المعلومات |
الكاتب: |
|
اللقب: |
الفائزة بالمركز الثاني بمسابقة ليلاس الثقافية |
|
البيانات |
التسجيل: |
Aug 2006 |
العضوية: |
9580 |
المشاركات: |
546 |
الجنس |
أنثى |
معدل التقييم: |
|
نقاط التقييم: |
31 |
مدونتي |
|
الإتصالات |
الحالة: |
|
وسائل الإتصال: |
|
|
كاتب الموضوع :
nimo
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
النصف الأول من الخاتمة الكبرى :))
هلا بيك يا (( غلا & موني الأردن )) على المرور ...
لم يبقى الكثير ... اليوم سننتهي منها ... و أقدم لكم 3 فصول .... وفي المساء فصلين والخاتمة ...
12- ما يخفيه المستقبل
هتفت ألانا : " ناتالي ! أخير ! كدت أموت لهفة بانتظار اتصالك طوال الصباح . مع ذلك , أظن أن الساعة ما زالت العاشرة . حسنا ؟ ماذا جرى بعد مغادرتنا البيت أمس ؟ يبدو صوتك أكثر مرحا . أريد أن أعرف كافة التفاصيل ".
ضحكت ناتالي رغم احمرار وجهها . لا سبيل لأن تخبر ألانا بكافة التفاصيل . مع ذلك , لا داعي للادعاء بأنها ومايك لم يتما زواجهما . لعله أخبر صديقيه , فالرجال يحبون أن يتباهوا بغزواتهم .
وقالت لألانا : " لا بأس , لا بأس . جهودنا نجحت وأتممنا زواجنا الليلة الماضية ".
يا لها من طريقة رقيقة ومهذبة تروي بها ما حدث ! وهتفت ألانا : "عرفت ذلك . قال ريس إن مايك لن يستطيع أن يقاومك وإن مايك والعزوبة لا يتفقان ".
أجفلت ناتالي . كانت تعلم أنها ليست أول امرأة يختارها مايك كرفيقة له , إلا أنها ما زالت لا تحب أن تعلم أن الإحباط وحده هو الذي أرغم مايك على قبول عرضها . وعادت ألانا تقول : " والآن , ما رأيك فيه ؟ هل ازداد ميلك إليه ؟ ".
عبست ناتالي . كان عليها أن تعلم أن ألانا ستطرح عليها أسئلة كهذه . وكانت تشتبه في أنها وهولي تعتقدان آمالا على هذا الزواج . لكنها رفضت أن تشجع صديقتيها , أو نفسها , وقالت تجيبها : " هذا ما أظنه . لكن ما من نقاط مشتركة بيننا ".
الاختلاف يسبب الانجذاب عادة .
الانجذاب لا يكفي أبدا للزواج يا الأنا .
إنه البداية . أتظنين أنك قد تقعين في غرامه في الوقت المناسب ؟
فأجابت ناتالي مراوغة : " لا أظن ذلك ".
أن تدمن عليه أمر ممكن , أنا أن تقع في غرامه ؟ فيا إلهي ! وهي تتمنى من صميم قلبها ألا يحدث ذلك . أن تنتحر مرة أخرى من أجل رجل هو القمة في البلاهة والحماقة . لكن ناتالي اشتبهت في أنها , في أعماقها , في ذلك المكان الذي تختبئ فيه الحقائق التي لا تود مواجهتها , سبق واختلطت عليها الأمور بين الرغبة والحب .
وقالت ألانا : " قد لا يكون ذلك ممكنا , لكنه ليس مستحيلا ".
ما من شيء مستحيل .
أين هو الآن ؟
ذهب إلى بيته ليحضر بقية ملابسه من أجل رحلتنا في اليخت , كما أنه سيشتري بعض المؤن .
أحقا ؟ أي نوع من المؤن ؟ قالت هولي إن البيت يحتوي على كل ما تحتاجونه لإقامة قصيرة.
أجابت : " مجرد الجريدة , وبعض الحليب . نحب الحليب الطازج مع القهوة ".
فقالت ألانا : " أرأيت ؟ ثمة قاسم مشترك ".
أنت متفائلة للغاية , يا ألانا .
الحياة من دون تفاؤل فظيعة . عليك دوما أن تتمسكي بالأمل . أعرف معنى العيش من دون أمل . كنا , أنا وهولي , نتحدث الليلة الماضية . ورأينا أنك المرأة المناسبة لمايك .
يا إلهي ! لماذا ؟
أنت ذكية ومثيرة ومتعلقة جدا . وأراهن على أنك طاهية ماهرة أيضا .
أنا ماهرة في الطبخ .
كان براندون يحب الطعام الجيد , لكنه لا يحب أن يدفع المال ليحصل عليه , فأخذت تمضي الساعات في المطبخ في طهي وجبات شهية له . لكنها غالبا ما كانت تأكل الطعام وحدها لأنه لا يأتي بحسب وعده .
قالت ألانا : " أنت بالضبط لزوجة المثالية يا ناتالي ! والآن كل ما عليك أن تفعليه هو أن تجعلي مايك يرى أن الحصول على زوجة مثلك هبة من الله وليس عبئا عليه ".
فردت ناتالي بحدة : "وماذا لو كنت أنا لا أريد مايك زوجا لي ؟".
فضحكت ألانا : " لقد أمضيت الأسابيع الأخيرة معك يا ناتالي و أظنني أصبحت أعرفك جيدا . أتعرفين كم مرة تحدثت عن مايك ؟".
كم مرة ؟
بصورة دائمة . كلما جربت قطعة ثياب , كنت تسألينني هل سأعجب مايك بهذا الثوب ؟
هذه مجرد مشاعر سطحية وغرور أنثوي يا ألانا .
إذا بقيت تردد هذا الكلام , فقد تصدقه في النهاية .
إلى أن تتحول إلى شيء آخر . مايك رجل جيد يا ناتالي , ووحيد للغاية . إنه بحاجة إلى امرأة تحبه.
إنه لا يظن ذلك , فهو شديد المعارضة للحب والزواج .
حاولي أن تكتشفي وراء شخصيته هذه , الرجل الحقيقي . إنه ليس بالخشونة التي يدعيها . أتعرفين مقدار الأموال التي أنفقها على الأولاد المعدمين ؟ الأولاد الذين ليس لديهم عائلات أو مال ؟
أجفلت ناتالي لهذا الخبر : "لا . لم يذكر هذا الأمر قط ".
إنه لا يتكلم عن ذلك . لكنه يمنح مبالغ طائلة لهؤلاء الأولاد سنويا , لكي يذهبوا إلى المخيمات الصيفية كما يشتري لهم أجهزة الكمبيوتر . ويدفع لهم تكاليف الدراسة . وقد بدأ مؤخرا مشروعا جديدا وهو إنشاء نواد لهم , نواد رياضية تضم غرفا للعب ولممارسة نشاطات أخرى . إذا ظننت أنه يطمح للحصول على تلك الشراكة لكي يزيد ثروته الشخصية فأنت مخطئة تماما .
منتديات ليلاس
ذهلت ناتالي : " لماذا لم تخبريني بهذا من قبل ؟" .
لم يخطر لي أن أفعل . كنا مشغولتين بتزويجك . والآن , بعد أن عرفت , هل أصبح مايك , الرجل الإنساني المحب للخير , أقرب إلى مشاعرك ؟
.... أنا ..... حسنا . من المؤكد أن هذا يجعلني أرغب في أن أعرف المزيد عنه . أعني , ما الذي يدفعه إلى ذلك ؟ ما الذي حدث في طفولته فجعله ما هو عليه الآن ؟ هل تعرفين ؟
لا , هو لا يتحدث عن هذا الموضوع أبدا , ولا حتى لريس أو لريتشارد.
لا بد أنه شيء فظيع .
فظيع جدا , بحسب ظني . لماذا لا تسألينه يوما ما ؟ عندما يكون ... هل نقول ... بحاجة إلى البوح بأسراره ؟
مايك ليس من النوع الذي يبوح بأسراره .
ربما عليك أن تسأليه بشكل مباشر . على أي حال , ستحتاجين لمعرفة بعض التفاصيل عن ماضيه قبل الرحلة في ذلك اليخت . قد يسألك هلسينجر أو زوجته عن ماضي مايك , وسيبدو جهلك بهذا أمرا مستغربا .
قالت ناتالي وهي تتظاهر بهدوء لا تشعر به :" نعم . هذا ما أظنه ".
رفضت أن تمثل , فتفكر دوما بأنها عاشقة , وأنها تريد ما لن يمنحه لها الرجل الحالي في حياتها . المنطق يقول بأن ترضى بالاستمتاع بأي وقت تمضيه مع مايك , لا سيما في هذا الأسبوع القادم .
لكنها لم تشأ في الوقت نفسه أن تتحدث مع ألانا أو مع أي شخص آخر , بهذا الشأن .
شعرت ناتالي بارتياح عميق لأنها أخبرت والديها أنها ذاهبة في إجازة مدة أسبوع وذلك قبل أن تقفل هاتفها الخلوي .
قالت : " علي أن أذهب , يا ألانا . قد يعود مايك في أي لحظة . اسمعي , لن أتصل بك مرة أخرى قبل نهاية الأسبوع القادمة , فأنا لن أحمل معي هاتفي الخلوي إلى اليخت لأني سأكون مع مايك طيلة الوقت وسيسبب لي الهاتف بعض الإحراج".
لا باس . أتمنى لك وقتا سعيدا . والآن , هل يمكنني أن أخبر هولي عنك وعن مايك ؟
شرط ألا تجعلي الوضع بيننا شاعريا .
لكنه شاعري يا ناتالي ... أنت فقط لا تستطيعين رؤيته بعد .
لا . أنت من لا يستطيع الرؤية يا ألانا . أنا لست مغرمة بمايك . الأمر بيننا مجرد انجذاب اتفقنا ؟
نعم , ما دمت تقولين ذلك .
أدارت ناتالي حدقتيها . بعض الناس يرفضون الإصغاء إلى ما يقال .
وداعا يا ألانا .
وداعا يا حلوتي .
وضعت ناتالي السماعة وهي تتنهد ساخطة .
هل تحاول ألانا أن تسير على نهجك؟
استدارت ناتالي فرأت مايك واقفا عند باب المطبخ يتأملها بحذر .
لم أسمعك تدخل .
سارعت تقول قبل أن تدرك أنه من الطبيعي ألا تفعل فالباب الأمامي بعيد عن المطبخ . كما أن مايك كان حافيا .
وأضافت عابسة :" ماذا تعني بقولك تسير على نهجي ؟".
أعني تشكيل الثنائي المناسب وتزويجه.
عبست ناتالي , لكنها لم تجد فائدة في إنكار ما سمعه , وقالت : " إنها تريد لك الأفضل , يا مايك . تظن أنك بحاجة إلى حياة طبيعية كما تظنني مغرمة بك , لمجرد أننا أتممنا زواجا كان يفترض به أن يبقى صوريا . حاولت أن أخبرها أنها أخطأت في تفسير الأمور ".
نعم , سمعتك تقولين إن الأمر مجرد انجذاب ...
إذا كان هذا صحيحا , فلم لا يبدو عليك السرور إذن ؟ أليس كل ما يريده هو إرضاء رغباته ؟
قال وهو يضع الحليب والجريدة على مائدة المطبخ : " ما مشكلتكن , أنتن النساء ؟ هل من المفروض أن تخبر إحداكن الأخرى بكل شيء ؟ ".
رفعت ناتالي رأسها . لا تريد أن يتحدث إليها أحد بهذا الشكل , لا سيما مايك . وأجابت : " هذا كثير . الغريب فينا نحن النساء أننا نحتاج الناس في حياتنا لما هو أكثر من متعة عابرة . نحن بحاجة إلى الرفقة والرعاية والأولاد والمرح والتشجيع ... وإلى الحب أحيانا . فنحن غبيات حمقاوات ! ولكن لا تخف يا مايك , فأنا لن أقع في غرامك أبدا . لست حمقاء إلى هذه الحد فأنا أراك تخاف من كلمة الحب حتى الموت ما يعني أنك لا تستطيع أن تحب أحد حتى ولو كانت حياتك متوقفة على ذلك ".
حملق فيها بعينين لامعتين وقد انقبضت يداه إلى جانبيه : " أنت لا تعرفين عما تتحدثين ".
أخبرني إذن . أحب أن أعرف . ما الذي يسيرك في حياتك يا مايك؟ لماذا أنت كريم في بذل المال , بخيل في مشاعرك ؟ ما الذي حدث لك وأنت صغير فجعلك ما أنت عليه الآن ؟
منتديات ليلاس
بدا عليه الغضب لحظة , ثم عاد فضحك : " يبدو أن ألانا أفشت لك أسرارا في وقت غير مناسب؟".
لا يمكن أن يبقى الكرم والعطف سرا !
ما أفعله بأموالي هو شأني وحدي .
وهكذا ستبقى على الدوام يا مايك ... وحدك .
هذا هو خياري .
هذا أكيد , وأنا آسفة . لكنني لا أظن أن بإمكاني أن أستمر بعلاقتنا كزوجين فعليين .
وتمنت , وهي تقول هذا , لو لم تفعل .
انتفخت خياشيمه : " لما لا ؟ ".
أنا ... لست واثقة من أني قادرة على مواجهة ذلك ؟
لقد واجهت ذلك أمس بشكل حسن .
لا تكن لئيما !
هذا ليس لؤما بل الحقيقية .
وأمسك بيديها ووضعها على صدره : " أنت لم ترفضي إتمام زواجنا , الليلة الماضية . هذا الصباح لم يتغير شيء يا ناتالي , فأنا ما زلت الرجل نفسه وأنت المرأة نفسها ".
ودت لو تصرخ في وجهه : أنت مخطئ , فثمة ما تغير بيننا , ألا يمكنك أن تراه ؟ ألا يمكنك أن تشعر به ؟
وعاد يقول مزمجرا : " أنا شخصيا لم أشبع منك ".
حتى وهو ينطق بهذه الكلمات , فضحت عيناه رغبات تتعدى رغباته الجسدية . أخبرتها ألانا عن مبلغ وحدته , مدى حاجته إلى امرأة تحبه . وكانت على حق إذا بدت الحقيقة لناتالي في وجهه , حيث لمحت الكآبة العاطفية خلف مشاعره المحمومة .
لكنه لن يعترف بذلك أبدا , هي تعرف ذلك . فجراح ماضيه , أيا كانت هذه الجراح , لم تلتئم بشكل صحيح . كل ما يمكنها أن تقدمه لمايك هو السلوان . لا يمكنها أن تقول له إنها تحبه , لكن بإمكانها أن تظهر له ذلك .
تمتمت وهي تمر أناملها على صدره : " جميل أن أسمع هذا ".
وعندما حاولت أن تدنو منه أكثر , تأوه وهو يتراجع إلى الخلف بخطوة غير ثابتة فهمست وهي ترفع بصرها إلى وجهه : " أليس هذا ما تريده ؟".
كم هو مختلف شعورها , الآن عما كان عليه الليلة الماضية . لكنه انحنى يحملها ويخرج بها من المطبخ باتجاه غرفة النوم وهو يقول : " كلا . ليس هذا ما أريده . أنا أرغب فيك , يا ناتالي ".
لم تنطق بكلمة وهو يدخلها الغرفة . كانت مشغولة جدا بمحاربة أمالها العديمة الجدوى والتي أحبتها في نفسها كلماته المحمومة . فهو لم يدكن يريدها , إلى الأبد , بل لفترة مؤقتة . لكن هذه الفترة كانت مثيرة للغاية , كما حدثت نفسها .
استمتعي يا ناتالي .... فمن يعرف ما يحمله المستقبل ؟
كانت ألانا قد قالت إن الحياة من دون أمل لا طعم لها , وعلى ناتالي أن تعترف بأنها محقة . وهكذا تمسكت بالأمل .
******************
13- سنكمل الدرب
كانت ناتالي تضع اللمسات الأخيرة على تسريحة شعرها , عندما رأت مايك من مرآة الحمام . كان واقفا في عتبة الحمام ينظر إليها .
يا لسموات ... يبدو رائعا قي ملابسه الجديدة . كان تفصيل سرواله التبني اللون رائعا , يضفي رشاقة على ساقيه الطويلتين المفتولتي العضل . كما أعجبها قميصه القصير الكمين , الذي كشف عن ساعديه الرائعين .
اختيار ريس موفق وينم عن ذوق رفيع .
جاهزة ؟
جاهزة تماما . لم أكن أعلم أنني سأتوتر متوترة إلى هذا الحد .
لا حاجة بك للتوتر لأن مظهرك مذهل .
هل أعجبك مظهري ؟
وتساءلت عما إذا كانت ألانا قد أخطأت في اختيار هذه الملابس لأول لقاء لها مع هلسينجر . ربما كان عليها أن ترتدي السروال الذي في حقيبتها بدلا من التنورة التي تصل إلى منتصف الساق وهذه البلوزة الأنيقة . قال مايك , باعثا السرور في نفسها :" اللون الأزرق يناسبك ".
فلينتظر لكي يرى الثوب الذي اشترته لحضور حفل ليلة الغد . إنه أكثر زرقة من اللون الأزرق نفسه .
وانصبت نظراته على صدرها فقالت له بضيق : " كفى تحديقا بي بهذا الشكل ".
هذا ما يفعله دوما , وما فعله طيلة يوم أمس . إنه يثير رغباتها بمجرد نظرة : "علينا ... علينا أن نذهب بعد قليل ".
فزمجر ببطء :" لا , لن نذهب . يمكنني أن ألغي الموعد , وليذهب هلسينجر إلى الجحيم . العديد من الشركات الأخرى يرغب بشراء برنامج جديد . لست بحاجة إلى شركته".
فقالت مستنكرة هذا التغيير المفاجئ في موقفه :" لكن الشركات الأخرى لن تمنحك الشراكة . مايك ... لقد تزوجتني لكي تحصل على هذه الشراكة حيث ستجني الكثير من المال . مال سيفيدك كثيرا ".
ضاقت عيناه وهو ينظر إليها :" هل ما يهمك فعلا هو تحسن أعمالي , أم مليونك الثاني الموعود ؟".
تشنجت وقالت : " هذا ليس إنصافا منك ".
بدا عليه بعض الشعور بالذنب :" هذا صحيح , وأنا أعتذر لست كعادتي اليوم . في الواقع , أنا أكره التبعية لأي رجل , وقد جعلني هلسينجر أفعل هذا . أرادني متزوجا فتزوجت , وهو ما قلت إنني لم أفعله أبدا . كنت أفكر هذا الصباح في كم أحب أن أكون سيد نفسي . أنا أكره فكرة أن أكون عبدا رهن إشارة تشاك هلسينجر ".
لن كون عبد أي رجل يا مايك .
فقال متذمرا : " لكنني أصبحت كذلك , وربما من دون فائدة ".
ماذا تعني ؟
إذا أرسل هلسينجر من يتحرى عني , فسنفشل . أعني كل من يتحرى عني سيكتشف أن عروسي تدير وكالة تدعى " مطلوب زوجات " . ماذا تظنين أن هلسينجر سيفعل حينذاك ؟ وحده الأحمق سيعتقد أن زواجنا حقيقي .
لا بد أنه لم يرسل من يتحرى عنك , وإلا لألغى الدعوة ولم يستضفك في اليخت , ولتراجع عن عرض الشراكة . أراهن بحياتي على صحة ما أقول .
أرجوا أن تكوني على صواب يا ناتالي , إذ ينتابني شعور سلبي حيال هذا الأمر . لعل هلسينجر يحب أن يعبث بحياة الناس. لعل الملل من حياته كملياردير أدركه .
العالم مليء بالافتراضات , يا مايك . وما منا وصلنا إلى هذا الحد , فعلينا أن تكمل الطريق .
حدق مايك فيها . إنها محقة طبعا . لكنه ما زال لا يريد ذلك . هلسينجر ليس المشكلة الوحيدة التي تشغل ذهنه اليوم . فهذه المرأة الجميلة المثيرة التي شغلت باله منذ البداية , سرعان ما أصبحت بالنسبة إليه هاجسا ... وهاجسا خطيرا .
إنها هاجس خطير بالنسبة إلى سكينته وراحته النفسية . فهو معها مختلف عما هو عليه مع النساء الأخريات . كلما طال وجودها معه , كلما ازدادت رغبته فيها . حاجته إليها أصبحت كحاجة التائه في الصحراء إلى الماء .
وكان مايك قد أقسم ذات مرة على ألا يحتاج امرأة قط . ليس بهذا الشكل على الأقل .
قالت فجأة وهي تقطب جبينها الجميل :" مايك ؟".
فقال بحدة :" أنت محقة . علينا أن نتابع ما بدأناه . لكنني لن أصبر على أي إذلال ".
قالت له وهي تبتسم بإغراء : " على الأقل لن نضطر للتظاهر بأننا عاشقان ".
كان تأثير ابتسامتها عليه مذهلا إذ شعر وكأنه التف فجأة بدثار دافئ في ليلة قارسة البرودة . وتدفق الدم حارا في عروقه . لكنه حمد لله لأن عليهما أن يخرجا في الحال وإلا لانقض عليها .
قال فجأة : " لا مزيد من التأنق ولنخرج حالا ".
علي أن أحضر حقيبة يدي وصور الزفاف .
لا . لا تحملي معك صور الزفاف .
لكنك دفعت مبلغا إضافيا كي تتسلم الصور هذا الصباح , وذلك لتريها لهلسينجر !
قررت ألا أريها لهلسينجر وزوجته . إنهما ليسا صديقين حميمين , فلا بد أنهما لا يتوقعان رؤيتها .
كان في الواقع قد كره نظرات التي رمق بها المصور ناتالي قبل الاحتفال وأثناءه فقد بدا كأحمق مفتون .
وخرج وهو يقول :" سأنتظرك عند الباب الخارجي".
كان قد حمل حقائبهما مسبقا ووضعها قرب الباب حتى تأتي السيارة المستأجرة التي يفترض بها أن تصل في العاشرة والنصف . وكان مضيفه قد استأجرها لتنقلهما إلى اليخت الراسي عند الرصيف في مرفأ " دالينغ هاربور ". نظر إلى ساعته . دقيقة واحدة تفصلهما عن الموعد .
مايك . ماذا سأقول لهم إذا سألوني عن خلفية أسرتك ؟
وكان في طريقهما إلى المصعد فأجاب بخشونة : " أخبريهم الحقيقة ".
لكنني لا أعرف شيئا عنك .
فقال وهو يستعجلها : " بالضبط . أخبريهم أنك لا تعرفين شيئا عني ".
لكنني لا أستطيع ذلك . سيظنونني مجنونة لزواجي من رجل لا أعرف عنه شيئا .
هممممم .... لعلهم على صواب . قولي إنني عانيت من طفولة فظيعة , ولهذا لا أرغب في أن أتحدث عنها.
شعر بها تنظر إليه , فلم يبادلها النظر . شيء ما سيحدث إذا نظر إليها . يكفيه عطرها الذي يلفه في هذا المكان الضيق .
وهل عانيت حقا من طفولة فظيعة ؟
تجرأ الآن على النظر إليها بعد أن وجد سببا للغضب :" إنك امرأة ذكية , يا ناتالي . سبق وعلمت ذلك , فلندع الأمر عند هذا الحد ".
ارتجفت ناتالي لخشونة صوته وللبرودة التي بدت فجأة في عينيه بعد ذلك الدفء الذي كان ينبعث منهما .
تبددت الحماسة التي تملكتها لفكرة أنها ستمضي يومين شاعريين مع مايك في ذلك اليخت المترف . إذا لم يتغير مزاجه , فسيكون الوضع صعبا للغاية ... لا بل تعيسا .
لكن مشهد سيارة الليموزين التي تنتظرهما أمام المنزل رفعت معنوياتها . من المستحيل ألا تشعر بالحماسة إزاء هذه الرفاهية وما تحتويه السيارة من لمسات رقيقة والترحيب عبر شاشة التلفزيون المثبت في الداخل و الذي شغله السائق حالما تحرك بالسيارة .
منتديات ليلاس
حتى مايك ابتسم عندما ملأت صورة مضيفهما السمين الشاشة , معرفا بنفسه وزوجته الشقراء الرائعة الجمال قبل أن يهنئهما بزواجهما الحديث قائلا إنهما متشوقان , هو وروزالي , للقائهما .
وعندما انتهى همست ناتالي : " ما رأيك ؟" .
فأجاب بعد أن أطفأ التلفزيون : " أظن أن رجلا يرتدي سترة بحرية بأزرار نحاسية لم يرسل من يتحرى عني ".
فضحكت :" يبدو وكأنه تجاوز الخمسين من عمره , أليس كذلك ؟ لكنني أحببته بعض الشيء".
نعم , إنه سمين وأصلع لكنه لطيف الملامح وعيناه سعيدتان .
سألها :" ما رأيك بزوجته ؟".
من الصعب تكوين رأي عنها , فهي لم تنطق بكلمة .
أتصور أن الحديث ليس ضمن دور السيدة هلسينجر في حياة السيد هلسينجر .
لعلهما مغرمان ببعضهما البعض إلى حد كبير .
بدت الشكوك على وجهه :" لقد رأيت حجمه . لا بد أنها تزوجته من أجل أمواله وهو تزوجها من أجل ما تفعله عندما لا تتحدث ".
انكمشت ناتالي عندما عاد ذهنها إلى ما تفعله لمايك حين لا تتكلم . ولاحظ صمتها فقال بحدة :" ما هذا ؟ ماذا قلت ؟".
لا شيء .... أنا .... لا شيء.
لا . بل ثمة شيء . يبدو عليك الاستياء .
نظرت في عينيه متفحصة : " أنا ... أريدك فقط ألا تظن أن ما أفعله معك له علاقة بالمال . لأن هذا ليس صحيحا ... أنا ... أنا أميل إليك , يا مايك . أحب أن أكون معك . صدقني ".
لم تجد ما تقوله من دون أن تعترف له بأنها تحبه .
أدار وجهه لينظر من النافذة بجانبه :" لقد استمتعنا معا , أليس كذلك ؟".
ابتلعت ريقها . إنه يتحدث بصيغة الماضي . هل بدأ الملل يتملكه ؟ ولكن لم يكن يبدو عليه أي ملل هذا الصباح .
ومع ذلك , أحست مؤخرا بتغير ما فيه ... بروده وابتعاده . لم يمسك بيدها في المصعد أو يمسها بأي شكل , فيما لم يكن بإمكانه أمس أن يرفع يده عنها .
أتحاول أن تخبرني بشيء ما , يا مايك ؟
كانت مصممة على ألا تبكي أو تثور . إذا ما انتهى الأمر بالنسبة إليه , فقد انتهى إذن .
التفت ببطء ينظر إليها :" أخبرك بشيء مثل ماذا ؟".
هل علينا من الآن فصاعدا أن نتظاهر بأننا عاشقان .
فتمتم :" لا أظنني أستطيع ذلك ".
تستطيع ماذا ؟
أن أكون معك في بيت واحد وأضبط نفسي .
آه ... هل أنا مغرية إلى هذا الحد ؟
نظر إليها وعيناه تلمعان :" في الحقيقة , نعم يا ناتالي . أنت كذلك ".
شهقت بحدة ورأسها يدور لاعترافه هذا . وأضاف ما جعلها تحبس أنفاسها : "لكن , وعلى الرغم من ذلك , يوم الخميس القادم سأنهي كل ما بيننا ".
فقالت بصوت مخنوق :" ولكن , لماذا ؟".
لأن ....
لأن ماذا ؟
علي أن أنهي هذا قبل أن يصيبك ضرر . أنا لا أصلح لك يا ناتالي . لست سوى إنسان منحرف قاسي القلب . أنا لا أهتم بالحب , لا يهمني سوى ملذاتي الشخصية .
أحقا ؟ لكنك لم تسمعني أعترض , أليس كذلك ؟
حمق فيها قبل أن يمسك فجأة بذراعيها يشدها إليه , وهو يزمجر وقد امتزج الثلج والنار في عينيه :" لعنة الله عليك , يا ناتالي ".
لكنه حملها إلى عالم بعيد , عالم من الأحاسيس الجارفة .
لم تعد تفكر في كلامه أو في المستقبل بل في اللحظة الحالية حيث سيطرت الحواس على العقل وعطلته .
وبعد حين , استند إلى الخلف , وقد بدا العذاب في عينيه ثم قال بغضب بالغ :" لماذا لا ترفضين , أبدا ؟ لماذا لا تمنعيني أبدا ؟ كان عليك أن تمنعيني هذه المرة يا ناتالي لأنني لم اتخذ أي احتياطات لأحميك من الحمل ".
أخذت تحدق فيه وذهنها يعمل بسرعة , وقلبها ينتفض بعنف وقد أدركت النتيجة المحتملة لمشاعر محمومة غير منضبطة تلك . النتيجة ليست ممكنة بل متوقعة فهي حاليا الآن في منتصف دورتها الشهرية .
والغريب أنها لم تذعر من هذا الاكتشاف بل بان عليها الهدوء غريب ونوع من الاستسلام للقدر .
قالت وهي تنظر في المرآة تصلح زينتها :" لا باس يا مايك . لن نواجه أي مشكلة ".
هل أنت واثقة ؟
تماما . الخصوبة الآن تكاد تكون معدومة , فلا تخف . صدقني .
على أي حال , لن تحمله عبء طفل لا يريده . وإذا كانت محظوظة بما يكفي لتحمل . فستبقي ابنه لنفسها وتحبه إلى آخر حياتها , بقدر ما أحبته هو .
منتديات ليلاس
كفى عبوسا في وجهي , يا مايك . لن أوقعك في الشرك لأي سبب . لا بأس , أعترف بأنني أود أن تستمر علاقتنا فترة أطول , فأنت شخص مميز حقا ومثير لكنني أراك مصمما على أن تنهي الرحلة . ولن أجادلك في هذا . لكن ما من شيء يمنعنا من أن نستمتع بما تبقى لنا من وقت , أليس كذلك ؟
هز رأسه وقد بدا الارتباك على ملامحه , فتابعت تقول بابتهاج :" أفهم من هذا أن جوابك هو ( لا ) . والآن , هل لك أن تسكب لي كأسا من هذا العصير ؟ لا فائدة من إهداره سدى ".
***********************
14- أسرار وأسرار
كان يخت هلسينجر بالغ الروعة , حيث بلغ خمسة وستين مترا . كان يعمل بمحركين ومزودا بأجهزة تشغل بواسطة الكمبيوتر, كما أنه يتسع لاثني عشر ضيفا وأربعة عشر بحارا . ويضم اليخت ست قمرات " فخمة " وغرفة جلوس تقليدية وغرفة طعام فضلا عن صالون فسيح وسينما بمقاعد مدرجة . أما ظهر المركب المصنوع من خشب الساج ففيه مكان غير رسمي لتناول الطعام وأماكن للتسلية والترفيه وبركة سباحة , زاوية الألعاب وطائرة هليكوبتر , وزورق بخاري يمكن أن يتحول إلى زورق لصيد السمك .
أطلعهما مضيفهما علة هذه المعلومات كلها بعد دقائق من صعودهما على متن المركب روزالي .
وتبين لها أن تشاك أضخم مما بدا على التلفزيون لكنه ما زال يبدو فتيا بالنسبة إلى عمره , أما زوجته فبدا أنها لم تتجاوز الثلاثين بيوم واحد . كان واضحا أنها خضعت لجراحة تجميلية ممتازة وناجحة .
لم يمانع مايك حين عرض عليه تشاك أن يأخذه في جولة على اليخت مصدر زهوه ومتعته , تاركا ناتالي للسيدة هلسينجر . وسرعان ما أثبتت مضيفتها أنها تستطع أن تتكلم .
بصراحة , قضاء بعض الوقت بعيدا عن ناتالي هو بالضبط ما ينصح به الطبيب , فمايك لم يستعد توازنه بعد ما كانا في سيارة الليموزين . لم يحدث قد أن جرفته مشاعره إلى هذا الحد . كما أن موافقة ناتالي السريعة على الانفصال يوم الخميس لم تلق الرضى لديه , وهذا أمر غريب . أما الغريب فعلا فهو الطريقة التي تصرفت بها فجأة , وكأن شيئا ما أثارها .
لم يرها قط من قبل بهذا الجمال والإغراء .
نعم , من الأفضل أن يبتعد عنها كلما سنحت ل الفرصة في اليومين التاليين , أو أن يحرص على أن يبقى أحد الزوجين هلسينجر معهما كلما تواجدا معا . لن يذهبا إلى قمرتهما ليأخذا قيلولة بعد الظهر كما لن يحضرا أفلاما وحدهما في تلك السينما الجميلة . وأقسم على أن يبقى على سطح المركب قد إمكانه , على مرأى من جميع البحارة .
أصر تشاك بعد أن أراه بركة السباحة :" عليك أن تلقي نظرة على الجسر ".
كان الجسر ميرا إذ قد تصوره يزين سفينة فضائية وسرعان ما انشغل مايك بهذه الأشياء الصبيانية وأخذ يثرثر مع القبطان الذي راح يريه كل المعدات الإلكترونية المبتكرة في الجسر .
وبعد أن ابتعد عن الجسر برفقة تشاك , سأله هذا الأخير وهو يلوح بيده مشيرا إلى ما حوله " ما رأيك يا مايك ؟ إنه يخت رائع , أليس كذلك ؟".
فأجاب مايك :" أنت رجل محظوظ ".
قهقه تشاك عاليا :" أنت هو المحظوظ , كما أرى . زوجتك تلك ... أووووه ... إنها دمية حية ".
ناتالي امرأة رائعة .
كيف تعرفت إليها ؟
نظر مايك إلى عيني تشاك الحادتين وقرر ألا يكذب . فبقدر ما كان يريد المليارات التي ستدرها الشراكة مع شركة " كومبرووير " , لم يكن يطيق الخداع أو الإدعاء :" في الواقع , يا تشاك , ناتالي تدير وكالة للتعارف تدعى " مطلوب زوجات " . وعندما أخبروني بأنك لن تهتم بمشاركة رجل غير متزوج , قررت أن أبحث عن زوجة بسرعة . فاتصلت بوكالة " مطلوب زوجات ".
فوجئ تشاك بكلامه كليا :" أتعني أنك أردت أن تتزوج فقط لكي تحصل على الشراكة ؟".
بدت لي هذه الفكرة جيدة حينذاك .
ثم ؟؟
رفضت ناتالي أن تجد لي زوجة على أساس مادي فقط .
بدا تشاك مشتت الذهن , ما أكد نظرية ناتالي القائلة بأنه لم يرسل من يتحرى عن مايك .
وقال مضيفه :" فهمت . ثم ماذا حدث لاحقا ؟".
ومد يديه يمنع مايك من الكلام وهو يغمز بعينيه :" ليس عليك أن تخبرني . دعني أخمن . نظرة واحدة كانت كافية كي تقع في الحب بجنون ".
فتح مايك فمه لينكر ذلك , ثم عاد فأقفله . بدا واضحا تماما أن تشاك لا يريد أن يسمع الحقيقة , بل يريد أن يسمع شيئا شاعريا . إنه شاعري بشكل لا يمكن شفاؤه !
سأله مايك :" كيف أمكنك أن تخمن ذلك ؟".
لقد حدث لي الأمر نفسه , مع روزالي . نظرة واحدة ثم حصل ما حصل ! كانت تقود سيارة صغيرة فتوقفنا قرب بعضنا البعض عند إشارة السير . مجرد نظرة عابرة . حب من أول نظرة . وبعد ثلاثة أيام , أعلنا حبنا ثم تزوجنا .
ألم تخافا من ألا يدوم هذا الزواج ؟
لا . كنت أعلم أن هذا اتفاق حقيقي , كما علمت أنت . سبق لي الزواج والطلاق مرتين من فتاتين كانتا لا تريان في شخصي سوى المال , وليس الحب . أدركت على الفور أن ما بيني وبين روزالي أمر مختلف , وكأننا روحان متلازمتان . لم أتحدث مع امرأة في حياتي بقدر ما تحدثت إليها , كما لم أشعر بمثل هذه السعادة . لا , لم يملكنا الشك بالرغم من فرق السن . وها نحن الآن , بعد ستة عشر عاما , سعداء للغاية , ولدينا ولدان رائعان مستوى عيش من الطرز الأول .
يبدو وكأنك تملك كل ما يتمناه المرء .
لا حاجة بك لأن تحسدني يا بني . لقد أحسنت العمل وأصبت في حكمك وستحصل أنت أيضا على كل شيء.
إذا كانت مهارتي في العمل وحكمي الصائب يعنيان تملقك وإطراء معاييرك الأخلاقية الرجعية , يا تشاك , فأنا الرجل غير المناسب.
أرجع تشاك رأسه إلى الخلف وقهقه ثم قال :" علي أن أخبر روزالي بذلك . فهي دوما تقول إنني سأقابل يوما ما , من يقف في وجهي في العمل . وأظن أن اليوم هو ذلك اليوم . لكن لا تخف , يا مايك . إذا كان هناك من يتملق هنا , فهو أنا . قيل لي إن مشروعك سيحدث ثورة شاملة وأساسية في عالم الكمبيوتر في أنحاء العالم , كما سيدر على صاحبه أموالا طائلة . المحامون عندي يعملون على وضع اتفاقية تضمن لنا , نحن الإثنين , القسم الأكبر من الأرباح ".
فقال مايك بهدوء :" إنني أتطلع أيضا إلى جعل المحامين لدي يقومون بذلك ".
لكنه كان متلهفا لأن يخبر ناتالي .
وعندما تكلم تشاك تساءل مايك عما إذا كان يقرأ الأفكار إذ قال :" أظنك ستطلع زوجتك على هذه البشارة ".
نعم , وسيسرها ذلك .
سيسرها جدا فلن تضطر لأن تنتظر طويلا لتحصل على مليونها الثاني . ستكون ناتالي هي الفائزة بكل شيء : فترة ممتعة معه , ثم مبلغ من المال يزيد من رغبة الرجال فيها وبالتالي ستحصل على رجل يماثلها رغبة في الزواج وإنجاب الأولاد .
وتوتر فكه عندما تصورها تتزوج رجلا آخر ... وتبتسم له ثم تحمل منه وتعيش سعيدة معه .
أين سيكون هو عندما يحد هذا كله ؟ سيكون وحيدا , وسينتهي بهذا الشكل كما توقعت له ذات مرة .
ولكن , أليست الوحدة أفضل له ؟ المرء لا يؤذي أحدا إذا ما عاش وحده , كما أنه لا يدمر حياة الآخرين .
قال تشاك :" أظن أن الوقت حان لتناول الغذاء مع الفتاتين . سيقدمونه على السطح العلوي حيث يمكننا أن نستمتع بالمناظر . خطتنا هي رحلة بحرية حول مرفأكم الرائع أثناء الغذاء . بعدئذ , سنبحر بمحاذاة الساحل إلى " بيتووتر ". أخبروني بأن هذا هو أحد أجمل المسارات في سيدني بسبب المشاهد المتغيرة . لا بد أنكما شاهدتما هذه المشهد من قبل بما أنكما من سكان سيدني , لكن أنا وروزالي سنتصرف كسائحين حقيقيين . ولعلكما ترغبان عروسين , في أن تستلقيا قليلا للراحة بعد الغذاء ".
وغمز مايك بعينيه .
عندما توجه تشاك إلى الدرجات التي تؤدي إلى الطابق السفلي , هز مايك رأسه . الكل يتآمر عليه , لكن , لماذا ؟ الاستلقاء مع ناتالي قد يكون ضروريا بعد أن تحمل الجلوس بجانبها أثناء ذلك الغذاء الطويل , مركزا على حجم تشاك .
اندفع واقفا بعد مغادرة مضيفه بعد أن قرر ألا يقاوم أكثر من ذلك . إنه هنا مع ناتالي مدة يومين , فمن الأفضل أن يستمتع بهما ... كما قالت له .
قال وهو يتحرك لتناول جهاز التحكم عن بعد ويدير جهاز التلفزيون المركز في الجدار فبالة السرير :" ما رأيك في هلسينجر وزوجته ؟".
كان هذا أول حديث يدور بينهما منذ عادا إلى قمرتهما بعد الغداء , فالحديث ليس من أولويات مايك وهي لم تعارضه كالعادة . وعندما استلقى مجددا , اندست به ومدت يدها تتخلل بأصابعها شعره .
وأجابت :" لقد أحببتهما . من المستحيل ألا أحبهما أو أحب هذا اليخت . انظر إلى هذه القمرة وإلى هذه الرفاهية ".
لم يستطع مايك إلا أن يوافقها الرأي . كانت الجدران من الخشب اللماع , والسجادة الذهبية أسمك من أي سجادة رآها في حياته . وكان السرير فسيحا فيما غطاؤه الأخضر الموشى بالذهب ملقى على الأرض بصورة دائمة , إلا أن مايك اعترف بأنه لا يبدو غريبا في مكانه هذا .
كان الأثاث كله تراثيا وكذلك الحمام الملحق بالقمرة والذي يطغى عليه اللونان الأسود والذهبي .
وحدها الإنارة كانت عصرية , وقد صممت لتضفي مساحة إضافية على المكان . كانت ملابسهما كلها معلقة في غرفة الملابس عند دخولهما ما جعل مايك يشعر بالسرور لأنه وافق على الذهاب للتسوق مع ريس .
قال مايك :" أنا أيضا أحببتهما ".
التفت إلى التلفزيون بدافع الفضول ثم عاد فتجاهله مرة أخرى . إن لديه ما هو أفضل من مشاهدة التلفزيون .
قال وهو يستلقي على ظهره , ويستمتع بلمسة ناتالي :" تشاك معجب بك ".
فأجابت متمتمة :" هذا حسن ".
أخبرني أن الشراكة أصبحت مضمونة لي .
رفعت رأسها بحدة :" أحقا ؟ لماذا لم تخبرني من قبل ؟".
لم أستطع . كنت مشغولا .
ضحكت . ثم أراحت ذقنها على يديها المعقودتين :" أحقا ! أنت تعلم أنك ممتاز في هذا المجال . وهذا ما لا يمكن أن يقال عن الرجال كلهم ".
وما أدراك أنت ؟
ما هذه اللهجة ؟ لا تقل لي إنك غيور .
هل كان هذا ليدهشك ؟
تماما .
قال مزمجرا :" استعدي إذن للدهشة الكبرى لأنني غيور جدا ".
وأضاف بعد لحظة :" غيور من كل رجل ينظر إليك ".
أنا لا أعرف الكثير من الرجال . أنا لست مثلك , يا مايك ستون .
في الواقع , لم أعرف قط امرأة مثلك .
هل هذا مديح ؟
بل هو تعقيد لعين .
لماذا ؟
لأنني لا أريد أن أدعك تذهبين .
ها قد قالها ! فلتفهم منها ما تريد .
حدقت إليه بذهول :" أتعني هذا حقا ؟".
نعم , لسوء الحظ .
ولماذا لسوء الحظ ؟
لأنني لا أصلح لك . أنت تريدين زواجا حقيقيا وأولاد . وأنا لا أصلح لأي من هذا . أنا واثق تماما من أنني لا أريد أن أصبح أبا .
لماذا يا مايك ؟ أنت رائع مع أولئك الصبية الذين تساعدهم . يبدو أن لديك الكثير من الحب لتمنحه .
حب ! أنا لا أمنحهم حبا . أنا أمنحهم مساعدات ونقودا وفرصا . لا علاقة للحب بكل ما أفعله .
ما معنى ذلك إذن ؟ أله علاقة بطفولتك الفظيعة تلك ؟ أنت لا تريد أن يعاني الصبية ما عانيته أنت . أليس كذلك ؟
نوعا ما .
ما الذي حدث لك , يا مايك ؟
سبق وقلت لك إنني لا أريد أن أتحدث عن ذلك .
لم لا ؟ قد يفيدك هذا .
ولأول مرة في حياته تملك مايك الإغراء . لكنه أخذ نفسا عميقا ثم عاد فهز رأسه . لا يستطيع أن يخبرها , فهو لا يريد أن يرى العطف في عينيها .
ما الذي تخشاه , يا مايك ؟ أعدك بألا أخبر أحد . سيبقى هذا بيننا نحن الإثنين فقط .
ثقي بي . لن تكوني مسرورة إذا عرفت .
يمكنه أن يتصور رد فعل ناتالي التي عاشت طفولة سعيدة . ليس لديها فكرة عن طبيعة الحياة التي عاشها طفلا . حسنا ! يبدو أن أباها على شيء من الغباء بحيث يضيع ماله . لكنهما , على الأقل , عاشت مع أب وأم كانت أما حقيقية لهما . في الواقع يبدو أنهما لطيفان .
وبدا أنها تريد أن تستخلص منه الحقيقة , فعادت تقول :" مايك , أظن أنه من المهم أن تتحدث عما حصل فقد أخفيت ذلك مدة طويلة . إذ كنت تخشى أن أصاب بصدمة , فلا تخف لست ضعيفة إلى هذا الحد . لقد رأيت وقرأت عن أشياء كثيرة فظيعة في حياتي ".
عبس , ثم انقلب مستلقيا بجانبها . ربما بإمكانه أن يخبرها إذا لم ينظر في عينيها .
وربما لن يتمكن من ذلك !
لا أعرف من أين أبدأ .
فلنبدأ من يوم ولادتك . أخبرني عن أمك وأبيك . من هما ؟ وكيف تعارفا ؟ وأين هما الآن ؟
ألقى عليها نظرة جانية و قال باكتئاب :" لن تقفلي فمك حتى أخبرك بكل شيء , أليس كذلك ؟".
نعم .
كان مايك لينزعج حتى الموت لو أن امرأة أخرى ألحت عليه بهذا الشكل , فلماذا لم ينزعج من ناتالي ؟
وحدث صوت خفي في أعماقه حاول أن يتجاهله , لكن ذلك الصوت رفض أن يستمر الصمت بعد الآن : لأنك تريد أن تخبرها ... هذا هو السبب . تريدها أن تعرف ما الذي يدفعك لأن تتركها . إنك تريدها أن تفهمك .
لا تقولي إنني لم أحذرك ! لا بأس . أنت تريدين أن تعرفي كل شيء عن أبوي ؟ لا أستطيع أن أخبرك الكثير عن أبي , فأنا لم أعرفه قط , ولا أعرف حتى أسمه . شهادة ميلادي تقول إن الأب غير معروف ... أظنه كان بحارا أمريكيا , مر في سيدني .
إذن فقد كانت أمك على علاقة ببحار وحملت بك . هذا ليس أمرا فظيعا يا مايك .
اسمعي . دعينا لا نخفي الحقيقية أو نجملها . كانت أمي مدمنة مخدرات منذ كانت في الخامسة عشر . طردها والداها من البيت فراحت تعاشر أي رجل تصادفه حين تحتاج إلى المال لتشتري بها المخدرات . ويبدو أنها نسيت في ليلة ما , أن تتناول حبوب منع الحمل . فحملت بي أنا .
فهمت .
فهم مايك الكثير من هذه الكلمات الرقيقة , لكنه لم يجد بين ما فهمه ما هو حسن . كان يعلم أنها ستشمئز , فقال بحدة :" أخبرتك أنها ليست قصة جميلة ".
إنها ليست قصة غير عادية يا مايك لكنها قصة حزينة .
حزينة لك وحزينة لأمك . يا للمسكينة !
قال فجأة وهو يحملق في المرأة التي تجرأت أن تشفق على أمه :" يا للمسكينة ! أنا هو المسكين . أنا وأخي الصغير !".
أخوك ؟
وانتصبت جالسة وهي تدفع شعرها عن وجهها :" قلت أثناء المقابلة إن ما من أخوة أو أخوات لديك ".
كان توني أخي غير الشقيق . وحده الله يعلم من هو أبوه . اعترفت أمي بأنها لا تعلم . أظنها أنجبتنا كي تحصل على مساعدات من الجمعيات الخيرية التي تدفع للأم مبلغا إضافيا عن كل طفل للأم الوحيدة .
والتوى وجهه عذابا وهو يكبح مشاعره التي تثور كلما تذكر أمه :" كانت أما لا رجاء فيها . كان تنفق أموالها على المخدرات , فلا يبقى لنا ما يكفي للطعام واللباس . والأسوأ من ذلك أنه لم يكن يبقى لنا مال لشراء دواء توني الذي كان مريضا منذ ولادته".
وعادت إليه ذكرى طفولته , صباه , وحداثته , حاملة معها الشياطين السود التي سكنت أحلامه لسنوات طويلة والتي لم تكن تفارقه إلا عند العمل , أو معاشرة النساء . وهكذا , شكل هذان الأمران ملجأ مايك ومتنفس الوحيد .
لكن لم يعد لديه ملجأ الآن .
كان من الخطأ أن يعري روحه ... إنه خطأ فادح . واستدار نحو جانب السرير مكافحا المشاعر التي تفجرت في داخله . اغروقت عيناه بالدموع لكنه رفض أن يبكي ... فالبكاء للأطفال والنساء .
فقالت بطريقة جعلته يشعر بزهو بالغ :" وهذا صحيح ".
وتابعت تقول :" وماذا جرى لأخيك ؟".
تجهم وجهه . يا للنساء ! إنهن يرغبن في معرفة كل شاردة وواردة .
مات وهو في الثامنة من عمره بسبب التهاب في السحايا . لم يميز والداه بالتبني الأعراض إلا بعد فوات الأوان . ظنا أنه مصاب بإنفلونزا . يا له من مسكين ! لم يكن له حظ .
هذا محزن جدا يا مايك . أنا آسفة جدا .
ها قد عرفت الآن لما لا أريد أن أكون مسؤولا عن حياة طفل . لا أستطيع أن أحتمل فكرة أن أكون أبا سيئا .
لكنك لن تكون كذلك . بل ستكون , ولهذا السبب وحده , ويا ليته , أبا غير عادي , راعيا ومحبا أكثر من معظم الآباء .
أصحيح هذا ؟
نعم , صحيح .
وعندما ضمته إليها بشدة , تفجرت مشاعره . ليت ثقتها به هذه تكون حقيقية ! ويا ليته , يستطيع أن يثق بذلك ... وبنفسه ! وسألها مشككا :" هل تقبلين فكرة أن ترزقي بطفل من رجل مثلي يا ناتالي ؟ هل تقبلين حقا ؟".
جمدت للحظة فيما راح مايك يتصور ما يدور في ذهنها . وأخيرا قالت :" ربما ".
فاستدار ينظر في عينيها :" هذا مجرد كلام ".
لا . هذا غير صحيح . أتريدني أن أنجبك منك طفلا يا مايك ؟
شعر بغثيان مفاجئ :" يا إلهي ... كلا . ما أريده منك هو أن تبقي معي بعد أن نغادر هذا اليخت . أريدك أن تأتي لتعيشي معي ".
فنظرت إليه متفحصة : " إلى متى ؟".
طالما أنك تريدين ذلك .
عبست :" لا أستطيع أن أعدك بأن أبقى معك إلى الأبد يا مايك ".
أدرك مايك بالضبط ما تعنيه . فيوما ما سترغب في أن تحصل على أكثر مما ينوي أن يعطيه .
لكن ذاك اليوم ليس اليوم ...
سألها وهو يحتضنها بشدة :" كم من الوقت ما زال أمامنا قبل أن نخرج لنتناول شراب قبل العشاء؟".
فأجابت :" حوالي ساعة ".
ساعة ... يوم ... الحياة كلها ... كما أخذ مايك يفكر .
********************
(: انتظروني في المساء .. مع الفصول الأخيرة للحكاية .. ومفجأة سعيدة :)
التعديل الأخير تم بواسطة Rehana ; 22-04-10 الساعة 12:55 PM
|