كاتب الموضوع :
Narjes30
المنتدى :
الارشيف
بسم الله الرحمن الرحيم
رحل الفنان أحمد زكي بقدر ما كانت حياته مليئة بالفن والإبداع فهي ثرية بالغموض، حقق الشهرة والنجومية في السينما وعالم الفن وعرفه جمهور العالم العربي كله.. وفي المقابل كانت حياته الشخصية مليئة بالعذاب والغموض والمعاناة. أحمدزكي من مواليد محافظة الشرقية عام 1948 حيث عاش هناك طفولته وصباه وتخرج في المدرسة الصناعية قبل أن يلتحق في القاهرة بعد ذلك بمعهد الفنون المسرحية الذي تخرج منه في عام 1973 وبداحياته يتيما منذ أن فتح عينيه للأب الذي فقده والأم التي تركته وتزوجت من رجل آخر وتربي في بيوت الأقارب العمات والخالات وبيت جده لا يجد من يحتويه كباقي الأطفال الذين أمامه حتى عندما كان يمرض كان يكتم مرضه ولا يعلن لأحد به ويفضل الاكتواء به بعيدا عن نظرة الشفقة.
الحرمان منذ الصغر
كما أنه عاش الحرمان منذ صغره ورآه أكثر وأكثر في الأعياد، عندما كان يرى أبناء الأقارب وأطفال الشارع الذي يقيم به يمسكون بالفلوس ويشترون الحلوى والألعاب وهو يقف كمتفرج محروم من كل مظاهر الترفيه حتى في يوم العيد، كل ذلك كتمه أحمد زكي ليخرجه في طاقاته الفنية في أعماله بعد أن وضع قدمه على أول طريق للفن وبعد رحلة عذاب أخرى واجهها لدخول حلبة الفن.
لم يمسك نقوداً في يده
ويعترف الفنان الراحل أنه لم يمسك قط فلوسا في يده إلا عندما تخرج وعمل في ورشة خراطة عبر اليومية التي كان يحصل عليها. إلا أن الفنان الراحل أحمد زكي تأثر جدا في صوره الحزينة بوالدته التي رآها تخلت عنه منذ البداية وكان هو في أشد الحاجة إليها لتعويضه من حرمان الأب الذي لم يره إلا في صور بسيطة عند بعض الأقارب عندما صار طفلا صغيرا.
وقال عن ذلك: كنت أريد أمي وكنت أبحث عنها طوال الوقت ولكن لم أجدها ولم أعرف لماذا تخلت عني بهذا الشكل، وكان هذا السؤال لا يغيب عنه حتى في عز النجومية التي حققها في عالم الفن والشهرة.
ولأن الفنان الراحل أحمد زكي معروف بأنه حساس جدا منذ الطفولة ومشاعره تنجرح بسهولة فإنه كان يغار على والدته لأنها مع رجل ثان وليست معه لأن والده مات وكان عليها أن تحتضنه وتعطيه جرعة حنان زائدة ولكنها تزوجت فعاش بعيدا عنها حتى وأنه عندما كان صغيرا لم يعرفها وعرفها بعد سن السابعة من عمره وبعد هذه السن كان يزورها لفترة بسيطة، ولكن لم يخف زكي أن زيارته لها كانت تضايقه جدا لأنه يلاقي رجلا آخر معها، إلا أنه عندما كبر ونضج وبدأ يعذر والدته في زواجها لأنه عرف أن ظروفها كانت صعبة بدون هذا الزواج.
إنت كبرت يا أحمد
ومن المضايقات التي لاقاها أحمد زكي مع والدته ولم يعلن عنها كثيرا عندما كان يذهب لزيارتها ويجد أولادها وتهتم بهم أكثر منه وبزوجها وتندهش عندما تراه وتقول له: أنت كبرت يا أحمد لأنه بالطبع يكبر بعيد عنها وتلاحظ هذا الفرق بين المرات التي كان يزورها فيها. إلا أن أحمد زكي لم ينكر أن أمه كانت تحبه لكن ظروفها منعتها من احتضانه وإعطائه السعادة كما أشقائه منها وكان يتعذب وهو يفكر ويقول: هل الأمومة إنجاب فقط؟ وهل هو القانون الذي يطبق عليه مفردا؟ ويردد الأمومة انتماء، وهي أمي، ويحلف مائة يمين أنه يحبها لكن يعود ويقول: لكن هي لم تتعب معه ولم يلومها لأنها في نظره ست فلاحة بسيطة أمية وظروفها في يديها.
ربنا يشفيك يا بني
وخلال فترة مرض الفنان الراحل أحمد زكي زارته والدته منذ أسبوع في حجرته في مستشفي دار الفؤاد التي يرقد فيها لكنه كان فاقد الوعي وفي غيبوبة تامة وسمح لها الفريق الطبي المعالج بالاقتراب من ابنها واحتضنته وقالت له بعض الجمل التي رددها الأطباء :'' روح يا أحمد قلبي راض عنك ليوم القيامة'' .. و'' مسامحاك من كل قلبي وراضية عنك'' و''ربنا يشفيك وتعود لابنك هيثم بالسلامة'' وأنت يأحمد سامحني يا ابني'' لكن النجم الراقد في مرضه لم يسمع دعاء والدته ولم يراها أيضا لكن الكلمات بالتأكيد وصلت بالإحساس.
ولأن حياة الفنان أحمد زكي مليئة بالصور الحزينة فإنه بعد رحيل زوجته الفنانة هالة فؤاد في منتصف الثمانينيات خاف على ابنه الوحيد هيثم وأراد أن يعطيه الدفء والحنان الصحيح وحتى خبراته في الحياة وبالفعل كان قريبا جدا من ابنه حتى أنه قال إن ابنه هو الوحيد في الدنيا الذي يفهمه والقريب منه جدا ولا يفارقه بشكل يومي حتى في أماكن التصوير أحيانا كان يصحبه معه، إلا أن رحيل الفنان زكي هل يجعل من هيثم يتيما آخر لابنه فأمه!
شريط معاناة لا ينتهي
وشريط المعاناة في حياة الفنان أحمد زكي لا ينتهي حتى أنه عندما فكر في الزواج كان عليه البحث عن امرأة تكون له هي الأم التي فقدها والزوجة الحنون الحبيبة التي لا تمل من وظيفة مهمة لرجل متعب وكذلك الصديقة فوجد ضالته عند الفنانة الراحلة هالة فؤاد التي عاش معها قصة حب وحياة هادئة في البداية إلا أنه تغير شيئا ما هذا الوضع، وبدأ الفنان باعترافه يقسو على زوجته رغم أنها استحملته كثيرا وأحاطته بالحب والود والحنان وكان دائم الحديث معها على أن تتوقف عن العمل الفني رغم أنهما كانا متفقين على المواصلة معا فكان الطلاق هو المشهد الحزين الآخر الذي يضاف للمشاهد السابقة وابتعاد زوجته وابنه عنه ووجد نفسه وحيدا في شقته في حي المهندسين فقرر أن يقيم في أحد الفنادق ''هيلتون رمسيس'' الذي ظل به لأكثر من 18 عاما قضاها في عدد من جناحاته وغرفه المطلة على نيل القاهرة وكان يجد نفسه في الفندق عن الشقة رغم وجود شغالة فيها إلا أن الفندق كان يجد فيه ابتسامة وهو عائد من العمل بالليل لا يجدها في شقته شبه المهجورة التي تذكره بالوحدة خصوصا وأن ابنه يقيم منذ رحيل الزوجة بعد الطلاق مع جدته.
يبحث عن زوجة
ولم يجد الفنان أحمد زكي بعد رحيل زوجته المرأة التي تشاركه حياته وتسعده بعد الرحلة المجهدة التي مر بها وتكون فيها الصفات التي يبحث عنها ومنها زوجة لا تصارع معه لأنه مجهد وصناعتها من طراز الرجال تقف بجانبه وتريحه وقال إنه على استعداد أن ينشر إعلان لزواجه مكتوب فيها : إذا كانت هناك امرأة تبحث عن وظيفة كبيرة ومهمة فلتتزوجني.. وظيفة كبيرة وفي غاية الإجهاد وهكذا كان يرى في الزوجة الثانية، ولكن القدر لم يجمعه بهذه الزوجة التي تجيد فن التعامل مع فنان قلق ومصاب دائما بالاكتئاب وتعامله كرجل عادي وليس كفنان ولديها توازن نفسي. صور الحياة الشخصية في حياة أحمد زكي لا تختلف كثيرا عن مشاهد الحزن والمعاناة في حياته الفنية التي عاشها على مدى 35 عاما منذ اكتشافه في معهد الفنون المسرحية وحتى رحيله فها هو يذهب للقاهرة بعد حصوله على دبلوم الصناعية ويلتحق بالمعهد السابق متمردا على واقعه لكن القدر كان يخبئ له صدمات وصورا حزينة أيضا وعلى الرغم من أن أساتذته في المعهد اختاروه لبعض الأدوار الصغيرة في أعمالهم مثل ''هاللو شلبي'' مع سعد أردش والتي كانت تعرف في الإسكندرية وكذلك مسرحية ''القاهرة في 1000 عام'' مع سعيد صالح إلا أن فرصة كبيرة في السينما جاءته عبر ممدوح الليثي الذي رشحه لفيلم ''الكرنك'' مع سعاد حسني وقصة نجيب محفوظ وظل يحضر للدور أكثر من ثلاثة أشهر وقبل التصوير محمد حسين الصبح رفضه ورشح بدلا منه الفنان نور الشريف فسمع هذا الكلام في مكتب الليثي وضغط على كوب الماء الذي بين يديه فأنشرخ كفه وسالت دماؤه وعاد بعد ذلك لقريته ''الحسينية'' وغلى دمه ولم يقاوم بعاد القاهرة سوى أسبوع عاد بعده إلى أبيه الروحي صلاح جاهين الذي اقتنع به وبموهبته منذ أن شاهده في أول عمل وشكا له فخفف من غضبه ..
المنتج: "ده أسود ووحش"!
ووجد أحمد زكي أن كل شيء قد ضاع منه لكن بالعزيمة قرر أن يواصل خاصة بعد شائعات انتحاره وقبل أدورا ثانية لكنه غضب جدا عندما علم أن سبب إقصائه من الفيلم هو الموزع الذي قال عنه بالحرف الواحد : أنه أسود ووحش.. وشكله قبيح جدا ولا يصلح للدور مطلقا ولكن لم ينقذ أحمد زكي من الأدوار الثانوية التي قدمها في ''العمر لحظة'' و''وراء الشمس'' سوى عميد الأدب العربي ومسلسله ''الأيام'' تجسيد الشخصية بكل تفاصيلها وساعتها انطلق للنجومية وغير مقاييس النجومية التي كانت سائدة في الوقت الحالي.
إلا أن رحيل الأب الروحي له صلاح جاهين كرر معه اليتم مرة أخرى فكان صديقه وشقيقه الأكبر وكل حياته وتعلم منه معنى الصداقة، وبالعزيمة أيضا تغلب على ذلك ومن بعده تغلب على مصابه في رحيل الرئيس جمال عبد الناصر الذي لم تكف دموعه يوم رحيله ولمدة أيام وهو الرجل الذي كاد يفقد أحمد زكي حياته بسببه مرتين، إحداهما يوم جنازته والأولى عندما زار مدينته الزقازيق وشب أحمد زكي ليلامس يدي الرئيس وكاد القطار الذي يقله يدهسه تحت العجلات في وجود جمهرة غفيرة!
حليم وزكي شريكان
فحليم وزكي شريكان في رحلة الألم والفن وشبيهان متجانسان مع اختلافات بسيطة وكل منهما تربى وعاش يتيما متألما و أصيبا بالبلهارسيا من الترعة نفسها الموجودة في بلديهما الزقازيق والحلوات وكل منهما كان له طموح كبير في الفن وحقق كل منهما ما يصبو إليه في ظل معاناة وصدمات عنيفة، تعرفا على بعض وصارا أصدقاء كل منهما يأخذ من الآخر العبرة في مجاله. والقدر أيضا شابه في رحلة النهاية مع المرض حيث أصيب عبد الحليم بأزمة صحية رحل على أساسها، ومن كأس المرض نفسها شرب من أحمد زكي، إلا أن قدر التشابه لم يتوقف فقط عند حد المرض بل الأكثر من ذلك أن رحيل حليم في آذار (مارس) عام 1977 والثاني في مارس من العام الحالي، ولم يتوقف أيضا القدر عن موعد الموت ولكن الجنازة ستكون أيضا من مفارقات القدر في 29 آذار (مارس) موعد جنازة عبد الحليم. رصيده في السينما بلغ رصيد الفنان أحمد زكي السينمائي نحو 56 فيلما بخلاف فيلمه الأخير الذي صور 85 في المائة من أحداثه ويرصد سيرة الفنان الراحل عبد الحليم حافظ بعنوان ''حليم'' مع المخرج شريف عرفة وباقي الأفلام قدمها منذ عام 1974 بعد تخرجه مباشرة.
|