لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات عبير > روايات عبير المكتوبة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات عبير المكتوبة روايات عبير المكتوبة


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (2) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-08-08, 12:10 PM   المشاركة رقم: 6
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: May 2007
العضوية: 29212
المشاركات: 47
الجنس أنثى
معدل التقييم: ماري-أنطوانيت عضو له عدد لاباس به من النقاطماري-أنطوانيت عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 102

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ماري-أنطوانيت غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ماري-أنطوانيت المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

هذا الفصل كتبته العزيزه ((ورده قايين ))

الفصل الثالث

بينما يتحول زورق صغير الى القناة الضيقة التي تجري
بجانب القصر , ليرسو في المرسى الصغير ,
وبينما كانت تفتنها الأشجار المشرفة عليه ومنظر سلال
الزهر المتدلية من حاجز الشرفة , توقعت كاتيا ان تجد مكانا تستطيع
فيه ان تستنشق الهواء النقي , وتنسى مؤقتا حالة اليأس التي تثقل كاهلها . ولكن
الواقع تجاوز كل توقعاتها, فوجدت ضالتها المنشودة اذ ان الأنوار التي وضعت بين
أغصان الأشجار لم تكن تكشف الذي كانت تنشده فقط , بل كشف الزوايا حيث كانت دوالي العنب تزحف
على شبكات العرائش والأشجار المنتصبة حيث يمتزج حفيفها بنسيم
الليل فينعش النفس .
ولفت انتباهها حاجز ابيض من الحجر يشرف على القناة
الكبيرة , وقد التوى بشكل مقعد مغطى بحشية وثيرة . وجالت كاتيا بأنظارها في تلك النجوم التي ترصع ظلمة الليل,
بينما هي راكعة على الحشية الناعمة , وقد ابتعدت بذهنها, مؤقتا
عن كل متاعبها. وكانت الأنوار المنبعثة من الفندق القريب تكشف صف
الزوارق المربوطة الى مركزها المخطط باللونين الأحمر والأسود . وكانت
المصابيح فيها تتألق بينما هي تتأرجح فوق المياة بخفة . وبعيدا على الضفة الأخرى
كان في أستطاعتها ان ترى هياكل سوداء لأقبية تعود الى كنيسة " سانتا ماريا " التي يرجع
تاريخ بنائها الى القرن السابع عشر حين أقيمت , احتفالا بذكرى زوال وباء الطاعون من المدينة.
تثاءبت فجأة . فرفعت يدها تغطي فمها براحتها برغم
عدم وجود من يشاهدها . لقد مضت ثماني عشرة ساعة منذ نهضت من فراشها ,ورده قايين .
في الصباح السابق , وذلك في منزل جدها في قريتها سادينغهام. وفكرت بشئ من
العجب في هذا الوقت القصير الذي أصبحت فيه امرأة متزوجة , لتكشف أنها كانت قد خدعت
بكل قسوة ودناءة , ثم تسافر بالطائرة عابرة أوروبا لتضع على وجهها قناعا باسما يخفي غضبها
وما تشعر به من احباط وهي تستقبل المدعوين في حفلة الأستقبال التي اقيمت في قصر زوجها .
كانت دون شك , تروح وتجئ وتتصرف , كل ذلك على
حساب أعصابها . ولكن الآن أذ تغمرها طمأنينة الهدوء الذي تسبح فيه هذه الحديقة الغناء .يتجمع كل التعب الذي عانته اثناء مرور تلك الساعات , في هجمة شرسة تجتاح كيانها . ولكنها مالبثت أن رحبت بهذا وهي تفكر في أن التعب يشكل لها عذرا معقولا للتخلص من ليلة الحب تلك مع نيكولو . ذلك أنه لن يعجبه ان يأخذ الى مخدعه امرأة مرهقة .
ودعت الله ان يساعدها فلا يجعل نيكولو يصر على استيفاء حقوقه من امرأة شبه نائمه , مهما كانت نوعيته الأخلاقيه.
" أوه , ياللمصادفة الحسنة , ها أنت ذي تستمتعين بنسيم الليل وحدك " يا ماركيزة "..
كان صوتا رجاليا رقيقا انطلق فجأة من خلف كاتيا هبت هذه واقفة على قدميها من قوة المفاجأة وقد قطبت جبينها وهي تستدير على أعقابها وقد استبدت بها الدهشة .
كيف حدث واكتشف هذا مكانها؟

استطرد المتكلم :" أسمحي لي بتقديم نفسي . أنني
" سيزار برونيللي " وفي خدمتك يا ماركيزة ."
كان فتى وسيما في أواخر العشرينات من عمره , لايزيدها كثيرا في الطول , ذا شفتين رقيقتين وعيني قرد تلمعان بسخرية . وكان يبدو حسن الهندام في بذلة السهرة الأنيقة .
حملت كاتيا نفسها على مد يدها الى يده الممدوده اليها وهي تقول :" اني مسرورة بمقابلتك يا سنيور برونيللي "لاح على شفتيها طيف ابتسامة حين رفع يدها الى شفتيه يطبع عليها قبلة بكل تهذيب .

قالت :" أظنك اخطأت في معرفتي . انني زوجة نيكولو كاشياتور ولست ماركيزة ."
هز رأسه موافقا على كلامها دون أن يبدو عليه الأقرار بالخطأ وهو يقول :" كاترينا كاشياتور , ربما كانت الطريقة التي تحدثت بها اليك سابقة لأوانها . ولكن أذا حدث في ما بعد وأسأت اليك في أظهار توقعاتي بالنسبة الى المستقبل
فأنني عند ذاك , أقدم اعتذاري ."
قالت :" انني لست مستاءة ولكنني مستغربة "
كان ذهنها في تلك الأثناء , يعمل جاهدا لفهم ما قد سمعته الآن. قد يبدو اعتذاره بريئا , ولكن كان ثمة شئ ما في تصرفات ذلك الشاب . شئ هو الحذر ممزوج بالرغبة في تداول الحديث . وما لبث التقطب أن عاد الى جبينها وهي تقول " أتريد أن تخبرني أن نيكولو في الطريق الى أن يرث لقب " الماركيز " ؟"

ارتفع حاجبا الشاب بدهشة وهو يقول " كاشياتور ؟ طبعا لا . ان نيكولو كاشياتور هو سليل أسرة من الفلاحين قد عاش أجداده بعرق جبينهم وراء قطعان الماشية فوق تلال " كالابريا" وبدت في صوته نبرة ساخرة بعثت الأحمرار الى وجهها . فقالت بحدة :" أذا كان الامر كذلك فأن انجازات نيكولو تستحق اكثر من مجرد الأستحسان ."ورده __قايين_
وعجبت اذ وجدت نفسها تهب الى الدفاع عن نيكولو.
أجاب لاويا شفتيه :" ربما . من ناحية اخرى , فأن والده هجر تلك الحياة مع الماشية ليستغل أمواله في مشاريع أخرى وسرعان ما بدأت أحوال أسرته في التحسن بشكل لا يصدق...كلا ..." وسكت الشاب وهو يجيل انظاره في السماء المظلمة ثم استطرد:" ان أسرة كاشياتور ليست الآن بحاجة الى المال لشراء أي شئ ولكن ما هم بحاجة اليه هو المركز النبيل الذي يتماشى مع ثرائهم .:
شعرت كاتيا في أعماقها باهتمام مفاجئ دفعها للقول :" أراك تحاول أهانة زوجي في منزله .: وحرصت وهي
تقول ذلك على أن لاتظهر اهتمامها بما تقول الى ان ترى ما وراء ذلك مما قد يفيدها.
استطردت :" أنني لا اعرف من أنت."
انحنى قائلا :" سيزار برونيللي . أنني أسامحك لنسيانك هذا , فقد كان اليوم مليئا بالوجوه والأسماء الجديدة بالنسبة اليك . وعلى الرغم من لقبك الموروث فأن اللغة الأيطالية ليست لغتك الأولى . أليس كذلك ؟ ولكن متى كانت الحقيقة أهانة , يا ماركيزة ؟"
أجابت :" منذ قرنتها بتفسيراتك يا سنييور "
توقفت عن الكلام تنتظر الأعتذار الذي لم يحصل . فتابعت تقول :" أظن ان الوقت قد حان للعودة الى الحفلة "
تحركت تهم بالوقوف آملة أن يحثه عدم أظهارها الأهتمام بالموضوع . على الأنطلاق بحديثه. ولكن قبل أن يتابع . انزلق كعبا حذائيها العاليان على المصطبة المصقولة تحتهما مما حملها على الوقوف وهي تعرج بألم .
منتديات ليلاس
قفز سيزار برونيللي حالا الى أمامها يسألها وهو يحاول مساعدتها :" هل أصابك ضرر يا ماركيزة ؟"
قالت :" كلا . شكرا ." وبرغم ما في كلمتها الصغيرة هذه من رفض له فأنه تقدم يمسك ذراعها يساعدها على التقدم , بينما استطردت هي تقول :" أرجوك ان لاتخاطبني مرة أخرى بهذا اللقب السخيف غير المعقول ." وشعرت بيده تضغط على مرفقها مثبتا أياها وهو يقول بلطف :" وبماذا أخاطب , أذن حفيدة الماركيز ؟"
" ماذا قلت ؟ " ولم تمنع معاناة كاتيا ضحكة قصيرة من أن تنطلق من فمها وهي تلقي عليه هذا السؤال , وتابعت :" جدي ماركيز ,لابد انك مجنون او ثمل ."
قال سيزار برونيللي بلطف " انك لاتعلمين . أظن ان نيكولو كاشياتور يريد أن يبقي الأمر سرا الى أن يربطك برباط الزوجية نهائيا . ولكن , كيف استطاع أن يقنع جدك بكتمان الأمر . ولماذا بقيت أنت جاهلة ذلك ؟
فكرت في انها يجب ان تدعه لتخيلاته هذه التي لن تنفعها في شئ وتعود الى الحفلة . ولكن شعورا خفيا سمرها في مكانها لتقول :" لأن كل القضية هي من نسج خيالك ".

قال : كلا , بل هي الحقيقة , ويمكنني ان اقسم على أن انطونيو لورنزو هو دوق " كاستيلون" لقد استغرقت محاولات المحامين الأيطاليين للعثور عليه وقتا طويلا جدا بعد ان توفي المركيز العجوز دون وريث من صلبه وأنما ابن عمه , جدك الذي كان متواريا في قرية صغيرة في انكلترا "
ابتسم كاشفا عن أسنان مثل قطاع الطرق البيضاء وهو يتابع "انطونيو لورنزو هو وارث أمارة دي كاستيلون المفلسة والغارقة في الديون في ولاية توسكاني , انطونيو الورنزو وحفيدته غير المتزوجة والرائعة الجمال..المستقبل يا ماركيزة..ياجوهرة النبل التي تزين تاج كاشياتور التجاري ..."
لم يكن ثمة مجال لأنكار رنة الصدق في صوته , التي بعثت الرعشة في أنحاء جسمها . وتساءلت ان كان يمكن أن تكون القضية بمثل هذه البساطة والفظاعة معا . يجب أن تتحقق من ذلك لأنها , أذا كانت هذه هي الحقيقة فأنها ستوضح جزء كبيرا من القضية الغامضة .
ابتدأت تقول بحذر :" أذا كان ما تقوله صحيحا يا سنيور برونيللي ." فقاطعها :" ناديني سيزار من فضلك كما يفعل الجميع ."
تابعت كاتيا كلامها متجاهلة مقاطعته :" فأنني أخبرك بشكل قاطع أن جدي لا علم له بالأمر ."
أجاب :" وأنا أقول لك أذا كنت حقا تعتقدين بذلك فأنك مخدوعة . ذلك أن لي اتصالات ممتازة مع رجال القانون الذين قاموا بالتفتيش عن وارث اللقب . وكان ذلك موضوعا صغيرا ذا اهمية . وقد فكرت في أنه قد يسلي قرائي عند اتمامه , وقد حدث هذا فعلا . أذ ان نجاحه النهائي وزعته وكالة الأنباء بقلمي في كل أنحاء ايطاليا ."
وردة__قايين
قالت وقد غمرها شعور غريب بأن الأمورابتدأت تتضح في ذهنها .
"هل انت مخبر صحافي ,مخبر هنا في القصر ؟ " فلوى سيزار برونيللي برأسه وهو يقول : " أفضل أن أدعى صحافيا وليس مخبرا حيث انني لا أسعى وراء الأخبار ولكنني اكتشف وأتابع قصصي الخاصة . وهنا في القصر طبعا , ولم لا ؟ أن أهمية المقال الأجتماعي لاتقل عن أهمية مقال يتعلق بالسيارات التي يعقد زوجك عنها مؤتمرا صحافيا هذه الليلة . وسوا شئت ذلك أم أبيت ياسنيورا فأنا هنا بدعوة رسمية ."
تساءلت كاتيا , لماذا بحق السماء , لم يخبرها جدها بكل هذا , وقفز الجواب حالا الى ذهنها المضطرب . وهو أن ذلك لأن نيكولو منعه من أن يخبرها . لأن نيكولو لم يشأ قط لها أن تكتشف السبب في مطارحته لها للغرام, قبل أن ترتبط به للأبد ولايبقى هناك مجال لها للفرار . ولكن , شكرا لله لأتضاح الحقيقة لها بما سمعته الآن , لقد فشلت خطته , قد يكون بأمكان نيكولو أن يفعل أي شئ ما عدا جرها الى مذبح الكنسية ليربطها به الى الأبد , الا أذا خدرها أولا يكفيها الأرتباط المدني الذي تستطيع الفكاك منه على الأقل بخلاف الأرتباط الديني .

جاءها صوت برونيللي يردها الى الواقع بقوله :" يبدو انك متضايقة يا ماركيزة . سامحيني اذا كنت قد سببت لك الألم عندما قلت أنه يخيل الى أن زوجك أنما كان يسعى وراء اللقب وليس وراءك . لقد كان نيكولو دوما خبيرا جدا بجنس النساء , وأكون مجنونا لو فكرت لحظة في أن ثمة شيئا غير جمالك اجتذبه اليك ."

ابتسم لها ولكن عينيه كانتا تراقبانها وهو يتابع قائلا :" أنني مثلا , لم أصدق أبدأ أنه كان مغرما بجينا كابريني وأنهما اتفقا على الزواج أذا هي أستطاعت أن تتخلص من زوجها قانونيا دون التسبب بفضيحة تهدم أمبراطورية كاشياتور . ذلك لأن كل أنسان كان يدرك أن زوج المرأة جوزيب كابريني لم يكن من الحماقة بحيث يعطيها ما تطلب ."

" جينا كابريني ؟ " انساب هذا الأسم من بين شفتيها الباردتين قبل أن تستطيع ضبط لسانها , وذلك عندما واجهت الجانب الآخر من شخصية نيكولو المخادعة . لم يكن بأمكان سيزار برونيلي أن يعلم باكتشافها انه قد غرر بها لتتزوج نيكولو , وهي تستطيع ان ترى بوضوح تام مالذي كان يفعله , منكرا ما سبق وادعى انها الحقيقة وذلك لجرها الى الخروج عن تحفظها .
فجأة انتبهت الى حركة في القناة الصغيرة بجانب مدخل الزوارق القادمة . كان ثمة أصوات . ها قد ابتدأ الضيوف في الخروج ولا بد لها من أن تكون في القاعة لتقوم بدور الزوجة الى أن ترى متى يتوضح كل شئ .
عاد يقول :" ألم يأت زوجك على ذكر جينا قط ؟ ما هذا الاهمال ؟ ان كل شخص في البندقية يعرف جينا . انها احدى أشهر فتيات المدينة , فهي تملك سلسلة من محلات الأزياء في ايطاليا وفرنسا "وعض على شفتيه وكأنه تذكر أمرا ثم تابع :" ثمة كثيرون سيخبرونك أنها أمضت في أعمالها وقتا أطول مما أمضته مع زوجها , ولهذا فشل زواجها . كما ان آخرين ...."
هز كتفيه " حسنا , سيخبرونك ان جوزيب كابريني اكتشف أن زوجته تخونه كما أنه شك في شخصية عاشقها ولكنه لم يستطع أثبات ذلك .."
تغلب غضب كاتيا لجرأة الشاب , على رغبتها في سماع المزيد فقالت :" أظنك قلت ما فيه الكفاية ."
سبب لها الضيق والتوتر الما مفاجئا في صدرها ضاق معه تنفسها فرفعت راحتها الى صدرها وهي تشعر بتسارع دقات قلبها . فأن الشئ الرئيسي هنا هو أن نيكولو حقق أمرين من وراء الزواج منها , الأول هو جعله من الزواج ستارا يحجبه وعشيقته, وفي نفس الوقت يجعل له من صلة بنبلاء ايطاليا القدماء وهذا هو ما يسعى اليه من كل قلبه .

وأن صوتا معذبا في داخلها :" أوه نيكولو ... كيف يمكنك ان تكون بهذه الدناءة ..."
قالت بصوت ينضح بالألم :" أن زوجي..."
قاطعها قائلا :" زوجك ؟ وهل قلت أنا انه عشيق جينا ؟"
وارتفع حاجباه بدهشه مصطنعه وهو يتابع :" انك اسأت فهمي يا ماركيزه . لو كان ذلك صحيحا لما تزوج منك اليس كذلك ؟الا اذا كان قصده بالطبع , القاء القاء جينا خارجا . وتقول الشائعات ان كلا منهما يسعى الى شاهد اثبات ضد الآخر , وبهذا يتحول الأنفصال الى طلاق .
تصوري الفضيحة . وأذا ظهر أن كاشياتور هو المذنب . فسيكون في ذلك احراجا كبيرا له لأن كابريني . الزوج . هو المدير الممول لشركة زوجك ."

لم تكن كاتيا بحاجة الى كل هذا الشرح للأدلة والأثباتات من برونيللي
في ورطتها هذه. لقد كان كل شئ واضحا .
ليس فقط أن موت الماركيز الكبير قد دل على مكان جدها مما جعل هذا معروفا , وعرضه الى مطالبة أسرة كاشياتور له بما يدين لها به , ولكن كان أن دفع الدين بشخصها هي . ولو كان جدها قد أظهر تمنعا وكراهية لرؤيتها تنقاد الى زواج دون حب , فأن في امكان نيكولو , دون شك , أن يلطف من الأمر بأن يساومه على ذلك بألغاء ديون الماركيز الكبير . لابد أنه فعل ذلك عندما فتح الموضوع مع جدها .
وهذا يوضح ذكر كلمة دين في حديثهما الذي سمعته . أنه ثمن صغير يدفع لمصلحة نيكولو .
حدثت كاتيا نفسها وقد توهجت وجنتاها من الغضب , اللعنة عليه .. كيف يجرؤ على معاملتها بمثل تلك العجرفة
والتعالي ؟ لابد انه سعى جهده لدى جدها لكي يحصل على موافقته . مستخدما لسانه المعسول في اقناعه بأن نصيبها يكمن في أيطاليا موطن أسلافها . أذ ان جدها لم يكن ليوافق أبدأ على زواجها لأجل المال فقط .
بدون أية كلمة , تركت ذلك الأيطالي المبتسم ومضت . لتجعله يظن أن كل قصصه انما وقعت في آذان صماء . فلو علم مقدار عرفان الجميل الذي شعرت به تجاهه لكل ما أخبرها به , لما بدا عليه كل هذا السرور الآن .
كانت قاعة الرقص قد أخليت بسرعة . وكان أعضاء الفرقة الموسيقية يحزمون آلاتهم . ولأنها كانت ما تزال ثقيلة الأنفاس , فقد وقفت على عتبة غرفة رائعة الجمال وهي تتمسك بستارة ثقيلة تستند اليها بينما أنظارها على الأرض التي جددت بشكل حسن . انها تريد أن تكتشف الحقائق . لماذا تشعر بنفسها قد دمرت بهذا الشكل ؟ أيمكن لأنها كانت تدعو الله , طيلة الوقت , أن يحدث معجزة ما تجعلها قد اخطأت في فهم الحديث الذي كانت قد سمعته في غرفة جدها : وأن نيكولو في الحقيقة يحبها قدر ما تحبه او بالأحرى قد أحبها : ولكنها ردت على نفسها بعنف أن المعجزات لم تعد جزءا من القرن العشرين .

جاءها صوت نيكولو يقول بحدة :" كاتيا , أين كنت ؟" وارتفعت نظراتها الى وجه العابس وهو يتابع :" كنت قلقا لأجلك ."
قالت ضاحكة بتوتر :" هل ظننت بأنني هربت منك في ليلة عرسنا ؟ ولماذا أفعل ذلك ؟"
نظر اليها بعينيه السوداوين يتأملها بهدؤ ثم قال :" أنك لست على ما يرام . لقد أصبحت تصرفاتك غريبة منذ اللحظة التي وطأت بها أقدامك أرض ايطاليا . ماذا حدث لك يا عزيزتي ؟"
أجفلت وهي تلمس رنة المحبة غير المخلصة في صوته وقالت له بضعف متجاهلة لهجة القلق في صوته والذي اعتبرته تمثيلا , وقالت :" لقد شعرت بالضجر طوال المساء . لم أكن ادرك كم ستكون عليه من الكآبة " فمد يده يلامس وجنتها قائلا :" يا للصغيرة المسكينة ." فأبعدت وجهها هن يده كمن لسعتها حشرة .


قال لها :" انها ليست الطريقة التي نقضي بها أول ليلة لنا كزوج وزوجة. انك تبدين شاحبة جدا . تعالي فقد قاربت الحفلة على النهاية , وسأصعد بك الى شقتنا , ثم أعود اليك بأسرع وقت ممكن ."
أومأت كاتيا برأسها . لم يكن ثمة فائدة من التحدي , حتى ولو شاءت ذلك . فقد رأت من التعبير الذي بدا على ملامحه أنه لدى ادنى تردد منها , سيأخذها بين ذراعيه بالقوة .
وكان يسندها بذراعه الملتفه حول وسطها صاعدا بها السلم الرخامي , وصلا الى الرواق الذي تطل عليه بقية الشقق وكانت هي تنظر الى السجادة العجمية السميكة تحت قدميها مفكرة في أنها لابد أن تكون ثمينة جدا نظرا لقدمها , لقد سبق وقرأت مرة أن أسوأ ما يمكن ان يفعله انسان هو ان يعرض سجادة عجمية على الجدار. ذلك أن قيمتها الحقيقية تأتي من الرثاثة أذ ان مرور الأقدام عليها تمنح الصلابة والأحكام لألاف العقد فيها مما يرفع من قيمتها .

قال لها وهو يوقفها على عتبة غرفة النوم :" اذهبي الى فراشك ياكاتيا . لقد أمضيت يوما شاقا , وسألحق بك حالما استطيع."
شعرت بالراحة أذ لم يقبلها قبل أن يتركها . ولما أصبحت وحدها في الغرفة , تهالكت على فراشها وقد راح ذهنها يعمل بسرعة بينما عيناها تجولان في ما حولها , تنظران دون تركيز , في السجادة ذات الألوان المماثلة لألوان صدف اللؤلؤ , ثم الجدران المغطاة الى منتصفها بالخشب, عارضة مختلف الرسوم . وكذلك السقف المزخرف. و ر د ه ق ا ي ي ن .
ووضعت يديها بعصبية على غطاء السرير المزدوج.
شعرت بالغثيان وهي تفكر في ما ينتظرها عند عودة نيكولو , حين ترفض مجاراته في رغباته . ونهضت من الفراش بضعف وهي تفكر في أنه قد يرفض ادعاءها التعب .
أثناء خطوبتهما القصيرة , كان يقصر رغباته على فرص قليلة كانا يخرجان فيها معا وذلك اعتبارا لقيم جدها ورغبتها هي في اتباع السلوك الذي نشأت عليه . أو على الأقل , هذا كان رأيها . أما الآن فهي تفسر سكوته ذاك ابتعادها عنه , بمعنى مختلف .
بالنسبة لكل ما ادركته الآن , يمكنها ان تبتهج اذ لم تسمح لها أفكارهاالمثالية , بالوقوع في خطأ السماح له بأن يصبح عشيقها . كما أن رغبتها في أن تحافظ على كرامتها وشرفها وألاتدعه يئثر على نفسها . هذه الرغبة لم تتغير .
وبيدين ترتجفان خلعت القرطين هدية نيكولو ووضعتهما في علبتهما على طاولة الزينة قبل أن تخلع ثيابها كليا وتدخل الحمام آخذه معها قميص نومها آملة أن ينعشها " الدوش" الخفيف الذي ستأخذه ولكن خاب أملها وهي تلمس عدم جدواه.
وضعت عطورها المفضلة التي تلائم بشرتها العسلية اللون في مياة الحوض وهي تغتسل ثم ارتدت أخيرا , قميص نومها الساتان الأزرق بعد أن سوت ثنياته حول وركيها المستديرين برشاقة . لقد كانت حين اشترته, تملؤها البهجة لتوقعها ارتداء ليلة عرسها .

كانت غرفة نومها تنتظرها بصمت , وبنفس الصمت قصدت فراشها . وسحبت الغطاء لتظهر الملاءات الحريرية بألوانها الزرقاء الشاحبة والرمادية وكذلك اكياس الوسائد. ولكنها لم تكد تلحظ هذه الرفاهية وهي تريح جسدها المتعب بينها .


النوم , كانت تنشد النوم , الذي لم تستطع مقاومته وقبل ان تمد يدها لتطفئ النور بجانب فراشها كان آخر ما فكرت فيه هو ان نيكولو سيوقظها عند قدومه ليمارس معها حقوقه الزوجية التي يدعيها دون شك .

عندما أستيقظت , كان ثمة ضوء خفيف . وللحظة ظنت نفسها وحدها في السرير الواسع . ولما جلست في الفراش اكتشفت خطأ ظنها , كان بجانبها , بعيدا عنها مسافة تكفي شخصا آخر , كان ثمة وجه نيكولو مطمئنا بين الوسائد المتعددة الألوان بينما كان جذعه العاري مكشوفا تماما وقد استرخت عضلاته بتأثير النعاس , كل ذلك جعل أنفاس كاتيا تتوقف في بلعومها .
بينما أخذت تعجب لضبطه نفسه , هذه الليلة , عادت بها ذاكرتها الى مقابلتها سيزار برونيللي , لقد أفاد النوم
العميق جسمها وأعاد اليها حدة ذهنها . وعليها الآن أن تتابع التمثيلية التي أخذت على نفسها القيام بها .
وبحذر أنزلت ساقيها من السرير , ثم جمعت ثيابها وحملتها معها الى الحمام . وأخذ منها غسل وجهها وأسنانها وارتداء سروال جينز وقميص , فقط عدة دقائق , لقد كانت بحاجة الى بعض الوقت تقوم فيه بتنفيذ خطتها , ولهذا , أرادت أن تنفرد بنفسها .


من دون ان تزعج نيكولو تركت الغرفة بخفة ونزلت الى أسفل مجتازة قاعة الرقص الخالية , ثم خرجت من احد الأبواب الزجاجية الى الحديقة . كانت في الليلة السابقة قد لاحظت بوابة حديدية قود الى مكان رسو الزوارق بجانب القصر وأستغرق منها ارزاحة رتاج البوابة عدة ثوان لتجتاز , بعد ذلك , الجسر الحجري المزخرف الذي يعبر القناة الصغيرة .

لم يحدث حذاؤها الجلدي الخفيف أي صوت وأسرعت نحو مفترق الطرق المتاشبك الذي رأته أثناء رحلتها في اليوم السابق والذي يقودها الى ساحة سان ماركو تاركة القناة الكبيرة خلفها , وعرفت بقدر ما ان تتذكر أين تكون الساحة وبالنسبة الى الجهة التي توجهت اليها سيكون بأمكانها أن تعود فتقتفي آثار قدميها .

هامت في الشوارع الضيقة الخالية , بأشاراتها الصفراء التي تعين الأتجاهات الى ساحة سانت ماركو , أو الى جسر ريالتو, واجتازت الساحة الصامته حيث كان الحمام يسبح في برك من الماء تجمعت من القطرات النازلة من المضخات , لاتكاد تنتبه الى الشرفات التي تتدلى منها الأزهار أو الدوالي التي تغطي الجدران , كانت البندقية قد بدأت تستيقظ مستجيبة الى فجر جديد . وكانت هي قادرة على أن تنفرد بنفسها لتستعرض ما عرفته في تلك الليلة ....ورده...
اهتزت وهي تفكر في سيزار برونيللي ودوره في كل هذا ..ما أشبهه بواحد من قوارض الطير يقف على السياج منتظرا الجيفة . ليتهافت عليه ليسمن . ولكن ليس عليها أن تحترم أو تحب برونيللي لكي تصدقه . ذلك أن عرضه كان واضحا . انه يريد أن يثير أكبر عدد من الفضائح لكي يكتب عنها , فليس له أية عداوة شخصية نحوها أو نحو نيكولو , كما أن ليس عنده ضمير يتحرك لنتيجة ما يقوم به .
وامتلأت عيناها بالدموع وتوقفت عندما وصلت الى جسر ضيق يعبر قناة صغيرة , ونظرت الى اعماق المياه
التي مازالت تعكس صور المنازل العالية على جانبيه , مما حول المياه الى شبه مرآة داكنه وقد ابتدأت خيوط أشعة الشمس في اختراق ظلمتها . وكان هناك زورق صغير واقفا لايتحرك . وعلى مسافة منه أمكنها رؤية انعكاس كامل رائع في المياة للجسر الذي يليها , بينما يغرق عالمها هي في الحطام المحيط بها .
قبضت على حاجز الجسر بيديها بشدة , أن مصيرها بين يديها الآن , ولكنها يجب ان تكون فطنة . كانت تدرك أن المواجهة المباشرة لن تكون في مصلحتها. ولكن بطريقة أو بأخرى , يمكنها أن ترغم نيكولو على الأعتراف بغلطته التي ارتكبها , ومن ثم تقنعه بأن من الأفضل لهما معا , أن يطلقها .



انتهى الجزء الثالث

 
 

 

عرض البوم صور ماري-أنطوانيت   رد مع اقتباس
قديم 03-08-08, 12:17 PM   المشاركة رقم: 7
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: May 2007
العضوية: 29212
المشاركات: 47
الجنس أنثى
معدل التقييم: ماري-أنطوانيت عضو له عدد لاباس به من النقاطماري-أنطوانيت عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 102

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ماري-أنطوانيت غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ماري-أنطوانيت المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

هذا الفصل كتبته العزيزه ((الاميره شوق ))

الفصل الرابع

ضائعة في أفكارها, استدارت كاتيا في طريق العودة لتتوه عن الطريق الصحيح. واقتضاها الأمر وقتا جربت فيه مختلف الطرق قبل أن تكتشف الطريق المؤدي إلى القصر حيث وجدت نفسها وهي تعبر الجسر لتستقر فوق الأرض وجدت نفسها أمام نيكولو الذي كانت الثورة تندلع من عينيه قائلا لها بصوت حاول أن يجعله هادئا دون أن يتمكن من إخفاء الغضب الذي كان يتملكه. قال لها وهو يقبض على ذراعيها بخشونة: " أين كنت؟"
تسارعت دقات قلبها . لقد ابتدأ أخيراً, في الكشف عن وجهه الحقيقي ليبسط سلطته عليها. فجأة شعرت بالجفاف في فمها وهي تجيب: " كنت أتمشى." وألقت نظرة بهدوء مصطنع إلى اليدين اللتين تمنعانها من الحركة وما زالت خفقات قلبها تتسارع.
تابعت: " إنها ليست جريمة بالطبع لقد استيقظت باكرا ولم أستطع متابعة الرقاد فأردت أن أفعل شيئا."
قال: " ألم يخطر ببالك أنه لو كنت أيقظتني لوجدنا نحن الإثنان ما نفعله؟"
لم تخطىء هي فهم المعنى الذي قصده والذي ظهر لمعان عينيه.
كان الجواب البديهي لذلك هو أنها تركت المنزل لأنها كانت تعلم ما الذي كانا سيفعلانه لو أنها كانت قد أيقظته.
أجابت: " كان يبدو عليك الاستغراق في النوم فلم أحب أن أزعجك كما أنه لم تكن لدي فكرة عن الوقت الذي عدت فيه أمس إلى الفراش."
قال بينما أهدابه السوداء تخفي نظراته الحاده : "بعد اوصلتك الغرفة بقليل هل هذه هي المسألة؟ هل لانني لم اوقظك لأقوم بواجباتي كزوج ؟ هل أشعرك هذا بالاهمال ياحبيبتي وحملك على الاعتقاد بانني يجب أن اكفر عن خطأي بأن أضع في قلبي الخوف ؟"
قالت متصنعة دهشة فضحها هدوء نظراتها :" الخوف؟ وماذا هناك ليدعوك إلى الخوف؟ إن البندقية هي من أكثر المدن أمناً."
قال وهو يضغط بيديه على ذراعيها:" نعم. هذا ما أعتقد ولكن الرجل الذي يصدم باختفاء عروسه, لا يمكننا أن نلومه إذا هو تصور الأسوأ."
ضحكت غير مصدومة وهي تقول:" وهل اعتقدت أنني خطفت؟ كل ما أردت عمله هو أن أكتشف قلب البندقية."
قال نيكولو بجفاء:" بينما عندي أنا شيء آخر لتكتشفيه. شيء يجب أن يجري في شقتنا بمعزل عن الأعين الفضولية هنا عند مرسى الزوارق. هيا بنا."
سارت كاتيا مستسلمة باتجاه مدخل الحديقة, إلى حيث تنتظرها مواجهة المعركة في شقتها. كان على نيكولو أن يتعلم أنها ليست متاعا تستعممل لإنجاح عمل الرجل أو تكون ستار لمواراة غرام غير مشورع. كان عليه أن يتعلم أن كرامة أسرة لورنزو تماثل ما عند أسرة كاشياتور, هذا وإن كان تعليمه كل ذلك لا يخلو من خطر.
تمتمت لعدد من الخدم كانوا يقومون بتنظيف أرضية قاعة الرقص تقول:" صباح الخير."
بينما كان هو مازال قابضا على ذراعها يقودها نحو السلم صاعدا بها إلى شقتهما.
قالت بيأس وهو يدفعها برفق لاجتياز العتبة:" نيكولو أريد أن أتحدث إليك..."
قال:" وأنا أيضا... ولكن ليس بمعدة فارغة."
أمسك بالهاتف يأمر بإرسال الفطور إلى شقتهما مشيرا إليها بعد ذلك بأن تذهب إلى غرفة الجلوس الرائعة لتأخذ قسطا من الراحة.
هكذا انحنى فوقها وهي جالسة في غرفة الجلوس ونظر في عينيها بثبات قائلا:" من هو ذلك الرجل الي كنت على موعد معه هذا الصباح؟"
أحمر وجهها من الدهشة وهي تقول:" ماذا تقول؟"
وتسارعت دقات قلبها بينما تحاول امتلاك نفسها. كيف يجرؤ على تحويل التهمة محاولا بذلك تغطية عتاب لا حق له فيه؟
قال معنفا :" إنك لست صماء ولا جاهلة يا عزيزتي كاترينا. كما أنك لست حمقاء. كما أنه لا يبدو أنك تبادلينني نفس المجاملات. لقد بقيت معي لحظة واحدة, في الليلة الماضية لتختفي بعد ذلك. أتظنين أنني لم أبحث عنك؟ أو أنني لم أرك مستغرقة في الحديث مع صديقك؟"
دب في نفسها الخوف وهي تسأله:" هل رأيتني في الحديقة؟ ولكن لم لمتأت إلي؟"
رفع حاجبيه الاسودين قائلا:" أتظنينني من الحماقة بحيث أخلق مشهدا يؤثر على نجاحي العملي؟ لم أكن أعلم أنك تعرفين أحدا في البندقية لو كان الاجتماع بريئا لتوقعت منك أن تقدميني إلى مرافقك هذا. ولقد أعتبرت أنك كنت البارحة متعبة فلم أشأ سؤالك وتركت ذلك إلى أن تستيقظي مرتاحة في الصباح, فماذا وجدت؟ كان فراشك فارغا دون أي ملحوظة تتركينها لي تدلني على مكانك.. ماذا غير ذلك علي أن أتوقع؟ ما دمت لم تتعرضي للاغتصاب فقد كنت دون شك على موعد."كاد الغضب يخنق أنفاس كاتيا كيف يجرؤ على قلب الأشياء عليها؟ لقد سبق وأن ألقى عنه رداء التهذيب الذي ارتداه في انكلترا, لييدي لونه الحقيقي كاشفا عن نفسه كغريب وقح. وشكرا لما هيأها لمثل هذا التغير.
قالت وهي تنهض واقفة:" إنك متعجرف..." ولكنها ما لبثت أن عادت تجلس بعد أن سمعت قرعا على الباب لتدخل خادمة شابة تدفع أمامها عربة عليها صينية الإفطار.
اخفاء لمظهرها الغاضب وارتجاف يديها خفضت كاتيا نظراتها وشبكت يديها في حضنها وابتدأت تعد في ذهنها إلى العشرة.
قال نيكولة وهو يضع كوب قهوة على طاولة بجانبها دون انتظار جوابها:" القهوة." وعندما انسحبت الخادمة تابع: " اتريدين الكعكة؟ يمكنك غدا أن تختاري الفطور بنفسك, إذ لا أظنك عازمة إلى معاودة الخروج باكرا إلى موعدك ذاك. ماذا كنت تقولين؟" ورفع كوبه لى فمه منتظرا جوابها.
فكرت هي أن هناك طريقا واحدا لمواجهة النار, ألا وهي النار نفسها.
أخذت نفسا عميقا تهدئ بذلك أعصابها ثم رفعت نظرها إليه بتحد كمن يستعد للقتال:" إنني أفضل أن تعاملني بالرقة و اللطف اللذين يتناسبان مع مركزي."
نظر إليها بعينين ساخرتين قائلا:" مركزك كزوجة لي ؟ ولكنك حاليا, زوجة بالإسم فقط يا حلوتي وتبعا للمركز الذي تدعينه لنفسك في الدقائق التالية ستكون معاملتي لك لطفا وحرارة."
تزايد خفقان قلبها وهي ترى في وجهه رغبة لا يمكن أن تتجاهلها. وحاولت أن تخفف من هلعها بقولها:" مركزي هو حفيدة ماركيز." وتوقف قلبها عن الخفقان وهي ترى الصدمة في عينيه وتوتر فكه مما حقق لها ما كانت تريد معرفته.
انحنى نيكولو فوقها وقد توتر جسمه منذرا بالخطر وهو يقول:" إذن فقد أخبرك انطونيو بذلك برغم كل شيء."
على الرغم مما فعله جدها معها فقد شعرت حمايته من غضب نيكولو فاندفعت قائلة:" جدي؟ يا للسماء... ليس هو من أخبرني. لقد قرأت بعض الصحف التي وصلته من إيطاليا كانت ملقاة على مكتبه. وفكرت في أنه أكبر سنا من أن يهتم بمثل هذا اللقب ولكنني لست كذلك."
توقفت عن الكلام تجيل بأنظارها في أنحاء الغرفة الرائعة ثم تابعت قائلة:" خاصة وأنا الآن سيدة هذا القصر. لقد كنت أحلم بكل المباهج التي سأستمتع بها وبكل الاستقبالات والحفلات التي سأقيمها لأناس في مثل سني... أعني ليس من أمثال الناس الذين كانوا هنا البارحة..." وتلاشى صوتها في جو الغرفة الهادئ.
قال نيكولو أخيرا:" لقد فهمت. حسنا يا عزيزتي, آمل أن لا تكوني شعرت بخيبة الأمل . إنك تعرفين كما أعرف أنا إن إيطاليا هي جمهورية ولم يبق هناك أي اعتبار للألقاب. حتى ولو كان , فإنني لا أظن أن لقب ماركيز ينتقل إلى الحفيدة بالضرورة فهذه الألقاب القديمة تميل إلى الانتقال إلى الذكور فقط. وهذا هو السبب كما أظن الذي منع جدك من أن يصارحك بهذا, لأنه اعتبر أن لا جدوى من إخبارك بهذا اللقب الذي لا يعني شيء."
رسمت على شفتيها ابتسامة وهي تنظر إلى وجهه قائلة:" أتظن ذلك؟ لقد ظننت أن لقبا كهذا مهما كان هو شيء حسن إذا تصدر رسائل أية شركة طموح خاصة تلك التي تصدر إلى ماوراء البحار والجمهوريات التي ليس لها ملكيات خاصة... ولم يكن جدي يريد أن يزعج نفسه بشركات تريد أن تحقق ارباحا من وراء مثل هذا."
قال وقد ضاقت عيناه وبدا عليه نفاذ الصبر:" إن عنده بالطبع أسبابه الخاصة ولم يشأ أن يشغلنا بمثل هذه الأمر إنني متأكد من ذلك."
ابتسمت في وجهه بلطف بينما تسارعت خفقات قلبها وهي تقول:" ولكنه أخبرك أنت بذلك. أو لعلك عرفت بذلك قبل أن تأتي إلى انكلترا لمتابعة أعمالك؟"
تصلب جسده بشكل مخيف وهو يقول:" ما هذا كاتيا؟ هل وصلنا إلى هذا الحد؟ هل تحسبينني لأنني سبق وعلمت أن جدك ورث لقبا لم يعد له قيمة؟"
قالت وهي تأخذ آخر رشفة من كوبها ليمكنها تمالك نفسها وتستمد القوة لمواجهته:" طبعا لا." لقد كان إذن واثقا منها بحيث لم يكلف نفسه عناء التظاهر بالنزاهة.
منتديات ليلاس
مرة أخرى أحست بنفسها القوة مع أن نيكولو ما زار واقفا مشرفا عليها بينما استدارت هي تنظر إلى القناة الكبيرة من النافذة التي كانت في التو قد زال عنها غشاء الضباب مع ارتفاع الشمس في قبة السماء. كان يمكن أن تشعر بخسارة أقل فيما لو كانت واجهته على نفس المستوى ولكن حتى أعلى كعب حذاء عندها ما كان ليمنحها مثل هذا الشعور بالمساواة.
قالت:" في الحقيقة إنني معجبة بعقلك الفريد في تتبع الفرص لتحسين صورة أعمالك بكل تلك الغيرة والحماس." كانت عيناها لا تزالان مركزتين على الزورق المحمل بسياح يابانين كانوا يستمتعون بصحبة سائق الزورق الذي كان يعزف على الاكورديون رافعا صوته بأغنية حب من البندقية بينما كانت تحس بعيني نيكولو تخترقان رأسها من الخلف وتعكسان في سوادهما شيئا هو غير الرضى تبعا للجو المشحون بينهما.
قال بلهجة أخافتها:" في الحقيقة يبدو أننا نحن الأثنان لسنا غريبين عن الطموح هذا إذا كنت ترين الزواج مجرد طريق إلى جدول لا ينته من الاستقبالات و الحفلات يا عزيزتي."
استدارت تواجهه وهي ترسم على شفتيها ابتسامة مصطنعة لتقول:" أوه... والآن يا نيكولو... المساومةهي المساومة... إن زواجنا ليس الوحيد من نوعه الذي يتزوج فيه الفقير ذو اللقب من الغني الذي هو من دون لقب."
أمام الشرر الذي تصاعد من عينيه تابعت بسرعة:" وإن هذا الأساس للزواج هو أكثر ثباتا من أوهام الحب... ألا توافقني على هذا؟"
أخذت تراقب ملامحه وقد تصلبت بينما انتظرت هي جوابه راجية أن لا يعود من ناحية إلى تكرار القسم على حبه ومن ناحية أخرى إلى ما تتوقعه من تحقق مخاوفها إلى الأسوأ.
عندما بدت شفتي نيكولو ابتسامة قاسية فارقها آخر أمل لها.
نظر هو إليها بعينين ضيقتين وهويقول:" وهكذا لم تنخدعي أبداً بتأكيداتي القوية لحبي الذي لن ينتهي. لقد خاب أملي حقا كنت أظن نفسي أستاذا في فن التودد."
قالت تطمئنه بسرعة:" وإنك لكذلك فعلا فقد أثرت بي معاملتك كثيرا ولكنني لم أكد أصدقها خصوصا عندما ارتبت في تصرفاتك منذ البداية . لقد كانت لعبة جيدة لعبناها معا نستغل بها جدي.ولكننا نحن الإثنان نعلم أن الحب من النظرة الأولى هو وهم المراهقة الذي ينتهي دوما بالخذلان والتعاسة. ولكن الحقيقة في قضيتنا هي مختلفة تماما. فقد وجدت أنت في كوني حفيدة ماركيو طريقا إلى التقدم ماديا بينما وجدت أنا فيه طريقا إلى الخلاص من حياة القرية ومن الوظيفة المملة ولأحصل على شيء من اللهو واشتري الملابس الجملة التي تناسب مركزي الجديد ويكون عندي الخدم... ولكن ليس ثمة حاجة بنا إلى التظاهر ونحن بمفردنا بالاهتمام ببعضنا البعض أليس كذلك؟"
"و الان ليس علينا أبدا أن تراعي شعور جدك بعدا لآن أليس ذلك ما تعنينه؟"
جاءها هذا السؤال بلطف من خلفها... كان من الرقة واللطف بحيث جمد الدم في عروقها.واغتصبت ابتسامة رسمتها على شفتيها الجافتين قائلة:" كنت أعرف أنك ستتفهم الأمر. كان يهمنا نحن الاثنان معا أن أخدع جدي بأنني وقعت في حبك وإلا لما وافق بدا على زواجي منك. ولكنني أخشى أن لا أكون من المهارة في التمثيل بحيث أستمر في تمثيل هذا الدور ونحن بمفردنا. وإنني أتظاهر بذلك ما دمنا أمام الناس ولكن عندما نكون على انفراد يذهب كل منا لشأنه."
قال متصنعا الهدوء ليفضحه بريق عينيه السواداوين:" أتعلمين ؟ أنني عند ذلك ربما ظننت أحيانا أنك تبالغين في التظاهر يا حلوتي."
قالت تعترض وقد كرهت الطريقة التهكمية التي خاطبها فيها بكلمة حلوتي:" كلا بالتأكيد. إنني أعرف أن عندك..." وتوقفت عن الحديث تستجمع شجاعتها حيث أنه لم يحاول إيقافها عند حدها, لتستطرد قائلة:" عندك علاقة غير شرعية ما زالت قائمة." وسكتت فجأة بجفاء.
اشتعلت عيناه وهو ينظر إليها بغضب هائل نضحت به كل خلية في جسمه وهو يقول برقة مخيفة:" ومن هو هذا الأحمق الذي أخبرك بكل هذا؟"
قالت:" بعض الأشخاص... رجل ما..." ولم تجرؤ على التفكير في النطق بأسم سيزار برونيللي برغم ازدرائها له أنها في هذا الظرف لا بد أن تعرضه إلى العقاب. واستطردت:" إنه أحد ضيوف حفلة الليلة الماضية."
قال:" وهل كان من الثرثرة بحيث ذكر اسم تلك الحبيبة؟"
نظرت إليه كاتيا في رعب وقد تجلى الغضب والقسوة على فمه المتوتر. ولكن لم يعد أمامها مجال للتراجع الآن غير أن مشاعرها المتأججة في داخلها دفعتها إلى رؤية رد الفعل عنده عندما يعرف أن علاقته السرية غير الشرعية لم تعد سرا.
قال:" آه... لا بد أنه رفيقك في الحديقة هو الذي أخبرك."
لم تغفل أذناها رنة الاستهزاء في صوته. وقالت:" لقد قال إن ذلك قد أصبح حديث الناس." وهزت كتفيها وهي تتابع:" جينا كابريني... أظن هذا هو اسمها. هل كانت في الحفلة الليلة الماضية يا نيكولو؟ كنت أحب قابلتها. إنني أعرف أنك واياها صديقان حميمان."
قال:" إنك إذن تعرفين ذلك؟"
كان بجانبها في خطوتينيمسك بكتفيها ويجذب جسمها نحوه متابعا:" لقد عرفت جينا منذ كنا مراهقين وهي متزوجة الآن من أخلص شركائي."
رفعت حاجبيها تسأله:" تعني منفصلة بالتأكيد؟ هذا إذا كانت معلوماتي صحيحة."
" كفى ثرثرة!"
ماتت الكلمات على شفتيها حين انحنى رأس نيكولو وهو يلثمها مستغلا آهة الدهشة التي أطلقتها.
رفعت يديها بحركة آلية إلى كتفيه تحمي نفسها من هذا الهجوم قال:" لا حاجة بك إلى الغيرة من جينا."
كان الخطر يبدو في كل مقطع من كلماته العبة التي كان يهمس بها بينما أنفاسه الدافئة تلفح أذنها. واستطرد قائلا:" لو لم تكوني نائمة عندما جئت إلى الفراش لكنت أعطيتك كل برهان أردته. مهما كانت أسباب زواجنا فإنني مصمم على جعله حقيقيا بكل معنى الكلمة."
" كلا..." قالت ذلك بآهة احتجاج منكرة عليه تغيير الموضوع لإخماد مخاوفها مستعملا في سبيل ذلك مهارته الجسدية المتسلطة. إنها لا تريد أن يتلاشى غضبها بالسحر الذي يسلط عليها.
أخذت تدفع عن نفسها جاهدة في التنبه من شبه النعاس الذي اجتاح كيانها. والذي يهددها بغزو روحها كما يغزو جسدها. كلا, ليس هذا ما تريده.. ليس هذا حبا حقيقيا... إنها محاولة من نيكولو ليبسط سلطته عليها ليعاقبها لكشفها خيانته. ليربطها إلى سحر جسده الآسر... للمصير الذي خططه لها. إنها حركة يتوجب عليها إحباطها إذا كانت تريد أن تستبقي ولو الرواسب من استقامتها ونزاهتها الأصلية.
" كفى" وبصرخة قصيرة سحبت نفسها من بين ذراعيه مسرعة نحو الباب لتفتحه وتركض في الممر آملة في الخلاص منه. إنها تريد أن تتوه مرة أخرى في شوارع المدينة الضيقة ريثما تستعيد حواسها وتهدئ من مشاعرها ليمكنها ذلك من مواجهته مرة أخرى مسلحة تجاه أي تقارب جسدي يتطلبه منها.
دون أن تنظر خلفها خرجت من الباب المؤدي إلى الشارع حيث أخذت تركض من شارع إلى آخر بسرعة إلى أن سمحت لنفسها بالوقوف لتسترد أنفاسها اللاهثة بينما كانت ضربات قلبها تتسارع من القلق. واستندت إلى الجدار للحظة أخذت بعدها تنظر إلى ما حولها بحذر لترى الطريق الذي جاءت منه.
كان نيكولو قد تبعها. وكانت الشوراع بالمارة إذ ان البندقية كانت الحرارة تدب فيها منذ الصباح الباكر تحيي نهارا جديدا. واستطاعت كاتيا أن ترى رأس زوجها المنتقم على بعد أمتار قليلة منها وكان اقترابه منها يزداد بسرعة لا تدعو إلى تفاؤلها. ولم يكن هو مسرعا ولكن خطواته الواسعة هي التي كانت تقصر المسافة بينهما.
لم يكن ثمة مهرب من أن يلحق بها إلا إذا استجمعت أفكارها لتضع خطة تسير على هديها ودفعها الهلع إلى زيادة سرعتها مجتازة الشوارع والأزقة. صاعدة فوق الجسور دون معرفة بالاتجاهات وليس في ذهنها إلا شيء واحد وهو أن نيكولو مازال في أثرها إلى أن أثار ذعرها أن وجدت نفسها قد وصلت إلى نهاية الطريق.
كانت تجري أمامها قناة صغيرة على جانبها طريق ضيق ينتهي فجأة حيث جدران البنايات القريبة تغطس فجأة في المياة الساكنة.
تساءلت ما الذي بإمكانها عمله الآن؟ وكان خلفها الزقاق الذي كانت قد اجتازته مسافة عدة أمتار قبل أن تأمل في إمكانية العثور على منعطف تخرج منه. وكان هناك احتمال في أن تركض مباشرة لتجد نفسها بين ذراعي نيكولو. وهذه المنطقة من المدينة كانت معزولة فإذا كان طبعه يماثل سرعته الحيوانية فهو قد يفتك بها ملقيا بجثتها في القناة دون أن يشاهده أحد.
ثم رأته كان زورقا رأسيا بجانب درج هناك. كان داخله مغطى بعناية بغطاء أحمر كبير. فإذا هي استطاعت الاختباء داخلة فإن نيكولو سيظن أنها انعطفت في طريق ما قبل أن تصل إلى نهاية الطريق. ولكن تبعا لمعرفته بالمدينة لابد له من أن يفتش هنا أولا.
نزلت دون تردد إلى الزورق رافعة الغطاء دون أية مشقة لتعيده جره فوق جسمها المرتجف مبقية فتحة صغيرة تتأكد منها ما إذا كان لمخاوفها أساس.
كان لمخاوفها أساس. إذ بعد لحظات من استقرارها التقطت أذناها المرهفتا صوت خطوات تقترب .
توقفت الخطوات ورأت من مكمنها الحذاء الرمادي الذي كان ينتعله نيكولو وكذلك سرواله الفضي. حتى انها استطاعت أن تسمع صوت انفاسه المتلاحقة أو ربما صدى أنفاسها هي في مكانها الذي يعلوه الغبار.
وقف هو دون حراك فترة خالتها دهرا, قبل أن يستدير عائدا من حيث أتى هل خدعته حقا؟ وبقيت في مكمنها قرابه العشر دقائق قبل أن تغامر بالخروج. هذا وما زالت خائفة من أن يكون كامنا ينتظرها. ولكن الأزقة المحيطة كانت خالية. ووقفت وهي لا تستطيع تصديق حظها الحسن وقفت تتدبر الاتجاه الذي ستسلكه وعندما التحقت بالمارة عرفت أنها قريبة من جسر " الريالتو".
كانت في حاجة إلى وقت تفكر فيه دون أي شعور بالخوف من ان نيكولو يتبعها ويحصي عليها أنفاسها. لو انها فقط تستطيع إخفاء شعرها الذهبي وتغير ثيابها ثم تختلط بالسياح الذين يتكاثر عددهم على الدوام.
كانت " بسطات" البضائع المنتشرة قرب جسر الريالتو هي التي أوحت إليها بالفكرة. فدست يدها في جيبها تخرج بضعة جنيهات كانت تنوي أن تبدلها بليرات إيطالية.
بعد عدة دقائق فقط كانت تشتري قميصا مطبوعا على صدره عبارة(أحب البندقية) وقبعة رياضية من القش بشريط أحمر ولتغيير ثيابها دخلت حانوتا صغيرا واشترت أيضا سروالا قصيرا قرمزي اللون ثم استبدلت ثيابها جميعا في ذلك الحانوت.
لن يعرفها نيكولو أبدا الآن وشعرها مرفوع تحت القبعة وساقاها الطويلتان مكشوفتان في السروال القصير. بينما نقوش القميص تغطي صدرها . لقد بدت في هذه المربس سائحة نموذجية مثال المرأة التي كان نيكولو يحتقرها لو رآها حيث أن ملابيها غير المناسبة تسيء لكرامة البندقية. ولكن شوارع الريالتو كانت ضيقة وكان تنكرها مقبولا في ساحة سان ماركو الفسيحة.
باتباعها الإرشادات الواضحة الموضوعة لإرشاد السياح وصلت بعد ربع ساعة إلى هدفها. إذ ظهرت ساحة سا ماركو للرائي من القناة الكبيرة بكل روعتها وتأثيرها في النفس فهي تظهر عند ذاك في نهاية بياتزا. وكان المنظر رائعا بعقودها الكبيرة وأقبيتها وأبراجها التي تتألق في ضوء الشمس بلونيها الأبيض والذهبي.
أمام هذا المنظر احتلت متاعب كاتيا المكان الثاني من الأهمية بعد الابتهاج والسعادة اللتين داخلتاها أمام هذا المنظر كان هذا موطن أبيها... وقسم من ميراثها ولا يمكن لشيء أن ينقص من بهجتها به. وقبل أن تتحول إلى منتصف الساحة وقفت فترة أمام حوايت المجوهرات الغالية مأخذة بدقة وروعة المعروضات.
كانت أفواج السياح في منتصف الساحة يطعمون الحمائم . واقتربت من " الكاتدرائية" نفسها لتقف وتتفرج على زخارفها الرائعة.وقبل أن تعرف ما سيحصل وجدت نفسها محاطة بمجموعة من السياح الذين لابد أنهم دخلوا " الساحة" من جهة القناة الكبيرة.
علا صوت امرأة خلقها تخاطب ذلك الجمهور الصغير بصوت مدو وبانكليزية ممتازة:" إن كنيسة سا ماركو المعروف أيضا باسم " البازيكيا" الذهبية مثال آخر رائع يعلمنا لماذا أطلق على هذه المدينة لقب "المدينة الآمنة" إنما تشير إلى "السيدة الذهبية" وقد انشأت في العصور الوسطى عندما..."
كانت كاتيا مصغية بكل حواسها عندما جاءها صوت رجل من خلفها يقول:" ها... إنني لم أرك في السفينة من قبل." واستدارت هي قليلا لتجد نفسها أمام شاب في مثل سنها.
قالت متلعثمة وهي ترى الفائدة التي تجنبها من كونها واحدة من هذه المجموعة:" كلا .. حسنا.. أعني إنها سفينة كبيرة أليس كذلك؟" وابتدأ عرض آخر ذو أهمية ليتجمع عدد من الناس حول الدليل.
أجاب الشاب وهويشملها بنظرة متفحصة:" نعم بالتأكيد إنني أعرفك ولكنني مللت من هذه الشروح الحضارية التي لا تنتهي. إن باستطاعتي الاطلاع على كل هذا من الدليل السياحي لو شئت ولكنني في غاية الشوق إلى كأس من الجعة. ما قولك في الذهاب و التفتش عن حانة أو مقهى نجلس فيه؟"
حنت كاتيا رأسها موافقة وهي تقول:"لا بأس" وألقت نظرة شاملة إلى ما حولها دون أن ترى أثر ا لنيكولو. ولكن لا بأس من أن ترافق شخصا ما لبعض الوقت وعلى كل حال فقد أصاب التوتر الذي مر عليها فمها وحلقها بجفاف مزعج.
قال:" من هذا الطريق إذن " وأحاط خصرها بذراعه بنوع من الإلفة ثم قادها نحو القناة الكبيرة وهو يقول:"لقد سبق وعاينت صف الحانات بأكمله هنا ويمكننا أن نجلس ونتناول الشراب ونتفرج على المارة ثم نتكلم عن بعضنا البعض."
" لم لا." قالت كاتيا هذا ممتثلة إلى إشارته بالجلوس وهي تشعر بالنشاط والسرور للجلوس على كرسي هزاز مريح تحت مظلة حمراء بينما كان مرافقها يطلب لنفسه كأس جعة وزجاجة كوكا كولا لها.
كان المنظر أمامها رائعا. كانت تعبر أمامها حافلات البندقية المائية نحو الجهات الأخرى من القناة الكبيرة التي تتوسط المدينة بينما الزوارق الصغيرة تتحرك جيئة وذهابا في الشوارع المائية الضيق. وعلى طول الرصيف الذي يفصل الحانة عن القناة كانت مجموعات من المارة لا تنتهي. يسيرون ضاحكين معجبين يقفون هنا وهناك يشترون الهدايا والتذكارت من على العربات التي تعرضها. وفكرت كاتيا في أن هذا هو أفضل مكان يمكنها أن ترتاح فيه حيث لا يمكن لنيكولو أن يجدها مهما حاول.
" أظن يا عزيزتي أن ربما بعد أن استمتعت بالانطلاق و المرح لمدة طويلة ربما قد حان الوقت لأعيدك إلى القصر . أليس كذلك؟"
لم تكن كاتيا لتخطئ في صوت أو شخصية ذلك الذي ألقى إليها هذا السؤال الرقيق.
تمتمت:"نيكولو" بينما تقدم هو من خلفها مارا بين الموائد ليضع يده على كتفيها.
هب رفيق كاتيا واقفا على قدميه قائلا:" انتظر لحظة. إن هذه السيدة هي برفقتي ونحن ركاب سفينة واحدة. لماذا لا تبتعد من هنا لتجرب حظك في مكان آخر؟"
قال نيكولو بلهجة تنذر بالسوء:" ما أسمك؟" وكانت كاتيا تحول عبثا لفت نظر مرافقها إلى أن يتوقف عن ادعائه بما لا يمكنه اثباته.
أجاب مرافقها:" اسمي سيترمان غوردن شيرمان إذا كان هذا يهمك ." ولما كانت لا تنقصه الشجاعة بعد أن أخذ جرعة كبيرة من الجعة قبل أن يقف تابع قائلا:" وأنا انصحك..."
قاطعه نيكولو:" وأنا أنصحك أن تبقى صامتا."
لم يكن المعنى الذي يبطن لهجة نيكولو الباردة بالتي يخطئها السامع وهو يستطرد قائلا:" إن رفيقتك في السفينة كما تزعم هي زوجتي وأنت الآن تقطع علينا شهر العسل."
وقفت كاتيا على قدميها شاعرة بالغثيان من الخوف وهي تقول :" نيكولو.. أرجوك لقد وقع السيد شيرمان في غلطة طبيعية حيث أنني لم أوضح له الأمر." ونظرت إلى وجهه الصارم بضراعه راجية عبثا أن تكتشف فيه لمحة من الرحمة وقالت وهي تشعر بالتعاسة:" لقد كنت ظمأىواما عرض علي أن يشتري لي زجاجة كوكا كولا..."وخفضت نظرها إلى كأسها الذي كان ما يزال ممتلئا.
رفع نيكولو حاجبيه قائلا بازدراء:" اسمح لي أن أعيد إليك ما دفعت كم تريد؟" وبدا الفتى الانكليزي متلاشيا كسمكة علقت بصنارة وهو يقول متلعثما:" لم يكن لدي أية فكرة... ظننت.... إنها لم تقل أي شء.."
هز نيكولو كتفيه العرضتين وهو يقول:" حسنا السكوت من ذهب كما يقال." ووضع يده في جيبه قائلا: " خذ هذا... إنه يكفي ما دفعت وما تحملت من ضيق."
وضع الشاب النقود في جيبه دون أن ينظر إليها وهو يقول:" هذا حسن إنني آسف لسوء التفاهم هذا..." وجرع بقية كأسه ثم شمل كاتيا بنظرة ألم ليترك بعدها الحانة حنيا ظهره وواضعا يديه في جيبي سرواله.
فكرت كاتيا ياللمساء ما الذي سيحدث الآن؟ وتوقعت من نظراته التي كانت تتأملها بعض الشفقة. هل تراه يفكر في جرها في شوارع البندقية عائدا بها الى القصر؟ وعضت على شفتيها شاعرة باعذاب وإذا هو فعل ذلك ماذا سيفعل عندما ينفرد بها في ذلك السجن؟




أنتهى الفصل الرابع

 
 

 

عرض البوم صور ماري-أنطوانيت   رد مع اقتباس
قديم 03-08-08, 12:25 PM   المشاركة رقم: 8
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: May 2007
العضوية: 29212
المشاركات: 47
الجنس أنثى
معدل التقييم: ماري-أنطوانيت عضو له عدد لاباس به من النقاطماري-أنطوانيت عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 102

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ماري-أنطوانيت غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ماري-أنطوانيت المنتدى : روايات عبير المكتوبة
Ciao

 

اقتباس :-   المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قطرات لامعة مشاهدة المشاركة
   بالفعل رواية رائعة يعطيكم العافية

مشكور عزيزتي على مرورك...
وان شاء الله تستمتعين بقراءتها



اقتباس :-   المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبتسم رغم أحزاني مشاهدة المشاركة
   راااااااااائعه الرووايه

وشكلهاا خطير


في انتظاااااااااااارك

والله يعطيك العافيه
وووووبعد صحبااتك

هلا والله في عزيزتي....
ومشكوره قلبي على كلامك...
وان شاء الله ما راح اطول عليكم كثير...

 
 

 

عرض البوم صور ماري-أنطوانيت   رد مع اقتباس
قديم 03-08-08, 10:32 PM   المشاركة رقم: 9
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: May 2007
العضوية: 29212
المشاركات: 47
الجنس أنثى
معدل التقييم: ماري-أنطوانيت عضو له عدد لاباس به من النقاطماري-أنطوانيت عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 102

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ماري-أنطوانيت غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ماري-أنطوانيت المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

...::: الفصل الخامس :::...

" تفضلي بالجلوس يا مركيزه "
قال نيكولو ذلك بلهجه بالغه البشاشه وهو يقدم اليها كرسيا غاصت هي فيه مره اخرى. وتابع قائلا:
" يبدو بأنك تريدين ان تكملي شرابك..."
بعثت الطريقه التهكميه التي لفظ بها اللقب الذي سبق وازدراه من قبل, الاحمرار الى وجنتيها, ولكنها اطاعته ليس فقط لحاجتها الى شراب بارد, بل لأنها جلوسها معه في مكان عام يمنحها الفرصه لتبادل احاديث مهذبه معه.
منتديات ليلاس
اشار نيكولو بيده نحو النادل الذي كان يحوم حولهما طالبا قهوه سوداء له ثم جلس على كرسي قبالتها متكئا بظهره الى مسند الكرسي, دافعا ساقيه تحت الطاوله وهو يسدد اليها نظرات غامضه وقد ضاقت عيناه:
" حسنا يا ملاكي...لقد جررتني الى مطارده عنيفه "
قالت بجفاء:
" وكيف امكنك العثور علي؟ "
اطلق ضحكه انتصار وهو يقول مسرورا :
" العثور عليك؟ ولكنني لم افقدك ابدا. الصياد الحاذق لا يلحق بفريسته الى مكمنها. علاوه على ذلك فانني شخصيا لا احب ان اتنشق نسيم الصباح العليل في اقل الامكنه نظافه في البندقيه وهذا طبعا هو رأينا نحن الاثنين وهذا ما منعني من محاوله اخراجك بالقوه من مكمنك في ذلك الزورق"
نظرت هي الى ملامحه الضاحكه وهي تشعر بالذل والاحراج. لقد بقيت عشر دقائق مختبئه في ذلك السجن الخانق بينما كان هو يعلم انها هناك. لابد انه قد اختبأ بعد ذلك في مكان يشرف منه عليها الى ان تركت الزورق وابتعدت فلحق بها مره اخرى. وقالت له بتوتر:
" يدهشني بأنك لم تقبض علي قبل الان؟ "
وابتسم بينما بقيت عيناه ترقبانها بجد وهو يقول:
" اتريدينني ان افسد هذه الفرصه المسليه؟ كذلك, يجب ان اقول انك عندما خرجت من ذلك الحانوت الذي غيرت فيه ملابسك كنت تبدين كلعبه كارتونيه مشابهه لبعض السائحات المضحكات. ولقد احتجت الى مقدار كبير من ضبط النفس لكي لا اقبض عليك هناك واخرجك من بين الناس "
ورمقها بنظره اشمئزاز متابعا قوله:
" لا يمكنني ان اخلع عنك هذه الثياب المضحكه الان, والا احدثت ضجه في المكان, كما انني اكشف للناس ما احب ان اراه وحدي. ولكنني اريد ان تقدمي لي معروفا وذلك بخلع تلك القبعه المضحكه "
فكرت هي في ان كل هذا الجهد وكل ذلك العذاب الذي عانته كان عبثا, حيث كان هو طيله الوقت يراقبها ملاعبا اياها كما يلاعب الصياد السمكه, واثقا من انه يمكنه ان يقبض عليها في اي وقت واي مكان. قالت له ببرود:
" وكنت انت تستمتع بذلك "
وارادت ممازحته وذلك بالامتثال الى ما طلبه منها, فخلعت قبعتها تاركه شعرها طليقا حول وجهها. اومأ برأسه قائلا:
" عندما تقررين ااتخاذ صديق, عندئذن اعرف ان الوقت قد حان لان اتدخل "
وبدت في عينيه نظره خطره وهو يراقبها من وراء كوب القهوه, ثم استطرد قائلا:
" انها ليست الطريقه التي كنت اشتهي ان تبدا بها حياتنا الزوجيه. ولكنها لم تكن بدون فائده كليا, ذلك ان الدم يتدفق في عروق الصياد عندما تأتي الفرصه, ومن ثم يقبض على الطريده "
لم تكن هذه الكلمات التي ارادت كاتيا سماعها, ولا هي تعبيرات نيكولو الرقيق الوسيم ذي الوجه الباعث على الاطمئنان. وسرت في جسدها قشعريره لدى ادراكها هذا. واترفت لنفسها بأنها على الرغم من كل ما عرفته فهي لم تحاول ان تفرض عليه رغباتها. بامكانها ان تحارب ضعف هذا الخائن عندما تستطيع ان تكون بعيده عنه. ولكن كيف لها ان تقاوم اغواءه الخدَاع بينما هي تشتهيه جسديا؟ ان رجاءها الوحيد الان هو في ان تحاول ستر ضعفها بمهاجمته شفهيا. قالت وهي ترفع حاجبيها:
" انني اعجب لمعرفتك بكل شيء عن الصيد بينما انت سليل اسره من الفلاحين؟ "
قال:
" ها...اظن هذه المعلومات التي ادلى بها اليك رفيق الليل ذاك. اشكرك لهذه الملاحظه انتي ايضا. وهذا معناه بأني لم اعد لائقا بحفيده ماركيز على كل حال, اليس كذلك يا كاتيا؟ "
كان في السؤال مراره خفيه وهو يتابع:
" لقد كنت متواضعه عندما قبلت الزواج من رجل من العوام, لتكتشفي بعد ذلك انه ثري. ولكنك الان وبعد ان اكتشفت انه سليل الفلاحين تريدين الانسحاب من هذه المساومه "
اطلق حكه قصيره ساخره وهو يقول:
" حسنا اخشى ان اكتشافك هذا قد جاء متأخرا. ولكن اذا كنت تفكرين في تجربه الطبيعه الارستقراطيه التي ادعاها الارستقراطيون القدماء فانني احب ان اذكرك بأن حق الملاكين الاثرياء بأن يطلقوا كلابهم في اثر فلاح فقير كل ذنبه انه تجاوز حدود ارض ذلك الغني لكي يلتقط شيئا من الفاكهة المتساقطه تحت الاشجار, ذلك الحق لم يعد موجودا في ايامنا هذه "
" كلاب؟ "
وبنظره واحده الى ملامح وجهه المتأمله المنفعله, علمت ان نيكولو انما يردد كلمات مدروسه. وتصاعد التشاؤم في نفسها وهي تسأله:
" هل حدث ان اطلق احد كلابه عليك؟ "
اطلق ضحكه خشنه قائلا:
" ليس علي وانما على ابي. كان في الثانية عشره من عمره في ذلك الحين. ولو لم يتدخل صديق له لكانت الكلاب قطعت عنقه "
هتفت:
" ولكن هذا مريع...."
وتفجرت في كلماتها هذه كل شخصيتها الانسانيه التي كانت تسترها خلف قناع من اللامبالاه التي تتبعها.
فقال:
" نعم...اليس كذلك؟ ولكن لا تدعي هذا الامر يسبب لك ازعاجا يل ماركيزه, اذ ان ايا منا لم يكن له يد في اختيار اسلافه "
مضت لحظات قبل ان تدرك ما يشير اليه فقالت بذعر:
" اتقصد ان من اطلق الكلاب على ابيك هو احد اجدادي؟ "
قال:
" انه ليوبولدو غيدو لورنزو, ماركيز دي كاستيلو "
ودفع كرسيه الى الخلف وسحب قدميه من تحت الطاوله ثم وضع قبضه من الليرات على الطاوله دون ان يعدها وهو يقول:
" هل نذهب يا كاتيا لنقوَم كل هذه الاخطاء؟ "
قالت كاتيا:
" ارجوك يا نيكولو........"
تجلى اليأس في عينيها الزرقاويين وهي تحاول قراءه تعبيرات وجهه الوسيم المكفهر. هل يكون هذا هو السبب الثالث وربما الاهم الذي جعله يصطادها في انجيلترا بعد ان علم بوجودها؟ وحاولت عبثا ان ترطب شفتيها الجافتين بلسانها. ان ذلك مريع حقا, ولا يمكن ان تسمح به العداله. اذا كان قصد نيكولو من الزواج منها هو قهرها واذلالها كما سبق واذاق الماركيز الكبير رعيته التي كانت تعمل في ارضه نفس الشيء؟
ازاحت خصله من الشعر من فوق جبينها وهي تفكر...كلا...لا يمكن ان يكون ذلك صحيحا...انه كابوس حقا... ولكنه يوضح كل شيء. ثلاث اسباب يكفي واحد منها ليبحر نيكولو لأجله من ايطاليا الى انجلترا فكيف بها مجتمعه؟ قالت له ببرود:
" هل تريد ان تقول ان ثمة ثأرا بين اسرتينا؟ "
اجاب:
" لم يعد هذا واردا يا حبيبتي "
ولكن جوابه الرقيق لم يفلح في ايقاف ضربات قلبها بينما التوت شفتاه بابتسامه بطيئه وهو يقول:
" ارتاحي يا كاتيا, لا يوجد كلاب في القصر. وسيبقى عنقك الجميل في بأمان في حمايتي "
وامتدت يده الدافئه تلامس عنقها بخفه جناح الفراشه. وتابع قائلا:
" لقد عقدنا انا وانت صفقه ومهما كانت بواعثنا فهناك طرق للخلاص من الكراهيه الماضيه اكثر بهجه. تعالي ان صبري كاد ينفذ نتيجه احجامك عن الوفاء بعهودك الزوجيه "
امامها مجال للاختيار. انها لن تستطيع الهرب منه الى الابد. وعلى الرغم من انه لم يترك لها مجالا للشك في قصده المباشر فقد كانت مفعمه بالامل في ان تتبخر معظم رغبته في عقابها, وذلك بعد ان يجتازا شوارع البندقيه الحاره انما على الاقل يكفيها ان تستطيع اقناعه بالعدول عن ذلك باظهارها تبلد المشاعر نحوه.
" نيكولو!....."
افلتت هذه الكلمه من خلال شرودها. صرخت محتجه اذ جذب يدها فجأه لتجد نفسها بين ذراعيه.
كانت ذراعه تحيط بوسطها بينما ذراعه الاخرى تحت ركبتيها!
صرخت:
" ما الذي تفعله؟ "
واجاب:
" اخذك الى البيت طبعا...ماذا غير ذلك؟ "
واوسع الخطى بحمله نحو الشمس الساطعه. وكان المشاة بينهما وبين القناه الكبيره يفسحون لهما المجال للمرور. وهو يقول لها:
" هل ظننتي بأنيي سأسير في الشوارع بصحبه خيال المزروعات؟ "
حالما رأيتك مستقره في الحانه, اتصلت هاتفيا بالقصر وطلبت من جوفاني ان يوافينا بالمركب "
بابتسامه ارتياح انزلها الى مرسى صغير حيث سلمها الى سائق المركب المنتظر. وصرت كاتيا على اسنانها محرجه من العيون التي تنظر اليهما. ولكنها بقيت صامته وحدثت نفسها, حسنا فاليبتسم نيكولو ابتسامه الفوز... وشعرت بالمراره بينما كان المركب يبتعد ببطء. ان ما كانت تظنه تصرفا كريما منه اذ سمح لها بالجلوس واكمال شرابها, لم يكن الا انتظارا منه لوصول المركب ليأخذهما. انها شاكره على الاقل كون السرعه في القناه محدوده وهذا يمنحها فرصه اضافيه للتفكير في خطواتها المقبله تبعا لخطتها.
حتى مع هذا فقد كانت الرحله اقصر كثيرا مما كانت ترجو.
قال لها وهو يقودها في الممر نحو شقتهما في القصر:
" هل يجب ان اقفل الباب عليك ام انك تعبت من لعبه الاختباء والتفتيش؟ "
ردت عليه بحده:
" انها ليست لعبه. لكل واحد منا نحن الاثنين اسبابه الخاصه التي دفعته للزواج من الاخر. وما دام الحب لم يكن من بين هذه الاسباب فلماذا الادعاء بوجوده؟
اجاب مفكرا بفتور:
" ومن ذكر الحب؟ ان لك وجه ملاك يا كاتيا وجسدا يمكن ان يجذب اي رجل احمر الدم كما يقولون وكما سبق واكتشفت انت, فان دمي هو احمر وليس ازرق كدماء النبلاء. لقد عقدنا في ما بيننا صفقه ضمنيه اليس كذلك, ليساعدنا هذا على تحقيق رغباتنا المتضاده. انني ازودك بفوائد ماديه تلائم قلبك الصغير المأجور, وبالمقابل تمنحينني انت الفوائد التي يوفرها وجودك في منزلي "
وتوقف لحظه قبل ان يضيف:
" واحدى هذه الفوائد هي الاستمتاع بجسدك عندما اشعر بالحاجه الى ذلك "
ردت عليه متألمه من تحليله البارد لعلاقتهما قائله:
" وماذا عن جينا الخائفه الغاضبه؟ "
اجاب وعيناه تلمعان بعجرفه:
" ليس لجينا دخل في اموري الخاصه وليس لك ان تظني ذلك ابدا والا ستندمين وازاء احجامك عن تنفيذ دورك في الصفقه المعقوده بيننا, فانني انصحك بأن تتذكري بأن جدك رجل عجوز وان رده فعله ستكون عنيفه فيما لو عرف انك تزوجتني لغايه هي غير الحب. وانا متأكد من انك لا توين له مزيدا من العذاب مهما كان شعورك بالخيبه "
حبست كاتيا انفاسها غير قادره على اخماد القلق الشديد الذي شعرت به ازاء ما كان واضحا انه تهديد مبطن.
( مزيدا من العذاب؟ ) وما هو العذاب السابق الذي يعني ان جدها الحبيب قد عاناه على يد هذا الفلاح الوقح؟
هزت كتفيها وهي تخفي المها وقد داخلها خوف يائس من انها تحارب في معركه خاسره, ولكنها مصممه على ان تحارب حتى نهايه المره. قالت:
" اذا كنت تريد التنويع في العمليات الحميمه, فأنا متأكده من ان هناك كثيرات يرغبن في ان يؤمن لك هذا "
انهت حديثها بأن ادارت له ظهرها بنفور. قال بصوته العميق:
" بالطبع. ولكنني مللت النساء الراغبات المشتاقات. اتعرفين يا كاتيا بأنني لم اعرف في حياتي فتاه عذراء؟ وانني بشوق لذلك؟ "
استدارت وقد ضاق صدرها من الخوف وقالت بصوت متلعثم وهي ترى التصميم على ملامحه القاسيه:
" ماذا! "
فتابع كلامه بقسوه:
" وانت عذراء...اليس كذلك يا كاتيا؟ لقد اكد لي جدك هذا. ولا اظنه كذب علي "
قالت محتجه بضراوه وهي تشعر بالشبكه تضيق من حولها:
" ليس له الحق في ان يؤكد لك اي شيء من هذا النوع "
لم يكن هناك مهرب فذلك الرجل المتسلط الذي ظنت يوما انها تحبه, لن يسمح لها ان تبقى على استقلالها. انه يريد منها كل شيء. انه لا يرضيه ان يتباهى بها كزوجه امام الناس ليحسن من صورته ويخفي خيانته. فهو يريد ان يذلها فيما بينه وبينها انتقاما من اسلافها. وليس بامكانها هي ان تفعل شيئا بهذا الخصوص.
جاءها صوته يخترق مشاعرها التي يغلفها الألم قائلا:
" ربما ليس له الحق كما تقولين, ولكنه اراد ان يتأكد من اني لا اسبب لك ضررا لجهلي ببراءتك. وانا لن اسبب لك الضرر اذا كان هذا سبب خوفك. او انك ستخبرينني ان جدك كان يتصرف عن سوء فهم؟ "
سألته من بين اسنانها:
" وهل هناك اي فرق؟ "
هز رأسه قائلا:
" كلا. كوني واثقه من انني عاشق عملي متفهم لا اهتم بتجارب رفيقتي, ولهذا سأخفي خيبتي اذا اكتشفت انك كنت تكذبين علي. كما انني اعدك بأن لا اطالبك بتعويض في ما لو اكتشفت خداعك. فهل لنا ان نترك كل هذا التردد والاشمئزاز؟ "
عندما ادارت له ظهرها, لم ينتظر جوابها بل امسك بأطراف قميصها وخلعه عنها راميا اياه بعيدا على الارض. وتوهج وجه كاتيا من الخجل والاحراج. كيف يعاملها بمثل هذه الطريقه المذله وكأن لا كرامه لها؟ كيف يبدأ الحب معها بمثل هذه الخشونه وعدم الاكتراث؟
قالت بيأس وهي تدخل اصابعها في شعرها المتناثر حول وجهها:
" ليس هذا ما اردت... "
قال وهو يمعن النظر في وجهها:
" ما الذي تريدينه اذا؟ ان افتش عن الرجل الذي كان معك في الحديقه تلك الليله؟ او الرجل الذي كان معك هذا الصباح ثم ادعوه الى المبارزه؟ انني لن اقبل منك اي نوع من الحماقات بعد الان... صدقيني انني سأقبل المبارزه بكل سرور. ولكن المبارزه ليست من طباعي اذ انني قد اخسر. ام انك تفضلين ان تكوني ارملتي على ان تكوني زوجتي؟ "
قالت:
" دع عنك هذا المزاح يا نيكولو "
في لحظات تدفقت كل عواطفها المستوره نحوه والتي كانت تخفيها في اعماقها نابذه اياها, مره واحده وبكل تيارها الجارف. وامتلأت ذعرا لذلك وخشية من ان يقرأ عواطفها في عينيها اندفعت تقول بسرعه:
" الى جانب هذا فقد كنت اخبرتك بأنني لم اكن على موعد هذا الصباح. والرجل الذي كان معي في الحديقه الليله الماضيه قدم نفسه الي باسم سيزار برونيللي وهو صحفي قائلا انه احد المدعوين "
لوى نيكولو شفتيه وهو يقول:
" برونيللي؟ اه...نعم ان الاسم مألوف لدي. انه رجل غير جدير بالثقه "
قالت كاتيا بمراره:
" هل هو وحده كذلك؟ "
اجاب:
" وكذلك النساء. وربما اكثرهن في الحقيقه "
مد يده اليها قائلا:
" ليس الظرف الان مناسبا لمثل هذه الاحاديث, فان علي واجب تعريفك الان الى واجباتك الزوجيه "
اضعف كاتيا اليأس من المقاومه وفجأه عرفت انه لن يمكنها الاستمرار في المقاومه بعد الان. لقد سبق واقنعته بأنها انانيه وتبيع نفسها بالمال, وبهذا ابعدته عن اي شعور نحوها بالشهامه التي يمكن ان تكون متستره خلف تصرفاته الحسنه. فالخطأ اذا هو خطأها هي.
بدا ان هذا هو الحل الوحيد لاستعاده كرامتها المهدوره. ولكنها كانت حمقاء اذا ظنت انها بنبذه بهذا الشكل يمكن ان تفقده الرغبه فيها. وفكرت وقد انهكها الضيق والتعب في ان تستغل انتصاره عليها لمصلحتها هي وذلك بالاستمتاع بحبه الى اقصى ما تستطيع. وكان هناك طريقه واحده تساعدها على ذلك وتهيء نفسها ذهنيا, لتقبل وضعها هذا, وهي محاوله تصديق ان نيكولو يحبها حقيقه, وذلك بحمل ذهنها على العوده الى الماضي, مسترجعه ذكريات ذلك الصباح الذي كانت عائده فيه من جوله على ظهر الحصان, في قريتها في انجلترا لتجده واقفا بانتظارها.
كانت هذه الطريقه سهله, اكثر سهوله مما تصورت, واستبد بها الشوق الى حبه الذي اختطف منها بكل قسوه. تنهدت برضى عنما اخذت يدا نيكولو تجمع شعرها الذهبي المتناثر حول عنقها. وعلى كل حال, اليست هي زوجته شاءت ذلك ام ابت؟
ابتدأ جسد كاتيا شيئا فشيئا يعود الى حالته الطبيعيه وعادت دقات قلبها تنتظم مره اخرى. وصفا ذهنها برغم الوهن اللذيذ الذي مازال يكتنفه. وابتدأت ثوره المشاعر العارمه التي اعمت بصيرتها عن كل تساؤل, بالتلاشي ليحل محلها شعور بالعار.
لقد كان نيكولو عاشقا رائعا, ولكن ذكرت نفسها بأن هذا انما هو مظاهر سطحيه لا غير يقوم بها ممثل اعتاد الظهور على خشبه المسرح.
نظرت خفيه الى جانب وجه نيكولو الملقى على الوساده بجانبها مستمتعه بجمال الرجوله الطاغيه المتمثله فيه. لقد علمها ابجديه الحب ومباهجه مستجيبا الى نداء رغباتها, منتظرا ان تفارقها مخاوفها ليقودها الى الفردوس الارضي. ولكن لو انه لم تكن هناك صفاته الاخرى التي تكرهها... كيف بإمكانها ان تشعر بالراحه النفسيه عندما يكون المخدر الذي تحدثه العاطفه المحمومه قصير الامد الى هذا الحد؟
فاجأها صوته يقطع حبل افكارها:
" نعم يا ماركيزه؟ هل استطاع عاشقك الفلاح ان يسعدك؟ "
لأول مره لمحت سواد عينيه من بين اهدابه الكثيفه لتدرك انه كان يبادلها النظر طوال الوقت.
اجتاحت جسدها رعشه دفعتها الى سحب الغطاء عليها والجلوس في فراشها ساتره صدرها بركبتيها وقالت بهدوء:
" لا تناديني بهذا اللقب من فضلك يا نيكولو "
تمتم:
" ظننتك تحبينه. أليس هو طريقك الى الشهره والثروه؟ "
بدا على كاتيا عدم الارتياح اذ عادت تواجه الواقع. قالت:
" انك تحقره عندما تتحدث عنه بمثل هذه السخريه "
قال بوجه جامد القسمات:
" انك تهبين جسدك للفلاح الوضيع, ولكنك تضنين عليه باستعمال لقبك, يا سنيورا "
قالت تنهره:
" لا تكن سخيفا يا نيكولو. انني لا اتصور ثمة شخص يستحق لقب (الوضيع) سواء بالولاده ام بتصرفاته ام بشخصيته, اكثر منك يصرف النظر عن الكدح الذي عاناه اسلافك في سبيل العيش "
قال ساخرا يستفزها:
" وا أسفاه...."
واستوى جالسا في الفراش مادا يده يتخلل شعرها الذهبي بأصابعه, متابعا:
" لأن العالم مليء بقصص النساء الجميلات ذوات الالقاب اللائي يلهثن خلف رجال اقل مستوى. الملكه كاترين كانت تسمح لصغار الجنود بالدخول الى غرفه نومها ما داموا ينلكون القوه والجمال...."
سحب ببطئ وجهها الى الخلف ليطبع على شفتيها قبله محمومه. ولكنها ادركت بغريزتها ان تجاوبها مع قبلته هذه لم تكن الا لتثير النار الخامده تحت الرماد. وحذرها نداء من اعماقها من مثل هذه المحاوله. قال بصوت خشن وانفاسه تلفح وجنتها:
" يا جميلتي كاترينا...."
فأزاحت هي عن وجهه عنها بينما تابع هو:
" وهنالك ايضا الليدي تشاترلي التي وجدت عزاءها بين ذراعي حارس الصيد. اهذا ما كنتي تريدين؟ ان يتحول الصياد الى حارس صيد؟ "
اذ ادركت بألم انه لم يبقى لديها ما تخفيه عن هذا الرجل الذي شاركته اسمه ومخدعه, لجات الى المراوغه فقالت برقه:
" لقد اخطات في تشبيهاتك. انه سارق الصيد الذي تحول الى حارس الصيد وليس الصياد. ولكنني اوافق على انك عاشق قادر ولو انه ليس عندي اسباب تساعدني على المقارنه "
استدار اليها فجأه قائلا:
" ولن تكون عندك تلك الأسباب, ذلك ان مكانك عندي ومعي فقط "
قالت محتجه وهي تستعيد في ذهنها الدور الذي خططت لتنفيذه:
" انك اذا تجعلني سجينه عندك بدلا من زوجه "
هز كتفيه قائلا:
" ان مكانك وطعامك لا يمكن ان يحصل عليهما اي سجين. وانا مرغوب اكثر من اي سجان اخر. قد لا يكون حبنا قياسيا, ولكنه يسير نحو الافضل ما دمنا نبدأ حياتنا معا دون توقعات زائفه وثمة قائده اخرى وهي ان جسدينا متلائمان خلقيا, واذا انت اتبعتي ارشاداتي فانني واثق من اننا سنصل معا الى ما نريده من وراء هذا الزواج. واذا انت لم تنبذيني فانك ستجدينني زوجا حسنا, وبرهانا على ذلك فقد طلبت اليوم غداء رائعا لنا في الشرفه داخل الحديقه, وبعد ذلك لك الخيار في قضاء بقيه النهار. هل هتالك شيء احسن من هذا يمكنني عمله؟ "
قالت موافقه بهدوء:
" كلا "
لم تشعر بالرغبه في الخصام معه في هذه اللحظه. ليس الان, وجسدها كله في حاله استرخاء ووسن. لقد ربح هو المعركه الاولى. وحاليا رضيت هي في ان تسمح له بشعور الفوز هذا. ولكن قبل ان تنتهي هذه الحرب بينهما ستكون هناك معارك اخرى عديده. وفي نفس الوقت عليها ان تنتظر الى ان يتضح لها نوع المسأله التي يأخذها نيكولو ضد جدها ثم تقرر كيفيه الخلاص منه كليا دون ان تسبب ضررا لمستقبل الجد. في ذلك الحين فقط سيكون في امكانها ان تهرب من الرباط الذي يستعبدها.



- نهايه الفصل الخامس -

 
 

 

عرض البوم صور ماري-أنطوانيت   رد مع اقتباس
قديم 04-08-08, 05:43 PM   المشاركة رقم: 10
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: May 2007
العضوية: 29212
المشاركات: 47
الجنس أنثى
معدل التقييم: ماري-أنطوانيت عضو له عدد لاباس به من النقاطماري-أنطوانيت عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 102

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ماري-أنطوانيت غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ماري-أنطوانيت المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

هذا الفصل انا والعزيزه ((آن همبسون)) تقاسمنا كتابته

...::: الفصل السادس :::...

على الشرفه في الحديقه تناولا غداءهما المكون من طبق من الارز مخلوطا بالخضر المفرومه, والفطر البري والهليون والسمك والكسترد بالقشدة والحلوى, والبوظه. وكذلك طلب نيكولو المياه المعدنيه على المائده.
رفضت كاتيا المشروبات الروحيه مكتفيه بالقهوه السوداء, تشربها بينما جلسا بعد الطعام على ارجوحه مستطيله تشرف على القناه الكبيره. كانت تجلس بجانبه على الوسائد الناعمه شاعره بانسجام يشمل جسمها وقد تلاشت مشاعر الالم في نفسها مؤقتا بتأثير السعاده العارمه التي اكتنفتها ازاء الهدوء والأمن وجمال الطبيعه الفائق في هذه الحديقه. الجمال الذي تشرف عليها من مجلسها هذا بجانب هذا الرجل الي على الرغم من كل الذي عرفته عنه يمكنه وحده ان يسرَع من خفقات قلبها.
قال وهو يرفعه كأسه الى شفتيه ناظرا الى جسمها المسترخي بجانبه:
" رائع. ان عبير ازهار شجر اللوز يختلط بعبير جسد الحبيبه. يجب ان نذهب غدا الى الكاهن لنتدبر امر الزفاف الكنيسي يا حبيبتي, وذلك في كنيسه سانتا ماريا المعروف بأسم (علبه المجوهرات الذهبيه) "
فقالت تخفي فزعها الداخلي بتظاهرها بالتودد:
" علبه المجوهرات الذهبيه؟ انه اسم جميل "
قال نيكولو موافقا:
" انها اجمل كنيسه في العالم., صغيره ولكنها رائعه الجمال, تشبه تماما علبه المجوهرات التي املكها انا "
ورفع يد يرفع خصلات شعرها الذهبيه الجميله المتناثره على كتفيها, ولكن نظرته هذه لم تخفف من لمعان عينيه السوداوين وتابع:
" وغدا سنضع قائمه بأسماء المدعوين وسنجهز بطاقات الدعوه. ولكن حيث ان مزاجي طيب اليوم فسأترك لك بقيه اليوم تفعلين فيه ما تشائين "
حان الوقت الان لتخبره انها لا تريد ان تحتفل بزواجها في الكنيسه, ولكن هذه الكلمات المعارضه له رفضت ان تخرج من بين شفتيها. لقد رفضت مشاعرها التي استمتعت بامتلاكه لها بالمسارعه الى نجدتها وذلك بمدها بالغضب اللازم لتتحدى عمله هذا. الى جنب ذلك, فهي كلما وجدت فرصه لتسويه الوضع بينهما اذا بتلك الفرصه تضيع, حيث ان شيئا ما في اعماق نفسها يميل الى تمديد امد الهدنه بينهما.
قالت بتردد وهي تشعر بما يشبه الدوار من تأثير اريج الازهار العابقه في الجو, وقد بعث دفئ النهار السكينه الى نفسها:
" هل يمكننا البقاء هنا لتبادل الحديث لفتره؟ "
نظر اليها قائلا وهو يضع شفتيه على وجنتيها:
" ما الذي تريدين ان تحدثيني به؟ "
قالت:
" عن خطتك للمستقبل مثلا, الى متى سنبقى في البندقيه؟ "
قال وهو يلامس ذراعها:
" الى ان ينتهي زفافنا الكنسي "
ابتعدت عن ملامسته في محاوله لابعاد تأثر حواسها به
بينما تابع هو قائلا:
" اظن ان (الماركيزه) يجب ان تكون حفله زفافها متناسبه مع لقبها النبيل. وهي ستنتقل الى الكنيسه في زورق مغطى بالازهار مرتديه ثوبا يتلائم مع جمالها "
قالت:
" أحقا ما تقول؟ "
كانت تسخر في اعماق نفسها من كلامه هذا وسرها انها مازالت قويه في مجابهته. وشعرت ان عليها ان تتحدى جوابه هذا. فهي حتى ولو كانت تتصرف على اعتبار انه يحبها, كان عليها ان تعبر عن استيائها حين جعلها مركز انظار معظم السياح في المدينه.
قال:
" طبعا, وماذا غير ذلك؟ ان في المدينه التي معظم شوارعها الرئيسيه مكونه من الماء ووسائل المواصلات في حفلات الزفاف والجنائز هي القوارب. كذلك ستكون حوك القوارب حيث يعزفون لك الموسيقى الشعبيه في البندقيه. ان اسرتي لا تتوقع مني اكثر من هذا. لقد انتظروا طويلا لكي يروني اتخذ زوجه. حتى ابي اعجبه اصرار جدك على ان يعقد زواجنا قبل ان تتركي انجلترا معي وهو لن يهدأ له قرار قبل ان يرانا متزوجين بصوره صحيحه في الكنيسه تبعا لتقاليدنا "
رفعت كاتيا حاجبيه بسخريه وهي تقول:
" ماذا؟ أليس ثمة اغاني حب من بلدك نابولي تضاف الى هذا الجو الرومانسي؟ "
لم تشأ ان تفسر انتقاده اللاذع للاحتفال الذي جرى لزواجهما في قريتها بانجلترى. ذلك الذي كانت تراه كثيرا على ذلك العقد الذي يسهل فسخه كما كانت تتمنى, ولكن امنيتها لم تتحقق.
قالت:
" انها مظاهر سياحيه لا تعجبني "
هز كتفيه العريضتين قائلا:
" ان للبندقيه ارثها الشعبي الضخم ومن الواجب احترامه "
اذا هو يريد ان يحتفل بعرضها امام الناس كما يعرض الفاتح غنيمته...على من يا ترى يريد ان يؤثر بهذا؟ هل هو زوج جينا كابريني؟ وفكرت بمراره, ربما هذا كان عنده من الاهميه بقدر ما كان لاسرته, في هذا الامر.
استغربت الجفاف الذي شعرت به في فمها, ورفعت عينيها الصافيتين تمعنان النظر في وجهه قائله:
" وبعد ذلك؟ "
قال:
" سنستمتع بعرسنا كما استمتعنا هذا الصباح وكما كان يجب ان نستمتع به الليله الماضيه. ماذا ايضا؟ "
ونظر الى ناحيتها فقالت:
" اعني كم سنبقى في البندقيه بعد انتهاء الاحتفال؟ "
سارعت بهذا الجواب رافضه به اذلاله لها بذكر ما يسميه استمتاعا.
اجاب:
" أسرع وقت ممكن "
ومد ساقيه الطويلتين رافعا وجهه الى السماء وهو يتابع:
" سأقول للبندقيه وداعا وانا اسف لذلك. ولكن هناك اكوام من العمل في ميلانو تنتظر اهتمامي. ولهذا يستحسن ان تقضي اكبر جزء من شهر عسلنا قبل الزفاف. ويجب علينا ان نشكر جدك لجعله يثبت زواجنا من جهة الدوله. وهكذا لن نكون ضحيتي ألسنه الناس بينما نكون في انتظار تنفيذ خططنا الضروريه "
نظرت كاتيا بعيدا عن نيكولو تخفي المها الذي شعرت به لدى ذكره جدها. وفكرت بأسى في جدها....كيف امكنك ان تبارك مثل هذا الرجل؟ كيف امكنك ان تفرض عليَ زواجا دون حب؟
ربما كان عليها ن تكره جدها, ولكن كل ما احست به نحو الرجل العجوز هو الشفقه, اذ كانت تدرك انه كان لابد واقعا تحت ضغط شديد دفعه الى ان يوقع بها بهذا الشكل. قالت ببرود:
" عليَ ان ارسل اليه والى عمتي بيكي بطاقه تحيه بريديه غدا "
وعادت تفكر في ظروفها الحاضره وقد صممت على ان لا تفصح عن شعورها الحقيقي. وسألته:
" حدثني مره اخرى عن شقتك في ميلانو "
في الايام الحلوه الماضيه التي سبقت الزواج في (سادينغهام) قريتها, كان نيكولو قد اخبرها ن شقته الكبيره في ميلانو حيث يمضي معظم ايامه. والان, اذا سألته مره اخرى, اخذ يشرح لها جمال الشقه والاثاث والغرف, مخبرا اياها عن المدينه والحدائق, واضعا لها صورا ملونه عن المحلات التجاريه ومراكز اللهو التي تنتظرها, ومن دور السنيما المحليه الى مسرح (لاسكالا) الفخم.
ما ان مالت الشمس نحو الغروب, ودبت البروده في الهواء الدافئ, ورأت هي ان تسبغ جوا طبيعيا حولهما, وقد ساورها شعور بأنه مهما حمل اليها المستقبل من متاعب فإن هذا اليوم الرائع سيبقى في ذاكرتها الى الابد. وهكذا استمعت بأدب وهدوء وهو يتحدث اليها عن المباهج التي تنتظرها في ميلانو.
لما رأى تشجيعها له على المتابعه ابتدأ يحدثها عن اصدقاءه وزملائه, واكثر من ذلك عن عمله, عن آماله وطموحاته في وضع تصاميم لسيارات ليست جميله وعاليه الكفاءه فقط وانما اكثر امانا. وكان يتكلم بحماس كلي الى حد وجدت نفسها تتجاوب معه في حماسه هذا وتشجعه على شرح نظرياته هذه, وتسأله عن دقائق ميكانيكيه بأهتمام آثار استغرابها هي نفسها, اذ انها لم تكن مصممة على مشاركته حياته مدة اطول مما يجب.
كان المغيب قد حل عندما وقف نيكولو مادا يده يساعدها على الوقوف وهو يسألها متكاسلا:
" اثمة اسئله اخرى يا كاتيا؟ لم اكن اظن بأنك تهتمين بطريقه حياتي وعملي الى هذا الحد "
بسبب هذه اللحظات الثمينه ادركت ان علاقتهما قد توطدت الى حد خالت فيه انهما حقا يهتمان ببعضهما البعض. اعتبرت ان تجاوبها البالغ معه واهتمامها بالمعلومات التي كان يشرحها لها, خيانه لنفسها....وحثت نفسها على ان تضحك ساخره وهي تجيب:
" انني فقط اطمئن نفسي بالنسبه لقدرتك على توفير الحياة التي استحقها...."
قال وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامه باهته:
" صدقيني يا كاتيا, ان بامكاني ان اعطيك كل ما تستحقين "
قالت:
" هذا حسن "
وقد صممت على ان تتجاهل التهديد المبطن الذي تضمنه كلامه. تابعت تقول:
" اخبرني يا نيكولو. ما مبلغ الاهميه بالنسبه اليك في ان ترتبط بالزواج من اسره لورنزو؟ اعني ...افرض انك لم تجدني جميله, هل كان في ذلك ما يجعل الامر مختلفا بالنسبه لخططك؟ "
قطب جبينه قائلا:
" انك تنشين المديح؟ اظنني سبق واخبرتك بأن رأيي في مظهرك ليس لي عليه اعتراض "
قالت باصرار:
" ولكن افرض ان الامر مغاير, هل كان الامر يستحق منك ان تتزوج مني؟ "
نظر اليها ساخرا وهو يقول:
" بالطبع. فالثياب الغاليه والمكياج والكوافير, كل هذا يصنع العجب لأقل النساء جمالا. ولكنه لا يضيف النبل الى اولئك الذين ولدوا بدونه. ان شكلك هو فائده اضافيه وهو ما عزمت على الاستمتاع به لاقصى حد. وانني قد جعلتك غير مرتابه في ذلك "
فاستجمعت افكاره لتقول كاذبه:
" نعم...كلا...المسأله هي, منذ البدايه كنا نحن الاثنان نمثل دورا امام جدي, وعندما رجعنا الى ايطاليا...."
قال ضاحكا:
" كنت سأتركك لتدابيرك, حسنا انك الان ترين الامور بشكل مختلف. الم يخبرك احد قط ان الموجود هو بنفس قيمه الممتنع عند اكثر الرجال؟ وانت بصفتك زوجتي موجوده قطعا. ليس هو القديس بولس الذي قال ان من الافضل لك ان تتزوج من ان تحترق؟ "
بدت في لهجته سخريه بارده وهو يوجه اليها كلاما بليغا:
" في مجتمعاتنا العصريه هذه, فرص الاحتراق اصبحت واقعا. ولو ان ذلك رما كان غير ما عناه القديس الطيب "
وسكت برهة يراقبها بإمعان ليعود فيقول:
" لقد فات اوان الندم. او هل الامر انني لم احقق كعاشق توقعاتك؟ "
اثار اعصابها التعبير الذي بدا في عينيه القاتمتين وقالت محتجه:
" كلا...ليست هذه المسأله "
قال : " هذا حسن . وأنا مسرور لذلك , إذ أن الصفقة هي الصفقة , وأنت لن تصبحي سيدة القصر إلا إذا أديت الخدمة بالمقابل إلى المالك . "
قالت : " زوجة بالاسم فقط لتحقق لك مطالبك الاخرى في المظاهر والنبل ... أليس هذا كافياً لك ؟ "
قالت لك وشعرت بالاهانة لتحقيرة لها .
أطلق إشارة اعتراض من يده وهو يقول : " الزوجة هي خليلة حاضرة على الدوام . "
لم تستطع ان تمنع شهقة دهشة إزاء جوابه القاسي ثم قالت : " هل هذا الوضع هو إجباري ؟ "
نظر إليها وعلى وجهه إبتسامة النمر , قائلاً : " بالطبع , ومن هو أفضل مني ليدربك على مثل هذا النظام ؟ أو لعلك نسيت كم تألم والدي على يدي ليوبولدو , جدك الأكبر , الطاغية . "
كانت قد نسيت للحظة , وعادت تشعر بالضيق الذي أصابها عندما أخبرها للمرة الأولى عن الثأر الذي بين أسرتيهما , ولم تستطع السيطرة على الرجفة التي أعترتها .
قال لها : " أتشعرين بالبرد يا كاتيا ؟ " وظنت هي بأنه تعمد سوء الفهم حين أقترب منها يهم بمعانقتها , ولكنها أسرعت مبتعدة عنه .
واجهته بوقاحة متجاهله سؤاله : " أخبرني شيئاً واحداً يانيكولو . هل كان جدي على علم بكل الأسباب التي جعلتك تتخذني زوجة ؟ "
توقف للحظة , ثم أومأ برأسه قائلاً : " أوه , نعم , ولكن يمكنني القول إنه لم ينخدع ببراعتي تلك . "
تمنت هي لو أستطاعت أن تعتقد بأنه يكذب , لكن قلبها أخبرها بأنه يقول الحقيقة , وقالت :" لقد فهمت . "
قال : " أحقاً يا كاتيا ؟ "
كان لحق بها بسرعة بحيث لم تستطع تجنبه , ليمسك بها من كتفيها ويجرها إليه مواجهاً إياها وهو يقول : " أشك في أنك فهمت . أظن أنك بحاجة إلى أن تعرفي المزيد . ولكن دعيني أعيد عليك أنا السؤال . هل يعرف جدك بالبواعث الرائعه التي حملتك على الزواج مني ؟ هل سبق وأسررت إليه بكراهيتك لمهنتك التي أخترتها وما إذا كان قد تدبر أمرك بتشغيل مبلغ كبير من أمواله الخاصة ؟ وهل هو يعرف انك بركضك وراء الثروه والجاه رضيت أن ترتبطي برجل لا تشعرين نحوه بغير الحسد ؟ " وهزها برفق وهويقول متابعاً : " حسناً يا كاتيا ؟ ماذا تقولين ؟ هل هو يعرف الحقيقة ؟ أم أنك خدعت جدك أيضاً بادعاء الحب لي ؟ "

نظرت ثائرة إلى الوجه الذي ملأ أحلامها من أول مره رأته فيها , وأيقظ رغباتها . ماذا تستطيع أن تقول ؟ هل تغالطه بالادعاء بأن جدها كان مشتركاً معها في غرورها الذي أدعته لتحقيق أنانيتها ؟ ولكن هل عدم قولها ما يسبب الضرر لجدها لعجوز ؟
أخيراً قالت وقد سرها أن أمكنها الابتسام بعد جهد : " طبعاً لقد خدعته . لقد غششته كلياً ؟ "
قال :" إذن فإنني على ثقة من أنك يمكن أن تتابعي ذلك وتخدعي أبي وأمي كذلك , إذ كما تعلمين كانا بانتظار الوقت الذي أستقر فيه وأنشئ أسرة . وأنا لا أريد لهما الشعور بخيبة الأمل في زوجة ابنهما " .
تركها وهو يقول : " حسناً ياعزيزتي , لقد وعدتك بأن أترك لك الخيار في قضاء هذا النهار . يجب أن تخبريني برغباتك " وذكرها لمعان عينية بقدرتهما , هما الاثنين , على الخداع , لتحول هي نظرتها عنه مخفية عنه ألمها الدفين .
منتديات ليلاس
عادت إلى نفسها وقد صممت على متابعة الدور الذي سارت فيه . لتقول : " حسناً , إنني أحب التجول في الشوارع للتفرج على الواجهات إلى أن نصل إلى الريالتو . وبعد ذلك أحب أن نتناول وجبه خفيفة في أحد المطاعم المنتشرة على ضفاف القناة , ثم …. " وتوقفت عن الكلام , فقال يستحثها رافعاً حاجبيه : " تابعي كلامك . "
قالت : " ثم أحب أن نعود الى سان ماركو , حيث نتناول القهوه ونستمع إلى الموسيقي متمتعين بمنظر طلوع القمر . " وسكتت مسرورة .
قال ساخراً بلطف : " إنها رغبات سائحة . "
قالت بهدوء وقد عكست عيناها الزرقوان غصة حزينة داهمت نفسها فجأة : " حسناً , هذا هو ما أريدة . لقد كان والدي ايطالياً حتى أمس . فهل أنا مخطئة إذ أتمثل بأولئاك السياح في إبداء إعجابي والرغبة في الاستمتاع بمناظر البندقية ؟ " ورفعت ذقنها بتحدٍ " لو لم تقطع علي جولتي هذا الصباح لكنت تفرجت على سان ماركو ودوغ بالاس . هل تتوقع مني عدم الإكتراث لكل هذا الجمال ؟ "
قال : " وكيف يمكنني ذلك وأنا نفسي أحب الجمال ؟ لو كنت أعلم في ذلك الحين , أن كل قصدك هو التفرج على الأبنية لكنت سمحت لك ببضع لحضات ترضين فيها فضولك . ولكنني شعرت أن رغبتك ربما كانت فقط منحصرة في مقابلة أحد السفن السابحة في القناة "
قالت بازدراء : " إنك تعرف ان هذا غير معقول . حتى ولو كنت معتادة على التقاط الرجال , فإن نظام أمن السفن يمنع دخول أحد دون تصريح إلى السفينة . "
قال : " إذن دعينا نقول إنني في هذا الصباح كنت مصمماً على أن يكون لي دور في البحث عن اكتشافات جديدة في المدينة , ولكن , بما أن غرضك هذا قد تحقق , فإن لي شرطين . "
قالت كاتيا وهي تهز كتفيها متسائلة عما تراه يخطط لكي ينغص عليها بهجتها : نعم , وما هما ؟ "
قال : " الأول هو أن لاترتدي ملابس تشبة ماترتدية السائحات . "
قالت : " موافقة , مع انك تظلم معظم زوار المدينة برأيك هذا , وماالثاني ؟ "
قال : " ان تتذكري أن النهار ينتهي عند منتصف الليل . "
وبدا لها هذا معقولاً , فوافقت عليه , إذ لم يكن لديها خيار آخر , هذا إذا كانت تريد أن تستمتع بنهارها هذا في البندقية , وكافأتها ابتسامة نيكولو الظافرة .
كان كل ماتريدة هو الترويح عن نفسها قليلاً . وفكرت في ارتداء ثوب وردي دون كمين بفتحة عنق واسعة وتنورة جميلة جداً , ومصنوع من الحرير الهندي الخالص , وقد اشترته من محل في لندن . وكانت محظوظة إذ وجدت في ذلك الحانوت في سان ماركو , شالاً بنفس لون الثوب وهو من النعومة والرقة بحيث يمكنها وضعه في حقيبتة يدها ويمكنها استعماله بوضعه على كتفيها إذا هي شعرت بالبرد مساءاً .
عند دخولهما غرفتهما , تسائلت عما اذا كان نيكولو سيقوم بحركة يطالب فيها بجسدها مره أخرى . وأحست بالارتياح عندما لم يفعل . ويبدو أنه سيحافظ على وعده لها . فهي سترتاح إذن إلى ان تدق الساعة الثانية عشرة .
عندما أصبحت جاهزة للخروج , كان هو بانتظارها في غرفة الجلوس في شقتهما . وكان يرتدي سروالاً فاتح اللون مع قميص بني من الحرير وربطة عنق مناسبة .
نهض واقفاً لذدى رؤيتها ثم أخذت عيناه تتفحصانها ابتداء من شعرها الذهبي المتموج على مكتفيها , إلى خفها الأنيق الذي يبرز رشاقة قدميها . كان يتأملها بعين ناقدة جعلت الدم يتصاعد إلى وجنتيها . فقالت وقد ساءها تباطؤه في التفرس : " حسناً , هل تراني أعجبتك ياسيدي ؟ "
قال : " نعم , تعجبينني ولو أنه من غير المحتمل أن نقابل أحداً ذا أهمية ."
كان ذلك أسعد أيامها حتى وعلى الرغم من تهكم نيكولو في أكثر الأحيان . وتسائلت كاتيا , بعد عدة ساعات . وهي تجلس على مقعد في ساحة سان ماركو خجلى من نظرات المارة , مالذي دفع رساماً هناك ليرسم لها صورة أمام الناس الذين كانو مجتمعين حولهما معجبين .
لقد كان جلوسها إلى الرسام ليأخذ لها رسماً , فكرة نيكولو نفسه وكان هو الذي اختار لها هذا الرسام من بين مجموعة من الرسامين كانو يعرضون بضاعتهم تحت السماء المظلمة المرصعة بالنجوم . وعندما سمعت همهمات الإعجاب من المتفرجين حولهما , علمت بأنه أحسن الاختيار حقاً .
اعترفت بدهشة , في مابينها وبين نفسها , بأن زوجها هو حقاً مرافق ممتاز , فقد كان ينتظر بصبر , وهي تنتقي مختلف أنواع الملابس من المحلات المتعددة المنتشرة في الشوارع بين الريالتو وسان ماركو ولم يبد أي أعتراض وهي تجول بين واجهات المحلات التي تبيع أقنعة " الكرنفال " والمجوهرات الزائفة . سامحاً لها بالتجول بين الأزقة والطرق الضيقة مجتازة المقاهي الصغيرة المنتشرة على الأرصفة إلى جانب المعروضات المختلفة من أغطية الطاولات وأغطية وملاءات الأسرة والشالات الفضفاضة والأكواب الزجاجية التي تتألق تحت مصابيح الشوارع ممايضيف سحراً خاصاً إلى صفات تلك المدينة الرائعة .
بعد تلك الساعات التي طافت فيها في الشوارع . مفعمة حواسها بما تراه وتسمعه وتشمه من روائح العطور , انتهى بهما المطاف إلى الريالتو حيث شعرت بشيئ من خيبة الأمل وهي ترى المطاعم قد أقفلت , وكان يجب أن تدرك أن المراكز التي يكثر فيها السياح , تقفل باكراً .
عندما قادها إلى مطعم في الهواء الطلق يشرف على القناة الكبيرة , سائراً مباشرة إلى مائدة محجوزة , علمت بأنه لابد واغتنم فرصة انشغالها بالشراء , ليتصل هاتفياً ويحجز مائدة لهما .
لهثت قائلة دون أن تتمكن من اخفاء سرورها : " أوه يا نيكولو ... ماأجمل هذا " كانت المصابيح الكهربائية تتدلى من بين الأزهار المعرشة فوقهما لتتأرجح في النسيم .
لم يكن الظلام قد أنتشر تماماً . ومن مكانها كان بإمكانها رؤية المارة يمشون فوق جسر الريالتو , وكذلك مراقبة الزوارق تخرج من مرساها في أسفل المطعم كذلك النظر إلى الأبنية المقابلة بنوافذها الشبيهه بالابهام وشرفتها المزخرفة .
لم تكن جائعة , ولكن بما انه لم يكن هناك ضغط عليها لإنهاء عشائهما وترك المائدة فقد تناولت الطعام والحلوى والفواكه مستمتعه بكل ذلك ببطء.
حدثت نفسها بأن كل ذلك كان حسناً ... وكانت تشرب المياه المعدنية بينما كان نيكولو يرشف الشراب .
عندما تركا المطعم متوجهين الى سان ماركو كانت الساعة قد بلغت الحادية عشرة والنصف , فتناولا القهوه في مقهى " فلوريان " واستمتعا بسماع الموسيقى , بينما كان السياح والبنادقة يطوفون في المكان الذي أطلق عليه نابليون إسم " غرفة جلوس أوروبا " .
بينما كانت كاتيا تعتقد أنهما في طريقهما للقصر , دهشت إذ رأت نيكولو يتجه بها إلى مكان الرسام . واحتجت , لكنه أصر على ذلك بحركة مسيطرة من يده أوقفت اعتراضها .
تعالت صرخات الاستحسان والتهليل من جموع المتفرجين وهم يشيرون محولين انتباهها إلى كرسي الرسام . واستدارت وهي مقتربة لترى صورتها مكتملة بينما اقترب نيكولو من الرسام يدفع له أجرته .
شهقت بدهشة بالغة وهي ترى نفسها تتطلع إلى صورة أمرأة غريبة عنها . هذه المخلوقة الرائعة ذات العينين البريئتين كعيني طفل وابتسامة الجيوكندا الغامضة في وجه بيضاوي عالي الوجنتين " وغمازة " في الذقن ..
كيف أمكن لهذا الرسام أن يراها بهذه الصورة ؟ ونظرت بطرف عينيها إلى نيكولو متوقعه عدم موافقته على الرسم الذي يشبه رسم غطاء علبة الشوكولاته ... ولكن , هاهوذا يدفع الأجرة للرسام ويلف الصورة بالورق الملون ثم يحملها شاكراً .
قالت بينما نيكولو يأخذ بيدها يقودها ليخرجا من سان ماركو : " لاعجب أن يجمع كل هذا المال من عمله هذا . مادام في استطاعته أن يجعل أي امرأه نجمة سينمائية " .
ضحك نيكولو لقولها هذا وقال : " إنه ككل الرجال الإيطاليين عندما تفتنه امرأه ما , يضفي ملامحها بالغريزة على وجوه كل النساء الأخريات , فهو ينظر إليهن بعين العاشق , إلى جانب عين الرسام , وهكذا تخرج الصورة من بين يديه بحيث لاتكاد تميزها صاحبة الصورة نفسها " .
مد نيكولو ذراعه حول خصرها يجذبها إليه مقصراً خطواته الواسعة لتناسب خطواتها وبهذا أخذت سيقانهما تحتك بعضها ببعض , ثم قال : " هل تعترضين على ما وجد الرسام في طبيعتك ؟ "
أجابت مسرعة : " كلا في الحقيقة فلقد جاملني كثيراً فيها "
لكنها في أعماقها لم تكن راضية . لقد اكتشف الرسام حقيقتها البريئة المطلة من عينيها وهذا مالم تكن تريد لنيكولو أن يعرفه . كانت تريد أن تخفيه عنه بأي ثمن مادامت تسعى إلى أن يطلق سراحها من الشرك الذي أوقعها فيه .
فجأة دقت الساعة منتصف اليل . وعندما تلاشت آخر دقاتها , توقف نيكولو عن السير ومد ذراعيه يأخذها بينهما ليطبع قبلة على وجنتيها . وحاولت في البداية المقاومة ولكن سرورها البالغ من هذه الأمسية كان مازال مسيطراً عليها , وذكريتهما معاً مازالت حية في نفسها , وهذا مامنعها من أن تخلص نفسها من عناقة المسيطر . وهكذا وقفت على رؤوس أصابعها تحيط عنقة بذراعيها مستسلمة لعناقة .
عندما تركها من بين ذراعيه كان يتنفس بصعوبة , وقال لها وهو يمر بإبهمه على شفتيها بينما كانت عيناه تتألقان : " إنك تتعلمين بسرعة ياماركيزة , على الرغم من امتناعك في البداية , عن تأدية واجباتك وإنني متأكد من أنك ستؤدينها في النهاية بشكل حسن جداً " .
عندما قادها نيكولو نحو مرسى القناة الكبيرة , أدركت كاتيا أنه مره أخرى سبق وأتصل هاتفياً بجوفاني ليوافيهما بالمركب . وسمحت بأن ينزلاها إلى قمرة المركب في الوقت الذي كان فيه جسمها مازال يرتجف لهذا التجاوب المفاجئ منها نحو نيكولو , ولقت الشال حول كتفيها اللتين كانتا ترتجفان من البرد , بينما كانت تدرك في أعماقها أن هذه الرجفة لم تكن إلا من توقع ما ينتظرها وليس من برودة الليل .
إنها تعرف أن نيكولو لا يحبها ولكنه يرغب فيها ولكن لماذا تراها لم تعد تشعر بالإذلال إذ يطلب منها أن تتصرف كامرأه تؤدي واجب الولاء لرجل أرتبطت به ؟
وإذا كان ماقاله لها سيزار بيرونيللي صحيحاً . أن نيكولو قد تزوج ليجعل منها ستاراً يختفي وراءة لكي تتمكن جينا من الحصول على الطلاق من دون فضيحة تصيب رفيقها , في هذه ايضاً , لم تعد تشعر بالمذلة أو الغضب ! لماذا ؟ هل هو تأثير سحر البندقية أم لعله رواسب حبها السابق لنيكولو أم يكون ذكريات مشاعرها نحوه عندما كانت تعتقد انه يحبها ؟ ولكن , لماذا ترى الغضب الذي هي بحاجة إليه لتثور في وجهه , هذا الغضب يرفض أن يشتعل ؟
على الرغم من هذا الحل الذي توصلت إليه فإنها عندما عادا إلى غرفتهما في القصر , لم تجد نفسها دفاعاً أمام رغبته المتسلطة لتجد نفسها تنهار لدى أول لمسة منه .
عندما استيقظت وضوء الفجر يتسلل من بين الستائر ليستقر على وجهها نظرت إلى جانبها لترى فراشة خالياً ومدت يدها إلى حيث كان يرقد لتلامس يدها برودة الملاءات الحريرية وجلست في الفراش لتنتبه إلى باب الحمام المغلق يتسلل النور من أسفلة . ومضت لحظات قبل أن يخرج نيكولو منه عائداً إلى الغرفة وأدهشها أن ارتدى بدلة عمل رمادية وقد علت القميص الفاتح ربطة عنق داكنة الزرقة .
هتفت ومازال النعاس يثقل جفنيها : " نيكولو " .
اقترب منها ثم جلس على حافة السرير وهو يقول " علي أن أذهب إلى ميلانو دون إبطاء . لقد تلقيت مخابرة هاتفية هذا الصباح ويظهر انها أتت ليلة أمس ولكن جوفاني كان معنا في المركب بينما الخدم كانو قد ذهبوا . لقد تركوا ملاحظة في آلة الجواب في الهاتف ولكن يمضي بعض الوقت قبل أن أصل لأسمع ماتقول . "
قالت وهي تخفي خيبة أملها : " ولكن إلى متى سيطول غيابك ؟ "
أجاب : " يوماً أو يومين هذا يعود إلى طبيعة ماسأجد بانتظاري ".
ماذا كانت تتوقع ؟ لقد أمضيا ليلة ممتعة البارحة وفكرت بمرارة في أنها قد تقبلت وضعها كمحضية تملك من الجاذبية مايكفي لارضاء سيدها .
سألته وهي تعلم جوابه مقدماً : " هل يمكنني الحضور معك ؟ "
قال رافضاً باقتضاب : " ليس ثمة وقت . سيوصلني جوفاني بعد دقائق الى حيث تنتظرني سيارة تأخذني رأساً إلى ميلانو كل الخدم سيكونون في خدمتك تستدعيهم متى شئت فتتسلين معهم كما تريدين , فإنك ستكونين بين أيد أمينة وقد تركت لك مبلغاً كافياً على الطاولة في غرفة الجلوس لكي تنفقي منه " .
شكرته وهي تحمل نفسها على الابتام برغم شعورها بالرغبة في البكاء للجفاء الذي ظهر منه ثم سألته : " هل ثمة شيئ سيئ ؟ "
قال ساخراً من نفسه وهو ينظر إلى وجهها الشاحب : " لاشيئ لا يمكن اصلاحه . لقد تصرفت أنا كصبي في عيد الميلاد ناسياً كل شيئ أمام لعبته الجديدة والآن علي أن أدفع ثمن عدم أنتباهي لشؤوني
الأكثر أهمية " .
عندما أدركها الفزع من قسوة كلامه إنحنى هو ليقبلها .
كانت قبلة محمومة قاسية متوحشة تقريباً هي قبلة المحارب عند الوداع ثم قال : " إلى اللقاء انتبهي إلى نفسك في غيابي وسأسألك عن أي تهور يبدر منك عند عودتي " .
كانت هذه كلمات رئيس في العمل أكثر منها كلمات زوج . ولكن ماذا كانت تتوقع ؟أن تستخلص نيكولو من جينا فقط لأنها مكنته من الحصول عليها ؟ إن الحب هو شيئ آخر أكبر بكثير من التوافق الحميم .
عندما تركها وحدها في غرفة النوم الرائعة ابتدأت تفكر في مستقبلها الموحش مع قصر مدته مع الشعور المدمر بالحرمان . وشعرت بإزدراء للذل الملازم للدور الذي تقوم بتمثيله ليس لأنها لاتعرف كيف تشغل نفسها . فإن البندقية بكل سحرها هي عند عتبة بيتها وإذا هي تعبت من التفرج على الكنائس فهناك البحيرات والجزر الاخرى وكلها تستحق الزيارة .
تأوهت بعمق . لقد أشار إليها نيكولومره بلقب خليلة .
وقد كان هذا تشبيهاً قريباً من الحقيقة فقد إكتفى مسجل العقود بتسجيلهما زوجاً وزوجة حسب اقرارهما بنيتهما تلك . إنما لم يتضمن ذلك قسماً ولا عهود ... لم يكن ثمة إعلان أخلاقي عن الحب والولاء حتى يفرقهما الموت . وهكذا يجب أن تبقى هي إلى أن تكتشف الحقيقة عن الأحداث التي دفعتها إلى مثل هذا الارتباط , ومن ثم تعمل على حله . فهي , بصرف النظر عن الصفقة التي عقدتها مع نيكولو . لاتريد أن تبقى طرفاً في اتحادهما هو وجينا اللااخلاقي , مكرسة ذلك في الكنيسة .


نهـــــــــــاية الفصـــل الســــــــادس

 
 

 

عرض البوم صور ماري-أنطوانيت   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
angela wells, العشيقة الذهبية, انجيلا ويلز, golden mistress, دار النحاس, روايات, روايات مترجمة, روايات مكتوبة, روايات رومانسية, روايات عبير المكتوبة, عبير, قلوب عبير, قلوب عبير دار النحاس
facebook




جديد مواضيع قسم روايات عبير المكتوبة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t86490.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
500 - ط§ظ„ط¹ط´ظٹظ‚ط© ط§ظ„ط°ظ‡ط¨ظٹط© - ط§ظ†ط¬ظٹظ„ط§ ظˆظٹظ„ط³ - ظ‚ظ„ظˆط¨ ط¹ط¨ظٹط± … - ط؛ظ†ظٹ ظ„ظ„ط­ط¸ط© This thread Refback 19-03-16 10:46 AM
Untitled document This thread Refback 23-03-10 07:18 AM


الساعة الآن 02:33 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية