المنتدى :
البحوث الإسلامية
رحمة الرحمن
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد:
قال تعالى: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) (الأنعام : 54 )
وقال تعالى {قُلْ يا عِبَادي اْلِّذين أَسْرَفُواْ عَلَى أنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا من رَّحْمَةِ اللهِ إنَّ اللهَ يَغْفِرُ اْلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُو اْلْغَفُورُ الرَّحِيمُ}
تتكرر آيات الرحمة واللطف الإلهي في كثير من المواضع في القرآن الكريم, حتى إن من أسماء الله الحسنى وصفاته الرحمان.
وهو اسم مشتق من الرحمة مبني على المبالغة, ومعناه ذو الرحمة الواسعة الذي لا نظير له فيها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال الله تعالى ( أنا الرحمان, خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي, فمن وصلها وصلته, ومن قطعها قطعته).
وإن من عظمة الله عز وجل ورحمته الواسعة أنه جعل رحمته مدونةً وعهداً منه لعباده.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قضى الله الخلق كتب في كتابٍ فهو عنده فوق العرش: (إن رحمتي سبقت غضبي).
إن الممعن في هذا النص والآيات القرآنية التي تتحدث عن رحمة الله, يدرك أن الرحمة لوحدها كقاعدة قضائه في خلقه, هي لوحدها فضل عظيم من الله لا يمكن تأدية تمام حق شكرها, فكيف إذا دونت في القرآن الكريم وفوق العرش عهدا منه, إنها عظمة الخالق ورحمته بعباده الغافلين المقصرين في العبادة والشكر.
أخرج مسلم بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( جعل الله الرحمة مئة جزء, فأمسك عنده تسعة وتسعين وأ نزل في الأرض جزءاً واحداً, فمن ذلك تتراحم الخلائق, حتى ترفع الدابة حافرها عن وليدها خشية أن يصيبه الضرر).
وفي رواية لمسلم ( وأخر تسعة وتسعين يرحم بها الله عباده يوم القيامة).
هنا يقرب رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى العقل البشري عظمة رحمة الله, فالعبد يرى رحمة الأهل بأطفالهم ورق وشفقة القلوب بالأطفال والمحتاجين والمساكين والمرضى وكل من في مصيبة أو بلاء, كل هذا التراحم من رحمة واحده مَنَّ الله بها علينا.
فالله تعالى خلق الإنسان وكرمه في السماوات والأرض, وسخر له الكون وبعث له الكتب والرسالات السماوية, من أجل سعادته في الدنيا والآخرة.
قال تعالى { طه * مَآ أَنزَلْناَ عَلَيْكَ اْلْقُرَْءَانَ لِتَشْقَى}
وقال أيضا {ومآ أَرْسَلْنَكَ إِلاَّ رَحْمَةً للعَالمين}.
فرحمة الله عامة لكافة خلقه, للمؤمن وللكافر.
فهو من رحمته يرزق ويتفضل على عباده بالرحمة والرزق حتى وإن جاهروه بالمعاصي وأنكروا وجوده سبحانه وتعالى.
إن رحمة الله هي التي تجعل المذنب والعاصي في اتصال مع الله دون قطيعة رغم الذنوب والمعاصي, فهو يدرك أن الله ذو رحمة واسعة لمن أذنب وتاب, فالله يبدل السيئات حسنات.
قال تعالى { ورَحْمَتىِ وَسِعَتْ كُلَّ شَىءٍ }
لكن هذا لا يعني الاسترسال في الذنوب والأمن من عقاب الله دون توبة مع إيمان وعمل.
قال الله تعالى: (إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) (الفرقان : 70 )
وقال أيضا: (أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) (الأعراف : 99 )
فعلى الإنسان أن يبادر بالتوبة والاستغفار , والدوام على العبادة وأن يحاول تجنب المعاصي والذنوب ما ظهر منها وما بطن , خوفا من تراكم الران على القلب ويصبح ممن قال الله تعالى عنهم {كَلاَّ بَلْ رَانَ على قُلُبِهِم مَّا كانوا يَكْسِبُون}.
رأى الأقرع بن حابس النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقبل ولده الحسن, فقال: إن لي عشرة من الولد ما قَبَلتُ واحدا منهم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من لا يَرحم لا يُرحم)
لقد بين لنا رسول الله كيف نفوز ونستحق رحمة الله الخاصة بعباده المخلصين, فعلى المؤمن أن يبدأ بنفسه أولا, يرحمها بالابتعاد عن الشهوات.
وأن يعينها على دوام طاعة الله كي لا تقع في الذنوب والمعاصي.
ومن ثم رحمته بأهل بيته وعشيرته الأقربين بأن يكون لهم ناصحا وقدوة حسنة, رفيقا ورحيما في تعامله معهم.
ومن عظمة الإسلام أنه يدعونا إلى التراحم مع غيرنا سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين فالجميع خلق الله نتعامل معهم بالرحمة واللين ما لم يقوموا بالتعدي على حدود الله وحقوق المسلمين.
انظر كيف خاطب الله سيدنا موسى عندما أرسله إلى فرعون. قال تعالى: (فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طه : 44 ).
إن المسلمين اليوم يعانون من الضعف والفرقة ما يدمي القلوب وما نقص الأرزاق وشح الأمطار إلا بسبب غياب التراحم وحلول البغضاء مكانها, لكن من رحمة الله ولطفه بعباده أنه لا يترك عباده, ولذلك يسر لنا أوقاتا طوال العام تكون النفحات الرحمانية في أوجها, فتفضل علينا بفضل ليلة الجمعة, وليلة القدر, وليلة العيد, وفضل شهر رجب وشهر رمضان, ووقت السحر والكثير من مواسم الخير والبركات التي مَنَّ الله علينا بها كي نزداد قرباً ونظل طوال العام مهما عصفت بنا الذنوب والأغيار مستبشرين برحمة الله ومغفرته, مستحقين لشفاعة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام, الذي كانت قدماه الشريفتان تتفطران من العبادة والصلاة فيقال له أما غفر الله ذنبك ما تقدم منه وما تأخر, فيقول ( أفلا أكون عبداً شكوراً )
هذا رسول الله وحبيبه فما نقول نحن المقصرين الكسالى.
نسأل الله أن نكون من القليل الذين ذكرهم الله تعالى: {وقليل من عبادي الشكور}.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين.
|