اتى اليوم الذي تنعقد فيه جلسة المحكمة .. ذهبت سارا مع تود و هناك قابلت السيد انتوني جاد المحامي الذي وكلته .. اقترب منها و قال مبتسما حتى يبث فيها الروح خاصة انها لمحت جيمس و هو يدخل القاعة دون أن يرفع بصره إليها الامر الذي ازعجها ..
- " هل انت جاهزة ؟"
- " نعم اعتقد ذلك "
جرها تود من يدها بهدوء عندما رآها تنزعج من جيمس الذي مر عليهم دون أن يزعج نفسه بالنظر ناحيتها أو إلقاء التحية على سارا التي انزعجت منه كثيرا
- " هلا دخلنا ؟ "
اومات برأسها و تبعته داخلة .. هنا انتبه جيمس لدخولها فرفع رأسه لينظر إليها تسير و قد شبكت يدها بذراع تود الذي ازاح لها الكرسي حتى تجلس .. ثم جلس خلفها و همس بأذنها شيئا جعلها تبتسم .. آه كم هو مؤلم .. لقد اعتاد هو ان يجعلها تبتسم كلما كانت محبطة او منزعجة او حتى عندما تكون منهارة هو الوحيد الذي كان يعيدها إلى رشدها و يرسم الابتسامة على شفتيها و ليس أي ابتسامة كهذه التي تطغي عليها المجاملة بكل كانت تبتسم بصدق حتى انها تضحك حتى تدمع عيناها .. اشاح بنظره عندما رمقته بطرف عينيها .. آه كم الغيرة مؤلمة ..
- " ليقف الجميع "
صاح رجلا فدخل القاضي و جلس على منصته و أخذ يقرأ الاوراق التي امامه ثم رفع رأسه و خلع نظارته الصغيرة التي يضعها فوق انفه الصغير جدا .. و بدا القاضي رجلا عجوزا يناهز التسعين من عمره و كان وجهه مريحا جدا و حكيما ..
- " ما المشكلة بالله عليكما ؟ هلا اخبرتني يا سيد جاشوا"
وقف السيد جاشوا و هو محامي جيمس و ابتسم للقاضي ذو الوجه البشوش
- " مرحبا حضرة القاضي .. ان القضية و ما فيها كما قرأت بالمحضر هي ان موكلي السيد بروكس يريد ان يستعيد ابنائه .."
- " حسنا .. اخبرني يا سيد انتوتني .. ولم لا يستعيد السيد بروكس ابنائه ؟ "
وقف السيد انتونتي و القى تحيته على القاضي الغريب في طرح الاسألة
- " ببساطة يا حضرة القاضي .. موكلتي ترى بان ليس للسيد بروكس أي حق في ان يستعيد ابنائه لانه لم يفعل ذلك طوال العشرة سنوات "
رفع السيد جاشوا يده فسمح له القاضي بالتحدث
- " ان موكلي لا يريد ان يأخذ الابناء من والدتهم انه فقط يريد ان يقابلهم و يتعرف عليهم "
- " لكن موكلتي لا تريد ان يتشتت ابنائها في هذا الانفصال خاصة و انهما تربوا بعيدا عن والدهما و سيكون من الصعب عليهما تقبل الامر "
صرخ السيد جاشوا عاليا
- " سيتوجب عليهما تقبل الامر يا سيد انتونتي فهو والدهما "
علا صوت السيد انتوتني و قد احمر وجهه
- " و اين كان قبل عشرة سنوات ؟ "
- " كان يحاول ان يعيد نفسه إلى حياته الطبيعية "
- " ولم ؟! هل لانه كان سكيرا .؟؟!!"
- " اعترض يا حضرة القاضي "
ضرب القاضي على الطاولة و أعلن قائلا
- " ان هذه الجلسة لنستمع الى الاساسيات فقط و ليس للشجار .. ارى بأن كلاكما غير مستعد لهذه الجلسة لذلك سأؤجلها حتى نهاية الاسبوع القادم و حتى ذلك الحين ليس للسيد بروكس ان يقوم بأي خطوة قد تعرض الابناء للاظطراب و التوتر .. لذلك لن يسمح لك بمقابلتهما حتى نهاية الاسبوع القادم عندما تكونا مستعدان و لديكما ادلة افضل بدل الشجار الذي لا اقبله في هذه المحكمة .."
وقف جيمس ليعترض و قال بصوت عال
- " لكن يا حضرة القاضي ..."
- " انتهت الجلسة .. ليقف الجميع "
صاح الرجل فوقف الجميع و دخل القاضي .. قام تود من مكانه و اقترب من سارا
- " هل انت بخير ؟! "
- " نعم .."
- " اذا هيا لنذهب "
وقفت و مشت معه و لاشعوريا نظرت ناحية جيمس لتجده جالسا و يده على رأسه و كم بدا متضايقا و متألما .. فانكسر قلبها.. لكن هذا ما ارادته أليس كذلك ؟
عندما وصلا المنزل استأذنت تود للذهاب إلى الحمام .. فدخلت إلى حجرتها عوضا عن ذلك و أقفلت الباب حتى تنهمر دموعها على وجنتيها و هي تتذكر منظر جيمس المتألم .. سمعت طرقا على الباب و صوت تود يناديها
- " سارا .. هل انت بخير ؟ "
لم ترد عليه
- " سارا .. ساتركك يبدو بان تحتاجين وقتا .. اتمنى ان اراك في الغد "
سمعته ينزل الدرج و من ثم يفتح باب المنزل و يخرج .. هناك قابل فكتوريا و أخبرها بما حدث في الجلسة و من الافضل ان لا تفاتح والدتها بموضوع جيمس و تترك ذلك حتى اشعار آخر .. وافقته و شكرته لانه يحسن الاعتناء بوالدتها ..
شعرت سارا برغبة في الانفراد بنفسها و ذكرياتها فخرجت من حجرتها و صعدت الطابق العلوي و هناك اقفلت الباب على نفسها و بقيت وحدها مع ذكرياتها ,, أخرجت صندوق الصور و بدات تحمل صورة ثم أخرى و تتذكر كيف كان جيمس أبا رائعا لطفليهما .. فكان هناك صورة له و هو يطعم فيكتوريا و قد اتسخ بأكمله بالطعام لكنه مع ذلك كان سعيدا بما يقوم به .. و عندما يبكي فيكي في الليل يقوم هو بحمله و تهدئته بأن يغني له أغاني الهيب هوب و مع صوته العالي تسمع صوت ضحكات فيكي و بعد نوبات الضحك ينام بهناء .. و بعد ذلك يعود على فراشه و هو مرتاح و مبتهج لانه اتم مهمته على أحسن وجه .. فقد جعل ابنه الصغير يضحك ثم ينام و ترتاح سارا .. حتى عندما تدهورت حياتهما كان يأتي في وقت متأخر من الليل يطمأن على طفليه قبل ان يخلد للنوم ..و في الصباح عندما يستيقظ يلعب معهما بكل نشاط ناسيا بذلك وجع رأسه جراء الكحول التي يحتسيها و من ثم يخرج بحثا عن عمل ..
كيف لها ان تبعده عن أطفاله و هو الذي احبهما بصدق فهما كما يقول لها دائما أثمن هديتين أهدتهما له .. لكن الامر الذي يأذيها هو كيف ستتحمل رؤيته في كل مرة يأتي لان يقابل ابنائه اذا وافقت هي ؟؟! سيكون الامر أصعب عليها من ان يتقبل الاطفال وجود والدهما في حياتهما من جديد .. انها تخشى ان يكتشف حقيقة مشاعرها فتخسر بذلك كبريائها و قد يتعدى الامر لان يصيب والدها بسكتة قلبية اخرى او قد تتدهور صحته اكثر اذا علم بالامر ...
بقيت ساهرة طول الليل لذلك دخلت لايقاظ فيكتوريا للذهاب إلى المدرسة و من ثم ايقظت فيكي ثم نزلت المطبخ لتعد لهما الافطار فهي لم تقابلهما امس بسبب حالتها النفسية و لانها حبست نفسها في الطابق العلوي ..
- " صباح الخير "
- " اهلا يا حلوتي .. "
نظرت إليها فيكتوريا باستغراب .. فسارا ترتدي جيننزا و قميص تستخدمها لاعمال المنزل كما انها ألقت على كتفها شالا حاكته والدتها لها ..
- " ماذا ؟ ألن تذهبي للعمل اليوم ؟!"
- " لا اعتقد .. أشعر بالاعياء ؟ "
اومأت فيكتوريا و جلست على المائدة .. كانت ترى إلى والدتها و قد خست قليلا و أصبحت نحيلة و فجاة تذكرت
- " أمي لديك موعد للطبيب اليوم "
- " نعم سأذهب لم أنسى .. لكن شكرا لتذكيري "
- " على الرحب و السعة .. "
دخل فيكي و جلس على المائدة لكنه وقف مرة اخرى و طوق خصر سارا و قبل بطنها
- " اشتقت لك ماما فانا لم ارك بالامس .. "
ضحكت .. لم تكذب كلوديا عندما قالت الابن سر ابيه .. انه يتصرف مثله تماما و يجيد التلاعب بالمشاعر من خلال الكلمات المعسولة ..
جلست تتفطر معهما و حاولت ان تبعد شكوكهما لذلك كانت تمطرهما بالأسألة عن المدرسة و عما قاما به بالامس اين ذهبا و مع من ؟ و هل استمتعا ؟ ... و من تلك الاسألة .. حتى دخل براد و ألقى عليهم تحية
- " مرحبا سيدة مولر .. "
- " أهلا براد .. هل تناولت افطارك ؟ "
- " نعم .. شكرا لك "
نظر إلى فيكتوريا و قال
- " هل نذهب ؟ "
- " بالطبع "
ودعت والدتها و طبعت قبلة على رأسها ..
- " اعتني بنفسك يا امي .. و لا تقومي بأعمال تجهدك .. فلديك موعد طبيب"
ضحكت سارا و قبلت ابنتها بدورها
- " اذهبا .. هيا و الا .. ستتأخرا و انت كذلك يا فيكي هيا خذ دراجتك و اذهب "
- " حسنا .. إلى اللقاء يا امي "
خرجوا جميعهم فقامت بحمل الاطباق و غسلهما ... و بعد ان انتهت قررت أن تأخذ كتابا و تتصفحه في الشرفة .. كانت مندمجة بالكتاب و للحظة نست بأنها لم تنم بالامس بسبب جيمي و ذكرياتها ..
- " صباح الخير "
رفعت رأسها عن الكتاب الذي بين يديها و نظرت إلى ذلك الرجل الطويل الذي وقف أماها ليحجب الشمس عنها .. استقامت واقفة و قد شعرت بالبرد فجأة فلفت الشال أكثر على كتفها
- " جيمس ..!!ماذا تف..."
قاطعها و قد بدا منزعجا و عصبيا لكنه خبأ ذلك بهدوءه
- " اسمعي لست هنا لاقنعك بالجلوس و التحدث معي "
- " اذا ماذا تريد ؟ فالاطفال قد غادروا إلى المدرسة ؟ كما أن .."
قاطعها مرة أخرى
- " أعرف ذلك .. و اعرف بانك ستقولين بان القاضي منعني من مقابلتهما "
لم تنطق باي كلمة فهي تشعر بشيء مزعج و ضميرها يؤنبها خاصة بعد أن رات انكساره بالامس خفت عصبيه و بدت ملامحه أكثر لينا .. أدخل يده في معطفه و أخرج تذكرتين و مد يده لها
- " ما هذا يا جيمس ؟!"
رفع كتفيه و قال
- " تذكرتين لمباراة النيكس .. غدا "
- " و لم تعطيني إياهما ؟!"
- " حتى تأخذي فيكي إلى المباراة "
اعتصر قلبها و انزلت بصرها تنظر إلى التذاكر و تذكرت كيف كان فيكي سعيدا عندما عرف بأن جيمس سيتدبر أمر التذاكر التي نفذت في السوق ..
- " هيا خذيهما .."
ترددت قبل أن تأخذهما لكنها أخذتهما و قالت بضيق
- " شكرا "
أومأ برأسه ثم استدار حتى يغادر .. فتح باب سيارته الرينج روفر .. لكنها تبعته و نادت باسمه
- " جيمي ..."
التفتت برأسه فلقد اشتاق ان تناديه بجيمي ..فمنذ ان عاد و هي تناديه بجيمس .. نزلت من الشرفة و مشت تجاهه وقفت تنظر إليه و هو يخلع نظارته الشمسية التي حجبت عينيه الجميلتين .. خللت أصابعها في شعرها كما تفعل دائما عندما تتوتر او تخجل .. ثم مدت له بالتذاكر .. استغرب بل تضايق ..
- " لم ؟!"
- " لا استيطع ان اخذه إلى المباراة فلدي موعد غدا "
شعر بالغضب فقال غير منتبها لنفسه
- " مع ذلك المدعو تود ؟! "
فتحت عينيها باتساع مستغربة سؤاله.. لكنه صحح قائلا
- " آسف.. ليس لي الحق .. اعذريني "
أنزلت رأسها انه يغار ..فقالت
- " لا بأس .. "
ارجع نظارته إلى عينيه و اراد ان يدخل السيارة فقد تصرف بغباء عندما سألها عن موعدها و كما أنه غاضب لانه وعد فيكي بانه سيتدبر امر التذاكر .. لكنها وضعت يدها على الباب تمنعه
- " انتظر .."
- " ماذا الان يا سارا ؟"
- " لقد وعدت فيكي بانك ستتدبر امر التذاكر و بينما انا لا استطيع اخذه بإمكانك ان تأخذه انت بنفسك .."
رات ابتسامته ترتسم على شفتيه بالتدريج ثم ظهرت أسنانه
- " هل تعينين ما تقولينه فعلا يا سارا ؟ "
اومات و هي تبادله الابتسامة ..
- " شكرا لك سارا "
و لا شعوريا اقترب منها و حضنها بقوة حتى كاد يعصرها بذراعيه.. تصلبت في مكانها و كانها قطعة خشب .. استوعب ما فعله عندما شم رائحة شعرها فتحركت مشاعره .. تركها بسرعة مثلما ضمها بسرعة .. بلع ريقه و أنزل رأسه باحراج و قال بجدية
- " آسف .. سأذهب .. شكرا لك مرة أخرى "
كانت واقفة في مكانها كمن الذي رأى شبحا أمامه .. كيف التصق جسدها بجسده .. تاركا بذلك عطره في المكان باكمله .. هذا ما خشيته ..
ذهبت بعد الظهر إلى موعد الطبيب و أخبرها بأن حالتها تحسنت كثيرا و بانها شفيت تماما من جراحها و لها أن تمارس حياتها طبيعية طبعا دون إجهاد مفرط .. اجهشت في البكاء و هي تقود سيارتها .. و أخيرا شفيت من جراحها .. الذي أصيبت به بعد أن فقدت طفلها الثالث .. عندما غادرت جيمس كانت حاملا بشهرها الرابع .. و لم تكن تعلم بالامر .. إلا عندما ذهبت الى الطبيب الذي أخبرها بأن الطفل قد توفي داخل بطنها منذ شهرا تقريبا و كان يجب عليها أن تاتي قبل ذلك حتى لا تسمم .. كانت عملية إخراج الطفل منها صعبة و نزفت سارا كثيرا ..و بقيت في المنزل لايام لم تستطع فيها الحركة .. و مع السنوات أصيبت بتليف في بطانة الرحم .. فأجرت عملية لاستئصال جزء من الرحم .. كل ذلك بسببك يا جيمس.. عذبتني كثيرا حتى أفقدتني طفلي .. و الان لم أعد استطيع أن انجب ..
و دون أن تشعر بنفسها و هي تقود السيارة ..وصلت إلى اللجنة.. جيد .. مسحت دموعها و عدلت من مكياجها ..ستحاول أن تنسى همومها بالعمل فقد أخبرتها كلوديا بأن هناك أعمال تنتظرها لذلك قررت شغل نفسها عن التفكير في أزمتها الجديدة .. أخبرتها كلوديا بان سيقام حفل للمواهب و سيشارك فيه جميع الاعمار و من خلاله سنقوم بجمع التبرعات و كذلك سيكون ثمن التذكرة البسيط عائدا للأطفال المعاقين .. سعدت سارا لانها ستبدأ الاعمال من اليوم و عندما خرجت كلوديا من مكتب سارا بدات الاخرى بالاتصالات و قامت بحجز مسرح كبير و قررت بأن تقوم بعمل الدعوات و الاعلانات مع فيكتوريا فهي منذ فترة لم تقضي معها وقتا و ترى بأن من المناسب أن تتشارك معها بعمل الدعوات ..
كانت فيكتوريا تنتظر والدتها بالمنزل و ابتهجت عندما راتها تبستم و هي داخلة قبلتها و أخذت معطفها منها
- " يا إلهي إن الجو بارد في الخارج "
- " هذا صحيح .. أخبريني ماذا قال لك الطبيب؟ لكن بالاول دعيني أحضر لك قهوة ساخنة حتى تدفئك "
- " شكرا لك حلوتي .."
اتجهتا إلى المطبخ و بينما تقوم فيكتوريا باعداد القهوة تكلمت سارا
- " لقد أخبرني بأني شفيت تماما من الجراح و سأتوقف عن أخذ الدواء لكن آخذ مسكنا كلما آتاني الالم "
- " خبر رائع "
- " و لدي خبر آخر "
سكبت لها القهوة في كوب و ناولتها إياها .. رشفت منها سارا ثم أردفت
- " شكرا لك إنها لذيذة"
- " على الرحب و السعة .. الان أخبريني ما هو هذا الخبر ؟!"
- " أخبرتني كلوديا اليوم عن حفل للمواهب سنعمل عليه و هو لجمع التبرعات للمعاقين هذه المرة و سيشارك فيه الجميع صغار و كبار ومعاقين .. الكل "
- " يبدو شيء مشيقا و ممتعا "
- " نعم . و سنقوم أنا و أنت بإعداد الدعوات و الاعلانات "
ابتسمت فيكتوريا و صفقت بمرح
- " رائع .. و متى سنبدأ ؟"
- " لقد حجزت مسرح في ليلة العيد .. سيبدأ باكرا حتى يتسنى للعائلات الاحتفال بالعيد مع بعضهم "
- " آه صحيح و متى سنقوم بتزين الشجرة ؟! "
- " غدا انا و انت و فيكي "
ابتهجت فيكتوريا فلقد عادت والدتها إلى طبيعتها و نشاطها الذي بدأ يخف شيئا فشيئا مع سخونة القهوة..تذكرت بانها لم تنم منذ الامس و سينفعها الان كثيرا أخذ حمام ساخن و الاندساس تحت الاغطية حتى تنام بعمق خاصة بعد ان ارتاح ضميرها ..
- " حسنا يا حلوتي سأخلد للنوم فأنا متعبة .. لا تنتظريني على العشاء .. أين فيكي ؟! "
- " ذهب مع تشاد في الدراجة و قال بأنه سياتي قبل العشاء "
- " حسنا جيد .. لا تدعيه يخرج بعد العشاء و ساعديه في عمل فروضه "
- " سأفعل .. عمتي مساءا "
صعدت حجرتها و حضرت لها حماما ساخنا غطست فيه بدنها المتعب أغمضت عينيها لثواني و فجأة أحست بشخص يضغط على جسدها و له رائحة رجولية حاولت التدقيق في ملامحه لتجد جيمي يبتسم لها و قد تسطرت أسنانه و لمعت عيناه و كان يكرر كلمته
- " شكرا لك سارا ... سارا ..انا احبك .. "
فتحت عينيها بهلع فلقد أحست بدفئه و كأنه الان معها .. قررت أن تخرج من الحوض و تنام فلقد بدأت تهلوس و هي تتخيل وجوده ..
دخلت فراشها و ما إن وضعت رأسها على الوسادة حتى غطت بسبات عميق و لم تستفيق إلا بالصباح الباكر جدا .. فتحت عينيها و مشت بأطراف أصابعها حتى تفتح النوافذ فيدخل الهواء البارد لينعشها .. لا تعرف لم تشعر هذا اليوم بسعادة غامرة ؟!
أخذت فستان زهري فاتح و قصير يتناسب مع روحها السعيدة اليوم و قررت أن تسدل شعرها و ترفع جزء منه بمشبك .. رسمت الكحل الاسود في عينيها ليبرز لونهما الاخضر الفاتح ثم لونت شفتيها باللون الزهري الغامق .. نظرت إلى نفسها بالمرآة للمرة الاخيرة ثم قالت لصورتها المنعكسة
- " لم أنت سعيدة و مرحة هذا الصباح ؟! "
نزلت المطبخ و فتحت البراد حتى تبدأ بإعداد الفطور لطفليها لكنها تذكرت بان اليوم عطلة .. قهقهت و قالت لنفسها
- " أها .. هذا هو سبب شعوري بالتأكيد .."
تركت ما بيدها و قررت أن يخرجوا جميعا لتناول الفطور ..
سمعت صوت رنين الهاتف فأسرعت بالتقاطه لتسمع صوت والدتها بالجهة الاخرى
- " سارا عزيزتي كيف حالك ؟ "
- " أنا بخير .. ماذا عنك و والدي ؟ "
- " نحن بخير و متلهفين لرؤية الاطفال.. نحن بانتظاركم ؟ "
- " آه ..امي .. لن ناتي "
- " و لم ؟! سيتضايق والدك كثيرا اذا لم تقضي العيد معنا "
- " اني اعمل على حفلة ستقام في ليلة العيد .. ما رأيك أن تاتوا انتم و تحضروا الحفلة"
- " نعم من الجيد أن نغير قليلا .. سأخبر ادوارد بذلك .. "
- " جيد و أخبريه أن يفكر بشيء يشارك فيه بالحفل "
ضحكتا معا فمن يتخيل الجنرال ادوارد مولر يغني على المسرح ؟!!
ودعت والدتها .. ثم خرجت إلى الحديقة و قامت بري الزهور ريثما يستيقظ فيكي و فيكتوريا .. رات تود يركض بملابسه الرياضية فرفعت يدها تحييه .. بادلها التحية و اقترب منها .. كان يلهث و متعرق
- " ماذا تفعلين في هذا الصباح الباكر لم انت مستيقظة و متأنقة؟ "
- " لقد نمت باكرا بالامس .. "
- " آه جيد "
- " لم اعرف بأنك تركض في الصباح "
- "نعم هذا صحيح أنا لا اركض عادة.. لكن بما أن وزني زاد قليلا قررت أن أركض في الصباح في هذا الجو البارد المنعش .. "
- " أوافقك الرأي"
- " هل من مستجدات ؟"
أنزلت رأسها و تذكرت جيمي عندما عبطها بقوة .. أومأت برأسها
- " نعم .. لقد سمحت لجيمي بأن يأخذ فيكي غدا إلى المباراة "
- " ماذا ؟!!"
بدا منصدما فلقد كان موجودا عندما أعلن القاضي حكمه المؤقت
- " نعم .. لقد رأيته بالامس منكسرا و ضايقني ذلك كثيرا .. كما انك لم تر وجه فيكي عندما أخبره جيمس بانه سيتدبر أمر التذاكر التي يصعب الحصول عليها .."
هز رأسه متفهما فلقد فعلت الصواب ..
- " لقد فعلت الصواب يا سارا .. اذا ستستمحين له بان يقابل فيكي و فيكتوريا و تلغين بذلك القضية ؟!"
- " لا أعرف .. لست متأكدة .. "
- " سارا فكري جيدا .. له و لأبنائك الحق في أن يتعرفوا على والدهم "
انزعجت قليلا عندما طرات في راسها فكرة رؤية جيمي في كل وقت أمامها و هي التي تكن له المشاعر نفسها بل انها زادت مع السنون .. و لا تعرف كيف ستقاوم مشاعرها ..
- " لا اعرف لا اعرف .. سأفكر "
- " حسنا اهدئي "
هدأت لانها لا تنوي أن تعكر مزاجها في هذا الصباح .. ابتسمت له فبادلها الابتسامة
- " آه كنت ساخبرك بشيء.."
- " ما هو ؟"
- " لن أكون هنا في العيد "
- " لا يا تود .. "
- " لقد اتصلت والدتي و أخبرتني بان العائلة ستحتفل بالعيد خارج البلاد و ساغادر بالاسبوع القادم "
- " للاسف يا تود .. كنت اتمنى أن تكون هنا و تحضر الحفل ثم تتناول معنا وجبة العيد التي تعدها والدتي"
- - " اذا لن تكونوا وحدكم هذا العيد ؟"
- " لا سيأتي والدي و والدتي و لا اعرف ان كان سياتي ستيف و زوجته"
- " جيد ستستمعين كثيرا معهما .."
- " بكل تأكيد لكن سيكون الامر افضل لو تكون معنا "
- " في المرة القادمة .. حسنا يجب ان اذهب .. اراك لاحقا "
- " إلى اللقاء "
ركض بعيدا فقررت ان تدخل لايقاظهما و الذهاب لتناول الفطائر المحلاة التي يحبها فيكي ..
و بعد ساعتين كانوا يتناولون الفطائر اللذيذة مع القطر كانت سارا و فيكتوريا يتناقشان عن الحفل و الدعوات
- " ماذا سيكون الشعار ؟ "
- " لا اعرف لم أقرر بعد "
- " و متى ستقومين بطبع الدعوات ؟ "
- " عندما ننتهي منهم .. يجب ان نعمل على انهاءهم اليوم .. حتى يتسنى لي اراسلهم إلى المدارس و الجهات الاخرى التي قد تشارك في هذا الحفل "
- " لديك اسبوع "
- " نعم بالكاد يكفي .. فهناك تجهيز ديكورات المسرح و حتى يتسنى للمشاركين ان يبعثوا طلب المشاركة و بالتالي تريتب الفقرات .. و من تلك الامور "
- " اه صحيح بالكاد يكفي "
كان فيكي ساكتا طوال الوقت مستمتعا بالفطائر اللذيذة .. فجأة تذكر شيئا ففتح فاه و نطق
- " ألم يتصل جيمس ؟ "
انتبهت سارا لاسم جيمس فالتفتت على فيكي
- " لا لم يتصل .."
اوما برأسه و قد شعر بخيبة أمل فغدا ستقام المباراة ..
في الطريق بقي فيكي ساكتا و بدا متضايقا جدا .. ارادت سارا ان تفاجئه في الغد لذلك لم تخبره بأن جيمس حصل على التذاكر .. رأت الرينج روفر لجيمي مركونة .. فقالت لفيكي المشغول بالنظر إلى اللعبة التي بين يديه
- " انظر من هنا "
رفع رأسه لينظر من النافذه فصاح بصوت عال عندما راى جيمي يخرج من السيارة
- " جيمس "
و بسرعة ترجل من السيارة و ركض ناحية جيمي .. حضنه بقوة
- " أهلا فيكي .. كيف حالك ؟ "
- " بخير .. هيا اخبرني .. هل حصلت على التذاكر ؟ "
وقفت سارا و فيكتوريا ينظران إليهما .. الاب و ابنه
- " ماذا تعتقد انت ؟ "
- " هيا اخبرني ارجوك .. حصلت عليهم أليس كذلك ؟"
اخرج من معطفه تذكرتين و قال بمكر
- " و ماذا تعتقد من والدك ؟!!"
قالها لا شعوريا .. ثم سكت فجاة و أخذ يتبادل النظرات مع سارا التي وقفت مصدومة .. كان قلبها يضرب بقوة في صدرها التفتت ناحية فيكتوريا التي اصطنعت بانها تتحدث بالهاتف و كأنها لم تسمع ما قاله جيمس .. و كذلك فيكي لم ينتبه فقد كان مشغول بالنظر إلى التذاكر .. لذلك اطمأنت سارا و اقتربت منه و الغضب يتطاير من عينيها .. ابتعد عن فيكي و اقترب منها بدوره .. قالت بحدة و بصوت مخفوت حتى لا تسمعهما فيكتوريا
- " بماذا تفكر يا جيمس ؟! "
- " انتظري .. لا تسبقي الاحداث صديقيني لم أقصد أن ...."
- " يا إلهي يا جيمي لقد اخبرتني بانك ستخبرهما معي في ذلك اليوم .. "
- " قلتها لا شعوريا صدقيني لم أقصد .."
- " أنت عديم المسؤولية .. كعادتك ..."
تركته و دخلت المنزل .. ضرب الهواء بقبضته و شتم نفسه
- " تبا لغباءك "
تذكر وجود فيكتوريا و فيكي معه بالخارج .. اقترب خطوتين من فيكتوريا لكنها كانت تبتعد و هي تتحدث بالهاتف مع الهواء .. لكن فيكي اسرع و ضم جيمي من وسطه
- " شكرا لك يا جيمس .. انها في اول صف من الشرفة المطلة .. أفضل مكان لطالما حلمت أن أجلس فيه "
- " جيد .. سأمر لأخذك غدا في السادسة "
- " سأنتظرك "
دخل فيكي و هو سعيد راكضا حتى يخبر والدته و يريها التذاكر .. فبقيت فيكتوريا بالخارج .. اقترب منها جيمي و قال بصوت مبحوح ..
- " مرحبا "
تجاهلته .. لكنه ظل واقفا ينتظر أن تنهي مكالمتها .. كانت سارا تنظر إليه من خلال النافذة و يدها على قلبها ..
- " اتمنى ان لا يتصرف بغباء "
- " من هو ؟!"
انتبهت لصوت فيكي فاستدارت
- " لا احد .. الطير "
- " حسنا انظري إلى التذكرتين انها في اول صف و على الشرفة .. أفضل مكان "
- " آه جيد "
- " ان جيمس رائع .. سيأخذني غدا في السادسة ... يا هووووو "
اخذ الهاتف حتى يتصل بأصدقائه و يخبرهم .. فعادت سارا لمراقبة جيمي الذي يحاول ان يتجاذب اطراف الحديث مع فيكتوريا التي أغلقت سماعة الهاتف للتو و أجابته
- " مرحبا بك .. جيمس أليس كذلك ؟!"
- " نعم .. لقد قابلتيني من قبل "
- " لا أذكر .."
كان يقصد في ذلك اليوم عندما فتحت له الباب .. لكنها كانت تقصد عندما كانت صغيرة و لقد كذبت
- " أنت تشبهين والدتك كثيرا "
- " تستطيع ان تقول ذلك .. لانني لم أقابل والدي حتى أحكم "
سكت لبرهة و كأنه شعر بأنها تعرف من يكون .. فقرر أن يجاريها بالحديث
- " و أين والدك ؟"
رفعت كتفيها و قالت بلا اكتراث
- " في مكان ما .. ليس ببعيد .. كل ما أعرفه أنه في الولايات المتحدة "
اوما برأسه .. احس بشيء من العدائية تجاهه من قبلها
- " ألم تقابليه من قبل ؟ ألا تذكرين شكله ؟ "
- " لا .. إلى ماذا تلمح يا سيد ؟! لم تسألني عن والدي ؟ هل تعرفه ؟ "
- " لا لا اعرفه ..آسف لم أقصد ازعاجك .. يجب أن أذهب .. "
استدار ليذهب فلوحت له بيدها و قالت بمكر
- " إلى اللقاء .. جيمس .."
انطلق بسيارته فوقفت فيكتوريا بمكانها منزعجة فهذا أول حوار مع والدها و كان حوار جافا لم تظن في يوم ما بانها ستقابل والدها و تتجاذب معه أطراف الحديث بتلك الطريقة فكانت تحلم مرار بأنها قابلت والدها و انها تتفاخر به أما زميلاتها .. لكن الحقيقة مختلفة جدا عن الاحلام و التخيلات..
سألتها سارا بسرعة عندما دخلت المنزل
- " رأيتك تتحدثين إلى جيمس "
- " نعم .. قال لي بأني أشبهك كثيرا "
- " و ماذا قلت له ؟ "
- " لا شيء .. قلت له هذا صحيح لاني لم اقابل والدي "
فتحت سارا عينها باتساع و بدت منشدة أكثر لان تعرف ماذا قال لها
- " و بماذا أجابك ؟ "
- " لا شيء.. امطرني بأسألة غريبة عن والدي و ان كنت قابلته .."
- " نعم و ماذا قلت له ؟ "
- " امي .. ما بك ؟ قلت له لا اذكر شكل والدي و لم اقابله .. هذا كل ما في الامر "
- " ألم يقل لك شيئا آخر ؟ "
- " لا .. ودعني و ذهب "
تنهدت سارا ارتياحا فالحمد لله بانه لم يتصرف بغباء ..لكن فيكتوريا هي التي تصنعت الغباء ..
تركتها سارا بسرعة حتى لا تبدأ معها فيكتوريا تحقيقا آخر .. أحضرت ورقة و قلما و نادت على فيكتوريا حتى تساعدها بتصميم بطاقات الدعوة و الاعلانات ...
و في ساعة متأخرة انتهيتا من كل شيء ..
في الصباح ذهبت سارا مع كلوديا لرؤية المسرح و تنقشتا حول الديكورات لفترة طويلة حتى قررتا أن تكون الديكورات رسومات للأطفال تتعلق بموضوع ( الامل ) رحبت كلوديا بالفكرة و اخبرت سارا أن تبدأ بإنجازها .. و بعد ذلك اتجهتا لطبع الدعوات التي أحبتها كلوديا كثيرا و قالت بان فيكتوريا كوالدتها.. فنانة ماهرة ..
بعد أن تاكدت سارا بان كل الدعوات أرسلت و أن الاعلانات علقت .. عادت إلى المنزل في الساعة السادسة وصلت قبل وصول جيمي .. الذي طرق الباب ففتحته هي ..
- " مساء الخير "
- " تفضل "
دعته للدخول ريثما تنادي فيكي لكنه أوقفها
- " سارا .. انتظري اريد التحدث معك "
نظرت إليه كان هادئا و جديا
- " اسمعي .. ما حدث بالامس كان خطأ غير مقصود .. اقسم لك "
- " لا بأس يا جيمس "
نظر إليها و قال مبتسما بافتتان إلى مظهرها البسيط بفستانها الابيض و شعرها البني المسدول على كتفها
- " أفضل ان تناديني بجيمي .."
تورد خديها خجلا فنظراته توترها و كذلك نبرة صوته و رائحة عطره .. بل وجوده في العالم بأسره يجعلها مظطربة ..
- " من الافضل ان انادي فيكي حتى لا تتأخرا "
صعدت الطابق العلوي و دون أن يبعد بصره عنها .. تنهد بحسرة ... و بينما هو واقف ينتظر في الردهة دخل تود و صاح عاليا
- " سارا هل انت هنا ؟ لقد رأيت سيارت..."
انتبه لوجود جيمي واقفا بالردهة و ينظر إليه باشمئزاز .. مد تود يده يصافحه
- " مرحبا أنا تود .. أنت جيمس أليس كذلك ؟ "
تردد جيمي قبل أن يمد يده ليصافحه فهذا الرجل هو منافسه على قلب سارا .. لكنه قرر ان يعمل من عدوه صديقه .. فصافحه
- " نعم أنا جيمس .. "
- " ماذا تفعل هنا اذا ؟! "
- " آخذ ابني فيكي لحضور مباراة كرة القدم "
- " آه صحيح أخبرتني سارا "
نزلت سارا و برفقتها فيكي الذي نزل بسرعة و صافح جيمي
- " مرحبا جيمس"
ثم استدار و ألقى التحية على تود
- " أهلا تود .. هذا جيمس .."
- " نعم أعرفه جيدا "
انزعج جيمس من كلمة تود ( اعرفه جيدا ) و كيف يعرفني .؟؟ أيعني بان سارا تتحدث كثيرا عني ؟! ماذا يقصد ؟!! نظر إلى سارا و حدجها بنظرة حادة
- " هيا فيكي لنذهب "
اقتربت سارا من ابنها و ساعدته على ارتداء معطفه
- " كن ولدا مهذبا "
قبلته ثم استقامت واقفة و نظرت إلى جيمي الذي يحدق فيها
- " لا تتأخرا في العودة .. اعتني به جيدا "
لم يرد عليها بل اكتفى بان ألقى نظرة باردة ثم خرج من الباب ... ظلت سارا واقفة تنظر إلى الباب و قلبها متألما .. ربت تود على كتفها و قال بهدوء
- " كل شيء على ما يرام ..لا تقلقي انه والده و سيعتني به جيدا"
- " هل رأيت كيف ألقى علي نظرة باردة كالثلج ؟ "
- " لا عليك "
استدارت تنظر إلى تود ثم سألته
- " لم أنت متأنق ؟!"
- " سأذهب اليوم "
- " لا .. لقد قلت في الاسبوع القادم "
- " اعرف لكني لم أجد حجزا غير اليوم .. المطارات مزدحمة جدا و من الصعب ان تجدي حجوزات في موسم العيد "
- " سأشتاق لك .. لا تتأخر في العودة يا تود فلقد اعتدت على جاري العزيز"
- " و انا كذلك .. سأشتاق لك .."
ضمته فقبل وجنتيها و قال قبل ان يغادر
- " اعتني بنفسك .. ساتصل بك يوم العيد و سأرسل الهدايا لاحقا "
- " سانتظر مكالمتك و الهدايا اذا "
- " وداعا "
خرج و مع خروجه رن جرس الهاتف فالتقطته سارا و اذا به والدها
- " مرحبا يا اميرتي "
- " ابي .. كيف حالك .. انني مشتاقة لك "
- " و انا كذلك .. لقد اخبرتني والدتك عن الحفل كما اخبرتني بانك قلتي ان اعد فقرة للحفل و ضحكتما .. هل هذا صحيح ؟"
ضحكت سارا و اجابته
- " نعم .. آسفة .. اذا ماذا هل ستشرفاني بزيارتكما ؟ "
- " لا .."
شعرت بخيبة أمل فتوقفت عن الضحك لكنه أردف قائلا بسرعة
- " ليس انا و امك فقط بل ايضا ستيف و زوجته الحامل "
ابتهجت و قفزت بمكانها
- " حقا .. زوجة ستيف حامل .. يا الهي خبر رائع .. "
- " و هناك مفاجاة أخرى "
- " ما هي اخبرني يا ابي ؟"
- " لا و إلا لن تكون مفاجأة "
- " اه يا ابي ستجعلني انتظر "
- " تعلمي الصبر .. هل الامور تسير على ما يرام ؟ "
- " نعم "
كذبت .. فهي لم تشأ أن تخبره بامر جيمس و تتمنى ان يغادر جيمي قبل ان ياتي والدها
- " جيدا اذا .. اراك بعد اسبوع "
- " سأنتظركم بفارغ الصبر و بالاخص مفاجاتك "
- " والدتك تسلم عليك و تقول لك قبلي حفيديها "
- " سأفعل .. إلى اللقاء يا ابي "
سعدت لان الامور تسير على ما يرام و ستكون افضل لو ان جيمس غادر .. و اذا لم يفعل ؟!! ماذا سيحدث ؟!! هل سينهار والدها ؟! يا الهي .. كيف تقول اذا ان الامور تسير بشكل طبيعي .. يجب ان ابعد هذه الافكار السوداء من رأسي ..
دخلت فيكتوريا المنزل و رأت والدتها تاخذ غرفة الجلوس ذاهبا و إيابا و كانت قلقة
- " مابك يا امي ؟!"
- " لا شيء .. لقد تأخر فيكي بالعودة "
- " انها الثامنة و النصف .. المبارة في منتصفها .. قد يصلان في العاشرة او الحادية عشر اذ لم يكن الشارع مزدحما .. "
- " اه الوقت يسير ببطء جدا ..."
- " اهدئي .. يبدو ان جيمس يحب فيكي و سيعتني به جيدا لا تقلقي "
قالت بسرها ( بالطبع فهذا واجبه كأب ..) تنهدت و استلقت على الكنبة
- " ألن نقوم بتزين الشجرة ؟"
- " ليس قبل ان يعود اخوك "
- " اذا دعينا نرتب الزينة و نفكها .. اه اين تود حتى يساعدنا بتعليق الزينة في الخارج فهو الذي سيصعد على السطح "
- " لقد غادر تود و لن يعود إلى بعد العيد "
- " اذا من سيعلقها ؟! "
- " انا "
- " هل جننت يا امي ؟! "
ضحكتا و اتجهتا إلى المخزن في المرآب للبحث في الصناديق عن الزينة جلستا على الارض تفكا الزينة المتشابكة ببعضها و تلقيا الاخرى التالفة ..
- " لم اتصور هذا العمل شاق و ياخذ وقتا طويلا "
- " لان فيكي هو من وضعها بتلك الطريقة فجعلها متشابكة "
و على نطق اسم فيكي دخل و هو يصفر و يصرخ بمرح و يركض بالمرآب و هو مسكا يدا زرقاء كبيرة تشير إلى علامة النصر
- " فاز النيكس .... فاز النيكس ... وااااااو .."
دخل المرآب جيمي و ألقى نظرة على سارا و فيكتوريا الجالستان على الارض و هما يحاولان بإجهاد فك الزينة المتشابكة
- " هل استمتعت بوقتك ؟ "
- " ما رأيك يا امي ؟ بالطبع لقد فاز النيكس و كنت اجلس في الشرفة ... وااااااو "
ضحكت سارا فاستقامت واقفة و اقتربت من جيمي
- " شكرا لك "
- " بل انت شكرا لك لانك سمحتي لي بأخذه "
اومأت برأسها و ابتسمت له فبادلها الابتسامه و قلبه يتفتت ..كانا يتبادلان نظرات الاعجاب و الافتتان عندما صاحت فيكتوريا قائلة
- " هيا يا فيكي ساعدنا بفك الزينة التي عقدت فتحها "
- " انا ؟ "
- " نعم انت "
- " لا لم أفعل ؟ "
- " بلى .. أنت من ضبها آخر مرة "
- " لا ..."
- " بلى ..."
قاطعا على سارا و جيمي اللحظة التي دارت بينهما و الشرارة المتطايرة فاستدارت سارا و نهرتهما
- " كفا عن الشجار .. هيا يا فيكي ساعد اختك بينما احمل الشجرة إلى الداخل "
تركت جيمي واقفا ينظر إلى عائلته الصغيرة و هم يستعدون للعيد .. و تذكر فيما مضى عندما كان يذهب مع والده لقطع شجرة العيد و يقوم بتزينها مع والدته و سارا مع والدتها عندما كانا في المرحلة الاعدادية قبل ان تبدأ المشاكل .. قطع حبل ذكرياته منظر سارا و هي تجر الشجرة الثقيلة فأسرع بحملها بنفسه ...
- " آه ... ستؤلم ظهرك يا جيمس"
- " جيمي .. ناديني بجيمي .. أين أضعها؟؟ "
- " في غرفة الجلوس "
دخل غرفة الجلوس فتبعته و قالت له بأن يضعها بين النافذة و المدفأة .. و ضعها بصعوبة ثم نفض الاوراق عن كتفه ... قهقهت سارا و هي تنظر إليه .. فابتسم سائلا
- " لم تضحكين ؟ .."
اشارت على رأسها و قالت
- " هناك ورقة على رأسك "
- " اين ؟ هنا ؟"
وضع يده على رأسه يبحث عن تلك الورقة التي أضحكت سارا
- " لا .."
اقتربت منه و وضعت يدها في شعره و جذبت الورقة الصغيرة ... اشتعل نارا في مكانه مثل ذلك الخشب المشتعل في المدفأة .. أنزلت عينيها فاصطدمت بعينيه اللامعتين .. توقفت عن التنفس لثانيتين فلقد بدا وسيما جدا فجأة خاصة بعد أن لمست شعره الناعم الذي لطالما أحبت أن تخلل أصابعها فيه عندما يضع رأسه على فخذيها فتاخذ هي باللعب في خصلات شعره حتى ينام كالطفل في حجر امه .. دنا منها قليلا و قرب شفتيه محاولا تقبيلها بدت منجذبة له و كادت ان تلامس شفتيه لكن فيكتوريا و فيكي دخلا غرفة الجلوس و هما يتشاجران و بيدهما الزينة ...
- " امي انا افضل ان نمزج اللون الابيض مع الاصفر "
- " لا الاحمر هو لون العيد "
تراجعت خطوات للخلف و اشاحت ببصرها عن جيمي .. كان صدرها يعلو و يهبط بتوتر و احراج..
- " ماذا تقولين يا امي ؟ "
سألتها فيكتوريا .. لكنها توقفت عندما رأت جيمي منزعجا و والدتها متوترة و خديها متوردين .. لكن فيكي كعادته لم ينتبه إلى احد فسأل جيمي
- " ما رأك يا جيمس ألا توافقني بأن اللون الاحمر هو أفضل للزينة ؟ "
- " انا أرى بان تمزجوا الالوان "
سعدت فيكتوريا و فيكي بفكرة مزج الالوان .. لكن سارا استدارت و نظرت إلى جيمي .. فلقد زينا في مرة من المرات بألوان الطيف و كانت الشجرة خلابة .. غمز لها جيمس و ابتسم لها بطريقة عذبتها .. فلم تستطيع ان تقاوم ابتسامته ..لذلك بادلته بابتسامة أخرى صافية ..
- " هيا يا امي لنعلق الزينة .."
اقتربوا يعلقوا الزينة .. وقف جيمس ينظر غليهم و تمنى ان تدعوه سارا لمساعدتهم لكنها لم تفعل فقرر ان يحمل كبرياءه و يغادر و لا يعود إلى بعد ان يصدر قرار المحمكة و ذلك في الاسبوع القادم..
- " حسنا .. انا ذاهب .. "
التفت فيكي ناحيته و قال له
- " لا يا جيمس ابقى معنا .. ماما .. قولي له بأن يبقى .."
نظرت إليه سارا بنظرات لا تحمل اية معنى .. فهي بداخلها تتمنى ان يبقى لكن عقلها يرفض وجوده حولها .. انتظر لدقيقة ان تدعوه لكنها بقيت ساكتة ففهم بأنها تفضل ان يذهب .. قال بشيء من الضيق لكنه مع ذلك ابتسم
- " مرة اخرى يا فيكي "
أنزلت سارا رأسها و استدارت حتى لا يرى انها انزعجت بدورها لانه سيغادر .. و عندما رات فيكتوريا ذلك المشهد الصغير قررت أن تبادر بنفسها بإنقاذ الموقف
- "انتظر .. "
اغلق جيمي الباب مرة أخرى و نظر إلى فيكتوريا
- " امي نحتاج لرجل لمساعدتنا في تعليق الاضواء على المنزل .."
- " نعم هذا صحيح "
وافق فيكي اقتراح أخته و انتظروا جميعا إجابة سارا التي لم تنطق لكنها اكتفت بأن هزت رأسها بالايجاب ..
- " هل تفعل ذلك يا جيمس ؟ "
سألته فيكتوريا و لاول مرة بدت غير عدائية و مرحبة بفكرة وجود والدها بينهما فيعملوا جيمعهم كعائلة سعيدة بالاستعداد للعيد القادم على الابواب ..
- " حسنا .. أين هم الاضواء ؟"
ناولته الصندوق الذي يحمل الاضواء و هي تبتسم فأخذها منها و ابتسم لها بدوره .. أحست بانها أحبت هذا الرجل .. والدها .. و شعرت بالندم لانها عاملته بجفاف بالامس .. و لمست منه الحب لها و لاخيها و بالاخص لوالدتها .. لكن الذي لا تفهمه هو سبب ابتعاد والدها كل تلك السنوات و سبب رفض والدتها اخبراهما عن حقيقته ؟!! كل شيء في وقته ... هكذا طمأنت نفسها و أفكارها ...
خرج جيمس و فيكي لتعليق الزينة و الاضواء على المنزل بالخارج .. كانت سارا و فيكتوريا يغسلا اطباق العيد و ترتيبها في الخزائن و كذلك تغيير مفارش الطاولات و المائدة و وضع الاخرى الخاصة بالعيد التي تحمل نقش الاوراق و الاجراس و تعليق رسومات حيوان الايل التي رسمتها فيكتوريا عندما كانت في الخامسة .. ارادت فيكتوريا ان تتحس النبض فقالت لوالدتها
- " يبدو جيمس رجلا رائعا "
رفعت سارا بصرها إليها و سألتها بابتسامة
- " و كيف عرفت ؟! "
- " انه يهتم بفيكي كثيرا يبدو بانه يحبه .. كما انه يحب مساعدتك كثيرا .. هل كان بينكما علاقة فيما مضى ؟ "
استغربت سارا سؤالها و قلبها يضرب بقوة
- " و لم تقولين ذلك ؟"
- " لاني رأيت كيف ينظر إليك .. إنه معجب بك كثيرا "
- "حقا ؟؟! أقصد .. لا .. انه ينظر إلي بطريقة عادية .. ليس هناك شيء و كفي عن التحقيق "
- " حسنا كما تشائين ... لكني اقسم بانه ينظر إليك بافتتان .. كل ما اريد قوله بانه سيكون رجلا رائعا لو أعطيته فرصة "
- " فيكتوريا ..."
- " حسنا .. حسنا ..نسيت فهناك تود "
- " يا إلهي .. ليس هناك شيء بيني و بين تود و لا حتى جيمي.. أقصد جيمس ..."
فكرت سارا بكلامها الذي اتى في وقت غريب .. كيف لفيكتوريا ان تحب رجلا لا تعرفه .. ربما احست تجاهه بمشاعر قديمة .. او شيء من الالفة ..
دخل جيمي و فيكي بعد ساعة من التعليق و وجهما أحمر و يدهما باردة كالثلج ..
- " لقد انتهينا "
قال فيكي و هو يدفأ جسده البارد عند المدفاة فاقترب جيمي ايضا من المدفأة .. رفع يده فنظر ان الساعة تشير إلى الثانية عشر صباحا .. قال معلقا
- " حسنا يجب ان اذهب الان فلقد تأخر الوقت كثيرا .."
لكن سارا قالت له بخجل و ترددت كثيرا قبل ان تتكلم إليه
- " ما رأيك بشراب الشوكلاته ؟ انه عربون شكر "
- " نعم نعم يا جيمي شراب الشوكلاته التي تعده والدتي مع حلوى الخطمي لذيذا جدا "
أضافت فيكتوريا
- " و يبعث الدفء في هذا الجو البارد "
شعر جيمس بالبهجة لقد دعته سارا لشرب الشوكلاته المفضل عنده و بالاخص الذي تعده هي ابتسم و هذا بادرة حسنة منها و خطوة كبيرة بالنسبة إليه ..فقال مبتسما
- " و من يرفض دعوة سارا و شرابي المفضل "
بجملته الاخيرة الصادقة دغدغ مشاعرها فاتجهت للمطبخ و قامت بإعداد الشراب بينما جلس الثلاثة في غرفة الجلوس ينتظرانها و بعد دقائق دخلت و هي تحمل صينيه بها أكواب الشوكلاته فاخذ كل منهم كوبا و بدا المكان هادئا لاندماجهم بشرب الشوكلاته اللذيذة
- " انه لذيذ جدا كما السابق فأنا لا أنسى طعمه ابدا فقد بقي محفور بالذاكرة كأشياء أخرى كثيرة "
كان يلمح إلى أشياء أخرى بعيدة .. توترت سارا لكنها ابتسمت له .. و اشاحت بنظرها عنه .. لكن عيناه بقيت مسمرتين عليها ..
- " هل تذوقت شراب الشوكلاتة الذي تعده والدتي من قبل يا جيمس؟ "
- " نعم ..و احبه كثيرا "
لم يهتم فيكي بالتفاصيل وراء جوابه لكن فيكتوريا استكشفت الكثير ..
- " متى ستعود إلى واشنتون ؟"
سأله فيكي ..
- " غدا .. صباحا .. لكني ساعود على نهاية الاسبوع "
نظرت إليه سارا و ضميرها يعذبها .. و هي تخشى من ان يصدر حكم القاضي بالسماح لجيمي برؤية أبنائه و من ثم ياتي في العيد و يقابل والدها و تتعقد الامور اكثر و اكثر ..
كانت فيكتوريا تنظر إليه و ابتسامة على شفتيها فهذا الرجل هو والدها ... نعم إنها تذكره جيدا الان .. فهذه طريقة جلوسه .. و هذا صوته .. و تلك هي رائحته .. انها لا تنساها ابدا .. مثلها مثل ابتسامته .. ارادت ان تخبر والدتها بانها تريد والدها ان يعود لحياتهما فمن الجميل ان يكون لها اب يعتني بها كما يفعل جدها لسارا .. يدللها و يبالغ بحمايتها حتى و هي امرأة ناضجة .. و بينما هي تحلم و تتخيل ان والدها يعيش معهما و كيف ستكون حياتهما أفضل .. غفت على الكنبة و كذلك فيكي الذي كان نائما منذ فترة .. انتبهت سارا لصوت شخير فيكي فضحكت و ضحك جيمي معها .. بعد ذلك ساد الصمت من جديد .. عندما تلاقت عيونهما.. قال جيمي كاسرا بذلك حاجز الصمت
- " سأحمله للفراش "
- " لا لا تتعب نفسك "
- " لا بأس "
حمله و صعد به الدرج و وضعه في فراشه ظل لفترة ينظر إليه ثم طبع قبلة على رأسه و خرج فوجد سارا تخرج من غرفة فيكتوريا اقترب منها و همس
- " هل تسمحين لي ؟ "
كان يريد ان يدخل لغرفة فيكتوريا فأفسحت له المجال كي يدخل .. مشى بهدوء و اقترب منها طبع قبلة على جبينها و قال بصوت خافت
- " نامي بهناء يا أميرتي الصغيرة "
سمعته سارا الواقفة عند الباب و تألمت كثيرا .. و زاد تالمها عندما رأت فيكتوريا تبتسم ثم تغط بنوم عميق بارتياح .. خرج من الغرفة و أغلق الباب خلفه وقف ينظر إلى سارا ثم قال
- " اذهبي للنوم و سأغادر أنا .."
- " لا سأتبعك لأغلق الابواب من بعدك "
اومأ برأسه و نزل الدرج بهدوء مشت خلفه .. اخذ معطفه و قبل أن يخرج استدار ليواجه سارا
- " أشكرك سارا لانك اعطيتني فرصة لان اخذ ابني .. لقد استمتعت كثيرا ... "
ابتسمت له فأردف قائلا
- " و اشكرك لانك اعددتي لي شراب الشوكلاته اللذيذ .. و سمحتي لي بأن أقبل امريتي الصغيرة .. لقد اشتقت لكم يا سارا .. اشتقت لكم كثيرا .."
ارادت أن تبكي و تعانقه ..و انا اشتقت لك يا جيمي .. يا الهي .. هل هي بتلك القسوة بأن تحرم طفليها من والدهما الحنون ؟؟! فقط لانها تخشى ان تقابله في كل مرة يأتي لرؤيتهما ؟؟!! هل يمكن أن تكون بتلك الانانية ؟!!
وقف يتأملها لدقائق .. و شعر برغبة جامحة لتقبيلها .. لكنه اعدل عنها و لم يشأ أن يستعجل بالامور .. سيأخذ كل شيء بتروي .. و من ثم ستعودين لاحضاني يا سارا مولر .. و ستصبحين سارا بروكس عما قريب ..
- " عمتي مساءا .. اعتني بنفسك "
- " و انت كذلك "
استدار و خرج فأغلقت الباب خلفه و أوصدته بالاقفال .. ثم سمعته ينطلق بسيارته و قد اخذ معه قلبها المريض بالحب معه...