...:::~ الفصل السابع ~:::...
جلست كاتيا تعبث بالطعام, وامامها وجبه مكونه من السمك المشوي والسلطه. لم تكن تحس بالجوع وهي تجلس في ذلك المطعم المشرف على القناه, تتطلع الى الزوارق النخططه بالونين الابيض والازرق بأبراجها الذهبيه والخضراء مربوطه في مرساها.
كانت كاتيا تشعر بالحاجه الى الراحه, واي شيء كان افضل من الرجوع الى القصر لقضاء بقيه النهار في سجنها الرائع ذاك.
لقد مضى يومان ونصف دون اي خبر عن نيكولو...وفكرت باستسلام في انها ما كان لها ان تتوقع منه خبرا, اذ انه لم تتملكه المشاعر المعتاده لدى كل عريس نحو عروسه! وتساءلت الى متى سيبقى متظاهرا بالحب لها, لو لم تسرع هي في محاوله لانقاذ كرامتها والتظاهر بعدم حبها له.
لكن ما للشكوك تساورها وهي تلمس شعوره الجاف نحوها اذ يصمم على العوده لميلانو من دونها, ذلك لان اي عريس يستحق هذا اللقب, كعريس خصوصا في ايطاليا, ما كان ليهجر عروسه لمده ايام بعد ما ظهر من استمتاعهما معا الى هذا الحد؟ ام لعل براءتها هي التي صورت لها خطأ ان زوجها يشاركها نفس مشاعر البهجه اثناء اتصالهما الحميم؟
ساورها شعور هو مزيج من الشعور بالذنب وادراك بإنه كان يجب ان تخبر نيكولو عن معارضتها اجراء زفاف حافل, وذلك قبل سفره الى ميلانو. ربما كان عند ذاك قد خفف من اصراره على حفله للزفاف ازاء نيتها هذه, اما الان فعليها ان تستعد لمواجهته بهذه المعارضه عند عودته متحمله نتيجه رد الفعل عنده بالنسبه لدمه الايطالي المنفعل عند انهيار خططه.
" هل السنيورا كاشياتور هنا؟ "
استيقظت كاتيا من شرودها ليبعث في نفسها الضيق مرأى سيزار برونيللي الذي هبط جالسا على الكرسي امامها بكل راحه. لقد كان هذا المطعم الذي تناولت فيه العشاء مع نيكولو في اليوم الثاني لوصلهما للبندقيه. كتن نصف ممتلئ عند وصولهما انما الان لم يبقى فيه سوى موائد قليله خاليه.
ردت عليه تحيته وسؤاله عن صحتها ببرود, وتعمدت عدم الرد على اسئلته, ثم قررت ان تتخلص منه بأن تكذب عليه فقالت:
" انني بأنتظار زوجي الذي سيحضر الان "
فقال:
" اذا فإنك ستمكثين وقتا طويلا في انتظاره "
اشار الى النادل ليحضر له عشاء لنفسه وزجاجه شراب قبل ان يعاود النظر الى وجه كاتيا المتصلب الملامح, ليتابع قوله:
" اخر مره سمعت فيها عن مكان نيكولو كاشياتور انه كان في ميلانو يتناول العشاء مع جينا كابريني "
والقى نظره الى ساعته وقال:
" طبعا لابد انه عائد بالسياره هذا الصباح. ولكن بما انه اعاد جينا الى شقتها الليله الماضيه فلا بد انه سيتأخر "
صدمت اموجه الألم التي اجتاحت جسمها. وضغطت على يديها في حضنها محاولة الاحتفاظ بهدوئها. ثم قالت بجفاء:
" اظن انني غير مستعده للإهتمام بثرثرتك يا سيد برونيللي "
قال سيزار محتجا:
" يا عزيزتي السيده كاشياتور. لا يمكنك ان تلوميني للاهتمام بك, ليس فقط لزواجك العاطفي المفاجئ من نيكولو كاشياتور, ولكن لأنك امرأه جميله. وانا اكره ان اراك مخدوعه من قبل رجل ليس فقط يكبرك في السن ولكن في الخبره ايضا "
فكرت كاتيا في ان السكوت من ذهب حقا, ولكن كيف بإمكانها ان تترك نيكولو معرضا لمثل هذه الشائعات المؤذيه مهما كان نوع شعورها نحو زوجها؟ كان الشيء الوحيد الحسن في حديث برونللي هو توقفه عن مخاطبتها بلقب ماركيزه, وقالت بحذر:
" ان زوجي في رحله عمل الى ميلانو. وقد ادعيت العكس فقط من باب التهذيب. وبما انك لا تفهم الاشاره فيجب ان اطلب اليك مباشره ان تتحول الى مائده اخرى "
قال ببشاشه:
" هذا غير ممكن, اذ لا يوجد اي مائده شاغره, كما انني طلبت الطعام الى هذه المائده "
قالت وهي تتناول حقيبه يدها من تحت المائده:
" هذا حسن, ارجو لك طعاما شهيا "
همت بترك المطعم برغم انها لم تتناول لقمه واحده من طعامها بعد, وبرغم ان قدماها تؤلمانها لكثره ما طافت في المحال التجاريه هذا الصباح.
سألها: " اتريدين صوره؟ "
اجابت بازدراء متعمده عدم فهم قصده:
" صوره برفقتك الى هذه المائده؟ انه لا يشرفني ان ابدو معك "
ابتسم سيزار متجاهلا اهانتها وقال:
" صوره لزوجك وجينا كابريني يتعشيان معا. او اذا كنت تفضلين صوره لهما معا يدخلان الى شقتها. اخشى ان لا تكون الصوره الثانيه جيده لأن السيده تعمدت اخفاء وجهها. ولكن ساقي جينا كابريني لا يمكن ان يخطئهما من يعرفها "
تصاعدت غصه في حلق كاتيا. ما اشد حماقتها وهي تصدق ادعاء نيكولو عن المخابره الهاتفيه من ميلانو. الا يكفي ان يخونها حتى يعرضها للاذلال امام الناس؟ ومنحها الغضب القوه على الاحتفاظ بهدوءها, فنهضت واقفه دافعه كرسيها الى الخلف قائله:
" ولكنك اخبرتني بنفسك ان زوجي وجينا كابريني هما صديقان قديمان, فأي شيء غير طبيعي في ان يتناولا العشاء معا؟ وبالنسبه لإعادتها الى منزلها, لما لا؟ ان زوجي رجل مهذب "
قال بازدراء:
" بالتأكيد هو رجل, ورجل جذاب للنساء. اظن ان من الممكن ان يكون عاد معها الى المنزل لتناول كوب من الكاكاو قبل النوم, ولكن اذا كان الامر كهذا فقد استغرق شرب الكوب هذا وقتا طويلا. فقد ترك المكلف من قبلي بمراقبه المنزل, المراقبه بعد ساعتين عائدا الى منزله, دون ان يخرج زوجك من منزل جينا "
قالت بكبرياء:
" والمفروض بي ان اصدق ان حضورك الى هنا لتجلس معي وتغرقني بشكوكك, كل هذا كان بمحض المصادفه؟ "
اجاب برقه:
" كلا بالطبع, فقد دأبت منذ الفجر في تمشيط اماكن السياح آملا في ان اراك لأخبرك بما يدور من وراء ظهرك. اعتبري هذا نوعا من الاحسان لك, وذلك قبل ان يشيع الخبر في البندقيه بأجمعها "
ردت عليه ثائره:
" بل سأعتبره نوعا من الافتراء. حاول ان تنشر هذه الصور مصحوبه بأي اتهام بسوء السلوك, ليقاضيك محامي زوجي "
قال معنفا:
" ما هذا؟ الم تسمعي قط بالقول المأثور وهو ان كل ما ينشر هو حسن, وان الحقيقه هي احسن دفاع في تهمة القذف؟ الى جانب انه ستكون هناك صور كثيره لهما معا اثناء حفله الغد, وكلها صور بريئه واضحه, بجانب صورة رائعه الجمال لزوجه نيكولو كاشياتور المخدوعه "
واردف: " يا لزوج كابريني المسكين زوج جينا المخدوع, انه سيصر على اسنانه لشدة شعوره بالغيظ "
" حفله الغد؟ "
وافلتت هذه الكلمات من بين شفتيها قبل ان تتنبه الى امساك لسانها.
