لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القسم الادبي > البحوث الاكاديمية > التاريخ والاساطير
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

التاريخ والاساطير التاريخ والاساطير


حضارات البحرين ........ ديلمون ، تايلوس ، اورال

ديلمون.. أرض الملوك وجنة الآلهة يمتد عرق الحضارة على أرض البحرين إلى زمن سحيق مغرق في القدم موغل في البعد إلى عصور كانت تختلط فيها الحقائق بالأساطير والأحداث

إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27-06-08, 12:59 PM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
كاتب
عضو قمة


البيانات
التسجيل: Jan 2008
العضوية: 61073
المشاركات: 2,843
الجنس ذكر
معدل التقييم: شرف عبد العزيز عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 52

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
شرف عبد العزيز غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : التاريخ والاساطير
Deal حضارات البحرين ........ ديلمون ، تايلوس ، اورال

 

ديلمون.. أرض الملوك وجنة الآلهة


يمتد عرق الحضارة على أرض البحرين إلى زمن سحيق مغرق في القدم موغل في البعد إلى عصور كانت تختلط فيها الحقائق بالأساطير والأحداث بالمعجزات ويتماهى فيها الملوك مع الآلهة ويقترب فيها التاريخ من نقطة الصفر.


ولقد تغيرت الأسماء على البحرين عبر العصور القديمة فمن "نيدوك كي" عند الأكاديين إلى "ديلمون أو تيلمون" عند السومريين إلى "تايلوس" عند الفينيقيين. وهكذا إلى "البحرين" عند الفرس ثم "أوال" عند المسلمين. فيما يستمر تاريخ البحرين حاضرا أبدا عبر اختلاف الأزمنة وتباين العصور وتوالي القرون بعد القرون أما أول ظهور لاسم البحرين الأقدم وهو ديلمون في الوثائق التاريخية القديمة فقد جاء مرادفا لاسمين آخرين. هما: "ماغان وملوكخا" وكان ذلك في وثيقة "تاريخية تعود إلى أيام الملك السومري "أور-نانش" أي حوالي 2550 – 2500 قبل الميلاد وفي نص الوثيقة يعلن الملك انه احضر خشب البناء لانجاز معبد الآلهة في مدينة لاغاش السومرية من ديلمون.


ولعل هذه الوثيقة هي التي دفعت العديد من علماء الآثار والتنقيب إلى الاعتقاد بان اسمي "ماغان" و"ملوكخا" أطلقا على البحرين قبل اسم "ديلمون" أما في النصوص السومرية المتأخرة فقد ورد الاسم "ديلمون" أو "تيلمون" واضحا فيها. ففي النصوص الدينية السومرية توصف "ديلمون" بأنها "ارض الآلهة المقدسة" وأنها مقام اله المياه السومري "انكي" وزوجته "نينورساغ" كما تؤكد قصيدة الطوفان السومرية القديمة أن الآلهة أقاموا بيوتهم على ارض "ديلمون" وان كبيرة الآلهة السومرية "انانا" اختارت ديلمون موطنا أصليا لها قبل أن تجيء إلى "أور" عاصمة السومريين الأكثر قدما في التاريخ وتقيم فيها معبدها الذي عرف باسم "بيت ديلمون".


وتشير ملحمة "جلجامش" الشهيرة إلى أن الإله "انكي" اله المياه نجا من الطوفان العظيم واختار ارض "ديلمون" ليعيش عليها هو وزوجته وانه اكتشف في قاع بحرها زهرة بيضاء تحمل سر الخلود وتمضي الأسطورة إلى القول بان الإله "انكي" كشف سر الخلود هذا، للبطل السومري الأسطوري العظيم "جلجامش" فتوجه من فوره إلى ديلمون للحصول على هذه الزهرة إلا أن الحية الشريرة سبقته إليها..!! هذا في الأساطير أما في علوم التنقيب وما تقوله الأرض عن التاريخ العريق الذي سجلته الحضارات على ارض البحرين فتلك قصة أخرى.


ففي معابد باربار وفي تلول مدافن عالي وأم الجدر شواهد كثيرة تؤكد وجود حضارة بدائية متقدة على ارض البحرين منذ أوائل الألف السادس قبل الميلاد أي ما يسمى بالعصر الحجري الحديث وهو العصر السابق للعصر البرونزي وهذا يعني أن الإنسان وجد على ارض البحرين منذ مرحلة ما قبل التاريخ التي تنتهي بابتداء العصر البرونزي. وفي هذه المرحلة لم يكن الإنسان قد عرف الكتابة وان كان استطاع تدجين الحيوانات وتطوير أشكال بيوته وكسوتها بالجص إضافة إلى استخدام الأدوات وبناء المعابد وصناعة الغزل والخزف. وثمة من هذه الأدوات ما ظل عل حاله حتى ما بعد العصر البرونزي الذي يرى مؤرخون انه بدأ في الشرق الأدنى وحوض البحر الأبيض المتوسط حوالي الألف الثالث قبل الميلاد.

وتؤكد الحفريات أن الإنسان المدني عاش على ارض البحرين منذ بداية الألف الثالث قبل الميلاد حيث تشير الآثار في مواقع عديدة من البحرين إلى أن إنسان العصر البرونزي القديم 3000 – 2200 قبل الميلاد شيد بيوتا حجرية وانشأ تجمعات سكانية على شكل قرى غير مسورة أما فيما بعد هذه المرحلة أي فترة العصر البرونزي الوسيط 2200 – 1700 قبل الميلاد فثمة شواهد عديدة على ارض البحرين أكدت أن إنسان هذه الفترة عرف القرى المسورة والأختام والأوزان وأقام علاقات تجارية مع الهندوس وشعوب بلاد ما بين النهرين.


وإضافة إلى ما تقوله الأساطير عن علاقة وطيدة نشأت بين "ديلمون" الأرض المقدسة ومقام الإله "انكي" وبين حاضره السومريين "أور" فان دراسة معابد باربار أكدت أن لهذه المعابر نفس خصائص المعابد السومرية التي يعود تاريخها إلى العصر البرونزي القديم 2800 قبل الميلاد. وكذلك الأمر بالنسبة إلى مدافن عالي وأم الجدر.


وإذن فقد نشأت أو تشكلت على ارض البحرين حضارة مبكرة مبتكرة حوالي الألف الثالث قبل الميلاد وكانت هذه الحضارة متقدمة نوعيا وماديا إلى درجة أهلتها لتبادل المعارف مع حضارات أخرى عريقة كالهندوسية وحضارة السومريين في بلاد ما بين النهرين. وفي هذه الفترة أي بداية العصر البرونزي لم تكن هناك ثمة فوارق بين الآلهة والملوك. فمن خلال التنقيبات السومرية تبين انه حتى عصر السلالات القديمة الأولى والثانية لم تتشكل القصور التي تعني مكان إقامة الملك بل كان كهنة المعابد هم الملوك الذين يحكمون الشعوب بموجب سلطة إلاهية وفي حوالي سنة 2700 قبل الميلاد ظهر أول بناء لقصر مستقل عن المعبد في "كيش" السومرية وحمل كاهن "كيش" واسمه "ميبارا جيزي" لقب "لوغال" أي الملك. في هذه الفترة بالذات ظهر لقب "لوغال" أي الملك في "ديلمون" أيضا وثمة روايات تشير إلى أن اسم هذا الملك هو "ملوكخا".

وعلى كل حال وبغض النظر عن اسم هذا الملك فان الفترة حول عام 2700 قبل الميلاد شهدت تأسيس أول مملكة في ديلمون وكانت هذه المملكة مشتعلة وترتبط ارتباطا وثيقا مع السومريين الذين تشكلت حضارتهم من عدد من المدن الممالك هي: أور وأوروك ولاغاش واوما وأدب ماري وكيش.

وكانت هذه الممالك في صراع دائم بينها لبسط هيمنتها على الممالك الباقية وبالتالي فقد ساعدت هذه الصراعات مملكة ديلمون على الاحتفاظ باستقلال كامل رغم عدم امتلاكها للقوة العسكرية. وفي القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد، ظهرت امبريالية اكر السامية التي امتدت على كل بلاد ما بين النهرين وسوريا واسيا الصغرى، ملتهمة الممالك السورية، الواحدة تلو الأخرى، وباسطة نفوذها شيئا فشيئا إلى منطقة الخليج العربي –حاليا- بما في ذلك مملكة ديلمون، التي قاومت هيمنة الإمبراطورية الأكدية، إلا أن الملك سرجون الأكدي، حقق انتصارا على ملك ديلمون، وضم هذه المملكة إلى إمبراطورتيه الكبرى، إلا أنها – أي مملكة ديلمون – ظلت تتمتع بوضع شبه مستقل عن الامبرواطورية الأكدية، المترامية الأطراف.

بقيت مملكة ديلمون، مرتبطة على نحو ما بالأكاديين، طيلة نهوض الإمبراطورية البرابرة الجوتيين الذين لم يستطيعوا أن يؤسسوا لهم مملكة متماسكة مما أتاح للسومريين والأكاديين، إعادة تأسيس ممالك ورثت أراضي لم تشمل بهيمنتها مملكة ديلمون، التي بدأت تتنفس الصعداء، وتشق طريقها، لتشكيل قوة تجارية وبحرية متقدمة في المنطقة وتدخل في تبادلات تجارية مع الممالك والحضارات القريبة، مثل الحضارة الهندية، والحضارة الفارسية التي كانت في أوائل الظهور. ومن هذه الممالك المتفرقة السومرية والأكدية، شكل الملك حمواري العظيم أول إمبراطورية بابلية حين اخضع هذه الممالك الواحدة تلو الأخرى.

وأسس بابل، لتكون عاصمة لملكة وفي عهد حمورابي بقيت مملكة ديلمون تحافظ على وضعها المستقبل وان كانت ارتبطت مع عاصمة البابليين بعلاقات تجارية وثيقة، وتكفلت هذه بدورها بحماية مملكة ديلمون من أي اعتداء خارجي وظل الحال علي ذلك حتى عهد الملك "بال-اوستور" أو الملك بالتزار كما جاء في العهد القديم – الذي شهد عهده اضمحلال الإمبراطورية البابلية ووضع نهايتها على يد الفرس الذين بدأوا بالظهور إلى العلن كمملكة قوية ذات جيوش جرارة احتلت أراضي الإمبراطورية البابلية عام 539 قبل الميلاد وبدأت تبسط سيطرتها وهيمنتها علي الشرق، منفتحة عصرا جديدا من عصور الحضارة ترافق إلي حد ما مع مولد المسيح وبدء انتشار الديانة المسيحية في بقاع الأرض.

هذه لمحة موجزة على نحو ما، عن الأجواء التي شهدتها أساطير وقصص نشوء التاريخ في ديلمون القديمة ارض الله المقدسة، حيث لا يفترس الأسد الحمل، وحيث لا ينعق الغراب، ولا تصبح المرأة عجوزا. ديلمون، ارض المياه العذبة، ومبدأ تكوين الآلهة السومريين، وارض القمح والحبوب، وميناء العالم كله! ولقد تتابع علي حكم ديلمون – المملكة خلال هذه الحقبة الممتدة من الألف الثالث قبل الميلاد وحتى ما قبل الميلاد، ملوك عظام، والهة جليلة أسطورية، وتماهت في جزء من هذه الحقبة، العلاقات بين الآلهة والملوك، وبين المعابد والقصور، وبين الحقائق التاريخية والأساطير فتشكلت سيرة ديلمون المملكة من هذه النماذج الأثير... وللملوك قصة أخرى


ملوك وأرباب (ما قبل التاريخ)



تماهت أرباب ديلمون، مع ملوكها، فكان فيها الرب ملكا في حين، وكان فيها الملك كاهنا في حين آخر، وصار فيها الملك خادما للرب، يحكم بسلطته العلوية، إضافة إلى سلطة الملك الدينوية... فارتبط اسمه خلال حقبة ما قبل الميلاد، بأسماء عديدة ، بعضها حكم ديلمون، وبعضها مر أو سكن فيها، مثل الملك جلجامش، البطل الأسطوري الشهير الذي وصل إليها باحثا عن سر الخلود، إبان بداية عصر الأسر الحاكمة في بلاد ما بين النهرين.

ومع أن الأسطورة تفيد بان جلجامش كان حاكما لمدينة (أوروك) إلا انه عندما وصل إلى ديلمون، سكنها فترد من الزمن، حوالي العام 3200 قبل الميلاد. وبالتالي فقد مارس جلجامش سلطته الملكية في ديلمون لفترة ليست طويلة. والحقيقة أن ديلمون – المملكة، مرت خلال هذه الحقب ( من 3200-300 قبل الميلاد)، بأطوار ثلاثة، كما يقسمها المؤرخون، فمن ديلمون الأول إلى ديلمون الثانية، فالثالثة. وعلى هذا فالملك جلجامش، هو من أوائل الملوك الذين مارسوا سلطة دنيوية ودينية معا، في ديلمون – المملكة، وهو بذلك أول، أو ابرز ملوك الطور الأول أو ديلمون الأولى. ومن ملوك هذا الطور أيضا، الملك "ملوكخا" الذي أن احد أسماء ديلمون اخذ نسبة إلى هذا الملك. هناك أيضا الملك "جانبي لغيم" والذي ورد اسمه في حجر طيني شهير، عثر عليه بالقرب من سور مدينة ديلمون حوالي سنة 300 قبل الميلاد.


