كاتب الموضوع :
dali2000
المنتدى :
الارشيف
بانتظار الأمل (رواية لزاهية بنت البحر) الفصل السابع
ظل فكر عادل مشغولا بما أخبره به أحمد حتى ساعة متأخرة من الليل، نهض من فراشه، وعندما هم بالخروج من مهجعه استوقفه صوت أحمد: انتظر ني، أنا أيضًا أحس أرقًا.
جلسا هذه المرة في مقدمة السفينة صامتين وكأن على رأسيهما الطير. كان الجو جميلا وانبلاج الفجر يقترب موعد الإعلان عن مولده، بينما كان القمر يتجه إلى البعيد ليحل ضيفًا على مشاهدين له في مكانٍ آخر. نظر أحمد إلى عادل فرأى فيه قلبًا هو الآخر مسافر إلى حيث وليفه ، افتر ثغره عن ابتسامة خفيفة ويده تهوي فوق الجهة اليسرى من صدره، أحس بنبض قلبه يسرع رويدا رويدًا، فامتثل لأمر عقله في وقف تسرعه بمحادثة عادل عله يسترجع اطمئنان فؤاده بعد أن لعب به الشوق لأهله وخطيبته لمى، التي وعدها بإحضار مهرها والمبلغ اللازم لإتمام تجهيز بيتهما ومصاريف حفلة الزفاف . لمى ابنة خالته أجبرته أمه على خطبتها بعد وفاة والدها في الصيف الماضي، عندما كان يغطس في أعماق البحر مرتديًا بدلة الغطس "وهي عبارة عن ثوب كتيم ورأس نحاسي ذو نظارة زجاجية وحذاء رصاصي زنته بحدود 30 كغ , وأنبوب مطاطي يصل الى الآلة التي تزوده الأوكسجين والتي هي بنفس الوقت تعدل الضغط للغواص"لاصطياد الإسفنج، فتعرض لتأثير الضغط المرتفع تحت الماء فاختل ضغط جسده، ومات بعد خروجه من الماء بوقت قصير، كثيرون هم الذين قضوا نحبهم مثله، وقلما يمر صيف اصطياد دون أن يموت غطاس أو أكثر عدا عمن يصابون بشلل نصفي، أو إعاقة دائمة في أحد الأطراف، ورغم ذلك فاصطياد الإسفنج هو أهم وأسرع وسيلة للغنى، وأكثر اجتذابًا لشبان الجزيرة والغرباء أيضًا. لم يكن أحمد يرغب بالزواج من لمى لتعلق قلبه بفتاة رومانية وعدها بالزواج، وكان يصرف عليها الكثير من المال، ولكن والدته خافت أن تفقده بزواجه من الرومانية ، كما حدث مع الكثيرين من الشبان الذين تركوا الجزيرة وعاشو في رومانيا بالقرب من زوجاتهم أو عشيقاتهم، فأقسمت بالله إن لم يتزوج من لمى فلن تراه مدى الحياة. وبعد طويل تحدٍ ومقاومة استسلم رغمًا عنه، وانصاع لرغبتها بينما ظل قلبه يلهج بحب أنيتا. مرت الأيام وبدأ قلب أحمد يحول اتجاه دقاته نحو لمى خاصة عندما علم بأن أنيتا على علاقة بأكثر من واحد من البحارة الذي يرتادون الموانئ الرومانية من مختلف البلدان، ومالبث أن تعلق بلمى كليًا، وأحس بأن سعادته لن تكون إلا مع ابنة خالته العفيفة، النقية المحبة له.
لم يكن انتباه عادل شديدًا لحديث أحمد، سمع منه الكثيرلكنه لم يعِ منه إلا القليل، كأن بينه وبين سيادة وعيه حاجزًا أقامه الليلة ربان السفينة عندما سرق السرقة دون خوف من الله ولاخجل ممن يعرفون الحقيقة، أمور كثيرة ظلت تدق في رأسه بمطرقة تأنيب الضمير لسكوته على ماحدث، كان يعنف نفسه بشدة، فترد عنها اللوم باتهام أحمد أيضًا بالسكوت على ذلك، ولكن سكوت أحمد أكبر ذنبًا من سكوته هو، لأن أحمد كان على دراية بحقيقة الربان، ورغم ذلك لم يبدِ امتعاضًا بل الأنكى من ذلك فقد راح يسخر منه ويتهمه بالسذاجة، ومما زاد الطين بلة قوله بأن معظم القباطنة هم على شاكلة قبطان سفينتهم الغراء التي مازالت تشق طريقها في البحر دون أن تتأثر بما كان، أحس بالغيظ منها لكنه عاد يعذرها فهي أجير مأمور، عليها تلبية تعليمات الربان الموجهة إليها من غرفة القيادة يحركها بها كيفما شاء دون أن تبدي اعتراضًا على مايريد.
|