بدا على وجه سيزار برونيللي ندم زائف وهو يقول:
" اوه...الم تعرفي؟ "
لعنت كاتيا نفسها لوقوعها في الشرك. وهزت كتفيها وقد ثارت ثائرتها لإهمال نيكولو اطلاعها على كل نشاطاته الاجتماعيه وخاصه تلك التي تتصل بها جزئيا. وقالت:
" لقد تذكرت الان انه ذكر لي شيئا عن حفله عشاء ولكن ذهني كان شاردا فلم انتبه الى التفاصيل "
لمعت عيناه سخريه وهو يلمس محاولتها تغطيه جهلها:
" من الواضح ان مهاره نيكولو كعاشق لا بد انها تنوم مغناطيسيا ما دامت تجعلك تخلطين بين الاحداث الاجتماعيه الحيويه في البندقيه وبين حفله عشاء بسيطه "
عندما سمعت ضحكته الخافته الساخره ادركت انه يجب عليها الذهاب قبل ان تفقد السيطره على ساقيها. ومنعتها كبرياؤها من ان توجه الى هذا الرجل الوقح اي سؤال آخر.
ان على نيكولو وحده ان يقدم إليها تفسير كل هذا. وقبل ان يدرك سيزار غرضها كانت قد التقطت محفظتها وارجعت كرسيها للوراء لتقف مستديره للذهاب.
هب هو واقفا باحترام وبكل بشاشه ولطف الرجل الايطالي اخرج من جيبه بطاقه صغيره وقدمها اليها بهدوء قائلا:
" انتظري, لا بد ان يأتي وقت تحتاجينني فيه, ويمكنك عند ذلك ان تتصلي بي على احد هذه الارقام "
كان عليها ان تتجاهل بطاقته تلك ولكن حاستها السادسه جعلتها تأخذها من يده وتدسها في الجيب الخارجي لحقيبه يدها وهي تدير له ظهرها خارجه.
اقترب منها النادل وهي تسلك طريقها بين الموائد لتخرج الى الرصيف, سألها:
" الم يعجبك الطعام يا سنيورا؟ "
اجابت ببرود:
" بالعكس كان شهيا جدا بل الرفقه هي التي لم تعجبني "
واشارت الى الصحافي الباسم وهي تقول:
" ان السيد برونيللي سيدفع حسابي "
لم يكن هذا انتقاما كافيا بالنسبه لكاتيا التي كانت تود ان تفرغ على رأسه القذر دلو ماء بمثل قذارته. ولكن مثل هذا العمل لم يكن ليعززها عند نيكولو في ما لو قبض عليها بتهمة ايذاء شخص بدنيا. ومع سخطها على الطريقه التي جعلت نيكولو يخدعها لتتزوجه, فغنها لم تستطع انكار الحقيقه وهي ان مستقبلها ومستقبل جدها يعتمدان على عطائه وسخائه.
اذا فإن برونيللي قد اخبرها الحقيقه عن نيكولو وجينا كابريني. وعندما تفجر غضبها دموعا, عند ذلك فقط ادركت كم كانت ترجو ان يكون سيزار برنيللي كاذبا او مخطئا. وامتلأت مراره وهي تستدير مبتعده قدر ما تستطيع عن ذلك الرجل المتوحش. لم يكن لدى هذا الصحفي اي ضمير ليؤنبه وما هو الدليل الذي يمكنه ان يثبت به لها خيانه نيكولو؟ وما هو قصده من ذلك؟ هل ليجعلها تقوم بتصرف ما يفيده في نشره في صحيفته؟ "
بالنسبه للحدث الاجتماعي المقبل ستحضره جينا كابريني, لماذا امتنع نيكولو عن تنبيهها اليه؟ هل كان نيكولو يبدو عديم النزاهه الى هذا الحد لو لم تلفق له هي اسباب وضيعه لقبولها الزواج منه, اذ اوهمته انها تزوجته لثروته؟ كيف استطاعت معايشه هذه الكذبه بعد سماعها ما سمعت من حديث بينه وبين جدها عن السبب الاصلي لزواجهما.
مسحت دموعها المنهالة بيدها غاضبه. جدها! وازدادت تعاستها وهي تفكر في جدها وعمتها بيكي. امس فقط ارسلت إليهما رساله تخبرهما عن جمال البندقيه وسعادتها هي في استمتاعها باكتشاف كنوزها. دون ان تخبرهما بالطبع بأنها تمضي الوقت وحدها. وتسائلت بحسره ما الذي دفعها الى اخفاء ذلك؟ اغرورها ام خيلاؤها؟ ام هدوء وطمأنينه نفس العجوزين؟ ان لدى جدها ما يكفيه من القلق اذ كان قد تعرض للإبتزاز لكي يوالفق على زواج مدبر دون حب. ان اقل ما يجب عليها نحوه هو ان توفر عليه الالم الذي سيعانيه في ما لو علم باكتشافها الحقيقه. انها على الاقل ستحاول التصرف في الكيفيه التي يمكنها ان تنتشل بها تفسها من هذه الورطه.
فكرت بمراره متمنيه لو ان جدها لم يرتفع شأنه الى طبقه نبلاء ايطاليا المندثري الذكر. لو لم يحدث ذلك ويتحدث به الملأ, لما عرف اذا نيكولو شيئا عنها ولبقيت في لندن تقوم بعملها الذي تعشقه بدلا من التجوال في شوارع البندقيه مع الامها.
عندما تحولت في منعطف, توقفت فجأه وقد تملكتها الدهشة والسرور حين وجدت نفسها امام كنيسه رائعه قد رصفت جدرانها بالرخام لتلمع بروعه لا مثيل لها. كما ان ابراجها كانت تتألق في اشعة الشمس.
كانت تسير في الشوارع الضيقه خلف الريالتو مبتعده عن سيزار برونيللي قدر استطاعتها, دون ان تتوقع رؤيه مثل هذا الكنز في مثل هذا المكان البعيد عن منطقه السياح.
بالقرب منها وقعت عيناها على واجهه مصور فوتوغرافي فوقفت امامها تتفرج على مختلف الصور التي تمثل العرائس والعرسان. احقا! يمكن للحظ ان يكون بهذه القسوه؟ ومزق الالم قلبها, نعم في استطاعته ان يكون كذلك. لقد اكتشفت عرضا كنيسه سانتا ماريا التي عرض نيكولو عليها ان يحتفلا فيها بزواجهما الكنسي وذلك ليشدها اليه برباط هو اقوى من اي رباط يعقده انسان. وحدثتها نفسها بغضب, لو انها وافقت على ذلك, ما الذي كان سيحدث؟ لم يكن ما تتطلع اليه عند ذاك سوى حياة ماديه مرفهه خاليه من المشاعر. حسنا فلتترك الكنيسه وشأنها ما دامت لن تراها ابدا من الداخل بصفه عروس. كانت نتيجه هذا القرار حسنة ولكنها لا تتناسب ابدا مع فضولها.فقد كانت الشوارع خاليه حيث ان كل انسان كان يتناول الغداء.
لكنها عادت فغيرت رأيها عندما رأت باب الكنيسه, فدخلت لتطلق آهة سرور وهي ترى ما كان بانتظارها. كان تماما كمن يدخل علبه مجوهرات, ومن هنا اخذت الكنيسه اسمها. كانت اشعه الشمس تتدفق من النوافذ مرسله خيوطها على الاعمده والسقف الذهبيه لتتالق هذه خاطفه الابصار. وكانت لوحات بالحجم الطبيعي تمتد من السقف حتى اسفل الجدران تمثل صور القديسين في مختلف العصور.
كان كل شيء تقع عليه انظارها مكونا من الذهب او الرخام مما لم تستطع استيعابه في لحظات. ومن ثم جلست في هدوء في احد الاماكن الخاليه. اخيرا هنا في مواجهة المذبح الذي اقيمت في صدره ايقونه مشهوره وجدت عندها الهدوء والسكينه والسلام الذي تنشد.
لا يمكن القول الى متى ظلت كاتيا جالسه تنظر الى روعه ما يحيط بها, او كم اهدرت من الوقت فوق ضفاف القناه او فوق الجسور, او متوقفه في كل لحظه متفرجه على واجهات المحال التي تعرض مختلف انواع البضائع والازياء. كانت قد نسيت ان تضع ساعتها في يدها قبل خروجها من البيت, لكنها عرفت الوقت من مكان الشمس في السماء فتنبأت بأقتراب المساء.
ان امامها ليله اخرى تعسه موحشع. وتنهدت وهي تعبر الجسر الجميل الذي يصل بها الى القصر, ومن هناك اجتازت البوابه الى الحديقه لتتوقف انفاسها وهي ترى قامه زوجها المديده وهو ينهض من احد المقاعد ليتقدم اليها محييا...هتفت:
" نيكولو...لم اكن اتوقع رؤيتك قبل الغد "
وادركها الفزع لإحساس السرور والبهجة اللذين احست بهما عند رؤيته. لقد شعرت بالدم الحار يتدفق في وجنتيها. شمل هو بعينينه السوداويين سروالها الفاتح اللون وقميصها القطني الخفيف وهو يقول:
" ان وجنتك تتضرجان يا كاتيا...هل ذلك لأنك سررت برؤيتي؟ ام انك احترت لأن عودتي على غير انتظار قد افسدت خطتك في تمضيه هذا المساء؟ "
قالت:
" انني لم اتوقع قدومك...."
وتوقفت عند هذه الكلمات.
نظر اليها مفكرا وهو يقول:
" هذا واضح...وانني اعتذر عن تدخلي في حياتك مره اخرى بهذه السرعه. اذ من الواضح انك وجدت ظهوري المفاجئ معرقلا...."
قبل ان تجيب خطا نحوها يأخذها بين ذراعيه ويرفع ذقنها ليقبلها برقه ثم يقول:
" هل هو اللوم ما اراه في عينيك الجميلتين يا كاتيا؟ "
ابتسمت بقسوه وهي تتخلص من بين ذراعيه مبتعده عنه كي لا يقرأ التعاسه في عينيها.
قال لها دون ان يؤثر فيه صمتها:
" تعالي "
واخذ بيدها يقودها الى داخل القصر صاعدا واياها السلم الجميل الى شقتهما. كانت قبضته على يدها شديده لدرجه تقرب من الإيلام وهو يقول:
" دعينا نرى ما اذا كانت الهديه التي احضرتها لك من ميلانو ستعيد الابتسامه الى شفتيك "
سمحت له بأن يقودها الى غرفتها بصمت ليناولها علبه مغلفه بورقه مذهبه مطبوع عليها اسم مصمم شهير.
اخفت ما تشعر به من مراره وهي تفك رباط العلبه وتخرج ثوبا رائعا للسهره. كان بسيط التفصيل بفتحة عنق واسعه ومن دون كمين وتنوره واسعه. كان اهم ما فيه هو نوع القماش. كان القسم الاعلى منسوجا من خيوط الذهب مع اللون العسلي اخذ يتألق تحت اشعه الشمس المائله للغروب التي كانت تلقي بخيوطها الباهته من خلال نافذه الشرفه.
قالت ببراءه:
" انه رائع يا نيكولو "
وحاولت ان تخفي غصة الم قد تهدد بتدمير هدوئها الظاهر الذي تجاهد للاحتفاظ به.
