لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات عبير > روايات عبير المكتوبة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات عبير المكتوبة روايات عبير المكتوبة


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (2) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 25-06-08, 04:56 PM   المشاركة رقم: 6
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 45537
المشاركات: 187
الجنس أنثى
معدل التقييم: الناظر عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 93

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الناظر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الناظر المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

باقي الفصل السابع


صاحت ستاسي أخيرا :
" إنها جميلة يا جيم . ما هي ؟"
" اسمها القبعة الزرقاء ".
وبقيت عيناها علي الزهور وهي تقول :
" إن لونها أزرق جميل يكاد يكون بنفسجيا . إنها تخجل زرقة السماء".


" هل ننزل من علي التل ؟"
لم تجبه ستاسي ولكنها لمست جانب الحصان بكعبها . نزلا من فوق التل أحدهما وراء الآخر , ووقفا وسط الزرقة الغنية . ترجل جيم قبل ستاسي وساعدها في النزول من الحصان . بقيت يده علي ذراعها وهما يسيران وسط الزهور . لم تستطع ستاسي مقاومة رغبتها في جمع باقة صغيرة واستنشاق عبيرها الحلو.
واستدارت ستاسي لتواجه راعي البقر قائلة:
"كم أنا سعيدة أنك أحضرتني هنا؟"
ووضع راعي البقر علي كتفيها وباقة الزهور بينهما , وعندئذ سمعا وقع خطوات حصان يقترب . استدارا في نفس اللحظة لرؤية القادم . لم تحتج ستاسي إلا للحظة لتتعرف علي الراكب الجالس باستقامة فوق السرج , وبدأ الدم يدق في عروقها , وأوقف كورد هاريس حصانه أسفل التل أمام الصديقين . وجاء صوته ملمحا:
" هل أقطع عليكما شيئا ؟"
لم يعط أحدهما فرصة للإجابة , وأراح ذراعه علي السرج قائلا:
"إذا فلنعد إلي العمل ونترك الزهور لما بعد العمل ".
ركب جيم وستاسي جواد يهما وهما يشعران باتهام العينين الداكنتين . وعندما انطلقا في طريقهما لكز كورد حصانه بينهما كما لو كان يفرق بين طفلين شقيين . أطبقت ستاسي شفتيها بصرامة . وقد أساءتها طريقة معاملة كورد لهما . لم يأبه لغضبها . وبعد أن تركوا مرج زهور القبعات الزرقاء أدار كورد رأسه قليلا في اتجاه راعي البقر الهادئ الراكب علي يساره , وأمره بلهجة يتحدي أن يرفضها :
"أريدك أن تعود للقطيع الأساسي وتساعد جنكز يا كونورز . سأرافق الآنسة آدامز إلي حيث يمسك هانك ببعض الماشية الشاردة".
ابتعد راعي البقر الشاب بحصانه عن ستاسي ومخدومه ولكز حصانه وانطلق راكضا . واستدارت ستاسي بغضب إلي الرجل الواقف بجانبها :
" لم يكن من حقك أن تنهره . فأنا مخطئة مثله تماما ".
أجاب كورد وعلي شفتيه ابتسامة وعيناه تشعان نارا:
"يسعدني تفكيرك بهذه الطريقة , ولكن إذا كان الأمر يهمك فقد كنت أبحث عنه لأقول له هذا الكلام قبل أن أجده معك".
لهثت ستاسي .لأنها اعتقدت أن كورد يؤدب زميلها بسبب اهتمام جيم بها . وسرت وجنتيها حمرة الحرج.
" ولكن , لا يعني هذا أنني أقر أنك تسحري رجالي حتى ينسوا القيام بأعمالهم ".
تمتمت ستاسي :
" لا أعلم عم تتكلم ".
" بالطبع لا تتوقعين أن أصدق أنكما كنتما تبحثان عن الماشية الشاردة في هذا الحقل ؟"
أجابت ستاسي ساخطة :
" لا , بالطبع ".
"إذا ليس هناك شيء آخر يقال . أليس كذلك ؟"
صاحت ستاسي :
" نعم هناك ما يجب أن يقال , ليس من حقك أن تملي علي من الذي أصادقه أو لا أصادقه "ز
قال بصوت غاصب مثل ستاسي :
"هناك الكثير الذي أريد أن أقوله . إنك في خدمتي . لذا فأنا مسؤول عن تصرفاتك . وإذا لزم الآمر سأملي عليك من الذي تختلطين به ومن الذي تبتعدين عنه "
" هل تقول لي أن أبتعد عن جيم ؟"
أقول لك انك لن تنافقي رجالي وتغريهم بالأفكار العاطفية . هل هذا واضح بما فيه الكفاية ؟"
أجابت ستاسي وهي تلكز حصانها ليركض:
"تماما".
لم يذهب الراكبان الصامتان بعيدا حتى شاهدا راعي البقر هانك وهو يسوق نصف دستة من الماشية. لوح له كورد بيده ثم اتجه بحصانه بعيدا عن الحصان ستاسي بجانب راعي البقر. وقال لها :
" سنبقي مع القطيع بعد الظهيرة وسنركب في الجانب الأيمن".
لمحت جيم عدة مرات بعد الظهيرة ، ولكنه لم يشعر بوجودها إلا مرة واحدة عندما لوح لها بيده. شعرت ستاسي بالذنب، فربما تسببت في مشكلة لراعي البقر الشاب. كانت تأمل ألا يعاديها جيم لهذا . بالطبع لم يكن يستطيع أن يجري إليها بمجرد أن يراها ، فهو يعمل . ووجدت نفسها تبحث عن كورد هاريس مرتين ولكنها لم تره،وبدلا من أن ترتاح لعدم وجود عينيه الغامضتين شعرت بالفراغ.
وفي الساعة الرابعة وصل القطيع لمجموعة من أشجار الحور على جانبي مجري نهر ، كان موقع المعسكر الليلي ، وقادو الماشية عبر الماء الضحل ليبيتوا على الجانب الآخر . ونظرت ستاسي بلهفة حزينة للماء الجاري وهي تتبع هانك . يالها من فرصة لغسل الرمل والقذارة.
وتجمع كل العمال حول عربة المطبخ حيث القهوة الطازجة. وترجل هانك وستاسي عند الشاحنات وانضما للآخرين . ففي الصباح التالي سيصل القطيع إلى المراعي الصيفية وتنتهي قيادته في الخريف.وقفت ستاسي هادئة ترشف القهوة وتستمع لادعاءات وشكاوى رعاة البقر المخضرمين .كان العشاء علي وشك الإعداد وكانت تود أن تذهب للنهرقبل ذلك . فرغت من قهوتها وأعطت القدح للطاهي . لم ينتبه إليها أحد وهي تمشي نحو أشجار الحور.
مشت ستاسي ألهوينا متتبعة مجري النهر , ووقفت علي بعد خمسمائة ياردة من المعسكر في مكان متسع يصلح للاستحمام بعيدا عن مكان عبور الماشية, وبالتالي غير موحل وكانت هناك شجرة مناسبة تدلي أحد فروعها لتعلق عليه ثيابها . فخلعت القبعة البنية في سعادة , وجذبت حلقة المطاط التي تربط شعرها . وتحرر شعرها من سجنه فسقط مسترسلا علي كتفيها وهي جالسة علي حافة الماء تخلع حذاءها . هزت أصابع قدميها في سعادة وهي تنظر إلي الماء . وقفت ستاسي ونظرت مرة أخيرة حولها لتتأكد من عدم وجود ضيوف غير مرغوب فيهم .
نزلت في الماء فسرت في أوصالها رعشة خفيفة للبرودة غير المتوقعة . ودندنت في مرح وهي تتراقص وتدور علي نفسها . وأخذها الاستمتاع بالحمام فلم تسمع وقع الحوافر علي الرمال . وقف الحصان وراكبه بجانب فرع شجرة الحور حيث علقت ستاسي ثيابها .
ظلت ستاسي تدندن في سعادة وهي تمشي في المياه الضحلة نحو الشاطئ ونظرت إلي الشجرة ووقفت في الماء وقد أذهلها ظهورا لحصان وصاحبه . وحل محل دهشتها شعور بالخجل لردائها فأخفضت جسدها داخل الماء .
صاحت وحمرة الخجل تكسو وجهها مخاطبة وجه كورد الساخر :
" كان من اللياقة أن تعرفني بوجودك هنا ياسيد هاريس ".
تجاهل نقدها له وأجاب بصوته العميق :
"افتقدتك في المعسكر وجئت أبحث عنك ".
حل الغضب محل الإحراج وقالت:
" حسنا . لقد وجدتني فتفضل بالذهاب حتى أرتدي ثيابي ".
قال كورد باسما وهو يشير إلي مجموعة من الأشجار تحجب الرؤية عنها :
" سأنتظرك هناك ".
كان السرور باديا علي وجهه وهو يوجه حصانه ويذهب .
صعدت ستاسي إلي الشاطئ بسرعة ولكن غضبها واستياءها عطلاها .حاولت إن ترتدي ثيابها بسرعة برغم جسدها المبتل . التصقت أكمام بلوزتها بذراعيها المبللتين , ولكنها استطاعت أن تزررها وتدخلها في البنطلون . وارتدت حذاءها بسهولة فوق الجورب المبتل . أخذت قبعتها عن الشجرة ثم جرت إلي حيث ينتظرها كورد .
وقف كورد صامتا بجانب حصانه وهو يرقب قدومها . كان تسرعها في ارتداء ثيابها وجريها لملاقاته سببا في حمرة خديها , وتألقت عيناها من فرط التوتر والحرج . وقفت ستاسي أمام كورد مترددة . بحثت عيناها في وجهه محاولة أن تقرأ تعبيره في يأس.
وقال :
" تعالي . سأمشي معك عائدين إلي المعسكر ".
لهثت وهي تمشي معه وهو يقود الحصان في اتجاه المعسكر . لم يدر لها وجهه المتجهم مرة واحدة وهما يسيران في صمت .كان التوتر أكثر من احتمال ستاسي . مرت بيدها خلال شعرها المبتل في عصبية . قالت ورنة التحدي في صونها :
" كنت أشعر بالحرارة والغبار من الركوب ".
علق كورد رافضا أن يأخذ طعم التحدي :
" بالطبع كانت المياه مغرية . للأمانة شعرت بإغراء الانضمام إليك ".
راقب وجهها وعيناه تنظران إلي جدائل شعرها المبتلة حول جبهتها , ثم إلي أنفها المستقيم وتوقف عند شفتيها المبتلتين . علمت ستاسي أنهما قريبان جدا من المعسكر . وكانت رؤيتها مع كورد تحرجها , ولكنها لم تكن ترى سوي وجه الرجل القوي الواقف إلى جانبها وكتفيه العريضتين . لا بد انه قرأ في نظرتها إمارات الارتباك والحيرة وهي تحاول ان تفهم سبب تغير موقفه منها ، لأنه ترك ذراعها فجأة وبدا مرة أخرى يمشي في اتجاه المعسكر.
داعبها كورد قائلا:
"لم اعرف امرأة للآن ، لا تنتهز فرصة للاغتسال".
لسبب ما لم تستطع الاعتراف به . شعرت بالأمان لعودتها للمزاح الساخر.
قالت وقد عادت لمشيتها خفتها:
"كيف استطيع أن أغري رجلا إذا كانت رائحتي كالبقرة؟"
رافقها كورد وهما يدخلان منطقة المعسكر:
"هذه نقطة جيدة . اذهبي وكلي لقمة يا صغيرتي . سأرك فيما بعد ".
شعرت ستاسي بيده تلمس كتفها في خفة وهو يتحرك بعيدا عنها في اتجاه شاحنات الجياد . وسري الدفء من لمسته وهي تتخيل وقع يده علي كتفها . فمشت في شرود نحو مجموعة الرجال شاعرة إن كل انتباها مركز علي الرجل الذاهب . وانتظرت بدون وعي قدومه طوال العشاء . وعندما لم يأت شعرت بالاكتئاب . كانت عادة تخشي وجوده وها هي الآن تنتظره . أي نوع من الرجال هذا الذي يستطيع أن يجعلها ترغب في وجودها معه وتكرهه في نفس الوقت؟
أسرع وجود الأشجار حول المسكر في إظلام المكان بعد غروب الشمس مباشرة , فبدت نيران المعسكر أكثر توهجا . كان يبدو علي جيم أنه يبحث عن أحد وهو واقف يراقب العمال . ثم لمح ستاسي واتجه إلي حيث كانت تجلس بعيدا عن الآخرين فقال لها :
" مرحبا ,كنت أبحث عنك ".
سألت ستاسي :
" هل كان العمل شاقا اليوم؟"
جلس جيم بجانبها قائلا:
" ليس شاقا جدا , آسف لأنني اضطرت للتخلي عنك اليوم هكذا ".
ضحكت ستاسي :
" لم يمسك أحدنا بخناق الآخر , إذا كان هذا يقلقك . لم أقصد أن أتسبب لك في المشاكل يا جيم ".
سألها جيم بهدوء:
" إنني معجب بك يا ستاسي , أنت تعلمين هذا أليس كذلك ؟"
وعندما لم تجبه أضاف :
" هل أنت مخطوبة ؟"
تجنبت ستاسي النظر إليه . كان من الممكن أن تسعد بإعجابه ولكنها ندمت علي مجمل الحديث فقالت :
" لا . أنا أيضا معجبة بك يا جيم . إنك صديق طيب جدا ".
" هذا ما أشعر به . أرجو أن أراك كثيرا"
" أرجو ذلك . لم يكن لي أبدا كثيرا من الأصدقاء ".
قال بحنان وقد رفع يده الخشنة إلي خدها الناعم :
" ستاسي يالك من فتاة . أراهن أنك تستطيعين أن ترفضي رجلا وتجعليه يشعر بالسعادة رغم ذلك .



8- صراع الكبرياء



جاءها صوت آخر بحدة علي بعد بضعة أقدام منهما:
" كونورز!"
هبا مبتعدين لصرامة لهجة كورد وهو يخطو خارج الظلام وقد أختفي جزء من وجهة , ولكن لم يكن هناك شك في ثورته المكتومة . كان فكه مطبقا وجبينه مقطبا وضاقت عيناه الداكنتين متوعدتين وهو يحدق في راعي البقر الشاب .
ولم يعجب ستاسي سلوكه المتحكم فاتهمته بقولها:
" لك موهبة فريدة في الظهور حيث لا يتوقع أحد وجودك ".
" هذا واضح ".
وتنقلت نظرة كورد النفاذة من ستاسي غلي جيم . وسأل :
" حسنا؟"
أجاب جيم وقد برز ذقنه وهو يقابل العينين الحادتين :
" ليس لدي ما أقول يا سيدي".
شعرت ستاسي بالاستياء يحرقها إذ كانت الطريقة التي يهين بها كورد جيم أمامها لا تغتفر! كان ينتزع كبرياءه أمام عينيها . فإلي أي مدى يظن كورد أن جيم سيحتمل ؟ ولماذا يهمه كونها تتحدث مع راعي البقر؟
نظر جيم إلي ستاسي في صمت . وأخيرا حياها تحية المساء ومشي بعيدا . استدارت ستاسي لتواجه المزارع الطاغية وهي حانقة وعيناها البنيتان تبرقان وترتعش من الغضب المتزايد الذي يعتمل بداخلها . وصاحت :
" من تظن نفسك بالضبط يا سيد هاريس ؟ هل تهتز طربا وأنت تهين رجلا أمام امرأة ؟ أم أنك تحب أن يعرف الجميع أنك السيد الخطير هنا؟"
قال كورد وما زال صوته شرسا وهو يسيطر علي انفعاله :
"لا أري أن دوافعي تخصك في كثير أو قليل ".
" هذا الرد يعكس شخصيتك تماما , أنت تعتبر نفسك القانون ولست مسؤولا أمام أي شخص . حسنا إنك لا شيء! هل تسمعني ... إنك لا شيء ! إن جيم أكثر رجولة مما تستطيع أن تكون . وتكون مخطئا إذا ظننت أنك قد قللت من شأنه في عيني . كنت أعتبره صديقا من قبل , أما الآن فعندما أقارنه بك أجد أنه الرجل الوحيد لي في العالم".
أجاب بحدة وعضلة فكه تختلج من فرط غضبه المتصاعد :
" أخيرا تعترفين . إذا أنت في حاجة إلي رجل , ولكنني حقا اشك في أنك تستطيعين أن تميزي الرجال إذا قابلت أحدهم".
قالت بحدة وهي تعي تماما أنها تثير كورد أكثر من احتماله:
" أعرف أنه مهما يكن الأمر فإن الذي أقف أمامه الآن ليس رجلا".
لم تعد تأبه لغضبه , فقد كانت تستمتع بالحط من شأن هذا الذي يدعي الكمال.
وكانت هذه هي القشة التي قضمت ظهر البعير , فقد أسود وجهه من الغضب وجذب ذراعي ستاسي بخشونة وقربها إليه حتى أنها استطاعت أن تري العروق النابضة علي جانب فكه . وقبض علي كتفيها بقوة وهي تقاومه وهي تقاومه بلا جدوى . كان اقوي منها بكثير . حرك احدي يديه ليحيط بخصرها وامسك بالا خري بشعرها البني الطويل لأويا ذراعها حتى يرغمها على النظر في وجهه ونظرت مرتعدة إلى عينيه اللتين أصبح سوادهما فاحما.
وقال كورد بصوت مبحوح:
" اقسم لك أنني لن اسمح بأن تتمادي مع رجالي . إذا كنت تبحثين عن مغامرة عاطفية فسأتولى أنا هذا الأمر الآن وفي هذا المكان".
وخفض وجهه ببطء إلى مستوي وجهها كما لو كان يستمتع بخوف ستاسي وهي تدرك أنه سيقبلها . حاولت ببسالة أن تقاوم مرة أخري ولكنه منعها بسهولة. وضيق قبضته عليها كما لو كان ينوي أن يقضي علي كل مقاومتها . وضغط بشفتيه علي عنقها بقسوة محاولا آن يعاقبها ويؤلمها ويهينها . ولكن قربه منها أسرع بدقات قلبها، ولابد انه سمع هذه الدقات كما كانت تسمعها. عندما ظنت ستاسي انه لن يتركها أبدا خطا كورد بعيدا عنها . وفقدت توازنها عندما تركها فجأة وسقطت على الأرض مذهولة تحدق في قوامه الفارع.
وقال كورد وقد عادت البرودة إلى عينيه:
"لا تضيقي الخناق على رجل أبدا قلت لك مرة من قبل أن تتعلمي القواعد قبل أن تلعبي اللعبة".
هبت ستاسي واقفة واندفعت إليه قائلة :
"إنني احتقرك!"
امسك برسغيها بسهولة وحملق بلا انفعال في قطرات الدمع المتساقطة على خديها . حاولت أن تركله وتخشه ولكنه تمكن بسهولة من صد محاولاتها حتى أرهقها المجهود تماما
وقاومت الغصة في حلقها فتمتمت أخيرا :
" لقد هزمتني . تستطيع دائما أن تجبرني علي فعل ما تريد , ولكنك لن تستطيع أن تجعلني أشعر حيالك بأي شيء إلا الاحتقار".
لم تظهر في عيني كورد وهو ينظر إلي ستاسي أية علامة للوم النفس . بل وقف صامتا يبحث في وجهها عن شيء لم تعرفه وهو يترك يديها المحبوستين في يديه , قائلا:
" أعلم ذلك تماما . هيا بنا , فمن الأفضل أن ننضم للآخرين ".
" أهذا كل ما عندك لتقوله ؟ أل تعتذر ؟ إذا كانت هذه هي الطريقة التي تتعامل بها مع النساء فاستطيع أن أري لماذا هجرتك خطيبتك ".
تحجر وجه كورد عندما سمع كلماتها . ونفذت عيناه الداكنتان غلي أعماقها . فأدركت أنها تعدت علي شيء لا يخصها. فوقفت ستاسي في مكانها كالمخدرة , كانت الدموع علي وجهها ومع ذلك وقفت في كبرياء .
أجاب بصوت بارد وخشن :
" لا أنوي أن أعتذر عن تصرفاتي , ولا اعلم ما الذي سمعته عن ليديا وعني ,ولكن مهما يكن فهو ليس من شأنك . اعتبري ما حدث الليلة درسا كان يجب عليك أن تتعلميه منذ وقت طويل . إنك لست فتاة بلا جاذبية . ومن حسن حظك أنني لم أقع تحت تأثير سحرك وإلا لاختلفت نتيجة ما حدث الليلة , فأنني أعلم لحسن الحظ من أنت بالضبط , وأعرف الحيل الرخيصة التي تستعملها مثيلاتك لإرضاء رغبتهن الأنانية في إثارة الاهتمام والإعجاب".
وامتلأ كلامه بالسخرية وهو يقول:
" لقد انتهي الموضوع ".
لم تستطع ستاسي الكلام . نظرت إلي وجهه وقد أثار الاحتقار المرسوم عليه نفورها.
ومن فرط ارتباكها لم تقاومه وهو يأخذ بذراعها ويساعدها علي العودة إلي نار المعسكر . وتعثرت عدة مرات علي الأرض غير المستوية ولكنه لم يتردد في خطواته . ولم ينظر في اتجاها . فلم يكن هناك ما يشير غلي أنه يعترف بوجودها سوى يده الموضوعة علي ذراعها.
وعندما وصلا إلي المعسكر تركها واستمر في سيره غلي الدائرة بدونها . وحمدت ستاسي ربها لابتعاده عنها, ودخلت في فراشها راجية ألا يحادثها أحد أو يري في وهج النار أثار البكاء في عينيها . وأخذت تشهق بالبكاء في صمت وهي تزحف تحت الأغطية . ولعنته لرأيه الذي ليس له ما يبرره فيها ثم استقرت داخل بطانيتها بحثا عن الدفء و ولكن ظلت في عقلها وقلبها ذكري ذراعيه القويتين الدافئتين وبصمت أطبق النعاس علي جسدها المنهك .
سطعت شمس الصباح متألقة علي ستاسي وهي تركب الحصان الصغير الذي ركبته في اليوم الأول . ولم تجتذبها المناظر الريفية المحيطة بها وهي تسير بجانب القطيع .
وفي أحلام الليلة الماضية عاشت مرة أخري أحداث الأمس , وكان الحلم أكثر إثارة من الحقيقة . وبعد ذلك تعلقت به يدفعها يأسها وخوفها من أن يرفضها . وشعرت أنها قد خانت نفسها في هذا الحلم بطريقة أو بآخري . لقد كانت تكره كورد هاريس وكل ما يمثله . كان شعورها بالخجل والذنب للقبلة الوهمية أضعاف شعورها بالمهانة للقبلة الحقيقية .
واستيقظت من أفكارها علي وقع خطوات حوافر تقترب منها . نظرت فرأت جيم كونورز يمتطي جوادا راكضا . لوح بيده ووقف بجانب هانك , وتبادلا بضع كلمات فتساءلت ستاسي عما إذا كانت هي موضوع الحديث واحمرت وجنتاها حرجا . لو كان اليوم مثل الأيام الماضية لانضمت إليهما ولكنها خشيت أن تواجههما اليوم فتبدو علي وجهها أحداث الليلة الماضية . وبعد بضع دقائق جاءها هانك وقال:
" سنصل غلي المرعي بعد ساعة . قال السيد لجيم هذا الصباح أن عليك أن تعودي لبيت المزرعة بمجرد أن نصل إلي المراعي الصيفية ".
وكانت ستاسي تخشي لقاء كورد هاريس مرة أخري فسألت :
" لماذا ؟ ألم يذكر السبب؟"
أجاب هانك وعلي وجهه نظرة فاحصة :
" لا سيكون أحد العمال هناك ومعه سيارة بيك آب وستركبين معه , ويريد السيد منك أن تذهبي إلي مكتبه بمجرد وصولك . لقد حدثت بينك وبين السيد كورد مشادة أخري مساء أمس , أليس كذلك ؟"
بدأت ستاسي تنكر ولكنها كانت تعلم أنها لن تستطيع أن تخدع راعي البقر اليقظ فأومأت بلا يجاب .
هز رأسه باسما وهو يقول:
" إنكما لا تتفقان أبدا . قال جيم أنه فاجأكما مساء أمس".
وعلقت ستاسي بمرارة قائلة:
"أعتقد أنه قد ثار علي جيم هذا الصباح ؟"
ابتسم الرجل المخضرم وهو يرقب وجه ستاسي ليري رد فعلها وقال:
" توقع جيم أن يثور عليه السيد ولكنه لم ينطق بكلمة عن الموضوع . بل إنه عهد إلي جيم برئاسة أحدي مجموعات ترقيم الماشية ".

ظهرت الدهشة علي وجهها وهي تقول :
" هل فعل ذلك ؟"
ثم قالت في نفسها ربما كانت هذه طريقته في الاعتذار.
" أعتقد أنك تتصورين نني رجل كهل يثرثر , ولكن هل تحبين جيم أو شيئا من هذا القبيل ؟"
" لا . إننا صديقان . لقد كان يعرف أبي أو قابله في محاضرة ".
" هذا حسن ".
قالت بفضول :
" حسنا . لماذا ؟"
" إنه ليس مناسبا لك . إنك تحتاجين شخصا أقوي منه ليكبح جماحك . إن النار مع النار تصنع وهجا أكبر دائما ".
ضحكت قائلة :
"لم أكن أعلم أنك تمزج جمع رأسين في الحلال بالفلسفة يا هانك . قل لي هل في ذهنك رجل معين ؟"
" نعم ولكن لن أقول . ستعرفين قريبا جدا".
لكز حصانه وأضاف رافعا صوته فوق الجلبة :
" يستحسن أن نعود إلي العمل".
رافقته ستاسي وهي تضحك وقد زالت عنها كآبة الصباح في صحبة راعي البقر الحكيم . وعندما طاردا آخر الماشية الشاردة أشار هانك نحو سيارة بيك آب منتظرة , ففهمت ستاسي أنها ستعود إلي بيت المزرعة فيها .
وصلت بحصانها إلي شاحنة الجياد وترجلت . وحاولت تفادي الجياد وراكبيها واتجهت نحو السيارة . ففتح لها السائق الباب وأشار لها بالدخول . تبادلت ستاسي معه بعض النكات ولكن توقعها لقاء كورد بعد حادثة الليلة البارحة جعلها تصمت بالتدريج . وكان هناك في تصورها أسباب متعددة لرغبته في الحديث معها , وكانت تتمني أن يسعدها الحظ فينهي اتفاقهما .
عندما وصلا ساحة البيت لاحظت ستاسي وجود سيارة كاديلاك ذهبية لم ترها من قبل هناك . وبالرغم من أنها لم تكن تعرف الجيران إلا أنها كانت واثقة من أنها لم تر أية سيارة كهذه سابقا . وملأها إحساس عجيب بالتوجس عندما توقفت سيارة البيك أب بجانب بوابة المنزل لتخرج منها .
كانت ستاسي مرهقة وخائفة . تمشي وفي يدها فراشها الملتف وقبعتها . وفي اليد الأخرى سترتها الجلدية . وتمنت وهي تفتح الباب لو أتيحت لها فرصة أن تغتسل وتبدل ثيابها قبل لقاء كورد هاريس المقيت , ولكنها كانت تعلم أنه ينتظرها فور وصولها . واحترقت من الاستياء وهي تدرك أنه كان يريد أن يلقاها وهي في وضع غير مناسب كيف يمكنها أن تظهر بمظهر هادئ وتسيطر علي نفسها إذا كانت تبدو مثل صبي قذر؟
سمعت اصواتا في الغرفة التي يعمل بها كورد بينما تجتاز مدخل البيت البارد . ووقفت حائرة أمام الباب المغلق, حاولت أن تتعرف علي تلك الأصوات ولكن الباب السميك المصنوع من البلوط منعها من ذلك . ففكرت: ربما كان مشغولا ولا يرغب في رؤيتي ألان.
ولكن... لا... من الأفضل أن تنتهي من هذا اللقاء . استسلمت للأمر الواقع ووضعت أشياءها علي أريكة خارج الغرفة ونفضت الغبار عن بنطلونها وبلوزتها ثم رتبت شعرها الطويل, واعتلت ودقت الباب.
جاءها الرد خافتا :
" ادخل "
فتحت ستاسي الباب ودخلت الغرفة بثقة أكثر مما كانت تشعر , وكان كورد واقفا أمامها مباشرة بجانب مكتبه . كانت في وقفته بساطة وعدم اكتراث مما زاد من توترها .
قال كورد وهو يلوح بيده امرأ:
" ادخلي ياانسة آدامز"
مرت عيناه الهازئان علي مظهرها المشعث وأضاف :
" أري انك وصلت توا "
أجابت ستاسي مدافعة عن نفسها وهي تواجهه بجرأة :
"فهمت أنك تريد أن تراني علي الفور , ولكن يمكنني أن أعود بعد فترة إذا كنت مشغولا"
قال:
"لا ,لن يكون هذا ضروريا".
تحولت نظرته منها إلي الكرسي ذي الظهر العالي أمام مكتبه وقال:
"لن تمانعي في الانتظار بضع دقائق ... أليس كذلك؟
لأول مرة بحثت عينا ستاسي في الغرفة عن صاحب الصوت الثاني الذي سمعته وهي في الخارج . كانت مشغولة بلقاء كورد حتى أنها نسيت مؤقتا فضولها لمعرفة شخصية صاحب السيارة الكاديلاك. وأثار انتباهها حركة المقعد . لقد أخفي المقعد الجلدي الكبير شاغله إذ كان ظهره لستاسي . أما بعد هذا فقد رأت ستاسي ساقين رشيقتين ترتديان جوربا وحذاء ذا كعب عال . وأظافر مطلية ليد أنثوية . شعرت ستاسي برجفة متوجسة تسري في عروقها . كانت المرأة جميلة بشكل لافت للنظر . وكان شعرها فاحم السواد مرفوعا في تسريحة إلي أعلي مما أظهر عظام خدودها العالية وبشرتها العاجية . استدارت لستاسي فظهرت عيناها السوداوان بلون شعرها تشعان بوهج مكتوم . كانت أطول من ستاسي ببضع بوصات وأعطت الانطباع بأنها تنظر لها إلي أسفل من خلال أنفها الرشيق ز ولمعت العينان السوداوان سرورا عندما رأت المرأة مظهر ستاسي المتسخ .
قالت المرأة الغريبة بصوت موسيقي واضح :
" ستقدم كلا منا للأخرى ... أليس كذلك يا كورد ؟"
وأجاب وعيناه لا تتركان وجه ستاسي الذي احمر خجلا:
" بالطبع . ليديا . أود أن تلتقي بالآنسة ستاسي آدامز . كانت تعاونني في المزرعة كما تستطيعين أن تري . آنسة آدامز : هذه هي ليديا مارشال صديقة قديمة جدا لي".
تمتمت ستاسي بتحية غير واضحة وأومأت برأسها . فهذه هي ليديا المرأة التي كانت خطيبة كورد ! شعرت بأن وجود الاثنين معا لا بد وأن له معني فنظرت لكورد متسائلة , وبقي علي وجهه نفس التعبير الهازئ الذي ألفته في الأسابيع الماضية . وكان هناك معني آخر للمعة عينيه , عزتها أول الأمر لمظهرها المشعث . ربما عادت المياه لمجاريها بينهما ولكن ماذا عن زوج ليديا ؟ تسابق في ذهنها ألف سؤال وهي تحاول التركيز علي الحديث الجاري بين الاثنين . ولكن الشيء الوحيد الذي بقي محفورا في ذهنها بعد أن تركت ليديا الغرفة هو الصوت الحريري للمرأة ذات الشعر الداكن.
حدقت ستاسي في اتجاه الباب المغلق محاولة في يأس أن تطرد مشاعر الخوف البارد التي نمت في داخلها .
كرر كورد كلامه في نبرة أعلي من قبل قائلا بصوته العميق:
"قلت . هل تحبين أن تجلسي يا آدامز ؟"
همهمت ستاسي وقد أحرجها عدم انتباهها :
" بالطبع , أنا آسفة ".
وخطت إلي مقعد من المقاعد ذات الظهر المستقيم بجانب المكتب وجلست . كان كورد جالسا خلف مكتبه يقلب في أوراقه.
" يالها من أمرأة جميلة , تري هل حظر معها زوجها؟"
أفلتت من ستاسي هذه العبارة قبل أن تدرك ماذا قالت .
قال كورد وفي عينيه شبح ابتسامة , وعلي شفتيه تعبير الرضي والزهو :
" لا , يبدو أن السيدة مارشال تطلب الطلاق ".
قالت ستاسي بصوت خافت :
" أوه ".
لماذا ضايقها أن يعود هذان الاثنان لبعضهما كما يبدو ؟ قال بسرعة :
" والآن لنبدأ في الحديث عن سبب استدعائي لك . من الواضح أن اتفاقنا السابق لن يعطي نتائجه المرجوة , علي الأقل ليس كما خططت ".
جلست متوترة علي طرف المقعد وتطوعت قائلة :
" مازلت موافقة علي أن اكتب ك شيك يغطي ثمن أي خسارة تسببت فيها . أنا أفهم تماما أنك تريد التخلص مني وأؤكد لك إنني أبادلك نفس الشعور".
قال وهو يرفع حاجبا واحدا :
" أخشي انك قد أسأت فهمي . مازلت أعتقد أن عليك أن تعملي حتى تسددي دينك . الأمر الواضح هو أنك لا تستطيعين أن تأخذي مكان رجل أو حتى نصف رجل . ولهذا اقترح أن تتولي أمر عمل أنسب لطبيعة المرأة ".
" لا أفهم تماما ما الذي ترمي إليه ".
" كما ذكرت لك من قبل , إنني أعقد مزادا كل ربيع أبيع فيه بعض جيادي المسجلة علي طريقة أهل تكساس . وهذا يعني أن أقيم حفل شواء في الهواء الطلق".
لمعت عينا كورد وهو يراقب إمارات الفهم علي وجه ستاسي وأضاف :
" أنا واثق أنك تستطيعين تنظيم نشاط هذا العام بخبرتك في الأندية الريفية مما يعطيني فرصة التفرغ للاهتمام بالمزرعة ".
سألته ستاسي وهي تتجاهل السخرية المقنعة التي نطق بها كلماته:
" كم عدد المدعوين إلي هذا الحفل ؟ ومتى سيكون موعده؟"

أجاب وهو يراقب وجهها مفكرا :
"أعتقد أنه قبل نهاية ذلك اليوم سيكون عدة مئات من الناس قد حضروا . والموعد هو التاسع من يونيو , أي بعد حوال أربعة أسابيع . إذا كنت تظنين أن العمل كثيرا عليك !".
قالت ستاسي مدافعة عن نفسها :
" إطلاقا . ولكني أعترف بفضولي لمعرفة السبب في أنك لم تطلب من السيدة مارشال أن تقوم بدور المضيفة والمنظمة".
فتر صوته لجرأتها وهو يقول:
"إن أسباب قراري باستخدامك ليست من شأنك , ولكني قلت من قبل إنني أريدك أن تعملي لتخرجي من ورطتك , وهذا هو البديل الوحيد . إن السيدة مارشال تمر بمرحلة صعبة لإعادة ترتيب حياتها , ولا يتوقع أحد منها الأشراف والأعداد لجمع بهذا الحجم , وخاصة أنها تمر حاليا بضغوط عاطفية. ثم إنه من غير اللائق أن تتولي ليديا هذه المهمة في هذا الوقت . وأشك في أنك ستفهمين هذا ".
ردت عليه بحدة وقد آلمتها طريقته البارعة في حماية خطيبته السابقة :
"لم أكن أعلم أنك تأبه لأراء الناس الآخرين ".
أجاب بصوت بارد كالثلج:
" هذا يتوقف كثيرا على هؤلاء الناس. هناك بعض الناس الذين لا أريد أن تتأثر سمعتهم, وهناك بعض الناس الذين لن يمكثوا هنا ولذا فأنا لا اهتم بشأنهم"
قالت ستاسي غاضبة:
"إذا كنت تشير إلى من طرف خفي , فانا أفضل أن تتكلم بصراحة. لقد كونت فكرة مضحكة عني بأنني أغازل كل رجل أقابله. على الأقل إنني لا أتعرض للضيوف الموجودين في بيتي!"
قال كورد بحدة وصوته ينخفض منذرا بالخطر:
"كنت أظنك أعقل من أن تثيري هذا الموضوع".
واختلجت عضلة فكه منذرة مرة أخرى وأضاف:
" من الأفضل أن ننسي الليلة الماضية. معظم النساء لديهن من الكبرياء مايمنعهن من إثارته".
أجابت ستاسي بسرعة وهي تقف ثائرة وتقبض بيديها بشدة على ظهر الكرسي:
"أنا لست معظم النساء. واضح انك تريدني ان انسي الموضوع في غمضة عين".
قال كورد ناظرا إلى قوامها الرشيق:
" بصراحة, لا يهمني إذا كنت تنسين أم لا. إلا إذا كنت تريدين أن أعيد الكرة"
قالت:
" هذا آخر شيء أريده منك!"
اخترق وجهها وهي تتذكر استجابتها له في الحلم . قال منهيا الموضوع وموليا اهتمامه إلى مجموعة من الأوراق أمامه:
"حسنا. هاهي بعض الترتيبات المعدة للمزاد, وعليك أن تستوعبيها جيدا. تستطيعين استخدام هذه الغرفة كمركز لنشاطك. وبما إنني أقوم بمعظم أعمالي المكتبية في المكتب فلن أزعجك, من المحتمل أن يكون هناك بعض التفاصيل التي تودين أن تراجعيها معي , وتستطيعين ان تتصلي بي في هذه الحالة . اعتقد أن هذا هو كل شيء".
تجمدت الكلمات الغاضبة في حلق ستاسي تحت تأثير صوته الفاتر الذي ينم عن رغبته في انصرافها . وقفت برهة إلي جانب المقعد ولكنه لم يرفع عينيه عن الأوراق. فاستدارت علي عقبيها بسرعة وخطت خارج الغرفة وأقفلت الباب بشدة خلفها. ثم جمعت حاجياتها من الردهة وصعدت الدرج إلى غرفتها حيث ألقت بحمولتها علي الأرض وأخذت تنظر إلي وجهها العابس في المرآة .
"بعد ذلك بساعة كانت ستاسي تمشي خارجة من الحمام بعد أن اغتسلت وبدلت ثيابها عندما قابلت كورد في البهو.
قال كورد بسرعة وعيناه الداكنتين الفاترتان تستوعبان مظهرها المنتعش :
" لقد نسيت أن أعطيك مفاتيح سيارتك . ستحتاجين لوسيلة انتقال , لذا أمرت أحد رجالي بإحضار سيارتك من الكوخ . إنها في الكاراج".
أجابت ستاسي بسخرية :
" كم أنت بعيد النظر !".
أضافت وعيناه تضيقان للهجتها :
" وضعت لك أيضا آلة كاتبة في الغرفة .أعتقد أن ÷ذا هو كل ما تحتجين ".
قالت :
" أنا واثقة من أن كل شيء علي ما يرام".
بدأت تتخطي الرجل الوسيم ولكن ذراعه القوية أسرعت وسدت الطريق إمامها . برقت عينا ستاسي وهي تنظر إلى وجهه المسود. قال كورد مهددا:
" تستطيعين أن تمسحي هذا التعبير عن وجهك . انك تحتاجين إلى علقة ساخنة سيكون لها تأثير السحر على طفلة مدللة مثلك".
أجابت بدون أن تجفل أمام نظرته الخارقة :
" العنف هو حلك لكل شيء.....أليس كذلك؟ وألان ابتعد عن طريقي ودعني أمر".
كان داخلها يرتعد وهي تدفعه بعيدا عن طريقها وتنزل الدرج بسرعة. كانت ليديا مارشال تقف أسفل الدرج بجمالها الأسمر وعينيها السوداةتين الباردتين كالثلج وهي تراقب ستاسي تمر من أمامها. ولكن الثلج اختفي عندما نزل كورد خلف ستاسي.
قالت ليديا بصوتها المعسول:
" هذا أنت! بدأت أتساءل عما إذا كنت قد نسيتني. لقد أعددت لنا شرابا. أرجو أن أكون قد تذكرت ذوقك في الشراب".
رفرف صوت ستاسي كما لو كان رداء احمر مزهوا, ولكنها لم تنتظر لتسمع رد كورد, إذا أسرعت كالعمياء إلى غرفة العمل واستندت إلى الباب المغلق في انتظار أن تعود ركبتاها المرتعشتان وقلبها الذي يدق بعنف إلى حالتها الطبيعية. لماذا سمحت لكورد أن يثيرها هكذا؟ لم يتصرف نفس التصرف حيالها مرتين ؟ مرة كان مداعبا ودودا عندما وجدها عند النهر, ومرة أخري كان عنيفا مهينا عندما قبلها بكل هذه القسوة. واليوم تصرف كالسيد الدكتاتور. في نظر ستاسي كان كورد يستحق ليديا مارشال بجمالها اللاتيني البارد وطريقتها المتزلقة التي تثير الاشمئزاز . أوه كم كانت ستاسي تتمني وجود كارتر ميلز باتزانه. فقد أتعبها كورد بانفعالاته المتقلبة.
كانت متعبة واهنة من ركوب الخيل لمدة ثلاث أيام متواصلة, فمشت إلى خلف المكتب, وجلست على المقعد في اكتئاب , وأخذت تدرس مجموعة الأوراق أمامها . عبرت خاطرها صورة اليدين التين لوحتهما الشمس وهي تقلب نفس الأوراق. قلبت الأوراق شاردة حتى ردها إلى انتباهها حجم الحفل بكل تفاصيله.
وروعها ما قرأت , فجلس في المقعد الدائر وأخذت تبحث في الأوراق مرة أخري. لو لم يكن ينصبها كل هذا العداء لشرحت له إنها لم تعد حفل عشاء لأكثر من اثني عشر شخصا في حياتها. ما الذي ستفعله ألان؟ مرت في ذاكرتها ابتسامته الساخرة الهازئة وهي تتخيل إنها تشرح له موقفها.
فكرت ستاسي كم سيعجبه ذلك . كم سيسعده أن يري فشلي . حسنا لن يحدث هذا. علي أن اعمل أكثر مما ظننت وإذا كنت سعيدة الحظ لن يري أبدا الأخطاء البسيطة التي ستحدث عفوا.
وبثقة متجددة أعادت دراسة الأوراق مرة أخري وبدأت تعد خطة العمل.




9- لمساته كالحروق



أطار الحصان الأحمر عرفه الأصفر في الهواء وصهل غاضبا لليد الحازمة التي تحد من سرعته ,
هدأته ستاسي قائلة:
" اهدأ يا ديابلو ".
ولكنه استمر في جر شكيمة اللجام.
فكرت ستاسي ربما يهدئ من توترها أن انطلقت بالحصان . لقد دفعت ستاسي ضريبة مشاداتها مع كورد بعد ظهر ذلك اليوم من صبرها وأعصابها . مضي أسبوعان منذ عهد إليها كورد بترتيب احتفالات المزاد , وكان إعداد الأنشطة المختلفة عملا مرهقا يستغرق النهار كله . خاصة لمن لم يقم بمثل هذه المهمة من قبل , علي الرغم من المعونة التي تلقتها ستاسي من زوجات العمال الدائمين قي المزرعة . كانت ستاسي راضية عن العمل الذي قامت به حتى تلك اللحظة .ولديها شعور بأن كورد راض أيضا عن عملها . رغم أنها لم تكن تهتم برأيه كما قالت لنفسها . ولكن بعد ظهر ذلك اليوم عندما كانا يستعرضان بعض المراسلات بشان الاعداد للمزاد سألها كورد عن بروفة المطبعة لقائمة المبيعات. لم تكن ستاسي تعلم عنها أي شيء واعترفت بذلك.انها مازالت تذكر تعابير وجهه الثائر وهو يسمع كلماتها.وأثارتها ذكري كلماته اللاذعة. كان في استطاعتها أن تشرح له عدم خبرتها في إعداد مثل هذه الحفلات. ولكن أهانته لها جرحتها في أعماقها مما جعلها تخشي المزيد من الاستهزاء. إذا كان كورد من القسوة بحيث لا يمكن أن يمتلك, ولومن بعيد, ما يشبه القلب!
كان كورد يتغيب تقريبا كل يوم منذ لقائهما الذي عهد أليها فيه بترتيبات الحفل,وأحيانا كان يجتمع بها أثناء النهار , ولكن حديثهما كان محددا بموضوع المزاد . ولم تكن ستاسي تعلم ما إذا كان السبب وهو وطأة العمل في المزرعة, أم أنه كان يتجنب قضاء أي وقت معها . مرت ليديا مرورا عابرا عدة مرات بحثا عنه, وفي بعض الأحيان كانت تتنازل وتسأل ستاسي عن مكان كورد موحية لها بأنه يساعدها في إجراءات طلاقها . وكانت عادة تجده في مكان ما لأن ستاسي كانت تراهما معا كثيرا من النافذة ,وكورد يخفض رأسه ليستمع إلي عبارة هامسة من المرأة ذات الشعر الفاحم بينما تضع هي ذراعها علي ذراعه باستئثار . كان من الطبيعي أن تتراجع عن النافذة وهي تشعر بالذنب , ووجهها يحمر خجلا كما لو كانت ضبطت متلبسة بالتصنت علي حديث خاص . وفي أحيان أخري كانت تراقبهما حتى يختفيا عن نظرها قبل أن تعود إلي عملها وهي تعاني من شعور غريب بالانقباض.
كانت متأكدة أن غياب كورد في المساء بسبب ليديا . ومن الغريب أن ستاسي وجدت نفسها تارة تفتقده , وتارة أخري تخشي حضوره , ولكنها رفضت أن تخوض في أسباب تقلب عواطفها .
انضم إليها جيم كونورز في عدة أمسيات علي الشرفة . وكانا يثرثران وهما يكتشفان اهتمامات كثيرة مشتركة . كانت ستاسي ترتاح لبساطة راعي البقر الشاب بضحكته الحاضرة , وصحبته التي لا تطلب منها شيئا . وكانت علاقتها به تختلف اختلافا شاسعا عن علاقتها العاصفة بكورد هاريس , كانت تشعر بالراحة والطمأنينة مع جيم لم تكن تقلقها كل كلمة صغيرة تتفوه بها وكيف سيفسرها . كان جو صداقتها المريح الذي يحيط بها عندما تكون مع جيم يذكرها بطريقة اعتمادها علي كارتر ميلز.
كارتر ... كان يبدو علي بعد أحقاب منها . هل كانت معه حقا منذ مدة قصيرة ؟ كانت قرأت بين السطور تيارا من القلق عليها لم تستطع ستاسي أن تتجاهله . كانت تعلم أنه ينتظر منها ردا, ردا لا تستطيع أن تعطيه . وكان من الصعب عليها حتى أن تتذكر شكل كارتر كل ما تستطيع تذكره هو صورة مشوشة لشعر أصفر قصير وعينين زرقاوين لامعتين . وقد بلغ من عدم وضوح الصورة أنه قد يكون في خيالها صورة جيم وليس كارتر . ربما كان التشابه بين الاثنين هو السبب في انجذابها نحو جيم . ربما كانت أحسن حالا لو أنها لم تأت إلي هنا , ولكن في هذه الحالة ما كانت لتقع في غرام هذه البلاد الخشنة المتوحشة . حتى في هذه الظروف كانت ستاسي تستمتع بقربها من هذه المناظر الطبيعية . لقد غاب الزحام والضباب وضجيج حركة المرور الذي لا ينتهي , وحل محله الفضاء الشاسع والهواء المنعش ونداءات مخلوقات الله الخافتة.
ألقت ستاسي نظرة علي الشمس الغاربة ثم امتطت جوادها المستريح مرة أخري واتجهت به إلي بيت المزرعة . وكانت تعلم أن عليها العودة قبل مغيب الشمس تماما .
وصلت ستاسي إلي الاصطبلات بسرعة فنزلت وقادت حصانها الطيع خلال بوابة السياج إلي منطقة الاصطبلات , أخذت تدندن فرحة فلم تشعر باقتراب هانك المسن.
قال هانك :
" إنك بالتأكيد مرحة للغاية ".
أجفلت للصوت المفاجئ ثم قالت مؤنبة وهي تضحك ضحكة مهزوزة :
"هانك ! يجب ألا تفعل ذلك ! لقد أفزعتني حتى وقف شعري!".
ابتسم قائلا :
" تبدين سعيدة راضية حتى خيل لي أنه من القسوة إفساد هذه الصورة الجميلة ".
لمعت عيناها البنيتان وداعبته قائلة :
"كنت أظن أن الأيرلنديين هم الذين قبلوا حجر المداهنة . يبدو أن لكم حجرا مثله هنا ".
أجاب هانك :
" هراء ليس هناك شيء من الادعاء حين يقول المرء لفتاة جميلة أنها جميلة , لتصدق ما عليها ! أن تنظر إلي المرآة , وتري نفسها".
شعرت بالدفء لمحبة الرجل الكهل الواقف بجانبها .ولأشعة الشمس المتألقة الحانية . وغمرتها رغبة ملحة أن تفرد ذراعيها وتحيط بهذه الأرض الخشنة الموحشة التي أسرتها تماما. بدلا من هذا رفعت وجهها للنسيم الرقيق واستنشقت العبير المعطر الذي يحمله وصاحت:
" كم أحب هذه الأرض!".
ثم تنهدت في ندم :
" سأكره أن أترك كل هذا وارحل".
علق هانك علي كلامها قائلا:
" ظننت أنك لا تحبين هذا المكان؟"
وأدار رأسه ليخفي وميض عينيه.
" لم أر أي شيء مثل هذا المكان . في بعض الأحيان أجده قاسيا وموحشا, ولكن يبقي فيه جماله . كلا يا هانك أنا لا أحبه فقط , إنني أهيم به ".
" إذا كنت تحبين هذا المكان لهذه الدرجة فلماذا تتركينه ؟ لم لا تنتقلين إلي مكان بالقرب من هنا؟"
أجابت ستاسي وهي تهز شعرها البني هزة رقيقة :
" ليس هذا نفس الشيء"
" ما هو السحر الخاص بهذا المكان في أي حال؟"
أجابت مفسرة في تردد:
" إنه شيء مختلف . الشمس لن تغرب كما تغرب هنا . ولن يكون لون التلال كلونها هنا".
نخر كالحصان قائلا:
" الشمس تغرب بنفس الطريقة في كل مكان".
ثم استدار لوجهها المغتبط بدون أن يحاول إخفاء لمعة عينيه وأضاف:
" وماذا عن السيد ؟"
سألته ستاسي وهي تتصلب بمجرد ذكر كورد هاريس الغامض:
" ماذا تعني ؟"
" أليس هو جزءا من كل هذا؟"
" بالطبع لا! إنه ..."
ابتسم هانك وهو يسرع بالكلام قبل أن تنطق ستاسي بالاعتراض:
" إنه السبب الوحيد في رغبتك في البقاء هنا . دعك من خداع نفسك بأن سبب وجودك هنا هو ارتباطك بالعمل تعويضا عما سبب حصانك من خسائر"
صاحت ستاسي:
" إنه لن يتركني أذهب ".
أجاب هانك:
" أنت التي لا تتركين نفسك لتذهبي . واجهي الأمر يا فتاة , إن كل ما يملكه ضدك هو قلبك أنت . إنك تحبينه وأنا أعلم هذا منذ مدة طويلة ".
استوعبت كلماته الخشنة وقالت بضعف:
" لا".
" أحسب أنه قد آن أوان المصارحة . إذا كانت لديك أية شجاعة فعليك أن تعترفي بحبك بينك وبين نفسك"
وقفت ستاسي صامتة بعد أن ابتعد هانك . تحب كورد هاريس ؟ مستحيل ! كيف ؟ لقد كان أكثر عجرفة ووقاحة وبغضا من أي شخص عرفته . إنها تبغضه ! تدافعت الذكريات في ذهنها , تذكرت سرعة نبضها عندما يدخل الغرفة , العذاب والألم اللذان تعاني منهما عندما يبتسم ابتسامته الساخرة , حرق جلدها كلما لمسها . وكانت ستاسي تئن وهي تتذكر الشعر الأسود بخصلته التي لا تثبت في مكانها بل تتدلي علي جبينه الملوح والعينين الداكنتين اللامعتين اللتين أنذرتاها مرات كثيرة بأنهما ستلتهمانها بنارهما. وعظام الوجنتين المحددتين في رقة وعليهما شبح لحية.
استدار الحصان في صبر نافد , فقادته إلي حظيرته كالمخدرة وتعثرت أكثر من مرة وهي في طريقها , وفقدت القدرة علي التركيز في أي شيء إلا صورة كورد هاريس المحفورة في ذهنها . كانت تحبه ! وذلك العذاب الذي يتملكها كلما كان قريبا منها , لم يكن إلا لرغبتها في حبه . وسمحت ستاسي لنفسها بأن يغمرها وعيها بهذا الحب وهي تطلق حصانها في حقله . هل كانت عمياء حتى أنها لم تفهم هذا من قبل؟ وامتلأت نفسها بهجة


وهي تسرع إلي بيت المزرعة . احمرت وجنتاها , وأضاءت عيناها . وغمرت وجهها ابتسامة دافئة لهذا الاكتشاف . وأخذ قلبها يشدو . ستاسي آدامز تحب كورد هاريس . كانت تريد أن تصرخ بهذه العبارة للعالم أجمع . ثم فتحت باب المنزل الثقيل , وقد انقطعت أنفاسها وجرت إلي البهو الصامت.
أوقفها خلو المكان تماما . فلم يكن هناك . خرج مع ليديا عصرا بعدما تشاجرت ستاسي معه . اجتاحها شعور جارف بالوحشة . كيف استطاعت أن تنسي ليديا بشعرها الفاحم وبشرتها العاجية ؟ لقد عادت السيدة المطلقة بجمالها الأسمر , لكورد , وعادت تقبل حبه الذي كان قد ألقاه مرة من قبل عند قدميها . كان يهتم بها هي وليس بستاسي , لقد نسيت شيئا هاما في غمرة انفعالها بحبها الذي وجدته توا, وهو أن كورد يحتقرها , يحتقر كل ما تمثله !
أنبت نفسها , وتقلص أنفها والنمش الذهبي المنثور عليه خشية أن يبتلعها الإشفاق علي نفسها وقالت:
تماسكي يا ستاسي آدامز , لم يرب أبوك فتاة متخاذلة . كورد يعتقد أنك فتاة مستهترة بلا ذرة عقل , لا يهمها أحد سوى نفسها . ولكن عليك أن تعرفيه أنه علي خطأ قبل فوات الأوان . علي الأقل تستطيعين أن تكافحي من أجله . وتستطيعين أن تعطي هذه الساحرة ذات الشعر الفاحم فرصة لسباق معها.
أزاحت عنها أفكار الحزن بعزم . الأهم فالمهم . والأهم هو أن تغتسل من الغبار من أثر ركوب الحصان , وبعد ذلك تبدل ثيابها للعشاء , سوف ترتدي الليلة ثوب السهرة المصنوع من قماش ألجرسيه برسوماته الجريئة باللونين الفيروزي والزمردي . كان إحضارها لهذا الثوب مجرد نزوة ولكنها الآن سوف تستخدمه .
لمعت عيناها في انتظار الموقعة وهي تخلع ملابسها بسرعة وتقف تحت الدش...كورد ... أخذت تنطق الاسم المحبب . كان له وقع اسم رجل, وقوة سوط يفرقع عاليا . لقد ربت أرض تكساس الخشنة رجلا مناسبا ليقهر أرضها القاسية .وتذكرت قوة يديه وذراعيه الحديديتين وكتفيه العريضتين . لو أنها تستطيع أن تنظر في عينيه وتري فيهما الحب الذي تتمناه لأصبحت الدنيا مكانا مثاليا .
عندما خرجت من تحت الدش استعادت سحر عواطفها الذي كانت تشعر به من قبل . عاد هذا السحر بمرونة الشباب بثقة تعتمد علي الإيمان أكثر من اعتمادها علي العقل .وجففت جسدها بسرعة , ثم عادت لغرفتها وهي تتمتم بالغناء في سعادة , وبدأت ترتدي ثيابها باهتمام أكثر من المعتاد.
وعندما فرغت من ارتداء ثيابها وقفت أمام المرآة الكبيرة تنظر إلي صورتها بعين نافذة . أبرزت ألوان ثوبها الزرقاء والخضراء اللون الذهبي في ذراعيها البضتين , كما أبرزت الأطراف الذهبية لشعرها ,نظرت نظرة أخيرة لحذائها المصنوع من الساتان وهو يظهر تحت جونلتها الطويلة . غمزت بعينيها إعجابا بصورتها وتركت الغرفة .
هبطت ستاسي الدرج كالملكة علي الرغم من خفقان قلبها , وكانت مديرة المنزل المكسيكية البدينة تعد المائدة في غرفة الطعام . فغابت الثقة التي تبدو علي وجهها إلي أعماقها عندما رأت المكان يعد لشخص واحد. كادت أن تسأل ماريا عن موعد عودة كورد للبيت , ولكن كبرياءها أبت عليها أن تنهار لاحتمال عودته في وقت متأخر , وكانت أسئلتها في هذا الشأن في الأمسيات الماضية تقابل برد سلبي , ولم تكن تحتمل أن تسمع مثل هذا الرد الليلة.
ثرثرت ماريا بابتسامتها العريضة المعتادة :
"إن الآنسة تبدو رائعة الجمال الليلة . ربما كنت علي موعد مع جيم أليس كذلك ؟"
ابتسمت ستاسي وهي تقاوم ارتعاد جسدها وقالت :
"لا!"
وجلست ستاسي بهدوء إلي المائدة الخالية . وحاولت أن تأكل من الطعام الشهي الموضوع أمامها . ولكن انتظارها لكورد لم يترك مكانا في ذهنها للرغبة في الطعام , علي الرغم من محاولتها الشجاعة لتظهر اهتمامها بسلطات الفاكهة واللحوم الباردة , التي بذلت ماريا كل هذا المجهود لإعدادها , وأخيرا , بعد أن تظاهرت بضع دقائق بأكل أحد أطباق الأناناس بدون أن تتذوق أي شيء منه ابتعدت عن المائدة . لم يكن هناك جدوى لبقائها . لقد سرق التوتر والتوجس شهيتها . وكانت منفعلة ألي درجة أفقدتها قدرتها علي الأكل . وقفت بعصبية وبدأت تمشي جيئة وذهابا بجانب المائدة.
سألتها المرأة المكسيكية الواقفة في مدخل غرفة الطعام:
"هل أنت بخير يا آنسة ؟"
لم تشأ ستاسي أن تجرح مشاعرها فقالت معتذرة :
"إنها وجبة ممتازة , غير أنه ليست لي أي شهية للطعام".
بدا علي ماريا أنها قبلت تفسير ستاسي للأمر , وبدأت تحمل الأطباق من المائدة . وراقبتها ستاسي برهة وهي تحاول استجماع شجاعتها لتسأل ماريا عما إذا كانت تعرف مكان كورد . وسألت ماريا:
ربما وددت أن أحضر لك قهوتك بالخارج في الساحة ؟"
تمتمت ستاسي في شرود :
" نعم سيكون هذا لطيفا ".
بدأت تخرج من الغرفة في هدوء ثم وقفت وسألت في صوت غير مبال:
" هل تتوقعين عودة سيد هاريس مبكرا هذا المساء؟"
أجابتها ماري قبل أن تسرع إلى المطبخ:
" أوه.لا.لقد ذهب لعشاء لمربي المواشي, وهو عادة يتأخر في العودة"
مشت ستاسي مكتئبة من خلال غرفة الجلوس إلى الأبواب الزجاجية الكبيرة المؤدية إلي الشرفة. واختفت نظرة الأمل من عينيها وهي تفتح الباب وتقف على الأرض الحجرية .
وتسللت الوحشة إلى عظامها, واختنق كل الأمل والثقة التي كانت تتحلي بهما. مشت وهي قلقة واستنتجت إلى احد الأعمدة التي تحمل الشرفة إلى اعلي . كافحت في يأسٍ لتدفع الكآبة والتراخي الذين أحاطا بها, وكانت مياه المستنقع تلمع في غموض في الضوء الخافت, ولكن كان في أعماقها ما ينذر بالشؤم. وحملقت في اتجاه المدافن فوق الربوة التي تعلو المنزل وقد أخفتها الجدران الحجرية عن النظر . ثم همست في هدوء متوسلة إلى دونا إلينا جدة كورد , فربما توسط شبح المرأة لها إذا علمت مبلغ حب ستاسي لهذه البلاد ولحفيدها . ولكن لا...لا يحدث هذا إلا في الأحلام . مجرد أن تتمني أن يكون كورد بجوارها لا يكفل حضوره. سمعت ستاسي وقع خطوات علي الشرفة وهي شاردة . ظنت أنها لماريا وهي تحضر القهوة, فظلت مستندة إلى العامود رغبة في ألا ترى المكسيكية دموعها وهي تنذر بالتساقط علي خديها .
جاء صوت ستاسي خافتا علي غير العادة وقد اختنق حلقها من الانفعال الذي لم تستطع السيطرة عليه:
"ضعي القهوة على المنضدة يا ماريا . ساصبها لنفسي بعد برهة"
جاها الرد:
"القهوة موجودة على المنضدة . هل تمانعين في أن اصب لنفسي قدحا قبل أن تبرد؟"
همست في ضعف:
" كورد؟"
خشيت لمدة دقيقة أن تخونها ساقاها, وفي تلك ألحظة القصيرة أسرع إلي جانبها .
أمسكت يداه بكتفيها بخشونة وقال:
" ستاسي . هل أنت بخير"
أجابت ستاسي بتهدج :
"نعم. نعم انأ بخير , لقد أخفتني"
ورفضت أن تنظر في عينيه الغامضتين خشية أن يظهر في عينيها الحب المجرد الذي تشعر به:
" ظننت في هذه اللحظة انه سيغمي عليك. أنت شاحبة كالشبح. أواثقة انك على مايرام؟"
ظل صوته ينم عن اهتمام ويداه الداكنتان علي ذراعيها . وغمرها قربه منها , كانت واعية تماما لبذلته السوداء الثمينة وبياض قميصه الناصع ووجهه على بوصات قليلة من وجهها حتى أنها لم تستطع النظر إلى أعلى . لم تستطع أن تريه تأثيره عليها . وركزت عينيها على يده أليسري بأصابعها القوية والشعر الداكن المجعد يظهر من كم قميصه.
قالت بصوت واهن وهي تخشي أن تميل علي صدره العريض:
" أنت تؤلمني".
ابتعد كورد عنها فجأة وقال وقد عادت الحدة لصوته:
"أنا أسف. لم انتبه"
نظرت ستاسي إليه ولكن ظلال الليل اخفت عينيه ولم تستطع أن تحدد رد فعله . هل كان يعتبرها فتاة حمقاء من المدينة تخشي الظلام ؟
تحكمت ستاسي في نفسها بصرامة . إذ يجب ألا تتصرف كتلميذة غرة . الم يكن هذا ما أرادته ؟الفرصة في أن تكون وحدها معه؟ كانت المشكلة أن الحب الذي ملاء قلبها اخرس لسانها. فلم تقوي علي الكلام. أن من السهل أن تقول له ببساطة أنها تحبه. سارت إلي طرف الشرفة بتمهل لتنضم إليه
"هل ترغبين في سيجارة ؟"
أجابت ستاسي:
" نعم. شكرا"
راقبت يديه الخشنتين الممسكتين بعلبة السجائر وهو يأخذ منها سيجارة ذات فلتر ويشعلها لها. أضاء وهج الولاعة المفاجئ ملامح وجه كورد الخشنة مبهرا خطوط الإرهاق المحيطة بفمه.
سألته وهي تحاول أن تظهر له مدي اهتمامها
"لم تتوقع ماريا حضورك مبكرا . قالت لي انك تحضر عشاء لمربي الماشية . هل تناولت طعامك؟"
أجاب قائلا بدون تحديد :
"نعم"
سألته ستاسي في محاولة يائسة للاستمرار في الحديث:
"هل تنتهي مثل هذه المناسبات مبكرا مثلما حدث اليوم ؟"


" لا . تركتهم مستمرون في الحفلة"
كانت إجابته جافة وأعطت ستاسي انطباعا بأنه لا يريد إن يتحدث إليها . وتمنت ستاسي لو زال الألم عن قلبها وقالت مقترحة:
" أعتقد أنك مرهق بعض الشيء ربما تفضل أن أذهب حتى تستطيع أن تسترخي ؟"
أجاب كورد وهو يرفع حاجبه في تساؤل:
" إنك حريصة جدا علي الليلة . نعم أنا مرهق بعض الشيء , ولكن لا داعي لأن تذهبي . إذا كنت تريدين أن تفيدينني تستطيعين أن تصبي لي قدحا من القهوة".
سارت ستاسي إلي المنضدة بدون أن تجيب . غمرها الضوء من غرفة الطعام وسمعت صوت كورد المنخفض يقول :
" تبدين جذابة جدا في هذا الثوب".
تمتمت وهي تحاول أن توقف رعشة يدها :
" شكرا لك ".
تغيرت لهجته من اللامبالاة إلي لهجته الساخرة المعتادة ".
" هل كنت تنتظرين أحدا الليلة ؟"
قالت ستاسي بسرعة :
" لا. فقط أحسست أنني أريد أن أرتدي ثيابا مختلفة عن المعتاد".
وحاولت أن تخفي الحرج الذي سببه لها بكلامه . لو كان يعلم أن الشخص الوحيد الذي تنتظره هو كورد نفسه!
مشي كورد إلي دائرة الضوء بالقرب من ستاسي , وأعطته قهوته وهي ترفع عينيها لتلتقيا بعينيه.
قال كورد بسرعة وهو يتحرك بعيدا عن الضوء حيث لا تستطيع أن تري تعبير وجهه:
"كنت أرجو أن تكوني مستيقظة".
قالت ستاسي وهي تلعن صوتها المقطع الأنفاس :
" أوه".
" كنت أود أن أعتذر عما بدر مني بعد الظهر . إنك تقومين بعمل ممتاز في إعداد حفل الشواء . كنت قاسيا بدون داع".
بدا كما لو كان مترددا في انتظار إجابة لكلامه , ولكن لم تنطق شفتاها واستمر في الكلام :
"لم يحدث أي ضرر , كان الخطأ خطأي لأني لم أخبرك عن الكاتلوغ ".
قالت ستاسي بسرعة :
" لا. كان يجب علي أن أدرك ".
ضحك كورد وأبهجها بمرحه العميق الدافئ واستطرد قائلا:
"فلننه هذا الحديث قبل أن تنشأ جمعية للإعجاب المتبادل".
ضحكت ستاسي معه وهي تفكر أن هذا هو ما أريد فعلا أن أفعله .
أحست ., بدون أن تري , توتره يهدأ وهو يستدير ليلقي بسيكارته في الظلام . راقبت الجذوة المتوهجة ترسم قوسا في الهواء ثم تستقر في الحديقة . أما هي فقد أطفأت سيكارتها بأصابعها الطويلة في مطفأة قريبة . تحرك كورد إلي العامود الذي كانت تقف ستاسي بجانبه عندما وصل . ومشت ستاسي بضع خطوات إلي الناحية الأخرى منه وهي تحمل كوب القهوة بحنان بيديها الاثنين مستمتعة بملمسه الدافئ علي راحتيها .
هتفت وهي تنظر إلي السماء بنجومها المتألقة :
" إن النجوم ظاهرة الليلة بكثرة ".
قال الصوت الساخر:
" لا بد انك رأيت نجوما من قبل ".
فسرت له ستاسي كلامها وهي متألقة من فرط الحماسة :
" نعم , ولكن عندما كنت انظر من قبل كنت أري نجمة أو نجمتين باهتتين , والآن أري مئات النجوم . كان الجو موحشا في غياب القمر ووجود نجمتين فقط , ولكنه الآن رائع".
استند متكاسلا إلي العامود وهو يراقب قوامها الرشيق الواقف بجانبه وقال:
" قولي لي شيئا يا ستاسي . هل أنت حقا كما تظهرين ؟ فتارة أنت فتاة ذات عينين نديتين تفتنها زهرة أو قمر أو أي شيء , وتارة أخري تكونين فتاة ايرلندية عصبية المزاج تحارب بأظافرها وأسنانها , ثم تكونين فتاة مجتمع متألقة تمثل دوراكما كنت تبدين قبل ذلك هذه الليلة في ثوبك الأنيق . أي من هذه الشخصيات هي ستاسي الحقيقية ".
ضحكت وهي غير راغبة في مواجهة العينين الجادتين وقالت :
"هل تتفضل الآنسة ستاسي آدمز الحقيقية بالوقوف؟"
ثم أضافت متوخية الصدق بقدر المستطاع :
" أعتقد أنني كل هذه الشخصيات".
حاولت أن تقرأ تعبيرات وجهه , ولكن كان بين الظلال . وقف هادئا فترة من الوقت حتى أصبح الصمت فوق احتمال ستاسي , فمشت بعصبية ووضعت فنجانها بجوار غلاية القهوة .
" ستاسي ؟"
نطق كورد بتردد لم تستطع تفسيره .
" نعم".
" هل تأتين هنا دقيقة واحدة ؟ أريد أن أسألك شيئا إذا لم تمانعي ".
لو كانت تعلم ما الذي جعل صوته يتغير هكذا ويبدو مترددا؟ دق قلب ستاسي بشدة وهي تتحرك بجانب الرجل الطويل المستند بإهمال إلي العامود الأبيض . لم يستدر لينظر إليها بل استمر متطلعا إلي الفضاء .
" كيف يمكن لرجل أن يسأل امرأة مشاركته حياته , وقد تعودت أن تحصل علي كل الأشياء المادية التي تطلبها , وهي جميلة إلي درجة تثير انتباه أي شخص تريده ؟"
كانت حدة صوت كورد تنم عن عاطفة مكبوتة مما قطع نياط قلب ستاسي .
تمكنت بصعوبة أن تكتم شهقة خانقة وفكرت :
" يا إلهي إنه يسألني عن ليديا .
أضاف باستهزاء:
" ما الذي أستطيع أن أقدمه لها ؟ حياة في بلاد لا بد أنها تكرهها ؟ حياة رتيبة ؟ من بالضبط الذي يعطي ومن الذي يأخذ في مثل هذا الموقف ؟"
تلعثمت ستاسي قائلة:
" أنا , أنا أظن أن مجرد أن تعرض عليها حبك يكفي ".
واهتز جسدها ألما من النشيج الصامت :
لوي رأسه الداكن بحدة ليرمق وجهها الذي أدارته لتنظر في الظلام حتى تخفي الحزن الذي ملأ عينيها .
سألها في صوت خافت :
" هل يكفيك أنت هذا ؟"
ولكنه لم ينتظر منها ردا وأضاف :
" وكيف تعرفين رجلك بشعورك ؟"
أجابت ستاسي :
"سيكفيني أن يسألني الرجل المناسب ".
واستقر علي قلبها الهدوء وهي تعلم أنها لن تطلب أبدا أي شيء سوى حبه . استدارت لتواجهه ووجهها يشع صفاء وهي تضيف :
" وإذا كان يحبني سيعرف".
مد يده السمراء وأمسك برسغها وأدناها منه , تلاحقت أنفاسها وعيناه الداكنتان تنفذان في عينيها .
رن صوت كورد بجانب شعرها :
" إذا لم يكن متأكدا كيف تقولين له يا ستاسي ؟"
شعرت بيده أليسري علي وسطها وملمسها يحرقها , بينما تركت يده اليمني رسغها ولمس عنقها الأبيض تحت أذنها . كانت تعلم أن عليها فقط أن ترفع رأسها قليلا لوجهه ولكنها لم تستطع . بمنتهي الرقة رفع رأسها بإبهامه , ولم تنتقل عينا ستاسي عن فمه...
تصلبت ستاسي ...
استمرار شغف كورد جعلها تستجيب بانبهار إليه .
نعم ولكن ستاسي ؟
ليديا ! أفاقت منتفضة . لم يكن كورد يعانقها . بمثل هذه العاطفة . كان يتخيل أنها ليديا ! نزعت نفسها من بين ذراعيه بسرعة ووقفت مرتعبة أمامه وقد أخجلها ما يمكن أن يخمنه . كان وجهه حانيا أول الأمر وهو ينظر إليها حتى استوعب تعبير وجهها المتألم . في الحال اشتعلت عينا كورد بالنار وهو يستدير فجأة وصدره الضخم يعلو ويهبط بسرعة .
أخذ سيكارة من علبته وأشعلها وهو يقول بخشونة :
" لقد اندفعنا بسبب حديثنا . واضح أن أفكار كل منا كانت بعيدة جدا".
تنفست ستاسي الصعداء بصوت مسموع, وأدركت انه هو أيضا يظن أن تقبلها له بسبب تخيلها هي أيضا انه شخص أخر.
أضاف رافضا النظر أن ينظر إليها:
" لحسن الحظ أن كلا منا يعرف شعوره نحو الأخر, لذا لا يوجد أي داع للشعور بالحرج".
أجابت ستاسي بابتسامة مهزوزة :
"لا. الحمد لله. لولا هذا لكان الموقف في غاية الحرج".
ابتعدت عنه خطوة واحدة وهي ترتعد من اثر عناقه, ولكن سحر تلك اللحظة تحطم لاعتقادها أنها مجرد بديل لليديا مارشال.
قال كورد بهدوء:
"اعتقد أن الوقت متأخرا, وعلى كل منا أن يأوي إلى فراشه".
أجابت ستاسي ممسكة بالخيط الذي بدأه:
"إنني متعبة بعض الشيء , سأرك في الصباح ".
مشت من الشرفة إلى غرفة الطعام بكل رباطة جأِش التي استطاعت أن تستجمعها . تبعها كورد فمشي خلفها بضع خطوات ولكن الجرس رن وهو يدخل غرفة الطعام.
سمعته ستاسي يرد على الهاتف وهي واقفة في أسفل الدرج.
"مزرعة هاريس . كورد يتكلم , نعم ياليديا تركت الاجتماع قبل الموعد المحدد وكنت أنوى الاتصال":
وجرت ستاسي صاعدة الدرج وقد غلبها البكاء . لم تكن تحتمل أن تسمعه يكلم ليديا . كانت مواجهته في الغد صعبة بما فيه الكفاية بدون الحاجة إلى المزيد من ألامها الليلة.


10- رياح الغيرة


مضت ثلاثة أيام بعد تلك الأمسية المشؤومة مع كورد . كانت هناك هالات باهتة حول عينيها البنيتين , وفمها بارز القسمات إلي الأمام كعلامة علي الليالي الساهرة والأيام المليئة بالتوتر . وكان كورد يتجاهلها مرارا وتكرارا ولم يعد يراجع معها العمل كل يوم كما كان يفعل من قبل . حتى أنه حدث مرتين أن كانت ستاسي تتمشي ورأته عن بعد فغير من اتجاهه مبتعدا عن طريقها . سحقها شعور حاد بالهزيمة وهي تدرك أنه لا يحتمل حتى أن يراها.
نهضت ستاسي فجأة من مكتبها وهي ترفض السماح للحزن الكائن بداخلها أن يعطلها عن العمل . بقي أسبوع واحد فقط على المزاد وكان أمامها الكثير من العمل . وحمدت الله أن وقتها سيكون مشغولا بالمزاد حتى لا تفكر كثيرا بمشاكلها الخاصة.
سمعت نقرة خفيفة على الباب, فنادت لمن بالخارج أن يدخل,فتح الباب السميك واسعا ودخلت ليديا مارشال . وقالت بسوط جياش:
" أرجو ألا أكون قد قطعت عليك العمل. أليس كذلك؟فإذا كنت مشغولة فلن ابقي أكثر من دقيقة".
اندهشت ستاسي لهذه الزائرة الغير متوقعة وأجابت بهدوء:
"لا. إطلاقا , كيف يمكنني أن أعاونك"
" لاشيء حقا. كنت أظن فقط انه ربما كان لديك وقت لتناول القهوة وحديث سريع".
وافقتها ستاسي قائلة:
"بالطبع"
وهي تتعجب متسائلة عما يمكن أن يتحدثا عنه وأضافت:
"دقيقة واحدة و اطلب من ماريا أن تحضر القهوة. هل تريدين فطيرة أو شيئا أخر مع القهوة"
جاء الرد سريعا :
" أرجو ألا يضايقك إنني قد طلبت منها بالفعل!إحضارها خشية إلا يكون لديك بعض الفراغ"
وضحكت ضحكة أغاظت ستاسي . فأجابت ستاسي بابتسامة لم تصل إلى عينيها:
" هذا تفكير لطيف منك و فنادرا ما يكون لدي الوقت لشرب القهوة, وسيكون ذلك تغيرا لطيفا"
قالت ليديا وهي تقف, بينما دخلت المكسيكية حاملة صينية القهوة :
"هذا ما ظننت . سآخذ هذا يا ماريا. إنني لم اطلب أية فطائر حلوة. هل كننت تريدين شيئا منها يا ستاسي؟ علي مراعاة قوامي ولذا ارفضها ".
وأومأت ستاسي بالرفض فصرفت ليديا المكسيكية بكلمة شكر مقتضبة
تضايقت ستاسي من طريقة ليديا المتملكة وأخذت فنجان القهوة منها بصعوبة . ثم صاحت ليديا. وهي تمسك بحقيبتها :
"كنت قريبة من المطبعة , وتذكرت أن كورد قد ذكر شيئا عن احتياجه بروفة الكتالوغ فأحضرته . أرجو ألا تتضايقي . لقد ذكر أنك تعملين كثيرا فوفرت عليك رحلة للمدينة ".
أخذت ستاسي الكتيب وقالت بفتور:
"شكرا , لسوء الحظ علي أن أذهب للمدينة لطلبات أخري . ولكن سيد هاريس سيقدر لك ذلك قطعا ".
ابتسمت ليديا وأضافت :
" كنت أعلم مبلغ ضيقه من هذا . أرجو ألا يكون قد ضايقك كثيرا فأنني أعلم كم هو عصبي المزاج أحيانا ".
كانت شفتا ليديا تنطقان بألفتها لكورد وهي تؤكد لستاسي مدى صداقتها له . واشتعلت ستاسي غضبا ثم قال بثبات :
" بالطبع كان متضايقا مثلي , ولكن كل شيء علي ما يرام الآن . كان مجرد سوء فهم ".
كانت نظرة ليديا باردة كالثلج وهي تقول:
" يسعدني أن أسمع ذلك . وعرضت أن أعاونه ولكن كورد أكد لي أن ذلك غير لائق حاليا . ثم إنه يعتقد أن عملك كاف".
توهجت وجنتا ستاسي لتشديدها علي كلمة كاف . آلمتها معرفة أنها كانت موضوعا عابرا لحديث من أحاديثهما . كانت ليديا تغطي كلماتها الباردة بلهجة تشعرها بالاهتمام بها .
قالت ستاسي بهدوء وهي تتعجب لقدرتها علي الكلام :
" لقد أشار سيد هاريس إلي ظروفك الحالية لا تسمح لك بالقيام بدور فعال في ترتيبات الحفل".
ضاقت عينا ليديا وابتسمت قائلة :
" إذا لقد شرح كورد بعض مشاكلنا . إن الكل يعلم بشعور كل منا نحو الأخر علي الرغم من غبائي الذي أوقعني في هذه الورطة . إني أتعجب لسذاجتي إذ تركته , فالشمس تطلع هنا كما في الريفييرا , أوكد لك يا ستاسي أنها صدمة قاسية أن تكتشفي أنك لست بالنسبة لزوجك أكثر من أحد ممتلكاته يستعرضها كلوحة لرينوار. لا أعلم كيف احتملت . لولا وعد كورد بانتظاري . أعتقد بأن مستقبلي مضمون بين يدي كورد مرة أخري , والمسألة مسألة وقت وسيكون هذا رسميا ".
لم تدر ستاسي إذا كانت تستطيع تحمل المزيد من الحديث , ومنعت نفسها بصعوبة من القفز من مكانها في يأس . لماذا تحدثها ليديا في شؤونها ؟ تمكنت ستاسي من أن تقول لها كم هو رائع أن تسير الأمور كما يريدان.
أجابت ليديا ببرود:
"نعم . يسعدني أن تفكري هكذا ,فالكثير من الفتيات في مكانك كن سيعجبن بكورد فهو جذاب ".
أجابت ستاسي محاولة أن تخفي انفعالها :
"نادرا ما نتحدث سيد كورد وأنا في أي شيء غير العمل . ويحتاج الأمر لكثير من الخيال إذا فكرت أن اهتمامه بي يعني غير ذلك".
ابتسمت ليديا براحة . ووضعت فنجانها في الصينية وقالت :
"تفهمين كم أكره أن أراك تتألمين , بينما أستطيع أن أجنبك ذلك , أعلم أن كورد يشعر نحوك بالمسؤولية ولا أريدك أن تخطئي تفسير هذا الشعور . والآن يجب ألا أعطلك عن عملك , وإذا استطعت أن أعاونك في أي شيء أرجو أن تتصلي بي".
قالت ستاسي بابتسامة لتكتم ألمها:
" بالطبع ".
كانت تعلم أن ليديا هي أخر إنسانة يمكنها أن تلجأ إليها , وأحست إن ليديا تعلم ذلك .
تطلعت بكآبة في بروفة الكاتلوغ , وأخذت تقلب صفحاته آليا متذكرة كلمات ليديا كورد يشعر نحوك بالمسؤولية ولا أريدك أن تخطئي تفسير هذا الشعور . ليتها تستطيع ! مسؤولية؟ لقد كان يتصرف دائما كما لو كانت عبئا ثقيلا . . إنها لمعجزة أن يفكر فيها علي الإطلاق.
أفاقت من أفكارها وبدأت تقلب أدراج المكتب بحثا عن أصل البروفة. وحيث وجدتها ظلت تراجع قائمة الجياد كل بشجرة عائلته . كان العمل مملا ولكنه يتطلب كل تركيزها . وانتفضت ستاسي إذ وجدت وسط الأوراق رسالة كتب أعلاها : ليندس, بييرس وميلز _ محامون قانونيون . كادت الكلمات أن تقفز من الصفحة . وصدمت فنظرت إلي الإمضاء أسفل الرسالة كارتر ميلز الأب . ما الذي تفعله رسالة من سيد ميلز في مكتب كورد ؟ تعجبت ستاسي لهذا فقرأت .
كانت الرسالة موجهة للسيد كورد هاريس مزرعة الدائرة هـ . ماكلاود تكساس وبدأت : عزيزي سيد هاريس .
لقد استأجرت الآنسة ستاسي آدامز ابنة أحد عملائنا كوخا علي أرضك. إني أخرج عن نطاق سلطتي عندما أكتب لك لأرجو منك أن تهتم بها بدقة .
لقد توفي والدها . وهو صديق حميم , حديثا تاركا آنسة آدامز بلا أقارب أحياء , وقد ترك لها والدها دخلا ضخما يؤمنها ماديا طوال عمرها , ولقد دللت كثيرا للأسف , وعلي الرغم من اعتراضاتي أصرت علي أن تنفي نفسها حتى تتغلب علي حزنها . إنها عنيدة وقوية الإرادة . لقد نشأت متنقلة في بلدان العالم ولم تتعود الحياة القاسية في تكساس وهي مستعدة لمواجهة أخطار حياة الوحدة .
" لقد رفضت أن تحدد مدة إقامتها , وسأقدر لك معاونتك إذا تمكنت من إقناعها بالعودة . وإذا لم تستطع أرجو أن تقبل أن تكون مسؤولا عنها , وقد أرفقت برسالتي شيكا ليغطي أي نفقات قد تتكلفها ...
المخلص

كارتر ميلز الأب
حملقت ستاسي في الإمضاء وهمست لا ! جفت دموعها وهي تستوعب الحقيقة البشعة . لقد فسرت هذه الرسالة الكثير . لماذا بدأ كورد معاديا لها في أول يوم ونصحها بالعودة لحياة المدينة التي اعتادتها . لماذا شعر بالمسؤولية عندما سقطت من فوق ديابلو وأصر علي إقامتها في بيته حتى تشفي . ثم أستغل حادثة ديابلو ليبقيها في بيته . ولهذا أيضا أهتم أكثر من اللازم للتقارب بينها وبين أحد عماله . لقد وضح الأمر الآن . كورد لعب دور الحارس لها منذ جاءت وهذا هو كل ما تعنيه له .
وتذكرت كلمات ليديا مرة أخري كورد يشعر بالمسؤولية نحوك فكرت ستاسي : يا إلهي لا بد أنه قال لها أيضا.
زاد إحساسها بالاهانة . لكم يتمني كورد أن ترحل ! وقفت ستاسي وهي خجلة ومتألمة وتعثرت في المكتب وهي تبحث عن مخرج من تعاستها . ولم تبك وهي تخرج من باب البيت . كان الألم أكبر من أن تداويه . بضع قطرات من الدمع وشعرت بالدوار وهي تنظر كالمخدرة للمباني والجبال المحيطة .
ولمست ذراع ستاسي يد سمراء بدينة , وجاء صوت مديرة البيت يحمل سمات الاهتمام:
"هل أنت بخير ؟"
استدارت ستاسي ببطء وابتسمت في ضعف قائلة :
" نعم , أنا بخير يا ماريا , أحتاج فقط لهواء منعش".
هزت المكسيكية رأسها وتبعت ستاسي للمنزل قائلة :
" لا يبدو وأنك علي ما يرام . ربما تحتاجين للنوم ؟"
قالت ستاسي بصبر نافد :
" سأكون بخير . إنني بصحة جيدة ولكن الجو خانق في الغرفة ".
عادت ستاسي إلي غرفة العمل وقد هدأها كبرياؤها واستسلامها لقضائها لو أنها تستطيع الاحتفاظ بسيطرتها علي انفعالاتها خلال الأسبوع المتبقي ثم تعلن لكورد عن عودتها للشرق بمجرد انتهاء المزاد ؟ عندئذ سوف يتحرر من مسؤوليته نحوها ويبعدها عن حياته للأبد . فأعادت الرسالة إلي مكانها , وبدأت مرة أخري في مراجعة الكاتلوغ.
وفي المساء رأت ستاسي كورد يتكلم مع ماريا وهي تنزل الدرج وكان يرتدي ثياب الخروج مما يدل علي نيته في أن يغيب هذه الليلة . فمشت إليه كالمخدرة ثم انتظرت حتى فرغ من حديثه مع ماريا .
وجاءها صوته قاسيا :
" هل أردت أن تتحدثي إلي ؟"
تجاهلت سرعة دقات قلبها وقالت ببرود :
" نعم ... إذا كان لديك وقت ".
نظر إلي وجهها الشاحب في تساؤل :
" ماذا تريدين ؟"
أجابت بهدوء وثبات :
" أردت أن أحيطك علما بأنني سأعود لنيويورك بمجرد انتهاء المزاد ".
رفع حاجبه بحدة وقال:
" هذا قرار مفاجئ . أليس كذلك ؟ أفهم من ذلك أنك لا تستأذنني؟"
"لا"
قال كورد بحدة :
" فهمت , ولم أكن أتوقع أن تستمري هذه المدة الطويلة ".
وارتعدت ستاسي من لهجته الباردة .
استيقظت ستاسي في الصباح التالي متأخرة . كانت قد بكت حتى نامت بثيابها , ولكن النوم أعطاها القوة علي مواجهة الغد . وبدلت ثيابها واغتسلت ونزلت لتناول الإفطار . شعرت بنداء التلال البعيدة وهي تنظر من النافذة , وبما أن اليوم عطلة قررت أن تمضيه علي حصانها بين التلال . ولم تقو علي مواجهة كورد فأرادت أن تتجنبه . وطلبت من ماريا أن تعد لها غداء بارد , وصعدت لغرفتها لترتدي ملابس الركوب.
بعد بضع دقائق وصلت للاصطبلات حيث استقبلها ديابلو وهو يرقص . لوحت بيدها محيية هانك الذي كان مشغولا فلم يتوقف ليحدثها , الأمر الذي أراحها فهي تخشي عينيه الحادتين ولم تكن تريد أن تتحدث عن إحساسها بالهزيمة .
كان ديابلو نشطا وهي تحاول أن تبطئ من سرعته . كان أربعة أشخاص يمشون عند منعطف الاصطبل , وكان كل انتباه ستاسي مركزا في الإمساك بحصانها والتوجه به إلي البوابة , ولكنها نظرت في اتجاههم نظرة خاطفة . كان اثنان من العمال يمشيان أمام كورد وليديا . وأفلت من كورد سباب مكتوم وهو يدفع العاملين ويجري نحو الفارسة . فخاف الحصان من الحركة المفاجئة فشب وهو يستدير نحو القادم .
قبل أن تنطق ستاسي معترضة كان كورد إلي جانبها ينزلها من الحصان بيد ويمسك بلجام الحصان بالأخرى . أنزلها للأرض بخشونة وأمر أحد العمال أن يمسك بالحصان وصاح غاضبا:
" ماذا كنت تفعلين علي هذا الحصان ؟"
غضبت ستاسي لمعاملته وأجابت :
" كنت ذاهبة للنزهة . إذا كان هذا من شأنك !"
استشاط كورد غضبا وأمسك برسغها ليقربها منه :
" نعم , إنه من شأني . ألم تكفك سقطة واحدة , أم انك تفضلين أن تقتلي في المرة القادمة ؟"
لمعت عيناها غضبا :
" كانت تلك حادثة . وكانت ستحدث لو كنت علي صهوة أي حصان آخر , إن هذا الحصان ملكي وليس من حقك أن ..."
قاطعها كورد ببرود وهو يترك رسغها بحركة ساخرة من يده :
" إن لي كل الحق طالما أنني مسؤول عما يحدث لك في هذا المزرعة . ولن تقتربي من هذا الشيطان طالما أنك في هذه المزرعة ".
ردت ستاسي بحدة وقد أزال عنها الغضب خوفها من سيطرة كورد:
"أحمد الله أنني لن أبقي هنا طويلا . وعليك أن تفكر في طريقة لإبعادي عن الحصان لأنه ملكي وأنوي أن أركبه وقتما أريد !"
لمحت ستاسي عيني ليديا تسخران من تصرفها الطفو لي , ولكن ضيقها بدكتاتورية كورد وإحساسه المبالغ فيه بالمسؤولية جعلاها تتجاهل شماتة العينين السوداويين . وأقترب من المجموعة رجل طويل القامة يرتدي ثيابا رياضية زرقاء . وكانت مشيته مألوفة لها ولكن صوت كورد شد انتباها .
كان صوته منخفضا في محاولة للحد من غضبه :
" سأسجنك في البيت إن اضطررت , ولكنك لن تركبي هذا الحصان . هناك جياد أخري كثيرة يمكنك ركوبها ".
قالت ستاسي ساخرة :
" لا شكرا ".
واتجهت نحو الحصان الراقص . ولكن الأصوات العالية الغاضبة أثارت الحصان الذي جذب الحبل الذي كان يمسكه العامل وشب ثم هبط بسرعة , ولكن كورد كان سريع التصرف فجذب ستاسي بعيدا عن تهديد الحوافر الغاضبة .
أمسك بكتفيها وتمتم في أذنها :
" إنك أعند امرأة عرفتها في حياتي !"
دق قلب ستاسي لقربها المفاجئ من كورد , وتمنت لو أنه يعزو انفعالها لنجاتها من الحصان , وكانت نظرته جادة وهو ينظر إلي وجهها الشاحب . ثم زمجر قائلا :
لم ألتق في حياتي بشخص يحتاج لعلقة ساخنة أكثر منك ".
ثم تركها واستدار للجماعة المنتظرة .
سمع صوت الغريب الضاحك يوافقه قائلا :
" اسمعوا. اسمعوا..."
وهو يقف بجوار ليديا .
بالطبع كان الصوت الخفيض الفرح مألوفا لديها . وقطعت نشيجها وجرت مجتازة كورد إلي الرجل المنتظر . صاحت قائلة :
" كارتر . كارتر . كم أنا سعيدة لرؤيتك "
وألقت بنفسها بين ذراعي الشاب . وانقطع حديث كورد بسبب هذه التحية غير المتوقعة .
دهش كارتر لحرارة ترحيبها وقال وهو يمسح علي رأسها :
"أهلا يا عزيزتي . لو أني أعلم أنك سترحبين بي هكذا لجئت منذ وقت طويل "
مسحت ستاسي دموعها ونظرت لعينيه الزرقاوين الرقيقتين وقد فقدت سيطرتها علي نفسها بسبب مجيء كارتر المفاجئ بالإضافة إلي انفعالها لمشادتها مع كورد . وفهمت أن كارتر قد فسر ترحيبها به تفسيرا خاطئا, ولكن وجود شخص تستطيع الاعتماد عليه خفف من توترها.كان وجوده بمثابة ملجاء من عاصفة الانفعالات التي هزتها لدرجة الإنهاك.
قطعت ليديا الصمت بتعليق لاذع قائلة:
"أظن أن كلا منكما يعرف الأخر"
شعرت ستاسي بالحرج لترحيبها الحار واحمرت وجنتاها وهي تقدم كارتر للجماعة. تجاهلت ابتسامة ليديا المزهوة وحاجبها المقوس وهي تقدم لها كارتر . مدت له يدها الناعمة بأظافرها المطلية, ونظرت إليه بإمعان بينما خطا كورد للأمام لتعرفه ستاسي بكارتر, كانت عيناه باردتان كالثلج عندما بدأت ستاسي تقدم له كارتر, ولكن الأخير تدخل وهو يشد على يد هاريس اليمني بحماسة :
" سيد هاريس. يسعدني أن التقي بك. لم أكن أظن أنني ساري اليوم الذي يرفض فيه احد أن تركب ستاسي هذا الحصان ويمنعها بالفعل . وأريد أن أقدم شكري وشكر أبي للعناية بها"
رد كورد ردا لاذعا:
"لن أخدعك وأقول إنها كانت مهمة سهلة. إن الآنسة ادامز فتاة قوية الإرادة جدا هل ستبقي طويلا؟"
ابتسم كارتر وهو ينظر بحنان لشعرها الكستنائي وقال:
"سابقي حتى اقنع ستاسي بالعودة معي. واتمني أن نعود خطيبين".

 
 

 


التعديل الأخير تم بواسطة الناظر ; 25-06-08 الساعة 05:07 PM
عرض البوم صور الناظر   رد مع اقتباس
قديم 25-06-08, 05:13 PM   المشاركة رقم: 7
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 45537
المشاركات: 187
الجنس أنثى
معدل التقييم: الناظر عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 93

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الناظر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الناظر المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

11- تصبح علي خير يا كور


كانت ستاسي ترقب كورد من طرف خفي . وهي تشعر أنها في حماية الشاب الواقف بجانبها , ولكن عيني كورد ألهبتاها بنيراتها عندما سمع ما قاله كارتر .
واندفعت ليديا قائلة :
" أليس هذا رائعا يا كورد ؟"
ورمقت ستاسي بنظرة خبيثة خاطفة , ثم ابتسمت لكورد وأخذت ذراعه وهي تضيف :
" يا لها من نهاية رومانسية ".
وافقها كورد قائلا :
" نعم إنها كذلك!"
ولكن صوته كان أجش كما لو كان يسعي للسيطرة علي أعصابه .
ولم يهتم أحد بسماع رد ستاسي علي هذا العرض العلني , غير أنها ما كانت لترد في تلك الظروف , ولكنها اغتاظت لأن الجميع كان يسلم بأن ردها هو الإيجاب .
وأرادت ستاسي أن تغير الموضوع فسألت :
"كارتر . إنني مسؤولة عن تنظيم المزاد السنوي لبيع الجياد الذي يعقده سيد هاريس . وسيكون يوم السبت القادم . هل تستطيع البقاء حتى ذلك الحين ؟"
فأسرعت ليديا بالرد قبل أن يستطيع كارتر الكلام :
" أوه . ستاسي يجب ألا تدعي شيئا بسيطا كهذا يعطلك . أنا واثقة أن كل شيء سيكون علي ما يرام إذا حللت أنا محلك . إذ أننا أمام أمر طارئ"
كانت الجملة الأخيرة موجهة لكورد . وشعرت ستاسي بأن ليديا حريصة علي التخلص منها وبأسرع وقت . وتنفست ستاسي الصعداء عندما سمعت رد كورد الذي أجاب وعيناه الباردتان تتجهان لكارتر كما لو كان يتحداه أن يخالفه:
"لقد فات أوان التغير إن موعد المزاد اقترب جدا و وهذا يعني ارتباكا لا داعي له . كما أنني لا أعتقد أن عودة آنسة آدامز الفورية أمر حيوي لهذه الدرجة ".
قال كارتر بسرعة :
"لا . بالطبع لا . إن أبي أعطاني مهلة أسبوع لأقنع ستاسي بالعودة معي وسنعتبرها فترة استجمام قصيرة ".
وتبادل المحامي الشاب ابتسامة من يتآمر مع ستاسي , ثم عاد لكورد قائلا :
" هل يوجد فندق بالمدينة أستطيع الإقامة فيه ؟ إنني أريد أن أجد مكانا أستقر فيه ".
وبدأت ليديا كلامها قائلة :
" لا داعي للبقاء في المدينة ".
وقاطعها كورد قائلا :
"تستطيع الإقامة هنا ".
ولم يعط كارتر فرصة لاعتراضه المهذب بأن لوح بيده قائلا:
" إن المنزل واسع . واسمح لي بالانصراف فلدي عمل أقوم به , وأعتقد يا ليديا أنك علي موعد للغداء . أليس كذلك؟"
أمسك كورد بذراع ليديا وأبعدها بشدة عن كارتر وستاسي اللذاين صمتا . بينما أخذ كارتر ينظر لستاسي . سألها بصوته الرقيق:
"لم تجيبي علي سؤالي ولو أنه لم يكن سؤالا بالضبط أليس كذلك ؟ لا تجيبي الآن فإنني سوف أسأله مرة أخري في ظروف أكثر رومانسية .أما الآن فيمكنك أن تدليني علي غرفتي وتقصي علي حكايات تكساس التي تعلمتها".
وضحكت ستاسي بعصبية . وأخذت بيد كارتر واتجها نحو البيت . وقصت عليه ما مر بها من أحداث منذ وصولها , وهي تصبغ الأحداث بصبغة ضاحكة , ودخلا المبني الحجري حيث أرشدته إلي غرفة من غرف الضيوف في الناحية المقابلة لغرفتها . واقترحت عليه أن يلقاها بعد نصف ساعة عند مستنقع الاستحمام.
كانت ستاسي تعوم بكسل علي ظهرها عندما صعد كارتر لسطح الماء بعد أن غطس . وأخذ الاثنان يسبحان لمدة ساعة ثم صعدا إلي جانب المستنقع سعيدين ومرهقين .
قارنت ستاسي بين قسمات وجه كارتر الناعمة . وبين ملامح كورد الخشنة . وأدركت ستاسي أن كارتر ليس بالشخص الذي لا يقهر كما ظننته من قبل . ولكنهما عادا إلي صداقتهما القديمة بدون أن تستطيع التصريح له بالتغير الذي طرأ عليها .
قالت بهدوء :
" أعلم بأمر الرسالة التي أرسلها والدك للسيد هاريس قبل أن أتي إلي هنا"
ولحظت أن وجه كارتر احمر خجلا , وقال:
" تفهمين أن أبي كان قلقا بشأنك . وقد بينت الأحداث أنه كان علي حق , ولم أكن أعلم شيئا عن هذا الموضوع إلا بعد الحادث الذي وقع لك".
ثم استدار ليرقب ستاسي وهو يسأل :
"ما الذي جعلك تبقين هنا , المزاد ؟"
شرحت له ستاسي حادثة ديابلو مع العامل بأقل قدر من التفاصيل , مبينة موقف كورد العدائي منها باختصار . وظهر علي وجه كارتر تعبير السرور بخبث عندما فرغت من كلامها كأنه يشمت لما لحق بها من إهانة .
وضحك قائلا :
" تصوري أن تخرجي لمطاردة الأبقار ! هذا كثير جدا !"
اغتاظت ستاسي لدعابته وأجابت بسرعة :
"حسنا لم يكن الأمر مضحكا عندما حدث. ليس لأحد أي خيار عندما يصدر سيد هاريس إنذاره النهائي"
قال كارتر في لهجة أكثر جدية ولو أن عينيه ظلتا تلمعان بخبث:
"أخذت عنه هذا الانطباع بعد ظهر اليوم, ولا أظن أن الصبر احد خصاله"
أجابت ستاسي بجدية:
"نادرا , وليس لديه صبر على الإطلاق عندما يتعلق الأمر بي. ومازلت اعتقد انه كان سخفا من والدك أن يكتب هذه الرسالة, خاصة انه لم يخبرني بها. وكلما تذكرت الأشياء البشعة التي تفوهت بها وفعلتها لظني بأن كورد ليس إلا طاغية متعجرف يستمتع بإصدار الأومر للناس"
" اتعنين انه ليس كذلك؟"
"لا.اعني"
تلعثمت وهي تبحث عن الكلمة المناسبة لتفسر بها تغير موقفها بدون أن تبوح بإحساسها الحقيقي
ضحك كارتر ووقف قائلا:
"لا يهم. لا يهمني من هو وماذا يفعل . لقد استطاع أن يمنعك من ركوب هذا الحصان وحافظ عليك حتى استطيع أن أخذك معي . لا يهمني حتى من يكون من أشقياء تكساس. وألان سأبدل ثيابي قبل أن تحولني شمس تكساس إلى سمكة مشوية!"
وفي الليلة التالية , بينما كانت ستاسي تبدل ثيابه للعشاء كانت تخاف مما سيأتي . فقد كانت تأمل أن تبعد كورد عن تفكيرها في وجود كارتر , غير أن كورد بدل هذا الأمل بنجاح.فمنذ حديثها القصير مع كارتر كان كورد دائما معها . فأن لم يشترك في الحديث فهو موجود في الغرفة المجاورة.
سر كارتر لدعوة العشاء عندما أبلغته بها ستاسي , ولم تترك لها حماسته فرصة للتراجع . تعجبت لنفسها فهي تعلم أن قرب كورد منها يسبب ألما شديدا . فهل تستمر في عذابها؟ كل يوم يمر كان يقربها من موعد رحيلها . وهكذا تتحول كل لمحة من الرجل الممتلي رجولة إلي ذكري تعتز بها إلي الأبد وهي تحيا وحيدة .
وهبطت ستاسي الدرج رقيقة ورشيقة كالحلم إلي حيث انتظر كارتر وكورد في ثياب السهرة . لم ينطق كارتر ولكن عينيه الزرقاوين لمعتا بإعجاب أقوي من الكلمات . ونظرت بتردد لوجه كورد علها تجد فيه ما يؤيد إعجاب كارتر , ولكن لم يبد أي إعجاب بينما رأت اهتزاز عضلة فكه الذي أفسد هدوء وجهه . وندمت ستاسي لبحثها عن إعجابه واتجهت لكارتر متسائلة :
" هل نحن مستعدون ؟"
ابتسم كارتر ممسكا بيدها وقال:
" وراغبون ".
كانت السيارة البنية الفاخرة في انتظارهم . جلست ستاسي في المقعد الخلفي وراء السائق , وانتظرت في عصبية أن ينضم كارتر . نظرت في قلق إلي المرآة فالتقت بعيني كورد المحيرتين , وسرعان ما نظرتا بعيدا . ثم صعد المحامي الشاب بجوار ستاسي وانطلق كورد بالسيارة بمهارة . كان الحديث سطحيا في الطريق إلي منزل ليديا وكانت ستاسي لا تغض الطرف عن رأس كورد الجالس أمامها , فلم يكن في استطاعتها إلا أن تتظاهر بالاهتمام بالمناظر الطبيعية .
عندما أوقف كورد السيارة ودخل إلي منزل ليديا قال كارتر :
" أنك هادئة جدا الليلة . هل هناك ما يضايقك؟"
أجابت ستاسي وهي تبتسم امتنانا لاهتمام كارتر بها:
" لا . بالطبع لا . كنت أستمتع بالمناظر الطبيعية , خاصة والشمس علي وشك المغيب . إنها تضفي علي كل شيء هدوءا غامضا".
تمتم كارتر بهزة ساخرة من رأسه :
" يا لها من فتاة ! إنها تجلس بجانب رجل سافر, عبر نصف البلاد ليراها , فإذا بها تعجب بالمناظر الطبيعية"
ضحكت ستاسي إذ كانت تشعر بالارتياح لوجوده وقالت :
" أوه ... كارتر ! إنك تعلم أنني مسرورة لوجودك هنا ".


كان علي وجهه تعبير حزين وجاد , وعيناه الزرقاوان ترمقانها بفطنة وهو يقول:
" ولكنني أتسأل عما إذا كنت مسرورة لوجودي أنا بالذات أم لمجرد وجود صديق قديم ".
فهمت بالاعتراض ولكنها توقفت لقدوم كورد وليديا تمسك بذراعه , كانت علي وجهه ابتسامة راضية وهو ينظر للمرأة الأنيقة . وشعرت بالألم يعتصر قلبها ولمعت عيناها من الغيرة . وكان شعر ليديا الفاحم مرسلا حول رقبتها العاجية مبرزا فتحة صدر ثوبها البنفسجي .
تبادل الجميع الدعابات , ونظرت ليديا ليد ستاسي ثم إلي كارتر في دلال وقالت:
" ظننت أننا سنحتفل الليلة . أم أنك نسيت أن تحضر الخاتم حتى تصبح الخطبة رسمية ؟"
أجاب كارتر إجابة مرحة , لم تسمعها ستاسي التي ركزت انتباهها علي كورد وهو ينظر إليها في المرآة . وتصاعد الدم إلي وجنتيها أمام نظرته الفضولية الهازئة . فلم تشأأن تشترك في الحديث الجاري بين ليديا وكارتر وحولت انتباهها للنظر من النافذة لتخفي الغيرة والألم عن كورد .
ولما وصلوا بهرت ستاسي بالمبني المتناثر المكون من طابقين والقابع في أحضان أشجار الصنوبر الخضراء . ودخلوا إلي منطقة المطعم . نادي الخادم كورد باسمه الأول وأرشد المجموعة بنفسه لمائدة منعزلة .
أجلس كارتر ستاسي علي يسار كورد , وهدأت رعشة قلبها المتوتر قليلا لوجوده, وكانت يدها ثابتة وهي تشرب نخب تكساس الذي اقترحه كارتر . وأضافت ليديا وعيناها علي كورد:
" ونخب جمع شمل من تفرقوا".
شعرت ستاسي بالارتياح عندما انتهوا من العشاء , فهي لن تضطر للحديث في القاعة نظرا لوجود الفرقة الموسيقية , وتركت ستاسي المائدة مع كارتر وتبعا الاثنين الآخرين إلي القاعة . وتسمرت عينا ستاسي على شعر كورد وكما لو كان يدري بنظرتها استدار ونظر إليها في غموض ثم قال :
"أرجو ألا تخيب الفرقة الموسيقية آمالك . . إن أغلب أعضائها مكسيكيون , وستجدين للموسيقي طابعا لاتينيا يختلف عن النغمات التي تعودت عليها "
وأجفلت ستاسي في قرار نفسها عند سماعها كلمات كورد بما تحمله من نقد خفي . لم تكن هناك جدوى من معارضته فقد كان رأيه فيها سيئا بالفعل . فلم تجبه وتبعتهما في صحبة كارتر إلي المائدة . وبد أن طلبوا مشروباتهم طلب منها كارتر أن تراقصه , فوافقت علي الفور وقد أسعدها أن تبتعد عن صحبة كورد وليديا المقلقة . وعزفت القيثارات الثلاث أغنية قديمة علي إيقاع الطبول الرقيقة , وعادت لستاسي ثقتها وهي تخطو مع خطوات كارتر التي اعتادتها .
وسألها كارتر فجأة وعيناه ترقبان وجهها بإمعان :
" ماذا بك الليلة ؟ عندي شعور بأنك خائفة أو تخفين شيئا ".
أقلقتها صراحته المفاجئة ففاتتها خطوة وصعدت إلي حلقها مئات الاعتراضات ولكن كارتر استمر قبل أن تتكلم:
" لا أظن أني أريد منك إجابة . أعتقد أنك ستكذبين أو تخفين بعض الحقائق . وفي أي من الحالتين سيكون الجرح مؤلما ... ستاسي إذا أردت أن تصارحيني سأكون بجانبك مهما كانت الظروف".
امتلأت عيناها بدموع البؤس وبدأت تتكلم :
" كارتر . إنني ... "
همس قائلا :
" صه ... لن نتكلم الآن . ربما فيما بعد عندما نكون بمفردنا ".
وانتهت الأغنية وعزفت الفرقة موسيقي أكثر سرعة . واستمرا في الرقص وعندما عادا للمائدة كانت ابتسامة ستاسي صادقة لعلمها بتعاطف كارتر ومحبته , ولكن لهجة كورد الهازئة وابتسامته الملتوية جعلتا ستاسي تتوتر وزاد من ألمها بريق الانتصار في عيني ليديا , وازدادت الغصة في حلقها كلما راقبت كورد وهو يرقص مع ذات الشعر الأسود , وقرب نهاية الأمسية طلب كارتر ليديا للرقص تاركا ستاسي وحدها مع كورد .
وعلقت ستاسي وهي تحاول ألا تبدي اهتمامها :
" إنهما يرقصان رقصا رائعا معا ".
نظر إليها كورد بابتسامة لم تستطع ستاسي أن تفسرها وقال:
" أتشعرين بالغيرة ؟ إن ليديا امرأة جميلة جدا".
أجابت ستاسي وصوتها يرتعد, فقد شعرت بالغيرة ولكن لسبب أخر غير ما ظن كورد :
" لا . بالطبع لا."
وقف كورد وقال برقة :
" هل نرقص ؟"
بالطبع سترفض . لماذا تعذب نفسها بالرقص معه وهو يحب امرأة أخري ؟ ما الذي تجنيه سوي تعب القلب ؟ ولكنها لم تعترض بكلمة ووجدت نفسها ترقص معه , لن تستطيع الانسحاب الآن . وتوهج وجهها سعادة ودق قلبها غبطة وهو ينظر إليها. ولم يهمها في تلك اللحظة إن كان يرقص معها من باب الشفقة أم المجاملة . وضغطت بيدها على يده وضمها إليه وعيناه تبتسمان لها في رقة . رقصت ستاسي في صمت وقد تجاهلت الأغنية التي تعزف والراقصين حولها وكل شيء إلا قرب كورد منها .
وانتهت الرقصة فاقترح كورد العودة , ووافقت ستاسي وقد مزقتها الانفعالات التي خشيت أن تظهر بسبب قرب كورد وحبها اليائس .
وفي طريق العودة كان الجميع صامتين . كان كارتر هادئا علي غير العادة في الماضي . كانا يقضيان الساعات معا بدون أن يتكلما , ولكن هذه المرة كان القلق يشوب صمته كما لو كان يصارع لحل مشكلة عويصة , أما كورد فكانت إجاباته علي أسئلة ليديا قصيرة حتى أنها هي الأخرى صمتت . وتنفست ستاسي الصعداء عندما وصلت السيارة للمزرعة وفرت إلي غرفتها .
وفي الصباح التالي عاد كارتر لطبيعته المرحة ودعابته . وتطوع بمعاونة ستاسي في ترتيبات المزاد فأخذ يذهب إلي المدينة لقضاء بعض الحاجات ويراجع قائمة الجياد الصغيرة مع هانك . وعموما كان يتولي عنها الأعمال التي تستغرق وقتا طويلا , أما كورد فقد عاد إلي التغيب عن البيت وكان يتجنب كارتر وستاسي في اليومين الأخيرين .إلا أنه تناول العشاء معهما يوم الاثنين ثم تركهما بعد العشاء مباشرة بدون أن يفصح عن وجهته , غير أن ستاسي لمحت في المساء ضوءا في نافذة المكتب . أما ليديا فلم تأت , مما أدهش ستاسي فقد كانت دائمة التواجد في المزرعة منذ عودتها.
نزعت ستاسي الورقة من الآلة الكاتبة وركزت أفكارها علي عملها . وطوال الصباح كانت مشغولة بالرد علي طلبات راغبي المنشور الخاص بالمزاد . وكان هذا آخر المكاتبات . وأضافته إلي بقية الرسائل انتظارا لعودة كارتر من الاصطبل . ربما وجدت الوقت لشرب فنجان من القهوة قبل أن تلتقي بزوجات عمال المزرعة لمراجعة تفاصيل مهامهن أثناء وليمة الشواء.
اتجهت ستاسي إلي المطبخ فوجدت ماريا في الطريق تحمل صينية عليها فنجان قهوة ساخن وفطيرة .
ابتسمت ستاسي قائلة :
" إنك منقذة , كنت على وشك الذهاب للمطبخ لصنع فنجان قهوة ".
عبرت ماريا عن سرورها ثم قالت :
" هل ستنظم إليك السنيورة ليديا ؟"
قالت في حيرة :
" ليديا ؟"
" نعم . لقد وصلت في سيارتها فظننت أنها ستشرب القهوة أيضا".
بدأت ستاسي :
" لا أعلم ".
وقطع حديثهما صوت الباب الخارجي يفتح ثم يغلق , ودخلت ليديا غرفة الطعام بينما كانت ماريا تغادرها وابتسمت قائلة:
" صباح الخير يا ستاسي يسعدني أنك هنا , كنت أرجو أن أتحدث معك اليوم غير أني خشيت أن تكوني مشغولة بمزاد يوم السبت ".
لم تكن ستاسي حريصة علي دردشة أخري مع ليديا فقالت:
" سأضطر للعودة للعمل بعد بضع دقائق ".
وجلست ليديا برشاقة أمام ستاسي وهي تسوي ثيابها الأنيقة ثم قالت :
" لا أري خاتم الخطوبة , لا بد أنك وضعت حدا لقلق الشاب المسكين ".
اغتاظت ستاسي لتدخل ليديا فيما ليس من شأنها فقالت ببرود:
"إذا كنت تقصدين كارتر فقد كنت مشغولة , ولا داعي للعجلة , أليس كذلك ؟"
" لو كنت مكانك لما تركته يبتعد عني".
" هذا هو وجه الاختلاف , فأنت لست أنا ".
وارتجفت عينا ليديا الباردتان منذرتين بالشر عند سماعها كلمات ستاسي واستطردت وهي تبدي اهتمامها قائلة :
" هذا صحيح ولكنني أري الموقف بوضوح أكثر منك ".
تضايقت ستاسي لاهتمام ليديا المزيف وقالت:
" لماذا لا تدخلين في الموضوع ؟ نستطيع أن نتكلم في حلقات مفرغة طوال النهار . ولكن لحسن الحظ لدي أعمال أفضل أقوم بها ".
دهشت ليديا لجرأة ستاسي غير المتوقعة , ووقفت ثم استدارت برأسها ذي الجدائل اللامعة نحو ستاسي وقالت في صوت ساخر :
" إنك على حق . لا يوجد بيننا حب مفقود فلماذا التظاهر ؟ إن وجهة نظري واضحة حقا وهي ألا تؤجلي الرد على كارتر أملأ في أن يأتي كورد بعرض أفضل لأنه لن يفعل . أتظنين أن كورد أعمي حتى لا يفهم أنك واقعة في غرامه ؟"
وقفت ستاسي لتقابل تحدي المرأة الأكبر سنا وأجابت :
" هل تخافين من بعض المنافسة , أم أن تأثيرك على كورد ضعيف حتى أنك لا تستطيعين المغامرة ؟"
صاحت ليديا :
" لا تجعلي من نفسك أضحوكة ! إن المرأة الأكثر نضجا تعرف الفرق بين الحب والشفقة . كنت مكتئبة طوال أمسية الأحد ثم توهجت مثل شجرة عيد الميلاد بمجرد أن رقص معك كورد. ألا تفهمين أنه يشفق عليك ؟ وأن شعوره المبالغ فيه بالمسؤولية يجبره على مثل هذه التصرفات ؟ لا أعلم أين كبرياؤك أو إذا كنت قد تجاوزت مرحلة المراهقة أم لا ؟ ولكن في الحالتين لقد أثر وجودك على خططي أنا وكورد . وعلى الرغم من أن الموضوع يثير السخرية فقد رفض أن يعلن حقيقة مشاعره خوفا من أن يجرحك".
ردت ستاسي :
" سأقول لك ما قلته لكورد . سأرحل بمجرد انتهاء المزاد . سأعود مع كارتر وأضع حدا لقلقك . وسأخرج من حياتكما إلي الأبد بعد بضعة أيام , وتستطيعين أن تفعلي أنت وكورد ما تريدان . وحتى ذلك الحين أفضل أن تتركي هذا المنزل الآن وتبتعدي عن طريقي مستقبلا".
كان صوت ستاسي يرتعش من الغضب المكبوت ولكن صدق كلمات ليديا جرحها عميقا .
تركت ليديا الغرفة وهي تدق بكعب حذائها في انتصار , وسمعت ستاسي وهي كالمخدرة لهجة ليديا الراضية وهي تحيي كارتر عند دخوله إلي المنزل , ودخل كارتر ورمق ستاسي ولاحظ أنها قابضة يديها في شدة فقال :
" ماذا حدث ؟"
كانت تبدو مثل سندريلا عندما وضعت قدمها في الحذاء الزجاجي ووجدت أنه مقاسها تماما . فردت ستاسي بمرارة غير معهودة :
" حقا ؟ إن لدي اجتماعا الآن وعلى مكتبي بريد كثير هل يمكنك أن ترسله اليوم؟"
وأخذت كراستها وأسرعت خارج الباب .
وفي المساء التالي ذهبت ستاسي مع كارتر في نزهة على الجياد . وعند عودتهما تحدثت ستاسي مع كارتر في سعادة , وقد تجدد نشاطها بعد نزهة الغروب .
قال كارتر عند وصولهما :
" سأذهب لأغسل قذارة تكساس الغالية إذا سمحت . وسألقاك في الشرفة بعد نصف ساعة ".
سبقته ستاسي صاعدة إلي غرفتها وهي تبتسم قائلة :
" اتفقنا ".
وبعد فترة قصيرة التقت به في الشرفة . كان جالسا يداعب كلبها في شرود وهو ينظر في ظلمة الليل . وقفز كاجون في سعادة عندما رأي سيدته بينما وقف كارتر ليلقاها . وأخذت ستاسي يده الممدودة وجلست إلي جانبه . وابتسم قائلا :
"لم تستغرقي وقتا طويلا . ظننت أنني أستطيع أن أشرب شيئا آخر قبل حضورك".
وأشار إلي صينية تحمل كؤوسا.
وداعبت قائلة :
"على الأقل تركت لي كأسا. إنها ليلة رائعة . تري أين توجد بقية النجوم؟"
" لو كنت عاشقا مثاليا لقلت إنها في عينيك ".
ضحكت ستاسي معترضة :
" أوه ... كارتر !"
وضع يده على ذقنها في حنان, وكان وجهه جادا وهو يرمقها .
" ليتني أستطيع أن أقولها وأنا أعلم صدقها ".
ثم تركها ووقف فجأة . ووضع يديه في جيبه ومشي إلي العامود وحملق في الفضاء . واضطربت ستاسي وهي تعبث بجيوبها , فقد أعادت كلماته الصادقة شعورها باليأس .
كانت في صوته رنة غريبة اتسمت بمرارة لم تعهدها ستاسي وهو يقول :
" هل تعلمين كم خططت لهذه الأمسية منذ وصولي ؟ ها نحن بمفردنا بدون أن يضايقنا أحد في إطار مثالي , والليل الحالك يعزلنا عن العالم , ونجمتان تنظران لنا في تشجيع , , وفتاة جميلة تمتلئ عيناها توقعا للكلمات التي ستقال . ولكن عينيك لا تمتلئان توقعا . أليس كذلك ؟"
تساقطت الدموع علي وجنتيها وهي تخفض رأسها أمام اتهام عينيه . قال كارتر بصوت رتيب :
"كنت انوي أن أقوم بمهمتي كما يليق , أركع وأقول : ستاسي إنني أحبك وأريدك أن تصبحي زوجتي . سخيف ... أليس كذلك ؟ إنني أحبك ولكن لي كبريائي . لا أريد أن أمتلك ما لا يخصني . أعتقد أن هناك من كان سيطلبك للزواج على أمل ألا ترفضي , ولكني لا أطلب ذلك لسبب مختلف تماما , إنني أخشي أن تقبلي ولا أستطيع العيش معك وأنا أعلم أنك تحبين أحد مزارعي تكساس "
اهتز كتفا ستاسي خجلا مما سببته لكارتر من ألم ومرارة . وأفاق كارتر من إشفاقه على نفسه , ونظر للفتاة الصامتة الباكية , ومشي إليها واضعا يده على رأسها .
اختنق صوته وهو يضمها :
" أوه . ستاسي ... لماذا كتب علينا هذا ؟"
بكت علي صدره قائلة :
"كارتر ... كنت أريد أن أصارحك ولكني لم أستطع . أن أجرحك وأنا أعلم كيف يكون هذا الألم".
ابتسم وقد شعر بالارتياح لأنه يخفف من ألمها :
" سيكون كل شيء على ما يرام . تعلمين ما يقال إن ألم الجرح يستمر فترة وجيزة ".
" ما كنت لأقول نعم ... ما كنت لأفعل هذا بك ..."
أبعدها ومسح وجنتيها بيده قائلا :
" لا . أعتقد أنني كنت أعلم ذلك , إن معدنك أفضل من هذا ".
سألته ستاسي :
" سوف تبقي وتعود بي بعد نهاية الأسبوع؟"
ابتسم كارتر:
" بالطبع . ألا تعلمين يا صغيرتي أنني في خدمتك في أي وقت؟"
اعترفت له وهما يمران خلال الباب الزجاجي :
" لا أعلم ماذا كنت افعل لولا قدومك في هذا الوقت ".
سمعت تنهيدة قلقة بينما خطا كارتر ليفتح الباب. استدارت ستاسي لتنتظره فوجدته وانتباهه مركزا علي ما بعد أمامها , تطلعت إلى حيث ينظر فوجدت كورد واقفا عند يمينها وفي يده كتاب والاخري سيكارة . كانت عيناه ضيقتين وهو ينظر من ستاسي إلى كارتر. ثم أدار رأٍسه فجأة وأطفأ سيكارته بعصبية.
قال معاكسا :
" إنكما تأويان إلى فراشكما مبكرا ياشباب . أليس كذلك؟"
تمتمت ستاسي وهي تتجه للدرج :
"كان يوما مفعما بالأحداث "
" هل تسير ترتيبات مزاد السبت في سلاسة"
بدأت ستاسي تتكلم وقد ضايقها تلميحه بإهمالها للعمل:
"بالطبع . إذا أردت أن تراجعها ألان"
قاطعها كورد وهو يراقب خطوط وجهها:
"لا. لن يكون هذا ضروري سيكون هناك متسع من الوقت في الصباح"
كانت لهجته مقتضبة وتؤذن بالانصراف وقال كارتر بشيء من السخرية:
"تصبح على خير يا سيد هاريس".
وأسرعت ستاسي أمام عيني المزارع وهما ترمقانها بحدة وقالت:
" نعم تصبح على خير يا كورد"
تبعهما صوته وهما يخرجان من الغرفة قائلا:
"تصبحان على خير"




12_عينان من حديد




جاء النداء من التل :
" مرحبا "
نظرت ستاسي فرأت كارتر يتجه إليها بساقيه الطويلتين .
أجابت بابتسامة :
" مرحبا بك ".
قال كارتر معاتبا :
" كان يجب أن أعرف أنني سأجدك هنا . ألا تعرفين كم الساعة الآن ؟ إنك تعملين منذ الثامنة صباحا ".
أجابت ستاسي متجاهلة تأنيبه :
" الساعة الآن السابعة والنصف فقط, وأمامي بعض الأعمال لإنهائها قبل الغد, وقد قررت لندا وديان إعداد الموائد الليلية بدلا من الغد . وفكرت أن أعاونهما. هل أحضرت الأشياء التي طلبتها سيدة غرايسون من موللي؟"
" وأوصلتها لها أيضا ولكنها طردتني قبل أن أتذوق صلصله الشواء الشهيرة . ماذا بقي لأفعله ؟"
نظرت ستاسي إلي الموائد بتوتر وأجابت :
" لا شيء . سيفضح الغد كل أخطائي ".
داعبها كارتر :
" أين الفتاة المتحمسة ؟ لقد انقضي النهار , دعينا نعد مشروبا مثلجا".
ضحكت ستاسي علي الرغم من توترها . كانت محتاجة للراحة وشعرت بالألم عندما تخيلت ماذا كان سيصبح حالها هذا الأسبوع لو لم يحضر كارتر , ولاحظت الخطوط الجديدة حول شفتيه , ولكن ظاهريا , لم يتغير موقف كارتر منها , ولم يشر لما حدث في أمسية الأربعاء المشئوم.
سألها كارتر بهدوء وهو يشد علي ذراعها :
تندمين لاقتراب النهاية ؟"
تنهدت ستاسي :
" لا . سأكون أحسن حالا بعيدا عن هنا ".
وأضافت لنفسها : ومعي ذكري كورد .
عاد الاثنان إلي الشرفة . وجلست ستاسي بينما دخل كارتر لإحضار المشروبات . نظرت ستاسي حولها في عبوس للمكان الذي كان بيتها في الأسابيع الماضية , ووجدت نفسها تنظر بإمعان للربوة التي تعلو المنزل . وسمعت جرس الهاتف يرن وكارتر يجيبه . فوقفت كالمخدرة ومشت إلي التل والمدفن الذي يعلوه . لم تسمع كارتر يناديها ولم تره وهو يحمل المشروبات في يديه إلي الشرفة .
لم تتوقف حتى وصلت إلي الباب الحديدي للمقابر واتجهت مباشرة إلي القبر الذي يحمل الاسم الينا تيريزا هاريس... ركعت أمام المقبرة ومدت يدها تتحسس الكلمات برقة . تساقطت دمعتان على خديها وهي تحاول أن تجد العزاء عند من أحبهم كورد . وتملك الحزن والأسى قلبها وهي تستند إلي الحجر الرمادي الصامت .
ورن في أذنها صوت كورد ولكن هذه المرة بدا حقيقيا حتى أنها استدارت لتراه . لابد أن عينيها تخدعانها . فها هو كورد واقف أمامها , لابد أنها تحلم , فقد كان بريق عينيه غريبا . وفجأة شعرت ستاسي بحلول الظلام . نظرت إلي مكان الشمس فوجدت ضوءا قرمزيا يشير إلي أصيلها . لم تكن تحلم ! إذا فكورد فعلا هو الذي يقف أمامها . تغير تعبير وجهها وهي تقف أمامه , فأعاد ذراعه التي كان قد مدها إليها إلي جانبه.سألها كورد وقد بقي شيء من الرقة في صوته وهو يتطلع إلي نظرة الألم علي وجهها:
"ماذا تفعلين هنا؟"
" جئت لكي ..."
كادت أن تنطق بالحقيقة ثم نظرت بعصبية إلي الحجر الذي يعلو قبر دونا الينا ثم إلي الحجر الذي بجانبه , وقالت بلا اقتناع :
" مقبرة والدك ! تذكرت والدي وفكرت أن مجيئي هنا سيقربني منه ".
لم تعرف ستاسي إذا كان قد قبل تفسيرها . وأمسك بذراعها وقادها خارج المدافن بدون أي تعليق . ونظرت ستاسي في وجهه بقلق . لم ينم وجهه عن أفكاره ولم تحتمل صمته فقالت :
"كيف عرفت مكاني ؟"
أجاب بسخرية :
" رآك صديقك تتجهين إلي هنا ".
قالت بضعف:
"أوه !"
عندما وصلا إلي شرفة بيت المزرعة ترك كورد ذراعها في نفور , وناولها كارتر مشروبها وعيناه تفحصان وجهها الشاحب .
سألها كارتر بهدوء :
" هل أنت بخير ؟ أين كنت ؟"
أومأت ستاسي بالإيجاب ردا علي السؤال الأول قبل أن يقاطعها كورد إذ رشف رشفة من كوبه ثم قال باستهزاء:
" كانت تتخذ من مقبرة والدي بديلا عن مقبرة والدها". راقب كارتر ستاسي بإمعان رافضا هذا التفسير , ولكن كورد لم ينته من كلامه واستطرد قائلا:
"إن الاستسلام للإشفاق علي النفس يعتبر ترفا لا يسمح به في هذا البلاد , علي الأقل بالنسبة لمن يعيشون فيها"
نفذت قسوة عينا كورد إلي قلب ستاسي وتصاعد الدم إلي وجهها , أما كورد فاستدار وسار إلي المنطقة الكائنة شمال الاصطبلات حيث تتم الترتيبات لحفل الشواء . وتبعته ستاسي مع كارتر . لم يتكلم أي منهم . كان كورد يتجاهل وجودها خلفه , ولم ينظر كارتر إليها إلا مرة واحدة .
مر ثلاثتهم أمام صف طويل من الموائد إلي حيث أقيمت حفرة طويلة أشعلت فيها النيران . كان هناك رجل يضيف الخشب علي النار . ابتسمت ستاسي عندما عرفت أنه هانك .
راقبت ترتيبات الشواء المبتكرة باهتمام , وتغلب فضولها على إحساسها بالتوتر فسألت :
" هل هذه أسرة قديمة تلك التي تضعون عليها اللحم؟"
أجاب كورد باسما:
" إنها أسرة الجيش . إننا نلف أرجل الذبائح بصفائح للاحتفاظ بالحرارة ويتناوب العمال العناية بالنار أثناء الليل وسقي اللحم بالصلصة ".
نظرت ستاسي لكميات اللحم الكبيرة وهتفت :
" ياللسماء ! إن هذا الطعام كثير جدا ؟"
قال هانك :
" إن شهيتنا نحن أهل تكساس عارمة. إننا لا نلهو بشطائر صغيرة كأهل الشرق . فإذا جلست هنا وراقبت النار سأنجز إعمالا أخري "
ثم أضاف لكارتر:
"تعال معي لتعاونني فلم اعد شابا كما كنت"
ثم مضي في الظلام . خافت ستاسي إذ فهمت نية هانك في تركها وحدها مع كورد. كانت تعلم أن كارتر ينظر إليها في انتظار أن تقول إنها لا تريده أن يذهب. ولكنها لم تستطع أن تتكلم فذهب خلف هانك.
قطع كورد الصمت بقوله :
"حسنا. سترحلين بعد يوم. اعتقد انك تتلهفين علي الرحيل"
أجابت ستاسي بهدوء وصدق:
"حقا لا. لقد استمتعت بوجودي هنا"
فكر كورد في ردها ثم قال:
" تصورت انك تسعدين بالعودة إلي حيث تنتمين ".
تصلبت لكلماته , وعاد لها غضبها لادعائه بمعرفة ما هو أفضل لها . كظمت غيظها وظلت تنظر إلي النار .
سألها كورد :
" هل حددت وكارتر موعدا للزفاف ؟"
أجابت :
" لا . ربما حددنا الموعد بعد عودتنا ".
فقد أملت عليها كبرياؤها أن تدعه يظن بأنها ستزف إلي كارتر .
" سوف ترسلين لي بطاقة دعوة ؟"
أجابت :
" بالطبع . وهل سترسل لي دعوة لزفافك ؟"
سأل كورد وهو يقف ببطء :
" زفافي؟"
أجابت بخفة :
" نسيت أنني يجب ألا أعرف , ولكن لماذا أردت إخفاءه عني ؟ فوجود ليديا المستمر هنا يظهر أن في الأمر أكثر من مجرد الحب القديم ".
بدا على وجه كورد تعبير الاهتمام وقال:
" فهمت , أعتقد أن ليديا قالت لك ".


أجابت :
" تقريبا ".
وقالت لنفسها : كادت أن تكتب ذلك على الحائط.
وأضافت لكورد :
" والآن وقد تخلصت من مسؤوليتك عني , تستطيع أن تذهب في طريقك وأنا في طريقي ".
استدار لها مندهشا فقالت :
" إنني أعلم أيضا بأمر رسالة والد كارتر ".
" والد كارتر ؟ وكيف عرفت ؟"
" لقد تركت الرسالة في أحد أدراج المكتب . لقد بذلت أقصي جهدك حتى تضعني تحت عينك الحارسة . لسوء الحظ أنك لم تخبرني . إذ لو فعلت ذلك ربما كنا أكثر تفاهما ".
بدا كورد مبتهجا مما ضايق ستاسي وقال:
" لم يخطر ذلك ببالي . لقد كنت فتاة عنيدة جدا . وإنني أرجو أن ينجح كارتر في محاربة أفكارك المركزة حول ذاتيتك ".
قالت في تحد :
" إن كارتر يفهمني ".
ضحك كورد قائلا :
" بالطبع , ولكن لسوء الحظ أنه ليس أكثر سيطرة عليك ".
قالت ستاسي وفي صوتها نبرة حزن :
" لو كان الأمر كذلك لما جئت إلي هنا , ولما حدث كل هذا ".
" هل ... لم يكن ليحدث ".
ثم صمت .
وأعلن حفيف الأغصان عن عودة هانك وكارتر . سألها كارتر :
" هل أنت مستعدة للعودة ؟"
قال كورد وهو يقف ويمد يده لستاسي قبل كارتر :
" فلنعد . سيكون الغد يوما طويلا ".
غصت ساحة بيت المزرعة بسيارات من كل نوع . وكان المزاد قد انتهي منذ ساعتين وبدا رحيل السيارات .
لاحظت ستاسي المائدة التي كانت مكدسة بالطعام من قبل . لم يتبق إلا القليل من الكميات الضخمة من اللحم والفاصوليا والبطاطا والخبز , فتنفست الصعداء لدقة حسابهم لشهية الضيوف . وبدأت زوجات العمال في تنظيف الموائد من بقايا الطعام .
سألتها موللي وهي تملأ الأكواب بالشاي المثلج :
" هل انتهيت من العمل اليوم ؟"
فضحكت ستاسي قائلة :
" لقد فصلت من عملي الآن وأمرت بالانضمام للهو ".
قالت موللي وهي تضع ذراعها في ذراع ستاسي وتبعد بها عن المائدة :
" حسنا . لم يبق إلا الجيران الآن . ستشاهدين حفلا جيدا من الطراز القديم ".
جاء صوت ضاحك من خلفهما :
" هاي . أين تأخذين مضيفتي ؟"
وقفت ستاسي وقد شحب وجهها للهجة التملك , وارتجف قلبها عندما وضع يده علي كتفها .
صاحت ماري :
" كورد ! حان الوقت لتصاحب ضيوفك . لقد قضيت النهار كله مع تلك الجياد ".
أجاب باسما لستاسي :
" أري أنك أنقذت ستاسي . لقد قمت بعمل رائع يا ستاسي . يؤسفني إنني لم أقل هذا من قبل , ولم أعاونك . غير أنك لم تحتاجي المعاونة ".
تلعثمت ستاسي واحمر وجهها لثنائه:
" أشكرك , ولكن الجميع ساعدوني , وأنا متأكدة أنهم ستروا الكثير من أخطائي ".
قالت موللي :
" إنك في غاية التواضع . فالناس يحبونك من قلوبهم لرقتك ويفعلون أي شيء من أجلك ".
دمعت عينا ستاسي لهذه الكلمات وأجابت برقة :
" لقد أشعرتموني كلكم بأنني بين أهلي ولن أنساكم أبدا ".
اشتدت قبضة يد كورد على كتف ستاسي فاستدارت لتنظر إلى وجهه الأسمر,كانت نظراته حائرة متسائلة ثم قال للمرأتين الأخريين بكآبة:
" إن الحفل الليلة بمثابة حفل وداع لستاسي .فسترحل في الصباح".
وانهالت عليها الاعتراضات واستولي عليها الأسى, ليتهم يعلمون إنها لا ترغب في الرحيل!
وسألتها ماري:
"لماذا ترحلين هكذا سريعا؟ ظننت انك ستبقين أسبوعا أخر"
" أن كارتر مضطر للعودة في أول الأسبوع فقررنا الذهاب معا"
وتجاهلت ستاسي البرودة التي سرت في أوصالها عندما رفع كورد يده عن كتفها . ثم أضافت:
"نستطيع أن نتقاسم القيادة ولن تطول رحلتنا"
سألت موللي وهي تنظر إلى كورد في تجهم :
" ستذهبان وحدكما ؟"
قال كورد ساخرا:
"انك تظهرين كبر سنك يا موللي. تذكري أن هذا الجيل متحرر. وتقاليدنا تعتبر موضة قديمة بالنسبة لهم. عن إذنكم فقد حان الوقت للاندماج مع الضيوف الآخرين"
شعرت ستاسي بالمرارة في كلام كورد على الرغم من لهجته المداعبة, ولكنها كانت ثابتة وهي تواجه المرأتين متجاهلة كورد وهو يتحرك وسط الجموع.
سألتها ماري بخفة وسط صوت القيثارات والكمان :
" هل قررت الزواج من كارتر؟"
أجابت بدون تفكير :
" لا"
تمتمت موللي :
" تكلمنا عنه وهاهو ".
ثم لامته قائلة :
" ستأخذ فتاتنا المفضلة معك غدا ".
أحاط ستاسي بذراعه وقال:
" كيف أنفرد بها إذا لم افعل ؟ ثم إن تغيير المناظر مفيد ".
لم تلحظ ستاسي النظرة المتبادلة بين الأم وابنتها وهي تنظر لعيني كارتر .
ابتسم قائلا :
" سأرقص مع مضيفتنا إذا لم تمانعا ".
ورقصا بضع خطوات قبل أن يتكلم :
" ماذا حدث هناك ؟ لقد رأيت كورد يمشي قبل وصولي . ماذا قال مما جعلك تبدين هكذا ؟"
قالت في شرود وقد رأت كورد يراقبهما :
" ليس بسبب ما قال . إن السبب هو أنني لا أريد أن أرحل , وأعلم أن هذا هو الصواب "
" ستاسي . هل أنت متأكدة من أنك تحبينه ؟ لو كانت لي أية فرصة ..."
وذهب عنه حذره وأمسك بكتفي ستاسي قائلا:
" تزوجيني يا عزيزتي . أستطيع أن أسعدك وأنت تعلمين ذلك ".
هزت رأسها وقالت بتردد :
" لا يا كارتر "
جاء صوت كارتر يائسا وملحا :
"إنه يكبرك كثيرا . كيف تعلمين أنك لا تضعينه مكان الأب الذي فقدته ؟ ولو لم أدعك تأتين إلي هنا لكنا زوجين الآن . ألا ترين يا ستاسي أنك تحتاجين مرساة فلأكن أنا المرساة . قولي أنك ستتزوجينني يا ستاسي ... قوليها الآن قبل أن تندمي بقية عمرك ".
صاحت ستاسي في محاولة لمقاومة إقناعه :
" لا . لا "
كررت الرفض بكل تأكيد وتركت ذراعيه ثم استدارت للجموع الراقصة السعيدة أمامهما , وأسرع كارتر قائلا :
" فكري يا ستاسي . كيف تتأكدين ؟"
سمعا صوت رجل يقول:
" هاأنت يا ستاسي . لا تعلمين أنه لا يليق بالمضيفة أن تهرب وسط الحفل ؟"
عرفت قوام بيل بوكانان السمين وسط دموعها . وقالت في تأثر :
" دكتور!"

سأل بيل وعيناه تبرقان في مرح :
" ألا تمانع في أن أسرقها منك هذه الرقصة يا كارتر ؟ أنني أكبر من أن أقف في طابور الانتظار وهذا ما سوف يتحتم على فعله عندما يراها الرجال الآخرون ".
وأخذها الطبيب إلي حيث امتلأ الجو بالموسيقي المرحة , ورقصت معه ستاسي ولكنها نظرت لبرهة إلي حيث يقف كارتر . وشد انتباهها وجود رجل طويل يقف علي بعد خطوات منه تفصلهما بعض الأشجار , فنسيت زميلها في الرقص وقد تملكها الرعب من أن يكون كورد قد سمع حديثها مع كارتر , مما يفسر الغضب المستطير في عيني كورد . وفجأة اتجه إليها كورد وسط الراقصين , فاستدار ت ستاسي إلي زميلها آملة أن تختفي وسط الراقصين .
كان الوقت متأخرا فقد أمسكت يدا كورد بكتفيها بينما اعتذر للدكتور بوكانان . وأرغم ستاسي على السير معه بين الراقصين , وعندما ابتعدا حاولت ستاسي بدون جدوى أن تفلت من قبضته . صاحت يائسة :
" دعني!"
قال بحدة :
" اسكتي . لقد تكلمت بما فيه الكفاية ".
ظهرت العصبية في عينيها .
" ليس من شأنك ما يحدث بيني وبين كارتر ".
" سأقرر أنا ما الذي من شأني ".
واختلجت عضلة فكه وهو يوجهها نحو البيت . ارتعد صوتها وهي تقول :
" ما الذي تريده مني ؟"
قال كورد بحزم :
" أريد إجابات صريحة أولا ".
سارا نحو الشرفة وغضب كورد عندما رأي بعض الضيوف حول مستنقع الماء . وبدون تردد وجهها نحو الربوة التي تعلو المنزل . نظرت إليه متشككة عندما فهمت أنه يتجه بها نحو المدافن .
فسألته وهي تلهث من سرعة سيرهما :
" لماذا نحن ذاهبان هناك ؟"
" ربما كان المكان الوحيد الذي لا يوجد به أناس في هذه المزرعة اللعينة ".
ووصلا للقمة وجرها خلفه حتى ابتعدا عن عيون الناس , ووقفا عند السور الحديدي . فترك ذراعها وأمسك بكتفيها وسأل:
" لماذا كذبت على وجعلتني أعتقد أنك ستتزوجين كارتر؟"
حاولت أن تتحرر من قبضته وردت في أنين :
" ماذا يهم في ذلك ؟"
هل تريدين العودة ؟ هل تريدين الرحيل من هنا ؟"
لم تجبه فهزها قائلا :
"أجيبيني !"
بكت قائلة :
" لا ! أرجوك يا كورد لا تفعل !"
" لماذا لا تريدين الرحيل ؟"
تلعثمت قائلة :
" لأنني , أوه ... كورد أرجوك دعني ".
فجأة أصبح صوته حانيا ومستعطفا :
" ستاسي لا أستطيع ... لن أدعك هذه المرة حتى تقولي الحقيقة . يجب أن تقولي الحقيقة هذه المرة ".
تساقطت الدموع علي خديها وهي تنظر إليه غير مصدقة . وحاولت في يأس أن تصدق أن لهجة المحبة ليست استهزاء ضمها إليه وهمس:
" لا تنظري إلي هكذا حتى تجيبيني . لماذا لا تريدين أن تتركيني ؟"
بدأت تتكلم وقد غمرت خديها حمرة دافئة :
"لأنني . لأنني أحبك . كورد أنا..."
وأسكتها ... فلم تقاوم وهمس لها بكلمات الحب فقالت :
" أوه ... كورد ... كورد ... لا أصدق . هل تحبني حقا؟"
اختنق صوته العميق انفعالا مثلها :
"كنت أحبك منذ الأزل".
اتهمته قائلة :
" لقد عاملتني بقسوة ".
كان صوته مبحوحا وهو يقول :
"لقد أحببتك منذ وجدتك فاقدة للوعي في السهول . فقد عرفت عندئذ أن حياتي لن تساوي شيئا إذا حدث لك مكروه . وعندما أفقت وقلت إنك سترحلين بعد بضعة أسابيع عرفت أن علي أن أجد الطريقة لإبقائك ولجعلك تحبين هذه الأرض كما أحبها أنا ".
تمتمت ستاسي :
" إني أحبها يا كورد ".
" أعلم هذا , لم أقل لك كم كنت فخورا بك عندما شاركت الرجال في العمل ".
داعبته قائلة :
" هل كنت تغار من جيم ؟"
اعترف لها :
"كنت أغار من كل من يقترب منك , حتى رسائل كارتر ضايقتني ".
رفعت وجهها له في جدية وقالت :
"كنت تستعرض ليديا وقالت لي إنكما ستتزوجان . وفي تلك الليلة التي كنت فيها معك علي الشرفة ظننت أنك تتظاهر بأنني هي ".
لمس خدها وقال:
" كم تمنيتك تلك الليلة يا حبيبتي . وعندما نفرت مني "
" لم أنفر منك أبدا يا كورد ..."
ابتسم قائلا :
" كم نعقد أمورنا".
" إذا لم تنصت لحديثي مع كارتر وتجبرني على الاعتراف بحبك هل كنت ستدعني أرحل غدا ؟"
قال بلوعة :
" لم أكن لأظهر لك أية رحمة يا آنسة آدامز ".
ابتسمت ستاسي وهي ترفع وجهها له :
"ولم أكن لأطلب منك الرحمة ".
تمتم كورد :
" ولم أكن لأعطيها يا ستاسي . والآن وقد أصبحت لي أخيرا فلن أدعك تذهبين . ولن يكون هناك زفاف أنيق إذ سنتزوج بأقصى سرعة , هل تفهمين ؟"
أجابت بحماسة :
" نعم يا كورد ... نعم ".





النهاية....................... .......

 
 

 

عرض البوم صور الناظر   رد مع اقتباس
قديم 02-07-08, 03:57 PM   المشاركة رقم: 8
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: May 2008
العضوية: 77529
المشاركات: 139
الجنس أنثى
معدل التقييم: sasa sasa عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 23

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
sasa sasa غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الناظر المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

شكرا شكرا شكرا
قرأتها كثيرا وللاسف اضعتها
لذا سعدت جدا حين وجدتك تكتبينها
سلمتى حبيبتى

 
 

 

عرض البوم صور sasa sasa   رد مع اقتباس
قديم 12-07-08, 08:33 AM   المشاركة رقم: 9
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Aug 2007
العضوية: 38264
المشاركات: 4
الجنس أنثى
معدل التقييم: smara عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 11

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
smara غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الناظر المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

واااااااااااااااااووووووووووووو رائعه جدا تسلم حضرة الناظر

 
 

 

عرض البوم صور smara   رد مع اقتباس
قديم 12-07-08, 12:39 PM   المشاركة رقم: 10
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 51658
المشاركات: 164
الجنس أنثى
معدل التقييم: sekymeky90 عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 16

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
sekymeky90 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الناظر المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

ميرسىىىىىىىىىىى كتييييييييييييييير
ننتظر المزيد

 
 

 

عرض البوم صور sekymeky90   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مزرعة الدموع, جانيت ديلي, janet dailey, no quarter asked, روايات, روايات مكتوبة, روايات رومانسية, روايات عبير, روايات عبير المكتوبة, عبير القديمة
facebook




جديد مواضيع قسم روايات عبير المكتوبة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t82454.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
38_ ظ…ط²ط±ط¹ط© ط§ظ„ط¯ظ…ظˆط¹ - ط¬ط§ظ†ظٹطھ ط¯ظٹظ„ظٹ - ط¹ط¨ظٹط± ط§ظ„ظ‚ط¯ظٹظ…ط© ( … - ظ…ط²ط±ط¹ط© ط§ظ„ط±ظٹط§ط­ This thread Refback 18-03-16 04:40 PM
Untitled document This thread Refback 23-03-10 08:18 AM


الساعة الآن 10:44 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية