-لااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا
اخرجونى من هنا ..انا لا انتمى لهذا المكان ..ابعدونى عن هذه الزنزانة الحقيرة
انا لا اريد ان ابقى هنا ..هذا ليس مكانى..اخرجونى ..الا تسمعون ايها الحمقى !!
قلت اخرجونى ..انتم ايها الحثالة ..انا لم افعل شيئا ..اخرجونى ..اخرجونىىىىىىىى
اطبقت ناهد اسنانها على شفتيها بعنف حينما تراءى لها انه لا جدوى من الصراخ
احتوت بين يديها القضبان الصدئة -التى احتلت ثلث الباب الحديدى الذى لم تتزحزح عنه
منذ ايداعها بتلك الزنزانة الضيقة المنفردة - وهزتها بعنف وهى تهتف بغل :
-انا لا انتمى الى هذا المكان ..بل يجب ان يكون مقامى بقصر فخم به خدم وحشم تحت امرتى وطوعى ..نعم..هذا ما استحقه .. لا ادرى ماذا فعلت كى يظلمنى هؤلاء الاشخاص البشعين ..انا استحق الافضل ..استحق الافضل ..الافضل
الافضااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا ااااااااال
هتفت بها وهى توجه ركلة قوية الى الباب الحديدى جعلتها تصرخ الما وهى تتهاوى على الارض الحجرية المتسخة محكمة قبضتها حول قدمها التى تأذت من عنف الضربة
سالت دموع الالم من عينيها وهى تتطلع بضيق الى الدلو الذى سقطت بجواره
وهتفت باشمئزاز وهى تقذفه بيدها بعيدا :
-هل هذا ما يتصورون اننى ساقضى حاجتى به !!
اطلقت صرخة متألمة حينما اشتبكت يدها بسطح الدلو المسنن فجرحها واندفعت دماءها
التى اثارتها وجعلت عينيها تدور فى محجريهما مع شلال الافكار المجنونة الذى تدفق بعقلها
امتدت يدها المجروحة نحو الدلو تعيده الى احضانها وهى تهتف بوحشية :
-نعم ..انا استحق افضل من هذه الحياة البشعة ..سأرحل عنها ..سأرحل وادعهم جميعهم يندمون
واقتربت الاسنان الحادة التى برزت من سطح الدلو من معصمها ..اقشعر جلدها عندما لامستها
لكنها اعتزمت امرها واغمضت عينيها بقوة وهى تهمس بكراهية :
هتف محمد بصوت مدوى وهو يدلف الى مدخل البناية متأبطا ذراع مى وعلى وجهه ابتسامة متهالكة:
-لا استطيع محو تلك الابتسامة عن وجهى رغم ان فكى يؤلمنى بشدة لكننى سعيد للغاية ان الجميع شهد براءتى واننى اخيرا استطعت والفضل لكى بالطبع ان احطم كل الاقاويل البشعة التى كانت تقال من وراء ظهرى وان انظر للجميع فى اعينهم بتحدى بعد ان كنت ادفن رأسى فى التراب خوفا من العار الذى لحق باسمى .
ربتت مى على كتفه وهى تقول بسعادة :
-وبالتأكيد ابى الان نائما هانئا فى مرقده فخورا بك .
كاد يعقب على كلماتها لكن الابتسامة انمحت من على شفتيه وكأنها مرض غزا وجهه فاحتشدت جيوش البؤس محاربة ذلك العدو الغير المألوف والذى كاد يسقط الحزن من على عرشه ويحتل مكانا لم يبرحه منذ زمن طويل
لاحظت مى ذلك التغير الملحوظ الذى شحب له وجه محمد ولم يدم السر خافيا عنها طويلا اذ خلعت قلبها زغرودة قادمة من شقة هند فادركت مى وهتفت ومحمد يعدو على الدرج :
احدث دخوله المدوى همهمات عالية كادت تصم اذنه وعيناه تجرى بين العيون التى تسمرت على وجهه ..بلل شفتيه بلسانه وهو يستند الى الجدار محاولا التقاط انفاسه المتهالكة
دلفت مى خلفه بثوانى متطلعة بحسرة الى الزينات والانوار المتلألأة التى اغرقت اجدر الشقة
وتنقلت عيناها بين المدعوين والعريس الذى بدا على وجهه الاستغراب لدخول محمد الذى قلب الاجواء وهند التى انقسم وجهها الى نصفين ..نصف يحمل سعادة الدنيا فى ملامحه والنصف الاخر تتجلى المفاجأة واضحة بقسماته
فهمست فى اذن محمد بلهجة مشفقة :
التفتت اليها وفى عينيه نظرة حادة وقال بكلمات صارمة :
وبينما يتقدم من والدها تبادلت عيناه وعينى هند ابلغ رسائل الغرام والاشتياق
هتفت له بعيناها ..انقذنى ..فاجابها بعيناه ..سأفعل يا حبيبتى
تطلع اليه والدها بدهشة ثم لم يلبث ان استجاب ليده الممدودة نحوه مصافحا اياه
فاحت الثقة والصرامة من كلمات محمد :
-عمى ابراهيم ..لقد ظهرت براءتى وتم القبض على الجانى الحقيقى الذى اوقعنى فى هذه التهمة الدنيئة التى لا تمسنى بصلة ..
هز الرجل رأسه بسعادة وهو يقول بفرح حقيقى :
-حقا..هذه اخبار رائعة يا محمد ..مبروك يا ولدى .
لم يبد اى تأثير على ملامح محمد الحادة فاستطرد :
-مى ..شقيقتى الغالية هى التى اخرجتنى من مأزقى الصعب ..هى التى اوقعت بالمجرم
فكافأتها الشرطة بمبلغ كبير منحته هى لى لابدأ حياتى مع الانسانة الوحيدة التى احببتها والتى لا ارى سواها زوجة وشريكة حياتى ..مى ستتزوج يا عمى فستبقى لى الشقة وحدى .. كما قدمت لى ادارة اكاديمية الشرطة خالص اعتذارها واعادت الحاقى بصفوفها ..وهذا ما يعنى ان امامك طالب شرطة لديه شقته الخاصة وماله الخاص ووظيفته المشرفة ..
التمعت عينا هند بأمل فامتدت يدها المكتنزة قصيرة الاصابع تلتقط فستانها الوردى تاركة مكانها الى جوار عريسها الذى صاح مندهشا:
لم تأبه به وهى تقترب من محمد الذى التفت اليها مضيفا برجاء :
-عمى ..اعلم ان اليوم خطبة هند لكننى يستحيل ان اتخلى عن حلمى واملى وحب حياتى
عمى ..انا اتقدم لخطبة هند واتمنى الا تردنى خائبا .
سرت همهمات مستنكرة بين المدعوين وتسلطت العيون على والد هند الذى سكنت ملامح وجهه وبدا انها فى سبات عميق فلم تطرف عيناه ولم تحملا اى تعبير
تنقلت عينا محمد بين هند ووالدها فى قلق وقلبه يرتجف بشدة
اخترق الصمت الذى احتل المكان شهقة والدة هند التى هتفت:
-محمد ..ما هذا يا ولدى ؟؟ كيف تطلب هذا ؟؟ الا ترى ان هند مخطوبة بالفعل !
-لكننى لا اريده .. انتم ارغمتونى على قبوله..انا احب محمد ولا اريد سواه .
انقلب الامر وامتلأ المكان بضجيج ..همهمات وصيحات..استنكارات واستحسانات
اغرقت الصالة فقطعها والد هند بصيحة قوية :
تركزت كل العيون على شفتى والد هند التى انفرجتا عن قوله :
-مبارك لك يا ولدى ..يا عريس ابنتى .
قام العريس من مكانه وهو يهتف باستنكار :
-ماذا !! ما هذا يا عمى ؟ كيف ..............
لكن ضاعت صيحاته وسط الضحكات والتنهدات المشفقة السعيدة التى انطلقت هنا وهناك
واقبلا الحبيبان ..اشتبكت ايديهما ..وتعانق قلبيهما
وتدفق نهرا أعياه الجفاف وأخيرا وبعد طول انتظار مرير ترفل فى نعيم الفيضان الذى اجتاحه
لقد اتقن كيوبيد عمله هذه المرة
توسط احد الضباط خصره بكفيه العريضين وهو يتطلع باشمئزاز الى امرأة افترشت الارض الحجرية المتسخة لزنزانة ضيقة ، وتساءل وهو يبعد عينيه عن عينيها المتسعتان بألم وبشرتها المزرقة :
-اذن هل كانت حقا مجنونة !!
اجابه ضابط آخر وهو يبعد قدميه عن الدماء اللذجة التى التصقت بحذائه:
-لا ادرى .. على اى حال ، لقد فعلنا واجبنا ..كان علينا القبض عليها ..فهى المحرضة للرجلين اللذين امسكناهم بجريمة الشروع فى قتل الرجل والمرأة ..وسواء كانت مجنونة ام فى كامل قواها العقلية كان علينا التقيد بالقانون.. والمحكمة هى التى تقرر اى مكان ستلازمه..
السجن او مستشفى الامراض العقلية .
اجابه الاخر وهو يخرج ببطء من الزنزانة تاركا رجال المعمل الجنائى يتولون عملهم:
-لكنها كانت بالفعل فى احدى هذه المستشفيات .
-كانت مستشفى خاصة يا صديقى ..وهى من دخلتها بارادتها ودفعت حسابها بمالها الخاص
أتظن ان مجنونا قد يقدم على هذا !! ثم ان الرجلين اقرا انها لم تبد لهما هكذا على الاطلاق
ثم ماذا بك مهتما بهذا الامر ؟
-اشعر ببعض من تأنيب الضمير ..اخشى ان نكون نحن من دفعناها للانتحار
-لا تحمل الامر اكثر من حجمه ..تلك المرأة لم تكن مجنونة..لا يوجد مجنون يخطط لجريمة قتل ويدفع كى تتم ..صدقنى ..لقد كانت تدعى الجنون او ربما تعانى ازمة نفسية ما.. لكن فقدان عقلها....
أشار بسبابته فى وجه صديقه وهو يضيف بثقة:
-اؤكد لك ان هذا ليس صحيحا .
صاحت نور بحنق عندما رفض على فتح فمه ليتلقى ملعقة آخرى من الحساء الدافىء :
-على ..هذا لا يفلح ..هكذا لن تلتئم جراحك ولن تشفى سريعا..هل تحب البقاء كثيرا فى المستشفى !! هل هذا ما ترغب به ؟
اشاح على وجهه بعيدا قائلا باشمئزاز :
-مذاقه مقزز جدا .. اتمنى الا تكونى متصورة اننى استسيغ مذاقه ..لن يفعل احدا اعتاد على الطعام ذا النكهة القوية مثلى .
ارغمته على فتح فمه عندما لامست الملعقة الساخنة وجهه وقالت بلهجة مغرية وهى تدفع الملعقة داخل فمه :
-ومع هذا يجب ان تحتمل مذاقه المريع حتى تخرج من هنا قريبا .
اومأ برأسه وهو يقول بامتنان :
-لا ادرى كيف اشكرك على كل ما تفعلينه من اجلى .
-لا تقل هذا يا على ام تريدنى ان ارحل !!
-انا لم افعل شيئا يذكر بجوار ما فعلته انت معى
لن انسى مطلقا شهامتك ونبلك معى ..انت انسان رائع يا على .
-لا تتخيل كيف كان حالى حينما هاتفتك واجابتنى تلك الفتاة التى تدعى مى واخبرتنى بحالك
كدت اموت قلقا .. وهرولت انا وابى على المطار وفى اول طائرة متجهة الى القاهرة كنت على متنها حتى وصلت هنا ولن ابرح مكانى الا عندما تشفى تماما.. او كما ترغب يمكننى الا ابرح مكانى مطلقا .
ادار عينيه بعيدا متصنعا عدم فهمه لمغزى حديثها فتنهدت بخيبة امل
انقذه من تأنيب ضميره الطرقات الرقيقية التى حطمت سكون باب حجرته
انفتح الباب لتقع عيناه على مى التى دفعت مقعد متحرك احتلت فراغه غادة التى تطلعت الى على بخجل ، جذب على جسده من مرقده واستقام فى جلسته محتويا بين عينيه غادة التى قالت لنور عندما لمحت محاولتها مغادرة الحجرة : -لا ..لا داعى لذلك ..لن ابقى طويلا .
بدت خيبة الامل فى عينى على التى ارتكزتا على غادة وهى تقول بأسف :
-على..انا آسفة بشدة على ما حدث لك بسببى ..اشعر بذنب شديد لاننى السبب فيما اصابك
-لا تقولى هذا ..لم يكن لكى اى ذنب ..انتى ضحية ..انا الذى اشعر بالضيق والغضب لاننى لم استطع الدفاع عنك وحمايتك من هؤلاء الاوغاد ..حتى لو كانت حياتى هى الثمن لكن للاسف لم استطع .
-اشكرك يا على ..لقد فعلت ما عليك وتعرضت للاذى بسببى ..
استطردت بسرعة عندما لمحت محاولته للتعقيب على كلماتها :
-حمدا لله على سلامتك يا على ..اتمنى لك الشفاء العاجل .. ان شاء الله تتحسن سريعا
اتمنى لك كل السعادة فى حياتك القادمة
ونقلت بصرها الى نور وهى تضيف :
-وتحقق احلامك ..خاصة حلمك الكبير ..
اومأت برأسها لمى فدفعتها خارج الحجرة واغلقت الباب ورائها
اغلق على عينيه متألما وقد انطفأت شعلة الامل بقلبه الذى اذرف دموعا حارة على رحيل حبيبته
وشعر بدقات قلبه تعزف نغمات لحن الوداع
لمين هعيش....بعده هعيش انا ليه
هتسوى ايه حياتى لو مش ليه
هتسوى ايه احلامى لو مش بيه
من غيره صعب الدنيا دى احس بيها
وحياتى بعده صعب اتعود عليها
مش كل حب بينتهى هنحب بعده
ولا كل حاجة حلوة بسهولة نلاقيها
فتح عمرو باب شقته اثر رنين جرسه ليتدلى فكه بدهشة امام زائره
ابتسمت ميرفت وهى تضع يديها بوسطها متساءلة :
افسح لها الطريق الى الداخل وهو يهتف بتعجب :
-امى !! ماذا ..لماذا ..اعنى ...
-حسنا ..كفاك ارتباكا ..سأوفر عليك عناء اختيار السؤال المناسب .
واقتربت منه مداعبة شعره باناملها قائلة بعينين نادمتين :
- لقد جئت هذا المنزل الذى لم تطأه قدمى منذ اكثر من خمسة وعشرون عاما
جئت لاعتذر لابنى ..فلذة كبدى الذى تخليت عنه قديما ولم يكفنى هذا بل ظننت به وقسوت عليه
لكنك لا تدرى يا عمرو كيف لحسام ان يكون مقنعا ..لقد خدعنى بتلك الاكاذيب .
لاحت ابتسامة تهكمية على شفتيه وهو يقول :
-اعلم يا امى ..لقد تمكن منى انا ايضا ..حسام ماهر جدا فى هذا الشأن .
اغمضت عينيها بضيق وهى تقول :
-نعم ..للأسف ..حسام اخطأ كثيرا بحقك وحقى وغيرنا كثيرون ..لكن ارجوك لا تكرهه .
-انا لا افعل يا امى .. صدقينى حتى هذه اللحظة لا اكرهه..هو من يكرهنى
- هو يكره نفسه ايضا ..يكرهها لانه يعلم كم هى سيئة ..يكرهها لان الجميع يفعلون
لذا حارب باستماتة حتى لا اكرهه كذلك ..فعل المستحيل ليضمن حبى له
حاول ابعادك عن حياتى خوفا ان تسرق حبى له ..خوفا ان اوليك اهتمامى واتناساه وبذلك يفقد الشخص الوحيد الذى يحبه حقا .
اومأ عمرو برأسه وهو يتمتم :
- انه غبى .. بدلا من كل تلك الحيل والالعاب الخادعة ليضمن بقاء الشخص الوحيد الذى يحبه
كان يمكنه ان يضع ذلك الجهد ليجعل كل الناس تحبه ...اتعلمين يا امى ! انتى لستى الشخص الوحيد الذى يحب حسام..انا كذلك احبه رغم كل شىء لكنه اغبى من ان يدرك ذلك .
ضمته بين ذراعيها وهى تهمس :
-انا آسفة يا عمرو ..حقا آسفة ..
قبل يديها وهو يبتسم قائلا :
-هل تريديننى ان اتقبل اسفك ؟
اومأت برأسها بلهفة فقال بحنان :
-هل تقبلين دعوتى لكى للاقامة معى لاعتنى بكى واحظى بفرصة القرب من حضنك الدافىء ؟
دمعت عينيها وهى تحتضنه بقوة هاتفة :
-طبعا اقبل يا ولدى الحبيب .
مال محمد الذى بدا وسيما فى حلته السوداء على اذن غادة قائلا بسعادة :
-ما رأيك بهذه الاغنية .. انا الذى انتقيتها ..شعرت انها تناسب الجو .
ابتسمت غادة وهى تربت على كتفه :
-اختيار موفق .. معانيها تنطبق تماما عليهما .
قالتها وهى تتطلع الى العروسان اللذان توسطا حلبة الرقص وتمايلا بنعومة وخفة
دققت غادة النظر فى فستان مى الابيض الذى تهادى على جسدها فابرز تناسقه وجماله
وكشف عن ذراعيها المخمليان الذين تشبكا حول عنق عمرو الذى احاط خصرها بيديه
امالت غادة رأسها متطلعة الى وجه مى الذى بدا بزينته البسيطة والسعادة التى ارتسمت على قسماته كوجه فينوس الهة الجمال .. وهمست بحنان ونظرها مرتكز على ابتسامة عمرو :
-يبدوان رائعين معا .. حمدا لله انهما اجلا عرسهما هذين الشهرين حتى اتعافى واتمكن من الحضور.
احاط كتفيها بيده وهو يقول :
-حمدا لله على سلامتك يا غادة .
-اشكرك يا محمد ..والعقبى لك قريبا باذن الله .
جذبها ادهم من يدها وهو يهمس فى اذنها بغضب مصطنع :
-دنيا ..ماذا بكى ؟؟ هل ستتركين زوجك وحده هكذا وتنشغلين عنه طوال السهرة بالمدعوين ؟
ابتسمت دنيا وهى تداعب وجهه بيدها وهمست :
-مطلقا يا حبيبى ..ها انا بين يديك .
التقط يداها التى مدتها نحوه ووضعها حول عنقه وهو يجذبها الى حلبة الرقص قائلا بحب :
ابتسمت فى خجل فى حين داعب وجنتها الناعمة بانامله قائلا بسعادة :
-انا محظوظ لان بين يدى هذه الحورية الرائعة .
ارتعشت اهداب عينيها الواسعتان اللتان تألقتا بالظل الذهبى الذى احاط جفونها ، وهمست بحب:
-تقصد اننى انا المحظوظة اننى بين يديك .
قرب وجهها منه مقبلا اياها على جبينها مغمغما :
-افضل من ذاك اللقب السخيف المخادع الذى اعتدت مناداتى به ..دندن
قالت الكلمة الاخيرة مقلدة صوته فانفجرا الاثنان ضحكا
غمغمت مى بخجل وهى تتطلع من طرف خفى للمدعوين اللذين لم تزل عيونهم من عليهم لحظة واحدة :
- انظر يا عمرو الى كل هؤلاء الناس .. لم اتصور قط اننى سأكون يوما تحت الاضواء والانظار مسلطة علىّ بهذا الشكل .
امسك ذقنها وادراها نحوه ليحملها على النظر الى عينيه قائلا:
-لماذا تتطلعين الى الناس وتهربين من عينى ّ ايتها الخبيثة ؟
ارتبكت واطلقت ضحكات متقطعة حملت خجلها وسعادتها فهمس :
- اين ذهبت الفتاة القوية الواثقة من ذاتها التى اعترفت بحبها لعازب بشقته ؟
ابتسمت فصاح بلهجة من لن يتنازل عن حقه :
-لا..انا اطالب بسماع هذا الاعتراف ثانية ..هيا ..اطربينى .
اكتست بشرتها الخمرية بحمرة خفيفة لكنه احتج هاتفا:
-مى ..لم اطلب منكى الكثير ..اريد ان اسمعك تقوليها .
غمغمت بصوت غير مسموع من وسط ضحكاتها :
-لا..لم اسمع جيدا ..اريدها قوية واضحة عالية ........
-حسنا....احباااااااااااااااااك ...اهذا يكفى !
تلفتت حولها لترى العيون متطلعة اليها والشفاة مبتسمة فكادت تتوارى خلفه خجلا
فاحتضنها وهو يضحك قائلا :
صاح محمد بلهجة حانقة متصنعة :
-لااااا..اشعر بغيرة شديدة ..هيا بنا يا هند ننضم اليهم نريهم عن حق ما هو الحب .
ضحكت هند وهى تتأبط ذراعه متجهين سويا الى حلبة الرقص التى لم تفارقها عينان غادة اللتان دمعتا قليلا فاسرعت بالتربيت على محيط عينيها حتى لا تفسد زينتها وبينما هى تتنهد بحسرة
تجمدت ملامحها وتحجرت عينيها عندما تناهى الى سمعها كلمات حانية مألوفة :
-هل تسمحين لى بهذه الرقصة ؟
رفعت دنيا رأسها من على كتف ادهم وهى تهمس بسعادة :
- الطائر المهاجر عاد لعشه .
التفت الى حيث تشير فابتسم بدوره قائلا :
-نعم ..شريكنا ومنقذنا وصل .
بدا له انها لم تسمعه اذ لم تتحرك بوصة واحدة ولم يبد على وجهها اى انفعال سوى انه تحول لصورة ثابتة ..تمثال من المرمر يحمل ملامح متحجرة
هز رأسه بفهم وكشفت شفتيه عن ابتسامة رائعة معيدا سؤاله وهو يقف امامها هذه المرة :
-هل لى ان احظى بشرف مراقصتك يا اميرتى !!
ارتجفت حينما لامس كفه اناملها فرفعت عينيها اليه بعفوية وتطلعت اليه بغير تصديق
تركته يقودها الى حلبة الرقص الخشبية المستديرة التى تساقطت على سطحها اضواء متراقصة
واصلت التغيير من لون الى آخر
امال رأسه متطلعا الى عينيها وهو يتساءل :
ولما لم تبد اى استجابة احاطها بحنان بين ذراعيه وهو يهمس :
-اوحشتينى كثيرا .. كدت ابتعد نهائيا عن حياتك لكننى لم استطع الحياة بدونك
اصبحتى كل شىء بحياتى ..بل اصبحتى انتى حياتى
لقد ابتعدت من اجلك حتى اعود شخصا سويا متخلصا من كل الشوائب التى كادت تدمر حياتنا.
-اعنى كل العقد التى سيطرت علىّ ودفعتنى لتلك التصرفات الهوائية الحمقاء.
استطاعت بصعوبة ان تخرج عن عزلتها بعدما استكان جسدها بين ذراعيه واعتادت اذنها على صوته الدافىء فابتعدت عنه قليلا محدقة بوجهه هامسة بكلمات متقطعة متعجبة :
-ام....امجد.....انت !! انت حى !
ابتسم وهو يومىء برأسه قائلا :
-نعم ..مفاجاة ..اليس كذلك !!
هتفت بينما لم تتخلص من دهشتها بعد :
-كك...كيف ؟ انا لا افهم .
تنهد بحرارة وهو يدفع برأسها على كتفه قائلا :
-بعدما افقت من الحادث ، كانت نفسيتى محطمة للغاية وحياتى مظلمة خالية من ادنى بصيص ضوء
هل تتذكرين شجارنا الاخير ؟ لقد عانيت كثيرا يا غادة ونشأت مؤمنا بان المرأة خلقت لتخون
وان بساط الامان لها يجب ان يزيحه الرجل من تحت قدميها .
-والدتك ..اليس كذلك ! دنيا وضحت لى كثيرا ..عرفت حينها لماذا كانت تراودك الظنون دوما بشأنى ولماذا كنت تتعامل معى بهذه الحدة .
مسح بيده على شعرها وهو يقول بندم :
-آسف يا حبيبتى على ما جعلتك تمرين به ..انا اعلم انكى مخلصة لى ..كنتى ومازلتى حتى الان رغم ظنك بوفاتى .
واضاف وان بدت السعادة فى صوته :
- علمت بمحاولات على المستميتة لعودتك له وانكى ارجعتيه خائبا .
تجاهلت الامر فعلى ..صفحة قديمة طوتها بعناية واقسمت انها لن تعود لفتحها ثانية
-امجد ...لماذا زيفت وفاتك ؟
صمت قليلا متطلعا بعيدا ثم قال بعد ان تنهد بحرارة :
-احتجت ان انفرد بنفسى واعيد زمام الامور لحياتى المبعثرة .. كان علىّ ان اعيد الامور الى نصابها الصحيح ..لقد عانيت كثيرا وتكالب علىّ كل شىء .. اردت ان ارحل بعيدا ..لم اكن انوى العودة ..انتويت حقا الرحيل عن هذه الحياة
اردت التخلص من امجد وان ابدأ من جديد وحدى .. شاءت الصدفة ان يكون مالك المستشفى هو صديق لى ..عقدت معه هذا هذا الاتفاق.. بأن يمحينى من لائحة الاحياء
قضيت الشهور الماضية مع اطباء نفسيين فى الخارج ..تمكنت من التغلب على عقدتى ومشاكلى
وكدت ابدأ الحياة التى اردتها ..حاولت لكننى فشلت ..
احتوى وجهها بين كفيه وهمس متطلعا الى عينيها الخضراوين :
-فشلت لانكى لست بجوارى .. فشلت لاننى اكتشفت اننى وقعت فى حبك
واننى لا استطيع الحياة بدونك ..عدت الى مصر لاكتشف الحادثة الاليمة التى وقعت لكى على يد تلك المرأة الكافرة التى شاء القدر ان اكون ولدها ..حينها علمت دنيا بحقيقة بقائى على قيد الحياة
وهيئنا عودتى من جديد ..وقعنا عقد شراكة بين شركتينا وحفظت هى الامر سرا حتى اكون مستعدا لملاقاتك
..وها انا الان على اتم الاستعداد لكننى ........
صمت قليلا ثم قال بحزم محاولا التغلب على صوته المختنق :
-لكننى تخليت عن انانيتى ورغبتى فى تملكك.. وعودتى لا تعنى انكى مرغمة على العودة الىّ
لكى الخيار يا غادة ..وبسهولة يمكنك ان ترفض........
وضعت سبابتها على شفتيه فتوقف عن الحديث بينما هزت رأسها وهى تقول بتردد :
-يمكننا ...يمكننا ان ننجح الامر سويا .
ابتسم بسعادة وهى تعيد وضع رأسها على كتفه مغمغة :
- فقد اشتقت اليك انا ايضا .
عاد محمد مسرعا الى حلبة الرقص حيث وقفت هند متطلعة اليه بحنق وتساءلت بغيظ وهو يعيد وضع كفيه حول وسطها معاودا الرقص معها :
-ما هذا الذى فعلته ؟ لماذا تركتنى بمفردى وجعلتنى ابدو كالغبية ؟
-اعذرينى يا حبيبتى كنت انتقى اغنية مناسبة لهذان العصفوران المنسجمان
فانا ادين لهما ..اتتذكرين ..لقد دمرت زفافهما حينما تم القبض علىّ .
اومأت هند برأسها بتفهم وهى تتمتم :
تمايلت الازواج الراقصة بنعومة على نغمات الاغنية الهادئة التى سرت كالمخدر فى عروقهم
وأسرت قلوبهم التى انتصرت بصعوبة فى المعركة الابدية
المعركة التى شاء القدر ان يخوضها كل انسان ..معركته ضد الفارس الاسود الملثم
..الذى استشرى فى الحياة التى نئت بنفسها عن الشبهات متخذة جانب المحايدة فلم تربح كفة احدهما
وتركت تحديد المصير وفوز المنتصر للانسان نفسه
لكنها قدمت له الاكسير ذا المفعول السحرى
الصبر والايمان ..الحب والامل
وانا بين ايديك ..محتاجة ايه ؟
وانا عمرى كنت ..احلم فى يوم
كل اللى فات ..من عمرى فات
يجب ان نؤمن انه حتى وان لم تكن الحياة بأحسن حال فهى تواكب على اعطاءنا فرصة ثانيةلنعيد الامور الى نصابها ونربح المعركة لصالحنا
نؤمن ان حياتنا تستحق ان نتنازل ونعطيها فرصة ثانية لتثبت لنا
يكون من الجميل ان نزيل غمة التشاؤم عن اعيننا
يكون من الافضل ان نتحلى بالصبر والايمان ونجعل الحب مفتاحا لكل الاقفال
يكون من الرائع ان نفتح قلوبنا للحياة مرحبين بها ضيفا عزيزا
قد تتغير معالم الحياة التى نألفها