اومأ برأسه راضيا وهو بقول:
" هذا حسن. ظننت انك قد تحبين ان تذهبي الى المحلات لتختاري بنفسك. ولكنني لقصر الوقت صممت على مفاجأتك به. لن تكون هناك امرأه في القاعه تماثلك اناقه ليله الغد "
هتفت كاتيا وقلبها يقفز من بين ضلوعها: " غدا! "
اذا فقد اخبرها سيزار برونللي بالحقيقه. وعادت تسأله مدعية البراءه:
" سيكون عندنا حفل اذا؟ "
قال مشيرا بيده:
" كان يجب ان اخبرك قبل الان ولكن شغلتني امور اكثر اهميه. وكنت ذلك الصباح الذي سافرت فيه في عجله من امري انستني ذلك والقصه هي ان جينا كابريني ستقيم حفله عرض ازياء عندنا في القصر مستعمله بعض الموجود في مخازن محلاتها من ازياء. امه معرض سنوي وبما ان ريعه يعود للاعمال الخيريه لم استطع رفضه في اخر لحظه "
مضت لحظات استوعبت فيها كاتيا الموضوع لتقول اخيرا, اذ اظهرته كصوره غير مكتمله لغريق يتعلق بقشه:
" لقد فهمت هل هذا ما دفعك للذهاب الى ميلانو؟ لكي ترى جينا وتنهيا التدابير كافه؟ "
القى برأسه للخلف وهو ينفجر ضاحكا ليقول:
" با الهي, كلا....لقد تم تدبير امر هذا منذ شهور كما اذكر. واذا جرت اي مشكلات في آخر لحظه فهي مسؤوليتها عند ذاك "
وفجأه غادر وجهه الابتسام ليحل محله العبوس وهو يقول:
" ان ذهابي الى ميلانو كان بشأن تسرب سر تصميم جديد للسيارات التي نسوقها فب الولايات المتحده "
قالت وهي تتحول مبتعده عنه:
" لقد فهمت "
لقد فهمت من لهجته انه غير مستعد لمناقشة شؤون عمله معها, ولم تجازف بتعريض نفسها الى زجره في ما لو اتبعت غريزتها واستمرت في سؤاله عن اعماله تلك. ذلك انه لم يكن هنالك دور لاهتماماتها كزوجه ضمن الدور الذي صممت على القيام به تجاه زوجها.
منتديات ليلاس
لِمَ لم تجد على بطاقه الثوب الهديه ذكرا للقياس, سألته:
" كيف عرفت قياسي؟ "
اجاب:
" نظرا لضيق الوقت, اتصلت هاتفيا بك, ولما كنت غائبه طلبت من ماريا الخادمه ان ترى قياسك على ثيابك في خزانه ملابسك "
حملت نفسها على الابتسام قائله:
" انك ماهر "
لكن الوسواس الذي يعذب نفسها لم يكن ليفارقها وقالت:
" انه ثوب رائع. هل هو من محلات جينا؟ "
كان ثمة تردد خفيف وهو ينظر اليها وقد ضاقت عيناه قائلا:
" في الحقيقه, انه كذلك, هل في ذلك اي مشكلة؟ "
هزت كاتيا:
" ولماذا يكون في ذلك مشكله؟ "
اجاب:
" المشكله تكمن فقط في ما لو عرض امام اللجنه مرفقا به الثمن. ولكن يمكنك ان تطمئني الى ان هذا لن يحدث. ذلك لأن طراز الثوب ليس مستحدثا "
قالت:
" ما اشد مهارة جينا اذ عرفت ذوقي تماما بينما هي لم ترني ابدا "
وشملت الثوب بنظره اعجاب ولكن كانت النار تشتعل في داخلها. كيف يجرؤ على ان يطلب من خليلته اختيار ثوب لزوجته؟
رفع نيكولو حاجبه ببطء وادركت من لمعان عينيه خلف اهدابه السوداء انه لم ينخدع بما ابدته من رضى زائف. فقال برقه:
" انني انا الذي اخترت الثوب وليس جينا. الشيء الوحيد الذي فعلته جينا هو انها اتصلت هاتفيا برئيس المستخدمين عندها وطلبت منه ان يعرض امامي عددا من الاثواب لأختار منها "
افلتت من كاتيا كلمات دون اراده منها اذ قالت:
" هل كان ذلك قبل ام بعد الاستمتاع بجلسه حب؟ "
ورفعت يدها الى عنقها فزعا وكأنها تحميه وهي تراه يتقدم نحوها هادرا:
" اياك ان تجعليني اسمع منك مثل هذا السؤال مرة اخرى. لقد علمت بهذا عندما وافقت على ان تكوني زوجتي. لقد قلت ذلك بلسانك ان تصرفاتي الخاصه خارج علاقتنا هي ليست من شأنك وبالنسبه الى جينا, فإنك اذا لم يكن بامكانك التحدث عنها باحترام فإنني لا اريدك ان تتحدثي عنها ابدا. هل هذا مفهوم؟ "
للحظه مرعبه, ظنت انه سيضربها حين انحنى عليها. واعترفت بينها وبين نفسها بأن التعقل هو حقا افضل من التهور. قالت:
" هذا حسن بالنسبه الي, ولكنك لن تستطيع ان توقف ألسنة الناس, لقد سمعت البندقيه بأجمعها تتحدث عنكما انتما لاثنين وعن علاقتكما المستمره "
وتلافيا للخطر الذي بدا في نظرته اليها حملت نفسها على تحويل الموضوع الى حديث عادي اذ عادت تنظر بإعجاب الى الثوب قائله:
" من الواضح ان ثمة حكايات مثيره تدور حول رفيقه طفولتك هذه "
قال:
" اني مسرور اذ اعجبك ذوقي "
كان البرود في لهجته ينم عن الغضب الملتهب الذي زاد عينينه سوادا.
قالت:
" نعم, انه اعجبني "
وحملت الثوب بإحتراس لتعلقه في الخزانه وهي تتابع قولها:
" وانني متأكده من ان صديقتك تستحق مكافأة ان اقوم بالدعايه لمملكة الازياء التي تملكها في الصحف, واثناء الحديث والمشي وكل المناسبات "
قال:
" أنا متأكد من انها تستحق ذلك, اذا اردت ان تنشري الحقيقه, ولكن موضوع الامسيه الرئيسي هو جمع المال للمشروع الخيري وليس نشر الدعايه لسلسلة من دور الازياء منتشره في ايطاليا وفرنسا "
كان نفاد الصبر باديا في جوابه هذا, وفي حركه فكه المنفبض بشده. وتساءلت هي: هل ابتدات تكون مصدر ازعاج له اخيرا؟ وهل هو يظن حقا بأنها شاكره له هذه الفتات التي يلقيها إليها بينما هو يخدعها بذلك الشكل المشين؟
قالت له وهي تمنحه ابتسامه عريضه مستمره في تمثيل دورها الى اقصى حد تستطيع:
" ذلك سبب يستحق الاهتمام حقا, وانه ليسرني المساعده فيه. بالطبع علي ان اشتري حذاء وحقيبه يد للسهره, وكذلك يحسن ان اصفف شعري للمناسبه اذ لا احب ان اتسبب لك بازدراء الناس في ما لو بدوت انا في الحفله بمظهر غير لائق "
كانت منتبهة الى صمته خلفها اثناء تمضيه الوقت في تسوية وتعليق ثوبها في الخزانه. واستدار هو ليواجهها بنظراته مفكرا ثم قال:
" ولا انا احب لك ذلك. ولكن ثمة شيء من الخطر في ذلك. في بدايه تعارفنا, لم يكن يبدو ان لديك الكثير لتقدميه الى رجل في مثل مركزي, ولكن لي نظره خبيره يا عزيزتي كاتيا نبهتني الى ان وراء مظهرك الخامد ذاك, طاقات كامنه "
اختفت لهثة الألم في حلقها وهو يمد يده يمسك ذقنها بأصابعه قائلا:
" على الرغم من ميلك الى بيع نفسك في سبيل المال, فإن فيك صفات النبلاء الحقيقيه يا ماركيزه. انك ستفتنين والديَ بمظهرك الخارجي على الاقل, وسيشعران بالاعجاب وانت تتهادين في كنيسه علبة المجوهرات الذهبيه امام المدعوين المحتشدين في الكنيسه, لتصبحي زوجتي الذهبيه شرعا "
ها قد سنحت لها الفرصه التي طالما انتظرتها, وشجعها شعور عميق بالثورة على مواجهته بينما مازال دمها يغلي في عروقها من جراء الطريقه التسلطيه التي عاملها بها. وصرخت في وجهه:
" عليهم ان ينتظروا غرق البندقيه في البحر قبل ان يأتي ذلك اليوم "
دفعته عنها وهي تتابع:
" ليس لدي رغبه في ان اعرض امام الملأ للدعايه لشركه ( كاشياتور لتصميم السيارات ) لقد سبق واتفقنا على ما يريده كل منا, ولا مجال بعد ذلك لاحتفالات اخرى لا معنى لها "
قال مقطبا جبينه:
" ان هذا ليس من دون معنى يا كاتيا "
وزاد عبوس وجهه في سرعه خفقان قلبها بينما تابع هو قائلا:
" لقد كان عقد زواجنا في انجلترا لطمأنه جدك وتهدئة مخاوفه كي لا اغير عقلي عندما اخرج بك من تحت اشرافه واسلب حفيدته كرامتها...."
وبدت على شفتيه ابتسامه باهتة وهو يتابع:
" مع ان الكرامه هي شيء نسبي, أليس كذلك؟ ربما خاف من ان اكتشف حقيقتك الكامنه وراء مظهرك البرئ الذي تتسترين به. ومهما كانت اسبابه فقد كان ذلك العقد الزوجي مجرد اجراء رسمي وهذا لا يقبل به والداي وخصوصا والدي الذي انتظر طويلا ليرى ولده الوحيد متزوجا, انتظر سنين طويله اذا كنت مازلت تذكرين, فقد بقي دون اولاد الى ان ماتت زوجته الاولى, وهو الان في الثمانينات من عمره. ورجل له مثل ومفاهيم عصره اذا لم يعقد زواجنا في الكنيسه فسيعتبرك خليلتي وليس زوجتي الشرعيه "
فهزت كتفيها غير موافقه وقالت آمله ان تحمله على تغيير فكره من جهة اعتبارها سدادا للدين:
" ان رأيهم لا يهمني وليس ثمة طريقه تجعلني اقبل بأن اعرض نفسي امام الناس في احتفال ديني وذلك برغم ارادتي "
التهبت عيناه بالغضب وهو يقول:
" اتتحدين ارادتي؟ اتفضلين ان تكوني خليلتي امام اسرتي بدلا من ان تكوني زوجتي؟ "
قالت:
" انها مشكلتهم الخاصه وليست مشكلتي انا. انني ارفض ان اعيش في ظلام العصور الماضيه "
قال:
" وماذا عن اولادك؟ هل ترضين بأن يعتبرهم والدي ابناء غير شرعيين؟ "
قال ذلك وصوته يهتز من الغضب.
اتسعت عيناها مصعقوقه بما تسمع وتمتمت:
" اولادي؟ "
اذ انها منذ ان اكتشفت غش نيكولو لها, تحصر تفكيرها في محاوله تخليص نفسها من هذا الزواج الخالي من الحب. اما فكره ان يثمر هذا الزواج فلم تكن تتقبلها. كما انها لم تتخذ اي وسيله لمنع الحمل. لقد اضافت هذه الفكره الى مشكلاتها تعقيدا جديدا لم يكن في اعتبارها.
قال نيكولو برقه:
" بالطبع. لقد كانت رغبتي منذ اللحظه التي رأيتك فيها, ان تمتزج دماء اسره كاشياتور بدماء اسره لورينزو "
وتقدم نحوها وقد بانت الرغبه في ملامح وجهه المتسلط وفي كل حركه من جسده, وهو يقول:
" من المتعه سماعك تدلين بموافقتك في الكنيسه. واذا كنت تظنين ان عدم تمكني من تلقي بركه الكنيسه يمنعني من الاستمتاع بما سبق واشتريته بنقودي فإنك مخطئه جدا "
استبد الذعر بكاتيا, وامسكت بذراعيه تبعدهما في محاوله لإبقائه بعيدا عنها. انها تريد حبه وليس العلاقه الحميمه فقط. ولكن يبدو ان ليس لها الخيار في ذلك. اذ انه اوقف كل مقاومه لها وهو يعانقها, لتدرك ان لا حول لها امامه.
في المخدع لم يعد ثمة مجال لأي منطق.....
عندما تركها دست رأسها بين الوسائد تسكب دموعا صامته لتمتصها الوسائد الحريريه. انها لا تستطيع ان تلوم سوى نفسها. فلقد اصبحت في نظره مجرد خليله, بل واحده من خليلاته. لقد جعلها تتأكد من ذلك اثناء الوقت الذي رضيت فيه بالبقاء في ايطاليا في محاوله لاكتشاف طبيعه الدين المتعلق بالوفاء الذي يدين جدها له به.
- نهاية الفصل السابع -