كاتب الموضوع :
Rehana
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
7ـ الساحرة السوداء تبتسم
" هل تقبلين أنت هولي رايدال هذا الرجل.."
فيما كانت تصغي إلى كلمات مراسم الزواج توترت أعصابها.. فأي نوع من الرجال ستقبل به؟.. إنه رجل لاتكاد تعرفه.. في هذه اللحظة تضعضت ثقتها بنفسها ورفعت رأسها إلى فيلكس ويستون، وفي عينيها سؤال حاد. كان رده على الضعف الذي بدا عليها وميضاً مماثلاً لكن فيه سخرية لا يمكن الخطأ فيها.. ساهمت نظرته بتقوية قرارها فعادت تنظر إلى المأذون بقرار ثابت.. وردت ببرود: ـ أقبل!
لقد قبلت وانتهى الأمر الآن.. وإذا كانت قد أمسكت الشيطان من ذيله فليساعدها الله.. لكنها لن تظهر له أبداً أي بارقة ضعف.
وقام بالرد.. ثم وقع الأوراق بهدوء.. بدا أشبه بشخص انتصر على لاشيء. وكأنه واثق في قرارة نفسه أنه لن يخسر أبداً ، فتصرفاته خلال الاحتفال ووقفة النصر التي وقفها أثناء التقاط الصور كانت وقفة رجل ربح للتو أكبر جائزة بحياته.
لكن هولي لم تكن واثقة ما إذا كانت منفعلة أم خائفة من البقاء مع هذا الرجل الذي أصبح زوجها، والذي لاتعرف بماذا يفكر أو بماذا يشعر.. ومن المستحيل أن تعرف ما إذا كان يمثل أم لا.. لكنها خيّرته فهل هي غلطتها؟ لم يصدق أنها ستبتعد دون أن تأخذ شيئاً .. إما أن يكون الإحساس بالذنب نحو والدها عميقاً وإما أنها رغم كل الاعتبارات الأخرى حركت شيئاً فيه بحيث أنه لم يعد قادراً على الابتعاد عنها..أرادت هولي أن تصدق هذا، وصدقته في أعماق قلبها.. وإلالما استطاعت أن تتزوجه.. لكن الجزء الثاني من التمثيلية سيكون حاسماً بشأن علاقتهما في المستقبل.. الانطباعات الأولى هي دائماً الأقوى.. وهولي تدوم طوال حياتهما. وعندما رافقا دونا وفيلكس إلى المصعد كانت تشعر بأن أعصابها متوترة إلى أقصى حد.
كانا آخر المغادرين.. أمامهما وضع فيلكس ذراعه حول خصر هولي مقدماً لهما صورة العريس المحب لآخر. بعدما رحلا اشتد ضغط أصابعه على خصرها الطري، فقفز قلبها إلى حلقها.. فهي بحاجة ماسة أن يأخذها بين ذراعيه، وأن يعانقها بجنون وأن يستحق ويدمر ويزيل من الوجود كل شكوك متعلقة بالقرار الذي اتخذته. وعندما رفعت بصرها إليه، أملت إليه، أملت أن ترى المشاعر التي ترد على ماتشعر به، ولكنه أبعد يده وتلاقت عيونهما بنظرة ساخرة.
ـ تكاد التمثيلية تنتهي.. انتهى المشهد الثاني ويجب أن أقدم لك التهنئة على أدائك الرائع.. ممتاز.. حقاً ممتاز! لكنني لا أريد منك أن تشعري بأنك انتصرت بهذه السرعة.
عاد إلى غرفة الاستقبال.. واتجه رأساً إلى الطاولة، ليصب كوبين من العصير المثلج. لم تلحق به هولي بل وقفت عند المدخل، تراقبه وتقاوم هذا الانقلاب في معدتها.. إذن كان يمثل.. ويكرهها لما فعلته. أتراه يكرهها أم يكره الشعور بأنه أجبر على أمر لا يريده. لكن حدسها أنبأها بأنه يريدها؟يريدها.. وكلما أرادها أكثر، كلما أنكر هذا ليثبت أنه يسيطر على نفسه.
يجب أن تحطم هذه السيطرة إذا أرادت أن تكون علاقتهما كما ترغب.. ولقد زل لسانه وقال لها إنه يجد برودة أعصابها أمراً مثيراً جداً.. عليها الآن أن تكون قوية أكثر من أي وقت مضى .. لن تقبل بشروطه، بل لن تستطيع، وإلا لن تكون شيئاً بالنسبة له.
قدم كأس العصير لها باحترام متهكم: قد يكون الجزء الثالث من التمثيلية قاسياً عليك.. فهل تفضلين غيرهذا الشراب لئلا تعي ماسيحصل؟
أنباتها غرائزها وقوة الإبداع التي تملكها أن هذه هي اللحظة الحاسمة للقرار.. فإن لم تعالج هذا الموقف بشكل صحيح، فلن يحترمها ثانية لأنه من الأشخاص الذين لا يحترمون سوى القوة. لايعرف ماينتظره.. ولا سبيل له أن يتوقع ماهو قادم.. سيطرت هولي على كل أحاسيسها، وعلى مشاعرها، ولم تعكس عيناها الرماديتان أي شيء مما يجري في أعماقها. كان الهدوء الذي طالما أحبط أمها قناعاً تدربت عليه طويلاً، ولايمكن اختراقه.. تقدمت إليه برشاقة بطيئة متعمدة، توحي بالثقة التامة.
استرعى هذا انتباهه.. وبدا القلق في عينيه.. وجمد جسمه جمود الحيوان البري الذي تنبهت كل حواسه لأنه شعر بما هو مريب.. انتظر حركتها القادمة.. حين وقفت على بعد نصف ذراع منه، ولم تأخذ الكأس المقدم لها انتظرها لتتكلم.لم تضربه هولي بقوة اندفاع جسمها كله.. بل كانت الفعة مدروسة الغرض منها أن تلسع، لا أن تؤلم.. أن تُعلم ، دون أن تجرح.. وأن تؤكد على وقارها.
قالت بلهجة الآمر الغاضب: لا تكلمني هكذا مرة أخرى! أنا ندك فيلكس ويستون.. وقد أصبحت للتو شريكتك لذا عليك أن تعاملني على هذا الأساس، لأنني لن أقبل شيئاً آخر.
لم يتحرك وأصبحت نظرة عينيه الخطيرة حيادية.. وكادت تحس بالتركيز الذي يبذله وهو يحاول السيطرة على نفسه..
التوى فمه في نصف ابتسامة، وقال: مهذب جداً! مهذب ومتمدن بحيث يكاد المرء يظن أنك تعكسين ثقافة مجتمع بوسطن. لكن كل هذا مجرد مظهر خادع .. أليس كذلك هولي؟ تحت هذا المظهر المخادع، نفس متوحشة تسعى إلى الدم.. ولكني سأقول لك شيئاً من دمي.
ردت بصوت متهكم: ربما لا أسعى وراء الدم فيلكس.. ربما أسعى إلى ماهو مختلف.. لكنني أشك أن تكتشف أبداً ما هو.
شرب كوب العصير دفعة واحدة، ثم رمى الكوب على الارض.. فاجأها تبدل حاله من السيطرة على النفس إلى العنف. وقبل أن تستطيع المرواغة أو القيام بحركة لتحمي نفسها، كان قد ضمها إليه بقوة ساحقة، وأصبحت ذراعاه قبضتين من فولاذ.
ـ اللعنة عليك! اكتفيت! فقد جربت صبري إلى أبعد الحدود.. وكلفتني شخصياً الكثير، ولن تتهربي من كل هذا. سأحطمك إن اضطررت، لذا من الأفضل لك الركوع هولي.. والآن.. عانقيني أيتها القطة المتوحشة.. عانقيني وسأعمد أنا إلى معانقتك حتى أعرف من أنت حقاً .. ثم سأحملك إلى أماكن لم تصلي إليها مع أي رجل من قبل.. وبعدما أنتهى منك ستسرعين إلى مشروع الطلاق القذر الذي تخططين له.
لم تلاحظ هولي الاتهام الذي وجهه إليها ولم يترك هو لها مجالاً للكلام.لذا لم تفعل إلا لشي الوحيد الممكن أمامها.. وهو الاستسلام. تحرك في أعماق هولي شيء متوحش بدائي هولي يدفعها للوصول إليه.. إنها تريد أن تأخذ وتعطي وتريد أن تنتقم منه بعنف بقدر ما يوقع العنف عليها. قابلت كل تقربه منها برغبة انتحارية، لا تعرف سوى هدف واحد.. أما الكلفة النهائية فلم تعد مهمة لها.
هذا ما أثاره إلى درجة أن أرخى عناقه الآسر وتحركت يداه لتضغطا على خصرها، أما هي فرفعت ذراعيها تلفهما حول عنقه وتضمه إليه بشوق..فراح يصدر همهمات هامسة تؤكد تأثيرها القوي عليه.
فجأة قهقة فيلكس فنظرت إليه هولي، تأمر عقلها أن يصحو من تشوشه الذي سببه هذا الموقف. برقت عيناه على شعرها الطويل الأملس.. وقال هامساً: أجل .. هذا هو لونك الحقيقي. أسود! أيتها الساحرة السوداء! ذات القلب الهمجي الذي يتماشى مع سحرك الأسود ! والآن دعينا نتخلص من كل الأفخاخ الخادعة.
كان يعاملها بجنون وعنف ونفاد صبر فتحركت كرامتها التي أصرت عليها أن تقاوم، وحين نظر إليها وإلى الألماس الذي كانت تتزيا به في عينيه نظرة رضا.
ـ كأنك ملكة همجية من الماضي.
ضحك ضحكة مجنونة ثم رفعها بين ذراعيه، وسار بها إلى غرفة النوم كالغازي القديم الذي يحمل من سباها في الحرب. رماها على السرير.. ولكنها تمكنت من اتخاذ وضعية تحد وصوبت نظرتها المباشرة إلى عينيه. كان قلبها يخفق بسرعة غير معقولة.. وكانت أحاسيسها حية.. ولم يكن هناك أي تعقل فيما يجري الآن، فبينهما الآن مبارزة للقوة.. رجل ضد امرأة.. امرأة ضد رجل.. ابتسمت لنفسها تفكر في أنها لن تكون امرأة يسهل نسيانها أو التعامل معها.
قال بصوت أجش متوحش: لا.. لن يكون لك ماتريدين معي.. ولن تبتسمي حين أفرغ منك..
همست:" حقاً ؟ ".
ولوت شفتيها بإثارة متعمدة..
ـ عانقني فيلكس.. أيمكنك محو الابتسامة عن شفتي؟
كان هناك خيط رفيع من التعقل فبل قولها هذا.. أما بعده فلم يعد هناك شيء. وفجأة فقد كل منهما السيطرة على نفسه.. نسيا كل ما له علاقة بالمبارزة فقد علقا وسط دوامة مجنونة من المشاعر. أخيراً، استلقيا دون أن يحاولا فك العناق ولم يتنازل أي منهما للآخر بشيء.. لكن الصمت الذي حافظا عليه، كان في طياته الهدوء والأمان، وكأن معاهدة وقعت بينهما وتم توقعيها.لن يكون هناك قتال بعد الآن.. فهما ندان متساويان.. وشريكان.. بل هما شخص واحد وكلاهما انتصر.
هل سيبقى فيلكس مكتف وراضٍ عن هذا؟.. هذا مالاتعرفه هولي، لكنها قانعة أنه لم يظهر أي ميل للافتراق عنها. لم تخدع نفسها بأن كل شيء سيكون على ما يرام بينها وبين فيلكس من هذه اللحظة وصاعداً . فما زالت أمامها عراقيل كثيرة قبل التوصل إلى تفاهم مشترك.. هذا إذا حصل.. فهي لا تستطيع أن تقول له إنها تحبه.. إنهما مناسبان لبعضهما بعضاً، بطريقة تتجاوز كل الخلافات، والفروقات. لكن قد لا يكون هناك ما يكفي لدفع مثل هذا الزواج إلى الأمام، لتكون هولي سعيدة به.
مع هذا، كانت مصيبة في قرارها. حين استسلمت للنوم لم تكن الابتسامة على شفتيها قد انمحت كما نوى فبلكس بل كانت ابتسامة المعرفة التي لايمكن لأحد أن ينتزعها منها.
يتــــــــــــــــــــبع
|