ومن ملوك هذه المرحلة الملك (جيسي تامبو) ابن الملك "جانبي لغيم" وقد تسلم السلطة بعد والده مباشرة حسب ما تؤكد النصوص مع أن إشارات أخرى تدل على انه كان بين هذين الملكين ملك آخر هو الملك "ايلاميلكوم" الذي ورد اسمه في ذات النقش الطيني السالف الذكر.
في الطور الثاني أو ديلمون الثانية، ظهر أسماء ملوك أخرى منهم الملك أيا نصر الذي تشير الحفريات إلى انه كان مشهور بالتجارية بين مملكة ديلمون، والممالك السومرية والأكادية جنوب الرافدين. .



ومن ملوك هذا الطور الملك ريموم الذي ورد اسمه منقوشا على "حجر ديوراند" التاريخي وقد جاء اسم هذا الملك مقرونا بالإله "انزاك" سيد الآلهة في ديلمون الثانية. وكان هذا الملك واسع الثراء أشاد القصور لنفسه وبنى المعابد للإله "انزاك" حارس ديلمون. ثم جاء بعده الملك اجاروم والملك "أوسيا نانورا" والملك "ايلي ايباسرا" وجميع هؤلاء الملوك حكموا ديلمون الثانية في الفترة بين 1600 إلى 1200 قبل الميلاد مع أن بعض الإشارات التاريخية المكتشفة دلت علي أن من هؤلاء الملوك كانوا نوابا لملوك عظام في بلاد الرافدين، وهذا يشير إلى أن ديلمون – المملكة مرت في حقبة من التبعية للإمبراطوريات التي قامت في بلاد الرافدين

في الطور الثالث برزت أسماء لملوك من مثل الملك "هوندراو" الذي تزامنت دولته مع اشتداد عنفوان وهيمنة الإمبراطورية الآشورية رغم ذلك فقد حافظت مملكة ديلمون في عهده على استقلالها الكامل وارتبطت مع الإمبراطورية الآشورية بعلاقات ودية كما ارتبط هذا الملك مع ملك آشور العظيم "آشور بانبال" بعلاقات صداقة حميمة تماما مثل أسلافه الملوك الذين سبقوه. ومن هؤلاء الملك "اوبيري" ملك آشور والملك "قانا" الذي عاصر الملك الآشوري "سنحاريب" أي حوالي 700 قبل الميلاد.

لقد تمتعت مملكة ديلمون في عهود هؤلاء الملوك وغيرهم من الملوك الذين لم ترد أسماؤهم في الحفريات والمكتشفات التاريخية تمتعت هذه المملكة الشهيرة بنهضة حضارية مميزة وبمكانة دولية متقدمة وتبادلت الكثير من ثقافاتها ومفردات حضارتها مع الحضارات العظيمة المجاورة.

ومع أن غالبية هؤلاء الملوك تميزوا بالقوة والنفوذ والثراء الملوكي وحافظوا علي استقلال المملكة وترسيخ مكانتها وقيمتها إلا أن بعضهم خضع لهيمنة إمبراطوريات بلاد الرافدين، ودفع الجزية لهذه الإمبراطوريات تلافيا لشرورها غير أن الثابت أن ديلمون المملكة عاشت فترات طويلة من الازدهار الحضاري خلال هذه الحقبة التاريخية القديمة، وساهمت في تطور ركب البشرية وإنهاض الحضارة الإنسانية ولعبت دور الوسيط التجاري بين عدد من الممالك العظيمة والإمبراطوريات الضخمة في تلك الحقبة الكبيرة من الزمن وتشير الحفريات والمكتشفات التاريخية التي وصلت إلينا عن هذه الحقبة إلى كثير من المعارف والمكتشفات ديلمون للحضارات الأخرى مثل صناعة الأختام الدائرية وصناعة الفخار والبناء والسفن واستخراج اللؤلؤ وصناعة النحاس واستخراجه وبناء شبكات الري في قنوات مخفية تحت الأرض هذا إضافة إلي ما ساهمت به حضارة ديلمون المملكة في اغناء الفكر الإنساني والاجتماعي من أفكار ومعارف متعلقة بعلوم الاجتماع والديانات والحياة بعد الموت والتعليم.

ومن بين الرسائل الطريفة التي اكتشفت عن مدينة نفر بوادي الرافدين وجدت رقم طينية تدل بوضوح علي ما كانت تتمتع به مملكة ديلمون، من مكانة وسلام اجتماعي ومركز حضاري ففي إحدى هذه الرقم الطينية رسالة من ملك ديلمون "ايلي ايباسرا" إلى الملك (إيليا) في بلاد الرافدين تظهر الحقبة القديمة من دور طليعي في بث السلام بين الدول والممالك..

وتقول الرسالة إلى إيليا ملك نفر :
هذا ما قاله أخوك ايلي ايباسرا ملك ديلمون فتمنحك الآلهة الصحة والعافية. ولحرسك انزاك وميسكيلاك إلهة ديلمون أن بدو اهلامو لا يتحدثون إلا بمنطق العنف والسلب والنهب وعن الوفاق لا يتكلمون وقر فرض الإله علي أن ادعوهم إلى الوفاق ولكنهم لم يستجيبوا لذلك.


بين الملوك والشعب



قام مجتمع ديلمون القديمة علي التشكيل الأولي البدائي للمجتمع في ذلك الوقت أي التجمع لأفراد واسر في مكان ما من الأرض والتوافق بينهم علي نظام ما يحكم حياتهم مرجعه الأول والرئيس هو العلاقة مع الآلهة وخدام هذه الآلهة من الكهان والوسطاء الدينيين ولذلك فمن الطبيعي أن نتصور أن الحكام في هذه المجتمعات البدائية كانوا هؤلاء الوسطاء والكهان الذين يسيطرون على العلاقة ببين البشر والآلهة وكانت مساكن هؤلاء الحكام الدينيين هي المعابد التي تقام للآلهة ومن حول هذه المعابد كانت تتشكل تجمعات سكانية تقترب بحسب ثراء أصحابها ومكانتهم الاجتماعية من هذه المعابد وهذه الصورة لهذه المجتمعات البدائية تتوافق تماما مع ذات الصورة المقررة لها في مملكة ديلمون أو في ممالك بلاد الرافدين وشيئا فشيئا بدأ هؤلاء الكهان يفقدون بعضا من نفوذهم الديني لصالح الأشراف والسادة الكبار والأثرياء وأصحاب القوة الدنيوية. وأحيانا كان الكهان أنفسهم يغلبون اهتماماتهم بالسلطة الدنيوية أو الزمنية، على السلطة الدينية أو الروحية ويفضلون ممارسة دور الملك الحاكم على دور الملك الكاهن. وهكذا حدث الانفصال بين السلطتين الدينية والزمنية وأصبح لهذه السلطة سير وللأخرى سير آخر تربط بينهما علاقة متفاوتة ونسبية وتختلف باختلاف نفوذ وقوة أي من صاحبي هاتين السلطتين. ومن هنا بدأ يظهر تعبير "لوكال" أي الرجل العظيم والمرادف لتعبير ملك ليدل على السيد صاحب السلطة المدنية.

لقد أكدت الأساطير السومرية القديمة الأولى تمازج الملك الإله في ديلمون من خلال الإله (انزاك) ابن الإله (انكي) اله الحكمة والمياه العذبة في الحضارة السومرية ومع أن الإله (انكي) نفسه سكن هو وزوجته ديلمون، فترة من الوقت باعتبارها بلاد المياه العذبة والبلاد التي يوجد فيها بحر المياه العذبة تحت بحر المياه المالحة مع ذلك إلا أن الإله "ان كي" لم يحكم ديلمون كما تقول الأساطير بل أرسل ابنه الإله "انزاك" ليكون إلها حارسا لديلمون وملكا عليها وبالتالي فالإله "انزاك" هو أول ملوك ديلمون المملكة بحسب الأسطورة.


ثم انفصل الملك عن الإله بعد الطوفان كما جاء في ملحمة جلجامش وهبطت الملكية من السماء إلي الأرض ليختار الإله خادما بشريا له هو كاهنه الأكبر ويسميه ملكا أو سيدا على البشر كما تشير النصوص المسمارية التي ورد فيها اسم الملك الديلموني "ريموم" باعتباره خادما الإله "انزاك". وهكذا إلى أن احدث الفصل بين الكاهن بسلطته الدينية والملك بسلطته المدنية.

ومن الأختام الديلمونية العديدة،التي اكتشفت لهذه الحقبة نرى الملك يضع على رأسه تاجا يتميز غالبا بقرني ثور، مثل اغلب الملوك العظام الذين أظهرتهم التماثيل كذلك كالاسكندر المقدوني وكورش الفارسي وغيرهم.


وكان هؤلاء الملوك يقيمون في قصور فخمة تصلها المياه العذبة وتشتمل على قاعات وحجرات إضافة إلى قاعة العرض حيث يجلس الملك لمتابعة شؤون الرعية ومن حوله الأعيان والوزراء والكهنة. وهذه الصورة مكررة كثيرا علي عدد من الأختام الدائرية التي تعود إلى تلك الحقبة

أما علاقة الملك مع الشعب فتشير كثير من الحفريات والنقوش إلى أنها كانت شبه مباشرة حيث تظهر هذه الحفريات الملك وهو يقابل بعض رعاياه محاطا بحاشيته غير انه لا بد من وجود تسلسل هرمي، وفي المسؤوليات التي تتدرج من الموظفين إلى كبار رجال الحاشية فالوزراء فالملك. بل أن النقوش تكشف عن انمطة تدوين وسجلات كانت تستخدم من قبل حراس يقفون على بوابات المدينة – المملكة لإحصاء الداخلين والخارجين وتقاضي الضرائب والمكوس من التجار. إضافة إلى وجود ما يؤكد أن هذه البوابات الرئيسية كانت تشتمل على مرافق وخدمات عامة للناس وللحيوانات.

وتبرز المكتشفات الأثرية أن مجتمع ديلمون كان مجتمعا ثريا متكافلا يكثر فيه أرباب الصناعات و التجارات والحرفيات حيث ازدهرت صناعات الأواني الفخارية والأدوات البرونزية والمجوهرات والأسلحة والسلال وصناعة السفن وخيوط النسيج والأثاث المنزلي، وأدوات الزراعة وصناعة الأختام ومما تظهره القبور والمدافن القديمة يتمايزون إلى طبقات تظهر بتمايز القبور والمدافن وكانت هذه المدافن مقسمة بدقة بحيث تختلف مدافن النساء عن مدافن الرجال وكان للأطفال مدافن خاصة وكذلك للعبيد والغرباء!

كذلك نقلت الأختام الديلمونية صورا حية عن مجالس للشراب وحفلات للسمر والاستماع للموسيقى كانت تقام في المدينة ويحضر بعضها الملك وكبار رجال الحاشية وفي هذه المجالس كانت المأكولات والمشروبات تقدم بانية فاخرة ومطعمة أحيانا بالجواهر.

ومع أن ملوك تلك الحقب اشتهروا بالجبروت والظلم والفتك بالرعية إلا أن مختلف المأثورات التاريخية عن ملوك ديلمون تؤكد أن هؤلاء الملوك تميزوا عن غيرهم من ملوك تلك الحقبة بصفات إنسانية نبيلة وكانوا مسالمين ومحبين للرعية ومهتمين بنشر السلام والعدل بين الناس، وبين الممالك الأخرى أيضا كما أسلفنا عند الحديث عن رسالة الملك الديلموني "ايلي ايباسرا" إلى الملك الآشوري "ايليا نفر" كما تكشفت النصوص الأثرية عن أن ملوك ديلمون كانوا يحرصون على إرسال الهدايا –الوطنية- إلى بعض الملوك الذين تربطهم معهم علاقات جيدة والطريف أن هذه الهدايا كانت من المنتوجات الوطنية للمملكة مثل الأختام الفاخرة وأواني النحاس والتمر واللؤلؤ والمجوهرات المصنوعة في ديلمون، بل كان ملوك ديلمون يرسلون ببعض المهندسين والبناءين المهرة، إلى أصدقاءهم من الملوك في بلاد الرافدين وغيرها، لمساعدتهم في بناء قصورهم وشبكات المياه والقبور والمدافن. أما النظم السياسية حسبما تقول المكتشفات التاريخية، فتشير إلى أن معظم ملوك ديلمون، كانوا يحكمون بموجب سلطتين واحدة إلهية باعتبار الملك مبعوث السماء وواحدة زمنية تبعا لنفوذه وقوته ومنعته وقوة قبيلته وكان الحكم وراثيا فثمة الكثير من هؤلاء الملوك تشير الحفريات والنقوش إلى أسمائهم وأسماء آبائهم الملوك أيضا وكانت العوائل والأسر الحاكمة الملكية تتميز غالبا بثرائها وحياتها المترفة إذ تشير النقوش التاريخية إلى طبيعة الأثاث الذي كانت تستخدمه هذه الأسر والى قيمة الأدوات التي كانت يستخدمنها والمطعمة باللؤلؤ والأحجار الكريمة. ويصل بين الملك وبين الرعية أفراد من علية القوم يكونون مستشارين للملك، ورؤساء للعائلات والقبائل يشكل هؤلاء حاشية الملك غالبا هذا إضافة إلى (مجلس المسنين) الذي يضم رجالا عركتهم التجارة وتميزوا بالحكمة والنضوج والتقدم في السن ومهمة هؤلاء تقديم المشورة للملك والتوسط بينه وبين أفراد الرعية والقيام بالمهام التي يوكلها إليهم الملك كالسفارات إلى الملوك الآخرين في مشارق الأرض ومغاربها ثم يأتي الكهان وخدام الآلهة الذين يتمتعون أحيانا بسلطات دينية ربما تعادل سلطة الملك نفسه، ويضاف إلى هؤلاء العرافة الذين يعملون في القصور الملكية والمعابد ويمارسون أعمالهم الخاصة للملك والكهنة وأعمالهم العامة لبقية الناس وكانت الطبابة والمعالجة تدخل ضمن اختصاصات هؤلاء العرافين الذين أكدت النقوش أنهم كانوا يستخدمون أدوات طبية دقيقة ومتقدمة نوعا ما.


ديلمون... والعالم من حولها



ازدهرت حضارة ديلمون في الألف الثالث قبل الميلاد متزامنة مع ازدهار حضارة السومريين في بلاد ما بين النهرين وفي الوقت الذي تعترف فيه الأساطير السومرية بان أصل موطن بعض الآلهة السومرية هو ديلمون فان المؤرخ "هيرودتس" ذكر أن أصل الشعوب السومرية من ديلمون وان الجدود الأوائل لهم كانوا فيها ومنها تعلموا حرث الأرض وزراعتها وجنبي الحبوب والمحاصيل كما تعلموا فيها الكتابة وصناعة الفخار.

ومع تشكيل أول مدينة – مملكة في ديلمون فقد ارتبطت شيئا فشيئا بعلاقات وطيدة مع أحفاد الجماعات التي خرجت منها أي السومريين في بلاد الرافدين غير أن هذه العلاقات كانت تخضع في الغالب لمدى قوة الدولة في ديلمون ومدى أطماعها في بلاد الرافدين فالعلاقات بين ملوك ديلمون وملوك السومريين كانت في اغلب الأوقات مستقرة يقررها طابع حسن الجوار والتواصل الفكري والتجاري إضافة لعلاقات الصداقة بين الملوك ويبدو أن الحال بقي كذلك إلى عصر الملك سرجون الأول الاكدي حوالي عام 2200 قبل الميلاد إذ تشير النقوش والكتابات المسمارية وروايات التاريخ أن هذا الملك تميز بأطماع توسعية لا تكاد تتوقف في نفس الوقت الذي تميزت ديلمون بالنزوع إلى المحافظة على استقلالها كيانها المزدهر ولذلك فقد شن سرجون الأول الاكدي حملة عسكرية كبرى علي ديلمون وأخضعها لإمبراطوريته العظيمة وكان يأخذ من ملوكها الجزية.

غير أن مملكة ديلمون وان كانت خضعت لسرجون الأول الاكدي إلا أنها عملت في نفس الوقت على تحقيق ازدهارها التجاري والاقتصادي وتابعت تنمية علاقاتها التجارية مع الممالك الأخرى مثل مملكة "مجان" – أي عمان حاليا- ومملكة "ميلوخا" – أي الهند حاليا- وغيرها من الممالك القريبة.

ونتيجة لهذه العلاقات التجارية فقد أثرت حضارة ديلمون على مسار حضارات هذه الممالك والشعوب تأثيرا واضحا تمثل في تصديرها للكثير من المعارف والعلوم والحرف والفنون إلى هذه الممالك ونتج عن ذلك أن أصبحت مملكة ديلمون جنة سلام للتجار والتجارة، وموئلا لهم يقصدونها من مختلف بقاع الأرض للعيش فيها أو للاستفادة من خبراتها. ويؤكد المؤرخون أن مملكة ديلمون في هذه الفترة احتكرت تجارة معدن النحاس، والتمور والأخشاب إضافة إلى التمور واللؤلؤ. وترتب على ذلك المزيد من الازدهار للمملكة والمزيد من التنمية العمرانية السكانية إضافة إلى أنها ابتكرت العديد من النظم التجارية المتعلقة بأساليب استيراد وتصدير البضائع وتحصيل الرسوم والمكوس والضرائب ونظام الأوزان والمكاييل، ونظام الأختام والمخازن التجارية العامة وغير ذلك من المبتكرات التي أخذتها عن ديلمون الحضارات والشعوب الأخرى.

والحقيقة أن ديلمون المملكة الشهيرة تعرضت إبان تبعيتها للممالك المتواجدة في بلاد الرافدين لما تعرضت له هذه الممالك من غزوات بربرية أحيانا ومن ضعف واضمحلال أحيانا أخرى وربما انعكست ظروف الحياة والظروف السياسية في الإمبراطوريات السومرية الآشورية والأكادية علي ديلمون أحيانا غير أن هذه المملكة ظلت على الدوام قبلة أنظار الشعوب المجاورة وملاذ الفارين من ظلم وجور الحكام وموئل التجار والفانين والشعراء والبنائين الذين ساهموا بدورهم في ازدهارها وطليعيتها.

كما تعرضت ديلمون لبعض الغزوات البربرية ومثلها في ذلك مثل الممالك السومرية والآشورية والكدية في بلاد ما بين النهرين ويذكر التاريخ أن بلاد ما بين النهرين تعرضت في الفترة ما بين عامي 1600-1200 قبل الميلاد لغزوات برابرة هم "الكيشيون" الذين زحفوا إليها من آسيا الوسطى وتابعوا طريقهم حتى وصلوا إلى ديلمون فعاشوا فيها فسادا وخرابا وقتلوا إعداد كبيرة من سكانها إلى أن تمكن الآشوريون من طردهم من البلاد، بما في ذلك مملكة ديلمون، التي قاومت الغزوة بسكانها المحليين حتى استطاعت طردهم واستيعاب جزء منهم فضلوا العيش فيها والانتماء إليها.

وفيما بعد ارتبطت المملكة السعيدة ديلمون بعلاقات متمايزة مع الممالك والإمبراطوريات الآشورية والبابلية تمثلت غالبا بالصداقة وحسن الجوار وان طاولتها التبعية والخضوع في أحيان أخرى غير أن أسوا ما تعرضت له هذه المملكة جرى من خلال علاقتها مع الفرس.


الفرس



هم شعب من أصل هندو - أوروبي، أتى من شمال القوقاز في الألف الأول قبل الميلاد وقد ظهر اسم هذا الشعب لأول مرة في عهد الملك الآشوري\البابلي مشلمنصر الثالث (858-824 قبل الميلاد).

وأول موجة غازية من هذه الشعوب عرفت "بـالميديين" الذين انشئوا في القرن الثامن قبل الميلاد مملكة قوية عاصمتها "أكباتان" التي تعرف حاليا "بـهمذان" ومن هؤلاء تشكلت الموجة الثانية التي عرفت باسم الفرس واستقرت في أوائل القرن السابع قبل الميلاد جنوب شرق "سوسة" حيث تأسست مملكة صغيرة أسسها "اخمينيس" جد الاخمينيين، الذي قسم مملكته فيما بعد بين ولديه: "قورش" و "اريارامني" وفي الوقت نفسه ظهر الملك الميري "سياكزار" الذي قرر توحيد الممالك الفارسية عام 584 قبل الميلاد ونجح في ذلك بعد أن صاهر ملك الاخمينيين "قمبيز".


غير أن ظهور الإمبراطورية الفارسية الكبرى تأخر حتى عام 559 قبل الميلاد حيث نجح قورش الثاني الكبير في ذلك منهيا عهد الميديين وموحدا جميع القبائل الفارسية تحت رايته ثم انطلق يفتح العالم باسطا نفوذه وسيطرته شواطئ بحر ايجة والبحر الأحمر غير أن مملكته ديلمون لم تخضع للإمبراطورية الفارسية حتى عهد الإمبراطوري داريوس الكبير الذي وسع الإمبراطورية الفارسية حتى تصل إلى بلاد الهندوس وقام بضم مملكة ديلمون إلى إمبراطوريته الضخمة لتشهد هذه المملكة التي ظلت آمنة مطمئنة أول عهود الاحتلال والهيمنة الأجنبية عليها هذه العهود التي تكرست فعليا إبان فترة حكم السلالة الساسانية لبلاد الفرس.


الساسانيون



تتابعت سلالات عرقية عديدة على حكم بلاد فارس، عبر التاريخ ضمن العيلامينين إلى الميريين إلى الاخمينيين الفرس إلى الباريين الذين أسسوا حضارتهم على ما ورثوه من الاخمينيين إلى الساسانيين الذين تقوضت في عهدهم الحضارة الفارسية على أيدي المسلمين.

ومنذ قيام قورش الاخميني الكبير بتوطيد ركائز إمبراطوريته الفارسية الضخمة ظلت مملكة ديلمون أو "تايكلوس" كما كانت تسمى إبان عهد الحضارة الآشورية والكلدانية ظلت هذه المملكة تخضع لنفوذ ملوك الفرس، وتتمتع بين فينة وأخرى بحكم شبه مستقل عن الإمبراطورية الفارسية تبعا لقوة أو ضعف السلالة الحاكمة في بلاد فارس.. غير أن مملكة ديلمون أصبحت جزاء من الدولة الساسانية التي لم تعد تعترف بديلمون باعتبارها مملكة..

ظهر الساسانيون عام 208 للميلاد كملوك للدولة الفارسية، وكان درهم ساسان كاهنا في معبد الربة "انا خيتا" في اصطخر ةةرثه ابنه "باباك" الذي ضم إلى مسؤولياته الدينية مسؤوليات دنيوية ورثها أيضا عن والد زوجته – أمير اصطخر- فاجتمعت له الرئاسة الدينية والدنيوية وباشر بتأسيس أول حكم لهذه الأسرة غير أن ابنه اردشير الذي اخضع الأمراء المحليين وقضى على الاخميينين يعتبر هو المؤسس الفعلي للإمبراطورية الساسانية التي امتد حكمها لأكثر من أربعة قرون أي حتى أوائل القرن السابع الميلادي حيث عمت الفوضى هذه الإمبراطورية الضخمة وقتل آخر ملوكها يزدجرد الثالث على يد العرب المسلمين، في معركة نهاوند عام 651 ميلادي لتصبح بلاد فارس خاضعة لحكم العرب المسلمين، بما في ذلك الممالك والإمارات التي كانت خاضعة لها مثل البحرين أو "ديلمون" كما تسميها بعض المراجع التاريخية في هذه الفترة.

وإبان نشوء وارتقاء الدولة الساسانية شهدت البحرين عهد الجرهائيين وهم من أصل كلداني وقد أطلق عليهم هذا الاسم نسبة إلى مدينة "جرهاء" التي أسسوها في البحرين و التي كان تسمى حسب اللغة الطرانية "كايلوس".

وتشاء المنافسة التجارية أن تنهي فترة سيطرة الجرهائيين على البحرين أو "كايلوس" على أيدي القبائل العربية التي اتحدت فيما بينها فشكلت حلفا وأطلق عليه اسم تنوخ هاجم الجرهائيين بزعامة مالك بن فهم القضاعي، الذي استقر حكمه في البحرين فيما أصبحت تعرف باسم "اوال" نسبة إلى اسم الصنم الذي كان تتعبده قبائل تنوخ تماما كما سميت المحرق بهذا الاسم نسبة إلى صنم المحرق الذي كانت تعبده قبيلة بكر بن وائل وهي القبيلة التي ينتمي إليها آخر الحكام على البحرين –اوال- من قبل الملك الساساني وهو المنذر بن ساةى التميمي.

ومما يجدر ذكره هنا أن قبائل تنوخ التي أسست حكمها في البحرين –اوال- تطلعت بحكم قوتها ونفوذها لمد سلطاتها إلى بلاد ما بين النهرين فتتابعت غاراتهم على هذه البلاد وأسسوا هناك دولة المناذرة التي دخلت في حلف مع الساسانية ثم ما لبثت أن خضعت لنفوذ الملوك الساسانيين مثلها مثل البحرين أو "اوال".



 
 

 

عرض البوم صور شرف عبد العزيز   رد مع اقتباس

قديم 27-06-08, 01:01 PM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
كاتب
عضو قمة


البيانات
التسجيل: Jan 2008
العضوية: 61073
المشاركات: 2,843
الجنس ذكر
معدل التقييم: شرف عبد العزيز عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 52

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
شرف عبد العزيز غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : شرف عبد العزيز المنتدى : التاريخ والاساطير
افتراضي

 

تايلوس ... المدينة الفاضلة

عندما وصلت طلائع جيوش الاسكندر المقدوني الجرارة إلى مشارف الخليج في حوالي العام 321 قبل الميلاد كانت مملكة (ديلمون) الكبرى قد اندثرت تقريبا ونشأت على أنقاضها مملكة صغيرة جديدة سميت باللغة الكلدانية (تايلوس) تنمو إلى جانبها مستوطنة بشرية صغيرة أيضا في شبه استقلال عنها هي مستوطنة (ارادوس) التي تسمى الآن (المحرق) والتي قيل أن اسم قرية عراد في المحرق جاء من اسمها...

وعلى كل حال فجيوش الاسكندر المقدوني المخيفة بما تحمله من موت ودمار وخراب لم تصل إلى هذه المملكة الصغيرة الناشئة (تايلوس) وما وصل إليها فعلا كان بعثة استكشافية ضمت إلى جانب القادة العسكريين عددا من المؤرخين والمفكرين والبحارة والتجار.

وثمة من هؤلاء من كتب فيما بعد عن (تايلوس) بكثير من الإعجاب والدهشة يتمتع بالكثير من المواهب والنشاط.

لقد كانت (مملكة ديلمون) بمثابة الأم التاريخية لمملكة (تايلوس) والحقيقة أن ديلمون-الأم كانت خلال عصورها الزاهرة جمعت الكثير من ثقافات ومعارف الحضارات المعاصرة وتأثرت بها وأثرت هي بدورها في هذه الحضارات ومع أن انقراضها أو اندثارها ما يزال يكتنفه الكثير من الغموض عند المؤرخين إلا أنها ورغم قسوة هذا الاندثار المريع استطاعت أن تحتفظ بالكثير من معارفها ومأثوراتها لابنتها التاريخية (تايلوس) وهذا الاندثار المريع استطاعت أن تحتفظ بالكثير من معارفها ومأثوراتها لابنتها (تايلوس) وهذا تماما ما وجده رجال الاسكندر المقدوني عندما وصلوا (تايلوس) التي وان كانت اصغر من (مملكة ديلمون) إلا أنها استطاعت أن تستقطب إعجاب الإغريق اليونانيين وتؤثر فيهم واحتلت بذلك مكانة جيدة في نتاجاتهم التاريخية عن تلك المرحلة من تاريخ العالم. كانت الإمبراطورية الآشورية قد بدأت التعبير عن نفوذها وقوتها عندما نشأت في بلاد ما بين النهرين على أنقاض الإمبراطورية الاكدية...

بدأت التعبير عن نفوذها وقوتها بالمطالبة بالسيادة على (ديلمون) عام 1260 قبل الميلاد واعتبارها جزء لا يتجزأ من الإمبراطورية الآشورية الناهضة لاجتياح العالم بقوة السيف والفتك والدمار.

غير أن (مملكة ديلمون) استطاعت بحنكة ملوكها ورجال جولتها أن تمتص النزعة الاستعمارية الآشورية التي أعلنها احد أوائل أباطرة آشور واسمه (توكولتي_اورنا) وكل الذين جاءوا بعده من الأباطرة.. وهكذا صد ملوك (ديلمون) جيوش الآشوريين بهداياهم التي كانوا يرسلوها إلى أباطرة آشور الدمويين وظل الحال علي ما هو عليه حتى مجئ سرجون الآشوري المشهور بحبه لسفك الدماء وإثارة لقتل والدمار أينما حل وحيثما استطاعت جنوده الغازية أن تصل وثمة نقش من عهد سرجون الآشوري هذا (722-705 قبل الميلاد) يقول واصفا طبيعة العلاقة السياسية بين إمبراطوريته ومملكة ديلمون ان اوبري ملك ديلمون الذي يعيش كالسمكة على بعد ثلاثين ساعة ومثلها معها وسط البحر في مطلع الشمس سمع عن قدرتي العظمى فحمل إلي هداياه أما سنحاريب الثاني بن سرجون الثاني الآشوري فيقول أيضا في نقش آخر انه عندما خرب بابل ودمرها تدميرا تاما سنة 689 قبل الميلاد أرسل أجزاء من أنقاض هذه المدينة الحصينة إلى ديلمون... وان الديلمونيين فتكي فحملوا إلى آشور هداياهم وذخائرهم وأرسلوا معها الصناع والحرفيين...!

وهكذا حافظت (ديلمون) المملكة السعيدة الآمنة على استقلالها وضمنت الأمن والسلامة لشعبها ومع أن بعض المؤرخين يؤكدون أن (مملكة ديلمون) ومنذ عهد الإمبراطورية الآشورية ومنذ عهد الإمبراطور (آشور بهانيبال) مقاطعة آشورية إلا أن الشواهد تنفي ذلك وان كانت هذه الشواهد تشير إلى أن الديلمونيين وحلفاءهم الكلدانيين قرروا في النهاية مقاومة التعنت الآشوري فثاروا على آشور وهيمنتها وتقاربت هذه الثورة زمنيا مع بدء اضمحلال النفوذ الآشوري العالي بظهور قوة كاسحة جديدة هي قوة إمبراطورية الإغريق اليونانيين التي بدأت تفكر باجتياح العالم...

إلى هنا ينتهي أو يتوقف حضور (ديلمون المملكة السعيدة) في المأثورات التاريخية ويبدأ ظهور مملكة جديدة حملت اسما كلدانيا هو (تايلوس)... التي قلنا أن بعثة استكشافية إغريقية وصلتها فيما كانت جيوش الاسكندر المقدوني تقف على مشارف الخليج والجزيرة العربية بعد أن بسطت هيمنتها على جميع أعمال الإمبراطورية الاشورية البائدة..

من أعضاء هذه البعثة (اندروسيثينيس) الذي كتب يقول عن (تايلوس) واصفا إياها بـ(الجنة) ومبديا إعجابه لكثرة أشجارها وتنوع ثمارها ومندهشا من وجود شجرة فيها تثمر بالصوف – وهو يقد نبتة القطن التي كانت فيما يبدو تنتشر بكثرة في (تايلوس) وكتب آخرون من هذه البعثة الاستكشافية عن (تايلوس) واصفي ثراءها وكثرة اللؤلؤ فيها وكيفية الغطس الاستخراج اللآلئ فيما وصفت الحياة الاجتماعية السائدة في هذه المملكة بأنها حياة من الرفاه والسعادة والتفاهم بين أهل الجزيرة إضافة إلى عدم ملوكها وحكمتهم وقدرتهم على الوقوف بحنكة ودراية في وجه الأطماع الاستعمارية للدول والممالك القوية المعاصرة.


أما الحفريات والتنقيبات الأثرية التي تعود إلى عصر (مملكة تايلوس) فتشير إلى مملكة صغيرة إلى حد ما تتمتع بوضع مستقل وشعار خاص وأختام ملكية وعملة خاصة بها هذا إضافة إلى توافر ثقافات متعددة فيها وفنون مختلفة من حيث الأصول البشرية والحضارية لها والغالب أن هذا التمازج الحضاري كان نتيجة لموقع (تايلوس) الاستراتيجي كممر مائي ومنطقة سكنية وافرة الخيرات إضافة لممارستها دور الوساطة التجارية بين الممالك والدول المحيطة يؤكد ذلك أن هذا التمازج الحضاري والثقافي كان سمة رئيسة من سمات (مملكة ديلمون) في مختلف أطوارها ثم صار سمة رئيسة (لمملكة تايلوس) وسوف يكون كذلك في التجسدات و الأطوار المدنية الحضارية التي ستمر بها هذه الجزيرة تحت أسماء أخرى مثل اوال وهجر ثم البحرين.

والثابت أن (مملكة تايلوس) وان حافظت على حضارتها وعلى حريتها المدنية والسياسية إبان اجتياح الجيوش الإغريقية للعالم إلا أنها دخلت تحت العباءة المقدونية كمملكة صغيرة تحاول المحافظة على استقلالها من جهة وعدم الدخول تحت العباءة المقدونية ، كمملكة صغيرة ، تحاول المحافظة على استقلالها من جهة وعدم الدخول في حرب مدمرة مع قوة كاسحة كونية هذه الحقيقة تؤكدها شواهد عديدة ،منها ، أن جميع الكتاب الإغريق واليونانيين ، الذين أرخو لتلك الحقبة ، لم يشيروا إلى ( مملكة تايلسون ) باعتبارها من أعمال الإمبراطورية الإغريقية، أو من أعمال الممالك التي ورثت فيما بعد وفاة الإسكندر المقدوني أراضي هذه الإمبراطورية. وهذا يؤكد أن " مملكة تايلوس" لم تكن خاضعة للاحتلال الإغريقي ولم يكن حكامها يُعينون من قِبل الملك أو الإمبراطور اليوناني.

الشاهد الثاني، يشير إلى علاقة من التبعية النسبية، بين المملكة الصغيرة الوادعة، وبين التاج اليوناني القوي، ويتمثل هذا الشاهد، في كمية من العملات الفضية تعود إلى هذه الحقبة، اكتشفت في أحافير "تايلوس الأول" والعملات المكتشفة، تشبه دراهم الإسكندر المقدوني، التي أصبحت العملة الرسمية لنصف الدنيا، في ذلك الوقت. ولكنها تختلف عنها بعض الاختلافات رغم أنها تحتوي على وجهها الأول نقشاً يمثل الملك اليوناني. على هيئة " هيركوليس" وعلى الوجه الثاني تمثال "زيوس" كبير الآلهة اليوناني، وإله الشمس عند العرب قبل الإسلام الذي عرف باسم" شمس" كما احتوت هذه العملات على كتابات إغريقية، باعتبار بأن اللغة الإغريقية كانت هي السائدة في عالم القرنين الثالث والرابع قبل الميلاد، إضافة لكتابات آرامية الساسانية.

ويمثل الطور الأول " تايلوس المبكرة" وهي الفترة التي شهدت سيادة الإغريق على جزء كبير من العالم وهنا تجدر الإشارة إلى أن الكتب التاريخية القديمة والحديثة لا تكاد تذكر شيئاً عن تايلوس قبل عهد الإسكندر المقدوني وبعد انهيار الإمبراطورية الآشورية وما تزال هذه الفترة من عمر المملكة الوادعة، غامضة جداً، ومُغيبة تماماً حيث تبدأ الإشارات التاريخية، إلى" مملكة تايلوس" مرافقة للحدث المهول الذي سمع ضجيجه العالم، والذي تمثل بظهور قوة كاسحة في الغرب، هي القوة الإغريقية اليونانية وسيطرتها على ساحة كبيرة من الكرة الأرضية، معلنةً انتهاء عهود ممالك كانت ضخمة، وإمبراطوريات كانت شاسعة ومؤكدة سيادتها المطلقة على العالم.

وبحسب الحفريات المكتشفة عن هذا الطور، أو عن فترة" تايلوس المبكرة" فيمكن تصور مملكة صغيرة نسبياً، مقارنة بمملكة " ديلمون" الكبيرة، تتكون من مستوطنتين سكانيتين، هما مستوطنة "تايلوس" ومستوطنة" ارادوس" ومن هذين التجمعين السكانيين تشكلت "مملكة تايلوس" التي كانت لها عاصمة أيضاً تسمى " تايلوس" كما يؤكد النص الذي كتبه المؤرخ والجغرافي الروماني" بليني" وفيه: " في قبالة خليج جرهاء، وعلى بعد 77 كم، تقع جزيرة تايروس – هكذا تلفظ عند الرومان- المشهورة بلآلئها الوفيرة، وفيها مدينة تحمل الاسم نفسه وهناك جزيرة أصغر منها، وعلى بُعد 19 كم، تسمى " ارادوس"...."

وبحسب الأوصاف، والتخمينات التاريخية، والجغرافية، وما تفيده المأثورات والحفريات، فإن تايلوس – العاصمة- أُنشئت في الموقع المسمى اليوم" رأس القلعة". وكانت المدينة تتمثل بمنطقة مركزية، تحوي قصر الملك، وقصور أو بيوت كبار الحاشية، إضافة إلى المعبد، أو سكن كبير الكهنة. ثم تتوزع البيوت في تجمعات سكنية، حول هذا المركز، وصولاً إلى الأطراف، التي قد يحيط بها سور كبير، فيما تربط بين ساحات المدينة وأحياءها طرق عامة مرصوفة بالحجارة. أما أبنية العامة، في "مملكة تايلوس" فتشير الحفريات إلى أنها كانت تتراوح بين الدور الواحد والدورين وتشتمل على غرف للنوم، والضيافة، والتخزين، إضافة إلى فناء يقود إلى المخرج الرئيسي، أو المدخل.


وبالطبع فقد كانت تنتشر في طرقات المملكة الحوانيت التجارية، وحوانيت ومصانع الحرفيين، الذين يصنعون الأدوات وينحتون التماثيل، والتوابيت، والزجاج، ويرصعون الأحجار الكريمة، وغير ذلك من المهن والحرف والصناعات التي عُرفت آنذاك في "تايلوس" وكانت إحدى سمات تميزها عن سائر الممالك الصغيرة المحيطة بها.

الطور الثاني، من تاريخ" تايلوس" أو " تايلوس الوسيطة" هو الفترة من حياة هذه المملكة، التي عاصرت مرحلة ما بعد وفاة الإسكندر المقدوني، واقتسام مملكته أو إمبراطوريته الكبرى، بين خلفائه وما تبع ذلك من صراعات سياسية بين هؤلاء الخلفاء أحياناً وبينهم من جهة وبين الدولة التي كانت على وشك النهوض في بلاد فارس تحت اسم الدولة الساسانية.

ومن الوجهة التاريخية، فقد شهدت هذه الحقبة الزمنية ظهور ما عُرف فيما بعد بـ" الحضارة الهيلينستية" وهي الحضارة التي امتزجت فيها معارف وعلوم وتراث الشرق، بمثيلتها عند الغرب، وبحسب المحتوى التاريخي لهذا الطور بالنسبة " لمملكة تايلوس" فقد شهد هذا الطور ازدهار المملكة على حساب ضعف القوتين العظيمتين المؤثرتين في المنطقة، ونعني بهما دولة فارس الساسانية التي تحاول شق طريقها للسيادة على المنطقة والمملكة السلوقية اليونانية وهي إحدى الممالك الثلاث التي توزعتها إمبراطورية الإسكندر المقدوني بعد وفاته، لقد استفادت " مملكة تايلوس" من وجود قوتين حولها، واحدة ضعيفة آخذة بالزوال وواحدة ضعيفة تحاول النهوض بتثاقل، فوسعت من سيطرتها البحرية والتجارية في المنطقة، وازدهرت أسواقها وموانئها وارتبطت بعلاقات ودية مع عدد من الممالك والدول المعاصرة حتى صارت هذه المملكة واحدة من أغنى أمم الأرض وخاصة بعد تمازجها مع الجرهائيين، الذين كانوا في هذا الوقت يسكنون منطقة الإحساء.

والجرهائيون – على رغم قلة المصادر التاريخية عنهم- هم أحفاد مجموعة كبيرة من المهاجرين الكلدانيين الذين نزحوا عن بابل وسكنوا المنطقة التي تعرف اليوم بالقطيف والإحساء. وقد سبق القول أن " مملكة ديلمون" الكبرى شملت في بعض حقبها هاتين المنطقتين غير أنهما انفصلتا عن المملكة فيما بعد، عندما تشكلت "مملكة تايلوس" ومن قدماء المؤرخين والجغرافيين الذين كتبوا عن الجرهائيين ومدينتهم الزاهرة التي أسميت "جرهاء" من مثل" فوليبوس" المتوفى عام 122 قبل الميلاد و"أغاثارسيدوس" المتوفى عام 120 قبل الميلاد، يتبين لنا أن مدينة الجرهاء لم تكن مملكة قائمة مثل جارتها " تايلوس" وأنها أشبه إلى مدينة ذات حضور مالي كبير، تمتعت بحكم محلي ذاتي، وقد كان الجرهائيون من كبار تجار المنطقة فاحتكروا تجارة الطيب، والبخور واللآلئ والأحجار الكريمة وغيرها، وسيروا قوافلهم التجارية في البر والبحر، واستقطبت أسواقهم التجار من مختلف مناطق العالم. وبهذا فقد شكل هؤلاء منافساً قوياً لتجارة" مملكة تايلوس" غير أن هذه المنافسة لم تؤثر على العلاقات بينهم وبين جيرانهم في " مملكة تايلوس" حتى قرر الملك السلوقي"أنطيخوس الثالث" غزو هذه المنطقة التي ازدهرت بها التجارة وتعاظمت ثروات أهلها، حتى صاروا أكثر أهل الأرض ثراء كما يقول المؤرخون . ولما كان هذا الملك طامعاً بثروات سكان المنطقة من جرهائيين وتايلوسيين فيبدو أنه رضي أن يكتفي ببعض الغنائم التي وصلته كهدايا من الجرهائيين، وجيرانهم فاستراح من الحرب وخسائرها ومشقتها وأراح هذه المنطقة الوادعة الآمنة، من شرور حربه. ولا شك أن هذه السياسة التي مارسها الجرهائيون من أطماع الملك " أنطيخوس الثالث" تذكرنا بذات السياسة التي انتهجتها " مملكة ديلمون" ثم " مملكة تايلوس" من بعد، مع أطماع أباطرة آشور وبابل.. ويبدو أيضاً أن هذا التوافق بين الجارين قد أدى فيما بعد إلى اتحاد ما بينهما، أو ربما تقارب، وصل إلى حد تولي بعض الجرهائيين حكم "مملكة تايلوس" وتشكيل قوة اقتصادية وتجارية ضخمة جداً، ارتبطت بعلاقات سياسية وتجارية مع الممالك والدول المعاصرة، بما في"تدمر" و"أيله" و"سبأ" و"حمير" و"الحيرة" وبسبب عراقة الحضارة التي أنجزتها" مملكة تايلوس" مقارنة مع الجرهائيين فيبدو أن حضارة تايلوس استطاعت هضم وتشكيل حضارة الجرهائيين الطارئة، ولعل هذا هو السبب في اندثار أخبارهم فيما بعد.

ومع قرب ظهور المسيح عليه السلام ظهر سلطان البحر الروماني واليوناني على كل سلطان وأصبحت تجارة هؤلاء هم سادة البحر والتجارة البحرية في المنطقة وهكذا بدأت مكانة الجرهائيين و مملكة تايلوس تتراجع شيئاً فشيئاً فيما كانت الجزيرة العربية تعيش مخاضاً صعباً لهجرة عربية كاسحة، سوف تصل بمراميها إلى العراق وبلاد الشام وسوف تُحدث خلخلة في المسار التاريخي للمنطقة بل وفي تاريخ العالم أجمع.. وكانت مملكة تايلوس هي بؤرة هذا الحراك الجحفلي الكبير مما سيدخلها في الطور الثالث، من تاريخها الحافل والمديد.

لقد وُلدت تايلوس الثالثة في الجزيرة العربية إلى حد ما وليس في موقع تايلوس المملكة والحقيقة أن هذا القول يبدو صحيحاً تماماً إذا ما عرفنا أن الجزيرة العربية تعرضت إلى موجة من الجفاف شديدة ترافقت مع ظهور نزعة تحررية لدى سادة ورؤساء القبائل العربية القحطانية والعدنانية إضافة إلى ازدحام الجزيرة العربية بهم وهكذا قررت مجموعات من القبائل العربية الكبرى الخروج من الجزيرة العربية إلى مشارف الشام ويشير المؤرخ العربي الكبير ابن الأثير في كتابه" الكامل في التاريخ" أن من بين الذين خرجوا من تهامة من العرب مالك وعمرو ابني فهم بن تيم بن قضاعة، ومالك بن زعير ابن عمرو بن فهم، والحيقاد بن الحنق بن عمير بن قبيص، وغطفان بن الطشان بن عوذ بن منماة، واجتمع هؤلاء السادة ومع معهم من القبائل في حلف كبير أطلق عليه اسم "تنوخ" وتعاقد هؤلاء على التناصر والمؤازرة والإقامة في مملكة تايلوس، التي كانت تئن تحت استبداد الجرهائيين وكان أن نجح حلف "تنوخ" في القضاء على حكم الجرهائيين لتدخل "مملكة تايلوس" في طور النزاع الأخير الذي انتهى بولادة "أوال".

لعل أول شيء تاجر به الإنسان البحرين القديم هو اللؤلؤ وقد كشفت الحفريات الأثرية المتأخرة عن لآلئ تعود إلى ما قبل عصر ديلمون الأولى ويصل عُمر بعض هذه اللآلئ إلى 7000سنة تقريباً، كما تشير المصادر التاريخية جميعها إلى أن ديلمون الأولى كانت مشهورة باستخراج وتجارة اللؤلؤ، إلى جانب شهرتها التجارية والملاحية الفائقة، وكذلك فقد كانت" ديلمون الأولى" وسيطاً تجارياً عالياً في ذلك الوقت يقصدها كبار تجار العالم القديم وربابنة السفن وتَصُب في أسواقها وموانئها صادرات الممالك من حولها وتحتكر لنفسها تجارات مختلفة من أهمها النحاس والتمر واللآلئ والأحجار الكريمة والطيب كما تشير أختام" ديلمون الأولى" إلى أن إنسان هذه الجزيرة عرف السفن الكبيرة وابتكرها أشكالا ومواصفات كانت متقدمة جداً في ذلك العصر نسبة إلى تقنيات صناعة السفن لدى الشعوب الأخرى، كل ذلك يشير إلى أن إنسان"مملكة ديلمون" كان إنساناً جاداً في حياته خلاقاً ومبتكراً وفي نفس الوقت مسالماً ووادعاً مع قوة كبيرة وقدرة على تحدي الأخطار وإذا كان إنسان "ديلمون" قد روّض البحر فإن ملوكها نجحوا أيضاً في ترويض ملوك الدنيا حتى أمنوا لإنسان المملكة الأمن والطمأنينة واليسار والحياة الرغيدة.

أما أرض "ديلمون" وبحرها فيكفي أن نقرأ ما ورد عنها في "ملحمة جلجامش" لندرك المكانة التي كانت تحتلها هذه المملكة في وجدان الإنسان السومري وفي قلوب وأحلام بقية البشر الذين سمعوا بها، أو مروا فيها .. وتقول "جلجامش" في وصف أرض ديلمون:


" كانت أرض ديلمون أرضاً نقية طهور...
كانت أرض ديلمون، أرض طُهرٍ ونور..
ولم تزل ديلمون تشع بالنور...
فعلى أرضها لا ينعب غراب
ولا يفترسُ السبعُ حملاً...
.. ولها،لأرض ديلمون، تحمل الآلهة
كل يوم صلاتها"

هكذا، كانت "ديلمون" هي أرض الحياة والخلود وكذا، حافظت"تايلوس" على هذه المكانة وإن كانت أضافت إليها الكثير فإذا كانت"ديلمون" هي أرض الآلهة فإن "تايلوس" كانت بحق جنة الإنسان وملتقى ثقافات العصر وبوتقة تمازج معارف الحضارات والتقاء الدنيا بالدين، والبشر بالآلهة، إليها كانت قلوب ملوك وأباطرة ذلك الزمان تهفو وعليها تتركز عيونهم ولها تتسامى أطماعهم وتطلعاتهم غير أن "تايلوس" ظلت عصية عليهم وهي لم تكن ذات قوة عسكرية كبرى ولم تكن كثيرة السكان ولكنها مع ذلك استطاعت أن تطاول الدول والممالك ذات القوى العسكرية في ذلك الوقت.

وتحفلُ المصادر التاريخية بإشارات عديدة عن طبيعة إنسان" تايلوس" وعن طبائع الحياة فيها، وقد اعتقد القدماء بأن أرض"ديلمون" أو "تايلوس" هي أرض الخلود والجنة التي سيعيش بها الإنسان خلال حياة ما بعد الموت، لذلك كثرت فيها المدافن، التي يزيد عددها على مائة ألف مدفن، وهذا يشير إلى رغبة شعوب تلك العصور وخاصة أبناء بلاد ما بين النهرين، والسواحل المحاذية للخليج وبلاد فارس في دفن موتاهم في الأرض المقدسة الطهور، وقد اعتقد الديلمونيين والتايلوسيين بعقيدة الحياة بعد الموت، وبوجود غله يجزي المحسن ويجازي المسيء، وكانوا يُزودون موتاهم عند الدفن بأدوات منزلية وتحف وأحياناً بالسلاح والأختام التي كان يستخدمها المتوفى في حياته يستخدمها الشخص عندما يحين موعد بعثة من جديد.


والحقيقة أن أرض" ديلمون" أو "تايلوس" لم تكن جنة الموتى فحسب بل كانت جنة للأحياء أيضاً وما كتبه الرحالة والمؤرخون والجغرافيون الذين زاروها أو سمعوا عنها يكشف عن إعجاب شديد بطبيعتها الخلابة ووفرة مياهها العذبة، وخيراتها بل واحتوائها على أصناف غريبة ونادرة من النباتات التي أدهشت على سبيل المثال،البعثة الاستكشافية التي أرسلها الإسكندر المقدوني إلى تايلوس ، فقد كتب أحد أعضاء هذه البعثة وأسمه" أندروسيثينس" عن أخشاب من شجر ينبت في "مملكة تايلوس" لا تبلى في ماء البحر، وتُعمر طالما هي في مياه البحر لأكثر من 200 سنة! وكتب مبدياً دهشة عظيمة عن "شجرة الصوف" التي تنبت في "تايلوس" وعن "ماء الجنة"! أما الحفريات والآثار المدفونة مع الموتى فتشير إلى مستوى الترف الذي عاش فيه إنسان تايلوس فأدواته تتمتع بفنية عالية وذوق رفيع ابتداءً من أدوات الطعام والشراب وحتى أدوات الزينة وهي في الغالب مُصنعة من الفخار والزجاج والنحاس والفضة والذهب وأحيانا تكون مُرصعة بالأحجار الكريمة وهذا كله يشير إلى المستوى المعيشي الذي تمتع به إنسان " تايلوس" أما الأنظمة الإدارية والقوانين وما يتعلق بالعلاقة بين الملوك والشعب فثمة دلائل مُؤكدة على أن تايلوس المملكة كانت بلا سجون بينما تشير الحفريات في بلاد الرافدين مثلاً عن أنهم عرفوا السجون العامة في ذات العصر، وهذا بالنسبة إلى مملكة تايلوس يشير إلى أن العلاقة بين الملوك والرعية لم تكن علاقة متوترة صعبة مُؤَسسة على الخوف والريبة، والظلم والطغيان، ومن الطريف أن نذكر هنا، أن الأثريين الذين بحثوا عن الهياكل العظمية التي اكتشفت من حقبة "تايلوس" وجدوا أن معظم هؤلاء " ماتوا حتف أنوفهم" أي لم يتعرضوا للقتل، أو الإصابات وهذا يشير إلى ما كان يتمتع به سكان" تايلوس" من أمن وأمان ورفاهية كما يشير أيضاً إلى أن حكم ملوك تايلوس لم يكن حكماً طغيانياً.. وربما ظل الحال كذلك إلى أن وصل إلى سدة الحكم فيها، بعض الجرهائيين الذين قُلنا أن سكان تايلوس من قبيلة الأزد، تحالفوا ضد طغيان هؤلاء الملوك مع قبائل قضاعة وغيرهم من القبائل العربية التي أطلقت على تحالفها اسم "تنوخ" وذلك في أواخر أيام تايلوس.

لقد كانت "مملكة تايلوس" بحق نموذجاً للمدينة الفاضلة، على نحو ما أشار إليها أفلاطون وهي كانت كذلك في مختلف شؤونها وشجونها فحياة أبنائها من عامة السكان كانت بسيطة غير مُعقدة نوعاً من الهدوء والسكينة، خاصة وأنهم- على حد اعتقادهم – يعيشون على أرض الآلهة كذلك كان ملوك" تايلوس" دعاة محبة وسلام وتفاهم قريبون إلى أفراد الشعب ويحرصون على دفع الضيم عنه، من خلال شبكة من العلاقات الودية كرسوها مع ملوك وأباطرة الدول والممالك الكبيرة، أما داخلياً فتشير الحفريات إلى أن هؤلاء الملوك أبدو عناية كبيرة بتوفير الخدمات لأبناء الشعب بل وإلى ضيوف وزوار "تايلوس" والذين يرتادون موانئها وأسواقها فالمياه العذبة كما تشير الحفريات كانت تصل إلى البيوت ولم تكن هذه البيوت مُحصنة كما هي البيوت والمساكن في بلاد الرافدين، بل تشير الحفريات إلى أن عدداً من التجمعات السكانية والمنازل بنيت خارج السور الكبير لمدينة "تايلوس" وهذا يدل على أن هؤلاء المواطنين لم يكونوا آمنين على أنفسهم من الاعتداءات الداخلية فحسب بل كانوا أيضاً يثقون بأن سياسة ملوكهم وحكمتهم كفيلة بتأمين الاستقرار لهم ومنع الاعتداءات الخارجية عنهم وهذا طبعاً في معظم الأحيان لا في مجموعها إذ من الثابت تاريخياً أن"تايلوس" تعرضت للغزو وهذا وإن كان محدوداً إلا أن المملكة سرعان ما كانت تستعيد بهجتها وأمنها واستقرارها وتعيد ازدهارها إلى سابق عهده.



 
 

 

عرض البوم صور شرف عبد العزيز   رد مع اقتباس
قديم 27-06-08, 01:05 PM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
كاتب
عضو قمة


البيانات
التسجيل: Jan 2008
العضوية: 61073
المشاركات: 2,843
الجنس ذكر
معدل التقييم: شرف عبد العزيز عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 52

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
شرف عبد العزيز غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : شرف عبد العزيز المنتدى : التاريخ والاساطير
افتراضي

 

واخيرا اوال ، بعتذر انا كتبتها خطأ في العنوان


أوال ..أُم الملوك


كان العالم يستقبل ميلاد السيد المسيح ليخلص البشرية وينشر الأمن والسلام والمسرة في ربوع الأرض عندما كان سكان "تايلوس" يستقبلون القبائل العربية التي قصدتها في عمق الجزيرة العربية ويشكلون مع هذه القبائل حلف "تنوخ"ليخلصهم من ظلم واستبداد الجرهائيين ويعيد إليهم أمنهم وأمانهم وازدهار بلادهم ومكانتها.

تشكل حلف" تنوخ" من مجموعة من أكبر القبائل العربية، ضمت :قُضاعة، وقبيص، وإياد، وتميم، وبقية من القبائل العربية النجدية والتهامية، وعلى مشارف "تايلوس" انضمت إليهم الأزد، وكانت تسكن أرض "تايلوس" إضافة إلى أحد بطون لخم، واتفق زعماء هذه القبائل على تمليك زعيمهم مالك بنفهم القضاعي والمناداة به ملكاً على المنطقة المحصورة بين نجد غرباً والخليج العربي شرقاً وحدود عُمان جنوباً، وحدود البصرة شمالاً ، وقد سميت هذه المنطقة الجغرافية الشاسعة"البحرين" فيما ظهر اسم"أوال" كعلم على "تايلوس" المدينة لأول مرة، و"أوال" هو اسم لصنم عَبده سكان الجزيرة في فترة ما بعد"تايلوس" وربما يكون هذا الاسم تجسيداً آخر لاسم آخر من أسماء هذا المعبود الصنمي كعادة الشعوب في التعامل مع الآلهة فالإله"زيوس" الذي يُعتبر كبير آلهة الإغريق له تجسيد عند العرب القدماء هو الإله (شمس) والربة (عشتار) التي عُبدت في البحرين، ومنطقة بلاد الرافدين وبلاد الشام باعتبارها ربة الجمال والخصوبة، عُبدت في الجزيرة العربية عند العرب القدماء تحت اسم آخر هو" اللات".

والثابت تاريخياً أن مالك بن فهم القضاعي لم يكن ملكاً على الطريقة الفارسية أو الإغريقية بما عُرف عنهما من فخامة وهيلمان ولكنه كان ملكاً على الطريقة العربية البدائية آنذاك، كما عَرفها أهل البادية، وهؤلاء لم يكونوا يحتملون الخضوع والانتظام ضمن نظام مدني له قوانينه وأواوينه وبروتوكولاته كما عند الممالك العربية في الحضر، ولذلك فقد كان مالك بن فهم القضاعي ملكاً أقرب إلى الزعيم، منه إلى الملك، وفي نفس الوقت فقد احتفظت كل قبيلة بزعامتها شبه المستقلة على رجالها وما تحميه من الأرض، وهكذا فقد تشكلت مملكة البحرين الأولى، من مجموعة من "الممالك" الصغيرة القبلية يضمها حلف"تنوخ" الذي يرأسه مالك بن فهم القضاعي.

في هذه الحقبة الزمنية التي عُرفت تاريخياً باسم" عصر الطوائف" أو " عصر ملوك الطوائف" نسبة على تعدد الممالك الطائفية في بلاد فارس وبلاد ما بين النهرين مثل" مملكة الأردوانيين" في جنوب العراق و"مملكة الأرمانيين" في أرض بابل وما حولها وغيرهما من الممالك الصغيرة، وكانت هذه الممالك تعيش حالة من الشقاق والخلاف والحروب المستمرة بينها بسبب الاختلافات الطائفية ونزوع بعضها للسيطرة وبسط النفوذ على الأخرى.

ويبدو أن "ملك البحرين" وزعيم" تنوخ" مالك بن فهم القضاعي، كان يحمل نفساً أبية وهمة عالية، وروحاً تواقة، ولذلك فما إن استتبت له شؤون المُلك والزعامة في البحرين واجتمعت إليه كلمة العرب في المنطقة حتى تسامى بهمته إلى أرض العراق مستثمراً حالة الشقاق والخلاف بين ملوك الطوائف وطامحاً لتأسيس مملكة عربية كبرى تسيطر على كامل المنطقة وهكذا تحركت هذه الموجة العربية العارمة إلى أرض العراق، بمجموعتين أو جيشين قاد الجيش الأول منهما – كما يقول ابن الأثير في كتابه"الكامل في التاريخ" زعيم قبيص الحيقاد بن الحنق وقصد هذا وجيشه مملكة الأرمانيين، الذين سكنوا بابل وما حولا فأغاروا عليهم ثم جاء الجيش الثاني بقيادة مالك بن فهم القضاعي"ملك البحرين" في جمع كبير من قبائل العرب فهاجم الأرمانيين وأجلاهم عن الأرض التي كانوا يسيطرون عليها وتابع طريقه إلى مملكة الأردوانيين فأخرجهم من الأرض التي حكموها واستقر المقام بمالك بن فهم القضاعي ومن معه في منطقة الأنبار حتى حدود الحيرة لتأسيس أول مملكة عربية تمتد من حدود عُمان جنوباً وحتى الحيرة شمالاً وبالطبع فإن البحرين تحولت في هذه الأثناء من "مملكة " إلى "إقليم" يتبع الدولة العربية العتيدة.

في عهد الملك مالك بن فهم القضاعي تأسست الأرضية الصالحة لنشوء الدولة غير أن شؤون الملك والحكومة لم تكن قد تطورت بعد واستمر هذا الحال إلى ما بعد موت مالك بن فهم وتولي شقيقه عمرو بن فهم سدة الحكم غير أن هذا لم يستمر طويلاً فتوفي وخلفه الملك جذيمة بن مالك المعروف بـ" الأبرش" ويُعتبر عدد كبير من المؤرخين جذيمة الأبرش الملك المُؤسس لمملكة اللخميين العرب في الحيرة والأنبار وسائر الجنوب العراقي امتدادً إلى حدود عُمان وهي المملكة التي كانت اللبنة الأولى لدولة " المناذرة".

وفي عهد الملك جذيمة الأبرش استقر الملك للعرب وتطورت أساليب إدارة الحكم وشؤون المُلك ولا شك أن جذيمة الملك استفاد من معارف الفرس وأنظمتهم وأساليبهم في تدبير شؤون المُلك.. ووصفه المؤرخون بأنه ملك عظيم ضم إليه شمل العرب وأسس لهم أركان دولة كبيرة وغزا بجيوشه الممالك المتاخمة لدولته الممتدة.

وجاء بعد جذيمة الأبرش ابن أخته وولي عهده الملك عمرو بن عَديّ الذي يُعتبر جد الملوك اللخميين المناذرة وفي عهد عمرو بن عديّ تحالفت هذه المملكة العربية مع دولة الفرس الساسانيين التي تأسست وازدهرت في إيران، وبدأت تبسط نفوذها وسيطرتها على جزء كبير من العالم وقد تولى الملك عمرو بن عديّ سدة الملك عام 268 للميلاد، واستمر حكمه حتى عام 288 للميلاد، وعاصر من ملوك ذلك الزمان الملك شمر يرعش "ملك حمير التُبعي" والملك سابور بن أردشير وبهرام هرمز بن سابور "الأول" ثم بهرام الثاني بن بهرام الأول ملوك الإمبراطورية الساسانية.

في هذه الفترة كانت البحرين إقليماً تابعاً لدولة المناذرة التي اختارت الحيرة عاصمة لها وكان ملوك الحيرة ينتدبون من قبلهم ملوكاً محليين يمارسون ولايتهم على مناطق محددة من الدولة الشاسعة وبالطبع كانت البحرين من هذه الممالك المحلية أما "أوال" فكانت حاضرة البحرين الإقليم، وإليها كانت تعود شؤون حكم هذا الإقليم غير أنه من الجدير بالذكر أن البحرين في هذه الأثناء وخاصة "أوال" بدأت تعود إلى عهودها الزاهرة وازدهارها التجاري والاقتصادي وعادت من جديد لتشكل واحداً من أهم أسواق العرب وميناءً تصل إليه السلع والبضائع من مختلف أنحاء الدنيا، وكان يسكن البحرين في هذه الأثناء مجموعة قبائل عبد القيس وربيعة وإياد، فيما كانت ربيعة تسيطر على "أوال" بشكل خاص، وكان الملوك المحليين للإقليم من هؤلاء وهؤلاء، أي يكون الملك لعبد القيس تارة ولربيعة تارة أخرى، بينما تحتفظ كل قبيلة بزعيمها المباشر، أما الدولة الأم أي مملكة المناذرة فكانت تُقيم ما يشبه التحالف مع الإمبراطورية الساسانية ولم تكن تابعة لهذه الإمبراطورية، في هذا الوقت.

استمرت ولاية عمرو بن عديّ على مملكة المناذرة نحو عشرين سنة اخذ خلالها عدة حروب مع عدد من الممالك المحاذية وكان أشهر هذه الحروب حربه مع مملكة "تدمر" في بلاد الشام وهي حرب اختلطت فيها الأسطورة بالحقيقة وتمازج فيها الخيال بالواقع فدخلت بذلك ديوان الأقاصيص والروايات والسير الشعبية العربية.

