المنتدى :
كتب المسرح والدراسات المسرحية
ربيع عقب الباب , مسرحية خسوف
مسرحية
خسوف
الحاصلة على المركز الأول فى مسابقة وزارة الثقافة المصرية لعام 2007م
تأليف
ربيع عقب الباب
الشخصيات
السلطان : الظاهر بيبرس البندق دارى .. طويل القامة .. حسن الطلعة .. أزرق العينين .. فى
الخامسة و الخمسين .
الملك : حفيد طوران شاه ابن صلاح الدين الأيوبي وهو داوود ناصر الدين
الوزير : تاج الدين عبد الوهاب ابن بنت الأعز
الخاتون : زوج السلطان بنت بركة خان زعيم القبيلة الذهبية المغولية المسلم
شيخ 1 : من محبي التطلع في الفلك و النجوم .. فى الخمسينات من عمره
شيخ2 : .... ..... .... ... .... .. .... .... ... ....
سيف الدين : سيف الدين أنص .. نديم وحاجب السلطان .. وهو صاحب الطعنة الأولى عند
اغتيال الملك المظفر قطز قرب الصالحية .
المكان مدينة حمص من بلاد الشام
الزمان ليلة 28 من محرم 676 الموافق 2 من مايو 1277
المشهد الأول
السلطان الظاهر بيبرس يتابع حركة الفلك من خلال منظار مثبت على علية فى أقصى المسرح أو فى
أحد جوانبه مثبتة على سلم .. تظهر على السلطان آثار السفر ، فهو عائد من آخر غزواته .. وإلى
جانبه شيخان يتابعان معه ، فجأة يحدث خسوف للقمر ، فيدور بالمنظار هنا و هناك فى غير استقرار
السلطان : يا الله .. أين ذهب .. لا أثر له !
شيخ1 : ربما كان خسوفا يا مولاي السلطان .
السلطان : لقد اختفى نهائيا !
شيخ2 : يسمونه خسوف كلى .
السلطان : لكنني أعرف الخسوف الكلى .. و أعرف علاماته .. لا لا .. إنه أكثر من ذلك !
شيخ1 : مولاي .. كنا معا حين حدث الخسوف السابق .. و إن اختلف المكان .
السلطان : لا .. لا .. إنه مختلف تماما .. مختلف .
شيخ 2 : ربما يا مولاي .. يختلف قليلا .. هو أشد قتامة .. ربما .
السلطان : ياللقمر .. ماله يذكرني بتلك الليلة الغريبة .. يأتي بها .. كأنها كانت البارحة .. نعم .. ها
نحن .. وهو .. فى القلب ..كنا نأخذ طريق العودة .. نعم .. ياالله .. كم كان سعيدا مبتهجا ..
يلوح للرجال بحب أبوي .. ويطوى صدره على حزن دفين .. ورغم ذلك ( ينزل من
العلية .. يدور ساهما ) .
شيخ1 : مولاي السلطان .. مولاي .
السلطان : كان الحلم قد تحقق .. تحقق .. ودحرناهم .. وشتتنا شملهم .. و آن أن يعطني حلب .. آن أن
يتكلم .. يفوه بها .. فإذا به يعطيها لغيري .. نعم .. خذلني ..ومنحها لـعلاء الدين على بن بدر
الدين لؤلؤ ..كل منا كانت له أحلامه .. وكل منا كان ينتظر خروجه عن صمته .. تكلم يا
قطز .. لم لا تتكلم .. كيف تعطيها لغيري و قد وعدتني .. أريدك معي .. معي .. إلى جانبي ..
لكنني كنت أريدها .. لم يا صاحبي ؟ أريدك معي .. لكنى أريدها يا قطز .. عندي ما هو أعظم
منها يا بيبرس .. انتظر و لا تتعجل الأمور ....
شيخ1 : مولا ى السلطان .. هذا نذير شؤم .. نعم نذير شؤم .
شيخ2 : مولانا السلطان لا أعرف ماالذى ألم به .. مولاي .. مولاي . ( وقد ترك مكانه وراح يدنو منه )
السلطان : هيه .. هيه .. هل جد جديد ؟
شيخ1 : لا .. و لكن
شيخ2 : مولاي .. مازال فى خسوفه .. أغلب ظنى ..إنه نذير بموت شخصية كبيرة ( وهو يتعجب و
يتمعن فى وجه السلطان ) .
السلطان : موت .. موت من ؟ ( وهو شارد ما يزال ) .
شيخ1 : هذا الخسوف نذير بنهاية أحد الشخوص الكبار .. هكذا كان حالنا معه ( و هو يترك مكانه و
يصبح إلى جانب شيخ 2 ) .
السلطان : ماذا تقصد ؟
شيخ1 : لقد طال خسوفه أكثر مما يجب يا مولاي !
السلطان : أنا أقول لكما .. هذا النوع من الخسوف لا يحدث إلا كل ثمانية عشر عاما .. نعم ثمانية عشر
عاما وأحد عشر يوما ( يغوص فى بحره ) أنت تحنث بوعدك ياقطز .. بيبرس انتظر .. عندي لك
ما هو أجمل ..وأكبر .. لكنك وعدت .. هيه .. أقول لك عندي ما هو أثمن يا رجل .. يا رفيق
النضال و الكفاح .. أنت لا عهد لك .. بيبرس لا تتماد .. انتهى الأمر .. نعم اهدأ .. وسوف
ترى ما لم تكن تتوقع .. والرجال الذين وعدتني فى حضورهم ..سيف الدين أنص ..وعلم الدين
صنغلى .. وسيف الدين بلبان الهارونى و غيرهم .. ووعودك لهم .. أنت لا ترى إلا نفسك
أنت .. نعم .. لا ترى ألا نفسك .. قطز .. مالك .. أتبكى .. قطز إني .. إني لا أقصد .. لا
أقصد .. و لكن .. توقف .. الرجال يحيطون بنا .. كما تريد .. لا أريدها .. لا أريدها ..
شيخ2 : ( يصعد إلى العلية ) مولاي .. هاهو يعود .. يعود .
شيخ1 : يا الله .. هيا نسجد لله على رحمته بنا .. هيا يا رجل .
شيخ2 : ( ينزل من فوره ) ومولانا .. أنتركه وحده .. مولاي السلطان .
شيخ1 : يبدو أنه يفكر .. نتركه لنفسه .. هيا .. لا تحدث قلقا .. هيا ( ينصرفان بحذر ) .
السلطان : أعرف كم كنت تحبها .. لكن هذا أمر الله .. كلنا كنا فى مواجهة الموت .. كلنا .. كانت
بالفعل فارسة .. لها قلب أم .. وروح شديدة الرهافة و الحساسية .. قطز .. لا تجعل الأحزان
تفسد عليك لحظات الانتصار ..نعم .. تعبنا كثيرا ..كثيرا .. اقتربنا من حلب ..بعد قليل نعبر
الحدود إلى الديار .. هيه ( يخرج من حالته .. يبحث عن رفيقيه ) أين ذهبا .. هيه .. يبدو أنى
لم أشعر بهما ( يصعد إلى العلية .. ينظر ) انتهى الخسوف .. وعاد القمر لبهائه ( ينزل ) وآن
لى أن أستريح .. أستريح .. هل يعنى ما حدث موت أحد كما تفوها .. ياربى .. ترى من
يكون .. من تكون هذه الشخصية الجليلة .. أنا .. ولم لا تكون امرأة .. وهل هنا فى حمص
شخصية أجل منك يا ملك الانتصار ؟ لا .. لا .. يا غلام ( ينادى على الساقي ) .
الغلام : مولاي السلطان .
السلطان : هل رأيت من خرج من هنا ؟
الغلام : نعم يا مولاي .
السلطان : أريدهما فورا .
الغلام : أمر مولاي
السلطان : صب لى كأسا قبل أن تنصرف .
الغلام : أمر مولاي .
السلطان : وادع لى وزيري تاج الدين .. هيا .
الغلام : أمر مولاي ( ينصرف ) .
السلطان : ماذا دهاك .. لم أنت خائف .. محض كلام .. وترهات لا معنى لها .. لكنه راح فى ليلة كهذه ..
دبرنا و خططنا ..وبيتنا أمرنا .. حتى حانت الفرصة أخيرا ..فى طريق العودة ..عند المنزلة ..
نعم .. أرنب جبلي .. هل كان أرنبا حقا أم لعبة اصطنعناها لتنفيذ جريمتنا .. انحرف خلف
الأرنب .. كان محبا للصيد .. تركنا الرجال وخضنا خلفه .. ثلة من رجال .. وأرنب لا حول له
و لا قوة .. وسمعت صوتك .. وسماحتك ..كدت أتراجع .. أتراجع .. أتراجع خطفت يدك
لأقبلها ..أقبلها .. تقبلها يا بيبرس .. أم تقطعها ..لم أفلت يديه ..قبضت عليهما بقوة .. بقوة ..
وأتى الرجال .. كل مر عليه .. بسيفه .. برمحه .. بسهمه ..بخنجره .. ياه ( يجهش ) ياله من
مشهد مروع .. كل هذه الكراهية .. كل هذه الكراهية .. أين كانت .. فجأة هكذا ..الطعنة
الأولى .. هزت جسده .. نخعته من صلبه .. الطعنة الثانية .. تمايل لها كيانه .. الثالثة .. أحنته ..
الرابعة .. أركعته آه .. و عيناه لا ترى غيري .. ماتت فى سؤالها الذي لم تجد له إجابة منى ..
إلا بخنجري المسموم .. فامتلأت بدموع .. ثم تهاوى .. تهاوى .. تهاوى كأسد يرقد ..كأسد
كأسد ينام ..يتهالك .. لم لم تصرخ ؟ قطز .. لم لم لم لم ؟
الغلام : ( يدخل حاملا قنينة و كأسا ) مولاي السلطان .. كأس مولاي .
السلطان : هيه .. هاته .. أين وزيري ؟
الغلام : بالباب يا مولاي ينتظر .
السلطان : صب آخر .. ودعه يدخل .
الغلام : أمر مولاي ( يفعل ثم ينصرف ليدخل الوزير )
الوزير : مولاي السلطان .
السلطان : تعال يا تاج الدين .. هل رأيت ما حدث .. هل رأيته ؟
الوزير : رأيت ماذا يا مولاي ؟
السلطان : الخسوف .
الوزير : خسوف ماذا ؟
السلطان : ألا تشم رائحة ما .. تذكرك بشيء حدث منذ سنين ؟
الوزير : مولاي .. لا أشم إلا رائحة العنبر و المسك .
السلطان : كنت نائما يا وزيري ؟
الوزير : لا .. بل كنت أودى بعض المهام .
السلطان : و لم يسترع انتباهك شيء .. أي شيء ؟
الوزير : لا .. سمعت باختفاء القمر الليلة .. ثم عودته .
السلطان : أنت في نعمة أحسدك عليها يا وزيري .
الوزير : لو أن مولاي .........
السلطان : لو كنت معنا ليلتها( يرحل بعيدا ) كنت صاحب الطعنة الأولى .. أتذكر يا سيف الدين ؟
الوزير : مولاي .. فيما تفكر .. أي طعنة .. و أية ليلة تقصد .. أنا تاج الدين وزيرك ولست ..... ؟
السلطان : لم تكن ليلة للنسيان يا وزير ! ( بحدة كأنه بالفعل يحاسبه ) .
الوزير : مولاي .. لا أفهم .
السلطان : لا يهم أن تفهم .. يقولون إن الخسوف يحمل نذير موت .
الوزير : نذير موت !
السلطان : نعم .. موت شخصية كبيرة ..قد تكون حاكمة ..أو حاكم ..سلطان .. أو سلطانة .. وزير ..
أو فقيه .. لا لا .. بل قل شخصية فى منزلة السلطان تماما .
الوزير : مولاي .. ماذا تقول ؟
السلطان : القمر .. القمر يحمل قدرا ما .
الوزير : مولاي .. هل أصب لك كأسا أخرى ؟
السلطان : صبها .. لم لا تشرب معي ؟
الوزير : أمر مولاي ( يصب كأسا للسلطان و كأسا له )
السلطان : سيف الدين.. يارفيق الماضي و الحاضر .. أحس بالموت يحاصرني .. بملامحه فى كل اتجاه .. هاهو
بوجهه يلاعبني .. أترى .. انظر .. دموعه تتساقط على قبضتي .. ألا تر قبضتي .. ألم تتساءل
لم .. لم تفعلون ؟
الوزير : ( باستغراب ) مولاي .. استرح .. لا تجهد نفسك .. لا تجهدها .
السلطان : و أولادي .. و الخاتون .. لمن أتركهم .. أنا من أصبح أحدوثة فى أفواه البسطاء .. وحكايات
لا تنتهي فوق المنامات و الأسرة .. خلف الأبواب و الأسطح .. فى المرافىء .. وعرض البحر ..
وفى الحقول حول نيران الحطب .. أنا من أغلق الطريق أمام فلول الروم و التتار .. أنا .. هل
بالفعل أذهب .. أروح كأي شيء .. كأي كائن .. لا .. لا .. لا .
الوزير : مولاي .. كلنا ذاهبون .. وكل له ميقات يوم معلوم عند الله .. مولاي .
السلطان : لا .. أما أنا فلا .. أمامي الكثير لأنجزه ..الكثير يا وزير .. الكثير يا سيف الدين يا كلمة البداية
الرهيبة !
الوزير : ( باستغراب أشد ) مولاي .. أنا تاج الدين .. تاج ........
السلطان : من هذا .. من أنت ؟ ( يلوح تجاه الساقي ) .
الغلام : مولاي
السلطان : آه .. تذكرت .. أنت .. ادخلهما
الغلام : أمر مولاي
الشيخان : مولانا السلطان ( بخوف و رهبة ) .
السلطان : تعالا .. أقبلا .. لا تخشيا منى .
شيخ1 : خشينا أن نفسد على مولانا لحظات تجليه .. فانصرفنا .
السلطان : قولا لي .. أي نذير كان يحمل خسوف الليلة ؟
شيخ2 : مولاي .. صدق أو كذب .. هو تنجيم و رجم بالغيب !
السلطان : لا .. ليس تنجيما و لا رجما بالغيب .. إنه يحوطني .. يكاد يطبق على .. نعم .. يحاصرني .
شيخ1 : مولاي .. خفف على نفسك .
السلطان : نذير موت ؟
شيخ2 : ليكن يا مولانا .. لكن الشام و المحروسة و الدنيا ملئي بالشخصيات الجليلة .
السلطان : مثل من ؟
شيخ1 : الملك داود ناصر الدين حفيد طوران شاه ..أليس معادلا للسلطان ؟ و الخليفة .....و
السلطان : الله .. يا لك من رجل .. يا وزيري .. هذا رجل يستحق مكافأة سخية .
شيخ1 : ( برعب و تهتك ) مولاي .. مولاي إني ......
السلطان : اعطه ألف دينار .. بل ألفين .. فورا .
الوزير : أمر مولاي
السلطان : هيا .. وأعط الآخر خمسمائة .. لا .. لا .. لا تعطه شيئا .. هيا اتركوني وحدي .. هيا .
الجميع : ( يخرجون تباعا و الشيخان غير مصدقين أنهما نجيا )
السلطان : ( يلقى بنفسه على كرسي ) الآن أستريح .. نعم .. حلها فى غمضة عين .. رجل بنى أيوب ..
ملك على رف .. قطعة انتيكا .. لكنه ملك .. يا الله .. و الخليفة .. الخليفة .. لكن رجل
بنى أيوب يعدلني .. أما الخليفة فخارج الحسبة .. خارجها .. إنه مثل نقش على دينار .. ياه ..
تعبت .. نعم تعبت .. ياه .. كأن جبلا انزاح عن صدري .. غدا أدعوه لأرى بنفسي من منا
المرصود .. من منا يعيش ومن يروح .. نعم .. هيا يا بيبرس .. قم .. إلى أين .. لتنام .. أنام ..
والنذير .. و الموت .. ماذا لو جاء و أنا أغط ..... لا .. ليكن الليلة .. الليلة .. يا غلام
الغلام : أمر مولاي .
السلطان : تخرج من فورك ، ألا تعرف أين يكون الملك ناصر الدين ابن أيوب .. ألا تعرفه ؟
الغلام : أعرف يا مولاي .
السلطان : أبلغه رغبتي فى رؤيته الآن .
الغلام : أمر مولاي .
السلطان : اسمع .. إذا سألك عن مولاك فقل .. يطمع أن تشاركه نخب الانتصار .. هيا .. أين نديمي ..
أين سيف الدين .. ألم يكن أمامك الآن .. بل تاج الدين .. تاج الدين وزيرك .. سيف الدين ..
مالى .. مالك يابيبرس .. فلأرحل عن هذا النزل .. ابتعد ربما رحل عنى .. رحل عنى .. لكن أين
سيف الدين .. أين ابن أنص ( يهرول خارجا وهو يترنح ) يا ابن أنص .. يا ابن أنص !!
إظلام
|