تصلبت يدها التي تمسك بالقلم ..لقد وقع عليها صوته وقع الصاعقة التي تدمر ما حولها.. رفعت رأسها عن الاوراق لترى رجل طويل عريض المنكنبين له ذقن برزت عليه لحية خفيفة و تجمعت خطوط السنوات حول عينيه الزرقاء التي لم يخفت بريقها و الحاجبان الكثان اللذان يزيدان من جمال و سحر تلك العينين و يعطيانها منظر الحدة .. كما رأت شفتيه الغلظتين الحمراء تبتسم لها بعجرفة .. ضرب قلبها بشدة .. يا إلهي ..أنه جيمي.. لقد أتى بعد عشر سنوات ليبدو رجلا و وسيما أكثر من قبل.. لعنت نفسها لضعفها أمامه لكنها حاولت تجاهل ذلك الشعور الغريب الذي أخذ يقرص قلبها ..أنزلت رأسها بسرعة على الاوراق.. قال لها بعجرفة و استهزاء
- " تبدين مصدومة لرؤيتي .. أحسست بهذا الشعور قبل قليل عندما اصطدمتي بي "
حملقت بوجهه ثم ضغطت على القلم و تجاهلت تعليقه الذي أثر فيها و قالت بجفاء
- " كم عمرك ؟ "
- " أنت أعلم "
رفعت رأسها بعصبية و نظرت إليه يبتسم و قد برزت أسنانه البيضاء لكنها أصرت على السؤال نفسه
- " كم تبلغ من العمر ؟ "
- " الثالثة و الثلاثون "
- " هل تعاني من أية أمراض ؟ "
- " لا "
- " هل تحتسي ال...."
سكتت فترة قبل أن تسأله هذا السؤال الذي بسببه تدهورت حياتهما لكنها قوت نفسها و سألته باعتباره أحد المتطوعين ليس إلا
- " هل تحتسي الكحوليات ؟ "
- " لا "
قالها بكل ثقة مما جعلها ترفع رأسها و تنظر إليه بشك فأجابها بابتسامة شقية
- " لم أفعل منذ سنوات طويلة .. و لا أفكر أن احتسي أيا منها بعد اليوم "
لم تعلق على كلامه لكنها قامت من مكانها و أشارت له بالجلوس على الكرسي حتى تسحب منه الدم استلقى على الكرسي و رفع كم قميصه و عينيه لم تفارق وجهها رربطت ذراعة البارزة العضلات .. لا زال جسده رياضي و مثير .. توترت قبل أن تغرز الأبرة في لحمه ..أخذت نفسا عميقا طرأت ذكراه و هو يترنح أمامها بمنظره المفزع الغير مرتب و هو يصرخ بوجهها.. أغمضت عينيها ثم فتحتها مجددا حتى تبعد تلك الذكرى عن رأسها ..كان يتأمل جسدها بجرأة فغرزت الأبرة تحت جلده بقوة .. تغيرت ملامح وجهه بسبب الألم .. و تاوه بصوت محفوت ..ارتاحت عندما راته يتألم فتحت الرباط حول يديه و ابتعدت عنه لكنها لمحته بطرف عينيها يترنح و أراد أن يسقط أرضا فاقتربت الممرضة لتجلسة على الكرسي و نادت على فيكي حتى يقدم للرجل عصيرلكن فيكي استغرب فلقد قدم له عصير قبل دقائق
- " لكنه تبرع بدمه قبل قليل"
التفتت إليه سارا فهي لا تريد أن يقابل جيمي ابنه فمسكت فيكي و أشارت له بالابتعاد لكنه قال لوالدته بأن ذلك الرجل تبرع بدمه منذ قليل و قد قدم له شرابا ..أومأت برأسها و أبعدته عن مرأى جيمي .. لم ينتبه جيمي إلى ذلك الصبي و لم يميزه فلقد كان وقتها طفلا صغيرا .. أخذت الممرضة العصير و قدمته لجيمي فرشف منه شرفة صغيرة .. أسند رأسه إلى الخلف لانه أحس بدوار برأسه اقتربت منه سارا و همست بحدة
- " ماذا تنوي أن تفعل يا جيمس ؟"
رغم شعوره بالدورا إلا أنه ابتسم بطريقة مغرية .. جعل قلبها يخفق بقوة
- " اتبرع بدمي "
- " لم ؟"
استغرب سؤالها لكن الابتسامة لم تغب عن شفتيه
- " إنها حملة تبرع بالدم أليس كذلك ؟ أم انني مخطيء ؟!"
انه ليس الوقت المناسب للمزح .. كانت قلقة عليه دون وعي منها فهو شاحب الوجه و عينيه ذابلتين .. لكن يخفي ذلك بمزاحه .. لم تبتسم بل اقتربت اكثر منه و كانت غاضبة لتصرفه الغير مسؤول..
- " لم لم تخبرني بأنك تبرعت قبل قليل ؟ "
- " ليس هناك سبب .. لكن السؤال هو.. لم تبرعت مرة ثانية ؟؟!! و الجواب بسيط ..هو لكي أراك و لكي تسحبي دمي كما تفعلين دائما "
بللت فمها الذي جف لكلامه المعسول ..شعر برغبة أن يغمض عينيه لكن دون أن تفارق الابتسامة شفته الغليظة ..
اقتربت كلوديا عندما رات الرجل يترنح قبل قليل فسألت سارا بقلق و هي تراه متهالك على الكرسي و عيناه مغمضتين
- " هل هو بخير ؟ "
لكن جيمي أجاب عنها و فتح عينه لينظر إلى سارا
- " نعم بخير ..."
ابتسمت كلوديا لسارة و سألتها
- " ماذا حدث ؟"
أجابتا سارا بعصبية و هي مدركة بان جيمي لم يبعد عينيه عنها و منصت لها
- " لقد تبرع بدمة مرتين و لم يخبرني بذلك .. هذا طبيعي بان يصيبه دوار "
ضحكت كلوديا فالرجل هذا يبدو بانه معجب بسارا فهو ينظر إليها بنظرات إفتتان ثاقبة استقام بجلسته و اشار على نفسه مع ابتسامة عريضة واثقة
- " إنظري .. أنا على أحسن ما يكون "
تنهدت سارا بعصبية و أشاحت بنظرها عنه..
ودعته كلوديا و هي تسحب سارا لتهمس في أذنها ..
- " إنه معجب بك "
إنزعجت سارا فكلوديا لا تعرف شيئا و لا تعرف من هو ذلك الرجل الذي لا يكف عن التحديق بها .. انها لا تعرف بأنه جيمس بروكس .. زوجها السابق .. الذي حول حياتها إلى جحيم بعد الحب الذي كنته له و العشرة الرائعة ... تحولت حياتهما إلى كره و بغضاء و هروب ...
ابتعدت كلوديا فاستدارت سارا ناحية جيمي و رمقته بحدة ثم قالت له
- " ماذا تفعل هنا ؟ "
- " أين ؟ هنا ؟ على هذا الكرسي ؟ اعتقد بأنك تعرفين ..."
لم تجب على سؤاله الساخر فقالت بحدة
- " هنا في منهاتن "
لم يجيبها بل اكتفى بالنظر إليها و كأنه لم يشبع ناظريه خلال الربع ساعة من التحديق
- " و أخيرا وجدتك يا سارا أنها لصدفة سارة بالفعل "
أثرت نبرة صوته بها لكنها انزعجت من شعورها بالضعف أمامه فحدقت به بإمتعاظ
- " صدفة ؟ "
كان واثقا بنفسه كعادته و هذا ما تحبه فيه و يجعلها تتذكر ذلك الرجل الذي احبته يوما و لا زالت يقف امامها بعد غياب سنوات ..
- " نعم صدفة .. أنه يومي الأول في منهاتن لاجتماع و صدفة أن أجدك في نفس الفندق الذي أقيم فيه .. يا إلهي لم لم أفكر بأنك قد تختبئين في منهاتن ؟"
وقف امامها حتى كاد أن يلتصق بها تراجعت للخلف و اضطربت لأنها بدت صغيرة الحجم بالنسبة لضخامة جسده كان قلبها ينذرها بشيء خطير يتعلق بالطفلين و بجيمي الذي أتى على غفلة .. استدارت عنه لتبتعد و تلحق بطفليها .. أنه آخر شيء تفكر ان تفقده لجيمي .. يستحيل ان تدعه يأخذهما بعيدا عنها ..
- " يجب أن أذهب "
جذبها من يدها و تكلم بنبرة حادة و كانه أحس بما تنوي فعله
- " لم ننتهي من كلامنا يا سارا فهناك الكثير الكثير لنتحدث عنه "
رمقته بغضب و في عينيها شرر .. وكأنها قطة تحاول حماية أطفالها من مخلوق متطفل
- " ليس هناك ما نتحدث عنه.. اترك يدي "
اختفت ابتسامته و شد على معصميها .. تأوهت.. فقال بنفس الحدة
- " بل هناك .. و إن لم تريدي أن تتحدثي فأصمتي و أنا من سيتكلم "
فكرت بأن ليس هناك مهرب من الحديث معه .. صرت على أسنانها و قالت له
- " ليس الآن جيمس أنا مشغولة كما ترى .. قلت لك اترك يدي .. "
أفلت يدها فتراجعت خطوات للخلف و هي تتحسس معصمها الذي تخدر من قبضته القوية .. لكنها رفعت رأسها ..وانصدمت من سؤاله..
- " أين طفلي يا سارا ؟ "
جف حلقها و تصلبت أطرافها.. فقد حدث الذي تخشاه.. اذا لقد أتى ليأخذ الأطفال منها لكنه لن يستطيع ما دامت على قيد الحياة .. تجاهلته و أبتعدت عنه و كأنها لم تسمع سؤاله ..
سارعت الخطى حتى يفقد أثرها و بالفعل اختفت بين الجموع و دخلت إلى القاعة الاخرى تبحث عن فيكي لكنها لم تجده بل وجدت براد يحمل كوبين بيده ..أوقفته و هي تلهث
- " براد .. أرجوك خذ فيكتوريا و فيكي إلى المنزل "
- " لكن سيدة مولر .."
كانت تتنفس بصعوبة و تلتفتت كل حين تبحث عنه اذا كان يتبعها
- " أرجوك خذهما فحسب "
استغرب براد تصرفها
- " لكن ماذا اذا اعترضا ؟؟.."
- " قل لهما ... "
وضعت يدها على رأسها تفكر بشيء فالخوف أصابها و جمد تفكيرها و شعورها بأن جيمي خلفها يمنعها من فعل أي شيء منطقي.. تباكى صوتها و قالت بعصبية و قد نفذ صبرها
- " لا عرف يا براد ..لا اعرف .. أختلق قصة و .. أرجوك .. هيا اذهب ..الآن "
رضخ لها براد خاصة عندما سمع صوتها
- " حسنا سيدة مولر .. سأفعل .. لكن اهدئي"
احاطت كتفه و قبلته
- " أشكرك براد "
- " على الرحب و السعة "
خارت قواها فجلست على أحدى الكراسي و قلبها الضعيف ينبض بقوة .. و شعرت بوجع في مكان العملية التي اجرتها ... تأوهت بهدوء و كانت تضغط على مكان الالم ..أحست بيد تقبض عليها من الخلف فصاحت بذعر
- " اتركني .. اتركني "
تركتها اليد .. فالتفتت لتننظر إلى الرجل الواقف خلفها الذي بدا عليه التساؤل
- " سارا ما بك؟! "
تهالكت مرةأخرى على الكرسي و عادت دقات قلبها طبيعية من جديد .. تنهدت
- " آسفة يا تود لقد اعتقدت ..."
جلس امامها على ركبيته و كفه فوق يدها و ينظر إليها بقلق
- " ما بك ؟ من اعتقدتي ؟ "
- " لا أحد .. لا عليك .. كيف حالك ؟ "
لم يصدقها لكن تجاهل الامر فهو لا يحب أن يضغط عليها ..
- " أنا بخير .. إنه لحفل رائع ..لقد بذلت مجهودا يا سارا يستحق التقدير "
- " شكرا "
- " و بعد ذلك لن يكون لديك حجة لتهرب مني "
- " لن أفعل "
أخذت يده و سارت معه حول القاعات كانت تبحث بعينها عن جيمي لكنها لم تجده ارتاحت قليلا لكنها انزعجب مرة أخرى عندما رأت فيكتوريا في القاعة.. انها لم تغادر حتى الان.. خشيت أن تقترب منها فيراهما جيمي و يتعرف على ابنته .. شتمت بصوت خافت .. سألها تود
- " ماذا قلت ؟"
- " لاشيء "
- " انظري إنها فيكتوريا يبدو أنها تبحث عنك "
خطرت فكرة ببالها فتوقفت عن التحرك و صدت عن فيكتوريا واجهت تود و هي تضغط على ذراعيه بيدها
- " أسدي لي معروفا يا تود "
ها قد أتى الذي يخشى منه .. إنها تتهرب منه مرة أخرى ..
- " ما هو ؟ "
- " ارجوك اخبر فيكتوريا أن تعود إلى المنزل مع فيكي.. براد سيصطحبها "
- " لم تريدينها أن تغادر؟؟ "
فكرت بعذر .. فأسرعت القول :
- " غدا يوم دراسي "
كان شاكا بكلامها فهي لا تجيد إخفاء توترها ابدا
- " هل هذا هو السبب حقا؟ "
- " نعم "
- " أشعر بأن هناك شيء آخر "
إنها تعرف بأن تود لن يصدقها ابدا .. تغيرت ملامح وجهها إلى الحزن
- " لا أستطيع أن أتحدث الآن يا تود لكني سأخبرك بكل شيء لاحق .. "
- " حسنا .. سأفعل ذلك من أجلك و ليس لاني اريد أن اعرف لم تتصرفين على هذا النحو .. ارجوك اهدئي"
أومأت برأسها لا تعرف لم أحست بالذنب ..
رأته يتحدث إلى فيكتوريا التي بدت غاضبة و معترضة على كلامه .. لكنها بالنهاية سارت معه خارج القاعة و لم يعد إلا بعد أن غادرا مع براد .. لذلك ارتاحت من جديد و هدات ضربات قلبها..
بدأت القاعتين تخلو من الناس و المتبرعين و قام كل من العاملين و باقي المتطوعين بترتيب المكان و تنظيفه كما قام تود بمساعدتهم أيضا بحمل كيس قمامة أسود و تبع سارا التي كانت تلقي الأوساخ و الأطباق الكرتونية و علب العصائر الفارغة داخل الكيس الذي يحمله تود و يسر خلفها.. حاولت أن تغير وجهتها عندما رأت جيمي واقف ينظر إليها تركت ما بيدها و أخبرت تود بأنها ستذهب لجمع الأوراق في القاعة الاخرى ..غادرت القاعة و وجدت الممرضات يقمن بجمع أغراضهن في حقائب .. تحدثت إليهن و شكرتهن على مساعدتهن لها .. بعدها دخلت غرفة صغيرة باردة يضعون فيها الأنابيب المليئة بدم المتبرعين كانت قد تعدت الثلاثة آلاف قنينة و هذا إنجاز بحد ذاته ..سمعت طرقا على الباب فتحته اعتقاد بأنه السائق الذي أتى ليحمل الأنابيب إلى مستشفى المنطقة لكن أعتقادها كان خاطئا .. تنهدت بغضب .. ما هذا الكابوس المزعج .. قالت له بحدة و عصبية
- " كف عن مراقبتي و لحاقي "
- " من هو ؟ "
تغير صوته ليبدو مخيفا دون أن تعرف السبب .. تركت ما بيدها و استدارت لتواجهه
- " من تقصد ؟!"
بدا نافذ الصبر ..
- " انت تعرفين من أقصد ؟ "
نعم تعرف بانه يقصد ( تود) هل هو يشعر بالغيرة ؟! لا ... مستحيل ..
- " لا أعرف من تقصد.. و الآن اتركني لدي اعمال انهيها .. ابتعد عن طريقي "
دفعته حتى تمر من أمامه.. و اتجهت حيث يقف السائق و أشارت له بالاقتراب و حمل الأنابيب دخل الرجال الذين يرتدون ملابس الاسعافيين حملوا الصناديق التي تحمل الأنابيب و وضعوهم في سيارة الاسعاف الكبيرة .. شكرتهم سارا لحسن تعاونهم و عندما ابتعدت السيارات .. سمعت صوته من خلفها .. فغادرت الابتسامة شفتيها و انزعجت
- " إذا أنت تعملين في المنظمة النسائية "
استدارت تواجهه و قالت بعصبية
- " ماذا تريد مني يا جيمس ؟ "
استغرب سؤالها فالجواب واضح في عينيه
- " أنت تعرفين ما أريده "
- " اذا كان عن الأطفال فمستحيل أن تراهم أو تقابلهم "
قالت جملتها ثم مشت خطوتين ختى تبتعد عنه .. فعلى صوته الحاد ..لقد ضربت على الوتر الحساس
- " أنهم أبنائي أيضا يا سارا و لي الحق بان أقابلهم "
عادت إلى حيث يقف و كانت متهجمة و الغضب يتطاير كالحمم من عينيها الخضراء
- " ليس لديك أية حقوق .. انت آخر رجل يتكلم عن الحقوق.."
ركضت مبتعدة عنه فوقف هو بمكانه و الغضب طغى عليه .. و أكثر ما ازعجه هو أنها تعامله بكل برود بعد الحب الذي عاشاه معا لسنوات و بعد ذلك الفراق الطويل ..
تبعها .. و رأها تتحدث مع تلك المرأة ( كلوديا) التي كانت تمتدحها و هي سعيدة
- " سارا لقد قمت بعمل رائع ككل مرة .. سار كل شيء بشكل عجيب .. أشكرك "
- " يا عزيزتي هذا من دواعي سروري "
انتبهت كلوديا لجيمي الواقف عند باب القاعة ينظر باتجاههما ..
- " ماذا حدث لذلك الرجل الذي أصابه دوار ؟"
تغيرت ملامح سارا و التفتت لتجد تود منتبها لحديثهما
- " لقد غادر بعد أن احتسى العصير و عادت له قوته "
عرفت كلوديا بأن سارا تكذب فجيمي لا يزال هنا .. لكنها لا تريد أن تفتح موضوع حساس و تود يصغي لحديثهما
- " جيد .. إذا أراك غدا "
- " يجب أن أذهب غدا إلى الجامعة هذه المرة لدي تقرير طبي .. سأعود للعمل "
- " خبر رائع .. أتمنى لك التوفيق يا عزيزتي "
- " شكرا "
قبل ان تغادر سارا مع تود إلى المنزل تلفتت لتجد بان جيمي واقف يراقبهما من بعيد .. فألقت عليه نظرة باردة جمدت أعصابه ...
في الطريق تحدثا عن كل شيء يتعلق باليوم إلا عن جيمي ..كان ينتظر أن تخبره بنفسها عن الامر الذي جعلها تبعد طفليها بتلك الطريقة الغريبة و كأن هناك قاتل أو مختطف ليختطفها و يهرب
نزلت من سيارته و وقفت عند نافذته تودعه
- " عمت مساءا يا تود و أشكرك لوقوفك بجانبي اليوم "
حسنا اذا لن تتحدث عن ذلك الامر الذي يشغل تفكيره اليوم .. شعر بخيبة أمل .. لكن مع ذلك ابتسم لها
- " عمتي مساءا يا سارا .."
تأهبت لتستدير لكنها اوقفها بسؤاله
- " هل تتناولين العشاء معي غدا ؟ "
فكرت قليلا فهو قدم لها الكثير و هي رفضته أكثر من مرة أتى الوقت لأن ترد له الجميل بأن تواتفق ابتسمت
- " حسنا "
- " رائع .. غدا في منزلي ..سأعده بنفسي "
- " جيد .. إلى اللقاء "
- " اعتني بنفسك "
- " سأفعل .. و أنت كذلك "
دخلت المنزل و صعدت إلى حجرة فيكي وجدته نائما بهناء بعدها اتجهت إلى غرفة فيكتوريا فوجدتها مضاءة فتحت الباب و نظرت إلى وجه ابنتها العابس ..
- " مرحبا "
هبت بوجهها و كأنها انتظرت دهرا ..
- " أمي أريد تفسير عن التصرف الذي قمت به اليوم ؟ "
- " ليس هناك تفسير يا فيكتوريا لقد رأيت أخيك ناعسا و أنا أعرف أنه لن يعود إلى المنزل وحده "
هدات قليلا .. إنه سبب منطقي ..
- " هل هذا هو السبب ؟ "
- " نعم ألم يخبرك براد ؟"
- " نعم أخبرني لكني لم أصدقه فأنا أعرف براد عندما يكذب .. لكني تأكدت عندما أرسلتي تود لكنني شككت بالأمر لأنك لم تاتي بنفسك .. أخبرني بأنك مشغولة "
- " هذا صحيح "
اقتربت من ابنتها و قبلتها همست بأذنها
- " أحبك "
- " و أنا كذلك يا سارا مولر "
خرجت من حجرة فيكتوريا إلى حجرتها أغلقت الباب خلفها و انهارت على الارض و هي تبكي .. كدت دموعها تنفجر و هي تسمع اسمه لاول وهلة .. لكنها حبستهما داخلها و اظهرت الشجاعة امامه .. و الان ليس هناك ما يدعي الشجاعة و دموعها تخنقها .. لقد اعتقدت أنه عندما تقابل جيمي بعد عشرة سنوات فراق بأنها ستضمه و تعانقه و انهما سيعيشان معا إلى الابد و لم تفكر بأنها ستقابله و ترى الحقد في عينيه و الانتقام ..فكرت بان الحق معها أن تتركه و تهرب منه فهو غدا انسانا مختلفا بعد أن تزوجا و عادت بذاكرتها إلى ذلك اليوم عندما بدأت حياتهما بالتدهور...
دخل جيمي المنزل الكبير الذي اشتراه بعد عقد قرانهما في نيوجيرسي مع العائلة و الاصدقاء القدامى الذين سعدوا بعودة جيمي و سارا إلى بعضهما إلا والد جيمي الذي لم يحضر الاحتفال فهو لا يزال معترضا على اقتران ابنه الوحيد بابنة الجنرال أدوارد مولر ..
كانت حفلة الزفاف كما تتمناها كل فتاة ..
و كعادتها صعدت الطابق العلوي و فتحت الخزانه التي تحمل اشياء ثمينة و أخرجت منه الألبوم الذي يحوي صور الزفاف و شهر العسل الذي لن تنساه ...
فتحت أول صفحة لتجد صورا للمكان الذي عقد فيه حفل زفافهما في كنيسة المنطقة و حفلة الاستقبال كانت في حديقة منزل الجنرال التي تزينت بالمصابيح البيضاء و المظلات الخشبية التي زينت الطاولات البيضات المزينة بدورها بالياسمين و تلألأ حوض الاستحمام بالشموع و الورود ..كانت الحفلة ساحرة و ارتدت سارا فستان من الدانتيل الابيض عاري عند الصدر و الظهر و التصق بجسدها الرشيق و يمتد كذيل طويل إلى الخلف و الطرحة الخفيفة ثبتت فوق شعرها البني الذي رفعته إلى الاعلى و زينت عنقها بعقد اللؤلؤ الذي اشتراه لها جيمي ..
الذي بدا بدوره خلابا و تمنت كل الفتيات ان يكون عريسهن فقد بدا ببذلة التكسيدو السوداء و ربطة العنق الفضية و شعره المسرح بالجل إلى الخلف و ذقنه الحليق .. ساحر و يخطف الألباب و هذا على اتفاق الجميع ..
رقص معها الليل بطوله و أخبرها بأنها حلم حياته و انه أسعد رجل على وجه الارض ..
رأت صورته و هو يهمس بأذنها و تذكرت كلامته و صوته و حتى انفاسه الحارة على عنقها .. دغدغها الشعور و جعل قلبها ينتفض كما تلك الليلة ..
وضعت البوم الزفاف جانبا و أخذت اخر يحمل صور شهر العسل .. يوم أخذها في رحلة إلى باريس كانت عشرون يوما مليئة بالحب و القبلات و المقاهي و الأسواق ...
احست بأنها خلال السنتين الماضيتين قد حرمت من هذه السعادة التي يفترض ان تعيشها من قبل .. و عندما عادا إلى واشنتون فاجئها بمنزلهما الكبير الذي اشتراه حديثا ليكون عشهما حيث سيكبر أبنائهما فيه .. كان المنزل رائعا بلونه الأبيض و بنوافذه الكبيرة الزرقاء الذي كان يطل على حديقة كبيرة يوجد بوسطها بركة سباحة و حولها توجد ألعاب للأطفال ..لفيكتوريا .. عندما دخلت المنزل تفاجأت بأناقة الأثاث و وسع الغرف و الصالات و قاعة الطعام الكبيرة .. أنه منزل الاحلام ..قبلته يومها بشغف و قضيا ثاني اجمل ليلة بالنسبة لهما في غرفتهما الواسعة ..
عاشت فيه أجمل سنتين من حياتها و انجبت الطفل الثاني لهما ..فيكتور .. تذكرت سعادة جيمي عندما أخبروه بأنه رزق بصبي ..خرج من عمله راكضا إلى المستشفى و كانت عيناه تدمع من السعادة.. دققت في ملامحه على الصورة التي امامها .. انه وسيم وسيم وسيم و هي تعشقه وقتها و تعشقه الان اكثر مما سبق ...
إلى أن أتى ذلك اليوم الذي بكىفيه بمرارة هذه المرة بشيء بيعد كل البعد عن السعادة اقتربت منه و ربتت على كتفه و قد ساورها القلق فجيمي لم يبكي بتلك الطريقة إلا عندما توفيت والدته ..
- " جيمي .. حبيبي هل أنت بخير؟ "
التفت لينظر إليها فلم يجد إلا عيون زوجته الجميلة و طفليه البريئين يرمقانه بعيناهما الواسعة .. تركهم و دخل حجرته فتبعته سارا بقلق
- " جيمي ما بك يا حبيبي؟!"
ضمها إليه بقوة و زاد بكائه و تمتم بصوت خافت
- " افتحي التلفاز "
ابتعدت عنه بقلق و فتحت التلفاز و توقفت عند قناة الاخبار.. شهقت ثم وضعت يدها على فمها حتى لا تصرخ و يهلع الاطفال انتبهت إلى جيمي كان منهار .. صدمت عندما سمعت مذيع الاخبار يقول
( لم يجد رجال الشرطة الرجل الذي اغتال عضو الكونغرس السيناتور ماثيو بروكس ... )
أطفأت التلفاز بسرعة انها لا تحتمل ان تسمع بعد .. احتضنت جيمي بقوة و أخذت تبكي معه إنها لمأساة أن يفقد الشخص أعز ما يملك لقد فقد والديه و بظروف مفاجئة فوالدته تتوفى فجاة بحادث سيارة و بعد ست سنوات يتوفى زوجها مغتالا ؟!! شيء غريب ما يحدث مع هذه العائلة .. شعرت بان الخطر يحوم حول عائلتها الصغيرة و بأن شيئا سيحدث لهما عما قريب ...
وقفت بالقرب منه في جنازة والده لقد تغيرت صحته و بدا هزيلا كما حدث عندما توفيت والدته من قبل ..تعبت نفسيته و انهار و لم يبقى جيمي كما السابق .. لقد فقد مرحه و كأنه رجلا في الخمسين من العمر ...
و الذي زاد الامر سوءا انه ورث والده و الشركة أصبحت ملكا له .. لم يكن برغبة في ادارة الشركة .. خاصة بأنه لم يعد يشعر برغبة في العيش تدهورت حالته الصحية عندما بدأت شركته الجديدة بالخسارة و بدأت تهبط في السوق دون رادع لها فبخسارته لوالده خسر كل شيء .. صحته و مثابرته و عزمه على النجاح .. على الرغم من كل ذلك حاول جيمي أن يسيطر على الوضع لكنه لم يستطيع أن يواجه الإشاعات الجديدة التي لا يتحملها أي انسان فكانت تمس بشرف عائلته و تبعد باقي الشركاء عنه حتى ان المضايقات وصلت إلى زوجته فنشب شجار جديد بين جيمي و والدها الامر الذي عقد الامور أكثر .. فخسر كل شيء و رهنت شركته و منزله فتوجب عليهما مغادرة منزلهما الكبير الضخم لينتقلوا إلى شقة حقيرة في حي فقير ..
لم يستحمل جيمس هذا الوضع الجديد الذي طرأ عليه أحست سارا بأنه يبتعد و يحاول أن يهرب من مشاكله بشربه .. كان يسهر طوال الليل و يعود في الصباح ليبحث عن عمل يعيل به عائلته ..
رفض فكرة أن تقترض سارا من والدها و صاح عليها أكثر من مرة أذا فكرت بالامر حتى.. بانه سيتركها .. فهو لا يزال يحتفظ بكرامته و كبرياء آل بروكس ..
أخبرته سارا بانها تود أن تساعده بالعمل لكنه رفض لأن فيكي لا يزال طفلا صغيرا و يحتاج إلى رعاية والدته .. و كون أن جيمي ليس لديه شهادة جامعية .. بل كل ما يملكه هو سمعة والده السيئة في واشنتون الامر الذي منعه من العمل الكريم ..
لكنه كان يعيل أسرته مؤقتا بما تبقى لديه من نقود في حسابه الذي بدأ ينفذ شيئا فشيئا .. فهو عاطل عن العمل .. و مدمن على الكحوليات ..
كان يعود إلى البيت ثملا و دائما ما يتشاجر مع سارا لأتفه الاسباب لكنه في الصباح يرجع إنسانا مختلفا يخرج إلى المنزل ليعاود البحث عن عمل و لا يعود إلا في المساء و هو ثملا.. لذلك لا يتقبل أي شيء تقوله سارا فهو لديه مشاكله و اسوء من ذلك بانه خذل أحب إنسان إلى قلبه و لا يستحمل ان يرى نظرات العتاب خاصة منها لذلك كان يتهرب منها هي بالذات لاه يشعر بالخزي و العار ..
و هكذا هي حياتهما لم تعد سارا تتقبل هذا الوضع الذي دام لأكثر من سنة فواجهته ذات يوم و هددته بأنها ستغادر مع أطفالها اذا لم يكف عن احتساء الكحول .. و كانه لم يسمع شيئا منها و لم يعرها انتباها أصبح لا يهتم لمظهره و كئيبا جدا ..
و في ذات يوم أخبرته بانها بدأت تكره جيمي الجديد و لا تريده و أنها تريد الطلاق منه فلم يجيبها إلا بصفعة على وجهها ..
تحسست سارا و جهها و كأنها رجعت بالزمن عشرة سنوات إلى الوراء و كأنها أحست بألم تلك الصفعة ..
تذكرت بانها لم تجد في عينيه أية ملامح ندم و عوضا عن تقديم الأسف لها تركها و خرج من المنزل ... بعد تلك الصفعة التي تلقتها من الرجل الوحيد الذي أحبته فتحت أبواب العديد من الصفعات المتتالية و الضربات و الكدمات .. و الجنون و الصراخ في منتصف الليل .. فيستيقظ الاطفال مرعوبين فزعين .. و كعادته لا يواجه الامر إلا بهروبه من المنزل .. لقد غدا وحشا كاسرا .. لم تعد تطيق العيش معه لذلك عزمت الأمر ان تغادر فلقد طفح الكيل و ادى إلى فيضان اغرق ما حوله ...و من بينهما الحب .. قامت بتجهيز الحقائب و استعدت لأن تغادر هذا المساء عندما يعود إلى المنزل ...
دخل المنزل فألقى بجسده الثمل على الفراش و نام.. و كعادته عندما ينام لا يشعر بشيء و كأنه ميت بلا حول و لا قول ..
حملت أطفالها و قبل ان تخرج نظرة إليه لاخر مرة .. و طبعت قبلة على شفتيه و هي تبكي بألم .. خرجت من المنزل و منذ ذلك اليوم لم تر جيمس على الاطلاق.. حتى عصر هذا اليوم في الفندق ...
استيقظ في صباح ذلك اليوم الذي تركته به سارا ..خرج من حجرته حتى يتناول فطوره .. فلم يجد فطوره ..
- " سارا .. سارا .."
وخزه قلبه بأن ما خشيه قد حدث فعلا لقد تركته سارا .. حبه الوحيد و كل ما تبقى له في هذه الدنيا تركته للدنيا الذي ظلمته و ظلمت عائلته و حولته إلى وحش بلا مشاعر ..
بحث عنها في شقتهما الحقيرة الخالية من الاثاث .. فلم يجد لها أثر .. فتح الخزائن .. و بالفعل .. لقد غادرت .. هددته أكثر من مرة بأنها ستأخذ الاطفال اذ لم يجد حلا لجنونه .. لقد قبلت أن تعيش معه بالفقر بشرط أن يرجع كزوجها القديم الذي أحبته ..
صرخ و شتم و كسر المرايات و الزجاج .. لقد انهار .. ألا يكفيه وضعه المزري .. ألا يكفيه خسارة..
لن ينفعه الندم الان .. تكور في احدى زوايا الشقة و خبأ رأسه بين رجليه .. و بكى .. كابنه الصغير عندما يفقد لعبته .. ان بداخل كل رجل طفل صغير .. طفل تمرد .. و بغروره و كبريائة خسر زوجته و أطفاله ..
مر شهر و جيمي حبيس المنزل لا يخرج منه إلا ليشتري المشروب الذي يجعله يغيب عن العالم الذي هو فيه .. لم يعد يهتم بنظافته و لا بنظافة المنزل ..
و في يوم من ايام يناير الباردة المثلجة اوقظ جيمي صوت طرق الباب .. تجاهله فلابد بانه صاحب البناية يريد نقوده لهذا الشهر .. من أين يجلب له النقود و هو عاطل عن العمل و كل ما ينفقه هو على الشراب الذي يحتسية طيلة الاربعة وعشرين ساعة .. كان طرق الباب عنيفا هذه المرة تجاهلة حتى سمع صوت يناديه باسمه من غرفة الجلوس ..
دخل ستيف الشقة التي لا اثر للحياة فيها .. شعر بان جيمي قد توفي او قد اصابه مكروه .. رائحة الشقة نتنة .. و كأن هناك جثة ..
- " جيمي .. جيمس .."
دخل اثنان من اصدقاء ستيف خلفه و بيد احدهم بندقية لصيد الطيور احضرها معه للاحتياط فكما اخبرتهم سارا بان جيمي غدا وحشا كاسرا و سهل استثارة غضبه ..
خرج جيمي عندما عرف صوت مناديه .. وقف امامهم في عتمة الممر الذي يفصل بين الحجرة و غرفة الجلوس الخالية من الاثاث فلقد باع كل ما لديه حتى يستطيع أن يدفع ثمن شرابه و هذا الخراب الذي يضفه في هذا الفصل المثلج ..
- " ماذا تريد ؟"
لم يشعر ستيف بوجوده إلا عندما سمع صوت بارد كبرودة الطقس في الخارج .. نظر ناحية الممر المعتم ليجد شخصا طويلا و هزيلا جدا عاري الصدر و يرتدي بنطال مهتريء و كانه لم يخلعه دهرا.. و كما أن الشعر غطى وجهه فنمت لحيته غير مرتبه و شعره طال كثيرا و غير مرتب ايضا
بدا شكله مرعب جدا ..و كانه من الهيبيز .. إنه ليس جيمس الذي يعرفه قبل سنوات .. ذلك الرجل الذي لا يرتدي إلا الملابس باهضة الثمن و لا يقود إلا أفضل السيارات و لا يأكل إلا في أفخم المطاعم .. لقد خسر كل شيء بالفعل ..الا كبرياءه و غروره .. قال ستيف في قلبه ..
خرج جيمي إلى النور و أغمض عينيه و كأنه لم ير النور منذ مدة .. كانت عينيه ذابلتين و وجه أصفر شاحبا ..
- " كيف حالك يا جيمي ؟ "
تقلبت نظراته بين ستيف و أصدقائه الواقفين خلفة و ذلك الرجل الذي يحمل بندقية .. استغرب من وجود ذلك الرجل الذي يصوب بالبندقية ناحيته .. اشار على ذلك الرجل دون أن يشعر بالرعب أو الخوف ..
- " ماذا تريدون مني ؟ "
فهم ستيف بأن جيمي هادئا و لا ينوي أن يفعل شيء جوننيا فأشار إلى صديقه أن يبعد البندقية و ينزلها أرضا اقترب ستيف من حيث يجلس جيمي على كرسي قديم يحدق فيهم
- " جيمس .. نحن هنا حتى تمضي على ورقة طلاق اختي"
أستشاظ غضبا فوقف و اقترب من الباب
- " أنا أسف يا ستيف لانني لم أكن مضيافا كما يجب أن يكون الشخص المهذب.. لكنني لم أعد شخصا مهذبا ..للاسف .. لذلك تفضل أنت و صديقك ذو البندقية الظريفة بالخروج "
تحكم ستيف بأعصابه و قال بهدوء
- " لن نخرج يا جيمي ألا و الاوراق موقعة "
هز رأسه نفيا
- " لن امضي على أي شيء .. لذلك لا تتعب نفسك "
فقد ستيف أعصابه و صرخ عاليا
- " بل ستمضي و إلا ..."
- " و إلا ماذا يا ستيف ؟؟!! هل ستصوبني بتلك البندقية ؟!!! افعل .. الا ترى بان لم يعد هناك شيء يستوجب أن ابقى حيا من أجله ... هيا افعل ... ريحني و و اختك الغالية .. افعل ..او انا افعل .. ناولني تلك البندقية السخيفة ..."
تعاطف ستيف مع كلمات جيمي اليائسة ..
- " حسنا يا جيمي .. ساترك الاوراق هنا و سأعود بعد إسبوع لاخذها .. اتمنى ان تكون موقعة حتى ذلك الحين .. "
- " لا "
- " ماذا تريد يا رجل .. لقد تركتك سارا و لا تريدك انها لا تريد ان تعيش معك هكذا.. لقد حولت حياتها على جحيم و هي الان تتعذب .. لقد تركت آثار و كدمات بجسدها الضعيف كيف لك أن تفعل هذا ؟.. اتتذكر عندما اخبرتني بانك تعشقها و لن تؤذيها او تضايقها ؟!! الان ترفض ان تطلقها ... أنت لا تستحقها و لا تستحق الحب الذي اعطتك إياه .. لقد استحملتك رغم عيوبك و عاندت والدي الذي يعرف أصلك .. و رفض زواجكما و علاقتكما منذ البداية لقد خشي هذا اليوم .. و الان ..ستطلقها و احفظ ما تبقى لك من كبرياء "
بقي واقفا بلا ملامح او تعبيرات على وجهه و كأنه لم يسمع أي كلمة مما قالها ستيف .. ترك المكان و دخل حجرته ..
شتم ستيف و لعن ..ضع الاوراق على الكرسي قطعة الاثاث الوحيدة في الشقة المتكسرة و خرج ..
عندما عاد ستيف إلى نيوجيرسي استقبلته سارا و هي تتحرى أخبار متعلقة بزوجها الذي فرض عليها الطلاق منه .. كانت تأمل اذا غادرته سيشتاق لها و يعود جاثما على ركبتيه امامها حتى تعود له .. لكنها تذكرت بانه ا يملك أي شيء حتى يأتي لها .. بل يملك غرور و كبرياء يمنعانه من يقوم بذلك التصرف بالاضافة إلا خلو الجيب ..
اقتربت من أخيها و سألته بعينان قلقتان عندما رأته غاضبا
- " اخبرني يا ستيف ماذا جرى ؟"
- " هل حقا تودين أن تعرفي ؟"
- ارجوك اخبرني انت تعرف باني انتظرك منذ يومان "
زفر بقوة و نظر إليها .. إن هذه المجنونة لا تزال تحب ذلك الوحش المخيف .. إنه يرى ذلك في عينيها .. بل يرى بانها لا تريد أن تسمع بانه أحضر أوراق الطلاق معه و هي ممضى عليها من قبل جيمي ..
- " انت تعرفين كل شيء .. لقد رفض أن يمضي على الاوراق "
عادت خطوة إلى الخلف .. و شعرت بالسعادة في داخلها .. تراقصت دمعتها لسقوط لكنها كبحتها
- " هل هو بخير ؟! "
- " أنا اعرف يا سارا بأنك تودين سماع أخباره .. أنا لا ألومك .. فأنت مغرمة به .. و الذي لا استطيع ان افهمه هو سبب حبك له رغم ما فعله بك .. انظرى إلى يدك لا تزال آثار ضربه لك عليها "
آلمها كلام أخيها الصادق .. فكل ما يقوله صحيح .. إنها تحب جيم بجنون على الرغم من قسوته معها .. لكنها لم تنسى الايام الجميلة التي عاشتها معه .. التي تبعد كل تعاسها التي عاشتها في الاونة الاخيرة .. غطت وجهها و بكت بقهر .. شعر بالاسف لحالها فربت على كتفها
- " أنا آسف يا سارا .. لم أقصد .."
رفعت رأسها و وقفت حتى تبتعد عنه
- " أعرف ذلك .. لا داعي لان تتأسف يا ستيف .. للاسف بان كلامك صحيح .. انا غبية ..و مجنونة أيضا .. لا عليك مني "
تنهد ستيف فأخته الصغير تفطر القلب
- " لا بأس لا داعي لان تقسي على نفسك .. لقد تركت الاوراق عنده و أخبرته بأني سأتي في الاسبوع القادم لاخذهم موقعين .. "
- " هل وافق ؟"
- " بالطبع لا .. لقد تركني و غادر الحجرة .. كيف استطعت أن تعيشي في ذلك المكب؟"
اغمضت عينيها و هي تتذكر ذلك المكان الحقير في الحي الفقير المرعب الذي تسمع فيه تقريبا كل يوم صوت اطلاق النيران و سيارات الشرطة و الاسعاف و كل يوم تصلي لان لا يصيب زوجها و أطفالها أي شيء ..
- " لقد فعلت الصواب يا اختي بمغادرتك المكان .. إنه خطر ,, و لو كنت اعرف ذلك لاخذتك منذ فترة .. آه كيف استطاع ان يجعلك تعيشين في ذلك الجو الخطر أنت و الاطفال .. إنه مجنون "
- " ارجوك توقف يا ستيف .. أشكرك لانك تهتم بنا .. اقدر لك هذا "
حضنها و قبل جبينها
- " انت اختي الصغيرة .. لا تقلقي ستكون الامور على ما يرام صدقيني .. "
لم تنم تلك الليلة و هي تتخيل شكل جيمي بعد أن تركته و هو نائم و كم بدا وسيما حتى و هو هزيلا و تعبا .. تريد أن تعود له .. و كم حاولت ان تهرب و تذهب لتلقي نظرة عليه .. لكن والدها يكبسها و ينهرها كلما فعلت ..
خرج جيمي من حجرته في اليوم التالي و اخذ الاوراق التي تركها ستيف .. قرأ ما بها و رأى توقيع سارا في آخر الصفحة .. اذا انها حقا تريد الطلاق ..
- " لم تفعلين بي ذلك يا سارا .. انا احبك .. احبك .. "
فكر قليا بينه و بين نفسه عندما سمع صوت سيارات الشرطة و الاسعاف في الخارج و صوت ارتطام و صراخ رجال في الخارج ..و كان شيء أوقظ موته الداخلي .. فقال بنفسه : و هل احبها لاجعلها تعيش في هذا الخراب معي .. و دون أن اوفر لها الحياة الكريمة هي و اطفالي .. لا .. لن اسمح لنفسي بأن اجرها إلى هذا المكان مرة اخرى .. و لن اجعلها تعيش معي في شقاء و بؤس .. إنها لم تكن سعيدة .. و ان كنت احبها فعلا فساتمنى لها السعادة .. انا اعرف بانها لا تزال تكن لي عاطفة .. انها تحبني .. لذلك تركتني قبل أن تكرهني فعلا .. اتمنى ان تعرف باني فعلت ذلك فقط لانني اتمنى لك الخير .. لانني احبك و سأحبك للابد ..
و بتردد امضى على الاوراق الثلاثة و وضعها في مكانها حتى يأخذها ستيف في الاسبوع القادم ..
دخل ستيف و ألقى بالاوراق إلى سارا و هو يبتسم .. تضايقت و انزعجت و خشيت ان تفتح الاوراق فتجد بأن جيمي قد أمضى عليها فعلا .. كانت والدتها تنتظر بفارغ الصبر ان ترى امضاءه .. فتحته و تصفحت الاوراق .. و آلمها ان ترى توقيعه الذي اعتاد ان تراه في ملفات العقود و الشركات و اوراق المدرسة لفيكتوريا و الان تراه على ورقة طلاقهما .. ورقه ابعادهما عن بعض ... تركت الاوراق على الارض و دخلت حجرتها .. لقد ابقت دمعتها طيلة الشهرين بما فيه الكفاية حتى لا يراها والدها او والدتها ...
بكت بحرقة .. اذن لقد فعلتها يا جيمي .. شكرا لك .. لقد اعتقدت بانك ستاتي .. و تجرني من يدي .. و سأذهب معك .. انت تعرف بان سأعيش معك حتى لو في القبر .. لم فعلت ذلك يا جيمي لم ؟؟ الم تعد تحبني ؟؟ ماذا عن اطفالك ؟ اتحرمهم من ابتسامتك ؟ و غنائك ؟ انت تجيد اضحاكهما اكثر مني .. حتى اشعر في مرات بأنهما يحبانك اكثر .. لاني انا احبك اكثر .. اريدك الان يا جيمي .. اريد ان اشتكي عذابك لك ..لم يا جيمي تبعدني عنك ..
خرجت من حجرتها و بيدها معطفها و الدموع تتساقط على الارض ..
- " الى اين يا سارا ؟ "
صاح والدها و هو يراها تفتح الباب لتغادر .. فقالت بصوت باك منكسر
- " سأذهب إلى جيمي "
شهقت والدتها و وقفت ..
- " لقد جنت ابنتي .. اوقفها يا ادوارد .. ستيف .. تحركا "
ركض ستيف خلف سارا فحملها على كتفه و هي تركل و تحاول الافلات منه و تصرخ .. خرج الجيران ليروا ما يجري
- " اتركني .. انا احبه .. احبه .. لا اريد الطلاق .. ارجوك .. ستيف .. دعني اذهب له .. احبه "
ادخلها المنزل و أوصد قفل الباب خلفه .. نهرها والدها و قد برزت عيناه
- " اجننت ؟؟ اتنوين ان تضعي سمعتي في الارض كما فعلت منذ سنوات ؟ ان لك اطفال يا معتوهة .. اسمعي ابنك .. انه يبكي .. اتريدين تركه لان تعودي إلى ذلك الحقير .. فكري بأبنائك .. فكري بعقلك لا بعواطفك .. لقد انتهى الامر و قبل بروكس بالطلاق .. لقد فعل الصواب لاول مرة في حياته .. تعقلي .. انك ام لطفلين .. انهم يحتاجان لك الان و لا يريدان ام منهارة لا تعتني بهما .. كل ما تفعلينه يا سارا بالاونة الاخيرة هو النوم و البكاء .. ماذا عن فيكي .. انه يريد والدته .. و فيكتوريا تريد ان تساعدها والدتها بواجباتها المدرسية .. اذا جيمي لا يزال يحبك سيبذل ما بوسعه لان يعود كما السابق و يوفر لك منزلا كريما في حي كريم و يستطيع ان يعيل اسرته التي كونها .. "
بعد هذا الكلام الجارح لم يعد لها شيء لقوله .. فهذا ما يجب ان تفكر فيه .. انهارت على الارض و اخذت تبكي .. فالحقيقة جارحة و تدمي .. حضنتها والدتها و مسحت على رأسها و كانت تواسيها..