كاتب الموضوع :
Rehana
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
10ـ زوجــــــــــة جهنمية
اخترق رنين خفيف متواصل نوم هولي، فانسحب الدفء الذي كانت تشعر به.
وعندما حاولت أن تجد ذلك الدفء مجدداً، توقف الصوت، وكانت لاتزال تتحرك
متململة حين التف الغطاء حولها.. فاستيقظت ورأت انعكاس صورة سوداء تتحرك
نحو الحمام.
ـ فيلكس!
ـ عودي إلى النوم هولي.
ـ هل حان وقت ذهابك؟
ـ أجل.. عليك الذهاب إلى غرفتك لئلا تنزعجي.
ـ لا أذكر أنك اقترحت هذا ليلة أمس.
ـ بما أنك عنيدة إلى حد كبير، لم أعتقد أنني بحاجة لاقتراح شيء كهذا.
ـ أردت الاستيقاظ باكراً.. أردت أن تصغي إلى قبل أن تذهب.
ـ قولي لي وأنا أرتدي ثيابي.. وسأفكر في الأمر.
رفعت نفسها على الوسائد، وأضاءت المصباح قرب السرير، تتساءل ما هي
أفضل طريقة لتصوغ ما تريد بالكلمات.. انتظرته حتى ينتهي من الاستحمام.. خرج
من غرفة الملابس مرتدياً قميصاً وجينزاً. أملت هولي أن يجلس على السرير، لكنه
جلس في مقعد في الطرف الآخر من الغرفة، مبقياً مسافة بينهما.. سألها بشكل
مختصر:" ماذا تريدين؟".
ـ أريد حساباً مصرفياً خاصاً بي بمئة ألف دولار.
نظر إليها نظرة لاذعة: إذن.. ستبدئين منذ الآن.. وأنا دهش لأنك طلبت هذا المبلغ
البسيط فقط.
ـ قد تكون على حق.. من الحماقة أن أكون بخيلة إلى هذا الحد.. واجعل المبلغ
نصف مليون دولار فيلكس.
لن تحتاج إلى مثل هذا المبلغ، لكنه يستحق بعض العقاب لإساءته الظن بها.
قال ساخراً:" سيغطي نصف مليون نفقة كبيرة الداخلي.. فماذا تنوين؟ طلي
الجدران بالذهب؟".
ـ الواقع أنني أفكر القيام بشيء في الخارج لافي الداخل. وثمة شيء آخر.. أريد
تعلم قيادة الهليكوبتر. رفع رأسه بحدة وهو يشد حذاءه:لماذا؟
ـ ولمالا؟ بإمكانك القيادة.. وأريد أن أتعلم. ربما تعرف من يستطيع تعليمي.
أنهى شد حذاءه وبدأ بالفردة الأخرى: سأعلمك بنفسي متى أصبح لدي الوقت
الكافي.
أحست هولي بقشعريرة انتصار، إنها تتقدم الآن!
ـ سيكون هذا رائعاً فيلكس. شكراً لك.
نظر إليها بقلق وهو يقف: هل هذا كل شيء..؟
ـ وهل ستتدبر أمر المال. أريد البدء بمشروعي حالاً.
ـ أي مشروع؟
ـ لاتقلق.. أعد ألا أفسد عليك شيئاً .. وأحب أن يكون هذا مفاجأة ،ابتسمت له.
سحب نفساً ثم قال ساخراً:سأقدم لك كل مايسر قلبك. لكن تأكدي أنني سأكلم جوني
الذي سيعمل على هذا صباح اليوم.
رمى كلماته الأخيرة من فوق كتفه وهو يخرج إلى الشرفة.
ـ فيلكس!
ـ ماذا الآن؟
رمت عنها الغطاء، وركضت إليه ترمي ذراعيها حول عنقه قبل أن يتحرك ليمنعها.
ـ لن تخرج قبل أن تودعني.. أليس كذلك؟
ـ هولي!حباً بالله! هذا ليس وقت اللعب!
ـ عناق واحد لن يضرك أبداً.
ودست أصابعها في شعره الأشقر: ألم أكن زوجة صالحة لك ليلة أمس.. ألم أكن
هكذا؟
سحب نفساً غاضباً وعانقها بغضب لكن العناق لم يبق عناقاً ملؤه الغضب بل أصبح
فيه جوع وحب. وحين أبعد رأسه عنها رأت في عينيه تناقضاً غاضباً.
ـ يجب أن أذهب.. وسأذهب.
أبعدها عنه على طول ذراعيه: وداعاً..زوجتي! أراك بعد أسبوع.. هذا إذا بقيت هنا.
صفق الباب وراءه وسار وكأن كلاب الجحيم قد انطلقت في أعقابه.. ضحكت هولي
لنفسها، وعادت إلى السرير تدس جسدها تحت الأغطية مسرورة.. إنه رجلها فعلاً
.. وسرعان ما ستقنعه أنها امرأته. عادت إلى النوم، ولم تستيقظ مرة أخرى إلا في
الثامنة صباحاً.. لكن غياب فيلكس لم يبعث البهجة إلى نفسها. كان الطقس حاراً،
لكن ليس بحرارة الطقس الرطب في بورت دوغلاس حيث عاش والدها في سنواته
الأخيرة.. ارتدت هولي سروالاً قصيراً و قميصاً واسعاً ، وانتعلت خفاً، ورفعت
شعرها كذنب الحصان، وكادت ترقص وهي تخرج إلى الشرفة.
تناهت إليها رائحة الخبز اللذيذة، وصيحات الأولاد التي اختلطت مع نباح الكلاب..
لم تشعر هولي أبداً بالعزلة.. فبندنير أشبه بمملكة صغيرة ورجال فيلكس هم شعبها.
ولا يمكن أبداً أن تكون وحيدة أو سأم هنا! وجدت غيرليش في المطبخ مع فتاتين من
الأصل المحلي، تساعدانها في المنزل.. ماريا وسيليا. أصرت هولي أن تتناول
فطورها على طاولة المطبخ لتتمكن من التحدث معهن.. لكن الفتاتين كانتا تضحكان
خجلاً باستمرار، هكذا أجابت غيرليش على كل أسلتها.
قالت تسأل:" ظننتك تخبزين الخبز".
ـ ليس هنا بل في الفرن.. سأريك أين بعدما تنهين طعامك، إذا شئت.
ـ أجل.. أرجوك، إذ أتوق إلى رؤية كل شيء.
ضحكت غيرليش: والجميع يتوق إلى رؤيتك هولي.. وأخشى أن يصموا أذنيك
بكثرة أسئلتهم .
قدمت لها ماري طبقاً من الفاكهة الطازجة. بطيخ. وباباي وموز.
سألت:" هل تجلب هذه الفاكهة بالطائرة؟".
صاحت غيرليش التي عادت تضحك مجدداً: ياإلهي! نحن مكتفون ذاتياً هنا.. نزرع
كل أنواع الفاكهة والخضار.. التربة صالحة.. لكن نقص المياه مشكلة.. غير أن
فيلكس حل هذه المشكلة في محيط المنزل.. أترغبين في بعض البيض بعد الفاكهة؟
نحن نربي الطيور الداجنة هنا أيضاً.
رن جرس بصوت مرتفع واضح فأجابت غيرليش على السؤال لم تطرحه هولي:
إنه جرس المدرسة. الساعة الآن التاسعة.
ـ كم ولداً في المدرسة؟
ـ أربعة عشر هذه السنة وفي أربعة صفوف مختلفة. هكذا تضطر مايني المدرِسِة
إلى توزعيهم على المدرسة الهوائية.
ـ وماهي المدرسة الهوائية؟
ـ دروس عبر الراديو.. يذيعها أساتذة من ديرلي، وهذه هي أقرب بلدة لنا على
الساحل الغربي.
هزت هولي رأسها بذهول.. المدرسة الهوائية أمر جديد عليها.. وثار اهتمامها
لتعرف كيف تعمل .
قالت غيرليش شارحة: إنها تستمر فقط إلى الصف السادس، بعد ذلك يجب أن
يذهب الأولاد إلى مدرسة داخلية لإكمال دراساتهم. بعضهم يرفض ترك منزله، ولا
يجبرهم فيلكس على هذا.. لكنه يرتب لهم تعلم المهارات العملية هنا.. شقيق ماريا،
كال، ميكانيكي ممتاز. يمكنه إصلاح أي شيء.
قالت ماري:" سيليا تضع عبئها على كال".
وانفجرت الفتاتان بنوبة ضحك أخرى. أرسلتهما غيرليش لتنظيف الغرف بينما
أخذت هولي في جولة على الحديقة، وإلى أماكن أخرى. عادت هولي فتعرفت إلى
معظم الذين التقتهم بالأمس، واستمتعت مع الجميع.. وكانت وقفتهما الأخيرة في
الإسطبل. عادتا إلى المنزل الكبير للغداء، واغتنمت هولي الفرصة لتطلب من
جوني الانفراد به.
مكتبة فيلكس ذات طابع رجولي محض فيها منضدة ضخمة من خشب السنديان،
وبساط أخضر على الأرض.. وعلى أحد الجدران خزانة عرض ضخمة للتذكارات
و الميداليات، فوقها عدد من القلادات المعلقة في شرائط زرقاء من معارض
الماشية.. ورفوف عليها مجلات وكتب وتحت النافذة هناك خزائن مخصصة
للملفات.
قال جوني ما إن دخلا إلى الغرفة:لقد اتصلت بالمحاسب في المنجم هولي.. وهو
سيضع المال في حسابك قبل انتهاء هذا اليوم.
ـ شكراً لك جوني.. لن أحتاج إلى مثل هذا المبلغ..
قاطعها مبتسماً: لكن فيلكس لا يريد أن تحتاجي إلى شيء. و الآن ماذا غير هذا
لأقدمه لك؟ قال فيلكس إن لديك مشروعاً خاصاً في ذهنك. استغلت الفرصة: أجل
محاولة شيء ما.. تجربة قد تنجح هنا جيداً . وإن لم نحاول، فلن نعرف.. صحيح؟
هل أسماء" تولي" " بوران" تعني لك شيئاً؟ هز رأسه: لا أستطيع القول.
ـ إنه سلالات من الماشية الأفريقية.. تشبه" البراهمان" لكنها أكثر قدرة على
مقاومة الحرارة و الأمراض.. و أعرف أنها أنواع موجودة في زيمبابواي لأنني
رأيتها هناك.. الشيء الذي لفت نظري إليها هي أنها قادرة على العيش في ظروف
الجفاف لأن لها غدد تعرق متطورة.. وهي مناسبة لهذه البلاد أكثر من الماشية
الإنكليزية. وأظن أننا نقدر على زيادة الإنتاج وزيادة معدلات النمو منها..ماأريد أن
أفعله هو استيراد ثور، وقطيع صغير منها. نستطيع تسييج جزء صغير من بندنير
داونز حيث يمكن أن يرعى القطيع دون الاختلاط بالقطعان هنا. ونرى ماهي
النتيجة. بدا جوني كالأبله..ثم هز رأسه ببطء وكأنه يحتاج إلى نفض الغبار عنه.
ـ لقد ظننت..
وتوقف.. ثم أشار بيديه إشارات عجز، ثم ابتسم لها ابتسامة جانبية.
ـ يبدو لي أن فيلكس اتخذ لنفسه زوجة جهنمية. هل يعرف بهذا؟
قررت هولي أن السرية قطعاً هي أفضل شيء في هذه المرحلة.
ـ قال فيلكس إن بإمكاني القيام بكل ما يجعلني سعيدة.. وأعطاني الحرية التامة..
وهذا ما أريد أن أفعله جوني!
ـ برقت عيناه بسرور ومرح: لا تيسئي فهمي.. هولي.. أنا معك طوال الطريق..
المسألة أنه ليس هناك الكثير من النساء أو الرجال، الذين فكروا بمثل هذا .. فكرة
جديدة.. ثورية.. مبتكرة.. وتبدو لي بكل تأكيد فكرة جيدة.. وتستحق التجربة حتى
ولولم تنجح.
تنهدت هولي بعمق: شكراً لك جوني.. والآن فلنترك هذا بيننا تماماً .. فلست أدري
ما إذا كان الاستيراد ممكتاً .. أريد أن تنصحني في هذا.
ـ ثمة شيء واحد مؤكد فمهما كنت تحاولين الاستيراد، يجب أن يخضع لحجر
صحي.. ولن يكون هذا سريعاً .. ويجب أن تكوني صبورة.
ـ إذن اسأل لي عن الأمر؟ هل ستدفع الكرة للدوران؟
ـ فوراً وستكون المعلومات اللازمة عندك هذه الليلة.
صاحت هولي مسرورة: أنت رائع جوني!
ضحك لها: أعتقد أنك أنت الرائعة هنا هولي. الآن عرفت كيف قطع رأس
فيلكس..طوال سنواته لم تعن النساء له أي شيء.. لكن أنت..
مرة أخرى هز رأسه: حسناً ..حظ سعيد لك عزيزتي! وحظ سعيد له! وسأكون
سعيد برؤية هذا.
تمنت لو كان بإمكانها إقناع فيلكس بالسهولة ذاتها.لكنها كانت مسرورة بنجاح
الفكرة.. جوني الآن حليفها الثابت، ومعاً سينفذان المشروع في أسرع وقت ممكن..
وكل ماترجوه أن يتم هذا قبل عودة فيلكس من جمع الماشية..كانت تريد شيئاً مجدداً
في يدها لتظهر له أنها شريكة حقيقية له. كان الحظ إلى جانبها بالتأكيد.. فقد أعلمها
جوني تلك الليلة أن دائرة الثروة الحيوانية تجري تجارب في جزيرة " كوكوس"
لاستيراد البذار المجمد للأ صناف التي ذكرتها من زيمبابواي وتلقيح الأبقار
الأسترالية بها.. وأن مربي الأبقار في كوينزلاند يدعمون هذه التجارب. وقد تتمكن
من شراء حصة لها بسعر مناسب.. وإلا فهي مضطرة لتقديم طلب و الانتظار سنة
ونصف..
قالت دون تردد: لدينا نصف مليون دولار جوني. فلنشتر بها ما نستطيع.
في الأيام التالية انشغلت هولي.. ففي الصباح كانت تمضي الوقت مع جوني للضغط
حتى تحصل على الأبقار التي تريدها. أخيراً، حصلا على صفقة.. أربعون بقرة
وثورين. سترسل جواً من جزيرة " كوكوس" إلى بندنير دوانز في غضون شهر..
وفيما كان التفاوض جارياً عل كل هذا، تعلمت هولي الكثير عن إدارة المزرعة
تحت إشراف جوني وغيرليش.. أمابعد الظهر فكانت تمضيه على صهوة
الجواد..كان الجواد الذي اختاره لها كيم مهرة مطيعة تدعى لايدي.. واستمتعت
هولي بركوبها.
وصلت صور الزفاف في اليوم الخامس على وجودها في المزرعة.. لم يكن فيلكس
قد أختار شيئاً من الفيلم الأصلي لذا وجدت نسختين كبيرتين من كل صورة..
وكانت كلها رائعة مدهشة.. درستها هولي كلها، ثم أقنعت نفسها أن فيلكس يحبها
فعلاً. لكن الصورة قد تكذب.. رغم كل شيء، لم يكن لديها مانع من إرسال
مجموعة كاملة منها إلى أمها، لإظهارها أو استخدامها حسبما تشاء.. كتبت رسالة
مطولة أرسلتها مع الصور وأخبرتها عن طبيعة الحياة التي اختارتها مع فيلكس
علّها تفهم الأمر.. لكن أملها كان ضيئلاً في أن تفهم.. فهذا مكان بعيد كل البعد عن
بوسطن مسافة وطراز حياة. تمنت لو تعيد التواصل مع أمها، كما تمنت لو
استطاعت هذا مع والدها.. ذكرتها الصور بصور أخرى التقطتها للوحات أبيها..
ذلك المنظر، لابد أنه موجود في مكان ما من بندنير داونز.. عندما خرجت بعد ظهر
ذلك اليوم للركوب، وصفت المنظر للولدين يرافقانها عادة فقد أصر السائس على
حماية زوجة رئيسه لذا كان يرسل معها دوماً من يرافقها. سألتهما إذا كان يعرفان
مكاناً كهذا.
قال رودي وهوأحد الوالدين: ثمة أماكن كثيرة كهذه آنسة هولي، أتريدين أن نريك
أحدها؟
ـ أجل.
اعترض الصبي الآخر آنغز: المكان بعيد .
هو يدرك أنه مسؤول عن حماية زوجة رئيسه.
قال رودي: يمكننا أن نشير إلى المكان من بعيد لتراه" آنسة" هولي.. ثم نعيدها إلى
المنزل .
استقر الرأي على هذا، وماهي إلا أكثر من ساعة بقليل، حتى رأت المنظر.. السهل
الشاحب المرقط بأشجار"الباوباب". سلسلة الجبال الصخرية الرملية الكبيرة.. ولّد
المنظر في نفسها غريباً .. فأن تعرف أن والدها كان هنا قبلها.. وأن هذا المكان هو
ماعاش في ذاكرته طوال سنوات وحدته لأمر حرّك مشاعرها.. بعد قليل قررت أن
تعود لتخيم ليلة هنا حتى تراقب غروب الشمس الذي رسمه.. ربما يكون هذا أقرب
ما تستطيع التقرب به إلى والدها، الذي لم تعرفه قط.
أصر آنغر على أن يعودوا فوراً إلى المنزل. ولإنها سبق أن اتخذت قرارها لم
تجادله. وكان من حسن الحظ أنهم عادوا في ذاك الوقت.. ففي الطريق شاهدوا
الهليكوبتر تعود فأسرعت هولي تحث مهرتها لتركض فهي لاتريد أن يفوتها أي
وقت معه.. لكن لماذا عاد؟ سارعت رأساً إلى المنزل الكبير، و أعطت مهرتها إلى
الولدين اللذين أعاداها إلى الإسطبل. كان قلبها يخفق بشدة وهي تسرع في الشرفة
إلى مكتب جوني، متوقعة أن يكون فيلكس هناك يتحدثان عن جمع الماشية. لكنها لم
تجد سوى جوني وكاتب الحسابات.
سألت بأنفاس مقطوعة: فيلكس؟
ابتسم جوني: "ذهب ينظف نفسه من أجلك".
ـ هل أخبرته بأم الماشية التي سنستوردها جوني؟
ـ لا..إنها أخبار تخبرينها أنت هولي.
ـ صح!
ضحكت له ممتنة ثم هرعت إلى المطبخ لتجد غيرليش والفتاتين تحضرن الخضار
للعشاء؟
ـ هل لدينا كافيار" بيلوكا" غيرليش؟
ـ في المخزن دائماً شيئاً منه.
ـ فلنخرجه إذن ..هل عرفت لماذا عاد فيلكس باكراً؟
ـ ربما لم يستطع الابتعاد كثيراً عن الكافيار..
وانفجرت الفتاتان اللتان ضحكتا بشكل هيستري، فصاحت غيرليش تأمرهما:
ماريا.. اقطعي البصل..سيليا.. هناك بيض مسلوق في البراد.. تحركي..! تعرفان
مايحب فيلكس أن يرافق الكافيار. بعد عشر دقائق، حملت هولي صينية مليئة
بالطعام إلى غرفة فيلكس. فكرة أنه عاد لأنه لم يستطع البقاء بعيداً عنها أشعرتها
بأنها أخف من الريشة. لكنها لم تصدق هذا حقاً إذ وقود الهليكوبتر نفذ منه فاضطر
إلى العودة.. على أي حال..ستسفيد من هذا قدر المستطاع.
لم تسمع جريان الماء في الحمام فألقت نظرة لترى إن كان قد ارتدى ثيابه ولكنها
وجدت الباب إلى غرفتها مفتوحاً. وفيلكس واقف عند منضدة الكتابة، ينظر إلى
إحدى صور الزفاف.
قالت بوجه مشرق:" إنها جيدة.. ألاتظن هذا؟".
ارتد وللحظة بدا في عينيه سؤال حاد. و كأنه رأى شيئاً في الصورة جعله يتساءل
عنها، ثم تحولت نظرته إلى الصينية التي تحملها.
التوى فمه ساخراً:هل هذا ترحيب بعودتي إلى البيت.. أم يجب أن أتخذ الحيطة
والحذر؟ فعند الإغريق كان يعني حمل الهدايا الخطر الشديد.
كان يرتدي روب حمام أسود قصير، وكان حليق الوجه وقد استحم.. بدا ينضح
رجولة، فعلقت أنفاس هولي في مكان ما في حنجرتها. وتمنت بشدة لو تسنى لها
الوقت لتنظيف نفسها بعد رحلتها الطويلة.. لم تكن تقلق على مدى جاذبيتها.. ولم
تتوقف لتفكر في مظهرها.. والوقت الآن متأخر على إصلاح هذا.. فيلكس ينتظر
الرد، ويجب أن تعيد تفكيرها إلى طرق التحدي التي جعلت من زواجهما متماسكاً..
وبجهد بالغ، أعادت عقلها للتفكير.
ـ أنت تحب ركوب الأخطار فيلكس..لذا فسر كما تريد.. ولكن صدقاً إنه ترحيب
بعودتك إلى البيت.
ضحك ضحكته الخافتة وهذا ماجعله أكثر جاذبية: إذن، المسرحية مستمرة.. أليس
كذلك؟
حملت الصينية إلى الطاولة، ووضعتها من يدها. ثم التقطت الصورة التي كان
يدرسها، وقالت: صورتك رائعة.. ستظن أمي أنك فعلاً تحبني كثيراً.
دس يديه حول خصرها، وجذبها إلى الخلف نحوه: كنت أفكر في الشيء ذاته بشأنك
ولكننا نعرف أفضل من هذا..أليس كذلك؟
وحرك شفتيه حول أذنها مداعباً. انطلقت قشعريرة مثيرة إلى أوصال هولي.. ربما
عاد فيلكس فعلاً لأنه يريد أن يكون معها. حاولت أن تستدير لتحاول رؤية شيء من
المشاعر في عينيه. لكنه شد ذراعه حولها، يثبتها إليه.
ـ ابقي حيث أنت يازوجتي الساحرة الصغيرة. هذه المرة أنا الذي سأدير
المسرحية.
وكان في صوته الحاجة إل ىشيء من السيطرة عليها، لكنها عرفت من لهفته أن لا
مجال للسيطرة. لم تشعر أنها أقل قيمة لأنها تجاوبت.. لم يكن في عناقها أي عذاب
لها.. ولم تقاوم موجات السعادة التي اجتاحتها بقوة متزايدة.لكن فيلكس هو الذي فقد
القدرة على الانتظار إذ صاح بصوت مخنوق وأدارها نحوه سحقها على صدره.
لم تعد هولي تذكر فيما بعد ماذا حدث. وعندما تكلم ثانية، لم يذكر شيئاً عن إدارة "
المسرحية" .. بل قال بلهجة جافة: أعتقد أنني الآن جاهزان للطعام.
ـ أجل.. وأعتقد أنني غير بارعة بتحضيره فيلكس.
ضحك مجدداً ضحكته التي كانت تصل إلى أعماق معدتها فتقلبها رأساً على عقب..
فارتدت إلى ظهرها تراقبه بسعادة وهو يحمل الصينية إلى الطاولة قرب السرير..
رفعت هولي نفسها فوق الوسائد.. وسألها ساخراً: إذن.. ألم تتمكني من إنفاق
النصف مليون بعد؟
ـ ليس كلياً.. لكن عليّ مناقشة مسألة التسييج معك.
كرر ساخراً:" التسييج"؟.
وضع الكافيار على قطعة من الخبز المحمص وأعطاها إياها، ثم مزج أشياء أخرى
مع الكاقيار وسأل قبل أن يقضمها: ماذا تريدين أن تسيجي؟
ـ مايكفي من أرض لخمسين رأس من الماشية بشكل خاص.
التفتت العينان الخضراوان إليها بنظرة عدم تصديق.. وسأل: أي خمسين رأساً،
بشكل خاص؟
ـ أجل..! خاص جداً.! لقد كلفتني الكثير من المال.
رفع حاجبيه بسخرية متعجرفةـ فأردفت الماشية، ولماذاتخبره بالضبط ماهي تلك
الماشية، ولماذا اشترتها ، ماذا تنوي أن تفعل بها.
تلاشى عدم التصديق والسخرية بسرعة. وتصاعد مكانهما الحساب والترقب..
بعدما انتهت هولي من إخباره عن طول مغامرتها في استيلاد الأبقار، نظر فيلكس
إليها طويلاً قبل أن يتكلم.
ـ أنت .. منافسة خطيرة هولي.. وستهزمينني طوال الوقت.. أليس كذلك؟ لكنني
أعترف أنني أعجبت بهذا الاستثمار أكثر من الذهب.
ـأسمي هولي ويستون، فيلكس.. وسأستولي على هذه الأرض.. مثلك تماماً إنما لن
أكون ضدك أبداً . فعملك عملي.. وإذا كان هناك طريقة لجعل عملنا أفضل، فأنا
على الاستعداد للتجربة.. فهل لديك اعتراض؟
رمت التحدي بشكل متعمد فعلى هذا التحدي يعتمد مستقبل علاقتهما.. فلو رفض
القبول بأيهما سيكون هناك خلاف مرير بينهما. فتشت العينان الخضراوان عن
عينيها بشدة، ثم قال بصوت لا أثر فيه للعداء: هذا المشروع الذي تتطلعين إليه
طويل الأمد، هولي.
ـ أعي هذا.. وأهدف الستمراربة .. لكن الواضح أنني بحاجة لتعاونك.
هز رأسه ببطء، وكأنه يتحسس الطريق بحذر شديد: أفضل في المستقبل، ألا تتخذي
قرارات لها علاقة " بعملنا" دون معرفتي.
ـ وأنا أفضل في المستقبل أن تبادلني الاحترام.
التوى فمه بإعجاب جاف، وعرفت هولي أنهاربحت المعركة حتى قبل أن يقول: هل
نتطلع الآن إلى المستقبل طويل سيدة ويستون؟
تكورت شفتاها بانتصار: أعتقد هذا.. سيد ويستون.
ـ مشاركتك الحياة تزداد إثارة، لكن لا تتركي هذا يؤثر في رأسك هولي لأنني
سأحافظ على رأسي، مهما اخترعت من أشياء..
ردت :" أكره أن أفقد رأسك فيلكس.. فهو أهم جزء منك".
للمرة الأولى، انطلقت منه ضحكة مجلجلة. وتراقصت عيناه عليها بغبطة شريرة،
ثم رفع ذراعيها فوق رأسها وقبلها مجدداً، ثم قال: أخبريني عن خبر آخر، أيتها
الساحرة اللعنة!
ـ سأخبرك، إنما فقط، لو تركت ذراعي.
تركهما ولكنها لم تقل له إن ماترغب أن تجده هو قلبه الذي سيبقى دائماً حذراً
بشأنه.. لكنها على الأقل لم تعد مجرد زوجة بل هي شريكة مساوية له بحيث تقدر
على تأسيس مستقبل دائم .. وبهذا يمكنها أن تبدأ التفكير في الإنجاب..في تأسيس
عائلة.. على أي حال.. ما نفع المملكة دون وريث؟ كانت واثقة أنه سيوافق قلبياً
على مثل هذا التطور.. وقد لايسمح لنفسه أن يحبها أبداً.. لكن لاشك في نفسها أنه
سيحب أولادها.
يتبــــــــــــــــــع
|