المنتدى :
كتب المسرح والدراسات المسرحية
حسام قنديل , نص مسرحية خلف القضبان
بسم الله الرحمن الرحيم
نص مسرحية خلف القضبان(تأليف حسام قنديل)
المشهد الأول
يبدأ العرض على منظر المسرح مظلم تماما في أقصى خلف اليسار تسقط بؤرة إضاءة على رجل ضخم الجثة ذو كرش بارز يرتدى زيا عسكريا، الرجل يجلس خلف مكتب يقلب مجموعة من الأوراق أمامه و يبدوا على وجهه الامتعاض، يزيح الملف جانبا ويسحب ملفا آخر و أثناء سحبه للملف الآخر يدخل إلى نفس الركن شاويش ضخم الجثة هو الآخر (عنتر) يقترب من المكتب و يحي المدير بالتحية العسكرية، المدير يواصل التقليب في الملف الآخر بنفس الامتعاض متجاهلا الشاويش الذي يتسمر في مكانه، المدير يطوح الملف خارج المسرح وينهض ثائرا من خلف المكتب الذي يظهر على مستوى أعلى من باقي المسرح و يتحرك متوترا حول المكتب متجاهلا الشاويش ثم يلتفت إليه فجأة ويبدأ الحديث..
المدير والله عال.. آخر الزمن البهوات بيعاملونا على إننا الزبالة بتاعتهم...
عنتر خير بس يا باشا..
المدير خير هو فين الخير دا، ما راح الخير وراحت أيامه.. بعد ما كانوا بيبعتوا لنا بالعشر مساجين في الشهر، وكل واحد إيه... مصيبة من مصايب الزمن، جه اليوم اللي لما يحنوا علينا يبعتوا لنا مسجون واحد كل...كل...
عنتر تسع شهور يا باشا..
المدير و قال إيه باعتين معاه ضابط جديد وأسمعك بقة السبب..(يعود للمكتب ويتناول الملف الأول ويبدأ فى القراءة) ينقل الرائد جمال محمود النطار إلى مصلحة السجون..ليه بقة..؟ علشان البهوات عايزين يوفروا للبيه المناخ المناسب لاستكمال رسالة الماجستير المتعلقة بالدراسة النفسية لمتطلبات التعامل مع مرتكبي الجرائم..
عنتر هو البيه الضابط اللى واقف برة بيعمل اللى إنت بتقول عليه دا يا باشا..؟
المدير هو شرف..؟
عنتر والمسجون الجديد كمان وصل يا باشا..
المدير يا سلام...ما إحنا البلاج اللى بيصيفوا فيه..خلاص..ناقص تحط لك صفيحة جيلاتى وتسرح بيها على المساجين يا عنتر..
عنتر والله يا باشا عندك حق..
المدير أنا دايما عندى حق...ما علينا.. هما فين..
عنتر المسجون أنا استلمته وحطيته فى زنزانة 5 والبيه الضابط مستنى سعادتك برة..
المدير خليه يستنانى قدام الزنازين علشان نقول الموشح بتاعنا قدامه لحسن بعدين يتنطط لنا بالكلمتين اللى هو قرأهم.. عايزه يعرف السجن دا ماشى إزاى.. وابقى طلع الواد الجديد دا من الزنزانة علشان نلبه علقة الترحيب بتاعتنا..
عنتر حلاوتك يا باشا..رجعنا تانى للأيام الحلوة..أيام العز
المدير فكرنى كده انا إيه هنا يا عنتر..
عنتر الكل فى الكل يا باشا...
المدير والله كويس إن فيه واحد فاكر.. اسبقني يا عنتر..
عنتر تمام يا باشا...(يخرج من المكان والمدير يعود إلى خلف المكتب يتناول الحزام الذي يحوى مسدسه ويلفه حول كتفه، ينزل من مستوى المكتب إلى مستوى المسرح يتجه نحو الجزء الباقي من المسرح الذي يضاء على مجموعة من القضبان تفصل ثلثي يمين المسرح عن ثلث اليسار بميل معين بحيث تتسع الزنزانة من الخلف إلى الأمام، المنطقة أمام الزنزانة يظهر في نهاية اليسار لها المكتب الذي كان يجلس عليه المدير منذ قليل على مستوى مرتفع أمامه ساحة خالية تماما، يقف فيها ضابط يرتدى الملابس الرسمية وعنتر وسجين ممشوق القوام يرتدي زى السجن مكبل اليدين خلف الظهر نظراته ميتة إلى حد كبير ويرمق اللامكان... داخل الزنزانة مسجونان أحدهما يتأمل بانتباه ما يحدث والآخر جالس في ركن الزنزانة يتأمل كف يده بحيرة، المدير يدخل إلى المكان فيحيه عنتر والرائد جمال بالتحية العسكرية، المدير يتأمل من بداخل الزنزانة باحتقار وينظر أيضا إلى المسجون خارج الزنزانة (مراد) بنفس الاحتقار فيبادله مراد نظرة خاوية،ينقل المدير بصره إلى جمال ويشير له بيده أن تكلم)
جمال رائد جمال محمد النطار وافد جديد لمصلحة السجون..
المدير ما أنا عارف....(مراد يضحك ضحكة ساخرة قصير فينظر إيه المدير بشراسة فيبادله مراد نظرة لا مبالية)
جمال أنا هنا علشان..
المدير عارف... أنا بقة هنا علشان شوية الزبالة دول (يشير للمساجين) عايزهم يسمعوا منى كلمتين أى نعم بقالى كتير مقلتهمش لكن بقة باستمتع جدا وأنا بأقلهم وباستمتع بقة أكثر لما بأنفذهم.. واخد بالك يا جزمة..(يحدث مراد الذى لا يرد)
المدير (يتابع) شوفوا يا شوية زبالة...
عنتر الله يا باشا...
المدير اسمعوا كويس الكلام اللى أنا هاقوله علشان أنا مش هاقوله تانى، إنتم هنا ولا حاجة، صفر.. وظيفتكم تنفذوا أوامرى بس، وفى اوقات الفراغ تاكلوا وتناموا، بالضبط زى إيه يا عنتر..
عنتر بهايم الزرايب يا باشا..
المدير تمام.. إنت قلت لى إسمك إيه يا سيادة الرائد..
جمال (بتردد) جمال..جمال محمد النـ...
المدير آه..المهم بقة إن العدل كان هناك فى المحكمة أما إنتم هنا يا حبايبى ففى مرحلة ما بعد العدل واللى فيها بقة إيه.. الرحمة إشاعة، معلهش دى ماعرفش معناها، أنا آسف مخترعوهاش أصلا، يعنى من الآخر مفيش هنا إلا قانون واحد بس فكرنى بيه كده يا عنتر..
عنتر الجلد يا باشا...( مراد ينفجر فى الضحك فيضربه عنتر بعصا يحملها على خلف ساقيه فيقع على الأرض وينهض بسرعة لينظر إلى عنتر نظرة تجعل عنتر يتراجع للوراء مرتجفا المدير يقترب من أذن مراد)
المدير ممكن من باب الفضول العلمى أعرف فتحت البلاعة القذرة دى وضحكت على إيه...؟
مراد (يواصل الضحك) أصل كرشك كبير قوى...
المدير عجبك...؟
مراد وخصوصا والشاويش بيقول الجلد كان بيرقص..
المدير واضح إنك ظريف و بتحب الهزار..
مراد (ينظر إليه ويواصل الضحك)
المدير عنتر...
عنتر (بصوت مهتز) أوامرك يا باشا..
المدير خد الجميل دا وعرفه إحنا بنهزر إزاى..
عنتر أيوة يا باشا...بس..
المدير عنتر...
عنتر (يستجمع نفسه ويمسك بمراد من فقاه متفاديا النظر في عينيه ويبدأ فى سحبه خارج المسرح) قدامى ياد...
جمال لحظة لكن اللى بيحصل دا...
المدير (مقاطعا) قلت لى إسمك إيه يا سيادة الرائد...
جمال جمال..جمال النطار وأنا شايف..
المدير شايف...؟ جميل جدا إنك بتشوف..(يشير لعنتر الذى يسحب مراد إلى الخارج) الغريبة يا أخى إنى مش شايف حاجة..لأ إستنى (ينظر إلى المساجين) أنا بقيت أشوف...وشايف بقة زبالة...زبالة فى كل مكان... فى الزنزانة دى واللى جنبها واللى جنبها..وشفت بقة منك حاجة مش ولا بد..
جمال أيوة يا أفندم اللى حصل...
المدير تصدق يا أخى..إنى شفتك حاولت تتدخل لما عنتر خد الحيوان دا علشان يرحب بيه..
جمال أيوة يا فندم..
المدير بص كده..دى مناظر ممكن تحس بالشفقة ناحيتها..ولا إيه ياد..؟ (يحدث المسجون الذى كان يتابع ما يحدث(بمبة))
بمبة ولا نطولها يا باشا..
المدير جبتش أنا حاجة من عندى...؟ بص يا ابنى.. الوضع هنا ممكن نلخصه فى كام كلمة.. ملخصهم.. إن اللى هنا دول شوية زبالة مش مانعنا من حرقها إلا إننا مش عايزين نلوث الجو... وزي ما إنت عارف طبعا الأوزون مخروم..شفت الموضوع بسيط إزاى
(يدخل عنتر ساحبا مراد الذى تورم وجهه وبدا مغمى عليه ويلقي به داخل الزنزانة ويقف وقفة عسكرية)
جمال لكن يا سيادة العقيد...
المدير (يقوم بأداء أصوات إختناق) أهى لكن دى بقة بتقف فى زورى بالعرض..
عنتر سلامتك يا باشا...
المدير الحاجة الأهم اللى لازم تعرفها هنا يا...إنت قلت لى إسمك إيه...
جمال جمــ..
المدير آه افتكرت...يا جمال..إن كلامى هنا لازم يمشى..وهايمشى، ياريت توفر مجهودك للورق اللى إنت عايز تخلصه علشان تاخد الماجيستر..
جمال الموضوع مش مجرد ورق يا سيادة العقيد دا علم، علم إتعمل علشان..
المدير مش عايز أعرف هو إتعمل ليه..ماتسمعنى تمام يا أفندم علشان مانضيعش وقت..
جمال لكن..
المدير (يبدأ فى إصدار أصوات الاختناق)
جمال تمام يا أفندم..
المدير عنتر..إبقى خد بالك من الرائد جمال، عايزين عظمه ينشف بسرعة..
عنتر ننشفه يا باشا..
المدير (يضع يده على كتف جمال ويسير به إلى الخارج وهو يتحدث معه) عارف زمان كانوا كل يوم والتانى يبعتوا لنا سفاح نربيه، أو شيخ منصر نتوبه، تصدق بقة أخرتها باعتين لنا حرامى، والأحلى من كده باعتين ضابط معاه.. أنا عارف إن فيه أزمة بطالة فى البلد لكن بقة اللى مضايقنى إن الزباين قلت،عارف دا معناه إيه.. إن الحرامية اللى برة مش لاقين حد يمسكهم...(ينفجر فى الضحك) ولا إنت مش معايا يا...قلت لى إسمك إيه... ؟ (يخرجان وتهبط الإضاءة على الزنزانة التى فيها مراد فاقد الوعى بمبة يقترب من عنتر على قضبان الزنزانة والآخر (توهان) مازال يتأمل أظافره)
بمبة (يعطى سيجارة لعنتر) عفر يا عنتر باشا..
عنتر مقبولة يا لوح..(يضع السيجارة خلف أذنه)
بمبة شديت إنت على الزبون لحد ما أغمى عليه...
عنتر ما تسد بقك بلا، ولا عايز تحصله..
بمبة لا يا عم دا أنا خدامك.. أنا بس عايز أقولك إنك لسة شديد..
عنتر طول عمرى شديد..وخصوصا مع الأشكال دى..
توهان ليه هو البعيد قتال قتلة..؟
بمبة أخبار صوابعك إيه..
توهان هما مش قالوا زمان صوابعك مش زى بعضها..
بمبة آه..
توهان أمال أنا شايفهم كلهم زى بعض ليه...(يتابع تأمل أصابعه)
عنتر ماهى نقصاك إنت كمان يا مضيع..
بمبة لا بس دا أنا بأسكته..هو ما يسكتش إلا لما تقوله الكوبليه دا...
عنتر طب غور نام..
بمبة مش عايز تعرف الجديد ولا إيه..
عنتر قول..
بمبة الواد زناتى اللى فى زنزانة 6 أمه جابتله علبة سجاير مفتخرة آخر زيارة
عنتر تمام
بمبة و الواد سيد سكالونيا اللى فى نفس الزنزانة زوغ من نوبة النظافة امبارح..
عنتر هو رجع يعملها تانى...
بمبة باين.. أما الواد توهان بقة..
عنتر أكيد ضرب صاروخ..ما هو باين..
بمبة الصنف المرة دى كان شديد شوية..
عنتر ما أنا عارف ما هو مجايبى...فيه حاجة تانى..
بمبة لأ..مش فاضل إلا حسنتى...
عنتر بكرة...
بمبة ولو قلت لك خرمان...
عنتر علي يا روح الحاجة، عارف إنك ما بتشربوش..بتبيعه بس، وساكت بمزاجي...
بمبة والله إنت ظالمنى يا أبو العناتير..
عنتر طب غور نام بقة علشان وقتك خلص وكلامك مسخ..
بمبة أوامرك يا وحش..(يذهب للنوم وينهض توهان لمراد ويربت عليه عنتر يجلس على كرسى أمام الزنزانة ويغفو قليلا، مراد يدأ فى إصدار أصوت غريبة أثناء النوم...ويرتجف، يزداد الإرتجاف مع نزول مشاهد مصورة على خلفية المسرح بها وجوه أناس يقتلون تتابع الوجوه بسرعة وتنتهي بوجه فتاة تنظر نظرة عتاب ثم عجوز ينظر نظرة احتقار ثم يعطي ظهره للمشهد ويمضى، مراد ينهض صارخا بعنف يوقظ كل من فى الزنزانة يتجه مراد غاضبا إلى القضبان يمسك بها ويهزها بعنف، عنتر يستيقظ من غفوته ويضرب يد مراد الممسكة بالقضبان بعنف ثم يدخل جمال حاملا مسدسه، مراد ينتبه فجأة كمن أفاق يتراجع خطوتين إلى الخلف، بمبة يراقب المشهد بشغف وتوهان ينظر إلى المشهد بضياع)
عنتر (مهزوزا) خير يا جموسة مقومنا من عز النوم ليه... تكونش بتخاف تنام فى الظلمة..؟
مراد (ينظر إلى عنتر بعنف فيتراجع عنتر)
عنتر ما تبصليش كده يا جزمة....
مراد (يتابع النظر)
جمال انصراف يا شاويش عنتر..
عنتر (ينصرف ناظرا لمراد بشئ من الخوف لكنه لا يخرج تماما من المكان بل يقف على حدوده مرهفا السمع)
جمال خير.. إيه اللى حصل..؟
بمبة ولا حاجة يا باشا دا بس...
جمال أنا سألتك...؟ أنا بسأل اللى كان بيصرخ...فيه حاجة..؟
مراد (لا يرد)
جمال إنت بتتكلم...أنا سمعتك وإنت بتعلق على سيادة العقيد..فمتعملش أخرس..
مراد أنا مكنتش بأعلق على العقيد... أنا كنت بأعلق على كرش سيادة العقيد (يضحك)
بمبة وطى صوتك..بعدين عنتر يسمعك...
توهان ما هو سامع كل حاجة...مش لازم يكون موجود علشان يسمع..كل حاجة بتوصل (ينظر إلى كفه مرة أخرى)
جمال قرب أنا عايزك...
بمبة وعايزه فى إيه يا حضرة الضابط...؟
توهان يمكن عايز يكمل عليه...
جمال من فضلك أنا بأكلمه هو... متتدخلش
توهان من فضلك... دا بيقول من فضلك..
بمبة يا نهار اسود..
جمال هى كلمة عيب ولا إيه..
مراد أكيد فى مكان زى كده كلمة عيب..
بمبة وممكن تترفد بسببها..
توهان وتترمى فى الشارع..
بمبة ومتلاقيش تأكل ( يبكيان باصطناع)
جمال طيب من فضلكم إنتم الجوز أنا عايز أتكلم مع زميلكم..
بمبة خير يا باشا..ما أنفعش أنا طيب..
حمال مرة تانية..
بمبة وليه مش المرة دى..؟
جمال ولا...إنت هاتصاحبنى ولا إيه...
مراد (من مكانه) خير يا حضرة الضابط...؟
جمال ضربك جامد مش كده..
مراد فاتك الفيلم...؟ عامة أنت شفت النهايةو اطمئن طول ما أنا هنا هاتشوف الفيلم دا كتير..
جمال لأ مش قصدى
مراد ولا قصدك.. خلصت كلام ولا لسة..
جمال أنا لسة ما قلتش حاجة..
مراد قول..
جمال مسمعتكش بتصرخ لما عنتر كان بيضربك..
مراد ودى حاجة مزعلاك..
جمال لكن كنت بتصرخ دلوقت..فيه حاجة..
مراد (لا يرد)
جمال انت اسمك إيه..؟
مراد (لا يرد)
بمبة إنتم هاطولوا... إحنا عايزين ننام..
جمال واضح إنك إنت كمان نفسك فى عنتر..
توهان لأ عنتر ما يقدرش يعمل لأخينا دا بقة حاجة..
بمبة بس يلا...
جمال مش من الذوق إنى أسألك عن اسمك ومتردش..
مراد لو بتتكلم عن الذوق يبقى المفروض تقولى إسمك الأول..
جمال ما إنت عارفه..
مراد إنت بتتعرف علي ولا بتأمرنى أقولك إسمى..
جمال بأتعرف عليك..
مراد يبقى انا مغلطش..
جمال اسمى جمال.. الرائد جمال النطار.
مراد (ينهض ويقترب من القضبان) وأنا بقة... مليش مزاج أقولك أسمى..
(عنتر يدخل إلى المكان ويتجه للقفص مسرعا يضرب يد مراد الممسكة بالقضبان يمسك مراد بيده وينظر لعنتر الذى يتفادى النظرات)
عنتر إنت إزاى تتجرأ وتتكلم مع الضابط يا حيوان..
بمبة بقاله ساعة واقف بيتكلم مع الباشا يا باشا..
توهان هم مش قالو الصوابع مش زى بعضها..
عنتر لسة برضه مش عايز تصرخ..ماشى مسيرى هاخليك تصرخ زى الولايا..
جمال على فكرة يا شاويش..انا واقف..
عنتر تمام يا باشا..
جمال يعنى إنت عارف إنى واقف..؟
عنتر وهل يخفى القمر يا باشا..
جمال وإزاى تضرب المسجون وأنا واقف بأتكلم معاه..هو انا مش عاجبك ولا إيه..؟
عنتر العفو يا باشا لكن الجزمة دا..
جمال ما اسموش جزمة، و لو حصلت تانى يا شاويش مش هايحصلك كويس..
عنتر يا باشا أنا معملتش حاجة برة النظام، و الباشا المدير ما بيقبلش حاجة غير كده.. بعدين يا باشا إحنا بنطهر المجتمع وطهارة بقة إيه بمية نار..
جمال انتباه يا شاويش..
عنتر أفندم..
جمال لما تكلم الضابط بتاعك تقف انتباه يا شاويش، ومش إنت اللى هاتعلمنى النظام اللى أنا هامشى بيه..انتباه..
عنتر (يقف انتباه) تمام يا أفندم..
جمال إنت عارف يعنى إيه تطهر المجتمع يا شاويش...؟
عنتر الباشا المدير بيقول على اللى إحنا بنعمله هنا تطهير للمجتمع يا باشا..
جمال انصراف يا شاويش..
عنتر أيوه يا باشا لكن..
جمال قلت انصراف يا شاويش..
عنتر تمام يا أفندم (ينصرف)
بمبة (لتوهان) يا حلاوة الدنيا..
توهان فيه إيه بس..؟
بمبة إنت إيه مش دريان بللى حصل..؟
توهان (ينظر لأصابعه) لأ..
مراد (لجمال الذى هم بالانصراف) حضرة الضابط..
بمبة حضرة الضابط نرفز عنتر..
جمال نعم..
توهان مش هم بيقولا الصوابع مش زى بعض..
مراد اسمى مراد... مراد عبد الرحمن..وعندي ليك نصيحة..
بمبة يا ابنى اللعب مع عنتر آخرته وحشة، ومن خاف سلم..
جمال خير ..
مراد سيب المكان دا..إنت ماتنفعش هنا..
بمبة وأنا لو من الضابط دا بقة أخاف... أخاف قوى..
جمال ليه بتقول كده..
مراد تفتكر هاكمل العشرين...
جمال عشرين...؟ إنت لسة بتحلم ولا إيه..؟
بمبة عنتر... عنتر .. أوعى يجيلك عنتر..
توهان أمال أنا شايف صوابعى كلها زى بعض ليه...
(تخفت الإضاءة تدريجيا على المسرح و تتصاعد من الخلفية عبارات مبهمة غير مكتملة على غرار ( ارموه فىالاصلاحية.... انسى إنك عرفتينى و متجيش هنا تانى...الرحمة..لأ..لأ..لأ...انت أثبت لهم إنى غلط...)
تعود الإضاءة على كامل المسرح بدرجة خافته كلية ماعدا منطقة مكتب المدير على المستوى الأعلى وفى الساحة المساجين بمبة وتوهان ومراد ينظفون الساحة وعنتر يراقبهم المنطقة المضاءة بها المدير جالس يتأمل بعض الأوراق وجمال واقف إلى جانب المكتب المدير يبدو غير منتبه لجمال تماما يتحرك الجميع فى حالة التنظيف ثم يتجمدون فجأة فيلتفت المدير إلى جمال الواقف)
المدير أقعد يا سيادة الرائد..(جمال يجلس)
المدير (يتابع) أنا ملاحظ إنك بدأت بداية غلط..ودا مش مريحنى..
جمال مش فاهم سعادتك..
المدير مش فاهم سعادتى..ماشى أفهمك يا بيه (ينهض) اللى محافظ على أرواحنا وأرواح الحرس والموظفين اللى فى المخروبة دى هو اللى أنا بأعمله مع الزبالة اللى هنا،يعنى سياستى اللى ممكن تكون الكتب اللى حضرتك بتقرأها بتصنفها على إنها غير آدمية هى الحل الوحيد للمكان اللى إحنا فيه دا...فهمت..؟
جمال لأ...
المدير اللى إنت بتعمله يا جمال باشا ممكن يتسبب فى عصيان يعنى مجزرة..متهيأ لى إنى مش محتاج إنى اوضح أكثر...
جمال بس أنا لسة مش فاهم..
المدير إنك تجرأ مسجون وتنصره على حارس دى عمرها ماحصلت فى تاريخ السجن دا، إنك تحرج الشاويش قدام المساجين دى جناية فى عرف السجن دا، إنت تتكلم مع المسجون بود وإخوة دا بقة معناه نهاية السجن دا فهمت...
جمال أنا كنت مجرد بأحاول أقرب منه علشان كنت حاسس إنى ممكن..
المدير غلط.. إنك تحس هنا غلط..إحساسك دا يا سيد ترميه فى أقرب زبالة،(يحاول أن يهدأ) يا ابنى دول مجرمين منهم اللى قتل واللى سرق والضحايا كان ممكن يبقى منهم أخوك أو أختك أو حتى إنت..ولما ننشف عليهم ونديهم بالجزمة دا مش معناه إننا زيهم أو إننا قاسيين ووحشين زى ما البهوات بتوع علم النفس بيقولوا.. طيب أنا راضى زمتك عمرك سمعت عن حد طلب محاكمة عشماوى على اللى بيعمله
جمال يا أفندم..
المدير اللى أنا عايز أقوله قلته يا سيادة الرائد....المقابلة إنتهت..
(مع نهاية جملة المدير يبدأ جمال فى التحرك نحو ساحة السجن يتأمل المساجين الذين يعودون إلى الحركة مع عودة الإضاءة إلى الساحة وخفوتها على مدير السجن يقترب عنتر من جمال ويؤدى التحية العسكرية ويعود إلى مكانه في حين يستمر جمال فى مراقبة مراد تحديدا)
بمبة شايف الضابط بيبص للبعيد إزاى...
توهان آه...بس الزميل دا شكله ابن ناس..
بمبة يكونش داخل دماغك زي ما هو داخل دماغ أبو نسر دا..
توهان هو أنا في دماغ أصلا..
عنتر اكنس يا جزمة إنت وهو من غير كلام...
بمبة أوامرك يا عنتر باشا..
(مراد يتحرك نحو جمال بهدوء ويتبادلان النظرات للحظات)
جمال بتدخن..؟
مراد ساعات..
جمال إزيك النهاردة..؟
مراد زي كل يوم..
جمال تحب تتمشى شوية..
مراد بلاش تجيب الكلام لنفسك خليك فى جحرك علشان ما تتإذيش..
جمال أنا عايز أتكلم معاك عايز تتكلم ولا لأ..؟
(عنتر يختفى من المكان ويتجه نحو ركن المدير جمال ومراد ينزلان من المسرح ويبدأان فى السير الصامت فى الممر بين المتفرجين)
توهان الضابط دا شكله مش ناوى يجيبها لبر..
بمبة شكله كده بيرسم إنه ما يعمرش هنا.. وخصوصا لو وصل لعنتر هما بيقولوا إيه واكيد الكلام دا فيه حاجات ضد نظام السجن.. وكلام يوصل لعنتر يعنى يوصل للمدير، يعنى من الآخر (يضحك)
توهان ما تبطل بقة الخصلة اللى مش ولا بد دى بس...(ينظر لأصابعه)
بمبة خليك إنت فى صوابعك وخلينى أنا فى المهم...
(تعود الإضاءة لجمال ومراد فى نهاية الصالة ويسيران متجهين إلى المسرح)
جمال إنت صحيح معاك ليسانس آداب...؟
مراد قسم علم نفس..قريت دا فى ملفى...؟
جمال أيوه..
مراد ومهتم ليه..؟
جمال حسيت إنك مثقف فحبيت أتأكد إنى إحساسى صح..
مراد دا تعارف ولا دراسة..؟
جمال تعارف..
مراد يبقى إحنا متعادلين مادام عرفت معلومة عنى لازم تقولى معلومة عنك..
جمال متهيأ لى كمان إنك مثقف..طريقة كلامك بتقول كده ..أنا غلطان..؟
مراد لأ حساس زيادة عن اللزوم..ودا غلط....مقلتش المعلومة..
جمال أنا بأحضر ماجيستير فى علم النفس الإجرامى...
مراد (يضحك)
جمال بتضحك على إيه...؟
مراد يعنى اهتمامك بينا مجرد اهتمام العالم بفئران التجارب..
جمال وليه ميكونش اهتمام واحد عايز يعمل منكم حاجة كويسة..
مراد تحب أقولك على حاجة مش هاتلاقيها فى الكتب...
جمال أكيد..
مراد أنا عمرى تسعة وعشرين سنة قضيت منهم عشرين ما بين الإصلاحيات والسجون والكتب، وبالمقارنة ما بين السنين دى والسنين اللى قضيتها برة أقدر أأكد لك إن موضوع الأحسن دا كلام فارغ..
جمال ليه..؟
مراد لأن الفرق الوحيد بين جوة وبرة يا جمال بيه هو...(فى هذه النقطة يكونا قد وصلا إلى المسرح ينظر مراد خلف جمال ويكمل جملته) الفرق والوحيد هو أبو كرش اللى جاى هناك دا..بس هنا فيه أبو كرش واحد بس وإحنا عارفيه كويس صح يا كرشوا...
(يصل المدير إلى الاثنين وخلفه عنتر الذى يضحك بتشفى)
المدير أنا شايف إن كلامنا جاب نتيجة هايلة يا سيادة الرائد...
جمال انا يا أفندم..
المدير وشايف كمان إنك ابتديت تندمج فى الجو لدرجة إنك بتصاحب الزبالة (يصفع مراد)
المدير عنتر هش الجواميس دى على زانازنها...
جمال سيادة العقيد...
المدير إنت خليت فيها عقيد...أنا أقولك إن الكلام مع مسجون بود هو نهاية السجن دا تقوم تتمشى لى معاه قدام المساجين فى الساحة، ناقص كنت تطلب مزيكا تزفكم...
جمال سيادة المدير الكلام اللى حضرتك قلته فى المكتب ممكن يكون صح لو جربنا كل حاجة وفشلت ومبقاش باقى إلا الجلد زى ما حضرتك بتقول...لكن مش ممكن يكون الجلد هو أول حاجة نعملها بدون اى تفكير كدا نبقى بنتعامل مع بهايم...
المدير ما إحنا فعلا بنتعامل مع بهايم...الكتب يا بيه بتقول إن الشخص اللى رفض التكيف الصحيح مع المجتمع وأخطأ فى حق إنسان برئ مش ممكن يستنى مننا خير أبدا، دا حتى ميرضيش ربنا، وصدقنى التوقيت مش مهم مع الناس دى...وعلي جانب واقعى بقة لا وقتى ولا إمكانيات المخروبة دى تسمح بالرفاهية اللى إنت بتطلبها دى..
جمال الموضوع مش محتاج إمكانيات...محتاج ..
المدير إيه..؟ رحمة...أول حاجة ها يفكروا فيها لو عاملناهم كويس إننا ضعفا وهياكلونا...
جمال أيوة يا أفندم لكن..
المدير سبق قلت لك بقة إن لكن دى بتقف فى زورى بالعرض.. يا ابنى أنا عارف أنا بأقلك إيه كويس، الشعر دا ما شابش من شويه، هو دا النظام هنا والنظم انواع والنوع اللى هنا بقة متحاولش حتى تجادل فيه لأنك هاتتعب..
جمال (يصمت ولا يرد)
المدير يمكن تكون بتعتبرنى إنسان قاس...أو مش إنسان أصلا، واكيد إنت جواك بتكرهنى يمكن أكثر من الربش دول...وتصدق لما تعرفنى أكثر بقة هاتكرهنى أكثر..وتصدق برضه ولا يهمنى..أنا يا بنى هنا لا علشان أناسبك ولا أناسب حد من سكان المخروبة دى أنا هنا بأطبق نظام، من الآخر أنا النظام، والنظام عايز إننا نقوم والطريقة الوحيدة لتقويم الزبالة إننا نحرقها لكن مادمنا مش عارفين نحرقها..نعمل معاها أقرب حاجة للحرق..
جمال ما أقدرش أقول إلا إن كلام سعادتك منطقى..قاسى لكن منطقى.بس بالنسبة لك..
المدير سواء رأيك إنه منطقى او غير منطقى فهو دا النظام..رأيك مش ها يفرق فى حاجة...أتمنى إن اللى شفته النهاردة دا مايتكررش، دا اللى يهمنى وابقى اكشف راسك وادعى عليا بالليل أو ارسم صورتى وتف عليها لو مش عاجبك..سلام...ورايا يا عنتر...
(تخفت الإضاءة على جمال والمدير وعنتر وتشتد على الزنزانة حيث مراد يرتجف أثناء نومه، الرجفة تتزايد حتى الصراخ الهستيري كالمرة السابقة تماما)
إظـــــــــــــــــــــــلام
المشهد الثاني
منظر عام للزنزانة مراد وتوهان نائمان عنتر وبمبة يقفان قرب القضبان عنتر يخرج من جيبه مظروفا أبيض يعطيه لبمبة الذى يخفيه داخل ملابسه، عنتر ينظر إلى مراد النائم باحتقار ويحدث بمبة..
عنتر هو لسة ميعاد الصريخ مجاش...؟
بمبة متفكرنيش..اسبوع يا باشا مش عارفين ننام من المخفى دا..بعدين...ولا أقلك بلاش..
عنتر ولا...
بمبة بلاش يا عم نخبط فى اللى ما انتش قده...
عنتر الظاهر يا جزمة إنت نسيت أنا مين...
بمبة لا يا عم ان منسيتش بس المشكلة إنى شفت بعينى...
عنتر شفت إيه...
بمبة أول ما أقول هالي هوب...السبع يصبح فرخة..
عنتر الظاهر إنك عايز تتربى..
بمبة ياباشا اسمع الكلام دا منى بدل ما تسمعه من غيرى، بصراحة كده المساجين هرشوك، وخلاص مبقوش يخافوا منك..
عنتر الظاهر إنك ابتديت تضرب إنت كمان ويوم ولا التانى وهاتحصل المخفى التايه...
بمبة حرص بس إنت على نفسك لحسن شوية شوية مش هاتقدر تكلم حد..
عنتر ليه بقة إن شاء الله..؟
(يدخل جمال إلى المكان فينتبه عنتر ويؤدى التحية العسكرية، ويضحك بمبة ثم يكتم ضحكته، جمال يتأمل الجميع)
بمبة أهلا وسهلا..منور يا باشا...
جمال مكانك يالا...فيه حاجة يا شاويش عنتر..شايفك سهران النهاردة مع إنك مش نوباتجى..
عنتر (بارتباك) كنت...كنت باطمئن إن المسجون مراد مش هايصرخ زى كل يوم يا أفندم...
بمبة أول ما أقول هالي هوب...السبع يصبح فرخة..
عنتر بس يا ابن الـــ.....
جمال واطمئنيت عليه خلاص..
عنتر أيوه يا باشا...
جمال يمكن علشان كده ماصرخ النهاردة علشان عارف إنك بتطمئن عليه...؟
مراد أو يمكن لأنى مكنتش نايم أصلا..
جمال انصراف إنت يا شاويش دلوقت..
عنتر تمام يا أفندم (يرمق مراد برعب ويغادر المكان)
مراد عارف هو خايف منى ليه...؟
جمال ومين قالك إنه خايف منك...؟
توهان (يستيقظ) هو فيه إيه....؟
بمبة دا الجينتل قاعد مع حبيبه...
مراد علشان تخوف حد لازم تكون عارف عنه حاجة...
جمال وانت عرفت إيه بقة عن عنتر..
مراد أنا مكملتش... عارف عنه حاجة أو تديله إيحاء إنك عارف عنه حاجة..
جمال خايف تنام...
مراد (ينظر إليه ولا يرد)
جمال مش من الذوق إنى أسألك سؤال وما تجاوبش..
مراد مش ملاحظ إنك بتتكلم عن الذوق كتير قوى هنا..
جمال وفيها إيه..؟
مراد دا آخر مكان ممكن تتكلم فيه عن الذوق..
جمال ما تتوهش الموضوع...
مراد صراخى بيضايق المساجين..
جمال (يشير اشارة غير مفهومة)
مراد لو متضايقين قدامكم حل من اثنين...يا تستحملوا..يا..(يقطع كلامه بضحكة)
جمال يا إيه...؟
مراد يا تعدموني
جمال محدش بيتعدم علشان سرقة بالاكراه...
مراد دا اللى إنتم عارفينه...
جمال قصدك إيه...؟
مراد حضرتك جاى هنا ليه..؟
جمال مفكرتش تتعالج من مشكلة الأحلام دى...؟
مراد أنا مش فأر تجارب يا جمال بيه..
جمال امسك دول...
مراد (ينظر إليه ولا يقترب منه) إيه دول...؟
جمال زى ما إنت شايف ورق وقلم..
بمبة (لتوهان) يا عينى بقة على الكلام الكبير...
توهان هو فيه إيه..؟
بمبة ورقة وقلم... وعنتر يلعب..
مراد لإيه...؟
جمال عايزك تكتب مذكراتك يا أخي...
مراد حضرتك بتهزر...؟
جمال أكيد لأ...أنا عايزك تكتب كل اللى إنت مريت بيه وتديهولى أقرأه..
مراد قلت لك أنا مش فأر..
جمال أنا عايز أساعدك..
مراد واشمعنى أنا...؟
جمال إنت فاكرنى مش عارف اللى بيدور هنا ولا إيه..كونى ضد نظام مش لازم يعنى إنى معرفش عنه حاجة..
مراد وإيه علاقة اللى إنت بتقوله دا بأى حاجة..؟
جمال أنا عارف كل واحد فيكم محتاج إنى أساعده إزاى..مواجهة نفسك هى طريق علاجك يا مراد
مراد ومين قالك إنى محتاج مساعدة..؟
جمال جواك حياة ساعدنى نطلعها مع بعض وأنا أساعدك ترجع سوى تانى..
مراد ليه..؟
جمال ليه إيه..؟
مراد ليه أرجع سوى تانى..
جمال إيه السؤال الغريب دا..
مراد أنا اللى جابنى هنا ووسخ إيدى بالدم إنى حاولت اكون سوى..الصح إنك تحاول تعالج المجتمع مش تعالجنى أنا...
بمبة أوبا..دا بيخبط.. وكمان بيدله ورقة وقلم ..وعنتر بقة(عند هذه الكلمة تخفت الإضاءة على الزنزانة وتضاء على عنتر يقف فى حجرة المدير وحده يدور فيها بدون نظام وبتوتر)
عنتر أخرتها... ورقة وقلم...
(تغلق الإضاءة عليه فى هذه اللحظة وتضاء على الزنزانة جمال يرمى بالورق والقلم على أرضيتها بالقرب من مراد الذى ينظر إليها بلا مبالاة)
جمال أنا قلت اللى عندى يا مراد...يومين وهارجع آخد الورق ولو كان فاضى أو مش موجود هاتفقد الإنسان الوحيد اللى فى صفك هنا..
مراد تقدر تآخد الورق دلوقت..
توهان الكلام اللى بيقوله البيه دا كلام موزون
بمبة (يقترب منهم) بس يودى فى داهية..
جمال إنتم بنى آدمين..مش عايزين تصدقوا كده إنتم أحرار لكن دى حقيقة..
بمبة وإنت هاتستفيد إيه..؟ تسلية..؟
توهان وهو يعنى إنت بتستفيد إيه لما بتقول لعنـ....(يضع يده على فم توهان)
جمال مراد ممكن يساعدكم لو نجحت معاه..
مراد مفيش بنى آدم واحد فى الدنيا دى يستاهل إنى أساعده.. يمكن فيه كتير يستاهلوا إنى أكفنهم..
جمال اللحظة اللى تستخسر فيها مساعدة في حد محتاجها هى لحظة حياتك فيها متسواش..
مراد أنا حياتى رخيصة ومتسواش..
توهان لو فيه حاجة غلط وانت عارف إنها غلط يبقى ليه تسيبها غلط..
بمبة إنت هاتفوق علينا ياد ولا إيه..
مراد (ينهض ويبتعد عن الجميع جمال يترقب وبمبة يقترب من مراد)
بمبة إنت ناوى تكتب صحيح...
مراد وإنت مال أهلك..
بمبة أنا بس كنت عايز أخدم يمكن تحتاج حاجة كده ولا كده..محسوبك يفوت برضه
توهان قصدك عايز تخبص..
جمال يومين يا مراد..وإلا هاعتبرك ميت..
توهان إحنا مش ميتين يا بيه..بس بقة إيه فى وقت كده الموت بيبقى أرحم من الحياة..
مراد الموت أرحم من الحياة..آدى اللى إنت عايز تساعدهم
توهان لأ..لأ..أنا بس كنت عايز أقول إيه....إنك فى ساقية والطور عمره ماسأل هايقف إمتى ولا هو رايح فين..وبرضه عمره ما فكر...ولو فكرت إنت بقة تروح هناك..ولو اتكلمت..هه..برضه تروح هناك..
جمال إنتم أخطأتم فى حق المجتمع ولازم تتعاقبوا..دى الحقيقة اللى المفروض تفكروا فيها،العقاب اتحدد فى المحكمة هنا أنا بأنفذ بس، ساعدونى إنى أنفذ تقويمكم صح..
بمبة العقاب يا باشا لما تتكلم فى حاجات ضد النظام..وخصوصا بقة لو اتهرشت...
مراد (يمسك بتلابيب بمبة ويلصقه فى الحائط) ولا.. إنت شكلك مش عاجبنى و قصر أحسن لك
جمال مراد...من فضلك أنا مش عايز مشاكل...
مراد (يطوح بمبة جانبا فيصطدم بتوهان ويسقطان أرضا يمسك مراد القلم ويكسره و يلقيه على الأرض) مش عايز مشاكل هه...ماشى..لكن يا سيادة المصلح الاجتماعى أنا عايز أفهمك حقيقة يمكن تكون مش فاهمها أو حتى فاهمها وبتضحك على نفسك.. العقاب اللى حضرتك بتتكلم عنه، واللى مكتوب فى الكتب هدفه إنه يقومك..يعدل الحاجة الغلط اللى فيك واللى آذت المجتمع منك...ويكون العقاب دا على حاجة إنت عملتها..لكن العقاب فى المكان دا وبرة وفى كل حته سيف ماشى على اللى عمل حاجة غلط واللى معملش، والعقاب بقة إنهم يحولوك لبهيم..تآكل وتشرب وتروح يوم الخميس بدري... وأهم حاجة بقة إنك تخاف...واللى جابنى هنا واللى خلانى الشبح اللى إنت شايفة قدامك دا هو إنى رفضت إنى أخاف...فهمت..؟
توهان أهو انا بقة كنت عايز أقول كده بس نسيت..
جمال ممكن يكونة كلامك صح..بس انا رافض كده ومش ناوى أقعد أعيط جنب الحيطة، هحاول أشرخ الخوف دا..لو عايز تساعدنى وتساعد نفسك وتساعد زملائك إنت عارف المفروض تعمل إيه..
مراد (يسند ظهره للحائط ولا يرد)
جمال يومين يا مراد..(يخرج من المكان)
(مراد يفتح عينيه ينظر إلى مكان خروج جمال بمبة ينظر إليه بحقد ثم ينام وتوهان يسقط نائما هو الآخر مراد يتناول القلم المكسور من على الأرض والأوراق ويبدأ فى الكتابة وفى تلك اللحظة تعود الإضاءة إلى الركن الآخر حيث عنتر فى غرفة المدير يدور بنفس الطريقة)
عنتر طيب أنا أقول للباشا إيه...سجننا خلاص بقة كتاب..
(تعود الإضاءة مرة أخرى إلى مراد وهو يكتب على أوراقه ويتصاعد من الخلفية صوت مراد يروى ما يكتب مع مشهد مصور يعبر عما يقال....)
مراد ربما كانت حياتى هى الحياة الوحيدة التى لا يمكن لإنسان ـ ولا حتى أناـ أن يمسك ببدايتها ليقول، تبدأ حياتى بـ...، أو قصتى بدأت عندما...، فكل لحظات حياتى أو معظمها تبدوا متشابهة، نفس الآلام التى تجتاحنى فى كل وقت لترسم بالنار على صفحة تلك الحياة المصير الذى كنت أرى نهايته واضحة واليوم أراها تقترب أيضا.. ومهما تفاوتت تلك الآلام إلا أنها كانت رفيقة درب أنس كل منا للآخر، كانت مستمرة لأن مصدرها لم يكن بداخلى، ولكنها كانت تأتى من كل مكان.. من كل شخص اقترب منى وكان من فرط سعتها تسعنا معا..فتدمر حياته وتصبح علامة مميزة فى تلك الحياة اللعينة لذلك الشخص اللعين الذى هو أنا..(هنا يبدأ ديكور المكتب على المستوى الأعلى فى التغير لغرفة مكتب أخر مختلفة المعالم بها شئ من الذوق رجل وقور(ابراهيم خيشة) يدخل إلى المسرح ويجلس على المكتب ليقلب فى مجموعة من الأوراق أمامه صوت مراد يستمر فى الخلفية مع استمرار العرض المصور)
مراد أحيانا تومض فى عقلى بعض الذكريات عن بدايات طفولة لم تكتمل، عن ذراعى أمى تقذفان بى إلى الأعلى ..عن ذلك الشعور بالخوف ولاستمتاع الذى كنت أشعر به وأنا أهوى وأهوى حتتى تتلقفنى يداها الحانيتين لتقذفان بى من جديد، أعتقد أن منزلنا كان جميلا وأننا كنا أسرة ثرية، وأن والدى كان ناجحا جدا فى عمله وأظنه لا يزال كذلك ولكن وجوه تلك الفترة عادة ما يشوبها التشوه فى ذهنى فلا يبقى منها إلا وجه امى الحنون الحزين بعض الشئ....(يدخل إلى المكتب شاب ليجلس إلى أمام الرجل الوقور على المكتب بحيث لا يظهر وجهه للجمهور ويتابع مراد مرة أخرى ولكن الشاشة تنطفئ تماما هذه المرة ليخيم إظلام تام على المسرح فيما عدا إضاءة خفيفة جدا على مستوى المكتب)
مراد لكن سراب تلك اللحظات الجميلة سرعان ما تلاشى..ماتت أمى وانا فى الثامنة من العمر، لا أدرى لماذا لم أبك ساعتها لم أتقبل أبدا هذه الحقيقة رغم أنه ترتب عليها إحاطتى بكثير من التغيرات الى أذكت بذرة تلك الآلام التى تحدثت عنها..فتملكتنى لكنى لم أدر ما الحل...لم يكن لها أى متنفس تخرج منه..ربما فى ذلك اليوم عندما استهزأ بى أحد الطلاب فى المدرسة الداخلية التى أرسلنى إليها والدى.. وقتها ظننت أنى فهمت..رقصت نفسى طربا للحظة عندما ظننت أن ما سأفعل سيزيح تلك الآلام التى تعربد بلا ضابط داخل أسورا نفسى.. حولتها إلى إعصار انفجر للحظة فقد ذلك الطالب فيها عينا من عينيه إلى الأبد،اعترف انى وجدت السكينة للحظة لكن...(يظهر فى الشاشة وجه رجل كهل مطرق الرأس غاضب الملامح بنظر إلى مراد..)
الرجل إنت غلطت..ولازم تتعاقب..أنا معنديش مانع إنه يروح الإصلاحية..
(يضاء فى هذه اللحظة المستوى المرتفع على منظر الرجل الوقور يتابع التقليب فى الملف الشاب أمامه يتململ ولكن دون أن يظهر وجهه للجمهور الرجل يرف عينيه إلى الشاب ويتأمله لحظة)
ابراهيم مراد عبد الرحمن..مشاغب من الدرجة الأولى..دخلت الإصلاحية من ثمان سنوات علشان فقأت عين زميلك فى المدرسة..على فكرة تاريخك هنا مشرف..
مراد (الصغير ويؤديه ممثل آخر) أتمنى يكون عجبك..
ابراهيم (يضحك) ست محاولات هرب..خمسة وعشرين حالة اعتداء على زملائك..
مراد سبعة وثلاثين...
ابراهيم ولا يهمك يا سيدى كرمناك فى اثنى عشر..كنا بنقول إيه..؟ آه..ثلاثة عشر حالة اعتداء على الحرس ومرتين ضربت مدير الاصلاحية..إيه دا مخدرات كمان..جميل..
مراد إنت جايبنى هنا علشان تفكرنى ما أنا عارف كل الكلام دا..
ابراهيم كل دا عملته وإن لسة عندك ستة عشر سنة امال لما تكبر هاتعمل إيه..؟
مراد ملكش دعوة
ابراهيم على فكرة..مفيش مدير قبلى إلا وحذرنى منك...بس أن شايف بقة إننا هانبقى أصحاب..
مراد (يضحك)
ابراهيم والدك كمان حذرنى منك..
مراد والدى..
ابراهيم مستغرب ليه..؟
مراد (يصمت ولا يرد)
ابراهيم كنت بترفض تقابله ليه..؟
مراد (يضرب بيده بعنف على المكتب) كفاية..
ابراهيم (يتأمل مراد طويلا) أنا عايز أسألك سؤال..
مراد مش هاجاوب
ابراهيم السؤال دا بقة بالذات هاتجاوب عليه..
مراد جرب..
ابراهيم تشرب إيه..؟
مراد نعم...؟
ابراهيم السؤال هو.. تشرب إيه...؟
مراد آه علشان تنادى الشاويش يشربهولى..
ابراهيم سمعت إنك بتقرأ كتير..
مراد إيه هاتمنعونى عن القراءة كمان..؟
ابراهيم شوف يا أخي نسيتنا إحنا كنا بنقول إيه...تشرب إيه يا مراد..؟
مراد شاى..
ابراهيم (فى الميكروفون) شاى يا سيد... كنت بسألك بتحب تقرأ في إيه..؟
مراد اى حاجة..وكل حاجة أى ورقة مرمية فى الشارع حتى بأحب أقرأها..
ابراهيم ليه..؟
مراد زى ما تقول كده بأحاول أكره العالم أكثر..
ابراهيم يا ساتر..ليه كده..
مراد الكتب بتخلق قدامك عالم جميل، مبادئ.. قيم .. عالم ممكن تسمع فيه موسيقى هادية، تشوف ورود جميلة، ناس بتحارب علشان الحق.. تشوف فيه اطفال بتلعب و تضحك وهى مطمئنة لبكرة..عالم ملوش دعوة بجنينة الحيوانات اللى إحنا عايشين فيها...
ابراهيم نفسك اولادك يطمئنوا لبكرة..
مراد مش ناوى أجيب أولاد أصلا..
ابراهيم ليه..
مراد انجاب طفل فى الزمن دا عمل متوحش معناه إنك بتجيب للعالم مجرم جديد، أو ضحية جديدة، أو واحد مش عارف هو ضحية ولا مجرم ودا أنيل..
ابراهيم (يضحك و فى هذه اللحظة يدخل الشاي فيتناوله مراد) ليك كلمة..؟
مراد يعنى إيه..؟
ابراهيم بعنى لو واحد طلب منك إنك تديله كلمة..واديته كلمة تلتزم بيها..؟
مراد مفيش حد فى الدنيا دى يستاهل إنى ألتزم بكلمة معاه..
ابراهيم لو قلت لك إنى هاسمحلك تخرج من الإصلاحية لمدة عشر ساعات..يعنى ترجع هنا الساعة 8 فى مقابل إنك تدينى كلمة إنك ترجع تقول إيه..
مراد أقول إنى مش مصدقك..ويمكن أقول إنك بتخرف..
ابراهيم إنت ليه بتلف وتدور حولين السؤال..تدينى كلمة..؟
مراد وماله..أدى كلمة..بس برضه مش مصدقك..
ابراهيم تقدر تخرج دلوقت من الباب الرئيسي.. هاستناك الساعة 8 متتأخرش..
(يتجمد الجميع على المسرح وويتحرك الشاب من المستوى الأعلى إلى صالة العرض وتنزل عليه إضاءة خلفية بحيث لا يظهر وجهه ومعه من الخلفية صوت ومشهد مصور لشوارع القاهرة)
مراد لا أدرى يومها لماذا عدت..لعشرات..بل مئات المرات و أنا في الخارج فكرت في الهرب إلى حيث لا يجدني احد، لكنى في النهاية وجدت نفسي أمام باب الإصلاحية الساعة السابعة والنصف.. ربما لكوني بالفعل كنت راغبا فى التعرف بهذا الشخص الذي يبدأ حياته المهنية في منصبه الجديد بتصرف قد يزج به في السجن..
كان الرجل شغوفا بالتعرف بنا أكثر من شغفي بالتعرف به، تقربنا كثيرا من العقيد إبراهيم في الأيام التالية، كان أقصى عقاب ينزله بأحدنا أن يمسح فناء الإصلاحية حتى أننا أسميناه إبراهيم خيشة وكان يعشق هذا اللقب، كون منا فريقا لكرة القدم وكنت لا أجيد اللعب فجعل وظيفتي جمع الكرات من خلف المرمى..كان يأتي لي بالكتب من منزله ويناقشني لساعات فيما قرأت، بل إنه ساعدني كي أتم دراستي الثانوية خلال العامين التاليين لي في الإصلاحية..(ينتهي سير مراد الصغير في نهاية الصالة فيبدأ مراد الكبير السير عائدا إلى المسرح مع جمال ويعود منظر غرفة المدير كما كانت ومنظر ساحة السجن والمساجين في الفسحة اليومية عنتر يراقب الموقف...
مراد عجبتك الحدوتة..
جمال أنا مش بقرأها علشان اتسلى..
مراد ميفرقش معايا إنت بتقرأها ليه..
جمال أمال كتبتها ليه..
مراد (ينظر إليه ولا يرد، يقفان فى مكانيهما وتسقط الإضاء على بمبة وقد اقترب من عنتر)
بمبة إداله الكشكول يا باشا..
عنتر امتى...؟
بمبة امبارح...البيه عدى فى بالليل وأخذ منه الورق..(يتجمدان وتعود الإضاءة إلى مراد وجمال)
جمال ابراهيم اتفصل ليه...؟
مراد ابراهيم خيشة..؟
جمال مش دا برضه العقيد اللى اتعملتله محاكمة عسكرية من...
مراد عشر سنين..
جمال كنت وقتها ملازم..هو دا اللى كان المدير بتاع الإصلاحية..
مراد أيوه..واتفصل بسببي..
جمال بسببك...؟
مراد قل لى يا جمال بيه..إنت حبيت قبل كده..؟
جمال دا آخر سؤال ممكن أتوقعه منك
مراد علشان متأكد إن اللى زي مش ممكن يحب مش كده..؟
جمال من غير زعل..أيوه
مراد ماجاوبتش على سؤالى..
جمال أقول إيه..حبيت إنسانة وخطبتها وبعدين اتجوزتها وهى دلوقت أم أولادى
مراد إيه رأيك فى الحب...؟
جمال الحب فى حد ذاته مش نهاية دا بدايه.. زيه زي الشجرة تمام، أولها بذرة بتتحط فى أرض..الحب هو البذرة دى..لو راعيت البذرة وحطيتها فى المناخ المناسب اللى يخليها تكبر هاتطرح شجرة تظلل عليك يمكن طول عمرك...
مراد ولو العكس..؟
جمال لما بتحط البذرة فى الأرض، بتتفرض عليك واجبات ومسؤوليات تجاهها لو قصرت البذرة هاتطلع نبتة ضعيفة ممكن اى ريح تشيلها من مكانها، أو ممكن متطلعش أصلا..
مراد تصدق إنك إنسان كويس...
جمال ومالك مستغرب كده ليه وإنت بتقولها..؟
مراد من غير زعل...مابستناش خير أبدا من ضابط
جمال وابراهيم..؟
مراد من فضلك بلاش السيرة دى..
جمال إيه رأيك إنت فى الحب..
مراد ممكن تكون متوقع رد حكيم زى ردك لكن باختصار الحب زى السرطان بالضبط مع فرق واحد..
جمال إيه هو...؟
مراد إن السرطان ممكن يتعالج..
جمال (يضحك) آراءك غريبة...(يصلان إلى المسرح بهذه الجملة ويخرجان من الكالوس، يتحرك بمبة فى إضاءة المسرح نحو توهان الجالس فى خلف وسط المسرح يجلس إلى جواره)
بمبة الضابط دا مش ناوى يجيبها لبر..
توهان يا أخى إنت مالك..
بمبة أنا قلت إنه عاجبك وداخل دماغك...
توهان لا داخل دماغى ولا كفتة..أنا ياعم مش عايز مشاكل..بعدين أن قلت لك قبل كده إنى مفياش دماغ أصلا..
بمبة و أنا بقلك إن المشاكل جاية...
توهان يا نهار اسود..
بمبة ما البيه الجديد دخل الكتاب وكتب..وحبيبك قرا..وعنتر..
توهان عرف..
بمبة ومادام عنتر عرف يبقى المدير هايعرف..
توهان أنا نفسى أعرف بس إنت ليه...؟
بمبة ولا..
توهان أنا بس..
بمبة هما خمس سنين عايز أقضيهم بالطول ولا بالعرض وأخرج من هنا حتة واحدة، وبرة لما ربنا يتوب علينا من الخلق العكرة اللى هنا دى يمكن يبقى يتصلح حالى..
توهان بس إنت بتبيع...بتبيع...
بمبة هاتقولى بتبيع نفسى..يا بنى خدها منى حكمة..هنا نفسك متسواش حاجة علشان تبيعها، احسن لك تبيع كلام..هو دا اللى بيجيب ثمنه..(يدخل مراد وجمال من الكالوس الآخر وعنتر من الكالوس المقابل)
مراد الحب ممكن يكون زى ما بتقول، يمكن يا جمال بيه إنت أحسن واحد عرف الحب قدامى...لكن لو الأرض أصلا بور..والعيب مش فى البذرة..عارف إيه اللى هايحصل...؟ أى واحد هايبذر البذرة دى أمله فى إنها تطلع هايتدمر وكل ما كان أمله أكبر ألمه لفشله هايبقى أكبر..أنا عملت كده فى كل اللى حبونى...
جمال مش فاهم..
مراد الورق معاك لو عايز تفهم..
عنتر على زنازينكم يا بقر...
بمبة تمام يا عنتر باشا..
مراد كمل يا جمال بيه...كمل
عنتر (يضراب مراد على قدميه بالعصا) مش أنا قلت على زنازينكم يا بقر..؟
بمبة أنا قلت لك..المصايب هاتهل..
توهان عنتر...عنتر إوعى يجيلك عنتر...
جمال عملتها تانى يا شاويش...
عنتر أنا بآخد أوامرى من الباشا مدير السجن
جمال المرة دى هتآخد أوامرك منى وانا بقلك إن وقت الفسحة مخلصش..
عنتر سيادة المدير بيقول...
جمال انتباه يا شاويش..
عنتر أيوه يا باشا لكن...
جمال نفسك تآخد جزا يا شاويش عنتر..؟
عنتر لأ يا باشا..
جمال انصراف.. ولما ميعاد الفسحة يخلص انا هادخل المساجين بنفسى
عنتر تمام يا أفندم (يخرج)
جمال (لبمبة) إنت اسمك إيه ياد..
بمبة خدامك بمبة..يا باشا..
مراد خدامه هو برضه..
جمال مراد..(يحدث بمبة)على فكرة كل ما تسخنه أكثر لما هايقلب عليك هيأذيك اكثر..عارف ليه...؟
توهان علشان...علشان...
بمبة منك نستفيد يا باشا...
جمال علشان إنت عايزه يعمل حاجة..و أنا مش هاخليه يعمل الحاجة دى أبدا...فلازم يطلع غله..فمش من حظك إن غله دا يبقى كتير لأنه مش هيلاقى غيرك ساعتها..
توهان أيوه هو انا كنت عايز أقول كده..بس...(ينظر ليده)
بمبة ساعتها يا باشا، هاصدر الواد دا (يشير لتوهان)
جمال ميعاد الفسحة خلص، كله على زنازينه..(يدخل الجميع ويقترب بمبة من جمال)
بمبة بس تعرف يا ابشا بتكيفنى لما تضبطه(ينصرف ويبقى جمال وحيدا فى المسرح)
جمال الحب زى السرطان بس السرطان له علاج..(يضحك)
مراد (صوت من الخلفية) ظلت علاقتنا بخيشة على أفضل ما يكون فالرجل كان يحب عمله حقا وكان يحبنا جدا..وأزعم أننا أحببناه كأب،و في الفترة التالية بدأت دراستي لعلم النفس منتسبا لكلية الآداب واستقرت حياتي استقرارا لم أشهده من قبل، وعلى مدى هذه الدراسة كان خيشة يسمح لى بالخروج من فترة لأخرى لأدرس في مكتبة الجامعة على أن أعود قبل الثامنة...(يضاء المسرح على مشهد فتاة ضئيلة الحجم تجلس على طاولة في مكتبة تقرأ في كتاب ما، مراد (شابا) يدخل إلى المكان يبحث فى الكتب ثم يعود للفتاة وينظر في الكتاب الذي تقرأه)
مراد الكتاب اللى معاك دا كتاب التحليل النفسى بتاع فرويد..
سلوى أيوه.. هو..
مراد ممكن بعد ما تخلصيه تقولى لى..
سلوى بصراحة..أنا مش عارفة أقرأ فيه حاجة أصلا..
مراد إنت بتدرسى علم نفس فى الكلية..؟
سلوى أيوه..للأسف..
مراد للأسف..دا أجمل علم ممكن الواحد يدرسه..
سلوى جايز..بس أكيد مش بالنسبة لى..
مراد امال درستيه ليه من الاول..؟
سلوى مش لازم أحب كل حاجة بأعملها..
مراد أمال إيه..؟
سلوى (تهز كتفيها)
مراد طيب بتحبى إيه..؟
سلوى مش عارفة..عمرى ما فكرت انا بأحب إيه..أو باكره إيه
مراد لازم الانسان يحب حاجة علشان يعيش..
سلوى أنا عايشة ومابحبش حاجة..لأ..بأحب الورد..آسفة
مراد على إيه..؟
سلوى (محرجة) على فكرة تقدر تآخد الكتاب دلوقت لأنى مضطرة أمشى عندى محاضرة...مش هاتحضر..؟
مراد أنا منتسب...على فكرة لو عايزة أشرحلك علم نفس أنا بأستمتع بشرح المادة دى جدا..
سلوى ياريت.. قصدي شكرا..
مراد أنا مراد..مراد عبد الرحمن..
سلوى سلوى سعيد...أولى علم نفس..
مراد فرصة سعيدة (الفتاة تبتسم وتمضى مراد يتحرك فى الزنزانة وجمال يتابع تقليب الأوراق)
مراد (من الخلفية)يومها لم أستطع أن ادرس، لن أزعم بأنني أحببتها بهذه السرعة لكن شيئا ما فى بساطتها وعفويتها جذبني إليها، قابلتها من جديد وتوطدت العلاقة بيننا، كنت أشرح لها علم النفس وأستمتع بذلك وأستمتع أكثر بكوني أحدث إنسانا لا يرتب أفكاره ليكذب على أو يتحدث عن أمجاده و بطولاته..كانت لا تستطيع أن تكمل عبارة بأقل من ست لعثمات على الأقل..
وعلى مدار السنتين التاليتين عرفت عنها كل شئ وبالطبع لم تعرف عنى أي شئ، كنت أرى في عينيها أنها تكتفي بأن نكون معا فقط ولا تريد أي شئ مما مضى وكان ذلك يعذبني أي عذاب..كنت أتعلق بها يوما بعد يوم رغم أنى كنت متأكدا أن حياتي مستحيلة معها لكنها كانت كذلك مستحيلة بدونها...(مراد يبدأ في الارتجاف في الزنزانة ثم يتجمد الوضع وتظهر في الخلفية صورة سلوى وتتلاشى ببطء و ينتهي بإظلام على المسرح وحركة لمراد (الشاب) وسلوى في جانب من جوانب الصالة مبتعدين عن المسرح)
سلوى مراد..إنت عمرك ما كلمتنى عن نفسك..
مراد بس إنت عرفتينى كويس..
سلوى مش قصدى، قصدى عمرى ما قلت لى ساكن فيك..والدك ووالدتك مين...بأحس دا يما إنك شخص...آآآآآآآآآ
مراد غامض..
سلوى أيوه غامض...جدا..
مراد يهمك تعرفى...؟
سلوى لأ...
مراد خلاص...خلينا كده أحسن
سلوى ليه...؟
مراد علشان لو عرفت مش هاشوفك تانى..
سلوى مفيش حاجة ممكن تخلينى ما أشوفكش تانى..
مراد متأكدة...؟
سلوى أيوه...
مراد حتى لو عرفت إنى مش زى ما إنت فاكرة..
سلوى يعنى إيه..؟
مراد إنت فاكرانى طالب فى كلية الآداب بس..لكن عمرك ما سألت نفسك أنا ليه ماحولتش انتظام لحد دلوقت رغم إنى جايب جيدجدا السنتين اللى فاتوا.. أو ليه ما باجيش الكلية إلا يومين فى الإسبوع..
سلوى كل دا ميهمنيش فى حاجة...ولو مش عايز تتكلم مش مهم..
مراد لازم تعرفى..أنا محبتش إنسان فى الدنيا دى زى ما حبيتك...لكن هل الحب دا هايستحمل لو عرفتى إنى مجرم..وعايش فى إصلاحية..والحاجة الوحيدة اللى منعاهم إنهم يطردونى منها إن مديرها عمال يأجل خروجى علشان اكمل دراستى..ويوم ما هاخرج منها هابقى صايع..لأن أبويا متبرى منى وماعرفليش أهل غيره..
سلوى (ترتجف ولا ترد)
مراد فى بقة نقطة إيجابية جميلة..إن أبويا صاحب أكبر شركة مقاولات فى مصر..
سلوى إنت اكيد بتهزر..
مراد أنا عمرى ما كنت صادق زى ما أنا صادق دلوقت..
سلوى (تخرج من المكان باكي ويدير مراد الشاب ظهره للجمهور مع إضاءة متقطعة على مراد في الزنزانة يواصل الارتجاف ثم إضاءة وميضية على عنتر يتحرك بتوتر ثم ينزل صوت مراد من الخلفية)
مراد لم أخرج من الإصلاحية لمدة شهرين بعد هذه المحادثة..لم اكلم فيهما أحدا إلا لمما، حاول خيشة معرفة ما بي إلا أننى لم أصارحه، وفى ذلك اليوم شعرت بحق أننى بحاجة لأن أراها فاستأذنت خيشة فى الخروج فسمح لى، وجدتها فى مكتبة الكلية تنتظر فأخذتها إلى الخارج...(تخرج سلوى من الجهة المقابلة من المسرح يلتقيان فى بداية الممر الأوسط لصالة العرض ليجلسا على أريكة حديقة)
سلوى كل يوم كنت بأستناك فى المكتبة..كنت قربت أياس إنك تيجى..
مراد استنيتينى رغم اللى عرفتيه..
سلوى مش مهم..
مراد وأهلك..عمرهم ما ها يوفقوا على ارتباطك بشخص زى..وعمري ما هأكذب عليهم وأقولهم غير الحقيقة..
سلوى عمرى ما هاطلب منك إنك تكذب..
مراد وإنت مش هاتندمى..
سلوى عمرى..(تخرج سلوى من المكان ويزداد إرتجاف مراد النائم فى الزنزانة يصعد مراد الشاب إلى المسرح ويتغير ديكور غرفة المدير إلى غرفة إبراهيم خيشة الذي يدخل المسرح ويقف موليا ظهره للجمهور عاقدا يديه خلف ظهره..مراد( الشاب) يدخل إلى الغرفة يبدو مرتبكا..)
خيشة حضرتك عارف إنت عملت إيه...؟
مراد أيوه عارف..لكن انـــا..
خيشة لأ مش عارف...لو كنت مقدر لحظة لعواقب اللى إنت بتعمله مكنتش حتى فكرت تعمله لكن للأسف إنت لغيت دا (يشير لرأسه) واتصرفت بعدم مسؤولية..
مراد أنا آسف...
خيشة آسف..أنا عايز أعرف إنت ضربت الولد دا ليه..
مراد أنا كنت رايح أخطب أخته..ولما قابلته فى كافيتيريا الجامعة وكلمته شتمنى فــ..
خيشة فضربته.. وسط الجامعة.. وإنت عارف وضعك وعارف المسؤولية اللى علي قبل ما تبقى عليك..
مراد دا غلط فى أمي..
خيشة المسؤولية اللى عليك أكبر من كده...كان لازم تستحمل..
مراد أنا آسف..
خيشة مراد..أنا مش زى والدك..
مراد إنت أحسن من والدى..
خيشة ما استشرتنيش ليه لما حبيت تعمل خطوة زى كده..
مراد أنا..
خيشة لسة عقدة عدم الثقة فى أى حد جواك..واضح إنى فشلت..
مراد الموضوع مش كده خالص..
خيشة أقول لك على سر..أنا مفيش حد فى مصلحة السجون كلها بيطيقنى.. من الكبير للصغير، الكل معترض على إسلوبى معاكم لأنهم عايزينكم مجرد حيوانات..وانا بقة الوحيد اللى مش بأنفذ السياسة دى..علشان كده الكل مستنى لى غلطة..
مراد وأنا كنت الغلطة دى..
خيشة هما مش هايقولوا إنى كنت بأخرجك علشان تدرس..ولا هايفهموا إنى محتفظ بيك وبعشرة زيك هنا علشان مش عايز أطلعهم برة إلا وهما معاهم شهادات تنفعهم..كل اللى هما هايحاسبونى عليه إنى خالفت اللوائح و يمكن يتهمونى إنى كنت بأستعملكم فى توزيع المخدرات..
مراد أنا...
خيشة أوعى تكون فاكر إن الكلام دا كله يهمنى..أنا عارف إن اللى انا بأعمله دا هو الصح و ضميرى مستريح..لكن اللى مضايقنى إن الفرصة جاتلهم علشان ينسفوه..ويجبولكم واحد ينفذ السياسة اللى هما عايزينها واللى هاتخليكم زى ما هم عايزين..
مراد مش عارف أقول إيه...
خيشة متقولش حاجة يا مراد..جهز نفسك من بكرة هاتتنقل الحجز لحد ما المحكمة تقرر عقوبتك..
مراد حاضر..
ابراهيم (يعطى ظهره للجمهور) امشي من قدامى دلوقت..
(يحدث إظلام تام على المسرح عدا مراد فى زنزانته يزداد ارتجافه وتظهر صورة إبراهيم على الخلفية، يزداد ارتجاف مراد مع عبارته الأخيرة من الخلفية....)
مراد هكذا رددت الجميل للشخص الوحيد الذي أحسن إلي في هذا العالم..دمرت حلم حياته وتركته لخصومه والمتربصين به ليمزقوه إربا.. بل ودمرت حياة الإنسانة الوحيدة التي أحببتها وأحبتني و تركت بها جرحا لا يندمل وقت أن شاهدتني على حقيقتي وان أوسع أخاها ضربا..
فصل خيشة بعد محاكمة عسكرية وانقطعت أخباره تماما بعدها وسجنت أنا لسنتين كانت الآلام فيها رفيقا دائما لي، أتممت دراستي من داخل السجن، وعندما خرجت للنور خرجت وأنا احمل في أعماقي أجمل ذكريات حياتي، وأحمل كذلك آلاما انفجرت كبركان دام ونثرت لهيبها على الجميع....الجميع..( ينهض مراد صارخا في زنزانته يمسك بالقضبان ويواصل الصراخ...)
إظـــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام
المشهد الثالث
تهبط الإضاءة على مكان غرفة مدير السجن، المدير جالس يطالع بعض التقارير أمامه يدخل عنتر إلى المكان ومعه بمبة يحاول أن يتحدث أكثر من مرة ولكنه لا يستطيع، المدير ينظر إليه شذرا ثم يعود لمطالعة الأوراق..
المدير خير يا عنتر...؟
عنتر وهايجى منين الخير يا باشا..؟ ماخلاص الخير راح و راحت إيامه..
المدير ( وهو يعمل بالأوراق) أولا الجملة دى بتاعتى...ثانيا لو جاى تنوح هنا أنا مش ناقصك..
عنتر الكيل خلاص طفح...طفح يا باشا..
المدير جمال ضايقك تانى..؟
عنتر (يتنحنح ولا يرد)
المدير (ينهض من خلف المكتب) هو مش ناوى يجيبها لبر...مع إنى حذرته..إيه دا..؟ أنا شامم ريحة غريبة، خير اللهم اجعله خير كده كأن صفيحة زبالة إتفتحت..آه لقيت صفيحة الزبالة..(يشير إلى بمبة)
عنتر المسجون دا هو عينى اللى فى السجن يا باشا وقال على حاجات غريبة الرائد جمال بيعملها مع المسجون الجديد..
المدير حاجات غريبة...قصدك مراد..الواد قليل الأدب..
بمبة هو بعينه يا باشا..
المدير متتكلمش إلا لما أقلك يا زبالة...
بمبة أوامرك يا باشا..
عنتر يا باشا الواد متحامى فى الرائد جمال وطايح فى الكل، فى المساجين والكومندات، وفي..و جمال بيه كل مرة بينصره ولا كانه من بقيت عيلته..
المدير جميل..وإيه كمان..لأ إستنى إنت يا عنتر..إتكلم يا حيوان
بمبة مكن كام يوم كده..جمال بيه جاله بالليل...
المدير بالليل....
عنتر شفت الفضايح يا باشا..
المدير كمل يا زفت..
بمبة وإداله ورق وقلم..وكلمه كده على حاجة يعنى شبه قصة حياته تاريخ حياته وطلب من مراد يكتبه..
المدير البيه فاكر نفسه فى الجامعة..
بمبة و يوم ورا التانى بيجى جمال بيه وياخد منه الورق..والبعيد عمال ينقش طول الليل..
المدير واضح إنى مشغل هنا شوية إقماع
عنتر يا باشا ما أنا قلت لك مش عامل حساب لحد وطايح فى الكل..دا حتى..
المدير حتى إيه..
بمبة يعنى..الشاويش عنتر عايز يقول...
المدير إنتم هاتعلقونى..حد ينطق..
عنتر من الآخر كده الواد مراد مش عامل حساب حتى لحضرتك..
بمبة دا حتى بيقول على سعادتك...
المدير بيقول إيه..؟
بمبة بيقول على سعادتك..أبو كرش سعادتك..
المدير إخرس..
بمبة مش أنا يا باشا هو..
المدير خلاص..غور على زنزانتك..(يخرج ويقف منتظرا بساحة السجن)
عنتر وآخرتها يا باشا..؟ الواد دا لو فضلت مناخيره فى السما كده هايعصى المساجين علينا وبعدين مش هانقدر نكلمهم..ومش بعيد يتنمردوا علينا..
المدير عارف..أنا كنت متاكد إن زفت الطين جمال دا هايعمل كدا..لكن المشكلة إن موضوع الورقة والقلم دا حتى لو كشفناه منقدرش نكسر مناخيره بسببه لأنه مش ممنوع،إحنا اللى مانعينه..
عنتر ما نطبخها يا باشا..
المدير ساعتها جمال هايشتكينا ونتشك جزاء..لو كان ملازم أو ملازم أول كانت بقت محلولة..لكن..
عنتر ما تشغل العبقرية يا باشا و إنت برضه مش هاتغلب..دى سمعة السجن سعادتك..
المدير الواد المسجون اللى كان هنا دا إنت ضامنه...
عنتر كلب وفى يا باشا..بس عايزله عضمة..
المدير العضمة دى مشكلتك إنت يا عنتر..
عنتر إزاى يا باشا..؟
المدير عنتر..إنت هاتستعبط..ولا فاكرنى علشان ساكت مش عارف اللى بينك وبين المساجين..
عنتر كلك مفهومية يا باشا..
المدير كنا بنقول إيه..آه.. زقه على مراد ينكشه فيمسكوا فى بعض، وساعة الخناقة نطب إحنا ونستلم الإثنين..وتبقى كسرة المناخير قانونى..
عنتر وهاتخش على الواد مراد..
المدير ملفه بيقول إن فتيله قصير..
عنتر أحبك يا باشا وإنت بتخطط..
المدير وكله بالقانون..وبعدها بقة نبقى فقنا لمين..
عنتر لحبيبك..
المدير البيه بيتحدانى..وأنا بقى عايز أعرفه السجن دا بتاع مين..وإن الكلام اللى بيقوله العقيد عادل هو الصح حتى لو كان..لو كان غلط (يضحكان)
عنتر حلاوتك يا باشا..
المدير إحنا هانهزر..؟
عنتر لا مؤاخذة يا باشا دا بس من فرحتى..
المدير أقلك..وماله.. حلاوتى..نفذ يا عنتر..
تخفت الإضاءة على المدير بخروج عنتر من عنده مع إضاءة ملازمة تشمله مع بمبة الذى يستمع إيه للحظات ثم تلازمه الإضاءة حتى يصل إلى الزنزانة التى تضاء على توهان يتامل أصابعه ومراد جالس يتصفح بعض الأوراق التى كتبها، بمبة يقترب من مراد ...
بمبة أخبار مذكراتك إيه يا كبير..؟
مراد (ينظر إليه ولا يرد)
بمبة هو انا اسمى مكتوب...
مراد قصر يالا وغور من هنا..
بمبة أنا بس بسأل..
مراد و أنا بقلك قصر علشان إنت شكلك مش عاجبنى من أول ما جيت هنا...
بمبة ماشى..(يهم بالانصراف ولكنه يعود مرة أخرى) معاك ولعة
توهان فيه إيه ياد..إنت مالك داخل دخلة كده مش فاكر إسمها...
بمبة أنا بسأل الهفأ دا معاه دخان ولا ماما خايفة عليه من الولعة..
مراد طيب لم لسانك بدل ما أقوم أخلى ماما بتاعتك تعيط عليك..
بمبة طيب ما تزقش كده ليفتكروك راجل..
مراد واضح إنك مصر..(ينهض)
توهان لأ يا...دا اللى إنت بتعمله دا اللى هما عايزين إيه بقه...
بمبة بس يلا إنت خليك فى صوابعك..كنت بتقول إيه بقة يا أديب السجن الأول
مراد أنا مش بأقول ( يمسك بتلابيب بمبة ويكل له الضربات تفتح الإضاءة الملازمة على المدير يقترب من عنتر الذى يشاهد ما يحدث، المدير يشاهد المشاجرة بهدوء مع عنتر)
عنتر مش هانخش يا باشا..؟ الواد مراد هايموته..
المدير خليه يربيه شوية..أصل بينى وبينك يا عنتر انا صحيح في العبر لكن طول عمرى مابحبش الخباصين، بعدين أنا عايز لما تهبش نهبش فى واحد بس علشاتن نركز..
عنتر يا عينى علىدماغك العالية يا باشا...( مراد يسقط بمبة فى هذه اللحظة أرضا)
المدير يلا بينا...
عنتر (يدخل إلى الزنزانة ويدفع مراد بعيدا عن بمبة الساقط على الأرض ويصوب إليه العصا) مكانك يا حيوان..
مراد (للمدير) يآه..بقالى كتير قوى ما شفتكش..
المدير والله عال يا حوش.. فاكرين نفسكم فى مقالب الزبالة اللى إنتم اتربيتوا فيها ولا إيه..
مراد هو إنت بتحب الزبالة كده ليه..
المدير تكونش يا لا فاكر إكمنك متحامى فى ظل عيل تقدر تبرطع فى السجن بتاعى زى ما إنت عايز..دا بعينك يا حبيبى..
مراد على فكرة..كرشك لسه بيرقص..
المدير ماشى..هانشوف مين اللى هايرقص..عنتر فتش سرير الحيوان دا..
عنتر أوامرك يا باشا...(يخرج القلم ومجموعة من الأوراق يعطيها للمدير)
المدير يا عينى على الكتاب اللى أنا فاتح (يقرأ من الاوراق) ولم يكن فى استطاعة أى قوة فى هذا الكون ان تطفئ ألمى..أو هكذا ظننت..وكان الطريق المظلم أمامى واعدا بالسكينة فسلكته..ياسلام
مراد عجبك.. ولا مش فاهم حاجة..
المدير مين اللى إداك القلم يالا..؟
مراد تعالى أقولك فى ودنك (يكبله عنتر ويقترب المدير من مراد الذى يهمس له فى أذنه)
المدير دا إنت قليل الأدب كمان..
مراد لو مش مصدق..روح إسالها..يا أبو كرش..
توهان هما مش بيقولوا إن الصوابع مش زى بعض...
عنتر إخرس يالا..
المدير هاتنطق مين اللى إداك القلم ولا لأ...
مراد ما انا قلت لك..بس إنت مش عايز تصدقنى.. بعدين إنت متضايق ليه أنا بس كتبت بيه... عارف يعنى إيه..؟
المدير أوعى يالا تكون فاكر إنك بالكلمتين المجعلصين اللى إنت كتبتهم، ولا حتى اللى إنت هاتكتبهم بعد ما تخرج من هنا هاتقد تغير الحقيقة..الحقيقة يا حيوان إنك مجرم.. سرقت ونهبت ورفضت تبقى شريف..
مراد وقتلت كمان..
المدير مفيش كلمة محترمة ممكن تخرج من واحد قضى عمره كله فى السجون حتى لو كان معاه شهادات الدنيا كلها أنا هنا الحق يا جزمة غصب عنك ولما أقول إن الكتابه هنا ممنوعة تبقى ممنوعة..
مراد عارف..انا قتلت تسعة عشر واحد..
المدير مين اللى إداك القلم و الورق..
مراد وإنت العشرين..
المدير خرف من هنا للصبح...كلمة واحدة انا عاوزها.. مين اللى إداك القلم..
مراد واضح إنك نفسك تسعها وتسمعها للناس دى كلها..أمك
المدير اربطه يا عنتر...( عنتر يربط يدرى مراد خلف ظهره والمدير يبدأ فى ضربه بقوة حتى يسقط على الأرض فيركله اكثر من مرة وهو يصرخ) جمال اللى إداك القلم مش كده..إنطق..
مراد إنت العشرين...
المدير ماشى..قلعه هدومه يا عنتر واربطه فى القضبان (عنتر يمزق قميص مراد ويربط يديه فى قضبان السجن والمدير يخلع حزامه ويبدا فى جلد مراد فى هذه اللحظة يدخل جمال إلى المكان)
جمال إيه اللى بيحصل...؟
المدير أخرة اللى إنت بتعمله يا بيه، الحيوان كان هايموت زميله من الضرب...
جمال صحيح الكلام دا يا مراد..
مراد مش خايف البنطلون يتزحلق من على كرشك..؟
المدير (يضربه على ظهره بالحزام) اخرس..آدى اللى إنت عايز تعامله على إنه بنى آدم..عنتر..من بكرة الحيوان دا ما يخرجش من الحبس الإنفرادى إلا للمغسلة يقضى فيها ثلاث ورديات شغل يغسل القذارة اللى زيه..
جمال لحظة يا أفندم..
المدير ولا كلمة..إنت فشلت يا سيادة الرائد ومن هنا ورايح تؤدى شغلك وبس وملكش الحق تعمل أى حاجة برة شغلك..
جمال حضرتك مش من حقك...
المدير لأ من حقى..مش هاستنى لما يموت لنا واحد.. عنتر
عنتر تمام يا باشا..(يجر مراد ويلقى به فى الكالوس الأيسر ويخرج مع المدير من المكان)
جمال (لتوهان) إيه اللى حصل...؟
توهان إديته ليه الورق يا بيه..أنا مش قلت لك...
جمال إيه اللى حصل..؟
توهان بمبة عمل بمبة ومراد شرب البمبة وضرب بمبة..المدير بقة استنى لما مراد خلص على بمبة وضرب مراد..بس تعرف..مقالوش على اى حاجة..أنا ليه شايف صوابعى زى بعضها..
جمال انا كنت عايز أساعده..
توهان وأديك قلبت عليه كل حاجة..إنت فاكرنى مش هنا..أنا صحيح مسطول إنما بقة إيه..فايق قوى..مش قلت لك هاتروح هناك..
مراد (من الزنزانة) جمال بيه إنت بره..؟
جمال (يقترب من باب الزنزانة) ليه يا مراد..
مراد عرفت ليه ان قلت لك أخرج من هنا..وابعد عنى..
جمال مكنتش قادر تسيطر على نفسك شوية..
مراد عارف يا جمال بيه فى يوم من الأيام هاقلك أنا هنا ليه...؟
جمال إنا حاولت أساعدك..
توهان ورحت هناك..
مراد ليه..
جمال مدام مش ربنا اللى حاطط النظام اللى إحنا فيه وإحنا متاكدين إنه غلط لازم يتغير، كان ممكن نغيره يا مراد..لكن إنت..
مراد إنت استعملت آدة غلط..
بمبة (ينهض من إغماءته) هو فيه إيه..دا مكانش إتفاقنا..كان إتفاقنا بكس واحد بس..
جمال كنت عايز تثبت إيه يا مراد..تثبت إنك قوى..مبيهمكش حد..مبروك.. أثبت إنك قوى وإنك ما بيهمكش حد، وأثبت كمان إنى فاشل وإنكم متستاهلوش إلا معاملة البهائم..
توهان بهائم بتآكل وتنام أحسن من بنى آدمين بتندبح..
بمبة آه...
مراد الألم يا جمال بيه عمره ما راح..لكن المرة دى هاتكون آخر مرة مش هاسمح إن بنى آدم تانى يخسر قضيته بسببي
جمال وليه سمحت من الأول...
توهان كل واحد بيطفى النار بطريقة..فيه واحد بيطفيها بحبر على ورق..والتانى بيطفيها بحشيش..واللى بيطفيها بإنه يعد يصرخ فى الشارع زى المجانين..
مراد آخر حاجة هاقلها لك دلوقت يا جمال بيه إن المدير بتاعك هو العشرين..
جمال مفكرتش للحظة إن بمبة كان مزقزق عليك..(يجاوبه صمت)
توهان كل واحد بيختار..فيه واحد بيقول أنا بهيم عايز آكل وأنام والتانى بيقول أنا بنى آدم فيندبح..ومراد بقة كان..
جمال مراد..إنت بجد خذلتنى..
بمبة آه..وشلفطتنى..
توهان وأنا بهيم....
إظـــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام
المشهد الرابع
الظلام يخيم على المسرح للحظات تبدأ بعدها شدة الإضاءة فى الإزدياد تدريجيا حتى الوصول لدرجة خافتة يحدث عليها تحرك لشخصين يحملان طاولة مرتفعة يضعانها فى وسط المسرح ثم يخرجان ليعودا بكم كبير من الملابس والملاءات المتسخة ويضعانها على الطاولة، مراد يدخل إلى المكان.. يقف إلى خلف الطاولة ويعمل فى فرز الملابس على الأرض تغير فى هذه اللحظة منظر الزنزانة من الداخل إلى زنزانة فردية بها طاولة عليها جهاز كاسيت و مجموعة من الأوراق، يدخل عنتر إلى المكان فيضاء المسرح بالكامل..
عنتر أخبارك إيه يا لمض..؟ عجبك الغسيل...؟
مراد قصر..جبت المطلوب..؟
عنتر هو الموضوع بالساهل كده..؟
مراد ما إنت حقك وصلك..
عنتر بس الموضوع مش سهل..دا حبيبى..
مراد واضح...
عنتر هو جاى يشوفك بعد شوية..والمفروض إنى هاربط إيدك ورا ظهرك، وهو هايديلك العلقة التمام تانى..
مراد وبعدين..؟
عنتر أنا بقة يا عم راجل رهيف..وإنت بصراحة صعبان علي علشان كده مش هاشد على إيديك قوى بالحبل..
مراد لأ حنين يلا..
عنتر ولأ وشوف بقة الحنية كمان..جايبلك شوكلاته..(يخرج من جيبه لفافة بيضاء) بس بقلك إيه أوعى الباشا يشوفها لحسن..
مراد هايحس بيها بس..(يتناول اللفافة ويخفيها بين الملابس)
عنتر عفارم عليك..مجرم..(يربط يديه وراء ظهره)
مراد ليه يا عنتر..؟
عنتر عارف لم يبقى معاك قفص برتقال كل يوم تآخد منه إيه اللى هايحصل..
مراد هايخلص...
عنتر ونفسك تهفك على الخوخ..الرمان..الكاكا..
مراد بس كده..
عنتر يا عم إنت متضايق ليه إنت عايز مصلحة والمصلحة دى جاية لي على الطبطاب خلاص... ليه توجع دماغك بقة..خلص وقصر..
مراد ومش خايف أزرك..
عنتر ساعتها شوف مين هايصدقك..بعدين إنت بايع وعايز حاجة واحدة بس..وأنا معملتلكش حاجة لا فكرتك إنك مجرم ولا دياوله..وإذا كان على الكام قلم اللى إدتهملك..فانت جتتك منحسة..
مراد دا إنت تنفع دكتور نفسانى
عنتر يا عم أنا غلبان..سيبنالكم إنتم الثقافة..طلعت نزلت آخري هاهش المساجين وأتمصلح من دا شوية ومن دا شوية، مع المدير دا مع اللى بعده..مش فارقة كل هانقول له يا باشا..
مراد على إنك يا أخى ماكنتش طايقنى..؟
عنتر بصاتك مكانتش عجبانى..
مراد ليه..؟
عنتر بصراحة كانت بتخوفنى..وأنا ماتعودتش إنى أخاف..
مراد ياراجل..؟
عنتر من الآخر علشان ماتوجعش دماغك..أنا هنا مابأحسش..لا بخاف ولا بأحب ولا بأكره..غاية ما هنالك بأتمصلح، والأشكال ـ ولا مؤاخذة ـ العكرة اللى هنا ثلاث أصناف..يا بأتمصلح عليهم، يا بأتمصلح معاهم، يا مصلحتى إنهم موجودين.. وانت بقة مكنتش عارفلك صنف ودا كان مضايقنى..
مراد ودبوقت..؟
عنتر عملت حاجة أقدر أفهمها غير إن لي فيها مصلحة..
مراد مش قلت لك تنفع دكتور نفسانى..
عنتر بلاش كتر كلام...أهو الباشا جاى أنا هاركن فى الحق اللى هناك دا وإنت وشطارتك..
(المدير يدخل إلى المكان فيحيه عنتر بالتحية العسكرية)
المدير أخبار الغسيل إيه عجبك...؟
مراد عجيبة.. عنتر سألنى نفس السؤال..
المدير لسة برضه مش عايز تقول مين اللى إداك القلم..؟
مراد ما أنا قلت لك لكن إنت اللى مش عايز تصدق
المدير مش جمال يعنى..؟
مراد هى أمك اسمها جمال..أمال أبوك إسمه إيه..؟
المدير (يمسك بتلابيب مراد) الظاهر إنك محتاج تتربى ثانى..
مراد براحتك أنا مربوط زى ما إنت شايف..
المدير يعنى مش عايز تنطق...؟
مراد لأ..هو ان من ناحية إنى عايز أنطق فأنا عايز أنطق وأقولك حاجة..
المدير إيه عقلت...؟
مراد فى الزنزانة..إنت قلت كلام مهم قوى..
المدير طول عمرى بأقول كلام مهم..
مراد بس المرة دى إنت قلت كلام مشكلته إنه صح..فتح جروح قديمة، كلام فكرنى أنا هنا ليه..عارف إنت قرأت فى ملفى إن تهمتى سرقة بالإكراه..وإنت لحد اليوم بتاع الزنزانة كنت بتعامل واحد تهمته سرقة بالإكراه..لكن كلامك رجع وجع هايخليك تعامل واحد تانى خالص..واحد تهمته بقه إنه قتل تسعة عشر واحد..
المدير مكفاية بقة الهفلطة دى..فوق يا روح الحاجة..مش هاتدخل علي بالكلمتين دول وتتوه الموضوع إنت كسرت النظام هنا وأنا..
مراد إنت النظام...
المدير تمام..
مراد مصدق إنى قتلت تسعة عشر واحد..؟
المدير لأ..
مراد خلاص إبقى اسألهم...تسمع عن الألم يا أبو كرش..الألم اللى جوايا دا آذى ناس كتير وأنا مش هاسمح إنه يدمر حياة بنى آدم تانى..
المدير إنت هاتعيش فى الدور يلا..
مراد دور المجرم المثقف..مش كده..؟
المدير بس مجرم (يقترب من مراد ويمسك بتلابيبه مرة أخرى مراد يفك يديه ويتناول المطواة من اللفافة ويطعن بها المدير)
مراد مجرم.. وقاتل كمان..(يستمر فى الطعن وعنتر يتركه قليلا ثم يبدأ الصراخ)
عنتر قتل عادل باشا... قتل عادل باشا...
إظـــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام
المشهد الخامس
يضاء المسرح علي نفس المنظر العام ولكن الزنزانة فردية ومعالمها متغيرة إلى زنزانة أنيقة بها مكتب عليه مجموعة أوراق وجهاز كاسيت، الساحة عبارة عن مكان زيارة المساجين به أريكة خشبية طويلة على يمينها ويسارها كراسى للجلوس، المستوى الأعلى للمسرح تبدو عليه كتلة غير مفهومة، مراد يجلس داخل الزنزانة ملقيا رأسه إلى الخلف ومفمضا عينيه يدخل إلى المكان حارس ضخم الجثة ينادى على مراد..
الحارس زيارة يا متهم...
مراد ومطلوب منى إيه...؟
الحارس تخرج علشان تقابل الباشا...
مراد هأقابله وأنا جوه...مليش مزاج اخرج..
الحارس الأوامر كده..متجبليش الكلام..
مراد (يفتح عينيه وينظر للحارس ثم ينهض ويتجه إليه، الحارس يربط يديه خلف ظهره ويجلسه على الجانب الأيسر من المنضدة ثم يتجه إلى مدخل المسرح الأيمن ويقف منتبها جمال يدخل إلى المكان فيحيه الحارس التحية العسكرية جمال يرد التحية ويقترب من مراد يجلس لبرهة بدون كلام)
جمال انصراف إنت يا شاويش..
الحارس تمام يا أفندم(يخرج)
جمال إزيك يا مراد..؟
مراد يآه...كل الزعل اللى فى صوتك دا علشانى..
جمال غصب عنى..
مراد إجمد يا راجل شوية دا أنا اللى هاتشنق..
جمال ليه يا مراد...؟
مراد بص للجانب الإيجابى من الموضوع..نقلونى فى زنزانة نظيفة، وسمحوا لى أكتب وأقرأ وكمان أسجل شرائط بصوتى..عارف ليه..؟
جمال (ينظر إليه ولا يرد)
مراد علشان مفيش منى خطر...المصير معروف..فمفيش مشكلة لو فضيت شوية، أو عملت اللى أنا عايزه دلوقت لأن أى حاجة بأعملها هاتكون آخر مرة أعملها فى حياتى..
جمال الجلسة بكرة..
مراد ياه..ومالهم مستعجلين على موتى كده ليه..
جمال ليه يا مراد..؟
مراد عارف..ليه دى مشكلة كبيرة قوى..كل واحد فينا عنده سبب للى هو بيعمله، انا على فكرة سألت السؤال دا لعنتر لما إدانى المطواة اللى قتلت بيها المدير لأنى مكنتش متخيل إن فيه سبب ممكن يخليه يعمل اللى عمله لكن تخيل طلع عنده سبب وسبب مقنع جدا..
جمال إيه علاقة دا باللى إنت عملته...؟
مراد مهما كانت عدم منظقية اللى قدامك بيعمله فأكيد فيه سبب...
جمال وهو..
مراد هو اللى انا عملته مكانش منطقى..
جمال أكيد اتعرضت لمواقف شبهه كتير..
مراد أكيد..
جمال لكن ليه رد الفعل دا هنا..؟
مراد ومين قالك إنه كان مختلف قبل كده...؟
جمال إنت قتلت قبل كده يامراد...؟
مراد تصدق إن كل اللى حصل دا حصل فى شهر واحد بس..الأحداث مرت بسرعة، زي ما كنت متوقع بس بسرعة، الموضوع كان لازم ينتهى، لكن مكنتش متخيل إنه هاينتهى بالسرعة دى..
جمال ليه بتهرب من الإجابة..؟
مراد كلنا بنتألم يا جمال بيه..لكن طريقة الألم هى اللى بتختلف، فيه واحد بيتعامل مع ألمه بمنطقية، فيه واحد بيكتم، المشكلة إن محدش علمنى أتحكم فى ألمى إزاى..
جمال ليه كلام الأفلام دا دلوقت يا مراد...؟
مراد المصيبة إننا حولناه لكلام أفلام..اللى بأقوله لك دلوقت هو مأساتى يا جمال بيه وجايز مأساة آلاف زى..بس إحنا اللى حولناه لكلام أفلام..
جمال مش خايف..؟
مراد من الموت..؟ أنا مستنيه..لو إنتهت القصة بحاجة تانية هاتبقى ماسخة
جمال إيه اللى إنت بتقوله دا..لو كان الموت هو النهاية السعيدة لأى معاناة كانت الدنيا بقت مقبرة كبيرة ومكانش فيه داعى إن ربنا يخلقنا من الأصل..
مراد كلامك دا صح لو إحنا اتصرفنا زى ما ربنا عايز..لو كنا عرفنا يعنى إيه إننا بشر لينا الحق نفكر ونحس ونحترم إحساس بعض..لكن إيه اللى حصل ..؟ هه..أنا أقلك..حولنا البشرية لمرض..والأحاسيس لكلام رخيص بيتقال فى الأفلام بس..بقى همنا بس إننا نثبت إننا صح..حتى لو كنا غلط..حتى لو دمرنا حاجة جميلة بيعملها واحد كل غرضه إنه يفيد الإنسانية اللى تحولت لجريمة...
جمال مراد أنا مش فاهمك..
مراد طول عمرى كان نفسى فى جنة على الأرض..ممكن أتقبل إن دا مستحيل لكن اللى كنت طول عمرى بأشوفه جهنم..جهنم فى كل تصرف بأعمله، كل خطوة كنت بأحاول آخذها ناحية الصح ألف سبب يمنعنى عنها..
جمال كنت تحاول..
مراد المحاولة منطقية لو الناس بتحترم دا (يشير لعقله) ودا (يشير لقلبه)
جمال إنت ملكش حق تحكم على الناس..
مراد (يقلب المكتب) ومين إداهم الحق إنهم يحكموا علي...إبه اللى يجبرنى إنى أشوف وأسمع واحد يسب الدين أو يعلق على واحدة ماشية تعليق قذر وبعد كده فى نفس اللحظة يلتفت ويكلم اللى جنبه عن الأخلاق و القيم والانحلال اللى فى المجتمع..إيه اللى يجبرنى إنى أسمع واحدة بتتكلم عن طهارة المشاعر الإسانية وهى بتدوسها فى كل تصرف.. إيه اللى يجبرى إنى أتقبل تحكم شخص في لمجرد إنه شايف إن في قوى عليا إديتله الحق دا..
جمال إنت مريض..
مراد وانا ما أنكرتش..وإنتم فشلتم إنكم تعالجونى..على فكرة لما قررت إنى أكتب لك عن نفسى مكنتش مستنى علاج..الموضوع كان إنتهي من قبل ما آجى السجن و أقابلك..
جمال امال كتبت ليه...؟
مراد احتراما للإنسان الوحيد اللى قابلته من زمان..
جمال (يطرق برأسه ولا يجيب)
مراد أنا شخص حاول يكون إنسان عادى..شخص كل اللى حواليه عاملوه على إنه زبالة..فدمر حياة كل اللى عاملوه كويس..
جمال مراد فى ناس عايزة تقابلك..
مراد الحانوتى..
جمال لأ..
مراد يبقى مش عايز أقابل حد..
جمال ولو كانوا مصريين..
مراد بتتكلم عن مين..؟
جمال أدخلهم..؟
مراد مش فارقة...
يخرج جمال من المكان ثم يدخل إليه كهل وقور أشيب الشعر واللحية ينظر إلى مراد بصرامة ترافقه فتاة ضئيلة الجسد حزينة الملامح..مراد ينظر إلى الاثنين لبرهة ثم يشخص ببصره
الكهل إزيك يا مراد...؟
مراد (لا يرد)
الكهل يا ترى فاكرنى...؟
مراد متهيأ لى إنى أنا اللى المفروض أسأل السؤال دا..يا..تصدق مش عايزه تطلع..
الكهل مش مهم..بس هى دى الحقيقة للأسف..أنا أبوك..
مراد والله...
سلوى مراد...إحنا..
مراد (مقاطعا) جيتى ليه يا سلوى..
الكهل إطمئن محدش فينا دور عليك.. إحنا قرأنا القصة فى الجرائد فجينا..
مراد ليه..؟
الكهل هما كلمتين.. أنا جاى أقولك إن ميشرفنيش إن يكون اللى يحمل اسمى قاتل وحرامى..بس
مراد وتاعب نفسك ليه مكنت بعتهم فى جواب..
الكهل للأسف كان لازم آجى أعمل آخر واجب لي ناحيتك، أنا وكلتلك محامى ودفعت أتعابه..
مراد على فكرة وفر فلوسك..إعدام...
الكهل (لسلوى) يلا يا بنتى من هنا..
مراد جميل واجب الأب فى نظرك إنه يسيب ابنه عشرين سنة، ولما يتحكم عليه بالإعدام يوكله محامى..واجب جميل وسهل على فكرة..متهيأ لى أسهل كتير من شغل المقاولات..
الكهل أنا مش مسؤول عن اللى إنت فيه..
مراد أيوه إنت مش جاى علشان المحامى..إنت جاى علشان تقول الكلمة دى..ومتهيأ لى كنت هاتحبط قوى لو مشيت قبل ما تقولها..
سلوى مراد..
مراد أنا بقة المرة دى بأقلك أنا مش عايزك ولا عايز حاجة منك..
سلوى مراد مش كده..
الكهل سيبيه يا بنتى..أنا فعلا مش مسؤول عن اللى إنت فيه، العشرين سنة اللى إنت بتتكلم عنهم دول أنا كنت بأنحت فى الصخر علشان لما تكبر تلاقى لنفسك ظهر وقيمة..وإنت داير على الإصلاحيات والسجون..دى الحقيقة اللى إنت رفضت حتى تسمعها..
مراد رفضت أسمعها...؟
الكهل كنت ليه بترفض تقابلنى لما كنت بآجيلك فى الإصلاحية...؟ ليه إختفيت بعد ما خرجت من السجن وماحاولتش حتى إنك توصل لى...؟
مراد علشان السيناريوا اللى حصل دلوقت ميحصلش.. ساعتها كنت متمسك بأمل، ضعيف.. لكن أمل فى إنى أرجع إنسان طبيعى.. وكنت ساعتها مش هاستحمل إنى أسمع منك الكلام اللى اتقال دلوقت..
الكهل مين قالك إنى كنت هارفضك...
مراد الخوف...ساعتها كنت بأخاف..
الكهل أنا كنت عايز أعمل لك قيمة..
مراد و إنت فاكر إن اللى إنت عملته عمل لى قيمة..أديك صاحب أكبر شركة مقاولات فى مصر والحقيقة إن ابنك مجرم..
الكهل انا برضه مش مسؤول عن إنك مجرم..
مراد فاكر لما أمى ماتت...عارف معنى إنك متبقاش موجود ساعتها وإن طفل عنده ثمان سنوات يلبس بدلة و يآخد عزاء أمه.. عارف معناها..
الكهل أنا كنت...
مراد انت كنت بعيد..وبعدها لما حصل اللى حصل فى المدرسة رفضت حتى إنك تعترف بوجودى.. فاكر كان ممكن تحمينى من الإصلاحية لكن إنت رفضت..
الكهل إنت أخطأت..
مراد وكان نفسى إنت اللى تعاقبنى...
سلوى مراد..كفاية..
مراد كل مصيبة كنت بأقع فيها أو بأعملها كنت مستنى اللحظة اللى أشوفك فيها موجود تدافع عنى.. تقومنى..تضربنى بالنار.. أى حاجة لكنك كنت بتستكثر حتى إنك تسأل..
الكهل أنا....
مراد أنا بقة عندى ليك هدية..إنت مش بتقول إنك مش مسؤول عن اللى أنا وصلت له..انا بقة بأقلك إنى كنت بأعمل كل اللى انا بأعمله دا علشان أحركك..أو أدمرك..شوف بقة إنت نفسك يحصل لك إيه منهم..بس واضح إنى نجحت أخير.. وحركتك..
الكهل إنت يتكرهنى..
مراد وهي تفرق معاك..؟
الكهل إنت معتقد إنها متفرقش...؟
مراد أنا متأكد إنها متفرقش..بس إطمئن مادمت لسه ناجح فمعنى كده إنى محبيتكش..كل اللى بأحبه بأدمر حياته...
الكهل (ينظر طويلا لمراد ثم يستدير ويسير مترنحا إلى الباب لكنه يقف للحظة ويلتفت إلى مراد الذى يشيح بوجهه وسلوي تنهار باكية) مفيش حاجة أقدر أعملها دلوقت..صح..؟
مراد إنك تعرف إن أخطائى كابن هى فشلك كأب..
الكهل عندك حق..
مراد مش عايز أشوفك تانى..
الكهل حاضر..(الرجل يغادر المكان ومراد يجلس أما سلوى المنهارة)
مراد مكنتش عايزك تشوفى اللى حصل..
سلوى إنت عمرك ما كنت قاسى كده..
مراد الكلام دا من عشر سنين يا سلوى..ساعتها تصدقى كان ممكن أسامحه..كان فيه قلب بين ضلوعى..
سلوي ودلوقت يا مراد..
مراد القلب اللى يقدر يسامح و الإيدين المليانة دم ميجتمعوش يا سلوى..
سلوى حتى علشانى..
مراد إنت أجمل ذكرى فى حياتى..لكنك دلوقت ذكرى يا سلوى..بس..
سلوى لسه فيه أمل يا مراد..أنا جاية علشان أساعدك..
مراد إنت متجوزتيش..
سلوى مقدرتش..
مراد عايز تساعدينى إزاى..
سلوى المحامى بتاعك قال إنك ممكن تآخذ ملاحظة طبية لو قدر يثبت إنك غير مسءول عن تصرفاتك..
مراد وعندى انفصام فى الشخصية..
سلوى أيوه..
مراد مجنون يعنى..
سلوى علشان متموتش..أنا محتجالك..
مراد آخر حاجة إنت محتجاها دلوقت هو واحد زي..أنا مش مجنون يا سلوى و كل اللى قتلتهم يستحقوا القتل..إنت الحاجة الوحيدة اللى كانت ممكن تغير حياتى لكن خلاص فات الاوان..
سلوى أرجوك يا مراد..
مراد فاكرة مراد اللى كان بيشرحلك علم نفس..
سلوى عمرى ما نسيته..
مراد مراد دا مات يا سلوى..عايزة تساعدينى و تخففى عنى بجد..
سلوى أيوه يا مراد أرجوك..
مراد فيه حاجة ممكن تعمليها..
سلوى هاعمل أي حاجة علشانك..
مراد تنسي إنك عرفتينى ومتجيش هنا تانى أبدا..
سلوى قلى إنك مبتحبنيش وانا هاعمل كده..
مراد أنا مابحبكيش..
سلوى (تنظر إليه غير مصدقة ثم تخرج مندفعة إلى الخارج يدخل جمال إلى المكان لينظر إلى مراد المطرق الرأس ثم يخرج هو الآخر الحارس يدخل إلى الماكن مع جمال يدخل مراد إلى الزنزانة بعد أن يفك يديه، مراد يجلس على الكرسى فى الزنزانة ثم يحدث إظلام مفاجئ ثم إضاء على جمال واقف إلى جوار القضبان مراد ينظر إليه بشرود)
جمال مراد..أنا عندى ليك خبر مش كويس..
مراد هو فيه خبر أوحش من إن حكم إعدامى هايصدر بعد ساعة..
جمال والدك توفى امبارح..بعد ما خرج من عندك بساعتين..
مراد شكرا..
جمال (يخرج من المكان)
مراد ينظر إلى السماء ثم ينهض من مكانه يبدأ جسده فى الارتجاف ثم يتكرر مشهد الحلم على الشاشة بنفس إنفعلات مراد معه حتى الإظلام الذي يغرق المسرح بالكامل ويهبط من الخلفية صوت مراد..
مراد فكرت طويلا ماذا سأقول للقاضى لو سألنى عن ردى على الإدعاء باصابتى بمرض عقلى..بالتأكيد لن أقول لا فقط..كان يجب أن أقول له أن اعتبار ما فعلته جنونا من الممكن ان يمنحكم الراحة والسكينة،أو ربما يريحكم حتى من محاولة تفسير ما فعلته، اعتبارى مجنونا سيمنحكم الإجابة على طبق من الفضة،اعتبارى مجنونا سينفى الخطأ واللغط والضياع عن مجتمعكم المريض الذى أفرز من هو مثلى، أنا لست مجنونا أيها القاضى بل إنى واع تماما ولدى السبب المنطقى من وجهة نظرى لما فعلت،أنتم صنعتمون
|