كاتب الموضوع :
أحمدباري
المنتدى :
البحوث الإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
نحن نقول بأن المولد ليس ألزامي
ولكن لا يحق لنا أن نطلق التحريم لعدم فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
وعندي تسأل: هل ما تركه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ولم يفعله أو تركه السّلف الصالح من غير أن يأتي حديث أو أثر بالنّهي عن ذلك الشيء المتروك يقتضي تحريمه أو كراهته.
قبل الدخول في هذا الموضوع علينا أن نبين الآتي:
ما هو الحكم الشرعي؟
الحكم هو خطاب الله المتعلّق بفعل المكلّف,وأنواعه خمسة:
1. الواجب أو الفرض: وهو ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه مثل الصّلاة والزكاة وصوم رمضان وبر الوالدين.
2. الحرام: وهو ما يعاقب فاعله ويثاب تاركه , مثل الربا والزنا والعقوق والخمر.
3. المندوب: وهو ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه, مثل نوافل الصّلاة.
4. المكروه: وهو ما يثاب تاركه ولا عقاب على فاعله, مثل صلاة النافلة بعد صلاة الصبح أو العصر.
5. المباح أو الحلال: وهو ما ليس في فعله ولا تركه ثواب ولا عقاب مثل أكل الطيّبات والتجارة.
فهذه أنواع الحكم التي يدور عليها الفقه الإسلامي, ولا يجوز لمجتهد صحابياً كان أو غيره أن يصدر حكماً من هذه الأحكام إلاّ بدليل من الأدلّة السّابقة, وهذا معلوم من الدين بالضرورة لا يحتاج إلى بيان.
ما هو الترك؟
نقصد بالترك في هذا الموضوع:
أن يترك النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم شيئاً لم يفعله أو يتركه السّلف الصالح من غير أن يأتي حديث أو أثر بالنّهي عن ذلك الشيء المتروك يقتضي تحريمه أو كراهته.
وقد أكثر الاستدلال به كثير من المتأخرين على تحريم أشياء أو ذمّـها , وأفرط في استعمالها.
أنواع الترك
إذا ترك النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم شيئاً فيحتمل وجوهاً غير التحريم:
1. أن يكون تركه عادة: قدّم إليه صلّى الله عليه وآله وسلّم ضب مشوي فمد يده الشريفة ليأكل منه فقيل: إنّه ضب, فأمسك عنه, فسئل: أحرام هو؟ فقال: لا ولكنّه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه. والحديث في الصّحيحين وهو يدل على أمرين:
أحدهما: أنّ تركه للشيء ولو بعد الإقبال عليه لا يدل على تحريمه.
والآخر: أنّ استقذار الشيء لا يدل على تحريمه أيضاً.
2. أن يكون تركه نسياناً, سها صلّى الله عليه وآله وسلّم في الصّلاة فترك منها شيئاً فسئل: هل حدث في الصّلاة شيء؟ فقال: ((إنّما أنا بشر أنسى كما تنسون, فإذا نسيت فذكّـروني.))
3. أن يكون تركه مخافة أن يفرض على أمته, كتركه صلاة التراويح حين اجتمع الصّحابة ليصلّوها معه.
4. أن يكون تركه لعدم تفكيره فيه, ولم يخطر على باله, كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يخطب الجمعة إلى جذع نخلة ولم يفكر في عمل كرسي يقوم عليه ساعة الخطبة, فلمّا اقترح عليه عمل منبر يخطب عليه وافق وأقره لأنّه أبلغ في الإسماع.
واقترح الصحابة أن يبنوا له دكّة من طين يجلس عليها ليعرفه الوافد الغريب, فوافقهم ولم يفكر فيها من قبل نفسه.
5. أن يكون تركه لدخوله في عموم آيات أو أحاديث, كتركه صلاة الضحى وكثيراً من المندوبات لأنّها مشمولة لقول الله تعالى ((وافعلوا الخير لعلّـكم تفلحون)) وأمثال ذلك كثـيرة.
6. أن يكون تركه خشية تغيّر قلوب الصحابة أو بعضهم: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعائشة: ((لولا حداثة قومك بالكفر لنقضت البيت ثم لبنيته على أساس إبراهيم عليه السّلام فإنّ قريشاً استقصرت بناءه)). وهو في الصحيحين.
فترك صلّى الله عليه وآله وسلّم نقض البيت وإعادة بنائه حفظاً لقلوب أصحابه القريبي العهد بالإسلام من أهل مكّة... ويحتمل تركه صلّى الله عليه وآله وسلّم وجوهاً أخرى تعلم من تتبع كتب السنّة, ولم يأت في حديث ولا أثر تصريح بأنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إذا ترك شيئاً كان حراماً أو مكروهاً.
الترك لا يدل على التحريم
والترك وحده إن لم يصحبه نص على أنّ المتروك محظور لا يكون حجّة في ذلك بل غايته أن يفيد أنّ ترك ذلك الفعل مشروع, وإمّـا أنّ ذلك الفعل المتروك يكون محظوراً فهذا لا يستفاد من الترك وحده, وإنمـا يستفاد من دليل يدل عليه.
وقد أنكر بعضهم هذه القاعدة ونفى أن تكون من علم الأصول فدل بإنكاره على جهل عريض, وعقل مريض.
وها أنا ذا أبين أدلتها في الوجوه التالية:
أحدهما: أن الذي يدل على التحريم ثلاثة أشياء:
1. النـهي, نحو (( ولا تقربوا الزنا )) , ((ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل. ))
2. لفظ التحريم نحو ((حرمت عليكم الميتة )).
3. ذم الفعل أو التوعد عليه بالعقاب, نحو (( من غش فليس منا )).
والترك ليس واحداً من هذه الثلاثة,فلا يقتضي التحريم.
ثانيها: إنّ الله تعالى قال : (( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )) ولم يقل: وما تركه فانتهوا عنه ، فالترك لا يفيد التحريم.
ثالثها: قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: (( ما أمرتكم به فائتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه )) ولم يقل: وما تركته فاجتنبوه فكيف دل الترك على التحريم؟
رابعها: أنّ الأصوليين عرفوا السنّـة بأنها قول النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وفعله وتقريره ولم يقولوا وتركه, لأنه ليس بدليل.
خامسها: تقدم أن الحكم خطاب الله , وذكر الأصوليون : أن الذي يدل عليه قرآن أو سنة أو إجماع أو قياس، والترك ليس واحداً منها فلا يكون دليلاً.
سادسها: تقدم أن الترك يحتمل أنواعاً غير التحريم , والقاعدة الأصولية أن ما دخله الاحتمال سقط به الاستدلال بل سبق أيضاً أنه لم يرد أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ,إذا ترك شيئاً كان حراماً وهذا وحده كاف في بطلان الاستدلال به.
سابعها: أن الترك ظل كأنه عدم فعل, والعدم هو الأصل والفعل طارئ والأصل لا يدل على شيء لغة ولا شرعاً, فلا يقتضي الترك تحريماً.
قال البخاري في صحيحه: (باب الاقتداء بأفعال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم)وروى فيه عن ابن عمر قال: اتخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاتماً من ذهب فاتـخذ الناس خواتيم من ذهب فقال: إني اتخذت خاتماً من ذهب)) فنبذه وقال: ((إني لن ألبسه أبداً)) فنبذ الناس خواتيمهم . قال الحافظ : اقتصر على هذا المثال لاشتماله على تأسيهم به في الفعل والترك.
قلت: في تعبيره بالترك تجوّز, لأن النبذ فعل, فهم تأسّوا به في الفعل، والترك ناشئ عنه.
وكذلك لما خلع نعله في الصلاة، وخلع الناس نعالهم, تأسوا به في خلع النعل، وهو فعل نتيجته الترك.
وليس هذا هو محل بحثنا كما هو ظاهر.
وأيضاً فإننا لا ننكر إتباعه صلى الله عليه وآله وسلم في كل ما يصدر عنه ، بل نرى فيه الفوز والسعادة لكن ما لم يفعله كالاحتفال بالمولد النبوي وليلة المعراج ، لا نقول إنه حرام ، لأنه افتراء على الله ، إذ الترك لا يقتضي التحريم.
وكذلك ترك السلف لشيء- أي عدم فعلهم له- لا يدل على أنه محظور ، قال الإمام الشافعي: (( كل ماله مستند من الشرع فليس ببدعة ولو لم يعمل به السلف )) لأن تركهم للعمل به قد يكون لعذر قام لهم في الوقت ، أو لما هو أفضل منه أو لعله لم يبلغ جميعهم علم به.
ماذا يقتضي الترك؟
بيّـنا فيما سبق أن الترك لا يقتضي تحريـماً وإنما يقتضي جواز المتروك, ولهذا المعنى أورده العلماء في كتب الحديث, فروى أبو داوود والنسائي عن جابر رضي الله عنه قال: (( كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار. )) أوردوه تحت ترجمة: " ترك الوضوء مما مست النار "
والاستدلال به في هذا المعنى واضح ، لأنه لو كان الوضوء مما طبخ بالنار واجباً ما تركه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وحديث تركه دل على أنه غير واجب.
قال الإمام أبو عبد الله التلمساني في مفتاح الوصول: (( ويلحق بالفعل في الدلالة, الترك ، فإنه كما يستدل بفعله صلى الله عليه وآله وسلم على عدم التحريم يستدل بتركه على عدم الوجوب ، وهذا كاحتجاج أصحابنا على عدم وجوب الوضوء مما مست النار به )) .
روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضّـأ ، وكاحتجاجهم على أن الحجامة لا تنقض الوضوء ، بما روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم احتجم ولم يتوضّـأ وصلّى. (انظر مفتاح الوصول ص93 طبعة مكتبة الخانجي)
إزالة اشتباه:
ومن هنا نشأت القاعدة الأصوليّة: جائز الترك ليس بواجـب.
ومن هذه القاعدة نقول: هناك عيدين في الإسلام: عيد الأضحى وعيد الفطر، أما الاحتفالات الأخرى كالاحتفال بذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فهي ليست إلزامية ولا ممنوعة.
|