يتبين أن رؤية فضيلة الدكتور
عبد الصبور شاهين في قصة الخلق( على ضوء كتاب : أبي آدم، قصة الخليقة بين
الأسطورة والحقيقة) مثيرة للجدل تهدم ما تلقيناه من رواسب وأفكار تقليدية تخص خلق البشرية، جعلتني استصعب الأمر واقف حائرا أمام ظاهرة لها وزنها في فهم كنه الرسالة السماوية وتعاليم هذا الدين الحنيف.
فرحت أدقق وأمحص في ما جاءت به من فرضيات بشرية وتأويلات لنصوص القرآن. وأنا هنا سأحاول مناقشة هذه الرؤية على ضوء أسلوب عقلي ونقلي بسيط يقصي جميع المرجعيات الممكنة ويعتمد فقط على القرآن الكريم باعتباره، وكما ذهب إلى ذلك الدكتور
عبد الصبور شاهين ، المرجع الوحيد المقدس والمنزه والذي يضم بين ثناياه الحقيقة والمعرفة المطلقة.
من خلال العرض التالي سأحاول أن أضع اليد على بعض الثغرات ومواطن الضعف في هذه الرؤية التي تتعارض في نظري مع صريح القرآن فأتي بفقرات وأفكار أساسية تناظر صراحة هذه الرؤية الجديدة في قصة الخلق، ولا أفوت الفرصة بأن أقول أن هذا لا يعدوا أن يكون اجتهادا بشريا واستنباطا عقليا للمعاني يمضي عليه ما يمضي على البشر من أحكام السهو والخطأ راجيا من البارئ عز وجل أن يتجاوز عنا ويرزقنا ثواب هذا الاجتهاد.
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ﴿ سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم﴾.
أما بعد،
فضيلة الدكتور
عبد الصبور شاهين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
لن أطيل عليكم بمقدمة في ثناءكم وتمجيد ما قمتم به طوال تاريخ حافل بالدعوة إلى الله وتأصيل للفكر الإسلامي السليم، واسمح لي بأن أرتقي موضعا لست أهلا له، فأنا وإن كنت ذا تكوين علمي أكاديمي صرف لا يمت بأية صلة لعلوم القرآن واللغة فإني سأحاول من خلال هذا المقال أن أراجعكم في رؤيتكم لقصة الخلق وما أثارته من ضجة بين أهل الاختصاص ودعاة الإرهاب الفكري.
فأدعو الله أن يتسع صدركم وحلمكم لمجموعة من الاستفسارات والاعتراضات التي سأحاول أن أعقب بها في إطار حوار سليم ومنهجي، راجيا أن تشفع لي مضامينها فيما يشوبها من ركاكة في الأسلوب وقصور في الخلفيات اللازمة للخوض في مثل هذه القضايا المتعلقة بالمعرفة الإلهية الموصولة بالقرآن.
وأبدأ فأعرض اجتهادكم في قصة الخلق من خلال كتابكم : أبي آدم، قصة الخليقة بين
الأسطورة والحقيقة ، أعرضه من ما تيسر لي من خلال لقاءتكم في بعض البرامج التلفزية والمواقع الإلكترونية ومن خلال دروسكم الحسنية في المغرب ولعل أبرزها درس : رؤية في قصة الخلق (1997م).
◄ مختصر الرؤية في قصة الخلق :
إن الله خلق في مرحلة أولية بشرا من قديم الزمان، وبعد سلسلة من المراحل التحولية التطورية التي امتدت طوال ملايين السنين لهذا الكائن الجديد، اصطفى الله آدم من بين البشر الهمج المتخلفين فزوده بملكات عليا (العقل، اللغة والدين) ارتقت به من صفة البشرية إلى صفة الإنسانية وجعله قائما بمهمة الخلافة في الأرض والتكليف برسالة التوحيد التي سقطت عن أسلافه من البشر :
﴿ ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة﴾.
تعتمد هذه الرؤية على مجموعة من الإشارات القرآنية تؤازرها اكتشافات علمية معاصرة، يقول الحق سبحانه في محكم كتابه :
- ﴿ إن الله اصطفى آدم﴾.
- ﴿ إذ قال ربك الملائكة إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين﴾.
- ﴿ وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون﴾
- ﴿ ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين﴾.
فأصل الخلق بشر لم يرد فيه ذكر آدم إلا بعد الاصطفاء، فأدم عليه السلام أول إنسان تألقت فيه الملكات الإلهية والقدرات الإنسانية فكان أول إنسان (أبو الإنسان) ويعتبر طليعة للجيل التكليف.
ومما يستشهد به على وجود "طور البشرية" قبل التطور والوصول إلى طور الإنسانية واصطفاء آدم عليه السلام ما تتعاون عليه الآيات القرآنية والبراهين التالية :
1- ما ورد في الحوار بين الله سبحانه والملائكة من استفسار واستعلام لسبب تكريم هذا البشر (آدم) لجعله خليفة خصوصا و ما سبقه من مرحلة دموية همجية بين البشر وهذا ما يستشف من جملة "ويسفك الدماء".
يقول الله تعالى : ﴿ وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لاتعلمون، وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم أني أعلم غيب السموات والارض واعلم ما تبدون وماكنتم تكتمون﴾
فكان جوابه عز وجل بأن هذا المخلوق بتميز بملكات عليا من بينها "معرفة الأسماء" وهبه الله إياها في آخر مراحل التسوية للبشر : ﴿وعلم آدم الأسماء كلها﴾.
﴿ فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين﴾ هذه الروح ليست روح الحركة لكونها أداة تتقاسمها جميع الكائنات، بل هي روح العلم والتمييز والاصطفاء.
2- ما ورد في الحوار بين أدم عليه السلام وابليس : ﴿ ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين﴾، هذا الحوار يثير قضية الخلود والفناء، هذا المعنى الذي لا نراه جديدا على المخاطب بحكم ما شهده من قتل وسفك دماء.
3- عدم مخاطبة البشر بالتكليف "يا أيها البشر" إنما التكليف مقرون بالإنسان في جميع الخطابات القرآنية.
4- ما ورد من حوار بين قابيل وهابيل : ﴿ واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، قال لأقتلنك، قال إنما يتقبل الله من المتقين لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين، إني أريد أن أتبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين، فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين، فبعث الله غرابا يبحث في الارض ليريه كيف يواري سوءة أخيه، قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأوري سوءة أخي فأصبح من النادمين﴾.
القصة هنا تتضمن كل المعاني الأخلاقية الحضارية وطبقا للدين الحق : معنى التوحيد، معنى العدالة، معنى الظلم، الجنة والنار، الندم والتوبة، الاعتداء والكف عن الاعتداء، كل هذه المعان مجردة وعميقة قد نضجت في اللغة آنذاك نتيجة ملايين السنين من طور البشرية.
5- ما ورد في الآيات البينات من تركمات زمنية طويلة متراحبة تتوافق والنظرة العلمية الحديثة وتتعارض مع الأساطير والإسرائيليات.
﴿ فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين﴾.
﴿ ولقد خلقناكم ثم صورناكم﴾
﴿ الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه﴾.
ومعلوم ما توصل إليه العلم الحديث من كون وجود الكائن البشري على ظهر الأرض يرجع إلى ملايين السنين في حين أن تاريخ أدم وجيله (الإنسان العاقل) لا يؤرخ إلا بسبعة آلاف سنة أو ما يزيد قليلا (أرقام أوردها بتحفظ).
وبهذا يكون آدم كفرد لا كنوع كآخر حلقات مشروع هذا الخلق ﴿ إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين﴾ ويكون أبو الإنسان لا أبا البشر.
وتطرقت هذه الرؤية فيما تطرقت إليه إلى إشكالية الجنة التي سكنها أدم وزوجه قبل غواية الشيطان ومكانها في هذا الملك الفسيح لله تعالى، فدلت الآيات التالية على كونها مجرد بستان أرضي كان يوفر مجموعة من النعم الأساسية (نعمة المأكل والمشرب والملبس والمسكن) التي لا ترقى إلى أوصاف جنة الخلد التي أوعد المؤمنون.
﴿ إن لك ألا تجوع فيها و لا تعرى وأنك لا تضمأ فيها ولا تضحى﴾.
﴿ وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين، فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كان فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الارض مستقر إلى حين﴾.
فجنة الخلد لا تكليف فيها ولا غواية، أما الهبوط فهو هبوط رمزي من منزلة إلى منزلة وليس بالضرورة من السماء إلى الارض، كقوله عز وجل ﴿اهبطوا مصرا فان لکم ما سالتم ﴾.
I- تاملات في رؤيتكم لقصة الخلق :
يتبين مما قد سبق أن هذه الرؤية مثيرة للجدل تهدم ما تلقيناه من رواسب وأفكار تقليدية تخص خلق البشرية، جعلتني استصعب الأمر واقف حائرا أمام ظاهرة لها وزنها في فهم كنه الرسالة السماوية وتعاليم هذا الدين الحنيف.
فرحت أدقق وأمحص في ما جاءت به من فرضيات بشرية وتأويلات لنصوص القرآن. وأنا هنا سأحاول مناقشة هذه الرؤية على ضوء أسلوب عقلي ونقلي بسيط يقصي جميع المرجعيات الممكنة ويعتمد فقط على القرآن الكريم باعتباره، وكما ذهبتم إلى ذلك، المرجع الوحيد المقدس والمنزه والذي يضم بين ثناياه الحقيقة والمعرفة المطلقة.
من خلال العرض التالي سأحاول أن أضع اليد على بعض الثغرات ومواطن الضعف في هذه الرؤية التي تتعارض في نظري مع صريح القرآن، ولا أفوت الفرصة بأن أقول أن هذا لا يعدوا أن يكون اجتهادا بشريا واستنباطا عقليا للمعاني يمضي عليه ما يمضي على البشر من أحكام السهو والخطأ راجيا من البارئ عز وجل أن يتجاوز عنا ويرزقنا ثواب هذا الاجتهاد.
سأبدأ فأتي بفقرات وأفكار أساسية تناظر صراحة هذه الرؤية الجديدة في قصة الخلق :
II- هل جاء آدم من أب وأم بشريين؟
دعني، لكي أجيب على هذا السؤال، استحضر أحد أدوات البلاغة والإقناع في القرآن ألا وهو القياس. يقول الحق سبحانه في محكم كتابه :
﴿ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون﴾
آية أريد بها الرد على النصارى فيما يذهبون إليه من تأليه المسيح عليه السلام لكونه جاء نتاجا لخلق وولادة فريدة، لم يولد بها أحد من قبله فكان ابنا من أم وبلا أب. فكانت هذه المقارنة وهذا القياس لهذه الحالة الغريبة في الخلق بحالة أغرب منها لدلالة على كون خلق عيسى عليه السلام أهون وأيسر من خلق آدم عليه السلام لأن آدم جاء من دون أب و لا أم.
وقد استعمل القرآن هذا القياس المنطقي في مواضع عدة لدحض المجادلين من الكفار وأهل الكتاب ومثال ذلك :
﴿ وضرب لنا مثلا ونسي خلقه، قال من يحي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم﴾.
فبعث الناس من خلال رفاث وبقايا عظام أيسر، عقليا، من البعث من العدم. ونعود فنبحر في مقارنة منهجية بين خلق أدم وعيسى عليهما السلام على ضوء تلك الآية، مقارنة لم يكن ليكون لها معنى إقناعي في القرآن لو كان آدم عليه السلام جاء من سلالة بشرية سابقة.
ولنستحضر في هذا الموقف الآيات التي تصف اصطفاء وولادة المسيح عليه السلام :
﴿ إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة من اسمه المسيح﴾ وهي آية تقابل إخبار الله تعالى الملائكة بخلق آدم وجعله خليفة في الارض.
﴿ قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقوله كن فيكون﴾.
استفسار مريم العذراء عليها السلام يقابله استفسار الملائكة : ﴿ أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء﴾
اصطفاء النبيين : ﴿ إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين﴾.
﴿ والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين﴾. ومرة أخرى نرى تشابها وطبقا لجملة ﴿ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم﴾ في كيفية الخلق ويتجلى ذلك في عدة مواضع من بينها:
- اقدمية الخلق : "إني خالق" صيغت في الماضي للدلالة على القدم وإخبار لأمر قبل كونه (بالنسبة لأدم) وكذلك "بكلمة منه" كلمة الله قديمة بقدمه (بالنسبة لعيسى عليه السلام) ﴿ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا﴾.
- التراخي في زمن التكوين بمشيئته سبحانه وتعالى "كن فيكون" فلو كان أمر الخلق واقعا مكتملا في حينه لكانت الصياغة "كن فكان" .
فالأمر موقوت بوقت معين وحتمية زمنية مقرونة به لابد من وقوعها فإذا كانت خليقة المسيح عليه السلام استغرقت على الأكثر ما تستغرقه مدة حمل طبيعية ﴿ فحملته فانتدبت به مكان قصيا فأجأها المخاض﴾، آخدين بعين الاعتبار التغيرات الطارئة على مقاييس الزمن الإلهي/ البشري فإني استغرب في ظل هذا القياس أن تطول خليقة آدم عليه السلام وأمر تسويته طوال ملايين السنين.
ونلاحظ أن ادوات بعث الحياة واحدة في كلا الموقفين :
- ﴿ فإذا سويته ونفخت فيه من روحي﴾
- ﴿ فنفخنا فيها من روحنا﴾.
فالثابت لدي، والروح من علم ربي، أن هذه الروح هي تلك الروح التي تبعث الحياة في المخلوق خصوصا من غير نسل أو توالد طبيعي قد تطولها قدرته عز وجل فتمنحها ما شاءت من الملكات يكسر بها الله تعالى حاجز السببية ويعجز بها عباده.
ولنتأمل جليا في الآية التالية :
﴿ إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله﴾
أو ﴿وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بأذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني﴾.
ونقارنها بالآية :
﴿ إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين﴾.
إني أخلق
من الطين
كهيئة
كناية التسوية
فأنفخ فيه فيها
فيكون طيرا بإذني
إني خالق
من الطين
سويته
ونفخت فيه
فقعوا له ساجدين
بداية الخلق
اكتمال الخلق
وكأني بالله تعالى يريد أن يستحضر لنا مشهد الخلق من جديد على يد عبد من عباده كلمته وروح منه نسب له صفة الخلق بنسبية تمنعها مشيئته وإذنه. هذا المشهد (خلق الطير) يمر من نفس مراحل التكوين وباستعمال نفس الأدوات ولله المثل الأعلى :
فلا أظن أن بني اسرائيل انتظروا ملايين السنين، ليروا اكتمال خلق الطير من غير نسل فيصدقوا معجزات المسيح عليه السلام ﴿ فتبارك الله احسن الخالقين﴾.
ونعرج مرة أخرى إلى الملكات التي زودها الله لعيسى عليه السلام :
﴿ فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال إني عبد الله أتاني الكتاب وجعلني نبيا﴾. فعيسى عليه السلام قد حرق المراحل وبمشيئته عز وجل، فأكتسب صفة ونضج اللغة منذ اكتمال ولادته فكان من باب أولى أن يكون أدم عليه السلام كذلك لا أن ينتظر طورا من البشرية ليكتسب أبجديات اللغة والكلام.
وإن لمن المقارنات العجيبة ما يزكي هذا القياس :
﴿ قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم﴾، ويقول الله تعالى على لسان عيسى عليه السلام ﴿ وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون﴾.
وإني لا أريد أن أتمادى فأقارن بين ما أوتي عيسى عليه السلام وأمه من الطيبات والنعم وبين ما أوتي أدم وزوجه أو أركن إلى لغة الأرقام في القرآن فأشير إلى أن ذكر النبيين (أدم وعيسى) ورد متساويا وهو 25 مرة.
وهكذا تنسجم كل القرائن القرآنية في فلك هذا القياس :
﴿ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون﴾.
مما جعل خلق آدم من أب وأم لا معنى له ويتعارض مع معنى هذا القياس ومغزى هذه المحاجاة.
II- التمييز ما بين طور البشرية وطور الإنسانية :
1- التمييز بين الإنسان والبشر :
وكما تعرفون " الإنسان" ,في رؤيتكم لقصة الخلق , فهو البشر الذي يمتاز بملكات العقل واللغة والدين أما " البشر" فيطلق على مخلوق الطور الذي سبق الإنسان المكلف (ذو رجلين، منتصب القامة...).
لكن هذا التعريف لا يثبت في كثير من المواضع في القرآن وأمام كثير من الآيات :
﴿ ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين﴾.
وهذه الآية تنسب لبشر صفة العقل والعلم "يعلمه بشر"، صفة اللغة "لسان" وصفة الدين بالنظر لسبب نزول الآية.
﴿ فكلي واشربي وقري عينا، فإما ترين من البشر أحد فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا﴾.
هنا يظهر ترادف مصطلح "بشر" و"إنسان (إنسيا)" بشكل لا غبار فيه.
- ﴿ إن هذا إلا قول البشر﴾، ﴿ نذيرا للبشر﴾المدثر 25-36.
آياتان توردان لفظ بشر بالتعريف (البشر/للبشر)، فتلزمان جنس البشر بأكمله أوله وآخره باللغة والتكليف وبالتالي فالفرضية التي تورد البشر كقوم همج رفع عنهم التكليف وغابت عنهم ملكات العقل والدين واللغة فرضية مهزوزة بحكم ما ورد في الآيات السابقة من علل.
2- التراخي في مراحل تكوين الإنسان (أدم) :
تنبني فرضية التراخي في مراحل التكوين عند الإنسان فيما تنبني عليه في :
1- استعمال أدوات العطف التي قد تدل على ذلك.
2- استعمال كلمة "سلالة" في القرآن للدلالة على الأطوار المتلاحقة لتكوين.
1- استعمال أدوات العطف :
أدوات العطف التي وردت في قصة الخلق لا تنم بالضرورة على التراخي في الزمن. ويكفي استحضار آيات الخلق والإحياء والولادة لملاحظة ذلك :
- ﴿ وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير﴾.
- ﴿ ألم يكن نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى﴾.
- ﴿ قال لصاحبه وهو يحاوره، أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا﴾.
- ﴿ إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله﴾.
2- استعمال كلمة "سلالة"
يقول الله عز وجل :
﴿ ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين﴾.
﴿ الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه﴾.
إن مجموع آيات القرآن تتناغم فيما بينها يكمل بعضها بعضا لتعطينا وصفا دقيقا لأطوار الخلق وما مر به الإنسان من مراحل تكوينية، فلندقق في مراحل تسلسل الخلق انطلاقا من القرآن لنستوعب مدلول كلمة سلالة :
- سلالة من طين : ﴿ خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون﴾
تراب
طين
طين لازب
صلصال
حمأ مسنون
نفخ الروح
أدم
سلالة من طين
نطفة
علقة
مضغة
طفل
الزوجين ذكر وأنثى
ذكر وأنثى
نسل
سلالة من ماء مهين
- سلالة من ماء مهين : ﴿ ألم يك نطفة من مني يمنى (ماء مهين) ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى﴾.
سلالة من طين
إنسان/بشر بعد أدم
سلالة من ماء مهين
أدم
ثم حواء
تراب
البعث
فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون } { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا
تزاوج عناص حية مورثة
إذن لا تناقض في الآيات بل لدينا نظرة شمولية :
فإنسان اليوم أو أي عصر (ما عدا آدم عليه السلام وزوجه) هو نتيجة تلاقح عناصر حية تورث من الأجداد إلى الآباء إلى الأحفاد إلى يوم الدين.
هذه السلالة تجد أصلها عند أبونا آدم عليه السلام الذي لم يورث أي شيء "حي" من قبل بل جاء من أصل جامد ميت لا حياة فيه (التراب). لدى وجب التفريق والتمييز بين "سلالة من طين" لا حياة فيها إلى حين اكتمال الخلق و"سلالة من ماء مهين" فيها نسل وتلاقح لعناصر حية مورثة.
فأسلوب القرآن يختصر فتدوب فيه الأزمنة والأمكنة فتجده تارة يركز على المرحلة الترابية والسلالة الطينية خصوصا عند ذكر أدم وأصل الخلق في غياهب الزمن وتارة يشير بعجالة لهذا الأصل الترابي ويفصل المرحلة التناسلية (سلالة من ماء مهين) لأنها مجردة وملموسة للعيان :
- ﴿ هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا﴾.
- ( اللّه الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا و شيبة يخلق مـا يشـاء وهو العليم القدير )
- ﴿ ألم نخلقكم من ماء مهين فجعلناه في قرار مكين إلى قدر معلوم﴾.
- ﴿ يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث﴾.
وإذا كان الحق سبحانه تحدث عن السلالة الطينية وإعجازها بغيبية فإنه عز وجل عاد فاستحضرها بحالة هجينة بين السلالتين وهي معجزة ولادة عيسى عليه السلام فكانت هذه الحالة طفرة في سلالة التناسل بأن خلق المسيح عليه السلام مولودا من كائن "حي" وحيد.
لطالما كانت مسألة الخلق تثير حفيظة المشركين لأنها مفتاح لمسألتي البعث والحساب في اليوم الآخر فالذي يؤمن بها ويؤمن بإعجاز مراحلها ابتداء من المرحلة الترابية يمكن أن يؤمن بالبعث من أصل ترابي كذلك :
- (قالوا ائذا متنا وكنا ترابا وعظاما ا انا لمبعوثون اوآباونا الاولون )
- (ایعدکم انکم اذا متم وکنتم ترابا وعظاما انکم مخرجون هیهات هیهات لما توعدون ان هی الا حیاتنا الدنیا نموت ونحیا ( سلالة من ماء مهين) وما نحن بمبعوثین)
- ( بل قالوا مثل ما قال الاولون قالوا ائذا متنا وکنا ترابا وعظاما ائنا لمبعوثون لقد وعدنا نحن وآباونا هذا من قبل ان هذا الا اساطیر الاولین).
لهذا نرى النص القرآني يطوف بنا في رحلة طويلة للخلق (سلالة من طين + سلالة من ماء مهين) ليسهل علينا هذا الاستنتاج بإ مكانية البعث والإيمان به :
- ﴿ يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم من بعد علم شيئا﴾.
- ﴿ أيحسب الإنسان أن يترك سدى ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى﴾.
- (وکانوا یقولون ائذا متنا وکنا ترابا وعظاما ائنا لمبعوثون او آباونا الاولون قل ان الاولین والآخرین لمجموعون (سلالة من طين + سلالة من ماء مهين) الی میقات یوم معلوم)
- (ائذا متنا وکنا ترابا وعظاما ائنا لمبعوثون اوآباونا الاولون قل نعم وانتم داخرون فانما هی زجرة واحدة فاذا هم ینظرون وقالوا یا ویلنا هذا یوم الدین هذا یوم الفصل الذی کنتم به تکذبون)
- ﴿وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا ًبإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني﴾
- ﴿إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن الله ﴾
وفي نظري فهذا هو سبب عدم الالحاح على ذكر آدم في قصة الخلق (سلالة من طين) لأنه خلق تقاسمناه جميعا في الأزل وسنتقاسمه في البعث ﴿ ولقد حلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ﴾.
أعود فأستحضر قول الحق سبحانه :
﴿ الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه﴾.
وأنا هنا لا أريد الخوض من جديد في المعاني التي يمكن أن تتحملها كلمة سلالة، بل نفرض كما افترضتم أنها تطلق على بشر الأطوار القديمة الذی ولد و تفانى قبل آدم ولكن هذا الافتراض ما يلبث أن يصطدم بصدر نفس الآية التي تنفي النقوص وعدم الإتقان عن كل خلق الله تعالى ﴿ الذي أحسن كل شيء خلقه﴾.
إذن ليس هناك مخلوق بشري ناقص التسوية مستقل بذاته قبل آدم بل هو مشروع واحد للخلق.
III- إشارات قرآنية في مشهد الخلق :
1- ﴿ إن الله اصطفى آدم﴾:
إن ظاهرة الاصطفاء لا توحي بالضرورة إلى اصطفاء آدم من بين بني جنسه أو اصطفائه من بين حيوانات ودواب بل هو اصطفاء من بين كائنات ومخلوقات قد تعادله أو تفوقه في الملكات وفي درجات الطاعة والعبودية.
ومن ذلك :
تساؤل الملائكة استنكارا : ﴿ ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك﴾.
تفاخر ابليس : ﴿ قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين﴾.
قوله عز وجل : ﴿ ولقد كرمنا بني أدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا﴾.
فأفضلية أدم وذريته ليست مطلقة على كل الخلق بل "على كثير" وهي أفضلية على خلق لديه ﺻفة العقل "ممن خلقنا" وليست أفضلية فقط على الجماد (الجبال والارض...) وعلى الحيوانات ذوات الحركة.
﴿ فاستفتهم اهم اشد خلقا ام من خلقنا انا خلقناهم من طین لازب﴾.
إذن فاستعمال كلمة الاصطفاء (أو التكريم) له ما يبرره بوجود مخلوقات أكثر ترشحا لينلها. غير أني أميل إلى كون الاصطفاء الوارد في الآية اصطفاء للنبوة وليس اصطفاء للخلافة بدليل الآيتان التاليتان :
﴿ وعصى آدم ربه فغوى، ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى﴾.
﴿ إن الله اصطفى أدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين﴾.
فالاصطفاء والاجتباء كان للنبوة واقتصر على خلق قليل من ذريته من المرسلين والنبيئيين.
2- ﴿ من يفسد فيها ويسفك الدماء﴾ :
أولا يجب أن نتذكر أننا نخوض في أمور غيبية لا نملك لملامستها إلا ما يسيره الله لنا من علم، فالمشهد غير واضح والصورة غير مكتملة وسيناريو الحوار مقتضب لحكمة يعلمها الله ولو بالنظر لكافة الآيات التي تصف بأسلوب ظني قصة خلق آدم عليه السلام﴿ ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء﴾.
فالملائكة يمكن أن تخبر بهذا القول "من يفسد فيها ويسفك الدماء" من خلال :
معرفتها بفساد الجن في الارض : ﴿ والجان خلقناه من قبل﴾، ﴿ إلا إبليس كان من الجن﴾ وسفك الدم ليست بالضرورة دلالة على وجود بشري بل هي مجردة كناية عن القتل والفناء.
معرفتها بالكائنات التي سكنت الارض قبل أدم.
علم سبق أن علمه الحق سبحانه لها بهذا الخصوص : ﴿ سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم﴾.
وهنا يجب أن نثير مسألة مهمة تخص مدى تفصيلية الحوار في الخطاب القرآني وخصوصا في هذا المشهد وما زج فيه من مصطلحات مستترة "أسماء هؤلاء" "إن كنتم صادقين "ما كنتم تكتمون" "يسفك الدماء"، فإذا تساءلنا عن معرفة الملائكة ربما للماضي الدموي أو المستقبل الدموي لأحد المخلوقات حق لنا التساؤل بنفس الكيفية عن ما أخبر به إبليس في حواره مع الله عن وجل في نفس المشهد :
﴿ قال فأخرج منها فإنك رجيم، وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين، قال ربي فأنظرني إلى يوم يبعثون، قال فإنك من المنظرين إلى يوم وقت المعلوم﴾. ولنتوقف عند كلمة "يبعثون" التي توحي بمعنيان مهمان :
معنى البعث الذي يمكن أن يستنبط مما سبق من حوار "إلى يوم الدين".
ومعنى تكاثر الخلق من ذرية أدم لأن إبليس صاغ الفعل بصيغة الجمع مما يستوجب وجود بشري آخر مكلف من غير آدم (عليه السلام) على الأقل، وربما كانت حواء لتحقيق إمكانية التكاثر أو الاصطفاء وفي آية أخرى ﴿ قال أرءيتك هذا الذي كرمت لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا﴾.
إذن كيف أخبر ابليس بتكاثر الخلق من ذرية أدم إذ كان لا يرى أمامه إلا مخلوقا واحدا يستكبر وستعلي أن يسجد له؟
وخلاصة القول أن القرآن يخاطب فينا العقول ويدعوها لأن تتقد لكن يحتفظ بغموض وغيبية تتعلق بسر الخلق وسر التكليف
- ﴿ ما أشهدتهم خلق السماوات والارض ولا خلق أنفسهم﴾.
- ﴿ وما أتيتم من العلم إلا قليلا﴾.
3- ﴿ قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى﴾ :
هذه الآية الكريمة توحي بأن معان الخلد والملك معروفتان لدى المخاطب (أدم) الذي قد يكون قد تعلمها فيما علمه الله سبحانه ﴿ وعلم أدم الأسماء كلها﴾. وهو تعليم رباني مباشر يتعدى تلقين الدال والمدلول ليصل لكل العلم اللازم للخلافة والتكليف والاستعمار في الارض.
ثقافة الفناء مثلا كانت سائدة ومعروفة لدى بعض المخلوقات (الملائكة) التي كانت تحتك بهذا المخلوق الجديد ﴿ ويسفك الدماء﴾.
أما القول بأن أدم إنما اكتسب هذا النضج اللغوي والمعرفي من خلال تراكمية في الزمن ونضج في اللغة جاءا نتاجا لسلالة بشرية وطور بشري من الارتقاء إنما يتعارض مع فرضية الاصطفاء التي جئتم بها. ونأخذ كمثل لهذا قصة ابني أدم قابيل وهابيل اللذان كان لديهما مستوى راقي وناضج في اللغة و التفكير وقضايا التكليف من خلال المعان التي أسلفت في مختصر رؤيتكم لقصة الخلق والحقيقة فإني أستغرب ولا أستصيغ معرفتهما لكل تلك المعاني وجهلهم لكيفية الدفن. ألم يلحظا بشرا، بكل معنى الكلمة وبكل ما تحمل الكلمة من معنى لديكم من همجية وتناحر، يقتل أو يموت فيدفن طوال ملايين السنين من طور البشرية؟
خاتمة :
أستاذي الفاضل :
دأب بعض الباحثين على استنطاق الآيات لتفسير ما جاءت به من سوابق وإعجازات علمية قرآنية سبقت ظهور الاكتشافات العلمية الموازية لها. وإني كرهت، وإن كان في ذلك بعض الفائدة، أن يعرض القرآن بقدسيته و قدسية حقائقه لنسبية الأبحاث العلمية التي تتسم بالتغيير.
وإن كنا نتفق على كون نظرية داروين لا تستحق حتى هذا القليل من المداد لتكتب به فإن ما جئتم به يوافق على الأقل مفهومين من مفاهيمها الأساسية : تطور الكائنات عبر تراكمات زمنية رحبة وصراع مخلوقات الجنس الواحد ليتبقى منها الجنس الأصلح والموهوب وينقرض الباقي، تقول النظرية :
"في فترة ما في المستقبل ليست بعيدة بمقياس القرون يكاد يكون مؤكدا أن الأجناس المتحضرة من البشر ستتمكن من استئصال الأجناس الهمجية والحلول محلها في كل أنحاء العالم".
فلهذه النظرية حالات تطبيقية مثل ما حدث في أمريكا بين الأوربيين البيض والهنود الحمر لكن من الخطأ اعتبارها سنة الله في الخلق، فالأصل أن سنة الله التدافع وليس النزاع.
وما حدث من انقراض و استئصال ا ومسخ لبعض الخلق إنما هو تجسيد للإرادة و العقوبة الإلهية, كما قال تعالى :
- ﴿ولقد نادينا نوح فلنعم المجيبون ونجيناه وأهله من الكرب العظيم وجعلنا ذريته هم الباقين وتركنا عليه في الاخرين وسلام على نوح في العالمين، انا كذلك نجزي المحسنين، إنه من عبادنا المؤمنين ثم أغرقنا الأخرين﴾.