أما التاريخ العربي الموثق فيحكي الكثير عن الملك التالي الذي جاء بعد عمرو بن عديّ وهو امرؤ القيس بن عمرو بن عديّ الذي تجاوزت طموحاته طموحات من سبقه من الملوك العرب وكان بحق صاحب أول مشروح وحدوي لتوحيد البلاد العربية وتشكيل دولة عربية واحدة، تطاول بمكانتها الإمبراطوريتين السائدتين آنذاك، وهما إمبراطورية الفرس الساسانيين والإمبراطورية الرومانية. اعتلى الملك امرؤ القيس بن عمرو سدة المُلك عام 288 للميلاد، وعاصره من ملوك التبابعة في حميرَ ثلاثة ملوك هم: شمر يرعش ثم افريقس الملقب بذي القرنين، ثم يمريرجب، أما معاصروه من ملوك الإمبراطورية الساسانية فهم: بهرام الثالث ثم نرسي بن بهرام ثم هرمز بن نرسي ثم الإمبراطور الدموي سابور الثاني المُلقب بـ(ذي الأكتاف).

يعتبر امرؤ القيس بن عمرو، واحداً من أقوى ملوك المناذرة بل من أقوى الملوك العرب قبل الإسلام وقد استمر حكمه نحو أربعين سنة نهض خلالها إلى إنجاز حلمه الكبير لتوحيد العرب في دولة واحدة فأخضع لسلطانه القبائل والملوك المحليين في سائر البلاد العربية كالحجاز ونجد وتهامة والعراق والشام وحدود اليمن، وغزا مملكة الحميريين التبابعة من اليمن فانتصر على الملك شمر يرعش وقلص نفوذه إلى ما وراء نجران وهاجم بقبائل عب القيس وربيعة القاطنين في البحرين شواطئ فارس مستخدماً أسطولاً بحرياً حربياً كبيراً فعبر إلى أرض الفرس واحتل أجزاءً منها كما هدد بغزواته مشارف الإمبراطورية الرومانية إلا أنه ما لبث أن تصالح مع ملوك الرومان، وتحالف معهم إبان ظهور الإمبراطور الساساني سابور الثاني(ذو الأكتاف) وعودة القوة والازدهار إلى الدولة الساسانية التي سعت بمجرد اشتداد أمرها للثأر من هذا الملك العربي وتطلعاته التحررية لقد وضع سابور (ذو الأكتاف) الفتل بالعرب نُصب عينيه بمجرد أن دانت له دولة فارس فجهز من فوره جيشاً وصل تعداده إلى 70 ألف فارس وقاد هذا الجيش بنفسه ومثيراً الرعب والقتل والدمار، حيثما وصل بقواته الجرارة وبعد معارك ضارية مع ملك المناذرة امرؤ القيس، وجموع العرب تمكن سابور من احتلال الحيرة فيما تراجع امرؤ القيس إلى خد دفاعه الثاني في (إقليم البحرين) فتبعه سابور إلى هناك حيث أسرف في الفتك والقتل، وعذب العرب من أهل البحرين بخلع أكتافهم فمن هنا أطلق عليه العرب هذا اللقب وكان يقول( إنما أقتلكم أيها العرب لأنكم تزعمون أن لكم دولة ومملكة)! وهكذا عادت معظم البلاد العربية بما فيها " إقليم البحرين" لتئن من جديد تحت نير وظلم الفرس والساسانيين وأصبحت دولة المناذرة في الحيرة مملكة تابعة للإمبراطورية الفارسية ونُصب الملك أوس بن قلام على الحيرة ملكاً تابعاً للتاج الساساني أما امرؤ القيس بن عمرو فقد تابع مسيره إلى ملك الروم قسطنطين الكبير في الشام وكان هذا أول من تنصر من ملوك الروم وناصر الديانة المسيحية فاعتنق امرؤ القيس بدوره النصرانية وكأنه كان يريد بذلك دفع الملك قسطنطين الكبير لمساعدته في استرجاع ملكه من الفرس الساسانيين غير أن ذلك على ما يبدو لم يشفع له عند الروم فتوفي في حوران على مشارف الدولة الجنوبية ودُفن هناك فيما بقي أبناؤه يُمنون نفوسهم بدعم ونصرة الروم لهم لاستعادة ملك أبيهم وأجدادهم ومع أن هذا لم يحدث إلا أن سُدة الحكم الملك عادت إليهم من جديد وكانت البداية من البحرين تماماً كما كانت بداية تأسيس المملكة العربية الأولى منها.

وتقول الروايات أن شخصاً من أهل إقليم اسمه جحجبان بن عتيق اللخمي خرج من البحرين قاصداً الحيرة وقد أجمع على الفتك بالملك أوس بن قلام ثاراً لمن كان سابور قتلهم وفتك بهم من أبناء البحرين بمساعدة أوس بن قلام وفعلاً وصل ابن عتيق إلى الحيرة وكمن للملك أوس بن قلام حتى قتله فنشبت فتنة كبرى في الحيرة عام 330 للميلاد دفعت بالملك الفارسي لإعادة الاتصال بأبناء ملك الحيرة المحبوب امرؤ القيس بن عمرو وهم عند ملك الروم من أجل العودة إلى الحيرة وتسلم المُلك وبالطبع على أن تكون المملكة العربية تابعة للتاج الساساني وفعلاً عاد أبناء الملك امرؤ القيس إلى الحيرة ونصبوا أخاهم عمرو بن امرؤ القيس ملكاً في العام 370 للميلاد.


ومنذ هذا التاريخ ظلت دولة المناذرة تابعة للإمبراطورية الفارسية وتمارس في ذات الوقت حكمها وسلطتها غير المباشرة على إقليم البحرين، فيما ظل المُلك متداولاً في سلالة امرئ القيس بن عمرو غالب الأحيان وباستثناء فترات قليلة جداً أُعطي فيها المُلك لآخرين نصبهم ملوك فارس ومن هؤلاء : علقمة أبو يعقر، من 504 إلى 507 للميلاد، والحارث بن عمرو الكدني من 523 إلى 578 للميلاد، وفيشهرت أوزيد من 577 إلى 578 للميلاد وإياس بن قبيصة من 613 إلى 618 للميلاد، وأخيراً زاديه من 618 إلى 638 للميلاد باستثناء هؤلاء فقد توارث المُلك على الحيرة والدولة العربية المنذرية أبناء وسلالة امرؤ القيس بن عمرو منذ عام 370 للميلاد وحتى عام 638 أي بعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام بنحو 27 سنة وهي السنة التي ازدهرت فيها حركة الفتوحات الإسلامية خارج الجزيرة العربية حيث سنلاحظ أن أول وصول للمسلمين إلى فارس كان من البحرين وأن القضاء على دولة الفرس بدأ من البحرين وهكذا ظلت البحرين ومنذ بدء التكوين التاريخي للمنطقة مؤثرة في مسارات أحداثها الكبرى وركيزة مهمة من ركائز بناء تاريخ المنطقة وظل ملوكها من أبرز صُناع التاريخ البشري في هذه البقعة من العالم، التي حفلت بالنُبوات تماماً كما اكتظت قبل ذلك بالأرباب الأسطوريين والآلهة المتخيلة جنباً إلى جنب مع الأرباب والآلهة الصنمية ثم منها خرج نور الإسلام ليعمَ العالم.



أوال.... المملكة الُحرة



فيما كان نفوذ الملوك الساسانيين يزداد على ملوك الحيرة المناذرة كان "إقليم البحرين" يبدي روحاً من التحرر، وعدم الخضوع لاستبداد ملوك بني ساسان، وبالتالي، فقد كانت هذه النزعة التحررية العروبية تقلق ملوك المناذرة التابعين للتاج الساساني ومع ذلك، فقد ظلت البحرين تتمتع بما يشبه الحكم المحلي الذاتي وتقيم علاقات مع الممالك المجاورة وكانت مملكة التبابعة في اليمن أقوى هذه الممالك، وأكثرها تأثيراً في شؤون عرب الجزيرة العربية وبالطبع فقد كان لها ثارات مع مملكة المناذرة منذ انتصار الملك المنذري امرؤ القيس بن عمرو على الملك شمر يرعش التُبعي ملك حِميرَ ونتيجة لذلك فقد ظلت مملكة حمير تسعى لخلق مملكة مناوئة للمملكة البحرين في المنطقة على اعتبار أن هذه المملكة المحلية تابعة لدولة المناذرة وتُشكل بالنسبة لهم رأس حربة في المنطقة إضافة إلى مكانتها الاقتصادية والتجارية وهكذا ولدت "مملكة كندة" من رحم هذا التنافس بين مملكتي حِميرَ والحيرة وفي منطقة تُعرف بـ(كندة) على مشارف حضرموت ويؤكد المؤرخون أن صاحب فكرة تأسيس هذه المملكة هو الملك التُبعي حسان بن أسعد بن ملكيكرب الذي ساعد أخاه لأمه حجر بن عمرو سيد قبيلة كندة على تأسيس المملكة التي خضعت منذ تأسيسها بالولاء لمملكة حمير.

ويرى مؤرخون عديدون أن أصل قبيلة كندة من البحرين وأنهم خرجوا منها إلى حضرموت في وقت مبكر، من عمر المنطقة وعاشوا هناك إلى أن تأسست مملكتهم العتيدة على يد حجر بن عمرو الملقب بـ(آكل المرار) ولبث حجر بن عمرو في الحكم نحو 40 سنة وكانت وفاته عام 450 للميلاد، فخلفه ابنه عمرو بن حجر الملقب بـ(القصور) لضعفه وتقلص نفوذه ويبدو أن هذا الملك غاشماً وخاصة على القبائل العربية من خارج كندة، والتي كان امتد إليها نفوذ المملكة في عهد والده وفي أوائل عهده اجتمعت قبائل معد بقيادة كليب بن وائل بن ربيعة في حلف كبير هدف إلى التحرر من ربقة كندة، والخروج عنها وكانت بينهما معركة تاريخية حاسمة هي معركة ( خزازى) التي انتصرت فيها جموع معد وربيعة، وفيها بدأ ذكر كليب بن وائل يرتفع إلى أعالي المجد، فتقاطرت إليه وفود قبائل العرب لمبايعته على المُلك وكان من بين هذه القبائل عبد القيس وربيعة الذين دعوا كليب بن وائل للإقامة معهم في البحرين، وهكذا عادت البحرين لتكون حاضرة الجزيرة والخليج إذ نزحت إليها جموع من بكر وتغلب ووائل وسكنوا في (أوال) و(المحرق) حيث كان لهذه القبائل ضمان هما (أوال) و(المحرق) ومن هنا جاء اسم(أوال) ليضاف إلى سلسلة الأسماء التي أطلقت على البحرين عبر التاريخ ويذكر المؤرخون أن كليب بن وائل سكن (أوال) ومنها حكم الجزء الشرفي من جزيرة العرب خارجاً عن حكم التبابعة في حمير، وعن حكم المناذرة في الحيرة فيما ينفي بعض المؤرخين ذلك ويشيرون إلى أن الملك كليب كان ينتقل صيفاً إلى البحرين (أوال) بينما كانت حاضرة ملكه في نجد بالقرب من حائل ويقال أن كليب بن وائل حاول تكرار ما كان فعله من قبل امرؤ القيس بن عمرو فعمل على توحيد كلمة العرب وجمع قبائلهم معاً لتشكيل دولة عربية حرة، بدلاً عن مملكة المناذرة التي منحت ولاءها للتاج الساساني الفارسي غير أن هذا الحلم العظيم لم يتحقق لكليب بن وائل وحالت حرب البسوس دون الوصول إليه بل نتج عنها أن تفككت روابط قبائل ربيعة وتفكك معها إجماع العرب في المنطقة. في هذه الأثناء أي في منتصف القرن السادس الميلادي ظهر الملك الحارث الكندي بعد أن عمل لسنوات على إعادة ما كان خسره والده، من أراضي جزيرة العرب وضم إلى سلطانه كثيراً من القبائل العربية التي كان قد أرهقها الغزو والتناحر وتفرقت كلمتها بين الخضوع للممالك القوية من حولها وبين الخلافات القبلية التي تطرأ فيما بينها لأسباب تكون في أغلب الأحيان ساذجة.


كان الحارق الكندي من الملوك الذين يتبعون إلى التاج التُبعي في اليمن ولكنه كان ذا نزعة عربية قومية وهمة عالية فعمل من فوره على وقف حرب البسوس ومحالة إعادة الُلحمة بين قبائل العرب التي كانت تسكن الجزء الشرقي من جزيرة العرب كما عمل على استمالة القبائل التي تحالفت أو خضعت للتاج المنذري في الحيرة ومرة أخرى كان مقدراً للبحرين أن تلعب ذات الدور الطليعي الذي كثيراً ما لعبته عند المنعطفات المهمة من التاريخ العربي القديم فكيف كان ذلك؟

كانت المنطقة العربية تشتمل على ثلاث ممالك كبرى هي مملكة المناذرة في الحيرة، وهي تتبع بولائها التاج الساساني، ومملكة الغساسنة في الشام وكانت تتبع بولائها التاج الروماني، ومملكة كندة في جنوب الجزيرة العربية وهذه كانت صنيعة التاج الحميريّ في اليمن، أما القبائل العربية فكانت تتبع بولائها لإحدى هذه الممالك تارة وتخرج عن هذا الولاء وتمنحه لمملكة ثانية تارة أخرى، وبسبب هذا الكر والفر والمد والجزر، فإن الملك الكندي الحارث بن عمرو استطاع بحنكته ودهائه أن يستميل إليه معظم القبائل العربية، بما في ذلك تلك القبائل التي كانت حليفة أو تابعة لملك الحيرة، وسيد الخورنق الملك المنذر بن ماء السماء، وكان قلب هذه الحركة السياسية إقليم البحرين الذي تقاطرت إليه القبائل العربية من مختلف جهات بلاد العرب، لإعلان الولاء للملك الكندي ومساعدته على تحقيق حلم الوحدة الكبير، وهذا كان بمثابة إعلان للحرب بين ملك كندة وملك الحيرة، وهي حرب وقعت فعلاً وكانت انطلاقتها من إقليم البحرين، الذي تحركت منه جيوش الملك الكندي لملاقاة جيش الملك المنذر بن ماء السماء، ويقال في هذا الشأن أن التاج الفارسي كان قد انتقل ذلك الوقت إلى الملك قباذ الذي اعتنق العقيدة المزدكية وأن قباذ الفارسي عرض على الملك المنذري اعتناق هذا المذهب فأبى، فوجدها الملك الداهية الحارث الكندي فرصة سانحة للقضاء على منافسه، فأعلن اعتناقه المزدكية مما دفع الملك قباذ لمساعدته ضد الحليف الدائم للفرس وكانت نتيجة ذلك أن تمكن الملك الحارث الكندي من احتلال الحيرة وإبعاد المنذر بن ماء السماء عنها، وخلال فترة حكم الحارث لمنطقة الحيرة كان إقليم البحرين تابعاً لهذه المملكة الكبيرة وظلت أوال حاضرة هذا الإقليم الذي بدا يعاني من تراجع اقتصادي كبير نتيجة الحروب المرهقة من جهة ونتيجة الصراع الاقتصادي بين الإمبراطوريات الكبرى في ذلك الوقت.

ولم يستمر الحارث الكندي في سيطرته على بلاد وقبائل العرب طويلاً فما إن توفي الملك الفارسي قباذ وجاء للحكم كسرى أوشروان حتى جندَّ هذا الأخير حرباً شعواء على أتباع الديانة المزدكية، وكل من ناصرها، وكان على رأس هؤلاء الملك الحارث الكندي بالطبع، فدعم كسرى أوشروان الملك المنذر بن ماء السماء لاستعادة ملكه والثأر من الحارث الكندي، الذي قُتل شريداً فيما نهض المنذر بن ماء السماء لاستعادة سيطرته على الممالك والأقاليم العربية ومنها إقليم البحرين الذي عاد من جديد ليحرك الأوضاع الساكنة وكما حركت البحرين أو (أوال) تحديداً العرب عندما قام أحد سكانها بقتل الملك الخائن أوس بن قلام فإنها فعلت ذلك مع الحارث الكندي بعد هروبه من الملك المنذر، ففي تلك الأثناء كانت تغلب تسكن أوال وتتوزع على جزء من إقليم البحرين ويبدو أن الحارث الكندي كان شديد الظلم لهذه القبيلة فأرسلت له من يقتله وكان قتله إعلان تجديد لمكانة البحرين و(أوال) في المملكة العربية المنذرية إذ نتج عن ذلك أن بالغ الملك المنذر في منح وده لقبيلة تغلب ولمسكنها (أوال) وبدا أن أقدار الملوك مرتبطة على نحو ما بقدر(أوال).




 
 

 

عرض البوم صور شرف عبد العزيز   رد مع اقتباس
قديم 27-06-08, 01:11 PM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
كاتب
عضو قمة


البيانات
التسجيل: Jan 2008
العضوية: 61073
المشاركات: 2,843
الجنس ذكر
معدل التقييم: شرف عبد العزيز عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 52

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
شرف عبد العزيز غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : شرف عبد العزيز المنتدى : التاريخ والاساطير
افتراضي

 

باحث سعودي يعلن من جديد اكتشاف التقويم الدلموني الشمسي


كهنة عرفوا التقويم الشمسي وتتبعوا حركة الشمس قبل 4 آلاف سنة


هذا الخبر ورد في جريدة الشرق الاوسط


أعاد باحث سعودي يعمل في متحف الدمام الاقليمي، طرح نظرية سبق أن أعلن عنها في عام 1998 ولم تلق اهتماماً وقتها، تتعلق باكتشافه (نظرية التقويم الدلموني الشمسي)، وتعيد النظرية ـ في حال تأكدها ـ إلى حضارة ديلمون التي تعود لأكثر من 4 آلاف سنة العمل بالتقويم الشمسي، حيث عرف كهنة المعابد في ديلمون ظاهرة تحرك الشمس وتتبعها وعرفوا الانقلاب الصيفي وكانت هذه الحضارة إحدى اولى الحضارات التي اتبعت التقويم الشمسي.
وتحدث لـ«الشرق الأوسط» نبيل الشيخ عن أهمية هذا الاكتشاف، داعياً المسؤولين في وكالات الآثار والجهات المسؤولة عنها في الخليج للعمل على دعم الابحاث في هذا المجال، وقال إنه عمل قبل عام 1996 للوصول لهذه النظرية، لكنه ابدى استغرابه من أن الكثيرين من المعنيين بها لم يولوها الاهتمام الذي تستحقه.
وتعتبر الحضارة الدلمونية حضارة محلية وجدت على أرض جزيرة البحرين كمركز، وفي المناطق المجاورة من بر شرقي الجزيرة العربية (جزيرة تاروت وجنوب الظهران في المملكة العربية السعودية وأيضا جزيرة فيلكا في دولة الكويت)، وتكمن أهميتها في أنها تحتل مكانا فريدا في الميثولوجيا السومرية والبابلية القديمة باعتبارها مكانا مقدسا، له مواصفات الجنة او الفردوس.
ويقول الباحث عن التقويم الدلموني الشمسي إن ظروف مجتمع دلمون الذي اعتمد على الزراعة والتجارة والصيد ظهرت فيه المتطلبات الأساسية لحساب الزمن فأحدث الكاهن الدلموني ثورة جديدة في أسلوب حسابه للزمن تختلف عن المفاهيم الفلكية والفكرية التي اتبعتها الكثير من الحضارات القديمة، إذ أن التقويم الدلموني تقويم شمسي بحت تقسم به السنة الى 365 يوما وهى المدة الزمنية لرجوع الشمس الى النقطة التي ابتدأت منها وهذا ما يعرف بالانقلاب الشمسي وهذه الحسبة قريبة جداً لطول السنة الحقيقي 365.2422 يوما وهي الفترة الزمنية التي تقضيها الأرض لتكمل دورة واحدة حول الشمس.
ويضيف «لقد تتبع الكاهن الدلموني حركة الشمس وملاحظته لظاهرة الانقلاب الصيفي (SummerSolstice) ، ويعرف الانقلاب الصيفي علميا بالفترة من السنة التي يحدث فيها تحول لمسار الشمس في حركتها الظاهرية حول الأرض بعد أن تكون قد وصلت الى أقصى امتداد لها شمالا بمقدار 23.27 درجة فوق مدار السرطان، ويحدث هذا في يوم 21 من شهر يونيو (حزيران) من كل عام، لذا فقد بنى الدلمونيون معبدهم في مستوطنة سار ليكون مرصدا فلكيا لرصد هذه الظاهرة وذلك بجعل الركن الشمالي الغربي للمعبد (غرفة الرصد) ممتدا وموجها نحو غروب الشمس في 21 من شهر يونيو أي بزاوية مقدارها حوالي 295 درجة، وعند معاينة كاهن المعبد تعامد الشمس مع هذه الزاوية من خلال ثقب أو فتحة صغيرة فيعلن بهذا بدء السنة الجديدة للشعب الدلموني».
وبهذا ـ والحديث للشيخ ـ يصبح الدلمونيون من أوائل من استخدم التقويم الشمسي في العالم القديم وهو تقويم دقيق وأن نسبة الخطأ به بسيطة ويمكن تصحيحها من قبل الكهنة الذين يقومون بالتصحيح حسب الحاجة ما كان قد تراكم من تفاوت في التقويم، لكننا نجهل إذا ما قام بهذا كهنة سار أم لا، إذ أن الدلمونيون لم يتركوا لنا كتابات أو رقم طينية تمكننا من معرفة هذه الحضارة لكن وجد الكثير من الأختام الدلمونية في مدن ومعابد دلمون التي كان معظمها في تلال المدافن، هذه الأختام تحكي بشكل غير مباشر جانباً كبيراً وهاماً من الحياة الدينية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية والسياسية لحضارة، وكانت هذه الأختام تظهر الشمس في كثير من المواضيع بأشكال مختلفة توحي بأن الشمس قد احتلت مكانة دينية كبيرة لدى الدلمونيين. ويقول نبيل الشيخ الذي اجرى عدداً من عمليات البحث والحفر في معبد سار «اليوم وبعد مرور حوالي 4000 سنة، أشعة غروب الشمس لا تتعامد مع زاوية غرفة الرصد في معبد سار، لذا لم تعد الزاوية الشمالية الغربية للمعبد تخدم ظاهرة الانقلاب الصيفي وذلك لانحراف هذه الزاوية نحو الشرق بعشرة درجات تقريبا فأصبحت الزاوية الجديدة للمعبد حوالي 305 درجة». ويشرح سبب هذا الانحراف في الدرجات العشر بقوله: «المعــروف أن الصفــائح الأرضيـة في حــركة تزحــزح مستمــرة (Plate Tectonic) وأن جزيــرة مملــكة البحرين تقع على الصفيحة العربية، هذه الصفيحة في حركة نحو الشمال الشرقي بمعدل 1.5 سم في السنة أي حوالي 60 متر في 4000 سنة لكن هذه الحركة وتزحزح الصفيحة العربية لا تسجل أي تغير في زاوية غروب الشمس على المعبد إذ أن نقطة الشمس ثابتة تقريبا وإنها تتغير بمقدار درجة واحدة كل 100كم وذلك بالنسبة الى درجات خط العرض لذا فإن سبب عدم تعامد الشمس مع الزاوية الشمالية الغربية للمعبد هو حركة التل الرملي الذي يقع عليه المعبد إذ أن هذا التل قد تزحزح الى الشرق بمقدار حوالي 10 درجات أي بمعدل 1.5 سم في السنة، هذه الفرضية مقبولة جدا من الناحية الجيولوجية لوضعية هذا التل الرملي ولوجود مبنى المعبد في أعلى ارتفاع لهذا التل فان تحرك المعبد نحو الشرق بشكل عام نحو المنطقة المنخفضة كان بشكل طبيعي وأحيانا قد يكون بشكل سريع بعض الشيء بسبب الهزات الأرضية البسيطة. ولا يرى الشيخ ان اكتشافه منتهياً، فهو يهيب بالباحثين اكمال مسيرة البحث الذي بدأه.
ويضيف: إن هذه الدراسة المبدئية للركن الشمالي الغربي لمعبد سار ونظرية التقويم الدلموني الشمسي بحاجة الى دراسة علمية جادة وبأجهزة قياس دقيقة ومتطورة كجهاز تحديد المواقع (جي بي اس ) لأخذ نقطة على هذه الزاوية وبعد عدة سنوات اخذ قراءة جديدة للتمكن من قياس هذا الانحراف السنوي البسيط، وأيضا جهاز التيودوليت لأخذ زاوية الركن الشمالي الغربي للمعبد وأيضا لأخذ زاوية غروب الشمس في يوم 21 من شهر يونيو وإن إعادة تصور وضع المعبد قبل 4000 سنة (بمقدار حوالي 10 درجات الى الغرب) باستخدام الحاسب الآلي وذلك باستخدام برنامج خاص يرجع تعامد أشعة غروب الشمس على الركن الشمالي الغربي لمعبد مستوطنة سار الدلمونية في 21 من شهر يونيو وبداية سنة دلمونية جديدة.









حضارة ديلمون حضارة عريقة بها الكثير من الغموض ، مازال البحث جاري فيها ، موضوعي لم ينتهي الى هذا الحد وان شاء الله سأبحث عن معلومات جديدة تختص بهذه الحضارة العريقة وسأعرضها ............. اتمنى قد انال اعجابكم ، وياريت اي حد عند مقالات ، فيديو ، صور ، ابحاث يقدمها .............. الموضوع مازال مفتوح للمناقشة ............... تحياتي للجميع

 
 

 

عرض البوم صور شرف عبد العزيز   رد مع اقتباس
قديم 28-06-08, 01:05 AM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jan 2007
العضوية: 22262
المشاركات: 5,225
الجنس ذكر
معدل التقييم: Honey1900 عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 80

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
Honey1900 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : شرف عبد العزيز المنتدى : التاريخ والاساطير
افتراضي

 

اشرك علي مجهودك يا شرف

و لي عودة للقراءة و التعليق و النقاش ان امكن

 
 

 

عرض البوم صور Honey1900   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ديلمون ، تايلوس ، اورال, حضارات البحرين
facebook




جديد مواضيع قسم التاريخ والاساطير
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 01:16 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية