هذا الفصل كتبته العزيزه (( noisy cat ))
الفصل الثاني
في سرعه مدهشه , كانا قد اجتازا الجمارك الايطاليه و أصبحا في الساحة الخارجية للمطار , حيث تجاهل نيكولو العبارة التي تمخر فارغة في مياه القناة الهادئة حيث قصدها الركاب الآخرون .منتديات ليلاس
قاد نيكولو كاتيا إلى حيث كان مركب خاص يرسوفي انتظارهما.
(( أخيرا أقبل السنيور )) و تتقدم منهما رجل أسمر اللون أخذ بيد نيكولو مصافحا و هو يقول بحراره : (( تهاني لك و للسنيوره )).
ناوله نيكولو الحقائب ثم أخذ يساعد كاتيا في النزول إلى المركب , وهو يقول مخاطبا إياه: ((هل أبقيتك في الإنتظار طويلا يا جوفاني ؟))
قال الرجل: (( راجعت المطار قبل أن اترك القصر , و لكنني ظننت أنك لن تصل في الوقت المناسب لتحية ضيوفك. ))
((القصر؟ ضيوف؟ )) و أضيف الفزع إلى مشاعرها المضطربه. كيف بإمكانها أن تتعامل مع الضيوف مع كل ما يتفاعل في نفسها من مشكلات ؟ و غاصت بين الوسائد الناعمه في قمرة المركب الذي كان ينساب مبتعدا عن المرسى. و نفضت بعيدا شيئا علق على بزتها الحريرية المختلطة الألوان التي اختارتها للذهاب بها إلى مكتب تسجيل الزواج.
جاء نيكولو ليجلس إلى جانبها متكئا و هو يقول :
((سيكون لنا شقتنا الخاصه الفاخرة في أحد قصور القرن الثاني عشر التي تتصدر القناة الكبيرة ))
قالت مبتدئة بأولى كلمات الدور الذي فرضته على نفسها , و قد تجلى الإزدراء في صوتها :
((ألم يكن في أستطاعتك اختيار فندق مناسب ؟ ))
و احتد صوتها و هي تضيف :
(( لم أكن أتوقع أن اقضي شهر العسل أخدم في شقه ))
قال نيكولو يطمئنها :
(( ليس عليك أن تقومي بذلك . الشقه مزوده بطاقم كامل من الخدم الذين يقومون بالعمل لمدة اربع و عشرين ساعة. ))
قالت: (( شكرا . لقد ظننت للحظة أنني وقعت في غلطة شنيعة إذا ارتبطت برجل شحيح . هل الشقه غالية ؟))
قطب حاجبيه و هو يرى النظرة الشرهة التي تجلت في عينيها و قال:
((كـــــلا.. في الحقيقة , ان هذا القصر هو ملكي , أو ملك شركتي على الأقل , لقد أنقذناه من التداعي و الأنهيارمنذ عشر سنوات تقريبا بمساعدة المصرف, و أعدناه إلى بعض سالف مجده و تألقه من الداخل و الخارج, حسنـــا مازال علينا أن ندخل إليه بعض التجديدات, و لكن الطابق الأرضي قد حول إلى صالة رقص مما اعطى صورة كبيرة عن ثراء القصرالقديم و مجده. وهو يستعمل الآن كمكاتبللشركة باستثناء الطابق الأول الذي قسم شققا للزائرين و الوكلاء و الزبائن ))
قالت كاتيا بضعف :
(( فهمت ))
دون أن تتأكد من أنها فهمت شيئا. لقد كان نيكولو مملوءا بالمفاجآت, ذلك أنه لم يقنع جدها فقط لكي يضحي بها , و لكنه يبدو الآن أكثر غنى و ثاء مما كانت تظن , على الرغم من تظاهرها بعدم ملاحظتها ذلك و لا شك في أن الشيء التالي الذي سيخبرها به هو أنه من امراء البندقية, كذلك كان قد أخبرها بأن جذور أسرته تعود إلى أقصى الجنوب .
سمعته يتمتم:
(( هذا حسن إنني مسرور اذا لم أخيب توقعاتك و ما زلنا في بداية حياتنا . و لكنني متأكد من أنك قريبا ستدركين أن الأشياء التي تأتي بدون ثمن هي قليلة جدا , و هناك ثمن يدفع للرفاهية التي تنتظرها ))
قال ذلك وهو يشملها بنظراته المعبرة.
تساءلت هي عما اذا كان على وشك ان يضيف بأنه إنما تزوج منها تبعا لاتفاق ما . و أنه سيخبرها السبب! و لكنها أبعدت الفكرة من رأسها حالا اذ تذكرت انها سمعته يقول لجدها إنه لن يهتم بذكر هذا؟
قالت و هي تهز كتفيها :
(( يبدو لي أن هذا شيء ممل و أرجو أن لا يشملني أنا أيضا ))
أجاب :
(( إنه لكذلك لسوء الحظ , و لكنني مــتأكد من أنه لن يكلفك فوق طاقتك ))
كان في لهجته شيء من الغلظه, كما خيل إليها أنها لمحت شيئا من الإنفعال في نظرته إليها .
فكــــرت , و قد قوي عزمها في أن نيكولو يعرف أنها لم تكن بالجاهلة و لا بالغبيه .
قـــــال:
(( إنني سأعقد مؤتمرا صحفيا هذه الليلة للإعلام و لكثيرين من وكلائنا في اوروبا و مناطق اخرى ))
و هذا ما كان يعنيه جوفاني حين تكلم عن الضيوف. كنت أرجو أن أعرفك على القصر في وقت الفراغ فأمضي بذلك بعد الظهر معك ))
لم يوضح معنى قوله هذا و لكن كاتيا لم تكن بحاجه لذلك . فقد كان غرضه واضحا في الرغبة التي بدت في نظراته التي كانت تحوم على وجهها و هي حافلة بالشوق.
هــز كتفيه وهو يقول :
(( لسوء الحظ , ان تأخر الطائرة لم يكن ليبقى لنا الوقت الكافي لاستقبال ضيوفنا. و عليننا الآن ان ننتهي من آخر ضيف لكي نستطيع أن ننفرد بنفسينا. هل تمانعين بذلك ؟ ))
تساءلت كاتيا ما إذا كان انعدام الحب من ناحية لا يعني ان الزواج سيبقى عذريا..و أذهلتها الفكرة كما أفزعتها في الوقت نفسه, كانت كل خلية في جسمها تشعر بقربه و كان قلبها يخفق كجناحي طائر كما كان فمها ظامئا إلى قبلاته, و لكن كان عليها أن تذكر نفسها بأنه لم يكن يحبها,و أنه إنما كان يضع قناعا زائفا لتمثيل دور العريس العاشق. أو على الاقل كان مجرد رجل بالغ العافية قوي الرغبة في الحب وواثقا من نفسه و من قدراته. وشعرت بالراحة لهذا التأخر , إذ أن كل دقيقة تبعدها عنه, تعطيها الفرصة لتسلح نفسها عقليا و شعوريا ضده.
تنفيذا للخطة التي وضعها عقلها المعذب تصنعت الإبتهاج و هي تقول:
(( طبعا لا أمانع , فانا شديدة الولع بالإجتماعات. ))
كانت تقصد أن يعتقد انها تزوجت منه طمعا في ثروته و أنها لا تكن له أية عواطف صادقة, وبذلك , و هي تطعن كبرياء الرجولة فيه, تستطيع إبقاءه بعيدا عن مخدعها, و تحتفظ بذلك البقية الباقية من كرامتها إلى حين تكتشف السبب في خداعه لها, عند ذلك فقط, يكون بإمكانها ان تنقذ نفسها من هذا الوضع الصعب.
قال بخشونة ينبهها إلى هدوئها الظاهر:
(( أهذا نموذج للبرودة الإنجليزية التي تجري في دمك ؟ كان الأفضل من هذا الإذعان لو كنت أبديت شيئا من التمرد أو الإحتجاج على الأقل. ))
عندما أخذها بين ذراعيه, لم تكن قد هيات نفسها لمقاومة ارادته المتسلطة وهو يعتبرها ملكا له, و سرى في جسدها تيار كهربائي بعث فيه رعشة شاملة.
أدركها الفزع و هي تدرك انه إذا كان عقلها قد رفضه فإن كل جزء من جسدها عليه ان يتعلم نفس الدرس. لقد طعنت في الحقيقة رجولته في الصميم, ولكن بدلا من أن تدفعه هذه الطعنة إلى الإنسحاب أصر على ان يأخذ بثأره لهذه الإهانة و ذلك بمهاجمتها تلك حين لم تكن على استعداد لمثل هذا العقاب, مما لم يترك لها ما تفعله سوى التألم بصمت.
تركها فجأة من بين ذراعيه مشيحا بوجهه عنها و هو يتأوه .
على الرغم من مشاعرها المعذبة بعثت تعابير وجهه الجامعة بين الياس و الحزن ابتسامة باهته إلى شفتيها كما بعثت شعورا بالفوز إلى قلبها, لقد عاملها هو وجدها معاملة مرعبة , و إن التسبب في إصابته بالخيبة و الإحباط هو اقل ما يمكن من الانتقام لما فعله بها .
و لكنها كانت تعرف أن هذا الانتقام هو مؤقت, اذ ان رجلا يمتلك كثل جاذبية نيكولو الحميمة لا يمكن أن يقع طويلا فريسة الاحباط و الخيبة . و لكنه, على كل حال سيدرك انه ليس ذلك الشخص الذي لا يمكن لامرأة أن تقاوم تأثيره.
نظر إليها نظره لم تعرف هي ما اذا كانت تحوي ضيقا أم ياسا مبطنا بالسخرية وهو يتخلل شعره بأصابعه قائلا:
(( تـــــــعالي ))
قال ذلك بلهجته المرتفعة التي كانت دوما موجودة تحت قشرة من سحره التي يطبع شخصيته كما عرفتها .
استطرد قائلا:
(( ها قد دخلنا القناة الكبيرة و حالا سنجتاز سان ماركو . إنه مشهد لا ينسى, وخاصة عند مغيب الشمس ))
و بعد ذلك بثلاث ساعات قال نيكولو لهاو هو ينظر إلى وجهها:
((إنك ستكونين مداراهتمام الجميع و سيجعل هذها عينيك الجميلتين تتألقان بالسحر))
قالت و هي تنظر في مرآة بقربها:
(( طبـــــعا ))
و هنأت نفسها لقدرتها على إخفاء مشاعرها المضطربه, عن نظرات نيكولو المتفحصة , كانت تسعى الى رسم صورة للسلوك الذي ستتخذه دون أن تثير شكوكه . و بين الآلآم التي تملأ قلبها كان ثمة توقع لتصرفه عندما يرى كاترينا لورنس الجديدة تبرز بكل شراستها و حدة طباعها. و بقليل من الحظ سيعترف هو بالغلطة الكبيرة التي وقع فيها و من ثم يحاول فك رباطهما المقدس. ذاك, و لكن لا , بل بكثير من الحظ, اذ أنها مالم تكتشف الاسباب الحقيقية التي دفعته الى هذا الارتباط فأنها لن تستطيع الحكم على أهمية الدور الذي عليها أن تقوم به.
قالت كاذبة و هي تنظر لى صورتها في المرآة :
(( إنني أنتظر ذلك بغاية الشوق, إن ذلك سيكون و كانه حفلة ثانية للإستقبال بعد العرس. ما عدا أنه لن يعرف أحد طبعا أنني العروس . ))
قال نيكولو بلطف:
(( هنــــا, أنتي مخطئة يا عزيزتي أن لي بعض الشهرة هنا في البندقية , و الكل يعرف الآن انني تخليت عن عزوبتي في سبيل فتاة أجنبية رائعة الجمال. حتى و لو لم يعرف الناس جنسيتك بعد, و على الرغم من أنني مشهور بتذوقي الجمال, فما أن أقدمك إلى بعض المعارف حتى تنشر الأخبار كالنار في الهشيم. ))
(( أرجو أن لا يخيب أملهم ))
قالت ذلك بشيء من الحــزن و النزق و هي تعبث بثوبها الحريري غير مكترثة لمديحه هذا, و استطردت:
(( لو كنت قد نبهتني هناك,إذن لاشتري بعض الثياب الغالية من لندن قبل حضوري’ بــدلا من أن انتظر شراءها هنا في ايطاليا , شيء يناسب زوجة رجل ثري.))
أجـــــــاب :
(( أحــقا ؟؟ و لكنني أعتقد أنك هناك اخترت ارتداء ثوب خاص لهذه الليلة حيث أنه يحمل ذكريات سعيدة.))
كـــانت قد اشترت ذلك الثوب البرتقالي من الشيفونمن حانوت أزياء أثناء الأوكازيون في لندن. شاعرة بالزهو لامتلاكها مثل هذا الثوب الرائع الطراز بمثل ذلك الثياب البخس, كانت فتحة العنق شبه المستقيمة ذات ثنيات رقيقة بينما كان ينسدل على خصرها النحيف بانسجام و جمال و كانت التنورة ذات ثنيات تستدير حول جسمها بشكل جميل.
كانت قد ارتدت هذا الثوب في حفلة عشاء راقصة أقيمت في منزل ريتشارد كارفيل على شرف وكلاء سباق الخيل و كان ذلك الأسبوع الأول من عودتها إلى سادينغهام و طبعا كـــان نيكولو هناك.
لقد رقصا في تلك الحفلة معا, و كانت تلك هي المرة الأولى التي أخذها فيها بين ذراعيه, إنها لم تذق أي شراب كحولي و لكنها شعرت بنفسها فوق السحاب, و لم تشعر بالخوف كانت مثل الفراشة التي يجذبها نور المصباح الذي سيوردها الهلاك.
لقد ظهر أنها لم تكن تملك الإرادة الكافية التي تمكنها من حماية نفسها من المغناطيسية القوية المنبعثة من هذا الرجل التي سيطرت عليها لقد أدركت الآن أنها كانت تنحدر لتصل حيث استسلامها النهائي ليضحك هو منها عند ذاك ساخرا من ضعفها.
أبدت حركة تنم عم عدم الموافقة, و لقد صممت على تجاهل هذا الطعم ,
ثـــم قـــــالت:
(( و لكنني الآن في البندقية و أنا أريد أن أملأ خزانة ثيابي بالثياب الغالية . ))
أجابها نيكولو بلهجة بان فيها العتاب:
(( لا تحكمي على الشيء من ثمنه يا كاتيا, فإن ذوقك الطبيعي ممتاز, حتى ولو لم يكن كذلك, فإن جمالك كفيل بان يغطي كل نقصفي الثوب و يسبغ عليه التألق مهما كانت حالته مزرية))
تراجع قليلا إلى الخلف و مضى يتفرس فيها من رأسها حتى اخمص قدميها, بعين نقادة ثم قـــال:
((ألا تضعين قرطين في أذنيك لهذه الليلة ))
هزأت رأسها نفيا و قد عجبت لاهتمامه بالأشياء التي تسرها,و كانت هي قد فكرت في أن حليها العادية قد لا تناسب المحيط الثري الذي تعاشر , و لهذا فضلت عدم وضع قرطين في اذنيها , و لكن نيكولو قد وضع أمامها الآن فرصة تستطيع ان تستغلها لتمثيل دور المرأة الجشعة و سرعان ما بادرت قائلة :
(( ليس عندي شيء مناسب , كيف لي أن أضع مجوهرات مزيفة بينما كل النساء حولي يضعن مجوهرات حقيقية؟ ألا يعطي هذا صورة سيئة عنك؟))
لوى نيكولو شفتيه للحظة, و ما لبث أن وضع يده في جيب سترة السهرة التي يرتديها وهو يقول:
(( إنك لن تشعري بخيبة الأمل عندما تضعين هذه,كـــما أظن.))
و مد يده إليها بعلبة الجلد الأسود ضغطت عليها بأصبعها لتنفتح عن قرطين ذهبيين صنعا بشكل حراشف السمك, كانا يتألقان على بطانة العلبة البيضاء اللامعة.و فتحت فاها و قد أذهلها جمال ما ترى من الفن الذي اشتهر به صانعو المجوهرات في البندقية.
لوى نيكولو شفتيه إزاء صمتها الذي ساءه, وهو يقول:
(( ليس من الضروري أن تشكريني الآن , و كما قلت, إن عدم استطاعتك مجاراة غيرك من النساء الثريات, سيعطي صورة سيئة عن سخائي, و إلى جانب هذا فإن استطاعتي الانتظار حتى الليل لكي يكون بإمكانك التعبير عن عرفان الجميل قولا و فعلا))
تناول من يدها العلبة ليضعها على منضدة الزينة الجميلة جدا في غرفة النوم المزدوجة التي أدخلها إليها , ثم أخذ القرطين و ابتدأ يضعهما في أذنيها بينما وقفت هي دون حراك إلى أن سمعت آهة الاستحسان تنطلق من بين شفتيه و ما لبثت أن استدارت إليه تقول بدهشة:
((كيف أمكنك العثور على القرطين بكباسين حيث أن الأقراط الثمينة تصنع فقط للآذان المثقوبة؟
أليس كذلك؟))
قــــــــــــــال:
((هل ظننت أنني لم اكن ألاحظ ان كل جزء من جسمك الجميل البادي للعيان؟ أو أنني لا أطوف على كل محلات المجوهرات في البندقية لأعثر على ما أريد؟ كـــــــــلا يا عزيزتي. لن ترى أمرأة أخرى في القصر هذه الليلة تضع قرطين جميلين كهذه القرطين فلقد صمما خصيصا بهذه الشكل حسب تعليماتي انا))
قـــــــــــــــالت:
(( اتعني أنك أوصيت عليهما عندما عدت من انجلترا إلى البندقية بعد أن اتفقنا على الزواج؟))
و قاومت رعشة اعترتها وهي تفكر, ماالذي يخبئه لها المستقبل إذا كان قد قدم سلفا مثل هذا الثمن لخدمتها؟؟
هــز رأسه, و كأنه ينفي تصوراتها هذه, وهو يقول:
(( إن الحرفيين أمثال ماريو برينسيب يحتاجون إلى الوقت الكافي لتجسيد أجمل فنونهم , لقد أوصيته على هذين القرطين بعد يومين من لقائي بك.))
(( أحـــــــــقــــــا؟؟))
قال كاتيا ذلك و هي ترفع يديها إلى عنقها و بعث ملمس الذهب البارد شبه شعور بالإغماء سرى في جسدها و هي تتساءل هل كان غرضه من القوة و الصلابة إلى هذا الحد؟؟
لقد أفزعتها فكرة وقوعها فريسة لمثل هذه الارادة الفولاذية. و لقد أراد دوما أن يفصلها عن جسمها سواء بالشدة أو باللين. إن كل حركة يقوم بها تؤكد هذا.و الجد المسكين لم يكن له من القوة ما يقاومه بها. هل كان هذا انتقاما؟ هل كان ينتقم بذلك من خطأ كان جدها قد ارتكبه تجاهه ليكفر هذا عن خطأه بتقديم أعز ما عنده وهو حفيدته؟لقد قرأت كثيرا عن مثل هذه الامور و لكنها لم تتصور رجلا يحمل نفسه عبء مرافقة إنسان لا يكن له هو أية عاطفة؟
قطع نيكولو سلسلة أفكارها و كأنما يؤكد تساؤلها بينها و بين نفسها و ذلك بقوله بلهجة مرتفعة:
(( إنني أريد منك أن تضعيه يوم عرسنا, أعني عرسنا الحقيقي و هذا ما يجب أن تفعليه,أعني عرسنا الحقيقي و ليس ذلك التسجيل المضحك الذي أجريناه ذلك الصباح, و غدا ستقابلين مصمم أزياء ليصنع لك ثوبا للزفاف يليق بجمالك الانجليزي و بهديتي لك.))
(( نـــيكـــولو .. ))
لفظت اسمه بلهجة تجلي فيها ما تعنيه من عذاب , كــــان ثمة شيء ما في ملامح وجهه الجانبية و هو يحوله عنها مما زاد في معاناتها , قد يكون ذلك لشعورها بأنه مصمم على أن يزيد من قوة الرباط الذي يجمع بينهما و هذا ما عليها هي أن تقاومه بكل ما تملك من قوة.
و استدار ينظر بعينيه السوداوين الى وجهها الشاحب و هو يقول:
(( نعم .. هل ثمة ما يضايقك؟ ))
قــــالت و هي تهز كتفيها :
(( كـــــــــــلا .. لا شيء في الحقيقة ))
حدثت نفسها بأنه ما زال الوقت مبكرا لتصارحه بكم شيء. ما زال هناك الكثير مما لا تعرفه . و كل ما تستطيع عمله هو أن تقوم بدورها لبعض الوقت آملة أن تجد الفرصة لاكتشاف غرض نيكولو. لابد أن تكون هناك مصلحة تعود عليه من وراء تظاهره هذا ستكتشفها مع الوقت . و اذا كان بامكانها تعطيل هذه المصلحة , فستفعل ذلك. و لكن كان ما يزال ينتظر و قد قطب حاجبيه و هو يراقبها بشيء من الإنزعاج مما حملها على أن تفتش عن سبب لإقافها له.
قــــــــالت تسأله بمرح:
(( كنت أتساءل عما اذا كان اشتراط جدي في إجراء زواج مدني قبل ان نترك انجلترا, هذا الشرط قد أزعجك))
قــــــــال نافيا ظنها هذا:
(( كــــــــــلا, و لو كان عندي , أنا نفسي حفيدة جميلة مثلك لاصررت على اتمام زواجها قبل ارسالها مع رجل مثلي ((زيــــر نســـــاء)) إضافه الى ذلك فقد اردت ان أمنحك الفرصة لدعوة جميع اصدقائك ليشاهدوا سعادتنا و يشاركونا الاحتفال, و انني أشك في أن الكثيرين منهم كان بامكانهم السفر الى البندقية حتى ولو دفعنا لهم أجرة السفر و ذلك لمشاهدة الزواج الرسمي. و إنني اسف لاضطراري لابعادك عن حفلة الاستقبال تلك قبل نهايتها لكي نلحق بالطائرة, و لكنني أظن انهم في الحفلة ,قد استمروا في بهجتهم من دوننا))
لــــم تستطع ان تخفي المراره في صوتها و هي تقول :
(( نـــعم , إنني متأكدة من ذلك ))
ثم اختفى كل اثر للبهجة بالنسبة إليها في لحظة واحدة,لـــقد نطق نيكولو بكلمة واحدة صادقة, على الاقل منذ عرفته, وذلك عندما وصف نفسه بكلمة ((زيــــر نســــاء)) فقد كان الى جانب كل هذا الثراء رجلا ساقطا أخـــلاقيا.
(( هــــل أنتي نادمـــــة على ذلك ؟))
قـــال هذا وقد أصبح أمامها بحركة مفاجئة, و بأصابعه الفولاذية رفع ذقنها ينظر الى ملامحها متحديا يحاول قراءة مشاعرها و كانما هي مكتوبة بوضوح على جبينها.
قــــــالت بتذمر :
(( كــــــــــلا بالـــــــطبع ))
و لــــكن شعورا بالخطر حذرها من ان تكشف اوراقها فقالت مستطردة:
(( و هل يمكنني ان أندم لكوني تزوجت منك يا نيكولو؟ ))
لقد حاولت ان تضمن جوابها نوعا من التأثر و لكن في آخر لحظة تجلى ألمها الخفي لتبدو لهجتها أقرب الى الشجار.
قــــــــال نيكولو:
(( لا أدري يا كاترينا ))
و بعث جواب نيكولو الهادئ موجة من التوتر العصبي في جسدها بالغة الى حد لايمكنها احتماله , و تابع هو قوله:
(( و لكنني أحذرك من مغبة ذلك لانني لن أدعك ترحلين ابدا, لانني شديد التمسك بما املك, و بعد الزواج الرسمي,سيكون ارتباطنا أقوى و أشد من الارتباط التقليدي و حـــده))
أغمضت عينيها كي لا ترى وجهه و قد استبد بها الذعرلشعورها بان تأثيره الجسماني عليها ما زال بنفس القوة التي كان عليها عندما وقعت في حبه,و لكن هذه حماقة بالغة اذ كيف لها ان ترغب في رجل تصرف معها و مع جدها بنفس الدناءة؟؟
أطلقت صرخة قصيرة و هو يترك وجهها ليجذب جسدها إليه يعانقها بكل حرارة العاشق, و لم تستطع ان تتجنب شفتيه, لتقع تحت تأثيره الذي كان قد اعماها عن حقيقته الخداعة.
قــــــــال وهو ما زال قريبا منها:
(( هــــل فهمت ما أعنيه؟ ))
ازداد اقترابا منها لدرجة أنه رأى شرايين عنقها تنبض بعنف, و سمع تنفسها السريع و أحس بخوفها الفجائي.
كــــان لها ان تهنئ نفسها اذ استطاعت ان تخدعه بتغير سلوكها. و كانت تفترض ان تجعله يعرفانها لم تعد تلك العروس الغافلة التي ظفر بها , كانت تفترض أن ذلك لابد ان يستغرق بعض الوقت , و لكن يبدو انها قد قللت من شان حساسيته البالغة, و لقد افسد شعورها بالنصر, ادراكها بأنها إنما تلعب بنار هي أخطر مما كانت تتوقع.
لـــكنها كانت متأكدة من شيء واحد, وهو انها يجب أن تمنع بأي شكل كـــان زواجها رسميا, و قبل ان يحدث هذا ستكون قد وجدت طريقا للهرب, قد لا يكون هذا سهلا, هذا صحيح, و لكـــنه قطعا أكثر سهولة منه بعد أن تكون قد أجبرت على الاتباط الأبدي.
قــــال نيكولو :
(( إنني بانتظار جوابك يا كاترينا ؟))
و كـــان هذا ســــؤالا
في انجلترا رأت منه فقط الجانب الجذاب الرقيق من شخصيته و لكــن,,
هـــنا على تراب وطنه, برز أمامها الجانب الصلب المتعجرف منها, و صعد توترها من ضربات قلبها و هي ترى عينيه القاتمتين تلحان عليها بالجواب .
حملت نفسها على التقليل من شان هذا الوضع بإستحداث رنة حدة و احتجاج في صوتها وهي تتناول منديلا ورقيا تمسح به شفتيها بوقار و عدم اكتراث انعكس تأثيرهما على ملامح نيكولو عبوسا و تجهما ,
قـــــــــــــــــالت:
(( بحق السماء, ألا تظن انني لا بد ان أكون متضايقة نوعا ما بعد ذلك السفر المزعج؟أكان ينبغي لك أن تقوم بكل هذه التصرفات فقط لأنني متعبة و علي مواجهة عدد كبير من الغرباء؟ بينما أعلم أنني أسوأ النساء لباسا هناك؟))
قال و قد التوى فمه بتلك الابتسامة التي اشعلت قلبها يوما ما:
(( أهذا هـــو كل شيء؟ سامحيني يا عزيزتي اذ كنت ظننت قبل لحظة واحدة انني قد أخطأت و تزوجت من شقيقتك التوأم. ذلك أنني لم أر فيك تلك المرأة التي كانت تقف بجانبي هذا الصباح أمام مكتب تسجيل الزواج, مستعدة لأن تكرس حياتها لأجلي, و لكنني اعلم الآن ان جرح خيلائك و غرورك هو الذي بعث الاحمرار الى وجنتيك و الحدة في صوتك, يمكنني ان افهم ذلك. و لكــــــــن, كوني واثقة من أنك تقللين من شأن مظهرك أمام الضيوف . و الآن, هل ننزل الى القاعة لنتأكد من أن كل شيء جاهز للضيوف؟))
بـــدأ قوله هـــذا و كانه سؤال و لــكن الطريقة التي دفعها فيها من يدها جارا إياها معه على السلم إلى أسفل لم تدع لها مجالا للتردد.
نزلت كاتيا معه ليس لانها كانت تريد ذلك, و لــكن بصفتها كاترينا كاشياتور زوجة نيكولو كاشياتور, و هي تستمر في تمثيل هذه الشخصية إلى أن تكشف الغطاء عما يكن خلفها, و من ثم تجد طريقة تهرب بها من كل هذا العذاب.
زودتها الحفلة غير المتوقعة بالوقت الذي أمكنها من أن تفكر في وضعها بأناة وروية, إنها تريد ان تستأصل المشاعر التي ما زالت مليئة بشكل لا يصدق بنيكولو, و ذلك على ضوء الحقيقة التي اكتشفتها.
ثــــم ماذا عن هذه الليلة عندما تنتهي الحفلة و يعودان الى غرفة النوم !!
و لم تكد تصدق انها منذ ساعات فقط كـــانت تنتظر مجيء الليل بفارغ الصبر, و هي متأكدة من أن نيكولو سيجعل من أول تجربة لها في الحب ذكرى لا تنسى.
لو بإمكانها فقط أن تعتقد أن نيكولو ينوي أن يتركها وحدها. و لكن هذا الاعتقاد كان مستحيلا,و ارتجفت.
لابد أن تجد عذرا , عندما يحين الوقت تستعين به على تجنب إكمال الزواج تلك الليلة أو أية ليلة أخرى, و مهما كانت أخطاء نيكولو فهو لا يمكن أن يأخذها دون ارادتها, ذلك أن اكتشافها لشخصيته المزدوجة قد قتل في نفسها كل أثر لحبها له, و لم يبقى سوى أوهام خطرة تحطم الروح.
نهايه الفصل 2