كاتب الموضوع :
Rehana
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
2_ في وجه المحارب
كانت عقارب الساعة تعلن أزوف الثامنة والربع، حين غادرت هولي غرفتها، مستقلة المصعد هبوطاً إلى الدور الخامس.
هناك كان القسم العلوي للفندق حيث تلف سطحه أشجار مغروشة في أحواض ضخمة، وشجيرات شائكة.. حيث يمكن للمرء استراق النظر حتى حدود" ماين بارك" المكان الذي يوجد فيه معرض " نيو ساوث وايلز" للفنون.
عرفت هولي النادل بنفسهافحياها وأخبرها أنه من المتوقع وصول رجل أعمال لينضم إليها لاحقاً .. طلبت الجلوس إلى طاولة قرب المدخل الزجاجي ، ليتسنى لها مراقبة القادمين من جهة المصعد ، للتعرف إلى المشتري المنتظر قبل أن يتعرف إليها .. كانت تتوقع أن يكون بعمر والدها وإلاكيف له أن يعرف شيئاً ؟
كانت ثيابها لائقة ..شعرها الطويل الكثيف معقوص إلى الأعلى، وكانت ترتدي بزة وردية من الكتان الناعم ، وبلوزة بيضاء ملساء . ولكنها تخشى أن يكون الرجل صعب المراس.. فالأستراليون مشهورون بصراحتهم التي تبلغ حد الإزعاج .. والواضح أن الرجل لايريد إضاعة وقته.. وهي بحاجة بكل تأكيد إلى شجاعة وجرأة للبدء بالحوار وقيادته إلى حيث تريد.
أوصلها النادل ، بكل ترحاب ، إلى أقرب طاولة لشخصين.. فاختارت الكرسي الذي قدم لها منظراً واضحاً للبهو الخارجي .. وهناك قدمت لها القهوة ، فتقبلتها شاكرة .. أثناء الدقائق العشر التي مرت لم يخرج من المصعد إلا شخصين ..
لم تستطيع هولي تصديق عينيها حين رأته.. إنه الرجل الذي صدمتها رؤيته بقوة وبشكل مثير للإزعاج ليلة أمس في المعرض .. وهي بالتأكيد لن تخطئ شخصيته لأنه يريدي البزة نفسها.
نظرت إليه دهشة ونبضات قلبها تخفق بسرعة .. لايعقل أن يكون هذا هو الشخص الذي ستلتقيه.. فهو في أواسط الثلاثين وليس كهلاً كم ظنت. ومن هو بمثل عمره لايمكن أن يعرف شيئاً عن والدها وسيرته.. لاشك أنه كان صبياَ صغيراً حينذاك. سحبت نفساً عميقاً وحاولت تهدئة أعصابها، وعدت إلى العشرين ثم تفحصت ساعتها .. إنها الثامنة والنصف تماماً.
ـ آنسة رايدال؟
صرت على أسنانها.. إنه هو، لابد أنه هو. إذ لايمكن لأحد أن يدخل من دون أن تنتبه له، وهاهو يسأل عنها، ثم يتقدم إلى الطاولة..الصوت صوته هو والنبرة نبرته.. لم تعتد هولي أن تتورد وجنتاها.. لكن الحرج بث دفعة من الدفء إلى عنقها الطويلة فأحست بالحرارة تخترق مسام خديها فتورد !!
لابد أن وجهها تورد ولكن حاجتها الملحة لإبقاء هذا الرجل على مسافة منها، جعل عينيها تبدوان طبيعيتين غير مكترثتين. على أي حال ، حين التفتت ترفع نظرها إليه، لم يشر إلى أنه تسلم الرسالة.
سألها بكل تهذيب: هل لي أن أتشرف بالانضمام إليك؟
لم يكن في عينيه الخضراوين دليل تسلية أو عبث .. بل كانتا هادئتين ، هادفتين .
أجابت ببرودة تامة: أنا آسفة.. في وقت آخر، ربما .. أنا أتوقع .
لكنه سرعان ما قاطعها: أنا.. تتوقعينني أنا ، آنسة رايدال.. لدينا عملية بيع نناقشها .. إذا كانت لديك رغبة في هذا؟
ـ أنت ؟أفلتت منها الكلمة قبل أن تستطيع كبتها .. وكانت غلطة .. فقد أحست بابتسامة رضا خفيفة تبرز على وجهه المحارب الذي يشبه وجه الصقر.
مد لها يده قائلاً: اسمي فليكس ويستون .. إذا كان الاسم يعني لك شيئاً !!
سببت لها قبضته على يدها رجفة .. فسحبت يدها بسرعة : لا.. كما أخشى .. فأنا لاأهتم بالأمور المالية كما أنني لست أسترالية!
آه !! ردها أرضاها وهو أيضاً رد خاطىء .. إنه يتعرف إلى أمور كثيرة عنها . وهي هنا لتستقي المعلومات منه وتتسقط أخباره ..
والاستعداد للقاء كهذا ، يتطلب الاهتمام بكل شيء ويستلزم مراجعة الأفكار والتحلي بإرادة صلبة ، تستطيع بها الحفاظ على رباطة جأشها .. هزت رأسها تومىء إلى الكرسي المقابل .
_تفضل بالجلوس سيد ويستون .. أرجو المعذرة على سوء الترحيب بك ، أعترف أنني توقعت شخصاً أكبر سناً بكثير .
_وأنا أيضاً.. لكنني لاأمانع في مفاجأة لطيفة . لهجتك تنبئني أنك أميركية .. وأخشى أن تكون هي المشكلة في عرضي لك !
_ليس لدي مشكلة في كوني أميركية سيد ويستون . هل تطلب الطعام الآن ؟
ابتسمت واستدعت النادل الذي كان لايزال ينتظر الرد ... وقدم إليهما لائحتي طعام .. في هذه الأثناء كان فيلكس ويستون يرمق هولي بنظرة ساخرة قبل أن يخفض عينيه إلى لائحة الفطور .. انتظر بعدما طلب مايريد أن ينسحب النادل .
كنت أتساءل عما إذا كان تحويل العملة هو العائق . أعرف أن تبديل العملة قد يسبب المتاعب ولكنني أؤكد أننا نستطيع تجاوز هذه المسألة . سألت : " أوه.. ومن " أنتم "؟ من أنت ؟ " . برق شيء خطير في عينيه :
_أنا وأنت آنسة رايدال .. نحن . إننا هنا لمناقشة المسألة ، بالنسبة إليّ إن تصنيفي المالي ... من الصنف الأول .
_شكراً لك . لن يكشف لها عن شيء . لكنها شرعت تتمتع بالتحدي الذي يلائمه ، فلن تكون عقبة يسهل عليه تجاوزها .. ابتسمت :
أريد معرفة ما هي التسهيلات التي تمكنك من اجتياز صعوبة التحويل المالي الدولي .
_ شركتي تمتلك شبكة علاقات في كل أنحاء العالم. لدينا مكتب في نيويورك.. من أين أنت بالتحديد في أمريكا؟
_ بوسطن، " ماساتشوستس"ليست بعيدة عن نيويورك، أو عن سيدني.
_ أعرف بوسطن آنسة رايدال .. والآن بوسعنا أن نتكلم في العمل؟
_ أتمانع أن تقول لي أولاً، ماهي طبيعة عملك، سيد ويستون؟
قال ساخراً: أنبش الأشياء من الأرض. إنه عمل جيد لك. لكن ماهو نوع الأشياء التي تنبشها؟
_ النوع الذي تعتبره أجمل النساء، مثلك، أفضل صديق لهن.. الألماس آنسة رايدال.. أفخم أنواع الألماس الملون في العالم.
منجم " بندنير" للألماس في كيمبرلي؟ لقد قرأت عنه. تأسس في السبعينات، أي بعد وقت طويل من وصول والدها إلى " بورت دوغلاس" وهذا يعني أن لاعلاقة له به.. لكن ربما تكون هي المخطئة.. فوالدها عالم جيولوجي.. فكم من الوقت يستغرق إنشاء منجم بعد اكتشاف الألماس؟ لكن، لماذا رحل والدها إن وجد ألماساً؟
قال فيلكس ويستون: أنا هنا لمناقشة الصفقة.. فلنناقشها. ابدأي أنت.. السيدات أولاً.. كم تريدين بالضبط آنسة رايدال؟
ترددت هولي.. لو قالت له بالضبط ماتريد.. تريد معرفة السبب الكامن وراء رغبته في شراء اللوحة التي يريدها بقوة والدليل المبلغ الهائل الذي يدفعه ثمناً لها.. لم تعجبها الملاحظة الساخرة التي تفوه بها، بأن شملها بين الجميلات من النساء اللواتي يعتبرن الألماس فوق أي شيء آخر.. لكنها لن تقول له الآن إنها امرأة لايمكن شراءها.. لابخمسة ملايين، ولابخمسة مليارات من الدولارات.. ولسوف تدعه يكتشف هذا بنفسه.
قالت بصراحة: في الحقيقة، ياسيد ويستون.. لست واثقة من رغبتي في بيع " الأحلام الضائعة" لك.. لماذا تريد أن تشتريها؟
عاد النادل ليقدم كوبين من عصير البرتقال الطازج، فأسرع فيلكس ويستون يتجرع كوبه دفعة واحدة ، ثم رفع نظره إليها وقال :
_أنا أصنع لنفسي اسماً في الدوائر الفنية ، كجامع للأعمال الفريدة من نوعها .. وأرمي أن تكون هذه اللوحة صفقة هذه السنة .. وسأحاول أن أحل لك مشكلة الضرائب آنسة رايدال .. وهذا هو أقصى حد أصل إليه . العرض يبقى على ماهو ، لن يستمر .
نظرت إليه متفرسة ، محاولة فهم ما يكمن وراء الكلمات ، ثم ردت بثبات : لقد أسأت فهمي سيد ويستون .. المسألة ليست مسألة مال ... ولن يؤثر هذا في قراري حين أتخذه . المسألة تتعلق بالسبب الذي يجعلك تطلب هذه اللوحة بالذات . وإن لم تقل لي السبب من وراء شرائك اللوحة فلن تحوز على " الأحلام الضائعة " ... إما أن تقبل وإما أن ترفض .. وبعد اليوم لن يستمر العرض كذلك .ارتد رأسه إلى الوراء .. وعرفت هولي أنها لعبت اللعبة التي لم تكن بحسبان فيلكس ويستون وأنها فاجأته .
_" الفضول قتل القطة " .. آنسة رايدال .. لديك خمسة ملايين سبب لئلا تقضي على هذه الصفقة ، فما الذي يدفعك إلى وضع علامة الاستفهام هذه ؟
_قد تعطيني خمسة ملايين سبب يرد على سؤالي ، سيد ويستون .. أخشى أن تكون المعلومات التي تسأل عنها سرية . تفرس فيها للحظات طويلة قبل أن ينطق : يبدو أننا وصلنا إلى طريق مسدود .. لكن أمامنا يوماً كاملاً للتفكير .. وبما أن هذا قد يستغرق اليوم كله .. سأطلب ، وكبادرة حسن نية منك ، أن تسحبي اللوحة من المعرض مدة أربع وعشرين ساعة .
صدم الطلب هولي لأنه غير عادي .. إنه طلب غريب ولايختلف عن وقائع كل هذه الصفقة ، بدءاً من العرض غير المعقول ،
وصولاً إلى إصراره للحصول على الرد ليلة أمس .. مروراً بالإصرار علىاللقاء معها في وقت مبكر جداً .. وانتهاء الآن، وبعد المزيد من التأخير ، بطلب سحب اللوحة من المعرض !!
فكرت هولي أنه لايريد أن يرى أحد اللوحة ! ولايحتمل عرضها علناً . هذا هو كل ما في الأمر . وليس السبب رغبته في امتلاكها
بل إخراجها من التداول .
_أنا آسفة سيد ويستون ، لكنني لن أفعل هذا حتى تخبرني لماذا تريد سحبها ؟
وكأن صبره بدأ بالنفاد ، قال : أخبرتك السبب !!
_لكنه ليس كافياً . هز رأسه : أعطيتك أسباباً ، ولم تقبلي بها . فكيف أثبتها لك ؟ ربما بدأنا بداية غير صحيحة .. هل أسأت إليك بالمعرض ليلة أمس ؟
_أسأت إلي ؟ وكيف يمكنك هذا ؟
_لا ؟ .. إذن سأقوم بما أغرتني به نفسي عندما رأيتك . ولكن التوقيت الآن غير جيد ، تبدين متوترة جداً .
وأشار إلى النادل طالباً المزيد من العصير ، ثم ارتد إلى هولي وعيناه الخضراوان تتراقصان بسيل من الاقتراحات : أتحبين العصير وقت الفطور آنسة رايدال ؟
إنه يحاول السيطرة عليها ! ويظهر لأنه معتاد على تحديق النساء إليه ، لامتلاكه مزيجاً من جمال الطلعة والثراء .. لاشك أنه معتاد
على احصول على المرأة التي يريدها ، ولكن إذا ظن أنها واحدة منهن فقد أخطأ أي خطأ ..
_العصير من اختصاص أمي .. أسرة رايدال أسرة عريقة في مجال المصارف في بوسطن ، سيد ويستون .
لكن هذا الرد لم يحبطه ، بل برقت عيناه سخرية . قلت لي إن الأمور المالية لاتعنيك .. هذا عيب يا آنسة رايدال !
هزت كتفيها بازدراء : أنا لاأهتم بالمصرف . لا..بالتأكيد لا ..أتصور أنك من المعجبين بالفن . ابتسمت له ابتسامة غامضة ، لاتؤكد
ولاتنفي .. وتركته يتساءل عما إذا كان مخطئاً أم لا !
_أنت جميلة مغرية .. لكنني متأكد أنه سبق أن قيل لك هذا كثيراً . كان المديح بالنسبة لهولي أشبه بماء متطاير عن ظهر بطة .
_ووجهك أيضاً مثير للاهتمام سيد ويستون . وهذا ما فكرت فيه ليلة أمس .. وأظنك تعرف هذا جيداً .. ولكن ما هو أكثر إثارة للاهتمام ،الوجه في اللوحة . ضاقت عيناه ، لكن ليس قبل أن ترى النظرة الحادة فيهما .. أهو الغضب ؟ أم الامتعاض ؟
_ أجل.. إنه مثير غامض، وهو عمل يشير إلى عبقرية فنية.. لم أشاهد قط نظيراً له.. وهذا أحد الأسباب التي دفعتني لشرائها. شعرت هولي أنه يتحدث بصدق لكنه لم يكشف لها عن شيء بعد..وصل العصير فسكبه النادل في كوبيهما، رفع فيلكس كوبه محيياً:
_ إلى تفاهم أفضل بيننا .
إنه فعلاً جذاب.. وحاولت هولي بشدة مقاومة جاذبيته الشديدة .. لن تستطيع تحمل تأثيره فيها ولكن من يعرف أكثر منها أن الشخص في الداخل هو أهم بكثير من الخارج الجذاب.أخذت تراجع الموقف، فيلكس ويستون لن يقع في حبائل الإدلاء بأي شيء لايريد قوله.. إنه حاد الذكاء، بارع.
لكنها أدركت شيئاً واحداً فقط: إنه يريد إخراج اللوحة من المعرض. ولايعقل أن يكون منظر كيمبرلي هو الذي يعنيه.. إذن السبب هو وجه المرأة .. وهذا يعني أنه وجه معروف، وليس معروفاً فقط، بل إنه لامرأة موجودة لايريد فيلكس ويستون أن يتعرف إليها أحد.. الآن، وقد عرفت من هو، تصورت أنها قادرة على معرفة من هي المرأة .. لكن، هل ستكون صريحةأكثر من فليكس ويستون؟
سألها فجأة: " منذ متى تمتلكين اللوحة"؟.
رفع نظرها بحدة.. لكنها لم تجد سوى نظرة متسائلة على وجهه: منذ السنة الماضية.
_ لاحظت من الدليل، أن الفنان توفي في السنة الماضية.. فهل امتلكت اللوحة قبل موته أم بعده ؟!
ردت باختصار: " بعده". هل حان الوقت لتقول له إن الفنان هو والدها؟
_ إذن أنت لم تمتلكيها منذ زمن طويل؟
مرت أخرى أحست برضاه عن ردها.. فالفنان مات، ودفن سره معه.. هذا مايظنه فيلكس.. وقالت:لا.. لاأملكها منذ وقت طويل.. لكنني لن أتخلى عنها سيد ويستون. إن لها.. قيمة شخصية عندي.. وأتساءل عما إذا كان لها عندك أيضاً قيمة عدا قيمة اللوحات الفنية النادرة.
رسم ابتسامة تساهل على شفتيه: رأيتها للمرة الأولى ليلة أمس آنسة رايدال.. وأريدها.. وهذا أمر شخصي بقدر ماأشعر به تجاه أية لوحة أخرى.
تممت:"هكذا إذن"!?".
وتابعت تناول الطعام.. لن يفصح عن شيء. يجب أن تمارس ضغطاً أقوى، وهناك طريقة واحدة لهذا.. الضغط عينه الذي حمله على المجيء إلى مائدة الفطور هذا الصباح. لم يعد ألى موضوع اللوحة بل أخذ يسألها عما شاهدت في أستراليا، وعما أعجبها فيها.. حديث جريء.. لكنها تابعت لعب لعبته حتى انتهاء الفطور ثم وقفت ومدت له يدها: كان اللقاء بك ساحراً سيد ويستون.. شكراً لك على الوقت الذي أمضيته معي.
قام عن كرسيه وعلى وجهه نظرة قلق: هذا من دواعي سعادتي آنسة رايدال.. هل ستعطين التعليمات إلى وكليك للمضي قدماً في إتمام الصفقة؟
ارتسمت ابتسامة أسف صغيرة على شفتيها: أنا آسفة..قررت ألا أبيع!
انتابه ذهول حقاً! وكادت أصابعه تسحق أناملها: آنسة رايدال.. لاوقت لدي للعب.. لم أر قط من يدير ظهره إلى صفقة كالتي أعرضها عليك.. ولاأصدق أنك تفعلين هذا الآن.
واجهت نظرته بمثلها: سيد ويستون.. لقد تعلمت العيش من دون مال أو ناس، منذ أمد بعيد.. وسأكون ممتنة لو تركت يدي.
أربك الإحباط شفتيه.. وتطاير شرر الغضب من عينيه ونظر إليها ثم ترك يدها وسأل بقسوة: لماذا وافقت على مقابلتي إذن؟
أجابت ببرودة كلية: لمناقشة أمر اللوحة ، لكنك لم تُرض فضولي ولم ترد على الأسئلة التي طرحتها.. فكر ملياً في الأمر سيد ويستون.. وإذا رغبت في المناقشة مجدداً فاتصل بي هنا.. علماً أن الموعد النهائي هو اليوم!
عندما سارت مبتعدة أحست بعينيه تخترقانها كأشعة اللايزر، وهذا ما أعطى دفعاً منعشاً لكل خطوة تخطوها وتساءلت عما كان يخطر له.. فهو ينتصر عليها وهذا بدون شك تجربة جديدة له..لم تستطع هولي إلا الابتسام لنفسها على نصرها الصغير عليه.
استغلت وصول أول مصعد فاستقلته دون تردد..وقبل أن يغلق الباب، استرقت نظرة إلى فيلكس.. لم يكن قد تحرك من مكانه.. بل كان مايزال متسمراً ينظر إليها.. لكن لم تبدُ آثار الهزيمة عليه.. وهنا شعرت هولي بأمر مريب، وبخطر غريب.. وكأنها أثارت وحشاً مفترساً سيلاحقها حتى أقاصي الدنيا.. وخامرتها تخيلاتها عنه ليلة أمس: محارب يجرؤ على أي شيء، ولا يدع شيئاً يقف في وجهه.
هرولت بسرعة في الردهة وطلبت من الحاجب أن يستدعي لها سيارة أجرة، وهي وسيلة الهرب السريعة التي تريد اختيارها.
سألها السائق: إلى أين؟
كان الباب قد أوصد .. ولن يتسنى للحاجب أن يسمع .. فقالت بهدوء: إلى الميناء.
بدت لها رحلة في زورق حول ميناء سيدني فكرة جيدة.. ستكون أية عبارة مفيدة لأنها ستبعدها عن المنال فترة.
يتبـــــــــــــــع
|