الفصل الثاني عشر .....
وكانت فانسيـا قد رشت شعرها لكي تبدو مشابههة لماتيلدا , فنهضت
من السرير ووضعت الشال على رأسها .
(( ماذا هناك ؟ ايوجد حريق في الفندق ؟ )) سألته بصوت مرتفع .
فأسرع ووضع يده على فمها .
(( صه, ستوقظبن كل من في الفندق ! لا اطمئني انها فانسيـا
الغبية ! )) .
(( اوه , ماذا فعلت ؟ ولماذا تزعجني في منصف الليل ؟ )).
(( لقد هربت ! ولهذا السبب كانت تسألني كم نبعد عن لندن , لقد تركت
لي هذه النعتوهة رسالة , واخذت حصاني , ولو كنت تعرفين حصاني
تيرور و لأدركت الخطر الذي تواجهه , وهي تقول في رسالتها انها ذاهبة
الى صديقة لها في لندن , يجب ان نتبعها ! )).
(( لماذا ؟اذا كان هذا هو ما تريدة هي...)) سألته فانسيـا محاولة ان
تكون غاضبة , فابتسم جيردم.
(( ليتها الساذجة البرئية , تذكري كلامي عن النساء المسنات المثرثرات ,
فأنهن سيغظن كثيراً اذا علمن اننا كنا وحدنا في الفندق واحد , ولهذا
السبب يجب ان نجد فانسيـا ونعيدها مهما كلف الامر , لكي يبق فريقنا
محترماً)) .
(( آه , حسناً ! سأرتدي ملابسي فوراً )) .
(( عظيم , سأحظر عربة , هل ستكوني جاهزة بعد عشرة دقائق ؟ )).
(( نعم , ولكن متى وجدت رسالتها ؟ كم مضى على هربها ؟ )).
(( لقد رمت الرسالة تحت باب غرفتي , واعتقدت انني نائم , لكني
سمعت الضجة , اذن هي لم تسبقنا بكثير )).
(( حسناً , سأسرع )).
بعد قليل التقيا في البهو , وفانسيا ترتدي معطف ماتيلدا وتنزل قبعتها
على جبينها مع انها تعلم ان خصل الشعر الشقراء ستزيل كل شكوك
جيردام , ولكن لا يوجد سبب للقلق.
ساعدها جيردم في الصعود الى العربة , ثم جلس بجانبها .
(( لقد طلبت من الحوذي ان يسير ببطء بسب الظلام , وتيرور متعب ولن
يبتعد كثيراً , بإمكانك ان تحاولي النوم قليلاً )).
اسندت فانسيـا رأسها على جانب المقعد , وغفت ولم تستيقظ الا عندما
توقفت العربة , فجلست وتثائبة وهي تضع يدها على فهمها كما كانت
ترى ماتيلدا تفعل دائماً .
(( هل وصلنا ؟ هل ترى حصانك ؟ )).
(( لقد عطتني فانسيا اسم الفندق , وبالكاد اقرأ اسم هذا .... نعم لقد
وصلنا )).
نزل جيروم ثم قال لها بصوت ضعيف .
(( ابق هنا قليلاً , اريد ان اتأكد اولاً اذا كانت هذه المجنونة هنا )).
وبعد دقائق عاد جيردم وهو يحمل مصباحاً في يده .
(( نعم , انها هنا و انزلي ماتيلدا سنتمكن نحن الاثنان من اقناعها وانا
متأكد انها لا تشك ابداً بالقلق الذي نعيشة بسببها )).
كان كلامه مقنعاً , ولو لم تكن هي نفسها فانسيـا لكانت صدقته
بسهولة ! امسك جيردم يدها ورافقها الى المدخل ثم اشار نحو السلم .
(( لا تثيري ضجة يا صغيرتي , لا يجب ان نوقظ الجميع , فانسيـا تنزل
في الغرفة الاولى الى اليمين , واعتقد من الافضل ان نرها معاً )).
ترددت فانسيـا قليلاً , تلفتت حولها بقلق .
(( لماذا يجب ان نصعد ؟ الا يمكننا ان نرن جرس الخدم ليصعد احدهم
ويوقظها ؟ )).
(( الجميع ينام الآن , ماعدا الخادمة التي فتحت لي الباب , تعالي ! )).
وحاولت فانسيـا ان تدعي انها الآن فقط بدأت تشك بصدق كلامه .
(( ولكن اين هي هذه الخادمة ؟ لماذا اختفت اصعد انت جيروم , انا .... انا
نادمة لأنني رفقتك ! )).
ترك جيردم يدها , واحاط قامتها بذرعية ودفعها نحو السلم .منتديات ليلاس
(( لا نقاش ماتيلدا , لقد جئتِ معي , وانا ارجوك لا تصرخي ! ))
لم يعد بإمكان فانسيـا ان تتظاهر بالخوف , لأنها كانت تخاف حقاً و
وتساءلت ماهو هذا المنزل و ولماذا جاء بها الى هنا ؟ .
(( لا و لا انا لا اريد ! )) وإمسكت بحافة السلم بيديها .
لكنه جعلها تترك السلم وحملها حتى باب الغرفة المفتوحة , وكانت النار
مشتعلة في الموقد , ويوجدزجاجة خمر على الطاولة وبقربها كأسان ,
وكان السرير واسع ومغطى بشرشف من الحرير , والغرفة مضاءة
بالشموع , فشعرت فانسيـا ببعض الاطمئنان , لكنها عادت وشعرت بأن
جيردم سيخنقها عندما يعرف هويتها الحقيقية .
ادر جيردم المفتاح في قفل الباب , ثم دخل وسكب كأسين من النبيذ .
(( ماتيلدا ياعزيزتي ! كنت اريد لن اطلب يدك للزواج بطريقة تقليدية
مختلفة , ولكن لأسف ! اصبحت مقتنعاً اكثر واكثر انك لا تريدين الزواج
مني , ولهذا انتِ تفهمين ياصغيرتي ان هذه افضل وسيلة لإقناع والدك
بالموفقة على زواجنا انا آسف حقاً لأنني اخفتك , واتمنى ان تقسمي
على الانجيل انكِ ستقبلين الزواج مني فوراً والا فأني سأحاول ارغامك
وانتِ من ستختارين , ياعزيزتي والآن , اخلعي هذه ...))
ثم تقدم نحوها , فرفعت القبعة عن رأسها ونظرت اليه على ضوء
الشموع , وتمنت لو تغمض عيونها ولكنها ظلت تنظر اليه بخوف كبير .
عنئذ عرفها جيروم فوراً , واخذ يرتجف من الغضب .
(( انتِ ! ماهذه الازدواجية ؟ كيف .....)) واخذ يزيل البودرة عن شعرها و
ثم امسكها بكتفيها ورماها بعنف على الكنبة , فاعتقدت انه سيضربها
بعنف , لكنه امرها بحدة .
(( اجلسي ))
فأطاعته بخوف , وجلس قبالتها و وتأملها للحظة واليأس بادِ على وجهه .
فأحست فانسيـا بالشفقة عليه عندما لاحظت مدى خيبته .
(( حسناً )) قال غاضباً .
فأخذت تبحث عن جواب , عن كذبة تنقذها , لكنها فهمت ان الحقيقة
فقط هي التي تفرض نفسها .
(( لقد كذبت عليك , وانا لم اغير غرفتي مع ماثي )).
( وهذا مااراه لماذا؟ )).
(( لقد فهمت انك ستفعل شيئاً من هذا النوع و ولا يمكنني ان اسمح لك
بذلك , فماتيلدا صديقتي )).
فهز رأسه وناولها كأساً من النبيذ , وشرب كأسة جرعة واحدة .
(( لماذا لم تخبريها اذن ؟ لماذا لم تحذريها مني ؟ )).
شربت فانسيـا جرعة , واحست ببعض الشجاعة
(( لم تكن ستصدقني , ولكني لو فعلت , لكانت ماتيلدا قضت عليك ,
جيردم )).
( ماذا تعنين ؟ اتعنين انها كانت ستخبر الجميع بأنني لست شريفاً ؟ )).
(( نعم )).
(( ولماذا تقتلين نفسك ؟ )).
(( يجب علي ذلك , فبعد كل شيء , انت لم تستغلني في مساء اليوم
الاول في ذلك الفندق و...))
__ كان بإمكاني ان افعل , وبامكاني الآن ان افعل )) ونظر اليها بغضب
شديد , وخافت فانسيـا وانزوت في زاوية الكنبة وشربت جرعتين من
كأسها .
(( لا , جيروم كنت تريد خطف ماتيلدا بسبب مالها ؟ ))
فهز رأسة , ونهض وسكب لنفسه كأساً آخر ثم حمل الزجاجة ووضعها
بقربه .
(( نعم , انا بحاجة ماسة للمال , قصري وارضي ... ولكن , ماذا يهم الآن
؟ اعتقد انك لعبتِ ماتيلدا لكي ترغميني على الزواج بك ؟ )). - -
فنهضت فانسيـا بسرعة لشدة دهشتها , واوقعت الكأس على ثوبها .
(( يا الهي لا ! هذه الفكرة لم تخطر ببالي ابداً , كل ما كنت اريده ان لا
تحصل اية فضيحة , وعندما ستستيقظ ماتيلدا , ستقرأ رسالتي ,
وستفهم ان كل شيء يسير على مايرام , ولكن يجب ان نعود الى
الفندق , وبأسرع وقت ممكن )) ثم وقفت لكنه اشار اليها بأن تجلس من
جديد , وعندما لم تطعه فوراً دفعها بعنف .
(( مستحيل , لقد قضينا ساعتين حتى وصلنا الى هنا و.... ولكن ماذا
كتبتِ في رسالتك؟ )).
نظرت فانسيـا اليه بقلق وهو يسكب كأساً جديداً وادركت فانسيـا انه
سيحاول اغرائها , هذا واضح في عيونه , انه اصبح خطيراً
*******************
الفصل الثالث عشر ....
(( لقد كتبت لها انني تذكرت مربيتي القديمة التي تسكن بالقرب من
هنا , وبأنني استعرت حصانك تيرور , ثم كتبت رسالة اخرى سلمتها
للخادم ووقعتها بسمك انت , وكتبت فيها بأنك لحقت بي لأن تيرور بدل
العربة لكني اخشى ان هذا لن يفيد بشيء : ياصغيرتي , لقد تركت
رسالة انا ايضاً )).
(( اوه لا ! كنت اعتقد انك ستتركني بكل بساطة و.... و..... لكن هذا ليس
مهماً طالما انني لن اكون هناك لأقرأها )) فضحك جيردم بمرارة , ثم
شرب كأساً آخر .
(( بدون شك , ولكني كتبت رسالة ايضاً لولدتي , وهي تنزل في الفندق
الذي مررنا امامه بالامس , واسمه ...))
(( تايل هاوس , نعم لقد رأيتك تخرج من الاسطبل )).
(( نعم , لقد توسلت اليها ان تتجه فوراً الى الفندق الريزان , وان تصل اليه
قبل الساعة الثامنة صباحاً لكي ترافق فتاة موجودة هناك وحيدة
حزينة , واخبرتها بأنني انوي اغراء وريثة ثرية , وطلبت منها المساعدة
في هذه المسألة )) ثم ضحك بمرارة واضاف .
(( يالهي ! لن تسامحني ديمتريا ابداً ! ان اخطأ بالفتاة ! ان اخطف الآنسة
البسيطة بدل الآنسة راند ولف الثرية ! كل هذا لأنني لم آخذ في
الحسبان طيش فتاة ملعونة غبية ! )).
(( لكنك لن تخطف احداً , جيروم , كل شيء سيتدبر وستقرأ والدتك
الرسالة , وستأتي الى الفندق , لكنها ستفهم فوراً بأنه سواء تفاهم
عندما ستجد نفسها وجهاً لوجه امام ماتيلدا رندولف ! ))
(( لم يسبق لها ان رأتها من قبل , ووالدتي ستدخل الى بهو الفندق
وستصرخ بأعلى صوتها , انها جاءت لإنقاذ الآنسة رندولف من مصيبة اكبر
من الموت ! وهكذا , يا صغيرتي سيعلم الجميع ان الآنسة رندولف
خطفت , نعم ولهذا السبب طلبت من والدتي ان تتدخل )).
(( اذن يجب علينا ان نعود فوراً لكي نمنعها من الوصول الى الفندق ! ))
ونهضت لكن جيردم نهض ايضاً وامسكها وضمها اليه , واحست الفتاة
بضربات قلبه .
(( لقد فات الأوان بالنسبة لذلك , وفات الأوان بالنسبة لك ! بالتأكيد انا لن
اتزوجك ولكن ....))
واطبق شفتيه على شفتيها وكأنه يريد معاقبتها , ارادت الفتاة ان تصرخ
لكنه منعها واجبرها على فتح شفتيها , وهو يفك ازرار قميصها ,
واحست باصابعه على جسدها لكنه خنق كل محاولاتها للتخلص منه .منتديات ليلاس
وفجأة تركها لإاخذت تبكي وخبأت وجهها بيديها .
(( الى السرير ! )) امرها بحدة .
(( ماذا ؟ لكن .... )) واحست بالدوار , وادركت ماذا سيفعل , انه غاضب
جداً لأنها افسدت مخططه , ويريد معاقبتها لأنها جعلته يخسر تلك
الوريثة ! تقدم جيردم , نحوها وعيونه تلمع ببريق لم يسبق لفانسيـا ان
رأته , وجفت حنجرتها ولم تعد قادرة على الكلام .
(( لا , لا ! جيردم ارجوك ..)) ومن خلال الدموع رأته يقترب منها اكثر وقد
اصبح شكله مخيفاً .
(( نعم , نعم ! ايتها الفتاة الغبية ! )).
ثم حملها ورماها بعنف على السرير .
اصبح بروك الكلب الصغير مطيعاً عندما فهم ان سيدته تريده ان يقضي
هذه الليلة مع ماتيلدا , لم يكن سعيداً , لكنه امتثل لرغبتها , وكان
سيبقى هادئاً حتى الصباح لو لم يسمح حركات في الممر فأدرك ان هذا
الرجل هو نفسه الذي ضمد جروحه , والذي كان يتكلم دائماً بحنان مع
فانسيـا .
فتردد قليلاً وحرك ذنبه بهدوء , زائر ! اينبح قليلاً ؟ لكن لم يعلمه احد ان
يقوم بأي انذار , فاكتفى بالجلوس وثبت نظراه على الباب مستعداً للقفز
اذا اقتضت الظروف .
لكنه سمع الرجل يتكلم مع فانسيـا ثم سمع خطوات الرجل يبتعد و
وفانسيـا تغلق الباب وراءه , وعندما لم يعد يسمع شيئاً عاد الى النوم
ولكن بعين واحدة , وكان قلقاً دون ان يدري سبب قلقه , وعندما خرجت
فانسيـا من غرفتها وابتعدت بهدوء , نهض بروك فوراً , وسمعها تنزل
السلم وتجتاز المدخل , ثم سمع وشوشة , ثم فتح باب الفندق واغلق
من جيدي , فأسرع الكلب نحو الباب لكنه لم ينجح في فتحه , لقد رحلت
سيدته وتركته وحيداً منسياً .
عندئذ قفز الى سرير ماتيلدا واخذ بنباح , ولكن عندما لم تتحرك بدأ ينهش
بالفراش بقوائمه , ويحاول ابعاد الغطاء عن ماتيلدا , فنهضت ماتيلدا
وبدأت تصرخ وتشتمه .
وعندما فتحت له الباب اخذ يروح ويجيء في الممر , ثم عاد وكأنه يريد
منها ان تتبعه , لكن ماتيلدا سرت لأنها تخلصت منه , وعادت للنوم , اما
بروك فلم يتردد ونزل السلم واخذ يبحث بصمت ثم عاد وصعد السلم
كالسهم وجلس امام باب غرفة ماتيلدا وعاود النباح , لكنها لم تفتح له ,
استيقظ بعض الزبائن الفندق واضطروا ماتيلدا لكي تخرج من غرفتها
وهي في قمة الغضب , وما ان رآها بروك حتى اسرع الى باب غرفة
فانسيـا وعاد للنباح من جديد , فخطرت ببال ماتيلدا افكار سوداء , وقلقت
على فانسيـا ففتحت باب غرفتها واشعلت الضوء وكانت دهشتها كبيرة
عندما وجدت السرير خالياً .
فنظرت الى الكلب بشيء من الاحترام , لقد كان محقاً , ولكن الى اين
ذهبت فانسيا في هذا الليل ؟ ادرك بروك انه استطاع افهام ماتيلدا ,
فعاد ونزل السلم , واخذ يضرب الباب الخارجي بقاوائمه ثم صعد من
جديد , فأخذت ماتيلدا تبحث في الغرفة عن تفسيرات لهذا اللغز , واخيراً
وجدت رسالة موجهة لها بخط صديقتها , ففتحت الورقة وقرأتها بسرعة.
(( عزيزتي ماتيلدا .
لا تقلقي اذا لم تجديني في غرفتي , بما ان الطقس جميل جداً هذا
الصباح , فلقد قررت زيارة مربيتي القديمة التي تسكن قريباً من هنا ,
واخذت الحصان تيرور , سأعود قبل الغداء , فانسيا )) .
عادت ماتيلدا الى غرفتها وهي تشعر بحيرة كبيرة , هذا لا معنى له كيف
توقعت فانسيـا ان هذا الصباح سيكون جميلاً ؟ فالنهار لم يطلع بعد ,
وهذا ليس وقتاً للقيام بزيارات وعلى جواد ؟ .
فقررت ان توقظ جيردم , لأنه سيكون غاضباً اذا لم تخبره , لكنها لم تكن
تعلم في اية غرفة ينام , ولكن بروك كان بضجته في الممر مما ايقظ
احدى الخادمات التي خرجت من غرفتها وهي تحمل شمعة بيدها .
(( ماذا هنالك ؟ )) سألت الخادمة ماتيلدا بقلق (( هل يوجد لصوص في
الفندق ؟ )) .
(( لا , لكني لا استطيع اسكات هذا الكلب , واريد اعادته الى سيده , ولا
اعرف اية غرفة ينام السيد هاركورت , ايمكنك ان ترشديني الى غرفته ؟
انه ذلك الشاب الانيق صاحب الشعر الاسود )).
(( نعم , نعم انه في آخر الممر الى جهة اليمين , تصبحين على خير
آنسة )).