كاتب الموضوع :
hot-hot
المنتدى :
القصص المكتمله
ما أظن ، أن فيه فاجعة و مصيبة ممكن تمر على إنسان ، أعظم من اللي مرتعلى صديقتي و حبيبتي قمروفاة بـسـّـام ، كانت أفظع من انه يتحملهاأي قلب بشري ... أنا ما أعرف التفاصيل لأني ما شهدتها معهم ، و لاأبيأعرفها ...
الحمد لله ، أني ما كنت معهم ذاك اليوم ...
الفترة اللي تلت الحادث المفجع كانت أفجع و أمر ...
قمر قضت شهور ، تتنقل بين البيت و المستشفى في حالة انهيارعصبي و نفسي حاد و شديد ... كنت ملازمةلها طول الوقت ، و أشوفها تموتقدامي يوم بعد يوم ...
فيه مرات كنت أناممعها ، بالبيت أو المستشفى ... و كانت ، تصحى من النوم بعز الليل فجأة ، مذعورةمفزوعة و تصرخ ...
-( سلطان غرق؟؟؟)
( بسـّــام وينه ؟؟؟)
( سلطان لا تموت)
(سلطان تنفس)
(باكسر الجدار)
( سلطان لا تروح)
(سلطان تماسك )
(سلطان أحبك)
سلطان وسلطان و سلطان ، طابور من السلاطين ، و اللي كتمتهم في صدرها طول هالسنتين ، تفجرواو طلعواكلهم غصبا عليها ... في هذه الأزمة ...
كنت آخذها بحضني و أحاول أهديها ، كانت تصيح وتقول لي :
- (أبي أشوفه يا سلمى ، قولي لشوق تخلينيأشوفه )
أنا أبكي و هي تبكي ، لين تتعب من البكاء ، و تردتنام ...
كم كنت غلطانة ، لما اعتقدت أنه طلع من قلبهاخلاص ...
هذا و هو حي ، ما مات ، و هي جنت لأنه شافته علىوشك الموت ...
لو كان مات ؟ياليته كان هو اللي مات ، و ظل بسام ...
الحين قمر انقذتزوجك يا منال ، و هي ترملت ....
أول ماشفت شوق بعد الحادثة المفجعة ، ما تمالكت نفسي ... كانت جاية تبي تشوف قمر ،بالمستشفى ...
أنا شفتها عند الممر ، قبل ما تدخل الغرفة و بسطاحت عيوني عليها ولـّـعت فيها ...
صرخت بوجهها واتهمتها أنها المسؤولة ، مع أن ما لها يد في اللي صار بس و أنا أشوف قمر قدامي مثلالمجنونة ... فقدت كل أعصابي ... تهاوشت معها هوشة حقيقية و منعتها تدخلالغرفة ، و أنا اصرخ :
- (وش تبون بعد أكثر ؟ موتواالرجـّـال و رمـّـلوتها و فجعتوها و عشتوا أنتوا ...
ابعدوا عنها الله لايبارك فيك يا سلطان ، الله لا يهنيك يا سلطان ،الله ياخذك و يريحنا منك ياسلطان الزفت )
بعدها ، علاقتيبشوق تدهورت ، و كل وحدة راحت لحالها ...
ظلت قمر على ذاالحال بين انتكاس و تحسن ، لين جابت ولدها اليتيم الوحيد ( بدر )
فيالبداية انتكست حالتها أكثر ، لكن مع مرور الأيام ... بدا ولدها يثير انتباهها واهتمامها شوي شوي ،و بدت تتعلق به كلما كبر ....
طبعا زواجي أنا و يوسف تأجل إلى أجل غير مسمى، و في الواقع ما تزوجنا إلا بعد ما مرت سنة ، من الحادثالمشؤوم ، و لا قمر، و لا شوق ... حضروا الزواج .
ماكانت الفاجعة بس مقتصرة على قمر ، كلنا انفجعنا ...
أخوي سلطانظل بالمستشفى 12 يوم ، جاه التهاب رئوي حاد ، و احتاج يدخل العناية المركزة و ينحطتحتالملاحظة ثلاثة أيام .
كانتقمر، و هي بعدها بالمستشفى ، تطلع و تجي تشوفه من وقت لوقتما شكلها استوعبت أن زوجها مات ، إلا بعد فترة ... كانت في بداية الصدمة ، مهووسة بس على سلطان ...
و كانت سلمىبعد تجي تلقي عليه نظرة ، لكني ما أنسى نظرة الشماته الوحشية اللي كانت تنبعث منعينها ، بكلكره و بغض ... و قسوة ...
سلمى كانت تمنعني أشوف قمر ، كل كرهها لأخويسلطان صبته علي أنا ، و صرت أنا أمثل سلطان قدامها ،و بدت علاقتناتتدهور بشكل سريع ... و في النهاية تجمدت ...
اختلت الموازين عندنا بالبيت و انعفسالنظام ...
الشعور ، بأنه هو حي لأن قمر انقذته ، و لأنهاانقذته هو تركت زوجها يغرق في البحر و تصير أرملة ، هذاالشعور ذبح أخويسلطان أكثر مما ذبحه الغرق ، و الالتهاب الرؤي الحاد ...
أما منال ، و اللي عرفت ( من هي ) ، حبيبة سلطانالأولى ، و اللي هي نفسها ، اللي انقذت زوجها من الموتبالتالي من أنهاتترمل ، و ولدها يتيتم ، و اللي ترملت هي بدورها في لعبة قدر فظيعة ، و تيتم طفلهاقبل ماينولد ، ما كان منها إلا انها استسلمت بلا إرادة ، لأي شي يكتبهالقدر و يقرره عليها ، مهما يكون .....
سلطان أخوي , ما قدر يشوفها ... ماقدر حتى يقول لها كلمة شكر ، أو كلمة تعزيةعاش بعذاب ... ومرارة و حزن طويل ... حالته كانت أصعب من أن يتحملها انسان ... لدرجة أن ...
في مرة من المرات ، صحـّـتني منال من النوم آخر الليل ، و هي تبكي و مالها حال ... و قالت لي :
- (خله يشوفها يمكن ترد له روحه ، بيموتإن ظل على ذي الحال )
ما كان أخوي يسألنيعنها ، ما كان يجرأ يسألني عنها ، لكن أنا كنت أطمنه عليها كلما تطمنت أن حالتهاتحسنت شوي ...
قمر ما عاد رجعت بيت أهل زوجها ، وبيتها الجديد اللي كان ينبني باعوه على حاله ...
رائد و ماجد ،فقدوا (أبوهم ) مرة ثانية ، و ها المرة بشكل أعنف ...
كانوا لابسينملابس عوم ، بالتالي ظلوا طافين على سطح البحر ، ماسكين بأخوهم الكبير اللي ما يعرفيسبح ،لين طغى الموج ، و فلت منهم ... و غرق ....
احنا ما شفنا اللي صار له و لا كيف صار ...
ياسر كان ماسكني ، و أنا عيني على نواف كلى كتف أمه و هي تحاولتسبح صوب الساحل ... ، بعدها ياسرشال الولد و أنا مسكت منال ، و صار ياسريسبح بسرعة و احنا نسبح وراه ...
كان هو أول واحدوصل الساحل و الولد على كتفه ، حطه على الرمل و جا بسرعة يمسكني ...
قبل ما نوصل البر ، شفت قمر و هي تسحب سلطان لين وصلت الشاطي ... صرخت ...
- (أخوي سلطان غرق)
شفتها و هي تهز فيه ... تنعشه ... تحضنه ... تصرخ ... ( لا تموت يا سلطان )
(سلطان حبيبي رد علي )
أتعجب ، كيف قدرت أتذكر مثل هالتفاصيل في مثلذاك الوضع ؟يمكن الحين ، بعد ما هدأت الأمور و استقر الوضع ، بدتذاكرتي تستعيد الأحداث ....
أذكر ، لما وصلنا للساحل ، وجينا نركض صوب سلطان ... كان هو جالس ، و عنده واقفه قمر ... تطالع حواليها ... جتعينها على عيني ، بس ما كأنها شافتنينظرتها كانت تايهة ... ماكأنها موجوده ... كأنها لاشيء ...
و بعد ثانيتين أو ثلاث ، انهارت قمرفاقدة الوعي ...
منال أول ما وصلت الساحل راحت لولدهاو شالته عن الرمل و ضمته لصدرها بقوة ...
و جت بعدها لعندنا وسلطان ماسك قمر على ذراعه و هو جالس بمكانه ما تحرك يحاول يصحيها
- (قمره ... قمره ... )
و احنا بها الوضع ، ما جا ببالنا أنفيه ثلاث أشخاص من اللي كانوا معنا ما ظهروالين وصلنا بعد شوي صياحالولدين ، و هو عايمين في البحر ...
- ( لحقوا علينا ... بسام غرق )
قمر كانت آخر وحدة عرفت أن بـسـّـام غرق ...
كانت آخر مرة شافته فيها وهم وسط البحر ...
مع ذلك ، هاجسها كانبأن سلطان حي ، أكبر من هاجسها بأن بسـّـام مات ...
من أول لحظة ، لما بدأ القارب يهتز فجأة ، و احنامتمسكين به بالقوة ، وقفت قمر فجأة و صرخت :
- (اقفز يا سلطان ) ...
سنتين و هي ما تطيق يجي طاريه قدامها ، و تتظاهر بانها نستهو حتى كرهته ... و أنا صدقت أنه ما عاد يعني لها شي ...
لكن يوم الحادث ...
ما كان همها إلا أنها تنقذ سلطان من بين كل الموجودين ....
أخوي عايش ، لأن قمر انقذت حياته ...
و هذا اللي مستحيل ننساه يوم من الأيام ....
سافرت قمر معأخوها ثامر ، يكملوا دراستهم برّى ، و معها طبعا ولدها اليتيم بدر ...
و مرتسنين ، و انقطعت الأخبار ، و انشغل كل واحد بحياته ، و اندفنت ذكريات الحادثةالمفجعة تحت أكوامو أكوام من الحوادث اليومية ، و انسيت أو بالأحري تتوسيت ... و ما عاد أحد يجيب ذكرها أبدا .... الحلقة الثانيةعشرة
* * * * * * * * * * * - روح مع خالك ، و هو يشتري لك .
طالعني ولدي (بدر ) باستنكار ، يبيني أنا أروح معه ، بس رديت قلت له :
- خلاص حبيبي أنت الحين صرت رجـّـال و لازم تساير الرجال !
شكلهاقتنع ، و ابتسم ، و قال :
- زين يمـّـه ، بس لا تنسي اللي وعدتيني به؟ابتسمت له و قلت :
- حاضر ، يالله روح الحين قبل مايمشي عنك ...
و راح يركض بكل عفوية و بكل براءة ...
ولدي بدر خلـّـص 11 سنة من عمرة ، و بكرة باسوي له ( حفلة ميلاد ) للمرة الأولى بحياته ..
بصراحة ، كان هدفي من الحفلة هو أنا نعزم أهلنا وأصحابه الجدد ، عشان يتعود عليهم و يتقرب منهم ،بعد ما قضى عشر سنين و كمشهر برى البلد ...
ما صار لنا غير فترة قصيرةمن ردينا للبلد ، و دخل المدرسة المتوسطة ، كل شي بالنسبة له جديد ...
ولدي بدر ، صار يعني لي كل شي بالدنيا ... الدنياكلها ...
فقدت حبيبي ، و فقدت زوجي ، و رحلت عن بلدي و أهلي و ناسي ... ما ظل لي إلا وليدي ...
و صرت أشوف الحياة بس عن طريقه هو ...
اتصلت بـ سلمى ، و عزمتها و أولادها على الحفلة ، و أكدتلي أنها رح تكون من أول الواصلين ،و ما كذبت خبر ... !
- ماشاء الله على ولدك يا قمر ! اللي يشوفه ما يصدق أن عمره 11 سنة ! ما اعطيه أقل من 15 سنة ! اللهيحفظهلك !
قالت سلمى و هي تناظر ولدي ، وسط بقية الأولاد...
بدر طالع ضخم البنية ، مثل أبوه الله يرحمه ، و كان لابس ثوب و غترة ،و يتصرف تصرفات أكبر منعمره .. و أحس بفخر لما أشوفه ... الحمد لله ، اللهعوضني به خير ...
- بس تصدقي متعلـّـق بي تعلقالأطفال بأمهاتهم للآن ؟قلت لسلمى ، و طالعتني و هي ترفعواحد من حواجبها و تنزل الثاني ، و تبتسم بمكر:
- هو الليمتعلـّـق بك ؟ و الا أنت اللي مهووسة به ! ها قمر ؟ضحكنا ، ضحكات صادقة ، مثل الضحكات اللي كنا نضحكهاأيام الدراسة ، قبل عشر سنين ...
ما كأن عشر سنين و زود ، فصلتبيننا ... سلمى هي سلمى ، و قمر هي قمر ...
أما شوق ....
- ذكرتيني بالأيام اللي راحت ! لما كنا نجلسبالساعات ، أنا و أنت ِ و شوق ، نسولف و نضحكبكل سعادة ... أيام الجامعة ! تذكرين ؟
- أكيد ...
- يا ترى وش أخبارها ؟
- الله أعلم ...
بسرعة ، وجهنا أنظارناللأولاد ، ما نبي نرجع للوراء و نذكر الماضي ... خلنا نطالع قدام ... المستقبل ...
بعد ما خلصت الحفلة ، و ولدي أخذكفايته و زود من الانبساط ، و ثامر و أبوي و أمي راحوا غرفهم ،ظلينا أنا وبدر وحدنا ....
- ها بدري ! مبسوط ؟
- كثير ! مشكورة يمـّـه ...
- يالله حبيبي نروح ننام !
سكت شوي ، مع أن عيونه ظلـّـت تتكلم ... ، لين رد قال :
- ما نسيت ِ شي ؟ابتسمت له ، كنت أعرف أنهينتظر على نار ... و قمت ، و طلعت العلبة من الخزانة ، و عطيتها له ...
- تفضل يا عين أمك يا أنت ! و هذه الهدية اللي طلبتها ! آمر بعد؟أخذ بدر العلبة بسرعة ، و فتحها بسرعة ، و طلع الـ ( هاتف الجوال ) و هو شوي و يطير من الفرح ...
كان يتمنى واحد منزمان ، و انا ما بغيت أجيب له ، و ادري أنه ما يحتاج له ...
بس ، وشيسوى ( جوّال ) مقابل لحظة يعيشها في حضن أبوه ؟أبوه اللي مات قبل ماينولد ... لا عمره شافه و لا عمره عرف معنى كلمة أبلو أملك الدنيا كلها ،و يطلبها وليدي مني ما أتأخر عليه ...
ناظرته و هوفرحان ، فرحة تسوى الدنيا و اللي فيها ، و طالع فيني ، يبي يعبر عن شكره ،وجا صوبي و ارتمى بحضني و ضميته بقوة ...
صرت أقبلجبينه و راسه و أنا فرحانه لفرحه ، فرحانه أكثر أن الناس كلهم مدحوا فيه و باركوالي عليه ...
و أنا أقبـّـل راسه ، فجأة ... داهمني شعور غريب ....
تسللتلأنفي ريحة ... ريحة عطر ... من الغترة اللي كانت على راس بدر ...
حسيت كأن جسمي تكهرب و سرت به رعشه ... معقول ؟ ... معقول ...؟؟؟جا وليدي يبي يبتعد عني ، ضميته ليأكثر ... و صرت أتشمم غترته ... أتأكد ... من الريحة ...
الله يا زمن ... !
بعـّـد وليدي عني شوي ، و طالعني باستغراب ،و رديت قربت راسه من أنفي و أخذت أنفاس طويلة ،واحد ورى الثاني ... مومصدقة ... هذا حلم ... ؟؟
- يمـّـه ؟؟ خير ؟سألني بدر و هو مستغرب ...
- بدر ... من وين لك هذا العطر ؟
- عجبك يمـّـه ؟ اشتريته مع خالي !
شلت الغترة من على راسه ، و قربتها من أنفي وشميتهامرة بعد مرة ... و ما دريت بدموعي تسيل علىخدي ... ، و على شفايفي ... تعبير حائر ... ما هو عارف ... هل هي لحظة سعادة و الا حزن ؟هل أبتسمو الا أبكي ... ؟؟؟
- يـمـّـه وش فيك ؟طالعني بقلق ... و طالعت به و أنا ما ادري وش الشعور اللي غلبني ساعتها ...
- هذا العطر ... شمـّـيته من قبل ... قبل سنيــن ... قبل ما تنولد أنت يا بدر ...
تعجّب بدر ، و سألني :
- عطر من ؟ ... أبوي ؟طلعت مني آهه غصباًعلي ، الكلمة تهز قلبي و ترج جسمي كله ، لا طلعت من لسان ولدي الليما عمرهعرف وش معناها أصلا ...
- يمـّـه أنت ِ بخير ؟هزيت راسي ، نعم بخير ... و الغترة بعدها عند وجهي ...
- ما هو أبوك الله يرحمه ... شخص ثاني ... كان يستخدم نفسالعطر ... من قبل 13 سنة ...
- صحيح ، البيـّـاع قال أنه عطر أصلي و قديم ! بس ريحته اعجبتني ...
يمـّـه من هو ؟سالتآخر دمعة على خدي ، و مد بدر يدّه و مسحها ، و هو بين المستغرب و بين القلـِـق والحيران ...
- خلاص بدر ، يالله نروح ننام تأخـّـر الوقت ...
اعترض بدر ، و قال بالحاح ...
- يمـّـه قولي لي ؟
- خلاص حبيبي ، خذ الجوال و رح غرفتك ...
ماأبي أذكر شي ...
ما أبي أفتح الجروح ....
ما أبي أحيي الذكرىالميتة ...
سلطان انتهى ...
سلطان اندفن ...
سلطان غرق ... وسط البحر ... ذاك اليوم ...
رحت لغرفتي ، و الغترة معي ،و معها ريحة عطر سلطان ... للحين ما نسيته ، بعد كل هذه السنين ... !
وشجيبك يا ذكرى الحين ؟تاه قلبي في ذكرى الماضي ... ذكرى العذاب ... ذكرى الألم ...
آه يا سلطان ...
يا ترى وين أراضيك ...؟يا ترى عايش و الا ...
يا ترى تذكرني ... ؟إيه يا زمن ....
ماتصورت أني بعد كل هذه السنين و العمر ، بـ أرد أذكره ... و من ريحة عطره ...
... الله ... ... ... يا سلطان ...
تمددت على سريري ، و الغترة بحضني ،عند قلبي ، و على وجهي ...
اسحب منها ريحتها ، و تسحب مني دموعي ...
تقلـّـبت كل المواجع و كل الآهات ...
و أنا أحاولابعثر الذكرى اللي سيطرت علي ، بعدت الغترة عن وجهي و شحت به ناحية اليسار ...
و طاحت عيني ... على واحد من الأدراج ...
الدرج اللي احتفظ فيهبعلبة خاصة ما فتحتها من سنين ...
تملكتني الرغبة العارمة ، و قمت ، وفتحت الدرج ، و طلعت العلبة ...
كانت علبه مجوهرات ...
و بداخلها ... كان فيه ... عقد به حجر بالمنتصف ، منقوش على ظهره :
(( حبيبتي قمر حلوة )) ....
و بداخل العلبة بعد ، كانت متبعثرة 33 خرزة ( فص ) فضية ....
*
* *
*
بعدما هدني حبيبي و قال لي ...... ناويأخطب وحدة من ناسي و هليلا تكدري خاطرك أو تزعلي ..... الزواج حظوظ و حظكما هو ليصرت أدور عن حبيب فاضي لي ... غايتي أنسى حبيبي الأوليكفكفي دموعك يا عيني و اجعلي ... باب قلبك منفتح للي يليأي واحديعرض الحب أقبله ....... حتى لو أدري بكلامه مجاملهما يهمني وين قلبيأرسله ......... المهم حبي الحقيقي اقتلهله قبر باحفر و بيدي بادفنه ......... و انثر أزهار الغدر في مدفنهخله يروي الأرض بدموعه و أنا ...... بارتحل لقلب غيره و اسكنهو انكتب من بعد هجره لي نصيب ... واندفن قلبي معذاك الحبيبما شغل بالي نصيبي وش يجيب ؟ ... ملتهب جرحي و محتاجه لطبيبويلي عيـّـا القلب ينسى نظرته ....... وهو كاشخ لي و لابس غترتهعطره عايش في نسيمي لـمتى ؟ . ... حظها لا قامت تشمه حرمته !
كنتأظن بانساه في كم يوم يمر ..... مرت شهور و سنين و مر عمر...
لين جا يوم ٍحضنت ابني بدر ... كان أشم في غترته نفس العطر !
رجعت الذكرى في بالي للورى ... و انفتح بعد الدهر ذاك القبرو انبعث محبوبي من تحت الثرى ..... قلبهنابض ما فناه طول الصبرسالت العبرة على خدي و بكيت ... لسـّـه حبي عايش ٍفي المقبرةحتى عطره لحد يومي ما نسيت ... حتى صوته و حتى همسه أذكرهو ولدي يمسح بيدينه عبرتي...... وش بلاها أمي تشمم غترتي ؟!
بدر ياروحي و غاية مهجتي ..... آه لو تسمع خبايا قصّتي ...
يا ولدي خل الجراحمسكرة ...... ما بي افتح قلبي ما بي أذكرهمدري وش صار بحياته وش جرى ؟ ..... يفتكرني و الا ناسي يا ترى ؟؟يا ولدي حبيت قلبه و حبّني ......... في النهاية خذ له غيري و سابنيما ادري وش حصل بها وش عابني ؟ .... ما سالوش صار لي وش صابني؟كل حياتي و كل كياني كان له ...... تالي خلاني وحيدةمذللهما رحم فيني الدموع السايله ........ و الشعور اللي بقلبي شايلهعطره هيّج حبي اللي أكننه ........... ليت أشوفه ، ليت أشمه و احضنهلو يرد لي لو بعد إمية سنه ............ كان أحطه في فؤادي و اسجنه
( هبه ) ، هي بنت أخوي سلطان الوحيدة ، و الليجابها بعد تسع سنين ، من ولادة ( نواف ) ، و البنت الوحيدةو أصغر طفلة فيعيلتنا حاليا . الحين هبه في الثالثة من عمرها و أخوي و منال متعلقين بها و يدللوهادلال ماشافه أخوها الأول و الوحيد ، نواف ...
و لمـّـا يكون عنده عمل طويل ، كثير ما كنتآخذها و نروح نمر عليه هو و ياسر بالشركة .
اليوم ،اثنينهم رح يتأخروا الى الليل ، و انا بأجازة في الوقت الحالي ، و أخذت هبه ، و رحتبها لمكتبهم ...
- هذه شكلها رح تصيرإدارية مثلك يا سلطان ! وش رايك تكتب الشركة باسمها أو تورثها لها بعد عمر طويل؟قال ياسر يمزح ، و ضحكنا كلنا ...
- متى راجعين ؟ جت الساعة سبع و نص ! و بعدين أنا مسوية طبخة حلوة و لازم تتعشى معنايا سلطان !
رد أخوي :
- خلال ساعةنكون خالصين إن شاء الله ، اذا بغيت ِ تروحي روحي بس خلي هبه عندي ...
ابتسمت ، و قلت :
- تراك مدللها بزيادةيا أخوي ! الله يعينك عليها إذا كبرت !
شالها بحضنه و صاريقبلها بسعادة كبيرة ، كانت من أروع الصور اللي شفت فيها أخوي ، أب يحضن طفلتهالصغيرة الحبوبة ، و هو واقف قدام النافذة المفتوحة ، و بعض الأنسام تداعبشعرها الأملس .... و البدرالمكتمل يرسل نوره حوالينا بكل غرور ....
الله ...
و لا أجمل من ذي صورة !
- اصبر سلطان ! باجيب كاميرا و أصورك ترى المنظر حلو بالمرة !
قلت بمرح ، و جلسنا نضحك بسعادة ...
بعد شوي ، جا أخوي يلم أغراضه عشان نروح . و على وحده منالطاولات كان فيه أرواق و طرود ،أظنهااشياء البريد اللي وصله اليوم .
راح أخوي و القى عليها نظرة تفحص ، و توقف و دقق نظرة استغرابفي وحدة من العلب ...
- يالله سلطان خل البريد لبكرة !
قال ياسر و هو يفتح الباب يبي يطلع و أنا جايه صوبه ، لكنسلطان ، و هو شايل هبه على كتفه ، ترك شنطتهالعملية من إيده ، و أخذ ذيكالعلبة و بعض الرسايل ، مصر يفتحها لآخر لحظة ....
فتح أخوي العلبة ، و احنا جالسين ننتظره بطوله بال ...
و لو تشوفوا تعابير الذهول اللي طلعت على وجهه فجأة ... تقولوا هذاشايف جني...!
فجأة التفت للورا ، صوب النافذة، كأنه سامع أحد يناديه ، و طالع في القمر ...
... أنااستغربت ، و اندهشت ، اش ممكن يكون شاف داخل العلبة ؟؟العلبة كانت صغيرة ، بحجم (شريط كاسيت ) تقريبا ، وش ممكنيكون داخلها ...؟؟؟
- وش بلاك يا سلطان يالله باموت جوع ؟قال ياسر ، و التفت لنا سلطان ، و طالع بي بذهول ... ، ما فهمتمعنى نظرته ، و سكـّـر العلبة و دخلها بشنطتهو طلع معنا ...
فيه شي تغير ، ما حسيته على بعضه ، حتى و احنا علىالعشاء ما أخذ بنته يأ ّكلها بنفسه كالعادة ، عطاني اياها وصار ياكل شويشوي ، و بشروذ ...
أنا طبعا فضولي وصل حده ، و انتهزتأول فرصة لقيتها ، و رحت ، و فتحت شنطة سلطان خلسة ....
شفت العلبة و طلعتها ، و انا التفت يمين و شمال خايفة أحديشوفني ، فتحت العلبة شوي شوي ... و اندهشت ...
ماكان داخلها غير ( فص فضي ) ، و ورقة مكتوب عليها :
(( القمر يبلغكالسلام ))
بعدثلاثة أشهر ، في مرة من المرات ، و بشكل غير متوقع ، سألني أخوي فجأة :
- قمرة رجعت البلد ؟طالعت في أخوي ، وأنا كلي اندهاش ، يمكن ما سمعته زين ؟
- إيش قلت أخوي ؟؟و رد علي بنفس النبرة :
- قمرة رجعت البلد ؟؟؟ظليت أناظر به ، نظرة بلهاء ، كأني وحدة غبية أو ما تفهماللغة ... من كثر ما أنا متفاجأة من السؤال ...
- ... أي ... قمرة ... ؟؟سألت ، و أنا أبي أقنع نفسي أني ما سمعته زين ، أو أنهيقصد شي ثاني ...
- قمر صديقتك ... ردت البلد و إلا ما عندك خبر ؟أكيد كان يقصد قمر نفسها ، ما غيرها .... !
- ... قمر ... صديقتي زمان ؟طالع بي بنفاذ صبر من ( استهبالي ) ، لكن ...
- ... وش جابها على بالك الحين ؟؟؟أخوي ، مد إيده بجيبه ، و طلـّـع علبة صغيرة ، و فتحهاقدّامي ....
داخل العلبة ، كان فيه أربعة فصوص فضية ، مثلالفص اللي شفته قبل ثلاث شهور ... و جنبها سلسلةفضية ....
أخوي ، أخذ السلسلة و صار يدخل بها الفصوص واحد ورا الثاني ...
الحين بس ، لما شفت الفصوص في السلسلة ، تذكرتها ....
طالعت بكل معاني الدهشة و الذهول و الاسغراب الشديد ... هذه ... سبحة أخوي سلطان ، اللي كانت عنده قبل
13 سنة ، و اللي أذكر ... أنقمر أخذتها منه يوم رحت أنا معها له في مكتبه ذاك يوم .... ! ! !
قمر ... سافرت قبل أكثر من عشر سنين .... وأخبارها عني انقطعت ....
و أنا ... بعد كل اللي صار في الماضي، ما تجرأت اتقصى عنها و عن أخبارها...
و الحين ... ما اقدر اتجرأ ...
فيه شي تغير في سلطان ... الرجـّـال ما هو بطبيعته الأوله ...
الشروذ صار يرافقه أغلب الوقت ... و البهجه تهل عليه بشكل ملحوظ و غريب ، كلما وصلته علبة جديدة ،منالعلب اللي صارت تجيه نصف كل شهر ... !
يفتحها ،و يبتسم ، و تشوفه يرتخي فجأة و تنبسط كل عضلاته ، و يسبح في بحر من الشروذ ... تقول
( مخدرات ) و العياذ بالله !
اليوم ،جالس على أعصابه ، ينتظر البريد ، ينتظر ( الفص المخدر )
- وش فيك يا سلطان ما انت على بعضك ؟
- ولا شيياسر ... خليك بحالك .
- يا رجـّـال ! اللي يشوفك يقول عاشق غرقان في الحب !
- ياسر ما لي مزاج لتعليقاتك الساعة ، أجلها شوي ...
وش رايكتنقشع عني الحين ؟وشوي ، و وصل البريد ، ووصل معه الفص الفضي ، و تهلل وجه الرجّال و صار غير اللي كلمني قبلشوي ... !
- ياسر ، وش رايك نروح نتعشى الليلة بمطعم ؟ على حسابي ؟
- سبحان مغير الأحوال !
ابتسم ، و أخذ الفص رقم 30، و دخله في السلسلة ... و قال :
- باقي ثلاثة ...
- سلطان، أبي أقول لك شي ، تراك مجنون يا أخي ...
ما عبرني ،بعده في نشوة المخدر !
- سلطان ، أقول لك تراك جنيت ، و لازم تروحالمستشفى !
انتبه لي فجأة ، كأني قلت شي خطير ، و طالعنيبنظرة ادراك ، يمكن أوحيت له بفكرة كانت غايبة عن باله ؟
- المستشفى ....
قالها ، و ابتسم ، و أخذ نفس طويل ، و رجع لحالتهالأولى ، الطبيعية ، انتهى تأثير المخدر ....
- و بعد ما تكتمل السبحة؟سألته ، بس ما رد علي ... أنا بديت أخاف عليه ، أنامتأكد أن هذه من علامات الجنون المبكرة ، و يا ليتنا نلحقعليه قبل فواتالأوان ... !
- سلطان وش تفكر فيه ؟ بعد ما تخلصالسبحة ؟
- يكفيني .. أني أحس بها موجودة حواليني ، في مكان قرب أو بعد ... بس هي حواليني ...
- أنت مجنون من جد يا سلطان ، المره يمكن تزوجت واحدثاني و عشان كذا تبعث لك الفصوص ، مثل مابعثت السلسلة ليلة زواجها من بسام، الله يرحمه ... تذكر ؟يا ليتني ما قلت اللي قلته، ثار سلطان بوجهي :
- اسكت يا ياسر اسكت ، خلني اتهنىلحظة من عمري ، اسكت يا ياسر و اطلع برى لو سمحت ...
حتى لو تزوجت عشر مرات ... قمرة عايشة بأنفاسي أنا...
روحها هي اللي تحركني ... أنسامها مازالتبصدري من ذاك اليوم ...
لما رجعت البيت ، قلتلشوق :
- أخوك سلطان مريض ، و رح ينجن ، و لازم تشوفي له طبيبنفساني ...
ثلاثين فص ،في ثلاثين شهر مروا ... و قمر موجودة بمكان ... بس ما بغيت أسأل عنها ...
أكيد ردت البلد ... لكني ما ودي أشوفها ... ماأعرف بأي وجه و أي تعابير أقدر ألتقيها ... بعد أكثر من عشرسنين .... منالفاجعة المشؤومة ...
إش الهدف ... منأنها ترسل الفصوص ؟ ما أدري ...
هل هي بنفسها اللي ترسل الفصوص ؟بعد مو متأكدة ...
اللي متأكدة منه ، أن أخوي سلطان زي ما قال ياسر .... قرّب ينجن !
أظن هذا رح يكون حكمكم عليه لما تعرفواوش اللي صار .... !
كان اليومنصف الشهر ... الواحد و الثلاثين ، و سلطان كالعادة جالس ينتظر (الجرعة) التالية ....
انتظر ... و انتظر ... لكن الجرعة تأخرت ....
و الرجّال صار ما له حال ...
تأخرالوقت بالليل ، و ما وصلتنا العلبة المنتظرة ....
أنا بصراحةكنت تعبان ، و قلت له :
- يالله أنا ماشي ، ما بتروح ؟صار يناظر الساعة ... بقلق و ضيق صدر ... و تالي قام وراحبنفسه يتأكد من صندوق البريد ... و ما لقى شي ...
اتصلت عليه زوجته بعد شوي تسأل عنه و ليه متأخر ، وسمعته يقول لها إنه يبي يروح مشوار و يرد بعدين ...
رجعت أنا البيت ، و قلت لشوق أنه أخوها مو بعلى بعضه ... و أن القمر ما سلم عليه الليلة !
شوق كانت قلقة ،لكنها ما علقت على الموضوع ...
يوم ثاني ، كان أسوأ و أسوأ ....
أنا قلت يمكن البريد متأخر أو حصل خلل أو شيء ... و أكيد القمر بيوصلهاليوم !
اللي صار ... أن اليوم عدى ، و عدت بعده أيام و أيام .... و رحل الهلال ... من غير سلام ...
سلطان كان مثل المجنون .... كل شوييسأل عن البريد ... يدخل يفتح الصندوق ، و يطلع يفتحه ...
أعصابه صارتمشدودة و تركيزه متشتت ... و كل اللي بالعمل ، و أكيد بالبيت ، لاحظوا ....
كان ينتظر الشهر الجديد ... يمكن القمر نسى الشهرالماضي ، و جل ما لا يسهو ؟لكن ... اللي صار ... أن البدراكتمل ... و ما سلم عليه ...
في ذاك اليوم أنا كنت مو موجودبالمدينة ، طالع مشوار عمل ... و شوق و حدها مع الأطفال بالبيت ...
كانت الساعة وحدةالليل ... و كنا نايمين ، و رن جرس الباب ....
صحيت منالنوم مفزوعة ، من يمرنا هالساعة ؟؟؟زوجي ياسر ما كان موجود ،و مستحيل يكون هو رد و ما معه مفاتيح البيت ....
الجرس ظليقرع باصرار و أنا قمت من سريري متوجسه ... و رحت أبي أطل من النافذة أشوف من يكون؟في نفس اللحظة رن الهاتف ، و طلع رقم جوال أخوي بالكاشف ...
رفعت السماعة و كلي خوف ... وش صاير ... ؟ الله يستر ...
- ألو ..
- هلا شوق ، أنا عند الباب ...
- عندالباب ؟؟؟
- افتحي شوق ....
طليت من النافذة وقدرت أشوف سيارة أخوي ، و أنا أرد عليه ..
- طيب تفضل ...
ثواني ، و كان أخوي قدامي ....
مثله ... مثل شبح ... مثل مومياء ... و الله أني ما أنسى حالته ذي ... طاح قلبي يوم شفته حسبت صار شيبالأولاد أو منال ...
بلعت ريقي و همست بصوت مختفي ...
- خير ؟؟تنهد أخوي ، قال يطمني ...
- بسم الله ... لا تخافي شوق ماصاير شي .... كلنا بخير ...
ما تطمن قلبي ... رديت أسأله :
- وش فيه ؟؟فجأة ، ارتمى على الكنبة ... و سند ظهرهعليها بتثاقل ... و رفع راسه و غمض عينه ....و مسح براحه إيدهعلىجبينه و هو يتأوه بألم....
أنا ظليت واقفة مثلالتمثال ... مذعورة ... و لساني مو قادر يقول شي ....
فتح عينهو قال لي ... بدون أي مقدمات ....
- قمر رجعت الديرة ؟ وين هي؟انفجر قلبي بنبضة قوة كبيرة ، بعد انحباس .... و سرىدم حار متوهج بجسمي كله ... و ما قدرت ركبتيتشيلني ...
جيت و جلست جنبه اجمع شوية أنفاس ... و اهدىء نفسيمن الفزعة ....
طالعت فيه ، و أنا صامته ... للحين لساني مشلول ... لكن نظراتي كانت تعبر بكل شرح و توضيح ....
أخويظل يناظرني و يقرأ تعابير وجهي ... طبعا ... الموقف صاير فوق مستوى التبرير ... وأنسب تعليق كانله ... هو شلال من الدموع فاضت من عينه قطّعت قلبي قبل تقطعطريقها على خدينه ....
مسكت راسه و قمت أمسحالدموع ... و مد إيده و مسك إيديني ... ونطق ... بالجملة الأخيرة اللي قدر ينطقبها لسانه ذيك ليلة ....
- أرجوك شوق ... شوفيلي وين هي ...؟؟؟
التعديل الأخير تم بواسطة hot-hot ; 17-08-08 الساعة 11:41 PM
|