الفصل السادس عشر
خيانة
ترجل امجد من سيارته التى صفها امام جامعة القاهرة واسرع بالبحث عن غادة بين جنبات الكلية ليصحبها معه الى المنزل بسيارته لخوفه وقلقه المستمر على ما تحمله بين احشاءها حتى تطأ قدماها بأمان منزلهما
اعترف امجد لنفسه انه لم يأتى الى هنا فقط من اجل هذا بل هناك سبب آخر..لقد اصبح يرغب برؤيتها فى كل وقت .. اصبح يفتقدها دوما واضحت قريبة من قلبه بشدة خاصة بعد هذا الخبر السعيد الذى زفته اليه والذى تعامل يومها معه على انه نبا عادى وكأنها تخبره مثلا بتحضير العشاء
اخفى سعادته ولم يحتفل معها فحتى الان لم يستطع نسيان فعلتها
لم يستطع ان ينسى مكانه فى حياتها
ابتسم عندما وجد ضالته المنشودة .. عندما لمحها بين صديقاتها .. اقترب منها لكنه جمد بمكانه عندما رآه يقترب منها ويتبادلا الحديث سويا
غلى الدم بعروقه وكاد ان يفرغ ضيقه وغضبه والمرارة التى يشعر بها منذ لقاؤه مع امه والتهمة التى وجهها اليه ابيه لكنه اطبق على قبضتيه بسرعة حتى كادت عظام يده ان تنكسر محاولا تماسك اعصابه واستدار عائدا الى سيارته منطلقا بها بسرعة جنونية اوصلته فى وقت قياسى الى المنزل الذى ما ان دخله حتى ارتمى على اول مقعد قابله وحدق فى الفراغ المحيط به متحسرا على حاله
الجميع يتأمرون ضده
امه تعود كمعا فى امواله
وغادة تعيد حبها القديم وتقابله فى السر
وابيه يتهمه بابشع تهمة
وهو وحيد لا قيمة له .. الكل سعيد بدونه
مزقه هذا الشعور فاطلق صيحة هادرة وه يضرب بقدميه طاولة الصالون الذى جلس الى احد مقاعده :
- آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه
**********
فتحت باب مكتبه برقة ودلفت متطلعة اليه بنظرات امتلأت بحقد واضح وكراهية مطلقة تبددت على الفور ما ان طالعها بنظره فحل محلها نظرات رقة وابتسامة زينت محياها وهى تقول :
- لماذا يريدنى مديرى العزيز .. كيف استطيع خدمتك يا حسام بيه
ابتسم وهو يقول متبرما :
-الم اقل لكى كفى عن هذا وخاطبينى باسم حسام مجردا
ضحكت مى بدلال وقالت وهى تقترب منه:
-حسنا .. فيما تريدنى يا حسام
هتف بحماس:
- عدى حقائب سفرك .. لقد حان موعد سفرنا الى الاسكندرية حيث سأتسلم بنفسى تلك الطلبية التى اخبرتك عنها
لمعت عيناها وهى تقول بتهكم لم ينتبه له:
-ولماذا يجب ان تتسلمها بنفسك
نظر اليها فى صمت ثم اسرع يقول :
- لاننى سأستقبل معها سيدة اعرفها منذ زمن
ارتسمت ابتسامة ساخرة على جانب شفتيها وهتفت متبرمة :
-سيدة ! ومن هى تلك السيدة ؟ هل هناك علاقة بينكما
هز رأسه فى عنف وهو ينفى :
- لا ابدا .. كل ما يربطنا هو العمل
قربت وجهها من وجهه وهى تقول بصوت خافت :
-اذن سأحضر لقاءات العمل بينكما .. اليس كذلك
تعلثم حسام وهو يجيبها :
- لا .. لا داعى .. لا داعى لهذا
عقدت زراعيها امام صدرها وهى تقول بتبرم :
-لماذا اذن ستصحبنى معك ان لم يكن من اجل حضور هذه اللقاءات.. اذن سفرى معك ليس للعمل .. هل عدت لتفكيرك الاخر .. ماذا تظننى ؟
اسرع يمسك يديها وهو يهتف نافيا :
- لا ابدا يا مى .. لم اقصد هذا ابدا
نظرت الى عينيه بتمعن واخذت نفسا طويلا بعدها همست :
- لماذا اذن تواصل معاملتى بهذا الاسلوب الجارح .. اتعلم ! اى فتاة بمحلى كانت لتترك العمل لديك منذ زمن لكننى بقيت هنا واحتملت سخافاتك تلك لاننى .. لاننى .. لاننى احبك
لفظتها وكادت تقتل نفسها لاجلها اما هو فقد برقت عيناهوانتفض جسده وهو يحدق بعينيها وسرعان ما هتف بسعادة :
- ماذا ؟ حقا يا مى ! هل تحبينى فعلا ؟ يااااااااااااااه كم تمنين سماع تلك الكلمة من بين شفتيكى .. مى .. ربما قلت هذه الكلمات لغيرك مئات المرات لكن هذه هى المرة الاولى التى اعنيها حقا.. ما اشعر به تجاهك شعور صادق ولم اتخيل ان ينتابنى يومالكنكى استطعتى ان تديرى رأسى من حبك ولا اصدق انكى تبادلينى شعورى هذا
امسك كتفيها وهو يصيح :
- انا احبك يا مى .. احباااااااااااااااااااااااااااك
توقفت مى مذهولة امام هذا التصريح القوى .. لم تكن تتخيل هذا النجاح
انه لا يكذب .. انه فعلا يعنى ما يقوله
لكن هل سهل هذا مهمتها ام صعبها ؟
هل سيثق بها ويطلعها على ادق اسراره ام سيحاول اخفائها عنها خوفا من خسارتها!!
هل حبه لها سيجعلها تكشفه للعداله ام تخسر فرصتها الوحيدة فى اثبات براءة اخيها والانتقام منه !!
يا له من مأزق !
**************
- ماذا تفعل هنا ايها الوقح ؟
نطقها بحدة وبعينان اطلقتا شرارا مخيفا اخمد الحماسة التى دبت بجسد امجد ودفعتهللمجىء لشركة ابيه فى محاولة منه لاظهار براءته من التهمة الحقيرة التى نسبتها اليه زوجة ابيه
تلك الحية الرقطاء التى تعربد بالمنزل الذى تربى فيه وبناه مع والده بعرقه وكفاحه .. وها هى تلك الافعى تحاول ان تسلخه حيا من كل ما روى بذرته حتى كبر وترعرع لكنه لن يظل مكتوف الايدى امام لعبتها الدنيئة تلك لذا فقد هتف :
- استمع الىّ فقط يا ابى .. منذ تلك الحادثة المشئومة وكلما تراتنى تلعننى وتنصرف عنى .. انت لم تعطنى الفرصة كى اشرح لك .. لماذا تصدق تلك الامور التى تعرفها من شهور وتكذب ابنك الذى ربيته حتى صار رجلا ؟
هب ممدوح من مقعده وهو يهتف :
-وهل فيما رأيته مجال للتصديق او التكذيب ؟
ايها الخائن لقد دنست حرمة منزلى واعتديت على زوجتى
احتقن وجه امجد وهو يصرخ :
- لا لم افعل .. امراتك كاذبة ولعينة
صفعه وهو يصيح :
- اخرس اياك ان تقول هذا .. انت هو اللعين الذى لم يصن شرف اباه وكان اول من ينهش فى لحمه
- اقسم لك لم افعل انها لعبة دنيئة دبرتها نعمة لتوقع بى
- ولم قد تفعل هذا ايها الكاذب ؟ ما الذى ستجنيه ؟
لوح امجد بكفه وهو يواصل صراخه :
- لا ادرى اسألها هى
هتف ممدوح بتهكم :
اترك الجانى واستجوب الضحية
هز امجد رأسه وهو يهتف بغير تصديق :
- ضحية ! انت مخدوع يا ابى .. لقد تمكنت منك واستطاعت ان تربح جانبك فضحيت من اجلها بفلذة كبدك
هز ممدوك كفيه وهو يصيح :
- لا انت مخطىء.. انت لم تعد ابنى ..لقد صرت غريبا عنى يوم احلت لك نفسك ان تفعل بى ما فعلت
حدق فى وجهه بعينان دامعتان وهو يقول بصوت خافت :
اذن فانت مصر على موقفك هذا
مضت فترة من الصمت بينهما قطعها امجد بصياحه الحانق :
- حسنا يا ابى كما تشاء سأثبت لك براءتى بطريقتى الخاصة لكننى لن اسامحك ابدا على شكك بى
وغادر حجرة مكتبه مشتعلا من الغضب واصابعه تتنقل فى سرعة بين ازرار هاتفه المحمولالذى صاح فيه :
- دنيا .. لم يقتنع .. سننفذ ما اتفقنا عليه
***********
هبطت مى درج مديرية امن الجيزة فى الوقت الذى تلقى فيه هاتفها المحمول رسالة فضغطت على ازراره لتطلع على فحواها وهالها ما رأت فقد هتفت كلمات رسالة عمرو " لقد اعتقدت انكى مختلفة .. لم اكن اعلم انكى بهذه الوضاعة .. انا آسف على وقتى الذى اهدرته على فتاة مثلك "
شحب وجهها وكادت الدموع تتفجر من مقلتيها لكنها تمالكت اعصابها باعجوبة وهى تشير لاحدى سيارات الاجرة التى توقفت لتقفز فيها وتهتف بالسائق :
-عابدين يا اسطى .. اسرع من فضلك
دار بخلدها افكار مريعة .. ترى ماذا يقصد ؟ يا الهى ! ماذا يعنى بكلماته هذه ؟ بالتأكيد يقصد علاقتها بحسام .. هل فاحت رائحتها بهذه السرعة !
يجب ان تخبره بالحقيقة.. لا يمكن ان تخسره .. انه اجمل شىء حدث بحياتها
- وصلنا يا آنسة
انتزعها هتاف السائق من افكارها فنقدته نقوده واسرعت بالترجل من سيارة الاجرة لتتلفت هى حولها وتقترب من شاب وتسأله :
-اين منزل المهندس عمرو كمال ؟
تطلع اليها الشاب بنظرات لم ترق لها ثم اشار بيده قائلا :
آخر الشارع ..المنزل الاصفر على يسارك .. شقته بالدور الارضى
هتفت شاكرة واسرعتبخطواتها المرتجفة ودقات قلبها الغير منتظمة تقترب من منزله حتى وصلت الى باب شقته الذى طرقته ليطالعها وجه عمرو المستنكر وهتافه المندهش :
- ماذا تفعلين هنا ؟
**********
تطلعت اليه غادة بحيرة وهى ترى تلك النظرات تعود ثانيه الى عينيه .. ماذا به ؟ لماذا عاد الى معاملته السيئة تلك ؟ الم تكن الاحوال قد تحسنت قليلا ! لماذا عادت لتسوء بهذا الشكل ؟
تنحنحت وكادت تتساءل عما به لكن جرس الباب الذى انطلق قاطعها فقامت مضطرة الا انه استوقفها بيديه وهو يقول بحزم :
-سأفتح انا
اتجه نحو الباب وجذبه ليرتفع حاجباه فى دهشة وهو يهتف :
- ادهم ! ماذا تفعل هنا ؟ ماذا تريد ؟
-حديثى لن يأخذ من وقتك كثيرا
قال امجد بسخرية :
-ومنذ متى وبيننا حديث ؟؟
ثم اضاف بتحذير :
- اسمع .. ان كنت هنا بمنزلى كى تحاول ان تبعدنى عن دنيا فلن تفلح محاولتك .. دنيا هذه ابنة خالى وشقيقتى الصغرى وحمايتها واجبا علىّ وبما انك لم تصن الامانة التى بين يديك فقد جاء دورى انا كى اصونها وابعدها عن امثالك
ارتسم الضيق والنفور على وجه ادهم الا انه قال مرغما :
-لن ارد على اتهاماتك هذه رغم ان لى كل الحق ان ابعدك تماما عن دنيا لكننى لن افعل هذه ولن استخدم هذا الحق
- حق !! اى ........؟
قاطعه بسرعة قائلا :
-ولن نتحدث فى هذا الموضوع ..لقد جئت اليك بموضوع آخر ..اتمنى ان تعيرنى انتباهك فيه وتتناسى خلافاتنا قليلا
اشتعل فضول امجد فهتف بلهفة :
- اى موضوع هذا
- والدتك .. ناهد شاهين
اغمض امجد عينيه بضيق وعاد يفتحهما وهو يتساءل :
- ماذا عنها ؟
اجابه بمرارة عكست جراحه بعد اكتشافه الامومة المزعومة وغدرها بوالدته :
- انتبه منها جيدا..لا تخنع لها .. انها أم لكن الجنة لن تكون ابدا تحت قدميها بل سيكون مصيرها جحيم مستعر .. احذر منها ومن الاعيبها .. انها ستحاول المجىء اليك واستجدائك لتقبل بها أما من جديد فلا تضعف او تشفق عليها .. انها لا تشعر بذرة امومة او حنان تجاهك .. كل ما تريده هو المال وعندما فشلت محاولتها معى لاعادة الكرة مع دنيا واكمال خطتنا قررت انك ستكون خطة (ب) بالنسبة لها
اشار اليه بيده نحو احد المقاعد وقال بصرامة :
-اجلس
ارتفع حاجبا ادهم بدهشة لاستجابته تلك لا انه اومأ برأسه وهو يستمع لكلمات امجد :
-لا تعتقد اننى مغفل لهذه الدرجة ولن افهم هذا الصنف من النساء .. هى فعلا امى لكننى افضل ان اكون يتيم على ان يكون لى مثل هذه الام انها لا تستحق هذا اللقب وجيد انك اخيرا قد عرفتها على حقيقتها.. هى بالفعل فعلت ما اشرت اليه لكنها لا تعلم عنوان منزلى هذا وانا هذه الفترة لا اذهب الى الشركة التى علمت من موظفيها انها عادت اليها لكن ابى قام بالواجب معها وطردها شر طردة
قام ادهم من مجلسه وهو يومىء برأسه قائلا بتشفى :
- خير ما فعل .. حسنا لقد طمئنت قلبى
فانا لا اريد هذه المرأة ان تخدع من جديد
كاد ان يخطو بقدمه خارج المنزل الا ان يد امجد امتدت لتلتف حول ذراعه ليتوقف ويدير بصره نحو امجد الذى تساءل بتردد :
-هل حقا اغرمت بدنيا ام ان تلك لعبة لاستنزاف اموالها !
لمعت السعادة بعينى ادهم وابتسم وهو يفتح قلبه ويهتف بحب دنيا
*******