كاتب الموضوع :
محبة القراءة دائما
المنتدى :
روايات زهور
العفو اختى flower 19 ان شاء الله سأقوم بكتابة جزء منها كل يوم
ابتسم الاب لاول مرة قائلاً :
ـ أبى ؟ ! إنها المرة الاولى التى تنطق فيها بهذه الكلمة منذ أن التقيت بك دون أن تحمل فى طياتها ذلك الازدراء الذى رأيته فى عينيك
أشاح ( وجدى ) بوجهه قائلاً :
ـ لا تحاول أن تؤثر على عاطفيا إن الموقف الذى اتخذته حيالك لن يغير من الحقيقة شيئا حتى لو لم أكن راضيا عن هذه الحقيقة
و استدار إليه و بدت ملامح التردد واضحة على وجهه و بعد برهة من الصمت قال مستسلما :
ـ حسنا .. سأعينك حارسا للفيلا إذا كان هذا ثمنا لسكوتك و ضمانا لإخفاء حقيقة الصلة التى تربط بيننا على أن تلتزم بحفظ هذا السر إلى الأبد
قال الأب و فى صوته نبرة حزينة :
ـ لقد أخبرتك بأننى سألتزم بهذا ـ بالنسبة للآخرين ـ عدا أختك بالطبع فيجب ..
لكن ( وجدى) قاطعه قائلاً :
ـ حتى أختى يجب ألا تعرف ذلك
احتج الاب قائلاً :
ـ و لكن ..
لكن ( وجدى) عاد لمقاطعته قائلا:
ـ هذا هو شرطى
قال الأب :
ـ ألا تظن أنها ستتعرفنى عندما ترانى ؟
قال ( وجدى) :
ـ لا أعتقد ذلك فقد كانت صغيرة عندما غادرت المنزل و لا أظن أنها ستتعرفك بعد كل هذه السنين الطويلة
قال الاب بانكسار:
ـ حسنا .. أوافق .. أوافق يا ولدى
2 ـ شئ فى نفسى
ــــــــــــ
توجه ( وجدى) فى صحبة أبيه إلى غرفة صغيرة فى أحد أركان الحديقة و دس المفتاح فى قفلها ليفتحها ثم أضاء النور قائلاً :
ـ هذه الغرفة كانت مخصصة لحارس الفيلا السابق و ستكون محلا لاقامتك
كانت الغرفة متواضعة للغاية يتوسطها بساط قديم و سرير معدنى صغير فى أحد أركانها و بالقرب من النافذة الخشبية الصغيرة كانت توجد منضدة معدنية أمامها مقعد واحد لتناول الطعام و لم يكن هناك من وسائل التسلية سوى تليفزيون عتيق الطراز و بعض الادوات الاضافية الصغيرة الاخرى و تطلع الأب إلى محتويات الغرفة الصغيرة دون أن تبدو على وجهه علامات بل بدا سعيدا بها و هو يقول :
ـ حسنا .. هذه الغرفة تناسبنى تماما
لكن ملامح الضيق كانت واضحة على وجه ( وجدى) فقد انتابه شعور مبهم بعدم الرضا عن هذا الوضع و بأنه لا يليق به أن يسكن تلك الفيلا الفاخرة تاركا أباه ينام فى هذه الغرفة المتواضعة فى أحد أركان الحديقة مهما كان موقفه من أبيه بل لم يكن راضيا عن تعيينه فى هذه الوظيفة كحارس لفيلته و أحس بأن ذلك الأمر ينطوى على شئ من النذالة و الخسة و لكنه حاول تجاهل هذا الشعور الذى أخذ يراوده قائلاً :
ـ بالنسبة للطعام يمكنك أن تحضر إلى المطبخ فى أى وقت لتأخذ ما تحتاج إليه
قال الأب وقد بدا و كأنه قد تذكر شيئا غاب عنه :
ـ هل تعرف أننى لم أتناول أى طعام منذ الصباح ؟
قال ( وجدى) :
ـ سأحضر لك بعض الطعام من الثلاجة
قال الأب متسائلاً :
ـ ألن تدعونى لرؤية فيلتك ؟
قال ( وجدى) مترددا :
ـ نعم .. و لكن ..
الأب :
ـ لقد قلت لى أن زوجتك و ابنك فى الخارج إذن يمكنك أن تجعلنى أرى منزلك من الداخل دون حرج
( وجدى) :
ـ و لكن قد تصل ( نجلاء) و الولد فى أية لحظة فماذا أقول لهم ؟
أجابه الأب :
ـ لا شئ ستقول إنك عينت حارسا جديدا للفيلا و أنك تطلعه على كل ركن فيها حتى يقوم بعمله كما يجب أعتقد أنها حجة مقبولة
قال ( وجدى) متبرما :
ـ حسنا تعال معى
تطلع الاب إلى الفيلا الأنيقة من الداخل والتى بدت أشبه بأحد القصور الصغيرة و فى عينيه نظرة اعجاب و انبهار قائلاً :
ـ لديك مسكن يدعو للاعجاب حقا فكل ما هنا ينطق بالثراء و الاناقة
قال الابن متجاهلا تعليقه :
ـ سأرى ماذا يوجد فى الثلاجة من الطعام ؟
توجه إلى المطبخ فى حين قال الاب بصوت عال :
ـ كل هذا الثراء و ليس لديك خادمة و طباخ فى المنزل ؟
( وجدى) :
ـ الخادمة تغادر المنزل فى السابعة مساء و زوجتى تتولى اعداد الطعام بنفسها لأنها طباخة ماهرة
الأب:
ـ ما رأيك لو ساعدتها فى اعداد بعض الحلوى من آن لآخر ؟
عاد الابن من المطبخ حاملا صينية بها نصف دجاجة محمرة و بعض شرائح من البطاطس و أنواعا مختلفة من الجبن و كوبا من العصير ليضعهما على المائدة أمام والده و هو يجيب على سؤاله بحسم :
ـ لا لن يكون لك علاقة بالمطبخ أو بأى شئ آخر داخل هذا المنزل يكفيك حراسة الفيلا فقط
ابتسم الأب قائلاً :
ـ ألم تعد تشتاق إلى الحلوى الشرقية التى كنت أعدها لك و أنت صغير ؟
ابتسم ( وجدى) بالرغم منه و قد أعادت إليه كلمات أبيه ذكرى قديمة و محببة إلى نفسه لقد تذكر الآن فقط صوانى الكنافة و البقلاوة و بلح الشام و كل تلك الحلوى الشرقية الرائعة التى تذوقها و هو صبى صغير و التى كان أبوه يتولى اعدادها بنفسه فى المنزل لقد تذوق أنواع مختلفة من الحلوى الشرقية و الغربية و ارتاد أفخر المجال التى تقدم تلك الاصناف من الحلوى فى الداخل وفى الخارج و لكنه لن ينسى أبدا ذلك المذاق الرائع لتلك الحلوى الشرقية التى كان يعدها أبوه و التى ورثها عن جده الذى كان يحترف اعداد ذلك النوع من الحلوى كمهنة
كان لتل الحلوى مذاق آخر فى فمه ربما لأن أباه كان يعدها بنوع من المتعة و الفن الراقى فكانت تأتى على أشهى صورة و كان هذا هو الشئ الوحيد الذى يجلب السرور إلى نفسه من ذكرى أبيه فى ذلك الماضى الكريه و مع ذلك فقد تجاهل الرد على سؤال أبيه قائلاً :
ـ هيا لتأكل ألم تقل إنك جوعان ؟
انتبه الأب إلى الطعام الموجود على المائدة فانجذبت كل حواسه نحوه و اندفع يجلس امام المائدة و ينكب على الأكل فى شراهة و نهم فى حين وقف ( وجدى) يراقبه و قد انتابه فجأة فيض من حنان البنوة تجاهه لقد وقف فى المطبخ يعد له ذلك الطعام و هو يسعى ـ دون أن يدرى ـ إلى انتقاء أفضل ما هو موجود لديه كما لو كان يعد هذه الأطعمة لنفسه بل إنه ـ دون وعى أو إرادة ـ تمنى فى قرارة نفسه لو وجد فى المنزل ما هو أفضل من ذلك ليقدمه لأبيه بالرغم من غضبه و نقمته الظاهرة عليه و الأغرب من هذا ذلك الإحساس المبهم الذى تملكه و الذى بدا له مضحكا و شاذا فى آن واحد لقد تمنى لو جلس على المائدة إلى جوار أبيه و ارتد طفلا صغيرا لا يتجاوز عمره ثلاثة أعوام ليتولى والده اطعامه بنفسه بل و يؤنبه لو سمح لبعض بقايا الطعام بالتساقط على صدره ربما لأن حرمانه الطويل من حنان الأبوة و تلك العلاقة الخاصة التى تربط بين الابن وأبيه و التى تختلف فى شكلها و مضمونها عن علاقته بأمه هو الذى دفعه إلى ذلك التفكير الغريب و سرعان ما هز رأسه بقوة و كأنه ينفض ذلك الإحساس العابر عن نفسه فأبوه مسئول عن أخطاء كثيرة فى حقه و حق أمه و أخته أخطاء مازالت جروحها باقية فى نفسه و يجب ألا ينساق وراء تلك العاطفة التى تحاول أن تشده إليه يجب ألا يغفر له ما ارتكبه فى حقه و حق أمه المسكينة أبدا و يبدو أن الأب قد لاحظ أن ( وجدى) يحدق فيه أثناء تناوله لطعامه و لاحظ تلك المشاعر المتناقضة التى ترسم خطوطها على وجهه فقال و هو يمضغ الطعام :
ـ أمازلت قلقا من وجودى ؟
قال ( وجدى) بصراحة قاسية :
ـ فى الحقيقة لا أستطيع أن أنكر أننى كنت أفضل ألا تكون موجودا فقد اصبحت بالنسبة لى لغما قابلا للانفجار فى أية لحظة ليطيح بأشياء كثيرة فى حياتى
قابل أبوه صراحته ببرود قائلا ً :
ـ هل ستظل واقفا هكذا ؟ اجلس
و جلس ( وجدى) على المقعد المواجه له حول المائدة فى حين أردف أبوه :
ـ على كل حال لا داعى لأن تسرف فى القلق فقد يكون وجودى معك مؤقتا و ربما تجدنى ذات يوم بعد أسبوع أو شهر أو عام أودعك راحلا عن هذه المدينة
قال ( وجدى) :
ـ هل هذا صحيح ؟
حدجه الأب بنظرة فاحصة و هو يتوقف عن مضغ الطعام ثم قال متجاهلا سؤاله :
ـ قل لى هل زوجتك جميلة ؟
تراجع ( وجدى) فى مقعده قائلاً بلا مبالاة اذ بدا مشغولا بما قاله أبوه بشأن رحيله :
ـ نعم و لكن قل لى : هل ما قلته عن استعدادك لترك المدينة جدى ؟
رد الأب أيضا بلامبالاة قائلاً :
ـ نعم فقد أسافر إلى إحدى الدول العربية
ثم أردف و هو يتابع حديثه عن زوجة ابنه :
ـ لقد سمعت أنها من أسرة كبيرة
( وجدى) :
ـ نعم أبوها نور الدين عزمى من عائلة كبيرة فى السويس و كان محافظا سابقا لبورسعيد و لكنك لم تحدثنى عن أمر سفرك هذا
عاد الاب يتجاهل سؤال ابنه قائلا و هو يحدجه بنظرة ثابتة :
ـ هل تحبها ؟
ابتسم ( وجدى) قائلا بتهكم :
ـ هل تريد أن تلعب معى دور الأب المهتم بحياة ابنه الاجتماعية ؟
الأب :
ـ و لكنى مهتم بالفعل
( وجدى) :
ـ حسنا فلتعلم أننى أحب زوجتى و ابنى و نحن سعداء فى حياتنا إذا كانت هذه هى رغبتك الحقيقية
الأب :
ـ ما اسم ابنك ؟ و عمره ؟
( وجدى) :
ـ اسمه وائل و عمره تسع سنوات
ابتسم الأب مرددا :
ـ وائل وجدى منصور الدهشورى اسم جميل
توقف الأب عن ازدراد الطعام قائلا باهتمام :
ـ و أختك ما أخبارها ؟
( وجدى) :
ـ ( هالة ) بخير تزوجت مهندسا يعمل فى مؤسستى و لديها منه طفلان و منزلها غير بعيد عن هنا
|