وثائق الخارجية الأميركية حول الإرهاب حرب
الجلباب والصاروخ
--------------------------------------------------------------------------------
كتاب/ محمود المراغي
حين صدرت الوثيقة الصادرة عن وزارة الخارجية الأميركية في أبريل 2001 لم يتوقع أحد أن تكون بعض صفحاتها التي تناولت تنظيم القاعدة بداية لحرب حقيقية تركت من أجلها الجيوش، وتم بناء تحالف دولي غايته مطاردة أفراد التنظيم في وسط آسيا، ولكن بعد أحداث 11 سبتمبر اختلف الأمر وباتت قراءة الوثيقة أمراً هاماً، وذلك لمحاولة تفسير لماذا صدرت الاتهامات من واشنطن بعد ساعات من وقوع الانفجارات؟ ولماذا جرة اتخاذ قرار الحرب خلال أيام رغم أن التحقيق لم يكن قد تم بعد؟ كما أن أدلة الاتهام كان متعذراً الحصول عليها من ركام الحطام : وفي كل الأحوال فقد بدأت الحرب وتراجع الاهتمام بمن الذي فعلها؟ وبات الاهتمام الأول : ماذا تفعل جيوش الدولة العظمى بأفغانستان؟ وإلى أين تتجه؟ بعد أن أعلن بوش أنها حرب ممتدة جغرافياً وزمنياً، فقد أثيرت الكثير من الأسئلة حول أهداف هذه الحرب واستراتيجيتها، والمراحل التالية فيها وموقع العرب منها اتصالاً بما جاء في الوثيقة من اتهام مباشر وتحذير واضح لعدد من التنظيمات العربية بأنها ضالعة في قضية الإرهاب وأنها تعادي الولايات المتحدة، بالإضافة إلى تمتعها بحماية من بعض الدول العربية. ويأتي هذا الكتاب لمحاولة الإجابة على بعض من هذه التساؤلات.
فيبدأ الفصل الأول منه باستعراض للأحداث التي وقعت في الولايات المتحدة يوم 11 سبتمبر والذي اعتبر يوم قيامة بالفعل، حيث اختفت فيه لأول مرة الحياة الصاخبة والحركة في مدينة نيويورك التي لا تنام. ومنذ اللحظة الأولى للهجوم اعتبرت الإدارة الأميركية أن ما جرى هو إعلان للحرب عليها، فقد أعلنت خطة طوارئ فيدرالية، وحالة تأهب قصوى للقوات الأميركية في الداخل والخارج، ووسط كل هذا عمدت جهات التحقيق منذ اليوم الأول على توجيه أصابع الاتهام إلى العرب والمسلمين تحديداً إلى تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن، وقد كان يمكن لجهات التحقيق أن تبدأ بوضع كل الاحتمالات، لكنها تعجلت توجيه الاتهام، فلو توقفت الإدارة الأميركية لتسأل نفسها لماذا يموت الناس ليقتلوا أو يدمروا كل ما هو أميركي؟ وكان السؤال كفيلاً بفتح ملفات السياسة الأميركية التي تشكل الجذور لما حدث. وقد كان أمام واشنطن أن تتمسك بما أعلنته دائماً من تمسكها بالعدالة وبوجوب تقديم الجناة في أحداث إرهابية للقضاء، أو تلجأ للأمم المتحدة ومجلس الأمن. إلاّ أنها لم تفعل شيئاً من هذا بل بدأت الولايات المتحدة التي يشكل اقتصادها ثلث الاقتصاد العالمي تستعد بقوة هائلة لمنازلة أفقر دولة في العالم وهي أفغانستان والتي عجز تقرير التنمية في العالم (2000-2001) أن يحدد موقعها الاقتصادي على الخريطة الدولية. كما نجد أن محتوى التقرير الذي أصدرته وزارة الخارجية الأميركية يوضح مدى التناقض بين ما تعلنه الإدارة الأميركية من أن الهدف من حملتها القضاء على الإرهاب في العالم، وبين الخطوات الفعلية التي تتخذها في سبيل ذلك والتي بدأت بالحرب على أفغانستان، حيث أن محتوى التقرير يوضح أن معظم العمليات الإرهابية في السنوات الخمس الماضية كانت في غرب أوروبا يليها أميركا اللاتينية ثم تأتي آسيا فأفريقيا فالشرق الأوسط، فلو كان ما تعلنه واشنطن صحيحاً لبدأت الحرب في غرب أوروبا أو أميركا اللاتينية. فالحرب المعلنة إذن ذات بعدين، واحد معلن وآخر خفي. ففي كل الأحوال نحن أمام فوضى عارمة في العلاقات الدولية، ونتيجة لهذا أصبحت الحرب البيولوجية والكيماوية هي سلاح الفقراء أمام سلاح الأغنياء النووي، فمن الواضح أن الحرب التي بدأت بأفغانستان هي حرب من نوع خاص، وفيها سوف يجري التأديب والتهذيب وربما أيضاً إعادة رسم الخرائط في العديد من مناطق العالم وفقاً للمنظور الأميركي، وما يهم العرب الآن هو ما سيحدث لوطنهم نتيجة لهذه الحرب الممتدة، هل ستمتد إليهم الأيادي، الأميركية لإعادة رسم حدودهم الجغرافية لتتناسب مع فكرة ترسيخ وجود أميركي دائم في المنطقة، وسوف يتواءم كل هذا بالطبع مع بقاء إسرائيل في حالة تفوق أمني على دول المنطقة.
أما الفصل الثاني الذي يأتي تحت اسم "الإرهاب" فيوضح فيه الكاتب أنه لكون الولايات المتحدة مستهدفة دائماً بعمليات إرهابية، فإن وزارة الخارجية الأميركية تقدم تقريراً سنوياً بشأن الإرهاب الدولي للكونجرس الأميركي. وعلى هذا الأساس أصدرت وزارة الخارجية الأميركية تقريرها عن عام (2000) في أبريل (2001)، ويكتسب التقرير الأخير أهميته من أنه يلخص أبرز ما حصلت عليه الأجهزة الأميركية وأجهزة الأصدقاء من معلومات حول هذا الموضوع، كما أنه يعكس على أي حال النظرة الأميركية للتنظيمات الإرهابية المختلفة. كما أن الوثيقة تتضمن تعريفاً لمصطلح الإرهاب وهو تعريف مختلف عليه (والذي يعني العنف المعتمد والذي تحركه دوافع سياسية ويجري ارتكابه ضد أطراف غير محاربة بواسطة جماعات شبه قومية أو عملاء سريين). وقد جعل هذا التعريف المقاومة المشروعة للاحتلال (كما في فلسطين) عملاً إرهابياً. وأهمية التعريف ترجع لكونه يحدد الدائرة التي تتحرك فيه الولايات المتحدة والتي باتت محل تصفية حربية، أما التقرير فترجع أهميته لكونه دليل عمل وصحيفة إحكام في نفس الوقت. ويشير التقرير لتصاعد العمليات خلال عام (2000)، كما يحدد عدد ضحايا الولايات المتحدة ب (19) قتيلاً فقط من بين (405) قتلى هم مجموع الضحايا خلال نفس العام. ويبين التقرير أيضاً رضاء الإدارة الأميركية عن التعاون الدولي الذي تم في الفترة الأخيرة.
وفي ملحق خاص بالتقرير نجده يتضمن حصراً للجماعات المشتغلة بالإرهاب، وهو يساعد على قراءة خريطة الإرهاب في العالم من وجهة نظر أميركية.
ويستعرض الكاتب في الفصل الأخير نص وثيقة الخارجية الأميركية بشكل مستفيض، حيث يبدأ بعرض لمقدمة الوثيقة والتي تتضمن بياناً للعمل تم عام 2000، وكيف أن الولايات المتحدة تقيم تعاونها مع شركائها الدوليين على أربعة محاور رئيسية هي :
1- عدم تقديم أية تنازلات للإرهابيين وعدم إبرام أية صفقة معهم.
2- تقديم الإرهابيين للعدالة لمحاسبتهم على جرائمهم.
3- عزل وممارسة الضغوط على الدول التي ترعى الإرهاب لإجبارهم على تغيير مسلكها.
4- تعزيز قدرات مكافحة الإرهاب لتلك الدول التي تتعاون مع الولايات المتحدة وتحتاج المساعدة.
ثم تتعرض الوثيقة بعد ذلك لنماذج لإرهاب الدولة، فقد حددت وزارة الخارجية الأميركية سبع حكومات راعية للإرهاب الدولي وهي : إيران، والعراق، وسوريا، وليبيا، وكوبا، كوريا الشمالية، والسودان. ثم استعرضت الوثيقة بعد ذلك نماذج من الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا وأوروبا وأميركا اللاتينية، وأعقبت ذلك بنماذج للحوادث الإرهابية التي حدثت عام 2000. وبعد ذلك عرضت الوثيقة لخلفية موجزة عن الجماعات الإرهابية. وفي الختام قدم الكاتب ملحقين أحدهما يتعلق بتسليم وترحيل الإرهابيين من وإلى الولايات المتحدة خلال الفترة من 1993- 1999.
والآخر يتضمن إحصاءات بخصوص إجمالي الهجمات الإرهابية خلال الفترة من 1981- 2000 وكذلك بالنسبة لعدد الضحايا والمنشآت المدمرة.
تأتي هذه الدراسة في خمسة فصول وخاتمة.. والفصل الأول عنوانه "الأصوليين البروتستانتية في الولايات المتحدة الأميركية"، وفيه يتتبع المؤلف الجذور التاريخية للأصولية البروتستانتية موضحاً أن الدين مثل أساساً أقيم عليه العالم الجديد (أميركا) وذلك منذ حمل المهاجرون الجدد إلى أميركا عام 1620 معهم العقيدة البروتستانتية (الكالفينية بالأساس- نسبة إلى كالفن الذي عمل على نشر هذا المذهب في انجلترا)، وفي المجتمع الجديد (أميركا) تطورت الكالفينية لتتناسب مع هذا العالم الجديد.
ويتناول الفصل الثاني "البروتستانتية الأميركية" : هيمنة الاتجاه المتهود والأصولي حيث يرى المؤلف أن الرصد التاريخي لمسيرة البروتستانتية في الولايات المتحدة الأميركية إنما يشير إلى أمرين مهمين :
الأول، وهو أن التهود قد طال الاتجاهات الأصولية، حيث تم تهويد المسيحية في أميركا مما أدى إلى صياغة قالب ديني بروتستانتي يهودي قاعدته التوراة، وتم الترويج لمصطلحات من نوع : التراث المسيحي اليهودي المشترك- الأخلاق المسيحية اليهودية- الالتزام الأدبي الأخلاقي بدعم إسرائيل.
أما الأمر الثاني فهو الخاص بهيمنة الاتجاه الأصولي على البروتستانتية الأميركية، ذلك على الرغم من وجود اتجاهات ليبرالية ويسارية داخلها.
وكان لا بد لهؤلاء الأصوليين من كيان تنظيمي يؤهلها للتجسيد العملي، فجاء عام 1942 كنقلة نوعية لهم حيث تأسست (الرابطة الوطنية للانجليزيين) والتي ضمت آلاف الكنائس الأصولية في أميركا، ومن ثم تم انتقال التحرك الأصولي البروتستانتي من الحركة إلى المؤسسية، كذلك الانتقال من الحركة ذات الطبيعة الدينية الأخلاقية إلى المؤسسة التي يمكن أن تلعب دوراً سياسياً.
وبحسب المؤلف، فقد أتاح تأسيس هذه الرابطة واكتساب الشكل المؤسسي للأصولية البروتستانتية والتسييس الأمور الآتية :
1- القدرة على التأثير والضغط خصوصاً على السلطتين التشريعية والتنفيذية.
2- الانخراط في شبكة من العلاقات مع الاقتصاديين والسياسيين المؤثرين، ظهرت نتائجها بوضوح منذ السبعينات.
3- إتاحة الفرصة لتكوين كيانات مماثلة لاحقة. ويتناول الفصل الثالث "الأصولية البروتستانتية والتوجه نحو السياسة" حيث يحمل أنصار الأصولية البروتستانتية في المجال العام للمجتمع المدني معتمدين في ذلك على أربعة مستويات في التحرك :
1) تبني موقف دفاعي لحماية قيمهم وأفكارهم من أية تأثيرات غير مرغوب فيها.
2) التحول إلى تبني موقف هجومي لعمل تجديد لاهوتي لنمط الحياة الأميركية بحسب القيم الأصولية.
3) شن حملة صليبية لإعادة فرض ما يسمى بالأخلاقية الكتابية للوطن.
4) القيام ببرامج عملية من خلال البرامج السياسية للأحزاب بتوظيف الوسائل المتنوعة المتبعة في الحياة السياسية.
ويتناول الفصل الرابع "الأصولية البروتستانتية واللوبي اليهودي" مشيراً إلى أنه قد التقت تلك الأصولية مع حركة اليهود في أميركا من حيث اتباع آليات وممارسات الجماعات الضاغطة لإحداث تأثير وتغيير اجتماعي في بنية المجتمع من خلال التأثير على التشريعات والسياسات الحكومية.
ويقدم المؤلف لنا نموذجاً على ذلك متمثلاً في إصدار قانون الحرية الدينية، فيوضح أن الاهتمام بالحرية الدينية في العالم قد بدأ بحملة من أجل إنقاذ مسيحيي العالم من الاضطهاد، تلك الجملة أطلقها محام يهودي يدعى (مايكل هوروفيتز) بمقال نشره في جريدة (وول ستريت) في 5 يوليو 1995 تحت عنوان : (التعصب الجديد بين الصليب والهلال) موجهاً النظر إلى الاضطهاد المتنامي للمبشرين المسيحيين ومحفزاً المجتمع المسيحي الأميركي على مواجهة هذا التحدي، وبحسب المؤلف فإن هذا النداء إنما يجسد المصلحة المشتركة لكل من اليهود والبروتستانت في أميركا، كذلك محاولة إقامة تحالف يهودي- بروتستانتي في مواجهة الإسلام.
وعقب هذا النداء بدأ الإنجيليون البروتستانت تحركهم للضغط من أجل إنقاذ مسيحيي العالم وأطلقوا بياناً عنوانه (بيان لإثارة الضمير) في 23 يناير 1996، وبدأت إدارة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون في التحرك وتم تشكيل لجنة (الشريط الأزرق) في نوفمبر 1996، والتقت اللجنة للمرة الأولى في 13 فبراير 1997، وناقشت وضع الحرية الدينية والاضطهاد الديني في العالم ومساندة الأقليات. كذلك التعاون بين الأديان لبلوغ الحرية الدينية وحل النزاعات.
وأثمرت الحملة اليهودية البروتستانتية المشتركة في الضغط على الإدارة الأميركية وإصدار قانون تشريعي، حيث شهدت هذه المرحلة ثلاثة مشاريع لقوانين :
الأول : مشروع قانون تقدم به كل من فرانك وولف النائب الجمهوري والشيخ الجمهوري سيكتور باسم (التحرر من الاضطهاد الديني) وتقدماً به في سبتمبر 1997 ووافق عليه 375 عضواً مقابل 41 عضواً غير موافقين من أعضاء مجلس النواب في مايو 1998، مع إجراء بعض التعديلات.
الثاني : مشروع قانون دون ينكلز الذي قدمه إلى مجلس الشيوخ في 26 مارس 1998، ووافق عليه 98 عضواً من أصل مائة عضو.
الثالث : وهو القانون الذي تم إقراره بعد التعديلات في 9 أكتوبر 1998، وتم العمل به فوراً تحت اسم (قانون الحرية الدينية الدولية)، حيث يتم تنفيذه من خلال آليتين هما : السفير فوق العادة لشئون الحريات الدينية في العالم ويرأس مكتباً تابعاً لوزارة الخارجية، ولجنة استشارية لشئون الحرية الدينية في العالم.
ويتناول الفصل الخامس والأخير "قانون الحرية الدينية في العالم، آليات تنفيذه وتداعياته"، حيث يستخدم كل من السفير فوق العادة لشئون الحريات الدينية في العالم وكذلك لجنة شئون الحرية الدينية في عملهما ثلاث وسائل هي : الزيارات الميدانية- إعداد تقارير سنوية- الاستجابة العملية للحالات الحادة.
أما عن وضع مصر في التقارير التي يتم إعدادها، فهي توضع في التصنيف الثالث الخاص بالدول التي تهمل التمييز/ الاضطهاد ضد الأقلية، وقد أوضح التقرير الصادر عام 2001 أن هناك تحسناً في احترام الحكومة للحرية الدينية، ويقدم المؤلف هنا عدة ملاحظات جادة نذكر منها :
1- لم يزل التقرير الخاص بمصر ينطلق من رؤية للأقباط باعتبارهم أقلية!!
2- التركيز على التعامل مع الأقباط باعتبارهم كتلة واحدة ذات مصالح مشتركة!!
3- التركيز على الأقباط فقط دون غيرهم.
عن المركز العربي للدراسات المستقبلية