الفصل الثامن عشر
مشاعر متأرجحة
حمل وجهه عينان متسعتان مذعورتان وشفتان ترتجفان ، وقلبا يخفق بالم وعروق تكاد تنفر من القلق
اسرع فى خطاه..ركض باقصى ما يستطيع جسده ان يتحمل وحين اقترب
لم يهتم بالعرق الذى سال على جسده كالشلال..لم يهتم بدقات قلبه المجنونة والتى تخطت
الحد الاقصى لخفقان قلوب البشر
كل ما اهتم به هو ما يقبع خلف هذا الباب
فبين ثانية وآخرى قد يفقد كل ما تمناه
ان تأخر ثانية واحدة قد يضيع من بين يديه الشىء الوحيد الذى اضاء حياته بنور لم يعرف له مثيل..ان فات الاوان فانه سيكون قد خسر كل شىء
لم يتوقف لالتقاط انفاسه المتهالكة ..واسرع يمد يده نحو مقبض باب الغرفة
لكن ما ان لامست يده المقبض حتى انزلقت فاسرع بمسحها بغل ممتزج بالضيق فى قميصه
السماوى ، وعاد بقوة يحكم قبضته لكن الباب لم يتزحزح رغم ان مقبضه كان بين يديه
كادت الدموع تفر من عينيه وهو يقف عاجزا عن انقاذ مى
باب خشبى غبى يقف حائلا بينه وبين وقف الجريمة البشعة التى ترتكب فى الداخل
ركل الباب بقدمه بقوة بعد ان فشلت محاولاته التعسة فى فتحه عنوة
التفت حوله كالمجنون ..صرخ بحرارة
وهتف بألم:
-مى..انا قادم اليكى يا حبيبتى ..تبا لك ايها الباب اللعين
تأوه بالم وهو يشعر بنيران تحرق قلبه ولسان حاله يهتف
يا لك من ضعيف..فتاتك بالداخل تموت وانت لا تستطيع التغلب على قطعة من الخشب
تناهى الى سمعه صوت عربة تجر على الارض فادار نظره ليلمح الفتاة المسئولة عن النظافة
تجر العربة التى تحمل عليها المنظفات
انفرجت شفتاه ولمع الامل فى عينيه
عادة هذه الفتاة تحمل معها الماستر كى او المفتاح الرئيسى لكل ابواب غرف الفندق
هرول حتى وصل اليها وقال بجزع مشيرا الى الغرفة:
-ارجوكى ..اسرعى بفتح هذه الغرفة
نظرت اليه باستخفاف وهى تقول بعناد:
-هل تمزح معى ؟ من انت ؟ وكيف صعدت الى هنا دون ان تكون من مؤجرى غرف الفندق
جذبها من يدها تجاه الغرفة فتاوهت الا انه لم يهتم وصرخ :
-اسمعى..بداخل هذه الغرفة جريمة قتل ترتكب..هناك رجل يحاول قتل فتاة وهى تصرخ مستغيثة
ارجوكى ساعدينى حتى ننقذها من بين يديه
نظرت اليه بتوجس وقالت:
-وماذا لو هذا كله مجرد فخ وانت لص
شد شعره واندفعت دمعتان حبيستان عاجزتان تسيلان على خده وهو يهتف:
-اتوسل اليكى ..صدقينى ..ستكونين انتى المسئولة عن ازهاق روح تلك الفتاة البريئة
فى هذه اللحظة تناهى الى سمع الفتاة صرخة عالية منبعثة من داخل الغرفة فهزت رأسها
واولجت البطاقة التى تشبه بطاقة الائتمان فى جدار الباب فانفتح بعد ان اصدر تكة خفيفة
فازاحها عمرو من جانبه واندفع داخل الحجرة
****************
عالج وائل قفل باب الشرفة المؤدية الى غرفة دنيا بصبر
وما ان اصدر القفل التكة ذات النغمة المميزة حتى تنفس وائل الصعداء وابتسم بارتياح وهو يعيد المفك الى جيب سترته ويتسلل ال داخل الغرفة وهو يهمس بتشفى:
-غبية ..لم تأخذ درسا من المرة السابقة وتركت كل شىء كما هو ..لم تعتنى حتى بوضع
حديد على باب الشرفة ليحميها من........
