كاتب الموضوع :
Rehana
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
12ـ دعـــــــــــــــــوني أموت!
أخذ رودي وآنغر هولي معهما إلى المنزل، مرفقاً برسالة مفادها أن الرئيس وزوجته سيعودان جواً بعد وقت ما.. بعدما ترى " الآنسة" هولي كل ميل مربع من بندنير دوانز.
كانت هذه جولة تحتضنها هولي في تفكيرها وقلبها وروحها..قال لها فيلكس قبل الإقلاع من موقع المخيم" إنها أرضك"،وكان في نظرة عينيه أكثرمن دعوة للمشاركة. وكأنه يقول لها إنه يريد منها الانتماء إلى هذه الأرض، كما ينتمي هو.
لحقا مجرى النهر الذي قد يجف في موسم الجفاف. ومرا فوق مخيمات جمع الماشية ووسمها. ثم حط فيلكس قرب بعض البرك المائية الطبيعية، ليريها الحياة البرية عن قرب. ثم أخذها في جولة حول حدود الأرض، ودلها على الحمير الوحشية التي أصبحت مشكلة مزعجة لرعاة الماشية في " كيمبرلي". وقطعان الماشية التي ستحتاج إلى جمع والوشم في القريب العاجل.
عندما عادا أخيراً إلى المنزل، دخلا إلى مكتب جوني ليتكلما عن المناطق التي ستسيج لاستيلاد الماشية الجديدة.. وكان على الجدار خريطة للمزرعة كلها.. ومع أنه سبق لهولي أن درستها إلا أنها أصبحت أكثر واقعية الآن لأنها ألقت نظرة شاملة على مل معالمها.. ودفعت لفيلكس وجوني وهما يتناقشان ومع أنها لم تتطوع برأي، إلا إنهما جعلاها تشعر أنها جزء من النقاش.. حتى أنهما تطلعا إليها للموافقة على القرار الأخير.
فالإحساس بالاتحاد الذي حققته مع فيلكس لم يخف في الأيام التالية، بل بداأنه يكبر، وعملا حتى يتفاهما أكثر فأكثر. وشيئاً فشيئاً بدا حديثهما يبتعد عن القيود والحذر. عاد الرجال من جمع الماشية. وكما قالت غيرليش لهولي، أقيم حفل شواء طوال النهار في فناء المنزل. قطع ضخمة من لحم البقر أديرت فوق النار معلقة بطود، وطهيت البطاطا على الحجر المشتعل، وأعدت السلطة، وخبزت الحلوى والقوالب.. وكانت حفلة ضخمة تمتع بها الجميع.
قدم فيلكس هولي إلى جميع الرعاة وضحك بمرح للنكات الجريئة التي وجهت له. بدا واضحاً أنه سعيد وبدوا هم سعيدون من أجله! أما استقبالهم لها فكان استقبال الترحيب والمؤدة. على أي حال، المرأة التي استطاعت أن تربط الرئيس وتضع وسمها عليه لهي امرأة مميزة.
مع فلول النهار ومجيء المساء جُلبت الآلات الموسيقية: الغيتار، الأوكورديون، والأرغن.
كان أكثر الرعاة يعزفون عليها بمهارة عجيبة.. واجتمع الجميع ليغنوا الألحان القديمة الفولكلورية.. ثم عزف بعض السكان الأصليين ألحان " الديدجيريرو" وقام مجموعة من الصبيان برقصة الصيد حول النار.. كانت حفلة تسلية بسيطة، لم تستمتع هولي قط بمثلها. وعندما كانت عائدة سيراً إلى المنزل الكبير مع فيلكس، فكرت في العالم المتقدم الذي سيخسر نفسه حتى أمام عالم بندنير داونز.
بدأ فيلكس يعطيها دروساً في تقنية الهليكوبتر.. وبدأ التسييج الجديد. وتطوعت هولي لإعطاء تلاميذ المدرسة محاضرة عن" زيمبابواي" وطريقة العيش فيها. فاستمتع الأولاد بها إلى درجة دفعت مايني المدرّسة لطلب المزيد من محاضرات " الناس و المجتمعات" عن البلدان الأخرى التي تعرفها هولي.. كان هذا أشبه براوية القصص أكثر من إعطاء الدروس، وسرعان ما تحول إلى روتين منتظم ثابت في المدرسة. كانت هولي قد صرفت كل تفكير لها بالعالم الخارجي، حين تلقت مكالمة أمها. كانت وفيلكس قد أنهيا الفطور ذات صباح، وأوشكا على الجلوس لتفحص مدى التقدم الذي أحرزه تسييج الأرض حين ناداها جوني للرد على المخابرة من مكتبه.
ـ هولي.. مخابرة دولية لاسلكية لك.. من بوسطن.
ـ إنها أمي.. وهي بلاشك تريد محادثتي عن الثياب التي سترسلها إلى.. أو لتطرح المزيد من المسألة عنك.. انتظرني.
قال مداعباً، وهي تبتعد: ربما من الأفضل أن أراقب ردودك.
لكن هولي كانت مخطئة. وكانت هيذر رايدال عازمة على شيء آخر.
ـ هولي.. حجزت رحلة إلى سيدني.. وسأصل صباح الأحد.. لقد رتب لي جول أمر سيارة ليموزين لتقلني من المطار إلى " الشيراتون" وسأقضي يومي هناك لأستعيد نشاطي بعد السفر. ولكنني أريد أن أعرف كيف السبيل للوصول إلى بندنير دوانز.
ذهلت هولي لأن أمها فكرت بزيارتها في مزرعة مواشي ضائعة بالنسبة للعالم.. فتولى فيلكس الذي سمع الرسالة اللاسلكية أمر المكالمة.
ـ سيدة رايدال.. أنا فيلكس ويستون. سأرسل أحد رجالي للاتصال بك في الشيراتون ليرتب الأمر معك يوم الاثنين، وستكون طائرتي النفاثة على أتم الاستعداد لحملك إلى هنا.. نحن لانريد إلاراحتك.
ـ آه! شكراً لك.. هذا.. هذا لطف كبير منك فيلكس.
ـ أبداً.. سنتطلع شوقاً لنرحب بك هنا في بندنير داونز، سأعيد المخابرة إلى هولي الآن.
لكن هولي لم تكن قد استعادت وعيها من المفاجأة: أمي! هل تلقيت رسالتي؟
ـ أجل عزيزتي.. والصور كذلك.. لم أرك هكذا من قبل.. إنها هكذا من قبل.. إنها صور رائعة هولي.. وضبت لك جميع حاجياتك التي سأحملها معي.
قالت هولي بصوت ضعيف: شكراً لك.
مادامت أمها قد تلقت الرسالة فهذا يعني أنها لن تكون متوهمة أبداً عما تتوقع هنا.
ـ يسرني أن تقطعي هذه المسافة من أجلي.
ـ أريد أن أرى أين استقريت أخيراً هولي.. يبدو لي هذا.. مثيراً جداً. وأريد أن ألتقي بزوجك.
استجمعت هولي شتات أفكارها: طبعاً.. نتطلع شوقاً لرؤيتك أمي.
ـ اشكري فيلكس نيابة عني مجدداً . وداعاً الآن عزيزتي.
بعد انتهاء المكالمة فقط، أدركت هولي ما توحيه زيارة أمها.. نظرت إلى فيلكس بتوسل ولهفة وهما يغادران المكتب.
ـ فيلكس..ثمة أشياء يجب أن أقولها لك. أشياء يجب أن أشرحها.
رفع حاجبه متسائلاً: لاأظن أن لدى أمك ما قد يفاجئني أو مالا أستطيع معالجته يا هولي.
ـ ليس الأمر هكذا.. إنها أكثر تهذيباً من أن تنتقدك ولكنها متكبرة ومتعجرفة وذات توجه اجتماعي سيختبر مدى صبرك. لكنها لن تكون زيارة طويلة فما هذا عالمها.. هل تعرف شيئاً عن مجتمع بوسطن..
ـ هولي.. سأقدم لها كل الاحترام أما كيف ستكون ردة فعلها تجاه بندنير دوانز، فهذا شأنها. وأتمنى أن تكون ردة فعلها إيجابية. وإلا.. فلترحل متى شاءت.. لن تكون زيارتها مشكلة لي.. فلم أتزوج أمك.. والآن ماهي المشكلة بالنسبة لك؟
ـ أمي لا تعرف شيئاً عن علاقة أبي بهذا المكان، أو بعائلتك أو بمنجم الألماس. إنها تعرف فقط بأمر اللوحات.. هكذا.. لذا لا جدوى من ذكر شيء من الماضي.
ـ من الأفضل ألاتثار ذكرى الماضي. وإذا كانت أمك ستذكر ايرول..
قاطعته بحدة: هذا غير محتمل، فطالما كان والدي الشبح الذي يطارد أمي.
نظر إليها فيلكس بفضول: أتودين إخباري عن السبب؟ لوت شفتيها بسخرية ومرارة: كان زواجهما غلطة.
سحبت نفساً عميقاً، ثم حاولت صرف الصورة السلبية عن تفكيرها: لاتسئ فهمي فيلكس.. لقد بذلت أمي مابوسعها من أجلي.. لكن أفكارنا لم تكن متوافقة.. وأنا مسرورة للجهد الذي ستبذله لزيارتي مع أننا لا نتفق كثيراً حين نتقارب.
ضمها إليه بحنان وومضت عيناه بطريقة تنبئ بأشياء أخرى..أشياء جعلت قلب هولي يخفق: كيف استطاعت ساحرة متوحشة مثلك أن تعطي ألوانها الحقيقية في مجتمع بوسطن؟
ـ هذه قصة طويلة.
ـ يجب أن تخبرني إياها يوماً.
وعانقها ببطء متعمد، تعني حناناً أكثر من أن تعني رغبة. وكان في عينيه نظرة التملك و الحماية معاً.
قال آمراً، بصوت رقيق وثابت: لا تقللي من شأن نفسك، فأنت شخص مهم بالنسبة لي وبالنسبة للجميع في بندنير داونز.. وهذا هو مكانك.. احفظي هذا.. ياشريكتي.
كادت تقول له: أحبك فيلكس.. وكادت تعجز عن إيقاف الكلمات.. بعد ذلك تساءلت كيف ستكون ردة فعله لو قالت له هذا. لقد ظنت للحظة قبل أن يعانقها أنه قد أحبها.. لكن، من المشكوك به أن يعترف بمثل هذا الضعف لإمرأة، حتى ولو كان يشعر به.
مر الأسبوع الذي سبق موعد زيارة أمها بسرعة.. حين حطت الطائرة النفاثة يوم الاثنين بعد الظهر، كانت هولي وفيلكس في المطار مستعدين لملاقاة زائرتهما ونقلها إلى المنزل الكبير بسيارة الجيب..
عندما برزت هيذر من الطائرة ، بدت كعارضة أزياء إذ كانت مرتدية بزة أنيقة وكانت تعتمر
قبعة قش بيضاء ذات إطار جميل وتضع وشاحاً حريرياً طويلاً مخططاً بالأبيض والأسود .
عندما نزلت السلم ابتسمت لهولي وفيلكس ابتسامة ملؤها التردد.. ولكنها استرخت قليلاً حين ضمتها هولي وعانقتها: ماأروع أن أراك أمي!
ثم ارتدت إلى زوجها وشبكت ذراعها بكل فخر: وهذا فيلكس بدون شك.
ـ أهلاً بك إلى بندنير داونز سيدة رايدال.
ابتسم لها ابتسامة ساحرة.
نظرت هيذر إليه عدة ثوان طويلة ثم استجمعت رباطة جأشها وأخذت يده قائلة: عفواً.. لقد ذكرتني بشخص آخر. ليس بالمظهر لكن..أوه..يا إلهي! أنا أفتعل شيئاً من لاشيء.. تسرني مقابلتك فيلكس. وأرجو منك مناداتي هيذر.
ماهذا بتصرف أمها عادة ، لذا لم تستطيع هولي إخفاء دهشتها من الظهور.. وكانت هذه المفاجأة الأولى من أصل مفاجآت أخرى فلم تمر من بين شفتي هيذر رايدال أية كلمة انتقاد.. وكان المنزل الكبير "مؤثراً" وغرفة هولي"أجمل غرفة" وغير ليش وجوني" ألطف الناس" عندما أخبرها فيلكس خلال العشاء أنهم يتحضرون لاستقبال شحنة من الماشية القادرة على تحمل الجفاف وهي ماشية اقترحت أمرها هولي ابتسمت هيذر بفخر لآبنتها: حسناً.. يجب ألا تتركاني آخذ الكثير من وقتكما.. عليكما معاً المضي لإنجاز ما يلزم. أنا مفتونة بالحياة التي أخبرتني بها هولي، وسأكون سعيدة بمجرد التجول حول المنزل.
صدق فيلكس كلامها.. مع أن هولي لم تستطع في البداية. لكن في اليوم التالي خرجت أمها عن عادتها وبدأت بالتعرف إلى جميع من في المزرعة ولم يظهر عليها ولو لمرة واحدة ومضة تكبّر أو تحامل.
قالت لهولي بكل لطف: لست مضطرة للبقاء معي عزيزتي.. اذهبي مع فيلكس، فغيرليش قادرة على إيضاح أي شيء أريده.. لا تقلقي عليّ.
كانت هولي مذهولة بتصرف أمها ولكنها في الوقت ذاته مسرورة به. وللمرة الأولى بحياتها تشعر أن شيئاً آخر متوقع منها.
قالت لفيلكس تلك الليلة: لابد أن كل هذا بسببك. فبعد نظرة واحدة إليك وجدت أنك شخص يجب تجنب الاشتباك معه.
ـ همم.. على عكس ابنتها.
مد يداً مداعبة على خصرها. فضحكت: أنت كنت تتوسل حتى أشتبك معك فيلكس.. فقد كنت متعجرفاً بشكل رهيب.. ومثيراً.
ـ حسناً.. أهذه نظرتك إلي؟
في اليوم الذي سبق وصول الماشية، صحبهما فيلكس في جولة على منجم الألماس. وقدم لهيذر ماسة متعددة الألوان.. تأثرت هولي كثيراً حين اغرورقت عينا أمها بدموع عاطفية وكانت الكلمات التي تفوهت بها نابعة من القلب، دون أدني شك.
ـ شكراً لك فيلكس.. سأعتزّ بها دائماً.. لكنني أريد أن أقول إنك أعطيتني سلفاً، أفضل شيء.. وهو أن أرى هولي سعيدة فسعادتها أهم من أي شيء آخر.. كنت خائفة كثيراً.
ابتسمت لهولي من بين دموعها: لا بأس الآن. ظننت أنك لن تجدي ما تبحثين عنه.. أما الآن فأرى أنك وجدته. وأعرف أنك لن تدعيه يفلت من بين يديك..
أدارت نظرة عتب إلى فيلكس: إنها هكذا، دائماً.. أتعرف؟
رد فيلكس: أجل .. أعرف.
وتحرك ليضم هولي إليه، وابتسم لها: ابنتك هذه قاسية.. وما إن تثبت أسنانها في شيء حتى يعجز أحد عن إيقافها. إنها تستغلني لتحقق ما تريد..
ضحكت هيذر: لكنني لم ألاحظ أنك غير راض عن هذا.
ـ إنها" ساحرة" هيذر.. وترمي تعويذة سحرية علي.
بدلاً من إنكار ما قال، ضحكت هولي مع أمها. وكانت متعجبة من كل ما يجري لأن أمها تتصرف بطريقة تدل على مدى اهتمامها الكبير بابنتها.. وفيما بعد فكرت إن كان فيلكس يظن حقاً أنها تستغله.. ولكنها سارعت إلى صرف الفكرة بعيداً فهما يكن الأمر هما سعيدان معاً.
بعد ظهر اليوم التالي حين لامست طائرة الشحن من جزيرة كوكوس، أرض مدرج بندنير داونز كانت معنوياتها عالية. كان جميع العاملين في المزرعة قرب المدرج لرؤية سلالة الأبقار الجديدة.. وكان الرعاة على جيادهم مستعدين لتوجيه القطيع الصغير إلى حظيرة للمواشي قريبة حيث سيعملون على إطعامها وسقايتها. وبعد ذلك يتركونها حتى تهدأ بعد رحلتها الطويلة.. كان فيلكس وهولي واقفين في الجيب يتوقان لرؤية أولى نتائج استثمارتها في هذا المشروع.
وضع سلم الهبوط أمام باب الطائرة الذي انفتح فوراً.. فخرجت الأبقار بقرة بقرة لتتخلص من المكان الضيق الذي حشرت فيه، وتحرك الرعاة للسيطرة على سلوك القطيع. منع أحد الجياد الرؤية عن هولي، فابتعدت بضع خطوات عن الجيب ولكنها لم تدرك أن حركتها أثارت انتباه أحد الثورين الذي كان ينزل عن السلم وسرعان ما حفر الحيوان الأرض أمامه، ونظر إليها..ثم قام بهجومه غير عابئ بشيء آخر حوله. حدث كل شيء بسرعة، بحيث لم يبق في ذهنها سوى أطر متفككة من الصور المرعبة..صرخ فيلكس باسمها ثم قفز أمامها وأمسك بقرني الثور الذي ضربه بقرنيه فرفعه في الهواء ثم وقع على الأرض وأسرع الثور يغرز أحد قرنيه في وجهه، ثم سمعت دوياً عالياً وقع على إثره الثور ببطء فوقه.. هاهو فيلكس مستلق دون حراك، ينزف دماً ويبدو جامداً.. كان صوتها يصرخ باسمه والأذرع تمسك بها ترجعها إلى الخلف، والرجال يطبقون عليه يرفعون الثور عنه.. فيلكس لا يتحرك أبداً.
تخلصت من ذراعين كانتا تحاولان منعها. وهرعت إليه ثم مزقت قميصها ووضعته فوق النزف لتوقفه وراحت تصيح.. فيلكس. لم يمت.. فما زال يتنفس، لكن لاأحد حاول تحريكه.. جلست على التراب إلى جانبه، وأخذت تجفف بقميصها الجروح في وجهه.. ثم ركضت غيرليش إلى جانبها وأخذت القماش منها، وبدأت بالعمل لإيقاف النزف.. أمسكت هولي يد فيلكس تدلكها وتتوسل إليه بيأس أن يبقى حياً.. ولم تعرف كم بقيا هكذا قبل أن تتحرك أصابعه ببطء تحت أصابعها.
ـ هولي..
خرج اسمها من بين شفتيه همساً بل أقل من همس ولكنه لم يفتح عينيه ثم بدا خط متجعد على جبينه وكأنه يكافح ليستعيد وعيه.
صاحت:" أنا هنا فيلكس.. أنا هنا".
ـ لا..
أحنت رأسها لتسمعه: لا..فائدة..إصابتي بليغة..دعوني أموت..
ـ لا..؟ لن أدعك تموت..أحتاج إليك.. لن أدعك تموت.. أحبك.
فتح عينيه قليلاً فظهر فيهما الألم و العذاب..
ـ لا أستطيع العيش في "قفص".
التوت روحها ألماً لأنها فهمت قصده فهو يفضل الموت على البقاء حبيساً في قفص جسد لايستطيع أن يفعل ما يريد منه. إته يطلق الحيوانات البرية.. ويقتل الماشية التي تضعف عن أن تبقى حية بمفردها، فعل رحمة.
تأوهت:" لا..لا".
ـ هذا مكانك.. أصبح لك الآن.
ـ لاأريده.. ليس بدونك.. فيلكس..فيلكس.
وصل جوني إلى جانبه، ودس حقنة موقفة للنزيف تحت جلد ذراعه.. ثم أخرى.. وحقنة مورفين لإيقاف الألم.
توسلت هولي: أحبك فيلكس..أنا أحمل طفلك..يجب أن تعيش.
أغمض جفنيه اللذان كانا أثقل من أن يستطيع تركهما مفتوحتين.. لكنها لم تعتقد أنه سمع أهم خبر أخفته عنه حتى تتأكد من حملها.
كررت بعنف و بأس: طفلك فيلكس.
لكنه لم يتكلم ثانية فقد عاد إلى غيبوبة.. وفي هذا الوقت جُلبت الحمالة التي رفع عليها ووضعت مناشف حول جرحه لإيقاف الزيف. ثم جاءت الطائرة النفاثة من المنجم وتوقفت، فأخذ جوني يعطي تعليماته للرجال الذين كانوا ينقلون فيلكس إلى الطائرة.. رافقتها أمها التي لحقت بالحمالة.. يجب نقله إلى المستشفى بسرعة.. إلى" كونونورا" كما قال جوني، على بعد خمسمائة ميل.
كان حبها لفيلكس بثقل الرصاص على قلبها. هل يعني هذا شيئاً ؟ هل سيقارم ليعيش؟ لو سمع ما قالته من حملها، لقاوم. ابن أو ابنة تحتاج إلى أب، وهذا بالتأكيد ما سيجعل لحياته قيمة مختلفة.. حتى ولو كانت الحياة غيرالتي عاشها من قبل. قال لها يوماً إنه لن يقاتل من أجلها وإنه لن يموت في سبيلها.. لكن حين حلّت اللحظة الحاسمة، غامر بحياته لينقذها.. ربما كان يحبها، ويعتقد أنها لاتريد سوى الأرض التي يستطيع أن يعطيها إياها.. ربما رغبته في الموت ليست فقط خوفاً من أن يبقى حبيساً. ربما شعر أنه لم يعد ما تريده منه.. رجل مثير، لا يقاوم، أفضل من أي رجل آخر.. وتدفقت الذكريات في رأسها..
أقلعت الطائرة.. ابق حياً لساعة واحدة فيلكس.. حبيبي.. أرجوك! حتى نصل إلى حيث نجد من يساعدك. برزت أمامها احتياجات فيلكس.. فحتى لو استطاع الأطباء ترميم جسده، وإرجاعه إلى حالته الطبيعية فسيبقى تشوّه وجهه وهي أكثر من يفهم معنى التشوه. جاذبيتها اصطناعية، سطحية.. وليست عاملاً أساسياً في علاقتها بالناس و التفاهم معهم.. لكنها ستعاونه قدر المستطاع، مستعينة بتجربتها.
التفتت إلى جوني: قل للطيار أن يتصل بالمستشفى لتحضير أفضل جراح تجميل في البلاد، فليجدوه و ليجلبوه إلى هناك! بعدما تركها لينفذ ما تريد، أعطت أمراً صامتاً للرجل الذي أصبح كل حياتها: أحبني فيلكس.. أحبني بما يكفي لترغب أن تعيش.
يتبـــــــــــــــــــع
|