يمكن كتابة العلامات أو الكلمات أو المصرية من أعلى لأسفل دون الإخلال بالمعنى .. كما هو واضح في نصوص الأهرام
والعبارة الواحدة أو الكلمة الواحدة يمكن أن تحتوي على حروف أو علامات مرصوصة أفقيا ورأسيا في آن واحد .. والذي يحكم ذلك هو توفير مساحة الكتابة لأقصى حد ممكن لأن المصريين القدماء كانوا يكتبون نصوصهم بالحفر على الصخر فكان لابد من توفير أكبر قدر ممكن من مساحة الكتابة .. ولنفس هذا السبب يمكن أن تكتب الحروف أو العلامات داخل بعضها البعض مما يوفر مقدارا أكبر من مساحة الكلمات .. كما أن الشكل الجمالي للكلمة يلعب أيضا دورا مهما في هذا الأمر
ثانيا - تركيب الكلمات:
اللغة المصرية القديمة .. المكتوبة .. ليست لغة أبجدية . بمعنى أنه لا يمكن للشخص أن يكتب (أو يقرأ) الكلمات المصرية بترتيب متسلسل للحروف الأبجدية الأحادية النغمة كما نفعل الآن في اللغة العربية أو الإنجليزية ..وإنما استخدم المصريون القدماء علامات البيان المصرية (الهيروغليفية) الثنائية النغمة (المثاني) في تكوين الكلمات والجمل المصرية القديمة المكتوبة .. فمثلا كلمة (رحيـم) .. لا تكتب باستعمال أربعة حروف أحادية (ر - ح - ي - م) .. وإنما تكتب باستعمال علامتين مصريتين من علامات المثاني كما يلي:
رحـيـم = رح + يـم
رحـيـم
rH + im = rHim (raHim) = merciful
وكمثال ثاني: هيا نقرأ أو ( نكتب ) كلمة .. ( نـرى ) :
هنا نجد أن الكلمة مكونة من ثلاث حروف فقط .. معنى ذلك أننا سنستخدم علامة مثاني واحدة بالإضافة إلى حرف أحادي واحد هو حرف النون كما يلي
نـرى = ن + را
نــرى
n + ra = nra (nara) = we see
ثالثا - استخدام علامات المثاني المصرية لتكوين آلاف الكلمات بصرف النظر عن أشكال أو صور تلك العلامات:
استخدم المصريون القدماء كل موجودات البيئة المصرية في تكوين علامات المثاني المصرية للتعبير بها في كتابة النصوص المصرية القديمة على اختلاف نغماتها المنطوقة .. فمثلا نراهم استعاروا أشكال الطيور والأشجار والجبال والزواحف والحيوانات وأجزاء جسم الإنسان والقوارب والأدوات المنزلية والأبنية والأسلحة والأسماك والأنهار .. إلخ. كما نراهم قد منحوا لكل علامة نغمة ثنائية مستمدة من اسمها الذي ينطق به المصريون في حياتهم اليومية .. انظر قاموس السعداوي للعلامات
الهيروغليفية .. < القاموس >
وعند تكوين الكلمات المصرية بغرض تدوينها أو كتابتها يمكن استخدام العلامة الواحدة في تكوين مئات الكلمات ذوات المعاني المختلفة بصرف النظر عن شكل أو صورة العلامة ذاتها .. وهو ما لم يدركه شامبليون وأتباعه من علماء المصريات الذين قاموا بإعطاء كل علامة نغمة جامدة ومعنى محدد محاولين استخدام هذا المعنى في كل الكلمات التي تحتويها هذه العلامة مما أدى إلى أخطاء قاتلة ومهولة في قراءة النصوص المصرية القديمة وتفريغها من معانيها الحقيقية .. كما أدى بهم إلى تخمين معاني الكلمات بالنظر إلى أشكال العلامات دون محاولة نطق أو قراءة تلك الكلمات كنص كتابي يمكن أن يقرأ كأي لغة .. فمثلا علامة الثعبان أو الحنش الكبير لها نغمة ثنائية هي .. (زا - ظا) :
لم يدرك علماء المصريات النغمة الثنائية لهذه العلامة على الإطلاق .. بل حاولوا منحها نغمات ومعاني ثابتة مثل .. حفاو أو عابب .. وقالوا أن معناها هو الثعبان أو الشيطان أو الوحش الشرير خالق الرعد والبرق والعواصف .. إلى آخر هذه التخاريف المبنية على مجرد تخمينات وافتراضات خاطئة استمدوها من شكل أو صورة العلامة نفسها .. وهي أنها مجرد ثعبان كبير.
أما الحقيقية .. فإن هذه العلامة هي مجرد علامة مثاني مصرية بنغمة (زا - ظا) .. استمدها المصريون القدماء من رد فعل الإنسان المصري البسيط عندما كان يرى هذا الثعبان الضخم فيقول بصورة فورية وتلقائية .. (احفظنا) يا رب. ويمكن استخدام هذه العلامة بنغمتها الثنائية في تكوين العديد من الكلمات المصرية المكتوبة ذات المعاني المختلفة دون الأخذ في الإعتبار شكل العلامة نفسها .. مثل:
الـظـالـمـون
the oppressors
ترجمها علماء المصريات إلى .. فـاو .. وقالوا أن معناها هو دودة أو ثعبان
حــافـظــا
protector - keeper
ترجمها علماء المصريات إلى .. حـف .. وقالوا أن معناها أفعى سامة
هكذا نرى أن شامبليون وأتباعه لم يقرأوا الكلمات المصرية بصورة صحيحة وإنما كانوا يحاولون تخمين معاني الكلمات من أشكال وصور العلامات كما هو واضحة بصورة جلية من المثالين السابقين .. فهم إذا رأوا علامة الثعبان قالوا أنها ثعبان أو دودة أو أفعى .. وإذا رأوا علامة الحمار قالوا أنه حمار أو جحش .. دون الأخذ في الإعتبار النغمات المصرية الحقيقية لتلك العلامات.
رابعا - استخدام الحروف المحركة لتحويل الكلمات المصرية المختزلة إلى كلمات كاملة لها معاني معروفة:
( إكتشاف د. أسامة السعداوي )
لجأ المصريون القدماء إلى اسلوب الإختزال في كتابة كلمات ونصوص اللغة المصرية القديمة لأسباب جوهرية هامة مثل صعوبة الكتابة على الأحجار والصخور وكثافة تلك النصوص وقلة الأيدي العاملة التي تستطيع الكتابة بشكل جيد. ونراهم قد وضعوا نظاما فريدا .. لكنه بسيطا .. لاستخدام تلك الحروف المحركة .. متمثلا فيما يلي:
اعتبر المصريون القدماء أن نظام الكتابة في النصوص المصرية يقوم على عنصريين اثنين هما:
1 - جدول الحروف .. أو علامات البيان الأحادية النغمة ( حوالي 31 حرف أساسي )
2 - جدول المثاني .. أو علامات البيان الثنائية النغمة ( حوالي 1000 علامة مثاني )
كما نرى أنهم اعتبروا الجدول الأول .. بجميع حروفه .. هو الذي يحرك كل علامات الجدول الثاني لتصبح على الأقل كلمات ثلاثية النغمة لها منطوق مصري واضح .. إلا أنني لاحظت أنهم يكثرون من استعمال حروف معينة أكثر من غيرها لتحرك علامات المثاني وهي حروف :
أ - ل - س - ح - ر = السحر
والأمثلة كثيرة:
سـب + ح = سـبـح
س + جـد = سـجـد
أ + مـر = أمـر
نـا + ر = نـار
مـا + ل = مـال
إلخ
خامسا - كل العلامات المصرية الواردة في أي كلمة أو نص لها نغمات محددة ويجب أن تقرأ بها:
بمعنى أنه لا يوجد هناك ما يسمى بعلامات إرشادية أو علامات معبرة عن معنى محدد بصورة مطلقة دون الأخذ في الإعتبار النغمات الصوتية الثنائية لتلك العلامات. فمثلا اعتبر علماء المصريات أن علامة الجبل المصرية إنما تعبر عن معنى معين وهو .. أرض أجنبية أو صحراء أو جبال .. وهو خطأ جسيم ويندرج تحت مسمى التخمين الذي سبق وأن أوضحناه. علامة الجبل المصرية لها نغمة ثناية محددة وتستخدم بها في تكوين مئات الكلمات المصرية ذوات المعاني المختلفة ولا يمكن اعتبارها علامة فكرية محددة كما افترض علماء المصريات ..