-من امثالك
سطع ضوء مبهر فى وجه وائل فغطى وائل وجهه بسرعة بيديه ثم ازاحها ببطء من على عينيه
ليتطلع بدهشة امتزجت بالضيق الى صاحب العبارة
تقدم ادهم نحوه قائلا بسخرية:
-للاسف..دنيا لم تعتقد انك غبى لدرجة انك بمجرد خروجك من السجن تفعل نفس الفعلة التى اودتك اليه فى المقام الاول كما لم تتصور انك شخص نمطى لا تجدد حتى فى كيفية اقتحامك لممتلكاتها
واعقب جملته بضحكة ساخرة اتسعت لها عينان وائل غضبا
وشدد على قبضتيه وهو ينظر اليه بضيق لم يهتم له ادهم الذى استطرد بعد ان اخذ نفسا عميقا من السيجارة التى حملها بين اصابعه:
-هل كنت تعتقد انك ستأتى لتجد دنيا نائمة فى فراشها لتستكمل ما لم تستطع فعله فى المرة السابقة؟
انت واهم اذن..او غبى وربما احمق كذلك
فى الحقيقة كل هذه الصفات تنطبق عليك لتصف ذكائك شبه المحدود وربما المعدوم
هل تصورت اننا اغلقنا صفحتك الماضية ؟ لا يا عزيزى
تحركاتك لدىّ منذ اللحظة الاولى التى خطت فيها قدماك عتبة الحرية..منذ ان فارق جسدك السجن واتباعى خلفك يبلغونى تحركاتك لكنك استطعت ان تلعب لعبتك الدنيئة بمهارة وخططت للامر ونفذته دون ان اتمكن من ايقافك
ارتجفتا يدا وائل وارتعشتا عيناه وهو يقول بصوت غلبه التوتر:
-ماذا تقصد ؟
اطلق ادهم ضحكة ساخرة وهو يقول:
-حريق المصنع..اتخيلت اننى لن اكشف انك الفاعل..كما قلت منذ البداية انت احمق بالفعل
لكن لا تقلق انت لم تخسرنا الكثير بل على العكس بمجرد ان تكتشف شركة التأمين انك الفاعل ستعيد بناء المصنع من جديد وهذه فرصة جيدة لنعيد بناء الديكور لاننا مللنا من السابق
تأججت مشاعر الحقد والغضب والضيق بقلب وائل لتصنعا مزيجا متجانسا بنكهة الكراهية
فاحت رائحته فاخرجت وائل عن شعوره وانقض كالليث على ادهم محاولا اطباق فمه اللعين
واطفاء النار التى اشتعلت بصدره الا ان ادهم لم يعطى له الفرصة واستقبل انقضاضته بصدر قوى دفعه الى الخلف وبادر هو بالهجوم عليه وهو يصيح:
-ايها الغبى انا اشعر بالشفقة عليك
كان الافضل لك ان تدع الامر وان تحاول اعادة بناء حياتك المتهالكة لكنك ابيت واخترت الطريق الصعب معتقدا انك هذه المرة اكثر قوة او ذكاء
هل اكتشفت الان مدى حماقتك..لماذا تحاول ايذاء تلك المسكينة؟؟
امتلأت عينا وائل بالدموع من شدة الالم الذى سببه ضربات ادهم المتتالية ومن الالم الاكبر الذى احدثته سارينة سيارة الشرطة التى تقترب بنفسه
لقد خارت قواه وتمدد على الارض كالجثة الهامدة منتظرا احاطه معصمه بسوار حديدى من جديد
مسح ادهم شفتيه وهو يتطلع الى جسد وائل الملقى باهمال على الارض وقال بضيق:
-قف واجه مصيرك كرجل
****************
احكم قبضة يده حول عنقها محاولا اخراج انفاسها التى اغوته وجعلته يتوهم نفسه حبيبا لها
محاولا زهق روحها التى مست روحه ..محاولا ايقاف دقات قلبها الذى اعتقد انه يخفق له
محاولا ازاحتها عن الوجود..ازاحة الانسانة التى كان طعم الحياة معها مختلفا
الانسانة التى وضع حياته ومستقبله بين يديها
لم يستجب لتوسلاتها ولم يرق قلبه لعينيها التى ترجوه ان يرحمها
لم يتوقف ولم يتنحى عما يفعله
كل ما كان يسيطر على كيانه
انه يجب ان يقضى على ضعفه..يجب ان يبتر اليد التى كادت تهلكه
يجب ان.........
-آآآآآآآآآآآآآآآآه
تأوه صارخا عندما استطاعت قدمها الصغيرة ايجاد طريقها الى ما بين ساقيه وتوجيه ضربة مبرحة..ازاحته من طريقها محاولة ايجاد طريق الهرب الا ان غضبه والمذاق المرير للخيانة الذى يشعر به كالعلقم فى حلقه جعلاه يتناسى المه ويهب واقفا مانعا محاولاتها المستميتة فى ازاحته عن طريقها
احكم قبضته على ذراعيها فتأوهت بالم وصرخت ودموعها تغرق وجهها:
-اتركنى..اترك يداى..ماذا تريد منى؟ الم يكفى ما فعلته بى
الم يكفى الجحيم الذى احلت حياتى اليه..الا يكفيك كل ما اقترفته يداك من ظلم وشر
ماذا تريد بعد؟
ازاح كفيه من على ذراعيها فقط ليلتقط وجهها بين يديه ويصرخ:
-لقد خدعتينى ..جعلتينى مسخة قابلة للسخرية فى عالمى
عرضتى حياتى ومستقبلى للخطر ..نسجتى لعبتك حولى كى تسلمينى للشرطة
لكن هذا لن يحدث
وجهت له نظرة نارية مفعمة بالكراهية وهى تلفظ كلماتها بتشفى:
-انت واهم اذن ان ظننت انك عندما اكتشفت لعبتى انك فررت من العدالة
الشرطة تعرف عنك كل شىء وهم هنا حولك باى لحظة سيلتفون حولك
هوى على وجهها صارخا:
-بماذا تهذين ؟؟
اندفع عمرو من باب الغرفة فاطلقت مى صيحة فرحة نبهت حسام الى وجوده فالتفت
ناحيته لتتسع عيناه وهو يجد جسدا قويا انقض عليه واوقعه ارضا
وضعت مى كفها على شفتيها حائلة بين صرختها وخروجها الى العلن
اذ اشتبك الجسدان فى معركة حامية انتفض لها جسد مى وسارعت بالبحث عن هاتفها المحمول
الا انها توقفت فى مكانها عندما سمعت وقع خطوات تقترب فوجهت عينيها الى باب الغرفة لتصطدم بالرائد مصطفى وعددا من رجال الشرطة فتنفست الصعداء واغمضت عينيها بارتياح
لتعجز ساقيها عن حملها وتقع فاقدة الرشد
*****************
ارتمى الاثنان على الارض وقد بلغ منهم التعب والقهر مبلغه
اعطى كل واحد فيهم ظهره للآخر غير عابئا به لاعنا اياه فى سره
فلولاه لما انتهى به المقام الى هذا المكان
كان سيد يتمتم بكلمات خفيضة:
-ايها المخبول..انت المتسبب فى رميتى تلك على هذه الارض الباردة بعيدا عن زوجتى واولادى..منك لله يا نعمة..طيلة عمرك لم نرى شيئا منك سوى المصائب
وما ان تنفسنا الصعداء لانكى حللتى عن حياتنا وتزوجتى ذلك الثرى المجنون
جثمتى على انفاسنا ثانية وعدتى لتزحمين المكان وتحتلين مكانا ليس لكى
وها هى مصيبة جديدة من مصائبك التى لا تنتهى..طليقك الاحمق اقتحم المنزل
ليعتدى عليكى ضربا وانا اخذتنى الشهامة وعملت على انقاذك من بين يديه
فقط لندخل فى عراك دامى اودى بنا نحن الاثنان الى التهلكة
حسبى الله ونعم الوكيل فيكى يا نعمة
ماذا يفعل ابنائى الان من دونى
منك لله يا نعمة
تطلع ممدوح الى ظهر سيد الذى اولاه له والتقط جملته الاخيرة ورددها بحنق:
-منك لله يا نعمة
دمرتى حياتى ولوثتى سمعتى وقضيتى على مستقبلى
قتلتى ابنى الذى مات وهو ناقم علىّ
تراجع ممدوح الى الوراء ساندا رأسه على حائط زنزانة السجن التى ازدحمت
بالمجرمين الذين تناوبوا على التطلع اليهم بتحفز
حاول ممدوح ان يتناسى الجدران المشينة التى ضمته بين جنباتها
حاول ان يتذكر كم اخطىء وكم ارتكب من زلات
حان الوقت كى يستعيد رشده
حان الوقت كى يبدأ صفحة جديدة ويتناسى كل ما حدث
لكن كيف ؟ كيف سينسى وقلبه يتمزق كل ثانية لفراق ولده
كيف سينسى انه مات متهما بتهمة شائنة هو برىء منها
كيف سينسى قراره الغبى بادخال تلك الافعى الى حياته
كيف سينسى انه معرض للسجن لسنوات لا يدرى عددها
كيف ؟
كيف؟
