الفصل الثانى
************
جلست نورا على فراشها مترقبة الواعظ المتحكم فى امور
حياتها ، الذى يحركها هى نفسها كالدمية
ذات الخيوط ، وضعت اصبعها النحيل فى فمها لتقضم ما تبقى من اظفرها المهترىء
عادتها كلما نال منها التوتر والخوف من افعال شقيقها معها
لكنها انتفضت فجأة عندما طالعها وجهه الغاضب المتجهم ، وشعرت بان صوت خفقان قلبها
المرتجف يدوى عاليا فى ارجاء الغرفة الساكنة ، حاولت التحكم فى اعصابها وبذلت
مجهودا خرافيا مستميتا حتى استطاعت فى النهاية ان ترسم على شفتيها ابتسامة
شاحبة ، قالت معها لشقيقها الذى كان يجفف وجهه المبلل بالمنشفة بعد الحمام الساخن الذى
اخذه:
-نعيما يا كريم
اقترب منها وجلس بجوارها على الفراش وهو يقول بضيق:
-هل تستطيعين اعطائى سببا وجيها لضحكك بصوت مرتفع وسط الشباب ؟؟
حاولت نورا الدفاع عن نفسها لكنها تعلثمت امام نظراته الغاضبة
فخرج منها تفسيرا مترهلا:
-لقد كنا000لم00لم يكن حولنا شباب
اجابها باستهزاء صاحب نظراته المتهكمة:
-ماذا تقولين يا حبيبتى !! لم يكن حولكم شباب !! لقد كنتم فى الحرم الجامعى ايتها البريئة
ثم ضيق عينيه وهو يضيف فى غضب متوعد:
-ثم لماذا تجلسين مع فتيات غير محجبات؟؟ ان هذا يجذب الشباب الى مجموعتكن
ثم الا ترين ان هذا يسىء اليكى ؟؟
هذه المرة واتتها الجرأة لتندفع قائلة بحدة:
-ولماذا يسىء الى ؟؟ هؤلاء الفتيات معروفات بادبهن واحترامهن وكونهن لا يغطين رأسهن لا يعنى
انهن سيئات 000
مط كريم شفتيه فى استهزاء وهو يقول باصرار:
-بل يعنى ذلك كما يحرضن الشباب على الاقتراب منهن ويعطينهم بذلك دعوة صريحة
واضاف فى تهكم:
-لماذا لا تبتعدين عن هذه المجموعة الفاسدة او بما انك متمسكة بهن هكذا لماذا لا
تنصحيهن بارتداء الحجاب
غمغمت بصوت حانق غير مسموع:
-يكفى نصائحك لى
-ماذا قلتى ؟؟
تشتت احساسها بين الاستغراب والحيرة من موقفه فهذه ليست اول مرة يرى فيها
صديقاتها ليعطيها محاضرة عريضة كهذه وبين الخوف من نظراته المهددة المصوبة نحوها فاسرعت
تقول بصوت مرتجف حتى ينتهى الحوار ويتركها لشأنها:
-لا 00لاشىء ، سأنصحهن باذن الله
شد قامته وعدل من هندامه وهو يتجه نحو باب غرفتها وقال بتهديد:
-لا تكررى هذا مرة اخرى والا سيكون لكى معى حساب عسير
هزت رأسها موافقة وقامت من مجلسها لتغلق الباب ورائه الا انه منع محاولتها
وفتح الباب على مصراعيه قائلا بتحذير:
-لا تغلقين الباب على نفسك
ثم اضاف بتوعد:
-هل تخفين شيئا عنا ولا تريدين ان نراه
اسرعت تهز رأسها بعنف وهى تقول باصرار:
-لا00لا ابدا
-اذا دعى الباب مفتوح طالما انه لا يوجد شىء تخفيه
ثم تركها وانصرف ودموع القهر تتلألأ فى عينيها الحزينتين
لحريتها المفقودة بين جنبات سجنها الذى ينبغى ان يكون
افضل مكان تهنىء فيه وتستكين نفسها بين اهله لكنه تحول الى سجن مظلم يحرسه سجان قاسيين هم اقرب اليها من حبل الوريد
**************************************************
خرجت الام مسرعة من المطبخ وعلى وجهها معالم الفرحة والبهجة وقالت بصوت يملؤه السعادة
ما ان اقتربت من ابنتها:
-امل00امل00أرأيتى ما الذى احضرته صديقاتك؟؟
رفعت امل عينيها عن القماش الذى تحيكه على ماكينة الخياطة وقالت بتعجب:
-هل احضرن شيئا معهن!! ماذا احضرن ؟؟
واصلت الام حديثها بفرحة وحماس:
-احضرن من خيرات الله الكثير00لحم وشيكولاتة فاخرة بل وملابس ايضا لاسماء
واسراء وياسر الصغير
انتفضت امل فى ذعر وتركت مكانها عند ماكينة الخياطة واتجهت مسرعة نحو والدتها وهى
تقول بذعر:
-اين هذه الاشياء؟؟
سارت وراء والدتها لتتسع عيناها امام اكياس اللحم والملابس وعلبة الشيكولاتة الفاخرة
فانحدرت دمعتان حارتان على وجهها الشاحب وقالت بقهر:
-لماذا يا امى لم تخبرينى وهن موجودين ؟؟ لماذا ؟؟
أرأيتى الصدقة وصمتى عنها ؟؟
ارتسمت الدهشة على وجه والدتها التى قالت بتعجب:
-صدقة !! اى صدقة يا ابنتى !! هؤلاء صديقاتك واحضرن لكى بعض
الهدايا بمناسبة عيد الاضحى المبارك
هزت امل رأسها بعنف وهى تقول بصوت باكى:
-هدايا !! وهل كل هذه هدايا !! هل يهادى احدا اخر بالملابس !!
انهن يعلمن انه ليس باستطاعتنا شراء ملابس جديدة للعيد لذلك احضرنها
ابتسمت الام بحزن وقالت باشفاق:
-وماذا لو كان هذا السبب ؟ انهن صديقاتك يا امل ودوما تقولين انهن
اكثر من شقيقات لكى
قالت امل بكرامة جريحة:
-لكن هذا لا يعنى ان اقبل منهم صدقة
اخذتها بين احضانها وحاولت ان تهدأ انفعالاتها وارتجافها:
-لا تأخذيها على هذا المحمل ، كما قلت لكى هذه هدية او حتى مساعدة
من اخت لاختها
واصلت نحيبها وقالت:
-مساعدة لن استطيع ردها
-رد المساعدة ليس دوما بالمثل ، لا يشترط ان تهاديهن بهدايا مماثلة
قد تكون كلمة منك تخفف احزانهم او وقوفك بجوارهن فى مأزق
ابتعدت عن حضنها الدافىء وهى تردد بعصبية:
-لا00لا 00لا ياامى، يجب ان تعود هذه الهدايا لاصحابهن
قالت والدتها بعتاب ولوم:
-وتسرقين فرحة اشقائك بملابس العيد وباللحم
لا يا امل لم اعهدك انانيةنظرت امل الى امها بعدم تصديق وانسلت مبتعدة عنها الى
دورة المياة
ونظرت الى مرآته المكسورة ليطالعها وجهها الحزين المتألم ودموعها المنهمرة
التى اوقفتها بيدها وهى تقول بقهر:
-حسنا00سأدوس على كرامتى من اجلكم كما دست من قبل على غيرها
الكثير والكثيييير
********************************************************
وضعت سارة خصلة من شعرها الاشقر بين اسنانها واستمتعت بالموسيقى التى يصدرها
شعرها جراء احتكاكه باسنانها وبينما هى مستغرقة فى هذا اللعب الطفولى فوجئت
بوجه والدتها التى تقف امامها يعلوه الدهشة والاستنكار فاعادت شعرها
بسرعة الى مكانه وانتبهت لها قائلة بتوتر:
-امى !! هل هناك شيئا ما ؟؟
اجابتها بحدة:
-هل تركتى كل ما امرتك ان تفعليه وانشعلتى بهذا الغباء الذى كنتى تمارسينه ؟؟
اجابتها سارة بتأفف وهى تنقل يديها بين الاوراق الكثيرة التى اغرقت مكتبها
الذى تقبع خلفه:
-انا لا افقه شىء فى هذه العمل يا امى
قالت والدتها-احلام- بقسوة:
-يجب ان تتعلميه ، هذا مالك من بعدى ، يجب ان تكونى حريصة عليه
وتفهمين فيه كل شىء من الابرة الى الصاروخ
ثم عقدت ساعديها امام صدرها وهى تقول بتهكم صاحبه الوعيد:
-ام تريدين ان تكونى بلهاء مثل عمتك التى لا تفقه شيئا واباكى ينصب
عليها ويعطيها اقل من حقها
اغمضت عينيها فى ضيق عندما ذكرتها والدتها بفعلة اباها التى لا تحترمها
وعادت تفتح عينيها الضيقتين قائلة بتساؤل:
-لماذا يفعل ابى هذا؟؟
اجابتها احلام بتهكم:
-هى مغفلة وترضى بما تأخذه، لماذا اذن لا يفعل هذا؟؟
هل تريدين ان تكونى مثلها ام تكونى سيدة اعمال ناجحة وقوية فى السوق الذى
يحترمها ويحترم كلمتها واعتبارها فوق كل شىء00
هزت سارة رأسها موافقة وهى تقول بخفوت:
-طبعا يا امى00مثلك
ابتسمت احلام بانتصار وقالت وهى تنصرف:
-اذا ركزى فى عملك وسأبعث لكى احد الموظفين ليفهمك ما عليك
مطت سارة شفتيها فى ضيق وهى تتحسر على حلمها الذى ضاع بان تكون ربة بيت
وام الاطفال تتشاركهم مع زوج محب حنون ، وادركت ان عليها ان تفنى عمرها هنا وسط الاوراق
والموظفين كما تفعل والدتها
اكثر شىء تكرهه فى حياتها هو هذا العمل الذى ابعد والدتها عنها وكسا قلبها بالجفاء
واخلاه من حنان الام كما ساعد على تجاهل اباها لها وانشغاله بعمله المستمر
وهى لا تريد ذلك لابناءها بل تريد ان تعوضهم عن الحنان والرعاية اللتان تفتقدهما
لذا لن تسمح لوالدتها ان تهدم احلامها وان تجعل منها نسخة مصغرة منها
لكن امام جبروت والدتها وتحكمها بمقاليد الامور فماذا هى فاعلة !!!!!!!!!!!!!
************************************************************ *
ادارت منة المفتاح فى كالون الباب فانفتح معها مصدرا صريرا عاليا كعادته ايام الشتاء
تجاهلت صياح والدتها المنزعجة من هذا الصرير وهى تتجه الى غرفتها المشتركة
مع شقيقتها ندى التى وجدتها منكبة على كتب واوراق مكدسة على مكتبها الذى
تقبع خلفه ، انتظرت منة ان ترفع ندى عيناها عن الكتب لتلقى التحية عليها
الا انها لم تفعل وبدت مستغرقة ىتماما فى الاستذكار فتنحنحت منة مرغمة
وقالت:
-كيف حالك يا ندى ؟؟
اجابتها ندى بدون ان ترفع عيناها عن الكتاب بعد فترة صمت انزعجت فيها منة من
تجاهل ندى لها:
-الحمد لله
ثم اعقبت كلماتها بصيحة غلفها الضيق:
-ارجوكى لا تزعجينى انا منشغلة بالاستذكار0
ثم اضافت بتهكم:
-هذه كلية عملية تحتاج الى مجهود
كبير لا مجرد كلية نظرية تستذكرين لها اسبوع واحد قبل الامتحانات وتنجحين بتقدير مقبول
او جيد ، اما انا فاريد النجاح بامتياز كعادتى دوما
اشعلت كلماتها قنبلة حارقة تفجرت واحرقت نيرانها صبر منة التى تمالكت اعصابها
باعجوبة حتى لا تنهال عليها ضربا وتفرغ فيها ضيقها فقالت بتأفف:
-طبعا يا ندى هانم ، اطمئنى لن اعطلك عن تفوقك ، كل ما اردته هو
القاء التحية عليكى ، ارجو ان تعذرينى سأبدل ملابسى ولن ترين وجههى
هذا لبقية اليوم00
لم تحر ندى جوابا فاعتبرت منة هذا موافقة على ردها فازداد ضيقها منها
الا انها تحاملت على نفسها وخرجت صافعة الباب ورائها وابتسمت عندما سمعت صيحة ندى
المنزعجة ، اتجهت الى الصالة حيث وجدت والدتها ترص الطعام على المائدة التى
نظرت لها بشهية قائلة بجذل :
-امممم ما هذه الاصناف الشهية يا امى !! سلمت يداكى على هذا الطعام الرائع
مطت والدتها شفتيها بامتعاض قائلة:
-اشكرى ندى ، هى من قدرت تعبى واعدت هذا الطعام رغم انشغالها بمذاكرتها
اما انتى فتجلسين فى الكلية طوال النهار دون ان ترتبطى بمواعيد محاضرات لتأتى فى النهاية
على ميعاد تناول الطعام وانتهى الامر دون ان تقدمى مساعدة واحدة
ندى00ندى00ندى ، كرهت اسم ندى
ندى الجمال وهى القبح ، ندى التفوق وى الرضا بالمجموع القليل والذى قد يندى له
الجبين فى بعض الاحيان
ندى تقديم المساعدة وهى العزوف عنها
ندى التميز وهى لاشىء00لا شىء00لاااااااااااااا شىىىىىىىىىىىىىء
كادت تصرخ بها وهى تجز على اسنانها فى ضيق شديد يعتريها دوما
كلما خطت بقدميها هذا المنزل
اخفت تأثرها وهى تقول بلهجة حاولت ان تبدو عادية:
-اعذرينى يا امى ، لقد انهيت محاضراتى وذهبت مع سمر لزيارة امل و000
قاطعتها والدتها وهى تهز رأسها بضيق وتقول بتأفف:
-وتذهبين ايضا بدون اذن !! ندى لا تفعل هذا ابدا
يا ليتك تتعلمين منها
زفرت فى ضيق وكادت ان تتجه الى غرفتها الا انها تذكرت ان سبب مأساتها وضيقها
يكمن فيها ، فاتجهت بخطى عصبية الى غرفة شقيقها الاصغر مؤمن وصوت
والدتها يعلو ورائها بتساؤل واضح:
-الى اين تذهبين ؟ الن تتناولى غدائك ؟؟
اجابتها بعصبية وضيق بلا حدود:
لقد فقدت شهيتى
قالت هذا وصفعت الباب ورائها بغضب
*************************************************
تسللت سمر الى منزلها على اطراف اصابع قدميها العاريتين التى نزعت عنهما حذائها
واغلقت الباب ورائها بهدوء وسارت بخفة محاولة الا يصدر عنها صوتا الا ان محاولتها
باءت بالفشل عندما اضيئت الانوار فجأة وظهرت جدتها امامها وهى تسير نحوها بعكازها
الخشبى
ضحكت سمر بتأفف على خطتها الفاشلة وقالت:
-جدتى00ما الذى ايقظك ؟؟ لقد حرصت هذه المرة على عدم اصدار اى صوت
وعلى عكس الابتسامة التى لاحت على وجه سمر ، كان الضيق ملازما لوجه
جدتها المتجهم وكلماتها الحانقة:
-مرة ثانية يا سمر !! لماذا تأخرتى هذه المرة ؟؟ الم احذرك !! كم الساعة الان؟؟
واستدارت لتلقى نظرة على ساعة الحائط التى ما ان وقع نظرها عليها
حتى انطلقت من فمها شهقة مستنكرة وادارت وجهها الذى ارتسم الغضب على
معالمه التى غيرها الزمن وافقدها الكثير من جماله ، وقالت بحنق:
-الساعة الثانية بعد منتصف الليل يا سمر !! هل هذا وقت تعود فيه
فتاة محترمة لمنزلها
اقتربت منها سمر وقبلت وجنتها وهى تقول:
-سماح هذه المرة يا جدتى ، لن افعلها ثانية
ابعدتها جدتها عنها وهى تقول:
-لا00ان تخيل عليا الاعيبك هذه، اين كنتى يا بنت حتى هذه الساعة المتأخرة؟؟
حاولت سمر ان تضفى البراءة على صوتها الهادىء:
-كنت مع صديقاتى استذكر يا جدتى
هزت جدتها رأسها وقالت :
-بدون تحذلق يا سمر ، الا اعرفك !! هل انتى من النوع الذى يذاكر يا سمر !!
انتى تموتين عشقا فى الغش
نفت التهمة عن نفسها وقالت بصوت حاولت ان تبدو معه وكأنها طعنت فى كبريائها
وسمعتها الشريفة:
-لا يا جدتى00لا تقولين هذا ابدا
لقد كنت استذكر مع صديقاتى فالامتحانات اقتربت جدا 00انها بعد العيد مباشرة
هزت جدتها رأسها نفيا وهى تقول:
-لا لن اصمت على هذا 00غدا سأجرى اتصالا عاجلا بوالدك ووالدتك ليعودا ليرعياكى 00
انا لن احتمل اكاذيبك هذه بعد الان ، لقد كبرت فى السن ونال منى التعب
عادت سمر تقبل وجنتها وتصطحبها لتجلس على اقرب مقعد وقالت بنفاق:
-انتى مازلتى مثل القمر يا جدتى ، من يراكى معى يقول انكى شقيقتى الصغيرة
ثم اضافت بتحدى :
-ثم ان ابى وامى لن يعودا مهما فعلتى
-لا00لا 00يجب ان يعودا من الغربة 00يكفى المال الذى جمعوه حتى الان ويعودا لرعاية
ابنتهم، هل سيقضون عمرهم كله فى الغربة
-يا جدتى اغراء المال ليس سهلا ثم انكى معى وهم مطمئنين على وجودى معكى
ثم اضافت بسرعة وهى تقبل رأسها وتنصرف مسرعة الى حجرتها:
-انتهى الامر يا جدتى يا حبيبتى واوعدك لن اكررها ثانية
طابت ليلتك
مطت جدتها شفتيها وهى تتابع انصرافها المتعجل وقالت:
-بنات اخر زمن !!!
000000000000000000000000
ما ان اغلقت سمر باب حجرتها خلفها حتى التقطت هاتفها المحمول وضغطت ازراره
بسرعة وهتفت:
-طارق0000لقد مر الامر بسلام 000الم اقل لك يابنى
هذه جدتى وانا خير من يعرفها، لا تقلق انت
الى اللقاء غدااا000000000
************************************************************ ****