كاتب الموضوع :
amedo_dolaviga
المنتدى :
ملف المستقبل
الختام
اغتيال
بدا القائد الأعلى للمخابرات العلمية المستقبلية شديد التوتر، وهو يقف في مكتب كبير علماء مركز الأبحاث، قائلاً:
- مستحيل أن تحدث تلك الفقاعة الزمنية التي تم رصدها دون سبب واضح.
قلّب كبير العلماء كفيه، قائلاً:
- العجيب أنه تم تسجيلها في وضوح، على نحو يوحي بأنها شديدة القوة والضخامة، وعلى الرغم من هذا فلا نشعر بأي تغيير في زمننا.
قال القائد الأعلى في عصبية:
- وماذا عن تلك الصورة؟!
هزَّ كبير العلماء رأسه، قائلاً:
- إنها لم تستغرق سوى أقل من الثانية، ثم اختفت تماماً.. لقد بدت حتى أشبه بصورة وهمية هولوجرامية.
لوَّح القائد الأعلى بسبَّابته، قائلاً:
- ولكنها كانت تحمل وجهه.. وجه مساعدك "عماد".
كرَّر كبير العلماء في انفعال:
- ولكنها اختفت.
هتف القائد الأعلى:
- ما زلت أجهل لماذا ظهرت من الأساس.. لقد كان لوهلة رئيساً لـ"مصر".. هل يمكنك أن تتخيَّل حدوث هذا؟!
بدا كبير العلماء شاحب الوجه والصوت، وهو يقول:
- ربما حدث شيء ما في الماضي، جعل هذا قابلا للحدوث، وتسبَّب في تلك الفقاعة الزمنية القوية، وتلاشيها يعني أن "نور" قد تدارك الأمر على نحو ما.
انعقد حاجبا القائد الأعلى، وهو يقول في قلق:
- هذا تفسير منطقي.
ثم استدرك في قلق أشدّ:
- ولكن لو حدثت فقاعة أخرى، أسيعني هذا...
لم يستطع إتمام عبارته، ولكن كبير العلماء أكملها في خفوت:
- أن "نور" قد فشل في مهمته.. تماماً.
امتقع وجه القائد الأعلى في شدة، ورسم ذهنه صورة مفزعة، لما يمكن أن يصبح عليه العالم، لو سيطر على تاريخه شخص عدواني مهووس، مثل "عماد" هذا..
بدت له الصورة رهيبة، إلى حد أن قشعريرة باردة كالثلج سرت في كيانه كله، وأطلقت منه انتفاضة صغيرة، بدت شديدة الوضوح لعيني كبير العلماء، الذي حاول تخفيف الموقف، فلوَّح بيده قائلاً:
- ولكن من حسن الحظ أن...
قبل أن يتم عبارته، اندفع أحد العلماء من الداخل، هاتفاً في توتر شديد:
- إننا نرصد فقاعة زمنية أخرى.
ولهث في عنف من فرط الانفعال، قبل أن يكمل:
- فقاعة أكثر قوة.
واتسعت عينا القائد الأعلى عن آخرهما.. وخفق قلبه في قوة، لم يعرفها من قبل، وامتقع وجهه، حتى كاد يخلو من الدماء تماماً..
فهذا يعني أن "نور" قد فشل..
تماماً..
* * *
ارتفعت أصوات سيارات الحراسة الخاصة، بموكب السيِّد رئيس الجمهورية، وهي تشق طريقها في المقدِّمة، إلى المقر الرئيسي للحزب، على كورنيش نيل "القاهرة"، وسط حراسة مشدَّدة كالمعتاد، وتوقَّف الناس على جانبي الطريق، يتابعون الموكب، ويلوِّحون للرئيس بأيديهم..
وداخل مقر الحزب نفسه، توزَّعت قوات الحراسات الخاصة على نحو مدروس؛ لتأمين كل المداخل والمخارج، ومراجعة كل الأوراق، وضمان بقاء الحاضرين في أماكنهم، حتى يصل الرئيس..
وفي مقر المخابرات العامة، كان المدير شديد التوتر، وهو يقول لـ"أدهم":
- مستحيل يا (ن - 1)!.. لا يمكنني إقناع فخامة الرئيس الآن بالعدول عن إلقاء خطبته، والعالم كله ينتظر ما سيعلنه فيها، بعد أن تم الإعلان عنها منذ أسبوع كامل.
قال "أدهم" في ضيق:
- وماذا لو أن هذا سيودّي إلى كارثة.. للرئيس نفسه، ولمصر كلها؟!
حاول مدير المخابرات تصوّر الموقف، قبل أن يهز رأسه مرة أخرى في قوة، مكرِّراً:
- مستحيل يا (ن - 1).. مستحيل!
ثم لوَّح بسبَّابته في وجه "أدهم"، هاتفاً:
- ثم ما المبرِّر الذي سأقدِّمه لفخامته؟!.. أن شخصاً من المستقبل سيحاول منع محاولة اغتيال، فشلنا حتى في إيجاد أدنى معلومة بشأنها.
وتحرَّك في مكتبه في توتر شديد، متابعاً:
- إننا نجري اتصالاتنا بكل الجهات الأمنية في "مصر"، منذ وصل هذان الشخصان.. الأمن العام.. أمن الرئاسة.. أمن الدولة.. وحتى أصغر وحدات البحث الجنائي، ولم نجد معلومة واحدة تشير إلى أن أي شخص ممن سُمِحَ لهم بحضور الاجتماع يمتلك دافعاً واحداً لاغتيال فخامة الرئيس.
قال "أدهم":
- ولكنها محاولة مؤكَّدة.
هتف المدير:
- وكيف؟!.. من خلال أقوال رجلين يزعمان أنهما قد أتيا من مستقبلنا؟!
انعقد حاجبا "أدهم"، وهو يقول في حزم:
- إنهما كذلك.
هتف المدير:
- وكيف يمكنك إقناع رجل أمن واحد بهذا؟!
قال "أدهم" في صرامة لا تتناسب مع وجوده في حضرة الوزير:
- سنؤجِّل محاولة الإقناع هذه لما بعد.. المهم أن ننقذ الرئيس أولاً.
قال المدير في عصبية، وهو يجلس خلف مكتبه:
- وكيف تتصوَّر حدوث هذا؟!.. هل نباغت فخامته في اللحظة الأخيرة بأن هناك محاولة لاغتياله لا نعرف من سيقوم بها، ولا حتى كيف ومتى، ثم نطالبه بإلغاء خطبته التي يترقَّب العالم كله ما سيعلنه فيها، دون أن يكون لدينا دليل واحد على ما نقول؟!
قال "أدهم":
- حياة فخامته أهم من كل هذه التعقيدات.
لوَّح المدير بذراعه، قائلاً:
- إنها تعقيدات أمنية.. نُظُم شديدة الدقة؛ لضمان الأمان التام، وتجاوزها وحده يحتاج إلى وقت.
التقط "أدهم" نفساً عميقاً، ثم شدَّ قامته في قوة، قائلاً:
- في هذه الحالة إذن ليس أمامي سوى خيار واحد.
تساءل المدير في قلق:
- وما هو؟!
اندفع "أدهم" خارج حجرة مكتب المدير دون حتى أن يستأذنه وفقاً للقواعد:
- إنقاذ فخامة الرئيس.
هتف به المدير في انفعال:
- لن يسمحوا لك حتى بالدخول.. سيطلقون النار عليك لو اضطروا لهذا يا (ن - 1).
ولكن "أدهم" لم يسمعه..
فأمامه مهمة عظمى..
إنقاذ الرئيس..
ومصر.. وطنه..
* * *
(هذا مستحيل بالفعل..)..
نطق "نور" العبارة، وهو يطالع إجراءات الأمن البالغة الدقة والصرامة، التي تحيط بمقر الحزب، الذي وصل إليه الرئيس منذ دقائق، فأجابته "منى" بصوت شديد التوتر، من المقعد الخلفي لسيارة "أدهم":
- إنني أتفق معك في الرأي تماماً.
انعقد حاجبا "أدهم" في صرامة، وهو يقول:
- لو أن ذلك الوغد وجد سبيلاً للدخول، فسأجده.
قال "نور":
- ليس بالضرورة.. إنه سيستخدم حتماً أسلوب الإخفاء المحدود؛ للمرور من نظم الحراسة التي لم تتطوَّر لاستخدام نظم الرصد الحواري بعد.
قال "أدهم" في حزم:
- هذا يمنحني دافعاً أكبر للدخول.
قالت "منى" في خوف واضح:
- لن يسمحوا لك بالمرور، حتى لو أفصحت عن شخصيتك، ثم إنك لا تعرف من يسعى لاغتيال الرئيس بالضبط.
قال "أدهم":
- هو يعرفه حتماً، وإلا لما...
بتر عبارته دفعة واحدة، وتألَّقت عيناه في شدة، قبل أن يهتف:
- يا إلهي!.. إنه هو.
التمعت عينا "نور" وقد استوعب الأمر على الفور، في حين تساءلت "منى" في توتر شديد:
- هو من؟!
هتف "أدهم"، وهو يدفع باب السيارة:
- ذلك المستقبلي.. إنه الشخص الذي يسعى لاغتيال الرئيس.
حاوَلَت أن تمنعه، هاتفة في لوعة:
- "أدهم".. أرجوك.
أمسك "نور" بيدها، قائلاً:
- اتركيه.
التفتت إليه بحركة حادة، فأكمل:
- إنه يقوم بدوره الذي رسمه القدر، وكتبه عليه الله "سبحانه وتعالى"..
هتفت:
- ولكنهم سيقتلونه.
أجابها بمنتهى الحزم:
- هذا دوره.
ومع نظرة الاستنكار الشديدة، التي أطلَّت من عينيها، مال نحوها قائلاً:
- دعيني أشرح لك بعض الأمور الخاصة بالفلسفة.
هتفت مستنكرة في شدة، وهي تنقل بصرها بينه وبين "أدهم":
- الفلسفة؟!
أجابها في هدوء أدهشها:
- نعم.. فلسفة السفر.. عبر الزمن.
في نفس الوقت، الذي راح فيه يشرح لها تلك الفلسفة شديدة التعقيد بالنسبة لها، كان "أدهم" يتحسَّس ذلك المنظار العجيب، الذي أعطاه إياه "نور"، والذي وضعه في أعماق جيب سترته، وهو يتقدَّم نحو طاقم الحراسة الرئيسي عند مدخل مقر الحزب قائلاً لأكبر الضباط رتبة:
- العميد "أدهم"، من الأمن القومي، وأحتاج إلى دخول المكان بسرعة؛ لوجود خطر على حياة الرئيس.
حدَّق الضابط في وجهه لحظة في دهشة عارمة، ربما لأنه أراد أن يتبيَّن ما إذا كان الواقف أمامه يتحدَّث بجدية، ثم لم يلبث أن قال في صرامة:
- الرئيس بالداخل، والدخول بعده محظور أياً كانت الأسباب.
قال "أدهم" في صرامة:
- حتى لو كانت حياته في خطر.
قال الضابط في إصرار عنيف:
- كل شيء مؤمَّن بالداخل، ومن المستحيل أن تتعرَّض حياة سيادته للخطر في وجود كل أطقم الحراسة.
قال "أدهم"، وهو يدرس الموقف، وتوزيع رجال الأمن في المكان، بنظرة محترف:
- ولكنهم لن يروا المعتدي.
فقد الضابط صبره، وهتف في غلظة:
- اسمع يا هذا، أياً كانت هويَّتك أو رتبتك، فلن أسمح لك بالدخول قط، ولو...
قبل أن يكمل كلماته الغاضبة، هوت قبضة "أدهم" على فكه كالقنبلة، ثم اعتمد على رأسه قبل سقوطه، ووثب يركل رجلا آخر من رجال طاقم الحراسة، ويتجاوز الثاني بقفزة مذهلة، ليندفع نحو مدخل المكان..
وفي لحظة واحدة، وبدون أدنى تفكير، وعلى نحو تدرَّبوا عليه إلى درجة الإتقان، ارتفعت فوهات أسلحة رجال الحراسة جميعهم نحو "أدهم"، واندفع حارسا المدخل الرئيسي للتصدي له..
وهنا لم يستطع حتى "أدهم" نفسه أن يصف ما حدث..
لقد تحوَّل كيانه كله إلى رغبة واحدة مُلِحَّة..
إنقاذ الرئيس..
و"مصر"..
ومستقبلها..
كانت الرصاصات تتطاير من حوله..
وبعضها يخترق جسده بالفعل..
والدماء تتفجَّر منه..
ولكنه لم يتوقَّف لحظة واحدة..
لم يدْرِ حتى كيف تخلَّص من حارسي المدخل..
ولا كيف تجاوز كل هذا..
ولكنه أصبح في الداخل..
وأثار موجة هائلة من الفزع..
جميع أعضاء الحزب قفزوا من مقاعدهم..
القاعة كلها سادها التوتر والاضطراب..
وعمَّت الفوضى..
و"أدهم" يعدو نحو الرئيس مباشرة..
ويعدو..
ويعدو..
ويعدو..
وعلى عينيه، وضع ذلك المنظار الخاص، الذي أعطاه إياه "نور"..
ورأى ما لا يراه الآخرون..
رأى ظلاً أحمر، يشق طريقه وسط كل هذه الفوضى، متجهاً نحو الرئيس..
مباشرة..
واندفع أحد رجال الأمن الخاص نحو "أدهم"..
ومرة أخرى، حتى هو لم يستطع أن يصف ما حدث..
فعلى الرغم من أن رجال أمن الرئيس على أعلى درجة معروفة من المرونة والتدريب، إلا أن "أدهم" أصبح يمسك سلاح الرجل، الذي سقط أرضاً في عنف..
وبينما يواصل عدوه، صوَّب السلاح نحو ذلك الظل الأحمر..
وبالنسبة للجميع، بدا وكأنه يصوِّب سلاحه نحو الرئيس نفسه..
وهنا أطلق رجال الأمن الخاص النار..
نحو "أدهم" مباشرة..
وشعر "أدهم" بالرصاصات تخترق جسده..
والظل الأحمر يقترب من الرئيس..
ويقترب..
ويقترب..
وعلى الرغم من كل إصاباته، وكل ما فقده من دماء، أطلق "أدهم" النار..
كان يعتمد على استنتاج "نور"، الذي أكَّد أن إصابة السترة الكهرومغناطيسية الواقية بالتيار الكهربي قد أفقدها مناعتها وقدرتها على صدّ الرصاصات حتماً..
ومن الواضح أن "نور" كان على حق..
لقد انطلقت رصاصته..
وأصابت هدفها..
تماماً..
وهنا فقط، ترك "أدهم" جسده يهوي..
ومعه، هوى ذلك الظل الأحمر..
تحت قدمي الرئيس مباشرة..
ومع دهشة الرئيس ورجال أمنه، بدأ "عماد" المستقبلي يتجسَّد، وهو يلهث بشدة، والدماء تنزف من موضع ما في عنقه..
ثم اكتمل تجسّده، عندما اتسعت عيناه عن آخرهما، وغمغم:
- خسرت.
ولفظ أنفاسه الأخيرة..
وساد المكان ذهول، استغرق لحظة واحدة، قبل أن يشير الرئيس إلى "أدهم"، هاتفاً:
- اسعفوا هذا البطل..
واندفع الجميع نحو "أدهم"..
بناءً على أوامر الرئيس..
شخصياً..
**************
* * *
(مستحيل!.. لولا أن فخامة الرئيس شخصياً قد شهد هذا بنفسه، لما صدّقت حرفاً واحداً منه..)..
نطق مدير المخابرات عباراته في انفعال شديد، بذل قصارى جهده للسيطرة عليه، و"منى" تقف أمامه صامتة، قبل أن يتابع:
- الرئيس يقول: (إن هذا بدا أشبه بمشهد من فيلم من أفلام الخيال العلمي).
أومأت "منى" برأسها، قائلة:
- الأمر كله بدا كذلك.. ذلك المقدِّم المستقبلي أخبرني أن ما حدث ليس تغييراً في التاريخ، ولكنه التاريخ الفعلي، كما كان ينبغي أن يسير، فمحاولة الاغتيال التي سجلها التاريخ في عصره كانت محاولة زميله المستقبلي لاغتيال سيادة الرئيس، وأن "أدهم" قد أنقذه بالفعل، كما يقول تاريخ عصره، ولكن بناءً على المعلومات التي زوَّده بها هو، عندما عاد إلى زمننا لإنقاذ الموقف.. باختصار، وفقاً لما أسماه بفلسفة السفر عبر الزمن، هو لم يأت لإنقاذ التاريخ، وإنما كان يلعب دوره المكتوب فيه.. الدور الذي لم ولن يسجله أحد.
قلّب المدير كفيه، قائلاً:
- والذي لن يمكننا تسجيله أيضاً.
وصمت لحظة، قبل أن يضيف:
- فمن سيصدقنا؟!
غمغمت:
- لا أحد.
أشار المدير بيده، وقال:
- المشكلة أن ذلك المقدِّم الأمني المستقبلي قد اختفى، بعد إنقاذ الرئيس بدقائق، ووحدك رأيتِه يعود إلى عصره، وتعلمين أن أحداً لم يصدِّقك، حتى اختفت جثة الآخر أيضاً، على الرغم من الحراسة المشدَّدة حولها.
تساءلت "منى" في لهفة:
- المهم "أدهم".. كيف هو؟!
أجابها المدير، وهو يحاول الاسترخاء في مقعده:
- اطمئني.. إنه بخير، بعد ست عمليات جراحية معقَّدة، وفخامة الرئيس زاره بنفسه، في مستشفى وادي النيل، ويتردَّد أنه سيمنحه وسام الشجاعة..
قالت في ثقة:
- سيفعل.
ثم استدركت في ارتياح:
- "نور" المستقبلي أخبرني بهذا.
ارتفع حاجبا المدير، ثم نهض من خلف مكتبه، واتجه نحو النافذة، وتطلَّع عبرها لحظات، قبل أن يغمغم:
- يبدو أن الدكتور "محمد علي" كان على حق..
(لا يمكنك أن تفهم أبداً لعبة الزمن..)..
نطقها "نور" في هدوء وارتياح، وهو يقف إلى جوار كبير علماء مركز الأبحاث العلمية في عصره، فربّت الرجل على كتفه في صمت شملهما معاً، وهما يتطلعان عبر نافذة واسعة كبيرة من الطابق الأربعين إلى مصر..
مصر المستقبل..
الآمن.
(تمت بحمد الله)
التعديل الأخير تم بواسطة amedo_dolaviga ; 05-10-08 الساعة 07:13 PM
|