اغمض عيناه بحسرة فتسللت من بين جفونه دمعتان حارتان تواسيان حاضره
المغرق فى الظلمة
حاولت غادة الاستناد الى حافة الفراش لتصل للعكازين الذين ارتكزا الى جانب المقعد
فاسرعت دنيا التى وصلت توا الحجرة الى التقاط يد غادة لتلقى بحملها على اكتافها
بينما امتدت يدها تمسك العكازين الذين تسلمتهما غادة منها ووضعتهما تحت ابطيها هاتفة بامتنان:
-اشكرك يا دنيا
حملت دنيا حقيبة خضراء كبيرة من على ارض الحجرة قائلة بسعادة:
-حمدا لله على سلامتك..هيا بنا نغادر ذلك المكان الكئيب..لقد ضقت ذرعا به
هيا اسرعى ..لقد سددت المصاريف وطريق عودتك لمنزلك بات مفروشا بالزهور الان
شحب وجه غادة وبان فى عينيها شيئا تريد البوح به فتطلعت اليها دنيا بحيرة
متساءلة:
-هل هناك شىء ما يا غادة
تشبثت غادة بذراعها قائلة بالحاح:
-لا اريد العودة الى منزل امجد يا دنيا.. لا فيلا والده ولا منزله الذى نقلنا اليه مؤخرا
هزت دنيا كتفيها قائلة:
-حسنا يا حبيبتى..سنعود معا الى منزلى
خفضت غادة عيناها قائلة بحرج:
-شكرا يا دنيا لدعوتك الكريمة لكننى ارغب فى العودة لبيت عمى سعيد
-لكن مى مازالت مختفية يا غادة ولا نعرف طريقا لها
لوحت غادة بمفتاح فضى تعرجت اطرافه وقالت:
-لا تقلقى..مازلت احتفظ بنسخة مفتاحى
مطت دنيا شفتيها قائلة بضيق:
-لكنكى يا غادة مازلتى تحتاجين للرعاية..لا يمكن ان اتركك بمفردك
لم تحر غادة جوابا اذ تطلعت لعلى الذى اقترب منها بابتسامة سعيدة تراقصت على شفتاه
وزهورا حمراء تألقت بين يديه وهمسا محبا انطلق من بين شفتيه:
-حمدا لله على سلامتك يا ملاكى..يسعدنى يا مدام دنيا ان اعتنى انا بها
ابتسمت دنيا فى خبث وهى تراقب الارتباك الذى ارتسم بوضوح على وجه غادة
وقالت:
-اذن هل ستعودين معى لمنزلى يا غادة ام مازلتى مصرة على مكوثك فى منزل عمك
اطرقت غادة برأسها وكأنها لم تسمع شيئا فتنحنحت دنيا واشارت الى اللامكان
قائلة:
-حسنا انا سأذهب الى..كى....
وسرعان ما كانت خطواتها تبتعد عنهم فنزل على بجسده كى يطالع عينان غادة اللتان ارتكزتا على الارض وقال بلهجة حانية وهو يشير للمقاعد الجلدية المنتشرة فى الرواق:
-هل يمكننى الحديث معكى قليلا
كانت قدماها قد انهكاتها من الوقوف كما كان هناك خاطرا خفيا يشير اليها بالاستجابة لطلبه فاتجهت بصمت الى حيث المقاعد وانتقت واحدا نزلت بجسدها عليه فاسرع على يلتقط منها العكازين ويضعهم بجانبه خوفا ان تهب فى اى لحظة منصرفة عنه
ظلتا عيناها لا تبارحان مكانا واحدا بينما تنقلت عيناه بين عينيها وشعرها وشفتيها
كان يحاول ان يلم بملامح وجهها الجميلة التى لطالما اشتاق اليها
وعندما تنحنحت تمالك نفسه وقال بصوت متوتر:
-غادة..لن اقول لكى استمعى الىّ بقلبك وحده بل يجب ان يكون عقلك كذلك فى المعادلة
انا احبك يا غادة..احببتك ومازلت احبك
لو كان قلبك وحده له القرار لكانت تكفى تلك الكلمة كى نعيد الايام الخوالى لكن عقلك الجميل يحلو له ان يضع العراقيل فى طريق حبنا
غادة..يجب ان تتأكدى انكى اجمل شىء حدث فى حياتى وانه لا يوجد بتلك الحياة ما جعلنى اشعر بالسعادة سوى قربى منك فلكى ان تتخيلى كم كنت انتحاريا عندما تركتك وسافرت
لكى ان تتخيلى اننى تخليت تماما عن الانانية وعن سعادة قلبى وفضلّت ان اتعذب انا مقابل الا اعذبك معى ..كنت حينها اتخيل ان هذا هو الصواب واننى احميكى من هذا الزمن واقدم لكى الافضل
لم اكن ادرى اننى كنت اذبح روحينا..لم اكن اعلم اننى كنت ادمى قلبينا
لم اكن...
فجأة اختلج صوته فصمت لبرهة ثم واصل حديثه لكن شعرت غادة بارتجاف صوته:
كان قرارا احمقا من شاب طائش اعتقد نفسه روميو فقتل نفسه من اجل حبيبته
لم يكن يعرف ان قتل نفسه معناه ان تلحق به جولييت
لم يكن يدرى انه يوقع على وثيقة عذاب حبيبته
ترك مقعده وجثا على ركبتيه امامها هاتفا بعينان متوسلتان احتقنتا بالدموع:
-انا آسف يا غادة..آسف على كل ما جعلتك تمرين به..آسف على قرارى الاحمق
آسف على قرار الفراق الاحمق..اغفرى لى يا غادة..اتوسل اليكى
امنحينى فرصة ثانية
امنحى حبنا فرصة ثانية
واوعدك هذه المرة اننى سأصون قلبك ولن اجرحه مطلقا
ظلت ملامح وجهها جامدة رغم الاعاصير التى تعصف بقلبها
لم ترمش عينيها..لم تختلج شفتيها فعض على شفتيه بأسى واضاف
بلهجة الغريق الذى يتشبث بطوق النجاة:
غادة..سألقى عليكى سؤالا واحدا وسأرضى باجابتك عليه
هل تفضلين ان تمر حياتك امامك وانتى واقفة عاجزة عن استكمالها ..تخنقك ذكرياتها البشعة ويقيدك عنادك
ام تفضلين ان تتحلى بالامل وتعطى الحياة فرصة ان تثبت لكى انها ليست بهذا السوء
وتفرجى عن قلبك من سجنه المعتم
ايهما تفضلين يا غادة ؟؟
تعلقت عينا دنيا الواقفة بعيدا بوجه غادة محاولة ان تستشف منه
قرارها
هل سيصفح قلبها ام ان صفحة على قد انطوت ولن تعود لفتحها
!!!!
اختلجتا شفتا دنيا وتراقصت اهداب عينيها بأمل وهى تستمع الى كلمات ضابط الشرطة
الذى هاتفها لينبئها ان هناك تطورات فى القضية وان عليها المجىء لمتابعتها
وضعت دنيا سماعة الهاتف وهى تهتف فى اعماقها بحرقة
ياااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااارب
يا مجيب النداء..يا سامع الدعاء
وامتدت يدها تلتقط حقيبتها وهى تتنهد بحرارة ، متمنية ان يتحقق ما تأمله وان ينتهى الامر على خير فهى قد ذاقت المر مؤخرا وبحاجة الى ان يغفل عنها الظلم قليلا
فقد تجرعت كأسه عن اخرها وليس لديها ادنى استعداد ان تستمر هذه المؤامرة كثيرا
المؤامرة التى هدفها ان تبات عينيها مليئة بالدموع والا تعرف الضحكة طريقها الى شفتيها
فتحت الباب ليصطدم جسدها بادهم الذى راقه ان يشعر بجسدها الضئيل بين احضانه
ولو كان عن غير عمد
ابتعدت عنه كالملسوعة وهى تهتف بضيق:
-انت مجددا..ارحمنى يا اخى وابتعد عن طريقى..ماذا بك ..لقد اعتقدت انك على الاقل تتحلى ببعض الكرامة ..الا يزعجك اننى لا اطيق رؤياك واننى انفر منك
ابتسم ادهم فاستفزها هدوئه فصاحت:
-ماذا بك؟؟ يبدو انك لم تتسلم دعوى طلاقى بعد
اخرج ورقة من جيب سترته لوح بها امام عينيها وهو يقول بهدوء:
-تقصدين هذه
كادت تومىء برأسها الا انها شهقت بعنف حينما تناثرت الورقة فتاتا امام عينيها اثر تمزيقه لها..هزت رأسها باستنكار فجذبها من يدها دافعا اياها لتحتل مكانها على احد المقاعد الا انها هبت صائحة:
-هل انت مجنون !! ابتعد عنى ..لدى ميعاد مهم ايها السمج
لوح برأسه وهو يهتف:
-ميعاد فى مديرية الامن..اليس كذلك !
طالعته بتساؤل فتقدم منها يعيدها الى مكانها وهو يقول بصرامة:
-دنيا..حديثى معكى لن يستغرق طويلا واعدك ان كنتى مصرة ان وجهى منفر ولا تبغين رؤيته بعد هذا الحديث فسأنفذ رغبتك طواعية لكن ارجوكى لا تغلقين الباب فى وجهى كليا
لا تحكمين علىّ دون ان تستمعى الى دفاعى
مطت شفتيها فى استهزاء لكنه انتهز فرصة عدم اعتراضها وجلس الى المقعد المجاور لها قائلا بلهجة حانية:
-نعم..اعترف..كنت شخصا دنىء انانى ..لا استسيغ من الحروف سوى كلمة انا ولا افكر فى شىء الا فى مصلحتى.. لا اهتم الا بحالى ..لم اشعر يوما بحنان احد او بحبه
وكما يقال فاقد الشىء لا يعطيه ..منذ اليوم الاول لى على هذه الارض والمال كالماء بين يدى لا اكاد اطبق عليه من وفرته ومن سرعة تسربه من بين يدى..نشأت طفلا مدللا كل ما ارغب به اجده بلمح البصر
وكانت الطامة ان فقدت كل شىء..فقدت ابى.. وماله ذهب مع الريح
اكتشفت اننى ولاول مرة فى حياتى لا اجد ثمن عشائى..لاول مرة افكر فى الغد بقلق
لاول مرة اشعر بمذاق الحياة الحقيقى
كان الشيطان رفيقى ..عمتك ناهد..وسوست فى اذنى وكنت انا خادمها المطيع
لا القى التهمة عليها فانا متهم فيها بقدرها
لا انكر افعالى الحقيرة..اعترف اننى وطأت بقدمى منزلك رغبة فى الاستيلاء عليه وعلى مال صاحبته..اعترف اننى جئت مصر كى اضعك كالخاتم فى اصبعى والتهم حقك
لا اشعر بالخزى من هذه التهم ..اتعلمين لماذا ؟ لاننى لست هذا الشخص
هذا الشخص الذى اقص افعاله الحقيرة اختفى من الوجود
الذى امامك الان لا يمت بصلة له لكنه بكل دقيقة يشعر بالاشمئزاز من هذا الشخص
يشعر بالدهشة ان هذا الشخص كان يعيش تحت جلده
يشعر بالحزن انه يوما كان هو وذاك الشخص انسانا واحدا
لقد تغيرت يا دنيا ..انتى غيرتينى..اغرقتينى بحنانك وحبك وبذلتى المستحيل من اجل اسعادى
وبالنهاية انا بنى آدم لست شيطانا لاجد منك كل هذا واظل اسير فى طريق خداعك وخيانتك
اغمضت دنيا عينيها وقد بدا ان مشاعرها قد اهتزت
فعندما فتحتها لم تكن خالية تماما من الدموع ، قالت بصوت مجروح:
-لطالما كنت ماهرا فى الكلام..لقد خدعتنى به..ما الذى يرغمنى اليوم على تصديقك
اقترب منها وهو يهتف بحماس:
-وما الذى يدفعنى الان للاصرار على خداعك وما كنت اسعى ورائه فى طريقه الى الوداع
اعترفى بالوضع الذى اصبحتى فيه يا دنيا..لقد فقدتى مصنعك ولن تحصلى على مبلغ التامين طالما الفاعل حرا طليقا..اقترب موعد تسليم طلبيات العملاء ومصنعك الان بات رمادا..ستواجهين شروط الجزاء المهولة..ستبيعين شركتك وفيلتك وتضيفى عليهم رصيدك فى البنك ولن تتمكنين ايضا من استكمال المبلغ..ستصبحين عرضة للمحاكمة والحجز على ممتلكاتك
هل يمكنك اعطائى سببا وجيها لاصرارى على استعطاف امرأة آيلة للسقوط
امرأة يحدق بها خطر السجن
انسالت دموعها على وجهها وقد شعر بالخوف يرسم ملامحه البشعة على وجهها
فاختلج قلبه وضمها بين ذراعيه هامسا:
-لا تخافى يا حبيبتى ..لا يمكننى ان اقف ساكنا وانتى تغرقين
انا املك الحل