ويغلى القدر (بكسر القاف) ببطء
اندفعت شهقات ميرفت تنطلق بقوة لتؤازر دموعها الساخنة التى انهالت على وجهها وافسدت زينتها الرقيقة وكسى الالم قسمات وجهها فامسكت بصدرها الذى تعتصره الالام بشدة وحاولت ان تخلى صوتها من الانفعالات وهى تقول لتهدئة نفسها:
-اهدئى يا ميرفت اهدئى ما هذا الذى تفعليه بنفسك انتى ستودين بنفسك للتهلكة
قلبك المريض لا يتحمل ما تفعليه اهدئى
التفتت لتنظر لنفسها فى المرآةوتقول بصوت مختنق :
- كيف اهدأ ؟ وولدى فرحتى الاولى لا يحبنى وكل علاقته بى مجرد وريقات وريقات ملعونة اسمها المال
نظرت الى صورته المعلقة على حائط غرفتها وقالت وهى تتشنج وتتقطع كلماتها من فرط الانفعال والالم الغائر الذى احدثته كلمات حسام لها:
-لماذا يا عمرو ؟ انا اعلم اننى اخطأت بحقك وتركتك قديما يا بنى
لكن لم يكن بارادتى كان غصبا عنى لم استطع التحمل يا عمرو صدقنى يا حبيبى
لقد اردت ان احيا معك العمر كله لكن لم استطع لم يواتنى والدك الفرصة لذلك
والدك هو السبب فى ابتعادنا لست انا لست انا
عادت تنظر للمرآة لتطالع وجهها وتقول بقسوة:
-لست انتى؟ كيف لست انتى يا مجرمة؟ انتى من تركتيه ولم تتحملى من اجله
نظرت لصورة عمرو بسرعة وقالت برجاء :
-لا لا تصدقها يا عمرو يا حبيبى انا لم يكن بيدى اى شىء لقد كان اصعب شىء لدى بالوجود ان اتركك
التفتت لنفسها فى المرآة لتقول:
-كل انسان بيده الخيار وانتى اخترتى اخترتى ان تعيشين حياتك وتتر كين ابنك
اخترتى ما لصالحك وتناسيتيه
اسرعت بالنظر لصورة عمرو وهى تقول بعينان متسعة ملهوفة للنجدة :
-هل تصدقها يا عمرو؟ هل تعتقد انه كان بيدى شىء ولم افعله من اجلك؟ هل تعتقد اننى تركتك لاهوائى الشخصية ؟ لا يا حبيبى ابدا
-لكن يبدو انك تعتقد هذا فعلا بدليل انك لا تأتى لزيارتى وعندما تأتى تأتى لاجل اخيك
لاجل ان تأخذ منه نقود تدعى اقتراضها وردها سريعا ولا تفعل يوما وحسام يعطيك لانه يعلم مقدارك عندى
كما انك تشيح بيدك رافضا محادثتى عندما اكون على الهاتف مع حسام واطلب مكالمتك
لماذا اذن ادعيت غفرانك ومسامحتك ؟ ألاجل الوظيفة والاموال التى تأخذها من حسام
حاولت بدون فائدة ان توقف سيل دموعها المنجرف لكنها لم تستطع
عمرو ابنها الحبيب يفعل بها هذا !!
دارت الدنيا حولها واظلمت امام عينيها وهى تردد:
ثم غابت عن الواقع ولا تزال دموعها تتساقط من عينيها المغمضتين
قالتها مى بحروف مرتجفة مصبوغة بصبغة الالم والندم وهى ترقد فى احضان دنيا المنهارة على فراشها
نظرت دنيا الى عينى مى المتألمتين بحيرة ووجوم وهى تفكر فى معنى جملتها الغريبة التى قالتها بكل هذا القدر من الندم
لقد اسرعت مى بالمجىء عند اول ضوء ظهر فى السماء لتقف الى جانبها بعدما ابلغتها فى الهاتف انها تحتاجها بشدة
ومنذ ان جاءت وهى بين احضانها تروى لها بكلمات منهارة عن التجربة القاسية التى مرت بها وبالاجواء البوليسية التى احاطت بها بعد ذلك
هدئتها مى بفيض حنانها وكلماتها المشجعة لها عن نسيان ما حدث والقاؤه وراء ظهرها كما ابدت سعادتها بقوتها ووقوفها فى وجه وائل وحمدها لله على نجاتها من شركه
لكن كلماتها الاخيرة استوقفتها واسترعت دهشتها
ماذا تقصد بذلك؟ لماذا هى السبب؟
لذا قالت والحيرة تملأ عيناها:
شعرت مى بخجل شديد جعلها لفترة لا تقوى على ملاقاة عينيها المتسائلتين
كيف تخبرها انها كانت تعلم منذ زمن؟ كيف تخبرها انها لفترة شعرت بالفرحة انها ليست الوحيدة المخدوعة؟ كيف تخبرها انها تكره نفسها لانها شعرت بالغيرة منها ؟ كيف تخبرها ان قلبها يتألم لما حدث لها وانها هى السبب كيفففف؟!!!
استجمعت قواها واخذت نفسا قويا قبل ان تقول والاسف يقطر من كلماتها:
-انا اسفة يا دنيا اتوسل اليكى ان تقبلى اعتذارى ارجوكى
صدقينى سأصاب بشىء ان لم تفعلى
-مى ماذا بكى! لماذا ترتجفين هكذا؟ وما هذا الذى تحكين عنه ؟ انا لا افهم شىء
وصدقينى يا حبيبتى انا لن اغضب منك ابدا لاتقبل اسفك
-الا فى هذا يا دنيا اسفى حتى يمكن الا تتقبليه
-مستحييييييل انتى اختى وصديقتى الحميمة هل يمكنك ان تقولى لماذا كل هذا
ما الامر لقد اشعلتى فضولى حقا
ارتجفت شفتا دنيا وهى تستمع لكلمات مى النادمة ولم تشعر الا بدموعها تعود لتحفر مجراها على خدها المتورد فجزعت مى وهى تشير الى وجهها وتقول:
-ارأيتى! ها قد اغضبك كلامى لكن صدقينى انا لم اقص
قاطعتها دنيا بصيحة هادرة:
لجمت مى لسانها امام انفعال دنيا وتسربت الدموع من عينيها فاسرعت دنيا بمسحها وهى تقول بحنان:
-ايتها الغبية اصمتى قليلا هل ستتحدثين بلسانى ايضا ! كيف لكى ان تفكرين بهذه الطريقة
انا التى اشعر بالخجل اننى فعلت هذا بك ولم اشعر بلوعتك وانا اسرق ذلك الوغد من امام عينيكى
وعندما لاحت محاولة مى للحديث اسرعت دنيا تضيف:
-نعم اعلم ما ستقولينه انكى لو اخبرتينى بحقيقته لما كان حدث ما حدث لكنك انسانة يا مى معرضة للخطأ واتخاذ قرارات خاطئة وهذا ما حدث معى اتعلمين ان هذا فى صالحى كي لا اثق فى اى فرد بسهولة
وهل تتصورين اننى ايضا لم تواتنى لحظات لم اشعر بالغيرة فيها منكى
بل فعلت كنت اشعر بالغيرة وانتى وسط عائلتك وانا هنا وحدى اعض اناملى من الخوف والوحدة بين جنبات هذه الفيلا الواسعة
نحن لسنا ملاك يا مى لكننا على الاقل نعرف متى نتوقف ونندم ونحاول اصلاح هذا الخطأ
ابتسمت مى لكن دموعها خانتها فقالت بمزاح:
-اعتقد ان علينا ان نشرب ماء كثير لنعوض ما اذرفناه من دموع
شاركتها دنيا ضحكاتها وهى تقول بامتنان:
-لا ادرى لو لم تكونى موجودة معى الان ماذا كنت لافعل
اخذتها مى فى احضانها وهى تقول :
-انتى افضل صديقة لى بالكون
-عدينى يا مى ان نعود كما كنا وان نترك ذكرى وائل المقززة هذه وراء ظهورنا
تقدم محمد بخطوات بطيئة متسللة حتى اقترب من فتاة متوسطة الطول ممتلئة القوام قليلا يصل شعرها الاسود القصير الى كتفيها
حرص محمد على ابقاء اصوات خطواته منخفضة حتى لا تنتبه لوجوده وقد ساعده على ذلك استنادها الى سور سطح المنزل و انشغالها بالتطلع الى الحركة الدائرة فى الشارع
كان يقف خلفها تماما لذا فقد قال بهمس جعلها تنتفض:
-مرحبا باحلى فتاة فى شبرا
تطلعت بانبهار الى زيه العسكرى وقالت بسعادة:
-محمد ! ما اجمل هذا انك تبدو رائعا فى هذا الزى
-لقد اوحشتينى كثيرا لم اعتد على طول غيابك عنى
ابتعدت عنه وهى تجذبه بعيدا عن السور :
-تعالى هنا حتى لا يرانا احد
-وانت ايضا اوحشتنى كثيرا يا محمد غيابك عنى طال لا تتصور كيف كنت وانت فى كليتك فبعدما كنا نتقابل كل يوم اصبحت الان لا اراك الا كل خميس وجمعة
-اعلم انهم لا يكفون لكن هذا فى صالحنا
غدا اصبح ضابطا كبيرا واتقدم لخطبتك يا اجمل الجميلات
مصمصت شفايفها وهى تقول بتهكم:
-اجمل الجميلات! ماذا عن غادة هانم -اتحاول اقناعى انه لا شىء يدور بينكما؟
-هل انتى مجنونة غادة تكبرنى فى السن ثم انها اختى
-لكن جمالها يزيل كل الحواجز
-لا يوجد فى القلب غيرك يا هند
-طبعا يا حبيبتى ولدى خبر سار لكى لقد استلمنا الشقة الجديدة التى سنتزوج فيها انا وانتى
بينما نظر محمد الى عينيها بحب وهو يمسك يديها قائلا:
-انا انتظر هذا اليوم بفارغ الصبر يا احلى هند فى الوجود
كانت ميرفت جالسة فى حديقة الفيلا تتناول كوب الشاى الصباحى بجوار حسام الذى اقترب منه صلاح الصفرجى ليقول:
- انتهينا من اعداد افطار يوم الجمعة المعتاد يا حسام بيه
-حمدا لله انك لازلت تواظب على هذه العادة يا حسام فافطار يوم الجمعة هو الوحيد الذى اراك فيه على طاولة الطعام
نظر حسام باستغراب الى صلاح الذى ظل واقفا فى مكانه وقال:
-صلاح لقد علمنا اذهب الان
-هناك خبر اخر يا حسام بيه الاستاذ عمرو ابن الهانم هنا ويريد مقابلتك
-ماذا تقصد بابن الهانم؟ عمرو هو اخو حسام بيه ثم لماذا تأخذ الاذن اجعله يتفضل طبعا
-حسنا حسنا اذهب انت يا صلاح واجعله يتفضل
كان يجب ان يقطع كلماته حتى لا تعرف والدته انه هو من اوصى ان عمرو يعامل كأى ضيف ولابد من الاذن اولا لدخوله بالتأكيد هذا سيستثيره ضحك فى اعماقه بسخرية بددها وجه عمرو الخالى من اى انفعالات والذى يقترب
نظر سريعا الى والدته فوجد اللهفة تغطى وجهها فقال بضيق فى اعماقه:
-هذه المرأة لا يجدى معها شىء
صافحه عمرو وقبل والدته ثم جلس فى مواجهتهم وهو يقول:
-كيف حالك يا امى ؟ كيف حالك يا حسام
ربتت ميرفت على كتفه وهى تقول:
-بخير حال يا عمرو كيف حالك انت يا حبيبى
ضاق حسام بما تفعله والدته فقال فى سرعة:
-يا ترى ما سبب هذه الزيارة يا عمرو
نظرت اليه ميرفت بانزعاج الا انه تجاهل نظرتها وهو يستمع لعمرو الذى قال بتوتر:
- فى الحقيقة لقد جئت من اجلك اريدك فى شىء هام وضرورى
ابتسم حسام فى اعماقه وهو يرى لعبته تتحقق على يد عمرو فقال:
-جئت من اجلى انا! الم تأتى لتجلس معنا فى جو عائلى
كانت المهمة صعبة على عمرو كيف يفاتحه فى الموضوع دون ان يجرح مشاعره او يحسسه انه واصى عليه بالاضافة انه يجب الا تعلم امه باى شىء حتى لا تتغير نظرتها تجاه حسام انه هنا ليحاول نصحه وابعاده عن هذا الطريق الذى يسير فيه
وافضل شىء ان يحدثه من اخ لاخيه فى جو الاسرة والمنزل بعيدا عن العمل حيث هو المرءوس وحسام صاحب العمل لذا فقد فرك كفيه فى توتر وقال بحرج:
-بل اريدك فى موضوع شخصى لكن افضل ان نكون وحدنا
كاد حسام ان يقفز من على مقعده من فرط السعادة فقد اثبت عمرو لوالدته دون ان يدرى انه على حق لذا فقد نظر حسام نظرة مدروسة الى ميرفت تحمل معنى(أرأيتى!)
ثم قام حسام من على مقعده وهو يشير الى الفيلا:
-طبعا طبعا يا عمرو تفضل نتحدث فى المكتب تفضل
تابعتهم ميرفت بقلب جريح وعيون منهزمة مكسورة وتنهدت بحسرة وهى تقول: