كاتب الموضوع :
amedo_dolaviga
المنتدى :
ملف المستقبل
ملف المستحيل
اعزائى عشاق د. نبيل فاروق اهديكم اليوم الخميس الجزء الرابع من الرواية الجميلة ملف المستحيل كما وعدتكم ........
مع اجمل تحياتى لكم بقراءة ممتعة وشيقة على اجمل منتدى .... منتدنا العزيز منتدى ليلاس ..
اختكم عبير
4- النيران..
كان الثلاثة يعدون عبر ذلك الشارع الجانبي الضيق للابتعاد عن ذلك الخصم الذي بدا أشبه بروايات الخيال العلمي منه بالحقيقة..
"أدهم"..
و"منى"..
و"قدري"..
ولأن "قدري" أكثرهم بدانة، وأقلهم سرعة؛ ولأن الذعر والجهد والانفعال كانوا يدفعونه إلى لهاث عنيف، فقد كان في المؤخرة..
وعندما أطلق "عماد" لسان اللهب خلفهم، كان جسد "قدري" الضخم المكتظ يكاد يحجب "أدهم" و"منى" تماماً..
لذا، فقد كان من الطبيعي أن يتلقى الضربة بكاملها..
لسان من النار أصاب ظهره، فشعر بنيران تشتعل فيه، مع ضربة عنيفة جعلته يطلق صرخة هائلة..
صرخة حملت كل الألم..
والعذاب..
والذعر..
والمفاجأة..
واليأس..
ومع قوة الضربة سقط على وجهه، والنيران تشتعل في مؤخرة سترته عند موضع الظهر..
ومع قوة صرخته أيضاً توقَّف "أدهم" و"منى"..
التفتت إليه "منى"، صارخة:
- "قدري".
ثم أسرعت تحاول إطفاء نيران سترته، وتهدئة انفعاله، وهو يصرخ في ألم ورعب..
ويصرخ..
ويصرخ..
ودون تفكير، انتزع "أدهم" سترته الرياضية، وأسرع يخمد بها نيران سترة "قدري"..
ثم نهض مكشوف الصدر، يواجه خصمه..
خصمه المستقبلي..
كان يدرك جيداً أن خصمه يفوقه قوة وتسليحاً..
ويمتلك ما لا يمتلكه..
الغموض..
وفي تحدٍّ شديد، التقت عيونهما..
وفي بطء شديد الصرامة والقوة والعزم والحزم، قال "أدهم":
- لقد ارتكبت الخطأ الأكبر يا رجل.. مسست رفاقي.
ابتسم "عماد" ابتسامة ساخرة ظافرة متشفية، وقال:
- ها هو ذا "أدهم" كما يذكره التاريخ.. يمكن أن يتجاوز عن أي شيء إلا ما يمس دينه ووطنه ورفاقه.
انعقد حاجبا "أدهم" في شدة، ووثبت كلمة واحدة إلى ذهنه..
التاريخ..
ماذا يقصد بكلمة التاريخ؟!..
ما الذي يعنيه؟!..
وماذا يعنيه هذا؟!..
ماذا؟!..
ماذا؟!..
وثب هذا إلى ذهنه دون أن يبعد عينيه عن خصمه لحظة واحدة، أو يغفل عنه، ولو لجزء من الثانية..
وفي تحفز تام انتظر خطوته الأولى..
أما "عماد"، الذي حرص على أن تفصله مسافة مناسبة عن "أدهم"، فقد رفع يده نحوه مرة أخرى، وزيه يستعيد لونه شديد الاحمرار..
وأدرك "أدهم" أنه سيطلق لساناً آخر من اللهب..
وتحفَّز أكثر، وعقله يبحث عن وسيلة لتفادي هذا..
"منى" ما زالت خلفه، تساعد "قدري" على النهوض، وتجري اتصالاتها بالإدارة، وبسيارة إسعاف سريع، ولو ابتعد عن مكانه، سينطلق لسان اللهب نحوها ونحو "قدري"..
وفي توتر، ثبَّت قدميه في مكانهما، وقال في صرامة:
- ابتعدي يا "منى".. وبأقصى سرعة.
هتفت في توتر، وهي تحاول جذب "قدري" بعيداً:
- لا يمكننا أن نتركك.
صرخ في قوة:
- هذا أمر.
انتفضت على الرغم منها مع صرخته، التي حملت توتراً لم تعتده منه أبداً..
منذ عرفته، وهو يبدو هادئاً متماسكاً، مهما كانت الخطوب والنوائب..
ومهما بلغت قوة خصومهما..
ولكنه الآن لم يعد كذلك..
ربما لأنه في كل مرة، كان يعرف جيداً ماذا يواجه؟!..
خصومه اختلفوا، وأعداؤه تغيَّروا، وكل منهم له أسلوبه، ووسائله، وربما شراسته أيضاً..
ولكنهم كانوا دوماً بالنسبة له خصوم..
مجرَّد خصوم..
أما هذا القادم، فهو يحمل كل ما يثير الدهشة، والحيرة، والقلق..
وهو خصم يختلف..
يختلف عن كل من عرفوه..
وواجهوه..
واختبروه..
إنه غامض..
خارق..
واثق..
غريب.. للغاية..
و"أدهم"، كرجل مخابرات، يصعب أن يواجه خصماً لا يملك عنه أية معلومات تتيح له دراسته، وتحديد سبل مواجهته..
انتزعها "أدهم" من أفكارها، وهو يصرخ مرة أخرى:
- أسرعي.
في نفس اللحظة، التي صرخ فيها بالكلمة، أطلق "عماد" صرخة ظافرة، مع لسان أكبر من اللهب..
لسان شق طريقه في الشارع الضيق..
نحو "أدهم"..
بلا أدنى احتمال للخطأ..
* * *
عقد مسئول الخدمة السرية كفيه خلف ظهره كعادته، وهو يقف أمام رجله الذي قال في هدوء واثق:
- الجميع اتفقوا على أن رجلاً برتبة لواء، شقَّ طريقه عكس اتجاه كل من بالمبنى، وهم يندفعون ليعرفوا ماذا حدث في مكتب مدير مباحث الوزارة.
سأله مسئول الخدمة السرية في اهتمام:
- ألم يحاول أحدهم إيقافه؟!..
أجاب الرجل بنفس الهدوء:
- ومن يجرؤ؟!
أومأ مسئول الخدمة السرية برأسه متفهماً، قبل أن يقول:
- وأين ذهب هذا اللواء بعدها؟!
أجاب الرجل:
- غادر المبنى في هدوء، وسار عبر الطريق، ثم اختفى عن كل الأنظار، حتى أن أحداً لم يذكر رؤيته على مسافة ثلاثمائة متر من مبنى الوزارة.
صمت مسئول الخدمة السرية بضع لحظات مفكراً، ثم اتجه نحو مكتبه، وجلس خلفه مواصلاً تفكيره، قبل أن يقول، وكأنه لا يشعر بوجود الرجل:
- لو قلنا أنه قد تنكَّر في هيئة لواء، واستطاع بذلك الخروج من المكان، فكيف فعل هذا في وقت ضئيل للغاية؟!
غمغم الرجل:
- لديه وسيلة ما حتماً.
أشار مسئول الخدمة السرية بيده، قائلاً في شرود:
- السؤال هو: (ما هي تلك الوسيلة)؟!..
صمت الرجل تماماً، ولم يحاول التعليق بحرف واحد، في حين استغرق مسئول الخدمة السرية في صمت عميق التفكير، قبل أن يعتدل قائلاً:
- أبلغ مسئول القسم الفني أنني أريد رؤيته.
أومأ الرجل برأسه، ثم تساءل:
- وماذا عن سيادة العميد "أدهم"؟!
أجابه على الفور:
- رجالنا في طريقهم إليه الآن.
ثم أدار عينيه إليه، متسائلاً:
- ولكن هل تعتقد أنه بحاجة إلى هذا؟!
في نفس اللحظة التي نطقها فيها كان لسان اللهب ينطلق نحو صدر "أدهم" مباشرة، و..
وفجأة، طار جسم بيضاوي شفاف عبر المكان، وتوقَّف أمام صدر "أدهم" مباشرة؛ ليتلقى عنه ضربة لسان اللهب العنيفة..
كانت الضربة هي أقوى ما يستطيع زي "عماد" إطلاقه..
ضربة كافية للإحاطة بأسد..
ولكنها ارتطمت بذلك الجسم البيضاوي الشفاف، فارتجًَّ في عنف، ولكنه صمد في مكانه، وارتدَّ عنه لسان اللهب في قوة..
وعلى الرغم منه، اتسعت عينا "أدهم" في حين أطلقت "منى" شهقة دهشة، جعلت "قدري" يهتف مع آلامه:- ماذا حدث؟!.. ماذا حدث؟!..
وقبل أن يجيبه أحدهما، ظهر "نور".. ظهر فجأة، هابطاً من أعلى؛ ليقف بين "أدهم" و"عماد"، مواجهاً هذا الأخير في صرامة، وقائلاً:
- العار كل العار أن تمَسَّ بطلاً قومياً.
انعقد حاجبا "عماد" في غضب شديد، وهو يقول:
- إذن فقد أرسلوك خلفي.
أجابه "نور" في صرامة:
- أرسلوني لأردعك.
زمجر "عماد"، قائلاً:
- لو استطعت.
شعر "أدهم" بتوتر شديد، وهو يستمع إلى هذا الحوار الذي عاد يفجِّر في ذهنه موجة عنيفة أخرى من التساؤلات..
من هذا القادم الجديد؟!..
من أرسلوه؟!..
ولماذا؟!..
قبل أن تتوالى الأفكار والتساؤلات في رأسه، التفت إليه "نور"، وقال في لهجة مهذَّبة، لا تتفق مع تعقيد الموقف، وإن حمل أسلوبه رنة صارمة نوعاً ما:
- سيِّد "أدهم".. هل تسمح بالانصراف مع رفيقيك.
انعقد حاجبا "أدهم" في صرامة، وهو يتجه نحوه، إلا أنه لم يكد يخطو خطوة واحدة، حتى أضاف "نور" في احترام:
- لإسعاف السيِّد "قدري" على الأقل.
واصل "أدهم" خطواته في حزم أكثر، فقال "نور" بلهجة تنطوي على الكثير:
- من فضلك يا سيِّد "أدهم".. ثق بي.
شيء ما جعل هذه الكلمة الأخيرة تجد سبيلاً إلى أذنيه..
وقلبه..
وعقله..
شيء ما جعلها تحمل إليه الثقة..
كل الثقة..
ودون مناقشة، وعلى نحو أدهش "منى" نفسها، تراجع "أدهم"، وجذب "قدري" إلى خارج الشارع الضيِّق، تاركاً "نور" و"عماد" هناك، يواجه كل منهما الآخر، بمنتهى التحدي والصرامة..
وفور خروج "أدهم" و"منى" و"قدري"، شد "عماد" قامته، وقال في تحدٍّ:
- هل تبدأ؟!
شدَّ "نور" قامته بدوره، قائلاً في حزم:
- وقتما تستعد.
قال "عماد" في خشونة:
- عليك أنت أن تستعد.
ثم زمجر، مضيفاً:
- للموت.
في نفس اللحظة التي نطقها فيها، كانت "منى" تهتف بـ"أدهم"، وصوت سارينة سيارة الإسعاف يقترب:
- هل سنتركه وحده؟!
أجابها في حزم:
- من الواضح أنه يعرف ما ينبغي فعله.
التفتت إلى مدخل الشارع الضيق، قائلة في عصبية:
- إنهما يعرفان بعضهما البعض.
غمغم "أدهم":
- هذا واضح.
كان عقله مشتتاً بين انتظار سيارة الإسعاف؛ لإنقاذ صديقه "قدري"، والتساؤل عما يدور أو يمكن أن يدور هناك.. داخل ذلك الشارع الضيق..
وقبل حتى أن يلتفت إلى الشارع، لحق به بعض الرجال، وقال أحدهم في حزم:
- نحن هنا يا سيِّد "أدهم".
كانوا بعض رجال المخابرات، الذين تتلمذوا على يديه، لذا فقد ترك لهم "قدري"، ونهض متجهاً نحو ذلك الشارع الضيق، قائلاً:
- استعدوا.. قد يحتاج الأمر إلى مواجهة عنيفة، و..
قبل أن يكمل عبارته، سطع ضوء أحمر قوي، داخل ذلك الشارع الضيق، مع دوي أشبه بانفجار مكتوم..
انفجار أعقبته سحابة كثيفة أرجوانية اللون..
وعلى الرغم من أن كل رجال المخابرات الذين يقفون خارج الشارع، قد بدأوا حياتهم في القوات الخاصة، إلا أن أحدهم لم ير دخاناً كهذا في حياته قط..
لا في قوته..
أو لونه..
أو طبيعته الكثيفة..
أو حتى رائحته التي بدت شديدة الإزعاج والعنف، حتى أنها أدمعت عيونهم جميعاً..
وفي حركة غريزية، سحب كل منهم سلاحه، واتخذ وضعاً قتالياً..
ودوّى انفجار آخر..
وفي هذه المرة كان الدخان فيروزياً، وذا رائحة أكثر عنفاً..
وكان من الواضح أنه هناك حرب عنيفة تدور هناك..
داخل ذلك الشارع الضيق..
حرب لا تشبه أية حرب عرفوها في حياتهم..
على الإطلاق..
* * *
(مستحيل أن يكون هذا قد حدث)..
قالها القائد الأعلى للمخابرات العلمية المستقبلية، وهو يضغط زر جهاز الكمبيوتر، على سطح مكتبه، فالتفت إليه كبير العلماء، متسائلاً في توتر:
- ماذا تقصد؟!
أجابه القائد الأعلى في عصبية:
- كُتُبُ التاريخ كلها لم تذكر حرفاً واحداً، عن حدوث أي أمر عجيب، في تلك الفترة الزمنية، ولو أن "نور" نجح في الوصول إلى هناك، فسيدور قتال عنيف حتماً، بينه وبين ذلك المساعد المنشقّ، وفي المحتم أن صراعاً كهذا يستحيل إبقاء أمره سراً، وسيرصده البعض حتماً، وسيأتي ذكره، ولو في صحيفة من صحف الشائعات، ولكن هذا لم يحدث.. لقد راجعت كل الملفات والأرشيف الرقمي بنفسي، ولا يوجد ذكر لهذا، ولا حتى حرف واحد.
أشار كبير العلماء بيده، وقال:
- ربما لأن هذا لم يكن قد حدث، في ماضينا نحن؟!
انعقد حاجبا القائد الأعلى، وهو يقول في صرامة:
- هل سنعود مرة أخرى إلى قصة فلسفة السفر عبر الزمن؟!
هزَّ كبير العلماء كتفيه، وقال:
- هذا ما يحكم كل شيء الآن.
أطلق القائد الأعلى زفرة عصبية، قبل أن يقول:
- إذن فلن نعرف أبداً.
أجاب كبير العلماء في سرعة:
- إلا لو نجح "نور" في مهمته، وعاد إلينا سالماً، في الموعد المناسب.
تساءل القائد الأعلى في توتر:
- وماذا لو فني كيانه هناك؟!
قلّب كبير العلماء كفيه، قائلاً:
- لا تنسَ أنه في فترة زمنية مزدوجة التداخل.. أي أنه هناك، في عمره الذي تعرفه عليه، وموجود أيضاً كطفل أو صبي صغير، في الزمن نفسه، ولو فني كيانه المستقبلي، ستواصل ذاته الصغرى حياتها، وستصل إلى زمننا، مع مرور الوقت.
قال القائد الأعلى:
- ولكن الأمور ستكون قد تغيَّرت.
أومأ كبير العلماء برأسه، مغمغماً:
- بالضبط.
قال القائد الأعلى، في لهجة أقرب إلى التساؤل:
- ولكن لو نجح في مهمته.
صمت كبير العلماء لحظة، قبل أن يجيب في حذر متردِّد:
- هنا تكمن حيرة فريق علمائنا..
اعتدل القائد الأعلى بحركة حادة، قائلاً في توتر:
- حيرتهم؟!
زفر كبير العلماء بدوره، قبل أن يجيب:
- نعم يا سيدي.. فبعضهم يقول: (إن هذا سيبدو لنا واضحاً عند عودة "نور"، أما البعض الآخر، فيخشى أن يؤدِّي هذا إلى حالة دائرية لا نهائية..)
سأله القائد الأعلى في قلق:
- وماذا يعنيه هذا؟!
أجاب كبير العلماء:
- إذا نجح سيقضي على "عماد" في الماضي، وسيواصل الزمن دورته العادية بلا تغيير، مما يعني أن "عماد" سيقوم بنفس ما فعله، عندما يبلغ اللحظة نفسها، وسنرسل نحن "نور" خلفه، وهكذا، يتوالى الزمن في دوائر لا نهائية، تكرِّر كل منها ما حدث دون تغيير.
سأله القائد الأعلى، وقد تعاظم قلقه:
- وما مدى هذا الاحتمال؟!
أجابه كبير العلماء في حذر:
- ما يقرب من خمسين في المائة.
لم يكد يتم عبارته، حتى بدا وكأن موجة خفية قد عبرت المكان كله فجأة، فقد انتفض جسدي القائد الأعلى وكبير العلماء في قوة، وشعر كل منهما بشيء ما يعبر جسده، ويجوب كل خلية فيه، في حين غامت الرؤية في المكان لجزء من الثانية، ثم عاد كل شيء لطبيعته دفعة واحدة، فهتف القائد الأعلى، وهو لا يكاد يشعر بكلماته تفارق حلقه:
- ماذا حدث؟!
هبَّ كبير العلماء من مكانه، وهو ينتزع جهاز اتصاله، مجيباً في توتر بلغ حده الأقصى:
- لست أدري يا سيِّدي.. لست أدري.
ضغط زر جهاز الاتصال، وهتف بطاقم علمائه:
- هل رصدتم هذه الظاهرة؟!
أجابه أحدهم في انفعال شديد:
- إنها فقاعة زمنية كبيرة.. هذا ما كنا نخشاه يا سيِّدي.
هتف:
- وماذا يعني حدوثها؟!
أجابه بنفس الانفعال، الذي امتزج بارتجافة قوية:
- يعني أن هناك تغييرا عنيفا يحدث عبر الزمن.. تغيير خطير.. خطير للغاية.
وامتقع وجها القائد الأعلى وكبير علمائه..
بشدة..
* * *
التعديل الأخير تم بواسطة abeerlove ; 05-09-08 الساعة 08:12 PM
|