تهدي
دينا سليم روايتها
الحلم المزدوج إلى المغتربين , و إلى أبنائها, فلذات كبدها. تخص من بين أولئك المغتربين : صارم , بطل الرواية. و إذا صح أن هذه الشخصية واقعية, ما دامت مخصوصة بإهداء, جاز لنا القول إن هذا العمل يدخل ضمن خانة رواية السيرة الغيرية , على غرار
روايات أخرى كثيرة تمتح مادتها التخييلية و الحكائية من السيرة الذاتية.
إنها سيرة صارم, العراقي المنفي, الباحث عن حلم صعب التحقق في وطن عربي يموج بالظلم و الاستبداد و خنق الحريات الفردية و الجماعية. مثقف يكتوي ببرودة المقاهي و الأرصفة و ذل المنافي. يكتفي بقصائد شعرية يحشو بها جيوبه, فتحتل موقع الأوراق النقدية. يرسم خطوط أوهامه العريضة في حجرة ضيقة, معتمة و رطبة, تكتنفها الأمواج من الجهات الأربع في مدينة ليماسول القبرصية...حيث لا أثر للغة الضاد. لغة أضاعها هناك يوم اضطر للعمل بنصيحة جلاديه المرة: أرض الله واسعة. أضاعها في يوم ماطر
و بارد, زحف فيه مشيا على الأقدام, نحو الحدود الفاصلة بين العذاب و النجاة, حدود بلاده .هاربا بجلده و أفكاره و قوافيه.
في المنفى الرتيب, يتردد في خاطر البطل صوت مجلجل , هو صوت الماضي المتجدد في كل لحظة و حين: ما فات قد مات يتردد على إيقاع عنيف لطبول الرحيل التي ظلت تصم أذنيه حتى آخر يوم في حياته. لكن الماضي لا يموت أبدا , فهو حاضر في الآن , باق للغد. يتمادى في ملاحقته و يعيده سنينا طويلة للوراء, فرصة تغتنمها الرواية لاسترجاع مولد صارم و طفولته الشقية.