كاتب الموضوع :
the north flower
المنتدى :
الارشيف
ليس امامها الاختيار . تحلت بالشجاعه و هبطت السلالم الباقيه المؤديه الى الشرفه الثانيه حيث حوض السباحه وراء المزروعات الكثيفه . شاهدت من بعيد وجود شخصين , بينهما خادم . نعم , و هذا الكرسى النقال !
فانعقدت حنجرتها و اقتربت من الرصيف . كانت تسير بأناقه , و من دون اى انزعاج مستمتعه بحرارة الشمس تلمس ذراعيها . و لما وصلت قرب روبرت , و بابتسامه ناعمه بدأت لعب الدور الذى وافقت على اتخاذه فصرخ المعاق ماسكا يديها :
- فيفيان اخيرا .
- روبرت ! من زمان اريد مقابلتك ! ز
و بخجل ابتعدا . و راحت فيفيان تراقب الرجل محاوله ان تعطى لنظراتها بريقا حنونا و محبا . كانت بشرته سمراء من شدة تعرضها لاشعة الشمس . و عيناه زرقاوان قاتمتان . لكن ساقيه و ذراعيه و كتفيه تبدو كأنها منخوره من الداخل . انعقدت حنجرتها لكنها ظلت مبتسمه لا تبعد نظرها عنه بالرغم من رغبتها فى الصراخ لقساوة القدر .
كان شعره كثيفا و اشقر . يشبه اخاه الكبير لكن ملامحه كانت اشد رقه و نعومه . و باختصار كان كثير الجاذبيه .
قال مادا يده يلمس راس الفتاه المالس :
- شعرك تماما كما فى الصوره . و انت تماما كما تخيلتك ..... كم انت جميله !
رمقته فيفيان بنظرة اعجاب و اجابت ضاحكه :
- لو تعرف اى اثر تفعل بى , لكنت تعاظمت من الكبرياء ! .
وجه اليها ابتسامه فاتنه و ازاح كرسيه قليلا ليقدم لها خادمه الذى كان واقفا وراءه :
- هذا هارون . ينقلنى الى الحوض عندما اشعر برغبه فى السباحه , و فى المساء يحملنى الى فراشى .
كان هارون ممشوق القامه , اطول من عبدول , يرتدى سروالا ابيض و ستره فاتحه و عمامه فوق رأسه .
اضاف روبرت قائلا :
- يتكلم اللغه الانجليزيه بقدر ما اتكلم انا اللغه العربيه , لكننا نتفاهم قدر المستطاع ! اليس كذلك يا هارون ؟
الضاهر ان خادمه لم يفهم شيئا لكنه اجاب قائلا :
- نعم يا سيدى .
- هارون من قبيلة الورزات جاء به ترانت من مراكش فانا لست بوزن الريشه ولا احد هنا فى طنجه كان على استعداد لقبول هذه الوظيفه . يعلمنى هارون اللغه العربيه . و عندا احاول اثير الضحك لكننى مصر على تعلم هذه اللغه لكى اتمكن من الاتصال به بطريقه افضل .
و هو الذى لا يبقى له الا القليل ليعيش ! ادركت فيفيان ان عليها الا تظهر له اى ردة فعل مهما كانت شجاعة روبرت تثيرها . و كانت تتحدث معه عندما وصل ترانت من الجهه الثانيه للحوض . لا شك انه اراد ان يحضر هذا اللقاء الاول من دون ان يراه احد . و امام هذه الفكره , احمرت وجنتا فيفيان بعنف ..... لسببين : اولا من القلق : هل لعبت دورها كما يجب ؟ . . . . . ثم من النقمه ! فى كل حال , لم يكن ترانت يثق بها ابدا .
كان يرتدى سروالا اصفر و قميصا حريريا معرقا . و يبدو مسترخيا , واثقا من نفسه لا شك انه يكبر اخاه بعشر سنوات او اكثر و تعترف فيفيان ان هذا الرجل جميل الطلعه بشعره الاسود ووجهه الوسيم .
لم تظهر فيفيان اى شئ مما يدور فى ذهنها و اجتهدت فى اتخاذ تعبيير مرح بينما كان صاحب الدار يتقدم منها .
قال ترانت قبل ان يرمق اخاه بنظره حنونه :
- صباح الخير يا فيفيان . و اللان يا خى الصغير , لقد صدقت بوعدى , اليس كذلك , هل انت سعيد ؟
امسك روبرت بيد الزائره و قال :
- فيفيان اروع مما كنت اتصوره !
ثم شرح لفيفيان قائلا :
- اصريت على ترانت ان يوافق على استقبال امرأه فى هذا المنزل .انه عازب محنك و شديد الصعوبه فى اختيار مدعويه .
- سأحاول عدم ازعاجه .
قال ترانت بصوت ناعم و هو يقدم لها كرسيا لتجلس :
- ولا تنسى ان تمشى على رؤس اصابعك ! اعترف بأن عنصرا انثويا فى هذا المنزل يشكل نوعا من الزينه .
اراد روبرت ان يعرف كل شئ عن وصول صديقته ....... الاستقبال فى المطار , الطريق فى السياره حتى الفيللا . اجاب ترانت و فيفيان على اسئلته من دون ان يذكرا طبعا المشاحنه البارده داخل السياره , و الجو المتوتر خلال العشاء . و بينما كانا يتكلمان , كان روبرت يراقب كل واحد بدوره كأنه لاحظ سوء التفاهم من وراء ابتساماتهما .
و فى تلك الاثناء , كان عبدول و معين يحضران المائده فى زاوية الشرفه المطله على المناظر الخلابه . و لما اصبح الفطور جاهزا نهض ترانت و تبعته فيفيان , و قام هارون بمساعدة روبرت على ارتداء مئزره القطنى ثم جر كرسيه حتى الطاوله .
المنظر كان رائعا . و لدى رؤية هذه الاماكن الحميمه شعرت الفتاه بغصه و ادارت راسها للمنظر . عبس ترانت بسخريه و قال :
- اى انسان لا ينبهر بمظر الكاسبا الرائع و منظر المرفأ ؟
اجابت الفتاه بهدوء :
- العظمه لا تهمنى .
صرخ روبرت ضاحكا و هو يسكب اللبن فى فنجان الشاى :
- انت تمزحين يا فيفيان تذكرى يوم وجدت نفسك فوق كومه العلف فى مزرعة والدك ! لقد وصفت لى هذا الحادث بكل تفاصيله , انسيت ذلك ؟
نظر ترانت مفصلا الى كتفى الفتاه الصغيرتين و معصميها النحيلتين و قال :
- انت ابنة مزارع ؟ اه فهمت !
قال روبرت بفخر :
- و فوق ذلك , فهى ذكيه جدا ! تصور انها تسلقت مره فوق كومه علف بغية الوصول الى مرفاع على علو 15 مترا , كى تحل بكره معلقه .
- يا للوقاحه !
اسرعت فيفيان فى القول بعد ان امتلأ وجها بالاحمرار :
- منذ زمن طويل لم اعمل فى القريه .
شعرت فيفيان بارتياح لوصول الفطور اذ تغير الحديث و قدمت ثمار البحر , و لحم العجل و اكباد الدجاج و العسل و البلح و التين و الليمون الافندى . و فكرت فيفيان ان كل هذا التنوع فى المأكولات لابد ان تكون غايته اثارة قابلية روبرت .
و كان روبرت يحب الحديث عن تاريخ طنجه . و بينما كان يتذوق هذه المأكولات الشهيه , راح يقص على صديقته الحكايات الفكاهيه حول هذه المدينه , محاولا تسليتها . فشعرت بالارتياح يحتلها تدريجيا . و معين كان يهتم بخدمة المائده وخاصه بالانسه الضيفه . قدم لها صحن البلح الذيذ للمره الثانيه قائلا :
- اذا سمحت الانسه , احب ان اقدم لها من جديد هذا البلح الذى يشبه دموع الشمس .
- ان طعمه لذيذ , يا معين , لكننى لا استطيع ان آكل المزيد منه . منه . شكرا .
- العصفور يأكل اكثر من الآنسه !
اجابت ضاحكه :
- اى نوع من العصافير , يا معين ؟ الوز ام البط ؟
و من دون انتباه كانت فيفيان تتكلم باللغه الفرنسيه و لم تنتبه الى ذلك الا بعد فتره قصيره و ترانت كان يراقبها بشده ثم قال :
- تتكلمين الفرنسيه بطلاقه يا فيفيان.
اجابت بلطف :
- اشكرك .
هذه المره بذلت جهدا كبيرا لتمنع الدم من الصعود الى خديها . لا شك ان اعصابها متوتره , لأنه ليس غريبا ان تتقن لغه تستعمل بكثافه فى طنجه و يتقنها عدد كبير من الناس !
بعد الفطور لم يدخل ترانت الى المنزل , بل رافق روبرت و فيفيان الى الشرفه حيث حوض السباحه , و جلس امام طاوله وراح ينقب و براجع فى السجلات و المستندات .
و جلست فيفيان قرب روبرت و شعرت فجأه برغبه فى الاستراحه بعد هذا اللقاء المتوتر او على الاقل , بعيده عن انظار ترانت كولبى . و ترانت يرغب فى تكريس معظم وقته لأخيه , و هذا امر طبيعى جدا . لكن من جهه ثانيه كانت الفتاه تشعر بالتعب من البقاء دائما متحفظه و محترسه و عرضه للأنظار و الانتقادات . بعد قليل اعلن روبرت قائلا :
- فيفيان و انا سنقوم ينزهه قصيره , يا ترانت . سأريها الحديقه . رفع ترانت رأسه و هز حاجبيه بسخريه و قال بنبره حاده :
- لا تقلقا على .
اقترب هارون ليجر الكرسى , فاوقفه روبرت فى الحال و قال :
- ستساعدنى فيفيان على ذلك , يا هارون .
قال ترانت ملاحظا :
- سيكون ذلك حملا ثقيلا عليها .
اجابت الفتاه :
- سأتدبر الامر ارجوك .
بامكانها ان تجر دبابات الاقحام من اجل ان تتخلص من هذا الرجل و لو لفتره قصيره .
اعطاها روبرت بعض التعليمات و استدارا حول حوض السباحه لاجتياز ممر صغير بين الاسيجه العاليه . كانت الحدائق روعه حقيقيه . ووسط حوض بشكل نجمه , مبلط بالفسيفساء الملونه , يهدر سبيل ماء . تحيط به اشجار النخيل و الموز .
|