كاتب الموضوع :
hot-hot
المنتدى :
القصص المكتمله
الحلقة التاسعة عشر
~ ابتعدي عنّا ~
حالة أمي صارت أفضل بكثير ... ألحين تقدر تتكلم ... و تتحرك شبه طبيعي ... بس قوتها مو كاملة ...
و تمشي مع المسند ... و تصعد الدرج بصعوبة ... و أنا جنبها ...
كانت لها مواعيد كثيرة بالمستشفى ... و كنت أروح معها كل مرة ... و كل مرة يطمنا الأطباء أنها في تحسن ...
كنا جالسين على الغداء ... أنا و أمي و جدي و جدتي ... أمي صارت تقدر تمسك الملعقة و تاكل بيدها ...
كنا نتكلم عن حفيد العيلة الجديد المرتقب ( ولد أو بنت خالي ) اللي قرب وقت تشريفه ...
كانت جدتي تمزح و تقول :
- إذا جت بنت سميناها بدور و حجزناها لك يا بدر !
- جدتي ! مو كأني كبير عليها شوي ! أنا بالثانوية و هي لسه ما انولدت ! و بعدين يمكن يجي ولد ؟
وش رح تسمونه ؟
- وش رايك تختار له اسم أنت ؟
- بسام !
طلع اسم أبوي عفويا على لساني ... كنت أمزح ... أنا اللي ما أعرف أبوي و لا أعرف كيف كان ...
ما أعرف عنه إلا اسمه و صورته ... بس لا شعوريا طلع اسم أبوي على لساني كأني أقول لازم نسميه بسام احياءا لذكرى أبوي الله يرحمه ...
اعتقد أنها كلمة عادية ... ما أظن أن يصير لها أي تأثير من أي نوع على أي كان ...
لكن ...
أول شي صار ... الملعقة طاحت من يد أمي ....
و بعدها ... صارت يدها ترتجف ...
و بثانيتين ... انتقلت الرعشة لكل جسمها و صارت تنتفض و عينها فرّت فوق ... و عضلاتها كلها انشدت ...
في أول نوبة تشنج تصير لها ...
صرخنا كلنا .... و جينا نمسكها و جسمها كله متشنج ... كله يهتز ... كله متصلب ...
صرخت :
- يمه ... يمه ... يمـــــــــــــــــــه ....
في الإسعاف ... عطوها حقنة مضادة للتشنج ... و فورا قرر الطبيب أنه ينومها بالمستشفى ......
- دكتور وش اللي صار بأمي ؟
سألته و أنا مهلوع مفزوع ما فيني قوة أوقف على رجلي ... جاوبني :
- هذا تشنج ...
- وش يعني ؟
- يعني ... مثل اللي يصيب مرضى الصرع ....
تنومت أمي بالمستشفى ... و ردوا سووا لها فحوصات و تحاليل و تصوير أشعة من جديد ...
التشنجات العصبية العضلية هي شي متوقع يصير في حالات كثيرة من أمراض أوجراحات الدماغ .
و كنت خايفة أن قمر تجيها لا قدر الله هذه المضاعفات ... و اللي خفت منه صار ....
التشنجات تكررت عليها مرة ثانية بالمستشفى و بديناها على علاجات جديدة مضادة للتشنج
تخطيط الدماغ و الأشعة المقطعية للراس بينت بؤرة التشنج عند منطقة النزيف و حولها كتلة من الدم المتجمد .
و احترنا ... هل نكتفي بالأدوية و إلا نسوي جراحة ثانية ؟
قررنا نعطي الأدوية فرصة كم يوم و نشوف ...
في اليوم الثاني جيت لعندها و هي بغرفة العناية المركزة مو عارفة إش أقول لها ؟؟
تصبري ؟ الحمد لله أنت أحسن ؟ صحتك أفضل ... ؟؟؟ و أنا أشوفها قدامي من تدهور إلى تدهور ثاني .... ؟؟
لكن ...
الحمد لله على كل حال ...
قمر كانت صاحية و بكامل وعيها ... و بنفس قدرتها الحركية ما تأثرت ... كانت سرحانة تطالع صوب النافذة ...
- أم بدر فإيش سرحانة يا ترى ! أكيد تفكر بالولد المدلل !
قلت بأسلوب مرح و أنا متوجسة من ردة الفعل ، بس أشوى ... ابتسمت لي ابتسامة خفيفة ...
- كيفك اليوم ؟
سألتها و أنا أمد يدي صوبها أبي أصافحها و أشجعها على الكلام و في الواقع ودي أتأكد من قدرتها على الحركة الكلام
صافحتني و قالت :
- الحمد لله
ارتحت ... و تأكدت من أنها بخير رغم كل شي
- وش شاغل بالك ؟ بدر ؟
سألتها ، و ردت علي :
- بدر ... ودي أتصل به ... أطمنه علي و أتطمن عليه ....
و طالعت صوب النافذة ... و اكتشفت أنها كانت تطالع في الهاتف اللي جنب النافذة ... لحظة دخولي الغرفة ...
كان هاتفي الجوال معي بس ممنوع استخدمه داخل غرفة العناية المركزة ... قمت و رحت لعند الهاتف
و اتصلت ببيت أبو ثامر و طمنتهم على قمر ... و كلمت الولد و قلت له أن أمه ودها تكلمه بس ما تقدر
تقوم عن السرير و الأجهزة موصلة بجسمها
و على كل ... كلها كم ساعة و يجي وقت الزيارة ... و تشوفه و يشوفها و ترتاح قلوبهم ....
و طلعت ( كذابة ) ... لما جاها التشنج قبل هالكم ساعة ... و اضطر الطبيب يعطيها جرعة عالية من دواء التشنج ... خلاها تدخل في نوم طويل و عميق ...
أذكر نظرة بدر لي و هو يطالع أمه و يشوفها غايبة عن الوعي تماما ... و أنا اللي قلت له الصباح أنها
بخير و دها تتلكلم معه ...
الولد كان يبكي بمرارة و بحرارة ... و أنا ما قدرت أقول أي كلمة زود ... طلعت من الغرفة و خليته معها ...
و برى الغرفة قابلت بقية أهلها ... و أول ما سألوني عنها قلت :
- اسألوا الطبيب اللي يعالجها أفضل
و استأذنت و مشيت عنهم ...
لأني كنت أسأل عنها باستمرار عرفت آخر أخبار قمر ... و أنها بالمستشفى منومة ....
سلطان بعد كان يسألني عنها من وقت لوقت ... بالتالي عرف مني أنها بالمستشفى
أخوي طبعا كان بالكاد توه بدأ يلتقط أنفاسه بعد رحيل الغالية ... قبل عشر شهور ...
الشركة للحين ما رد لها بس صار يناقش بعض أمورها مع ياسر أخيرا ...
لما قلت له أن قمر بالمستشفى تضايق ... أصر أن إحنا نزورها
هي كانت بالعناية المركزة و قانون المستشفى ما يسمح لأكثر من شخص واحد يدخل يزور المريض
في الوقت الواحد ... و لا يسمح أن الزاير يظل بالغرفة أكثر من دقيقتين .
و في الغرفة ، كل سرير يكون مستور بستار حواليه ... و الممرضة غالبا ما تكون جالسة جنب السرير
تراقب ...
كنت خايفة أن أهلها يكونون موجودين ... و يشوفونا ... ما هي عدلة أن أخوي يجي يزورها ...
و أنا أدري أنها مو عدلة ... بس وش أسوي في أخوي ... ؟؟
أنا بعد هالأخو ما لي غيره ... و أبي أسوي أي شي يرضيه أو يسعده ... المهم أنه يرجع مثل أول ...
الحمد لله ما كان أحد منهم موجود ... الظاهر جوا و راحوا ...
دخلت عليها ... سلمت عليها و صافحتها ...
ردت علي السلام و ابتسمت لي ...
- ما تشوفين شر ... الله يقومك بالسلامة قريب يا رب ...
- الله يسلمك ...
تكلمت معها شوي ... و بعدها قلت و أنا متخوفة :
- بو نواف وده يسلم عليك ...
و بسرعة ارتفعت نبضات قلبها و طالعت بمؤشر النبض .... و شفت كيف اضطرب ... و رديت أطالع بها ...
أكيد ... مو راضية ...
من بين أنفاسها اللي شهقت و تسابقت ... طلعت كلمة مرتجفة متخوفة :
- طيب ...
طيب ! يعني ما عندها مانع يسلم عليها ... ابتسمت ... و تركتها و جيت برى الغرفة و أخوي ينتظر ...
قلت له :
- تفضل ...
وقفت عند الباب ... و أنا حاطة يدي على قلبي ... إن شاء الله ما يجي أحد من أهلها و نصير بموقف محرج !
و الحمد لله عدت على خير ...
بعد ثواني ... طلع أخوي من الغرفة ... و شكله مرتاح ... ما أدري إش قال لها ... و بإيش ردت عليه ... ؟
رجعت لها مرة ثانية ودي أسلم عليها ...
فتحت الستارة شوي و دخلت عندها ...
مؤشر النبض كان ضارب سرعة ... و العرق يلمع على جبينها ...
مسكت إيدها و شجعتها و قلت ...
- إن شاء الله تطلعي من هنا قريب ... بارجع أزورك مرة ثانية ...
و الحمد لله في زيارتي الثانية كانوا نقلوها إلى القسم العادي ... برى غرفة العناية المشؤومة ...
و احنا رادين بطريقنا في السيارة ، أخوي شغّل اغنية ( أهواك ) لعبد الحليم حافظ ! و طلع مسبحته الفضية و يلاعبها في إيده و هو مبسوط !
أنا كنت جالسة على الكرسي اللي جنبه و أراقبه في كل حركاته ... دون ما يدري ، و صرت أعد الفصوص و هو يحركها ... كان ناقصها واحد !
- بانزل معك بيتكم شوق ...
قال أخوي و احنا نقترب من البيت ، رديت :
- حياك الله أخوي ...
دخلنا البيت و لقينا الأولاد يلعبوا ... و أول ما شافهم سلطان ناداهم و سلم عليهم و حصنهم ، و شال الصغير
على كتفه و صار يلاعبه و يقبله بحراره ... و ولدي مبسوط أن خاله أخيرا رد يلاعبه مثل أول ...
و هو ما يدرك ... انه خاله قاعد يتخيل بنته فيه و يعبر عن الأحاسيس اللي فقدها من يوم ما توفت ...
ياسر شافنا عند الباب و جا يسلّم :
- هلا بو نوّاف ! حياك الله تفضل ...
- الله يحييك . وحشوني الأولاد قلت أجي أشوفهم .
- الاولاد بس ؟ و أبو الأولاد ؟ ما له رب ؟
ضحكنا لحظتها بسعادة ... سعادة بسيطة ما كنا عشناها من وفاة الغالية ... بس ما لحقت تعيش ...
يوم جا سلطان يبي تنزّل ولدي من على كتفه الولد تعلق به أكثر ، مو مصدّق خبر ... ياسر ابتسم و جا يبي ياخذه بس هو مو راضي ....
- الولد طالع يحبك أكثر مني يا سلطان ! وش رايك تجيب له بنت و تزوجه إياها و نتخلص منه ؟
طبعا ياسر قالها بمزحة ، و مزحة عادية جدا ... بس سلطان طاحت عليه كأنها صخرة كسرت قطعة السعادة الزجاجية اللي كانت عليه ... و نزّل الولد على الأرض ... و قال :
- يالله ... أنا ماشي ...
بعد ما طلع أخوي سلطان تهاوشت مع ياسر ...
يعني لازم يجيب طاري بنت قدّام سلطان ؟ أنا ما صدقت أنه أخيرا ابتسم و بدا يتغيّر ...
بعدين ... اتصل علي أخوي و قال لي :
- ( لا بغيت ِ تزوري قمرة قولي لي )
ها الشي خلاني أحس ... أنه سلطان قاعد يحاول ينسى حزن بنته بأنه يشغل تفكيره بقمر ...
و الفكرة ... ما عجبتني أبدا ...
بعد كم يوم ، رحت أنا و أخوي نزور قمر في القسم العادي ...
تعمدنا نجي قبل موعد الزيارة بربع ساعة و سمحوا لنا تجاوزا ندخل الجناح .
قمر كانت بحالة مستقرة و ابتهجت لما شافتني ... و شكلها توقعت أن سلطان جاي معي ... !
أو يمكن هو اللي قال لها إنه رح يجي ... لما زارها المرة اللي فاتت ؟؟
عدلت وضع الحاجز جنب السرير ... لأن أخوي قال أنه يبي يدخل الغرفة ...
حتى و هي مريضة و تعبانه ... البريق اللي ظهر بعيونها كان واضح ... كانت فرحانة ...
لو تبوا تعبير أدق ...
يوم دخل أخوي ... سلم ... و ردت قمر السلام ...
- كيف الأحوال اليوم ؟ إن شاء الله أفضل ؟
- الحمد لله ...
- الله يقومكم بالسلامة قريب إن شاء الله
- الله يسلمك ...
أنا كنت جالسة عند قمر ... و أشوف إيدها و هي تلعب بطرف الشرشف بتوتر ... أما أخوي ما كنت أقدر أشوفه من ورا الحاجز ...
حل صمت للحظة ... و ظنيت أخوي طلع مع أني ما سمعت خطواته ... و رفعت قمر عينها لي – و كانت قبل متبعثرة بكل مكان – كأنها تسألني : راح ؟
وقفت ... و مشيت خطوتين أبي أشوف ورا الحاجز ... و وقفت فجأة لما جا صوت أخوي مرة ثانية ...
- قمرة ...
ارتبكت قمر ... و لا ردت ... و طالعت بأخوي اللي صرت أقدر أشوفه من مكاني – و هو بعد مرتبك يمسح العرق بمنديله ... بس ما طالعني ...
- تتزوجيني ؟
أظن ... أن الكلمة طلعت من لسان أخوي ؟؟
لأن الصوت كان صوت رجالي ... و بالغرفة ما فيه رجال غير أخوي ؟؟
مديت راسي أكثر أطالع أخوي من ورا الحاجز ... أتأكد ... هذا أخوي ؟ هو اللي تكلم ؟؟؟
و بعدها طالعت صوب قمر ...
ما أدري من فينا كانت مذهولة اكثر من الثانية ؟ كانت قمر تطالع فيني بعيون مفتوحة على حدها ...
و جسمها كله متجمد ... للحظة خفت تكون متشنجة و أنا مو دارية ؟
نفس السؤال كان طالع من عيونها بقوة :
هذا سلطان ؟
هذا هو اللي تكلم ؟؟؟
رديت أطالع بسلطان و أنا شبه واعية للي أسمع ... و هو ... أضاف :
- أول ما تطلعي من المستشفى بالسلامة بامركم البيت ...
و بعدها حل صمت الذهول ... لين قال أخيرا :
- ما تشوفي شر ... مع السلامة
و شفته يروح ... و سمعت خطواته تبتعد ... و طلع من الغرفة ....
أنا .. و قمر ... و جملة أخوي ... تدوي بالغرفة ... ما وحدة فينا عرفت إإش تقول ... ؟؟؟
جاي أزور أمي بالمستشفى و جايب معي باقة ورد و علبة شوكولا ...
و أنا إذا جيت أبي أزورها لازم أجي أول واحد و أطلع آخر واحد ...
وقت الزيارة يبدأ من 4 و إلى 7 المساء ... و جديني يجوا بعدين عادة ...
و أنا حامل الورد بيد و علبة الشيكولا باليد الثانية ... و شفت الباب مفتوح ... و بثانية ...
شفت رجال يطلع من الغرفة !
وقفت مذهول ... و وفق هو بعد مذهول ... كل واحد يطالع بالثاني ...
بدأ هو يتنحنح شوي ... و قال بصوت مخفوت :
- السلام عليكم ... كيف حالك يا بدر ؟
أنا حتى السلام ما رديته في البداية ...
وش جاب بو نواف لعند غرفة أمي ؟؟
بو نواف التفتت صوب فتحة الباب و نادى :
- يالله شوق
و شوي و جت مرة و طلعت من الغرفة ... و هي بعد شكلها تفاجأت لما شافتني ...
و سلمت ...
أنا أخيرا رديت السلام ... و أنا مستغرب و مستنكر ...
و أنقل بصري من بو نواف إلى الباب ...
بو نواف قطع على نظرات التشكك و قال :
- بو ثامر موجود بالبيت هالوقت ؟
جاوبته بتساؤل :
- نعم ... ؟
التفت صوب المره اللي معه ... و قال :
- يالله .
و رد سلم علي ... و راحوا ....
وقفت عند الباب أراقبهم لين اختفوا في وحدة من اللفات ...
بو نواف و المره اللي معه ... وش كانوا يسوون عند أمي ....؟؟؟
دخلت على أمي ... و لقيت الحاجز محطوط بالعرض ... لا أقدر أشوفها و لا تقدر تشوفني ...
ناديت :
- يمه ؟
ما وصلني رد ... قربت من الحاجز أكثر و ناديت مرة ثانية :
- يمه ؟؟
- هلا بدر ...
جا صوتها مبحوح و مرتبك ... مو طبيعي ... سألت :
- أجي ؟
- تعال حبيبي ...
تخطيت الحاجز و جيت لعندها و الورد و العلبة لسه بإيدي ...
أمي ابتسمت لي و مدت يدها ... حطيت العلبة على الطاولة و الباقة جنبها على السرير و جلست جنبها و إيدي بإيدها ...
- كيفك يمه اليوم ؟ أفضل مو صح ؟
ابتسمت لي و مدت يدها الثانية و أخذتني بحضنها ...
حضن أمي هو أجمل مكان أحب أكون فيه ... مع ذلك ... رفعت راسي بعد شوي أطالع فيها ...
و عيني تسأل :
( بو نواف وش كان يسوي هنا ؟؟؟ )
بس أمي ما قالت شي ... يمكن ما شكت إني شفته ؟ خصوصا ... و أنا ظليت واقف فترة عند الباب بعد ما طلعوا أراقبهم لين اختفوا ...
أقدر أحس إنه في الموضوع شي ... أمي مو مثل عادتها ...
جدي و جدتي تأخروا و جو مع خالي و زوجته بعد أكثر من ساعة ... الكل كان تصرفه طبيعي ...
بس أنا مو مرتاح ... و لما ردينا البيت ... و بعد صلاة العشاء ... جيت لعند جدي و قلت له :
- فيه أحد سأل عليك اليوم ؟
- أحد ... مثل من ؟
- مثل ... أبو نواف ... سلطان ؟
في نفس الساعة اللي طلعنا فيها من المستشفى بعد زيارة قمر ... أخوي راح بيت بو ثامر و طلب يد قمر ...
مرة ثانية ... !
أنا كل شي عندي ملخبط ... فلا أحد يسألني وش صار و كيف صار و ليه صار ...
اتصل علي بعد ما رجع من عندهم و قال لي أنه خطبها من أبوها مرة ثانية ...
موقفنا كان مرة محرج قدام بدر ... و هو يطالع فينا باستنكار عند باب غرفة أمه ... اللي خلى أخوي يختصر الوقت و الحرج و يروح لبو ثامر على طول ...
ما عندي أي فكرة .. عن كيف كانت ردة فعلهم و كيف تفاجأوا أو إش قالوا عن أخوي ... و أنا ... ما رح أعلق ... و ما رح أقول أي شي ....
بعدها ... ما جتني جرأة أرد أزور قمر ... و لا حتى أتصل اسأل عنها ... بس ظليت أتابع أخبارها من بعيد ...
و جا أخوي يضغط علي إني أزورها و أعرف رايها ... و أنا ما رضيت ...
بلغتني قمر بشي عجيب لما كنت عندها في الصباح ....
قالت ... أن سلطان رد عرض عليها الزواج أمس ... و أن أمها اتصلت عليها قبل شوي و قالت لها ...
أنه جا و كلم أبوها أمس العصر ...
- قمر ! معقول ؟ مو مصدقة ... و لا أعرف إش أقول ؟؟
قلت و أنا مذهولة ... و كانت قمر تراقب كل نظراتي كأنها خايفة أستنكر أو أصرخ عليها ...
أو أبدي أي إشارة تدل على اعتراضي ...
قلت منفعلة و بصوت عالي :
- ما هو عرض عليك الزواج بالسنة الماضية ... و ما صار نصيب ... ليش ... ليش ....
و قطعت كلامي ...
شفت قمر ... و حالتها الصعبة ... و التوتر ... و الصراع ... و كل المشاعر المضطربة و المتعارضة اللي تحوم حواليها ... و الدمعة ترفرف بعينها شوي و تسيل ...
قلت ... بلهجة أقرب للحنان و التعاطف ...
- أنت ِ ... وش رايك ... ؟
قمر غمضت عينها ... باستسلام لكل ذي المشاعر .... و ردت فتحتها و قالت :
- أكيد هو يحبني ؟ مو صح سلمى ؟ و إلا ليه يطلب يتزوجني مرة ثانية ...؟ يحبني مو صح ؟
و انفجرت عينها دموع مريرة و غزيرة ...
كلها ألم ... كلها حيرة ... كلها عذاب و حرقة ...
حضنتها بقوة و لطف في نفس الوقت ...
من 15 سنة و أكثر ... و هي بس تبي تتطمن إلى أن قلب سلطان يحبها ... حتى لو ابتعد عنها ...
تبي بس تحس أنه يحبها ... و أن مشاعرها صوبه ما كانت ضايعة هذر ...
رفعت راسها تبي كلمة مني تشجعها أو تطمنها ... و هي تسأل :
- تعتقدي إنه يحبني سلمى ؟ مو عرضه يعني أنه يحبني ؟ شوق تقول أنه يحبني ... يحبني مو صح يا سلمى ؟
رديت أواسيها ...
- يمكن ... الظاهر كذا ..
بس .... أنت ... ؟
طالعت فيني بنظرة قوية ... و قالت ...كأنها تطلع شي مكبوت بصدرها من سنين ...
- أنا ؟ تسألين يا سلمى ... ؟
أنا ... ما قدرت أنساه ... غضبا علي أحبه مو بيدي ... لو يدري ... لو يحس فيني ...
إذا صابه شي أنا أنتهي ... من ماتت بنته و أنا مت معها ... لو أقدر أعوضه عنها بأي شي ... بكل شي ...
بكل عمري يا سلمى ... بكل عمري ... تفهنيني ؟ ... تفهموني ...؟ أحد يفهمني ...؟
هذه المرة ... أنا لعبت دور أكبر ... في القضية ...
تكلمت مع أم ثامر ... و قلت لها أن قمر قابلة تتزوج سلطان ... و أنها تتمناه ... لكنها خايفة من كل شي ...
من كل الناس حواليها و مواقفهم منها ...
خايفة من بدر و عليه ...
خايفة من أهلها ...
و خايفة من منال ...
أكثر من 15 سنة من العذاب ... أظن ... في الأخير ... من حقها تتهنى و تعيش مع اللي تحبه ...
و ما لأي أحد ... أي حق في أنه يعترض ....
و في الواقع أمها و أبوها و حتى أخوها ... ما كان أحد منهم معترض ... رغم كل شي ... لأنهم كلهم عارفين بالوضع ... و خايفين على قمر و صحتها ... و ما شافوا فيه سبب قوي يمنع هذا الزواج ...
أما بدر ... و اللي كان أكبر مخاوفها ... و السبب في رفضها الزواج من سلطان العام الماضي ....
فتركته على جدته ... تقنعه .... و اللي صار ... إنه قبل بالأخير ...
يعني الحين كل الأشخاص المعنيين راضين بهذا الزواج .... إلا طبعا ... و بالتأكيد ... زوجته الأولى ....
منال ...
أما الشخص الغير معني ... و اللي وقف معترض على هذا الزواج بشدة ... كان ... أم يسام !
أبو ثامر كان يعز عمته أم بسام و يحترم رايها ... و كان بدر يحب جدته أم أبوه و متعلق بها كثير ...
كانت تقول : ( خلها تتزوج أي واحد إلا ذا ) و كانت تبي تأثر على بدر ... و تقول له أن أبوه بسام
غرق لأن قمر ما ساعدته و ساعدت سلطان ... بالتالي هو أخذ عمر بسام ... و بعد يبي ياخذ زوجته ؟
منطق غريب و متحجر ... بس اشوى ... ما قدرت تغير راي بو ثامر أو بدر ... خصوصا بعد ما
أنا قلت لهم أن أي احباط نفسي يصيب قمر ممكن يسبب لها تدهور شديد ... و يفجّر لها شريان جديد بالراس...!
بسم الله عليها إن شاء الله ما يصير ... بس كان لازم أخوّفهم شوي عشان يقتنعوا !
قمر كانت لسه بالمستشفى و الطبيب المشرف على علاجها ما وده يطلعها إلا بعد ما يعيد بعض الفحوصات
... و يشوف مدى استجابتها للعلاج ...
هذه الهوشة صارت قدام عيوني في بيت أخوي ...
طبعا ... منال من عرفت اللي صار أعصابها انفلتت ...
اتصلت علي و هي منهارة ... و جيت أحاول أهدي فيها ... كانت تبكي و تقول إنه سلطان هاملنها
من شهور ... و الحين يجي يخطب وحدة ثانية ؟
بصراحة الحق معها ... سلطان .. و لا ألومه ... من أول مرض هبه الله يرحمها و إلى الآن
فقد نصف عقله ... و صار يسوي شغلات ... متهورة و جنونية ...
و احنا نتكلم جا سلطان ...
و لما شاف منال تبكي قال :
- ردينا ؟ يكفي يا أم نواف ما فيه داعي للدموع ...
منال بس سمعت صوته هاجت و ثارت ... تعبر عن غضبها بأقوى ما أمكنها ...
- تفكر بالزواج و بنتك ما مرت سنة على موتها ؟ أي أب أنت ؟
الكلمة ذي هيجت سلطان أكثر ... و قال بصراخ :
- ما أحد له أي حق يقول أي كلمة عني و عن بنتي ... و أنت أكثر وحدة عارفة إش كانت
تعني لي و إش اللي فقدته من يوم فقدتها ...
قالها أخوي بمرارة ... و هو يحاول يبعد ذكراها عن باله ... البنت ماتت لكن أخوي عايش و من حقه أنه يعيش ...
من حقه يمحي ذكرى الألم ... بفكرة زواج كان يتمناه من سنين ...
بس هالمرة سلطان يبي يتزوج قمر عشان ينشغل بها عن ذكرى هبه ...
منال صاحت :
- و أنا يا سلطان ؟ و أنا ؟
- أنت أنت ... ما شي تغير ...
- ابعدها عن تفكيرك يا سلطان أحسن لك ... طلعها من حياتنا نهائيا خلاص ...
- يكفي يا منال ...
- سلطان ... إذا بتتزوج وحدة ثانية ترجعني بيت أهلي ....
كانت القنبلة اللي ما تمنيت أسمعها يوم من الأيام ... مسكت يد منال و صحت :
- لا ... لا يا منال لا تقولي مثل هالكلام الله يهديك ...
- الدنيا مليانة رجال ... ما لقت إلا زوجي أنا تسرقه مني ؟ ما يكفي إني فقدت بنتي قبل كم شهر ...
بعد أفقد زوجي ... ؟ حرام عليك يا سلطان ... أنا وش ذنبي ؟؟
و الله لو تسويها أطلع من بيتك و لا أرده ...
أنا تقطعت ... توزعت أوصالي بكل مكان ... ما عدت عارفة أوقف مع من ... و إلا ضد من ... ؟
بيت أخوي شوي و يخترب ...
تبوني أوقف ساكتة كذا ؟
لا ...
لازم أروح لقمر ... و أقول لها : لا توافقي على الزواج ... الله يرحم والديك..
الحلقة العشرون
~ الفص الأخير ~
عرفت سبب زيارة بو نواف لأمي ذاك اليوم بالمستشفى !
في نفس اليوم زارنا البيت و خطبها من جدي . أنا تعجبت ! مع أنه الموضوع انعرض و انتهى السة الماضية ،
بس ما أدري ليه جانا مرة ثانية ؟ و أمي بعدها مريضة و صحتها ما استقرت !
سألت جدّتي : ( ليه جا مرة ثانية ! السنة الماضية أمي ردته ! ما تبيه )
و ردت جدتي : ( أمك تبيه . و هو بعد يبيها . الله يسعدهم و يوفقهم )
لما عرفت جدتي أم أبوي الله يرحمه و عميني ماجد و رائد اعترضوا كثير ... أنا بصراحة ما كنت أبي تتزوج أي أحد لأني ما أبيها تنشغل عني ! بس الدكتورة سلمى قالت لي أن أمي موافقة و إذا سببنا لها أي مشكلة نفسيتها رح تنهار و صحتها تتدهور ...
أنا كنت السبب اللي خلاها تمرض لذي الدرجة ... ما أعرف إش يعني لها هذا الـ بو نواف ،
بس ذاك اليوم لما شفتها تدوّر على ذيك الفصوص مثل المجنونة حسيت أن الموضوع أكبر من اللي أتصور
واحد من الفصوص علقته بسلسلة على رقبتها من ذاك اليوم و لا عاد شالته !
ودي أعرف وش قصتهم بس أخاف أسألها و تنزعج ...
جدي و جدتي و خالي ... كلهم وافقوا على طلب بو نواف ...
يعني لا قامت أمي بالسلامة رح تتزوج و تروح مع زوجها و تتركني !
هذا أكثر شي مضايقني ... بس ... ما لي شغل ... أباشترط عليهم إني أظل مع أمي وين ما تروح !
الإتفاق كان أنه أول ما تطلع أمي من المستشفى بالسلامة رح يجي بو نوّاف بيتنا و يتفق مع جدّي على كل شي ،
و أنا رح أقول لأمي أنها تشترط في عقد الزواج إني أظل عايش معها لين أتزوج !
قابلتني قمر بابتسامة حلوة و خجلة ... كانت المرة الأولى اللي نلتقي فيها بعد ذاك اليوم ...
لما عرض أخوي سلطان عليها الزواج ....
- ما شاء الله شكلك اليوم أحسن ؟
- الحمد لله ... تحسنت بس الطبيب يبيني أظل لين نعيد الفحوصات مرة وحدة ... و إلا كان رجعت البيت !
- إن شاء الله ترجعي بالسلامة
- الله يسلمك ...
و توقفنا عن الكلام ...
أظن ... إن قمر متوقعة مني أسألها عن رايها بعرض أخوي ...و أن هذا السبب في زيارتي لها اليوم ...
شفت تورد خفيف على خدها ... و توتر على أطراف أصابعها ... أما نظراتها ... تخبّت تحت الأرض !
صرت أتأملها ... و أشوف تعابيرها ... و أراقب تحركاتها ...
و هي تلقائيا و لا شعوريا رفعت يدها اليسرى لعند صدرها و مسكت سلسلة كانت متدلية من عنقها
و صارت تقلبها بأصابعها بتوتر ...
و لمحت فص فضي ... واحد من فصوص سبحة سلطان ... معلق بالسلسلة ....
ما تحملت ...
كيف أقول لها : لا تتزوجي أخوي ....
و أنا عارفة ... و أكثر العارفين أنها تحبه و تنتظر هذا اليوم من كنا في الجامعة ... ؟
و زواجهم ... متقرر أنه ينعقد أول ما تطلع من المستشفى بالسلامة ... ؟
كيف أصدمها بطلبي ؟ كيف أكون السبب في انهيار جديد رح يصيبها لو قلت لها ... ابعدي عن سلطان ... ؟
تحيرت ...
ما قدرت اتحمل ...
و غصبا عني بكيت ....
قمر ... بس شافت بريق دموع بعيني فزعت ... و قالت بخوف :
- فيه شي شوق ؟
هزيت راسي ( لا )
ردت سألت :
- سلطان بخير ... ؟
رفعت عيني بعينها ... أكيد رح تسألين عن سلطان ... يا كثر تعلقك به ... كيف ما قدرتِ تنسينه بعد كل هذا العمر ... ؟
نفس النظرات اللي كنت أشوفها بعينها لما كنت أطري قدامها اسم أخوي بأي خبر يزعل ... أيام الجامعة ....
- سلطان بخير شوق ؟
ردت سألت ... و صبرها نفذ ... و هي على أعصابها ...
- بخير يا قمر لا تخافي ...
ارتاحت شوي ... و ارتخت عضلاتها المقبوضة نوعا ما ... و قالت :
- إيش فيه أجل ؟
نزلت راسي للأرض ... مو عارفة أداري أنه فيه شي ... ما أقدر أمثل أنه ما فيه شي ... و لا أقدر أقول ...
ايش اللي فيه ....
- شوق ... أقلقتيني .... ؟
قلت ... بعد تردد ...
- ... منال ....
كانت كلمة أكثر من كافية ...
قمر تيبست بمكانها ... و أطراف أصابعها اللي كانت ترتعش قبل شوي ... تجمدت ...
و نظرتها اللي كانت تبرق قبل شوي ... أظلمت .... و خدودها اللي كانت متوهجة قبل شوي ... انطفت ...
مديت يدي ... و مسكت يدها و قرصني الندم ...
أنا ليه كنت بها القسوة ؟
ليه مستكثرة على صديقة عمري ... لحظة سعادة ...؟
ليه قتلت البهجة اللي كانت عليها قبل ثواني ؟
ليه يا شوق ؟
ليه ؟
قمر سحبت يدها من يدي ... و استندت على مسند السرير ... و شاحت بوجهها للجهة الثانية ....
- قمر ...
ناديتها ، و ما ردت علي ...
- قمر ...
ناديتها مرة ثانية ... و قالت دونما تطالع فيني :
- اتركيني وحدي ...
- قمر ... أنا ...
- اتركيني وحدي شوق ....
وقفت ... و أنا كارهة نفسي ... بغيت أسلم عليها .... أصافحها .... بس هي ما مدت يدها صوبي لما مديت يدي صوبها ... و لا التفتت لي ... و لا ردت علي لما قلت :
- مع السلامة ....
مشيت شوي ... ببطء و أنا ودي أرجع أتكلم معها ... أبي أفهمها موقفي ... أنا ما عندي أي اعتراض على زواجها من أخوي بالعكس ...
أنا أكثر وحدة تعرف إش كثر هي تحبه و هو يحبها ... لكن ... ... ...
و أنا أفتح الباب في نفس اللحظة كان فيه شخص ثاني يفتحه من الطرف الثاني ...
و انفتح الباب و بان الشخص .... كانت سلمى ...
سلمى و أنا ما كنا على وفاق .... ما أذكر إني شفتها من وفاة بنت أخوي الغالية الله يرحمها ...
و لا كان ودي أشوفها لأن الجو بينا مشحون من سنين ...
سلمى اضطرت تسلم علي – و لو من غير نفس – كأني المسؤولة عن كل اللي صار لقمر ...
أنا رديت السلام ، و سألتها عن أحوالها و أحوال العمل و البيت ، من باب الأدب الاجتماعي لا أكثر ....
و بعدها ... استأذنت و طلعت من الغرفة ....
من زمان و أنا كنت أتمنى أي شي إلا إني أصادف شوق مرة من المرات ... و انقهرت كثير لما شفتها
طالعة من غرفة قمر .... بصراحة ... ما عدت أرتاح لشوفتها ....
سلمنا على بعض ببرود ... و استأذنت و راحت ... و دخلت أنا الغرفة أزور صديقتي الحبيبة و العروس الموعودة قمر ... و أشوف إيش آخر أخبار الزواج المنتظر !؟
جيت بابتسامة حلوة ... الابتسامة اللي تحبها قمر و تقول عنها ( ساحرة ) !
تذكرون ؟
المهم ...
ابتسامتي الساحرة ذي تحطمت تبخرت في الهواء لما شفت دموع قمر تسيل على خدها الهزيل ...
- قمر ؟؟؟ خير .... ؟؟؟
قمر ما ردت علي ...
مسكت إيدها و أنا مفزوعة عليها و كررت سؤالي بقلق :
- قمر ؟ إش صار ؟ علميني ؟؟
و بعد ظلت ساكتة ما يتحرك فيها إلا الدموع ...
آخر مرة تركتها ... كانت وردة بادية تتفتح على الحياة ... توه ... توه اللون الوردي بدأ يرجع لخدينها
بعد هجرة شهور ....
توها الابتسامة بدت تداعب شفايفها بعد مخاصمة طويلة ....
تو البريق صار يشع من عينها عقب مقاطعة مومنة ...
إيش صار لقمر ... ؟؟
أكيد شوق قالت لها شي متعس ...
- شوق قالت لك أي شي ؟
سألتها بقهر ... الجواب ما كان من لسانها بس كان من نبضات قلبها اللي تسارعت ... و أنا أحس بها و
يدها في يدي ...
- يعني شوق قالت لك شي مزعج ؟ أكيد عن سلطان ؟ إش قالت لك يا قمر ...
قمر هاللحظة سحبت إيدها و غطت وجهها بها تداري دموعها و بكت بحرقة ...
ما تحملت ... ثارت أعصابي ... فلتت من سيطرتي ... و قمت و أنا ( متأبطة شرا )
و طلعت من الغرفة بسرعة أبي ألحق شوق قبل ما تختفي ...
الحظ أو يمكن سوء الحظ ... حالفني ... و شفتها بالممر ...
كانت قريبة ... ناديتها ...
- دكتورة شوق ...
شوق التفتت لي ... و شفت الاستغراب على وجهها ... و قلت لها :
- ممكن تجي لحظة ...
حسيت التردد في حركتها بس ناظرها بنظرة تهديد و توعيد ... و جت لعند الباب و مسكت إيدها و
خليتها تدخل الغرفة و صكيت الباب ...
صرخت ... و أنا مستسلمة لموجة الغضب :
- ممكن أعرف أنت إيش قلت لقمر ؟ ؟
شوق طالعت فيني ببراءة مفتعلة ... و طالعت في قمر ... و اللي مسحت دموعها و انتبهت فجأة للهوشة المرتقبة !
كررت سؤالي بحدة :
- ممكن أعرف إش قلت لها ؟
- و لا شي ...
مسكت يدها بعنف و هزيتها ....
- إلا قلت لها شي و خليتها تنهار مرة ثانية ...
حرام عليكم اللي جالسين تسوونه فيها أنت و أخوك المنحوس ...
و الله أنه ما يستاهل شعرة منها بس حكم القلب ...
- سلمى !!!
صرخت فيني شوق و هي مندهشة و مصدومة و مستاءة و تحاول تسحب إيدها من إيدي ....
- إيش قلت لها يا شوق ؟ أخوك غير رايه و طلع مثل العيال ؟؟
شدت إيدها بقوة و صرخت بي :
- ما اسمح لك ... انتبهي لكلامك يا سلمى و لا تتجاوزي حدودك ....
- و الله ... لو هذا الزواج ما تم ... و صار شي بقمر ... و الله لتشوفوا مني شي عمركم ما شفتوا مثله
أنت و أخوك اللعين ...
- يكفي ....
كانت هذه صرخة جاية من قمر ....
شوق بعد ما فلتت أعصابها قالت :
- يتم الزواج و بيت منال ينخرب ؟ منال تهدده بأنها بترجع لأهلها لو هو تزوج قمر ... يرضي من هذا ؟
- يكفي خلاص يكفي ...
و هذه بعد كانت صرخة ثانية من قمر ... و اللي انشغلنا عن صرخاتها بهوشتنا أنا و شوق ....
أنا صرخت أتابع الهوشة بكل انفعال :
- و اللي قاعد يصير لقمر ... يرضي من ...؟؟ ... حرام عليكم حطمتوا المره ذبحتوها قضيتوا عليها الله يقضي عليكم كلكم يارب ...
كنت أصرخ ... بكل حرة ... بكل حرقة في قلبي على صديقة عمري المنكوبة ...
بكل آلام الماضي و آلام الحاضر ... بكل اللحظات اللي كنت أشوفها فيها تتحطم و تتعذب من كانت بنت بالجامعة و إلى اليوم ...
عشت معها مأساتها و عذاباتها كلها ... ما عرفت للسعادة طعم و سلطانوه هو السبب ...
يا ليته كان غرق في البحر بدل بسام يا ليت ... يا ليته مات بدل بنته ... يا ليته انشل بدل قمر ...
يا ليت ربي يقضي عليه و نرتاح منه ...
- يا ليت ربي يقضي عليه و نرتاح منه ...
طلع تفكيري بصوت عالي مع ثورة انفعالي ... قلتها بأعلى صوتي من الحرة اللي بقلبي و الحرقة و الحسرة
على صديقتي ...
ما حسيت لنفسي و أنا أقولها ... و لا اكتشفت أني قلتها إلا بعد ما جت الصرخة الثالثة من قمر ....
و اللي بعدها ... دخلت في نوبة تشنج خطيرة .....
سلمى ... كانت واقفة قدامي تصرخ بوجهي و تدعي على أخوي أن ربي يقضي عليه .... أنا ...
كنت أبي أصرخ بها أو حتى أصفعها على وجها بعد الكلام اللي قالته ... بس ما مداني أسوي شي ...
لأن قمر فجأة صرخت
- لاااااااااااااا
صرختها كانت قوية و متواصلة و التفتنا صوبها ... و شفنا إيدها تهتز بعنف .... و رأسها يرتفع و يصلب ...
و ظهرها ينشد بقوة ... و عينها ترف بسرعة ....
أنا بس شفتها شهقت بقوة ... و وقفت بمكاني أرتجف من الخوف ....
و سلمى راحت لها بسرعة و مسكتها و هي تصرخ :
- قمر ... قمر ...
و بسرعة ضغطت على زر الاستدعاء ... و جت الممرضة تركض ... و سلمى تصرخ
- تشنجت ... تشنجت ...
في ثوان ... وصل الطبيب المسؤول ... و اعطاها جرعة كبيرة من علاج التشنج ... و لا استجابت ...
و كرر الجرعة مرة ثانية و ثالثة ... و عقبها نقلوا قمر بسرعة لغرفة العناية المركزة .....
الموقف ذا تكرر علي مرة من قبل ...
لما تدهورت صحة بنت أخوي و نقلوها للعناية ... و لا رجعت منها ....
و أنا أرتعد .... و ما أذكر أن رجلي تحركت بس شفت روحي معهم ..
. بالعناية المركزة و الكل ملتم حول سرير قمر ....
و سلمى حاطة يد على قلبها و اليد الثانية ماسكة بها يد قمر ...
قمر ... بتموت ....
ما أدري إيش سويت ؟
شفت أخوي سلطان قدام عيوني ... رميت نفسي بحضنه و أنا أصيح .... و أنا أصرخ ...
- قمر بتموت يا سلطان ...
قمر بتموت خلاص ....
شديت عليه بقوة ... بقوة ... كأني أمسك روح قمر لا تطلع ... كنت أرتجف ...
أحس بجسمي كله يتراقص بين ذراعين أخوي ....
أخوي ... هل هذا أخوي ؟ اللي أنا بحضنه الحين ؟
من وين جا ؟ كيف جا ؟
أنا اللي اتصلت عليه و قلت له : ( قمر بتموت ) ... كأني أنا اللي اتصلت ... ؟
وين جوالي ؟
وين الشنطة اللي كانت بإيدي ؟
أنا من طلعني برى غرفة العناية المركزة ... ؟
أنا واقفة على الأرض ؟ و إلا طايرة بالهواء ؟ و الا أخوي شايلني ؟
ما أحس برجلي ...
ما أحس بجسمي ...
ما أحس بأي شي ...
ما أدري عن أي شي ...
ما أدري عن أي شي ....
أنا ... صحيح بعيد عن الأحداث بس باقول لكم اللي صار حسب علمي – و الله أعلم ....
كنت بالبيت و سلطان معي ، انتظر اتصال شوق عشان أجيها المستشفى ...
لما تأخر اتصالها ، اتصلت بها اسأل وش أخرها ؟
اتصلت ... و ردت شوق بطريقة غريبة ... ما أدي كيف أوصفها لكم ....
كنت أسمع أصوات كثير حوالينها ... أسمع صوت نسائي يقول
- (( لو سمحت ِ الجوال ممنوع داخل غرفة العناية المركزة .... ))
ناديتها و لا ردت علي ، خفت و قلت وش صاير .... رديت أسأل :
- شوق تسمعيني ؟ أنت معاي ؟؟
و كل اللي قالته بصوت مرعوب مرتجف :
- ( قمر بتموت ) !
بعد كذا انقطع كلامها ... و ظليت أسمع أصوات فوضوية من حواليها .... و أنادي و أنادي و لا يجيني رد ..
و انقطع الأتصال ...
اتصلت مرة ثانية و ثالثة ... الجهاز كان مقفل ....
قمت مفزوع ... و سلطان كان معي ... سألني بقلق :
- خير ياسر ؟؟؟
جاوبت بشروذ و قلق أكثر ...
- ما أدري سلطان ... فيه شي قاعد يصير لشوق بالمستشفى لازم أروح ...
- وش قالت لك ؟ وش صار ؟
- ما ردت علي ... قالت : - ( قمر بتموت ! ) ! !
و في دقايق كنا أنا و سلطان عند غرفة العناية المركزة بالمستشفى ....
اللي صار بعد كذا شي مزعج ... ما أحب أذكره ... الخلاصة ، أن الدكتورة قمر كانت في حالة خطيرة ...
أهل قمر جوا بعدنا بشوي .... و شافونا متجمعين عند باب الغرفة ... لخبطة كثيرة صارت ...
و سلطان كان مفزوع ... كان ماسك يد شوق و واقف على أعصابه عند طرف الباب شوي و يدخل عليهم ...
كانوا يدخلون الغرفة واحد بعد الثاني ... و الولد – بدر – بعد ما دخل ما رضى يطلع
التفت سلطان فجأة صوب ثامر و اللي كان ينتظر دوره عشان يدخل يشوف إخته و قال :
- ودي أدخل أشوفها ...
صياح ... صراخ ... ولولة ...
ناس تدخل ... و ناس تطلع ...
جا دكتور و دخل - بعدين عرفت أنه زميل الدكتورة في العمل - و سلطان فجأة جا يبي يدخل معه ...
مسكت ذراعه و سحبته لبرّى ...
- سلطان ؟؟ انهبلت ؟
- وش جابه هنا ذا ؟
قال سلطان بعصبية و أنا ماسك ذراعه مانعنه من الدخول ... و هو يمسك ذراع أي طبيب يطلع من الباب و يسأله عن قمر ...
شوق كانت تدخل و تطلع كل شوي ... و كل ما طلعت مسكت بسلطان و ارتمت عليه منهارة في نوبة بكاء متواصلة ... و هي تصيح ...
- ( لا تموتي يا قمر )
ظلت قمر فاقدة الوعي ساعات ...
أنا كنت جنبها طول الوقت ... و بدر أول ما جا لصق بها و لا عاد تحرك من مكانه ....
الطبيب كان يحاول يطلعنا عشان الفوضى اللي صارت بالغرفة بس ظليت أنا – بما أني طبيبة –
و بدر ما رضا يتزحزح من مكانه ...
نوبة التشنج استمرت قرب الـ 40 دقيقة ... رغم الأدوية اللي انعطت إياها قمر ...
الحين التشنج راح ... و هي غايبة عن الوعي ... و مؤشرات النبض و الضغط و النفس تطمن بخير ....
أنا السبب ...
سمحت لنفسي أنفعل للدرجة اللي خليت فيها صديقة عمري على وشك الموت ...
يارب ... قومها سالمة و ردها لنا بخير ...
مو عشاني ... بس عشان ولدها اليتيم اللي ما له في الدنيا غيرها يا رب ...
طول الوقت و أنا أدعي و كلنا ندعي أنها تقوم بالسلامة من النوبة ...
و إن شاء الله بس تطيب نزوجها سلطان و تقر عينها ...
حتى شوق كانت تقول :
- ( بس تقومي بالسلامة و اللي تبينه يصير ) ...
قمر ...
بس قومي بالسلامة ... و اللي تبينه يصير ...
الساعة 3 الفجر .... أنا و شوق ... اللي ظلينا مع قمر في غرفة العناية .... بعد ما أنجبر الباقيين أنهم
يطلعوا مع بداية الليل ...
لا أنا و لا شوق قدرنا نطلع من المستشفى هذا اليوم ... ما تكلمنا ... و لا حتى ناظرنا في بعض ...
بس ظلينا جالسين كل وحدة على جانب من سرير قمر ... نراقب بسكون ....
الساعة 3 الفجر ... أخيرا ... فتحت قمر عينها و فاقت من الغيبوبة ...
جفنيها انفتحوا نصف انفتاحة .... و عينها تحركت حركة بسيطة يمين و شمال ...
و ظلت بين الوعي و اللا وعي كم دقيقة ....
- قمر ....
ناديتها ... أبي أشوف ... إذا تسمعني ؟ أذا تحس بوجودي ؟ إذا هي واعية و قادرة على الكلام و الحركة ...
ما ردت ... و لا التفتت لي ... خفت ... بلعت ريقي و كتمت أنفاسي من الخوف ...
يا رب ما يكون صار لها شي يا رب ....
الأشعة ما بينت شي جديد ... نفس كتلة الدم المتجمع في نفس المنطقة مثل المرة اللي طافت ...
و عشان كذا رح تنعاد لها اليوم و نشوف إذا صار أي تغير ... يحتاج أي عملية ؟؟
الحين بس ... رفعت عيني لشوق ... و نظراتي تقول لها بخوف :
- ( ليه ما جاوبتني ؟ كلميها يمكن ترد عليك ؟ )
شوق حاولت تنطق بس ما قدرت .... و سالت دموعها اللي كانت مسحتها قبل قليل ...
مديت يدي و مسحت على راس قمر ... و رديت قلت :
- قمر... تسمعيني ؟
و بعد ... ما ردت علي ....
انفجرت الدموع بعيني ... يا ربي ... صديقتي وش صار بها ؟ يا رب أرجوك ....
جلست أبكي ... أنا السبب ... أنا السبب ...
شوق نطقت أخيرا ... و نادت قمر بصوت مبحوح مقطوع الرجاء يائس أشبه بأنه المحتضر ...
- قمره ....
الحين ... قمر لفت براسها صوب شوق ...
شوق ... قالت :
- قمره .... تسمعيني ؟ ....
قمر طالعت بشوق لثواني ... و بعدها لفت عنها ....
شوق قالت :
- خلاص يا قمر ... أخوي عقد زواجكم البارحة يعني صار زوجك ....
دققنا أنظارنا على قمر ... نبي نشوف وقع الخبر عليها ....
قمر ظلت ساكنة ثواني ... و تالي لفت صوب شوق تطالع فيها ...
يعني قمر واعية لنا و تسمع و تفهم اللي نقول .... ؟؟
شوق مسكت يد قمر ... و هزت راسها تأكيد ....
قمر لفت علي الحين ... و أنا هزيت رأسي تأكيد بعد ....
و ردت تطالع بشوق .... اللي قالت :
- أصر يعقد البارح عشان يجي يزورك اليوم ... كلها ساعات و تشوفينه قدام عيونك ...
أنت ... بس ظلي بخير ... أرجوك ... أخوي و أنا بننتهي لو تموتي يا قمر لا تموتي أرجوك ...
- شوق ..
قلت معترضة و مستنكرة ... طالعت فيني شوق .. و اللي كانت تبكي بحرارة ....
شوق أمس ... كانت منهارة أكثر مني ... شوق ... و اللي جربت قبل كم شهر تفقد عزيز ...
كانت خايفة و مرعوبة ... من أنها تفقد قمر ... و يصير بأخوها شي ...
انفجرت شوق بالبكاء ... و هي ماسكة أيد قمر كأنها تتوسلها أنها تطيب بسرعة ... و أنها ... ما تموت ....
قلت :
- خلاص شوق ... اتصلي بزوجك و خله يجيك الحين ... و تعالي بوقت الزيارة مع أخوك عشان تشوفوا قمر ....
شوق ... كأنها كانت تنتظر بس تقول لقمر ( سلطان عقد زواجكم ) عشان ترجع بيتها ....
قمر ما زالت تطالع بشوق و هي ... مو مصدقة ... بين الحلم و الحقيقة ... بين الوعي و الإغماء ...
الخوف و الرجاء .... و بين ... سلمى و شوق ...
يوم جت شوق تبي تقوم ، مسكت يد قمر و شدت عليها ...
أنا كنت ماسكة اليد الثانية و أشد عليها ...
قمر حركت يدينها جنب بعض ، و أجتمعت أيجينا إحنا الثلاث مع بعض ...
صرنا نتبادل النظرات ...
و مثل ما التقت أيادينا و نظراتنا ، تعانقت قلوبنا لما قمت و حضنت شوق بقوة ... و كأننا أقرب الأخوات ...
السنين اللي طافت و فرقت بينا تلاشت هذه اللحظة ...
قمر تجاوزت مرحلة الخطر ... و بقت حية ... و شهدت تعانق قلوبنا أخيرا بعد كل ذاك الخصام ...
أيادينا إحنا الثلاث ... قمر ... و شوق ... و سلمى ... اجتمعت مرة ثانية مع بعض مثل ما كانت دايما قبل 15 سنة ....
كثير المرات اللي أشوف فيها نفسي فجأة أصحى من النوم .... و أطالع من حولي و أكتشف أني بالمستشفى ....
و هذه مرة من المرات ....
كانت أصوات طنين الأجهزة حوالي تأكد لي أني في العناية المركزة ....
سقف الغرفة حفظته ... لأنه أقرب شيء كانت عيوني تتأمله طول الوقت ....
أحس بألم في ذراعي الأيسر ... أكيد هذا مكان إبرة السائل الوريدي اللي موصل بعروقي ....
و اللي أشوف عبوته تنقط شوي شوي ....
أقطاب جهاز مراقبة النبض مضايقتني ... ودي أشيلها ...
الشرشف الأبيض كان خفيف ... عشان كذا أحس بالبرد في أطرافي ... و أحس قدمي متجمدة ....
أبي بطانية أثقل شوي ....
- كيفك ؟ حمد الله ع السلامة
هذا كان صوت الممرضة اللي جالسة قربي ... صوتها يشبه صوت زوجة أخوي ثامر !
ولدي بدر ... ! أوه أنا في أي يوم ؟ بأي وقت ؟ كم الساعة ؟ ولدي بدر ودي أشوفه ...
- كم الساعة ؟
سألت الممرضة ، ابتسمت و قالت :
- 2 الظهر ! يعني قربتي تكملي يوم كامل من النوم !
جلست ... و طالعت بالستارة اللي تحجبني عن بقية المرضى ... طالعت يمين و شمال ....
وين سلمى ؟ وين شوق ؟ كانوا معي ؟ أو كنت أتخيل ... ؟؟
سألت الممرضة :
- سلمى كانت هنا ؟
- الدكتورة سلمى ؟ كل شوي تجي تتطمن عليك و تروح ! بس وصتني أكلمها لما تصحي ...
و بسرعة هزيت راسي ( كلميها )
دقايق ، و كانت سلمى عندي ... أول ما شافتني تهلل وجهها و انشرح ... و ابتسمت ابتسامتها الحلوة
الساحرة و اللي تنسيني الدنيا و همومها ....
جت عندي و طوقتني بذراعينها بقوة .... و هي تردد :
- حمد الله على السلامة يا قمر ... ألف ألف ألف الحمد لله على السلامة ....
و بدت تبكي ... مسكت وجهها و مسحت على راسها و قلت أطمنها :
- أنا بخير .... !
ضحكت ، و شدت علي و هي تردد :
- نعم بخير ... الحمد لله .... الحمد لله ....
- وين شوق ؟
سألتها ... أذكر أنني ... إذا ما كنت أحلم ... شفتها مع سلمى ... ثنتينهم على جنبيني ... أيش كان الوقت ؟
ما أذكر ... أكيد الليل ... أكيد الطبيب عطاني جرعة كبيرة من مضاد التشنج خلتني نايمة طول الوقت ....
أذكر بعد ... أنهم ... سلمى و شوق ... تهاوشوا قدامي .... و تصالحوا بعد قدّامي ...
و أذكر بعد ... بعد إيش ... ؟ كأن شوق قالت .... أنه ... سلطان عقد زواجنا ؟
لا ... ! هذا أكيد جزء من حلم .... !
- شوق ؟ بالبيت ، بس توها كلمتني و قالت أنها جاية العصر مع سلطان يزوروك !
يزوروني ؟ سلطان و شوق ... ؟ سلطان جاي يزورني ... ؟ أنا ... أكيد بعدني أحلم ... بس ...
بعدني أحس بالألم مكان إبرة المغدي .... معقولة يكون حلم محسوس ...؟
التساؤل و الحيرة كانوا ظاهريين على وجهي ... و سلمى ... و بما أنها تعرفني زين فهمتني على طول ....
ابتسمت مرة ثانية الابتسامة الحلوة ... و قالت :
- يزوروك و يجيبوا معهم حلوى السلامة و حلوى الزواج !
الدنيا لفت بي ... راسي صار يدور ... و عيني تدور .... و السقف اللي فوقي بعد يدور ....
طنين الأجهزة وصل حده ... و تجاوز إشارة الخطر .... الممرضة صارت تراقب بقلق مؤشرات الأجهزة ...
و الابتسامة اللي على وجه سلمى تلاشت و علا مكانها قلق صارخ ...
- قمر .... اهدئي ...
ما قدرت أتكلم .... جت كلماتي متقاطعة مو مصدقة ... ما هو حلم ؟ صحيح ؟ سلطان ... سلطان ...
تزوجني ؟ .... سلطان ... صار ... زوجي ؟؟؟ سلطان ... جاي يشوفني .... ؟؟؟
سلطان .... و حتى شوق .... اثنينهم أصروا أن عقد الزواج يتم بسرعة ... عشان يقدر سلطان يزور الدكتورة
و يتطمن عليها ... لين الله يشافيها و تطلع من المستشفى ... و نعلن الزواج رسميا في حفلة صغيرة ...
طبعا القرار جنوني ... بس أنتوا شفتوا كل أنواع الجنون اللي مرت على ها الرجال من أول ما ماتت بنته الله يرحمها ...
أو حتى من أول ما بدا القمر يبلغه السلام !
سلطان الحين كاشخ بلبسه ... و ماسك السبحة الفضية بيده .... و واقف يراقب الساعة على أحر من الجمر ....
شوق اتصلت أكثر من مرة بالمستشفى تتطمن على الدكتورة ... و كلها كم دقيقة و يروح الرجال يشوف
( زوجته ) الجديدة أخيرا !
ضحكت ...
ضحكت بقوة ... و صار سلطان و شوق يناظروني باستغراب !
- وش فيك ياسر ! لا تكون جنيت ؟
قالت شوق ، و في الواقع اللي جن ... هو سلطان و شوق معه ... بس مالي دخل ...
خله يتزوجها يمكن يرتاح و يريحنا أخيرا ؟
- أبدا شوق ! بس أتخيل نفسي مكان سلطان ... لا بس و كاشخ ... معرس ... رايح أشوف عروسي الجديدة !
و الله وناسة !
شوق عصّبت و طالعتني بنظرة توعيد ! و ضحكت زيادة ....
بصراحة ... هذا أغرب زواج شفته بحياتي ....
و أنا أشوف سلطان قدامي الحين .... و هو يراقب الساعة و كل شوي يعدل الغترة و العقال ....
حسيت بندم ...
ندم لأني سخرت منه كثير .... و اعتبرت كل اللي كان يسويه و يحس فيه مجرد جنون ....
من قبل 15 سنة ... و أنا أحضر زواجه الأول ... كنت أشوف عليه نظرة شروذ ...
كان سرحان ... كأنه مو مهتم بالوضع اللي هو فيه ....
أذكره بعد .... بعد الحادث المشؤوم ... بعد ما عرف أن بسام غرق .... و كيف أنه صار يقول :
- ( أنا المسؤول عن قمر و لازم أتزوجها .... )
و يوم ظهرت بحياته من جديد و صار متعلق بها أكثر ... و يقول :
- ( أنفاسها بعدها بصدري أحس فيها من ذاك اليوم ... )
شفتوا لعبة القدر !
نهاية المطاف ... سلطان و قمر تزوجوا !
الله يهنيهم و يتمم لهم على خير ... !
أمس ... لما كنا بالمستشفى ... كان وده يدخل يشوفها ... و طلع مع أهلها و ما رد إلا و عقد الزواج تام ...
اللي أنا خايف منه .... و شوق بعد خايفة و مرعوبة منه ... أن قمر يصيبها شي أو حالتها تسوء أو تموت
لا قدر الله .... و الرجال ينتهي ....
- ها أخوي ... ؟ مشينا ؟
قالت شوق و هي تطالع الساعة ....
- توكلنا على الله ....
و هم جايين يطلعوا عند البوابة .... رن هاتف شوق – و اللي كانت الممرضة أخذته منها أمس و هي بغرفة العناية المركزة لما اتصلت علي ، و قفلته و ظل مقفل لقبل ساعة – رن ... و بس شافت شوق رقم المتصل انتفضت ...
- هلا ... منال ...
بس قالت العبارة ... كلنا انتفضنا ....
أم نواف ما كان لها أي ذنب في القصة بكبرها ...
بس هذه هي الدنيا ....
سعادة ناس تنبني على تعاسة ناس ...
يوم لك و يوم عليك ....
و اعتقد أنه من حق هالرجال أنه يتهنى أحيرا بالمرة اللي كان عاشقنها من قبل ما يتزوج اول مرة ...
و الله يعين ....
تقطع قلبي مع منال و هي تكلمني منهارة ...
إيش بإيدي ؟
منال ... إذا تحبي سلطان خليه يتزوجها يمكن ... الله يرزقه السعادة اللي انحرم منها من يوم مرض بنته الله يرحمها ....
انهيت المكالمة معها بكلمتين ....
- ( المقدر لازم يصير ) ....
و رحنا أنا و أخوي للمستشفى ...
أمس ... قمر بغت تموت قدام عيوني .... كانت هذه أول مرة أشوف نوبة التشنج تجيها .... الله يعلم ....
كيف انقضت علي الساعات لهذه اللحظة ....
أخوي وقف بمحل الورود و اشترى باقة حلوة ... و اشترى بعد علبة حلوى كبيرة ...
و رغم أنه كان يحاول الظهور بمظهر المتماسك .... كنت أشوفه مقطع و منهار و متبعثر في كل مكان ....
كنت متأكدة ... أنه خايف أكثر مني بعشر مرات ... أن قمر ... لا قدر الله ... تموت ....
بس الحمد لله ... الخطر راح ... و السعادة أقبلت ...
قبل ما نوصل طلب مني أخوي أتصل عشان أعرف إذا هي صاحية ... و إذا أهلها معها .... و كان الجواب :
نعم ... و نعم ... !
طلعت من العناية المركزة و رجعت غرفتي العادية ...
كان الوقت يمر بسرعة و كل شيء يركض ...
طلبت من سلمى تروح بيتنا و تختار مع أمي فستان جميل يصلح إني أقابل به سلطان .... لما جوا ...
هي و أهلي حوالي أربع العصر كنت توني ماخذة دش سريع و شعري مبلل .... و جالسة على السرير أحاول أنشفه ....
أول ما دخل ولدي بدر جاني يركض و على طول بحضني ... حضنته بقوة ... و صار يبكي و أنا أهدي فيه ...
- حبيبي بدري أنا بخير يمه لا تبكي يا وليدي ...
وحيدي المدلل ما خلاني أتحرك من مكاني ... ودي بس أبدل ثيابي و أمشط شعري ... ! ما عطاني فرصة ...
كنت أطالع بعيون الناس اللي حوالي ... صديقة عمري ... و أهلي ... كلهم كانوا يبتسمون ...
أكيد ما فيه أحد منهم غضبان علي أو معترض ... كلهم راضين ... مو صح ؟
ما أحد منهم جاب سيرة سلطان ...
بديت أشك ... إني كنت أحلم أو أتخيل ... بس أطالع بسلمى ... و أشوف الكيس اللي بيدها و اللي فيه الفستان أكيد ... أرجع أقنع نفسي بأن سلطان جاي ...
استندت على الوسايد على السرير ... و أنا أحس روحي بذلت مجهود كبير في الربع ساعة اللي تحممت فيها ...
أو يمكن هذا تأثير العلاج اللي يسبب الخمول و النعاس ... ؟
ولدي كان بحضني مكانه ما ابتعد لحظة ... عمضت عيني لحظة ... و غفيت دقايق ...
- قمر ...
فتحت عيني ... كانت أمي اللي نادتني ...
- ودك تنامي ؟
- لا ... بلى ... شوي .... نعسانة ...
- بو نواف عند الباب ... وده يزورك ...
قلبي ... صار ينبض بسرعة ... أنفاسي صارت تركض .... ولدي رفع راسه و صار يطالعني ....
- يمه أنت بخير .... ؟
مسحت على راسه و هزيت راسي ( نعم ) ...
طالعت صوب سلمى ... و الكيس اللي بيدها .... أكيد أنا مو بحلم ... ؟
سلطان جا ؟؟
جا ...
بس ... أنا لسه ما لبست الفستان ...
ما نشفت شعري ... و لا سرحته !
بيشوفني و حالتي حالتي حالة ؟
يا رب ...
- تفضلوا ...
هذا كان صوت أخوي ثامر ... جاي من عند الباب .... و هو يرحب بالجايين ...
و ظهر في الصورة ذي اللحظة ... سلطان ... و شوق ...
لما وصلنا ... كان أهل قمر و معهم سلمى كلهم موجودين بالغرفة .... أخوي كان متوتر و أنا مثله ....
دخلنا و سلمنا على الجميع .... و ردوا السلام ....
قمر كانت على سريرها مستندة على الوسايد ... و بحضنها ولدها بدر ...
قربت من قمر ... و ابتعد بدر شوي ... عشان أصافحها و أقبلها ...
أخوي ظل واقف بنص الطريق و كأنه بطاريته خلصت فجأة ...
بعد ما سلمت على قمر ، رفعت راسي و طالعت بأخوي ... !
و يــــاه ... للذهول اللي شفته على وجهه و هو يطالع وجه قمر !
آه لو تقدروا تشوفوه بنفسكم !!!
رفعت راسي ناحية الصوت اللي أعرفه زين ... اللي أعرف صاحبه .... و أعشقه كثير ....
جت عيني بعين سلطان .... العسل ...
أنا ما عدت أحس بالكون من حولي ... ما أدري إذا ولدي بدر لسه جنبي و إلا راح .. ؟
هذا سلطان ....
هذا العسل ...
هذا حبيبي ...
هذا زوجي ... !
الحين صار زوجي ؟؟؟
سلطان ...
نفس الطول و العرض ...
نفس النظرات ...
نفس تقاسيم الوجه ....
نفس الطريقة اللي يرتب بها شماغه ....
و نفس العطر اللي يستهويني من سنين ....
سلطان ... تأمل بعيني لحظة ... بعدها قال بصوت حنون :
- كيف حالك ... قمرة ؟ حمد الله على سلامتك ....
أنا دخت ... صوته له مثل أثر المخدر ... قلت لكم من قبل ما أقدر اقاومه ! ... يبنّجني ! ...
ما عرفت أرد ... و صارت شفايفي تضطرب بين ابتسامه و عبوس ...
إش فيها الغرفة حارة ؟
ليه طفوا التكييف ذي اللحظة ؟
سلطان قرب مني ... أكثر .... جسمي صار يرتجف ... من البرد و الحر ... و الخوف و الفرح ...
و الاضطراب و الطمأنينة .... و الشوق و التردد .... و التصديق و التكذيب ...
تتحيلوا كيف تختلط المشاعر ذي كلها بلحظة وحدة ؟؟؟
سلطان مد باقة الورد صوبي .... و هو يقول :
- ما تشوفي شر ...
أنا ... إيدي عيّت تتحرك ... حاولت أمدها عشان آخذ الباقة بس ما قدرت ... أخاف إني انشليت مرة ثانية ... ؟
لا يا قمر ... مو وقته .... أرجوك .... تحركي الحين ....
ولدي بدر مد إيده و أخذ الورود من سلطان ... و حطها جنبي ...
حست أن إيدي تحركت ناحية الورد .... و صارت تتحسسه بارتباك .... و لساني تلعثم و هو يتمتم بـ :
- الشر ما يجيك ....
عيني هذه اللحظة كانت علىالورد .... و ما أدري ... يا ترى عيون الناس اللي حولي على إيش ؟
على من ...؟؟؟
الهدوء خيم على الغرفة ....
أو يمكن أنا دخلت في غيبوبة جديدة ؟ ما عدت أسمع أي صوت لأي أحد ...
اللي خلاني أرفع نظري من على الورود .... و تجي مباشرة في عين سلطان ...
نزلتها بسرعة ... مو قادرة أحط عيني يعينه .... عينه تلسع .... كأنها مفتاح الكهرباء ... الحرارة بدت تزيد ...
أنفاسي صرت أسحبها بالقوة .... أرجوكم افتحوا النوافذ ... الهواء اللي هنا خلّص !
أول زخة عرق سالت على جبيني ... يمكن كان هدفها تلطف الحرارة شوي ... لكنها بدون قصد أحرجتني كثير ....
اضطرت يدي أنها ترتفع شوي عشان تمسح قطرة العرق ... و شافتها عيني فرصة ... و اختلست النظر لسلطان من الفتحات اللي بين الأصابع ....
سلطان ....
اللـــــــــه ...
كأنه سلطان أسطوري .... واقف قدامي بطوله ... و بعرضه ... و بهيبته ... حتى بعد 15 سنه ....
لسه له نفس التأثير .... نفس السحر اللي يحيط به ... نفس الجاذبية اللي تسحبني له مثل برادة حديد
لا حول لها و لا قوة ... مسحوبة لمغناطيس جبار !
- شوق تجي معي المكتب ؟
كان هذا صوت سلمى ... قطع لحظة ( جبروت ) سلطان اللي كنت أعيشها ...
شوق ردت :
- يالله ...
طبعا قصد سلمى أنها تحث كل الموجودين على أنهم يطلعوا ... طالعت بسلمى و أنا أبلع ريقي ...
و شفتها تطالعني بنظرة مو ساحرة ... إنما خبيثة ! كأنها تقول ...
- ( احنا طالعين ! بنخليكم لوحدكم ! إش رح تسوي يا قمر !!!؟ )
كلهم تحركوا يبون يطلعون .... إلا ولدي بدر ظل جالس عند حضني ما تزحزح ....
يوم شافت أمي بدر مو متحرك و هي طالعة نادت عليه ....
ولدي كان لسه ماسك فيني .... و يوم جا يتحرك أنا اللي مسكت فيه .... أنا مو مصدقة أنكم بتخلوني
مع سلطان لوحدي ؟ أنا خايفة !
ولدي بدر حضني و قبل راسي و يدنيني بحرارة ، و أنا بعد حضنته و قبلته بنفس الحرارة ، و تالي قال :
- يمه ... بالف شوي بالمستشفى و أرد لك !
و قام عن السرير ....
شفته و هو يبتعد خطوة خطوة و ببطء ... كانت عيوني معلقة به ... ما ادري وش منع لساني يقول له :
- ( لا تطلع يا بدر ! )
قبل ما يطلع ، و لما صرنا أنا و سلطان و هو الوحيدين بالغرفة ... دار على سلطان و قال :
- بو نواف ....
سلطان التفتت له و هو مستغرب ...
- خير ؟
بدر ولدي نقل نظرته بيني و بين سلطان ، و بعدها قال :
- أنا ما عندي مانع تتزوج أمي لكن بشرط ...
أنا قلبي توقف ... و يمكن سلطان بعد ... خفت ... وش وده بدري يقول ؟ و ليش ما قال لي أنا أول ؟
قال سلطان :
- حاضرين ! آمر .... ؟
بدر قال :
- وينما تاخذها توديني معها .... أنا ما أقدر أعيش إلا مع أمي ببيت واحد !
سلطان مثلي أنا تفاجأ من كلام الولد ، و بعدها ابتسم و قال :
- أكيد ... تطمن ...
بدر طالع فيني كأنه يستشهدني على كلامه ، و طوّل النظرة ، و ابتسم ... و بعدها طلع من الغرفة ....
أنا ... و سلطان .... وحدنا في الغرفة ....
هذا حلم ؟ هذا وهم ؟
من يوم ما ماتت هبة قدام عيني ... و أنا فقدت صحتي ... الجسمية و العقلية بعد ....
أكيد أنا الحين جالسة أتوهم .... لأن اللي أشوفه أقرب أني أصدقه كوهم ...و لا أصدقه كحقيقة ....
سلطان ... العسل ... حبيب عمري ... رجل حياتي .... قلبي كله ... حبي كله ... دنيتي كلها ... واقف قدامي الحين ... ؟؟؟
زوجي ... ؟ .... معقول .... ؟؟؟ معقول ....؟؟؟
قرب سلطان من قمر أكثر .... لين صار جنبها و جلس على السرير ... مكان ما كان ولدها بدر جالس قبل شوي ...
قمر كانت ترتجف مثل ورقة في مهب الريح .... و كانت عينها مثبتة على الورد ...
و إيدها تلعب ببتلاته ....
سلطان قال :
- عجبك الورد ؟
نفس قمر انطلق بصوت عالي ... أعلى من الصوت اللي قالت به
- نعم ... حلو ....
- أنت ِ أحلى .... بكثير ! ...
رفعت قمر نظرها لعين سلطان .... و اصطدمت نظراتهم .... و تعانقت عناق حار ملتهب ....
مزيج من قطرات الماء السايلة من شعرها المبلل .... مع قطرات العرق المتصببة من جبينها ....
مع قطرات الدموع المنهمرة من عينها .... هذا المزيج ... كله انسكب ... و بلل يد سلطان اللي امتدت
ترفع وجه قمر .... عشان يتأمله أكثر ....
- قمره ...
همس سلطان بصوت خفيف حنون .... هز جسم قمر كله قبل يهز طبلة اذنها ....
قمر قالت بصوت باكي ...
- سلطان .... أنت ... زوجي الحين ؟؟
كأنها تبي تأكيد أكثر و أكثر ....
سلطان قال :
- و أنت زوجتي ... حبيبتي ....
انهارت أعصاب قمر لما سمعت هذه الكلمة : ( حبيبتي ) الكلمة ... اللي عاشت أكثر من 15 سنة ...
تتمنى سماعها من لسان سلطان ....
- سلطان ... أنا ... أنا أحبك .... كثير ...
طلعت هذه الجملة المكبوتة من صدر قمر .... بعد ما خبتها كل هذه السنين ....
سلطان قال :
- و أنا أحبك ... قمره ....
- تحبني سلطان ؟ صحيح تحبني ؟
سألت قمر ... و دموعها تنهمر مثل الشلال .... تبي تسمع منه رد يبرد قلبها المحتر من سنين ...
سلطان جاوب :
- نعم أحبك .... أحبك يا قمرة ... يا جمرة حياتي اللي ما عمرها انطفت ... يوم من الأيام ....
يا قمر سماي و دنيتي ... اللي ... ما عمره غاب ليلة من الليالي ....
و مد إيده ... داخل جيبه .... و طلع المسبحة الفضية ....
قمر طالعت بالمسبحة .... و ابتسمت ....
سلطان قال :
- دوختيني ! ...
قمر ... مدت يدها حول عنقها .... و نزعت السلسة اللي كانت لابستنها ....
و السلسلة كان في وسطها فص فضي معلق .... و مدتها صوب سلطان ...
- الفص الأخير !
قال سلطان و هو ياخذ الفص الثالث و الثلاثين و اللي كان معلق في سلسلة على رقبة قمر ....
و يحطه بسلسلة المسبحة مع إخوانه ...
- و الحين ... التم الشمل !
قال سلطان و هو يبتسم ....
و ابتسمت قمر ....
- أخيرا التم الشمل ....
أخيرا ... سلطان صار لي ...
أخيرا ... حبيبي رد لي ....
أخيرا .... العسل في حضني ... بين ذراعيني ....
و راسي على صدره .... أسمع نبضه ... أحس بدفئه .... و أشم عطره الفواح الزكي ... الله على هذا العطر ... يسحرني ....
و إيده تطبطب على ظهري .... و تخلل شعري المبلل ....
حتى في المرة اللي طافت ... كان مبلل ... بماء البحر ....
15 سنة .... و أنا أنتظر هذه اللحظة ...
اللي أكون فيها بين ذراعين حبيبي سلطان ... و أسمعه يقول لي : ( أحبك ) ....
15 سنة ... أبي أظل معلقة بهذه اللحظة ... ما شي يبعدني عن سلطان ... أعوض السنين اللي راحت كلها ...
ليه استكثرت علي هاللحظة يا سلطان .... ؟
ليه حرمتني منها كل هالعمر ... ليت خليت احساسي يموت و هو ما بعد انولد ...؟
ليه فجعت قلبي ... ؟
آه يا سلطان ...
لو تدري إش كثر أحبك ....
ضمني بقوة أكثر .... أكثر يا سلطان ... أكثر .... خل قلبي يمتزج بقلبك ... مثل ما روحي امتزجت بروحك من سنين ...
ما أبي اللحظة تنتهي .... لا تتحرك ... لا تبتعد ... خلني بحضنك ... للأبد ... أعيش ... و أموت ...
و أنا بقلبك .... بصدرك .... بين ذراعيك ....
لا تبعدني .... ودي أنام ... بحضنك ... خلوني بحضنه ... تركوني معه ... أرجوكم ...
هذه لحظة عمري كله ... لا تبعدوني .... خلوني مع سلطاني ...
نامت قمر بحضن سلطان مثل طفلة بريئة .... كان مفعول الأدوية متغلب عليها ....
قمر ظلت نايمة لفترة طويلة ....
الأشعة اللي انعادت لها اليوم بينت تجمع جديد للدم في دماغها ، و تقررت العملية تأكيدا .
العملية أجريت في نفس اليوم ... و بعدها نقلوا قمر للعناية المركزة مرة ثانية ....
سلطان ظل ملازم قمر ليل و نهار ... بالضبط مثل ما كان ملازم هبه ...
و فقدها ... بالضبط مثل ما فقد هبه ... بعد العملية بيومين ....
::: النــهــايــة :::
التعديل الأخير تم بواسطة hot-hot ; 18-08-08 الساعة 02:19 PM
|