كاتب الموضوع :
AMAL.M
المنتدى :
التاريخ والاساطير
من هو راسبوتين؟
حين تنظر إلى عينيه الزرقاوتين كموجتين تشدّانك للغوص فيهما ..
لا يسعك سوى الاستسلام لرغبتك في اكتشاف أعماقك المجهولة ..
كما لو أنه امتلك روحك و إرادتك.
هو ذاك المتعطش لمعرفة الحياة و طاقة الروح على الاستمرار ..
هو ذاك الذي تقوده حاسّة مجهولة للتنبؤ بما سيحدث دون اللجوء لأية وسيلة سوى التواصل الروحيّ مع الله ..
هو ذاك المتشرّد بين البقاع ناشراً كلمة الحق و مساعداً المرضى على الصبر و الشفاء ..
هو ذاك الرجل الذي يتهيّأ للمؤمن بأنّه روحٌ سماوية خالدة ..
هو ذاك الذي حقّق معجزات غريبة بإيمانه العميق الشديد ..
هو المؤمن بأنّ رحمة الله واسعة و أنّ لكلّ عبدٍ نصيبه منها في الحياة و في الآخرة
بالإضافة لكلّ هذه الصفات السامية التي جعلته محض اهتمام و احترامٍ من الكثيرين ..
إلاّ أنه كان إلى جانب ذلك رجلاً حراً .. رافضاً لكلّ القيود و المعطيات الاجتماعية ..
معربداً حدّ الثمالة تارة .. و ناسكاً حدّ التصوّف تارة أخرى ..
زنديقاً بعلاقاته النسائية الحميمة .. و معتكفاً عنهنّ في خلواته الروحانية المتعددة الطويلة ..
مستهتراً بحياته و هيئته المبالغ في إهمالها حيناً .. و عفيفاً في كلّ تصرفاته أحياناً أخرى.
كانت حياته حصيلة أشهرٍ متواصلة من البحث عن الحقيقة الكونية .. و سنوات من التصوّف و نهل العلم و المعرفة الدينية و الروحية ..
تمكّن من فرض نفسه كراهبٍ متناسّكٍ .. و كقدّيس قادرٍ على شفاء المرضى و الحيوانات من أمراضهم و آلامهم ..
كما و أنه تمكّن من الحصول على مركز المرشد المساعد في قصر الامبراطورية الروسية في العاصمة Saint-Pétersbourg..
كانت حياته أيضاً .. خمرٌ و نساءٌ و زندقة و تشرّد بين قريته الصغيرة و المدن الروسية الكبرى .. و ذلك رغم حياته العائلية التي كان يتعامل معها بكلّ حب و حنان و قناعة.
في زمنه ..في روسيا .. و حتّى يومنا هذا .. أطلقوا عليه ألقاباً لا تخلوا من المبالغة و الانحياز .. و ظلمه البعض في تعريفاتهم التي اعتمدت على التجارة الإعلامية و الثقافية .. منتهزين بعض الغموض في شخصيته التي لم تكن مفهومة بعلمية و موضوعية .. و معتمدين أيضاً على قدراته التنبؤيّة التي كان يمتاز بها و التي قوبِلَت بالاتهامات العديدة و المتنوّعة حينها .. إضافة إلى إشعال نار الغيرة و الحسد من بعض المحيطين به .. و الذين تآمروا على اغتياله و كانوا السبب في موته الذي تنبأه و وصفه قبل حادث اغتياله بأشهرٍ قليلة قائلاً :
" سأموت موتاً شنيعاً بعد عذابٍ شديد ..
و بعد موتي .. لن يكون لجسدي الراحة
و ستتجرّدين من الملكية على روسيا
و أنتَ و إبنك ستُغتالون .. و كذلك كلّ العائلة الملكية
سيعبر روسيا بعد ذلك طوفان رهيب
و ستقع بين يديّ الشيطان .. "
من بعض ألقابه : الشيطان المُقدّس .. صانع المعجزات .. الراهب الفاسق .. الماجن .. الساحر .. الداعر .. المشعوذ .. الفاجر
و ليس لقب راسبوتين الأكثر شهرة .. سوى امتداداً لهذه الألقاب المُبالغ بها .. و الذي يعني بلغة ذاك الزمن : الفاسق الداعر
Grégory Efimovitch Raspoutine .. من وجهة نظر البعض .. هو إنسان مقدّس .. و من وجهة نظر البعض الآخر .. هو إنسان مجنون .. و في الواقع .. راسبوتين لم يكن لا هذا و لا ذاك .. و سنرى من خلال ما سيأتي من دراسة و تحليل .. أنه لا يستحق لا هذا التبجيل و لا ذاك التشنيع.
"محتال أم راهب؟
ولد غريغوري يافيموفيتش راسبوتين في العاشر من يناير عام ألف وتسعمائة وتسعة وستين في قرية بوكروفسكوي الريفية الواقعة في سيبريا، بعيدا عن صالونات العائلة الملكية البراقة في سان بطرسبرغ. وفي طفولته، ظهرت لدى راسبوتين رؤى مستمرة عن القوى الإلهية وقدرات الشفاء الخارقة، إذ كان باستطاعته مثلا أن يبرئ حصانا بمجرد لمسه. لكنه اكتسب في فترة مراهقته اسم راسبوتين ( أي الفاجر) بسبب علاقاته الجنسية الفاضحة.
وحين بلغ راسبوتين الثلاثين من عمره كان زوجا وأبا لأربعة أطفال، إلا أن ولعه بالشراب وسرقة الجياد كان دائما ما يتناقض وأصول الحياة العائلية التقليدية. وكان حادث اتهامه ذات مرة بسرقة حصان نقطة تحول في حياته، هرب على أثرها من القرية ولاذ بأحد الأديرة حيث اتخذ صفة الرهبانية التي لازمته بعد ذلك طيلة حياته.
ومع تأثره بتجاربه الروحانية ، رحل راسبوتين عن قريته ليصبح مسافرا جوالا في أنحاء روسيا وخارجها. وخلال هذه الرحلات لم يغتسل أو يبدل ملابسة لفترات بلغت عدة أشهر، وكان يرتدي قيودا حديدية زادت من المعاناة. وقد شملت هذه الرحلات الدينية الشاقة رحلة إلى جبل اثوس باليونان وساعدته على اكتساب أنصار ذوي نفوذ مثل " هيرموجن، أسقف ساراتوي".
وأثناء فترة تجواله، أصبح راسبوتين تحت تأثير طائفة متطرفة غير شرعية تعرف باسم خاليستي، وتنزع إلى الجلد والممارسات الجنسية. ولعل سمة الجمع الشاذ بين الورع والأفعال الجنسية غير الشرعية، وخاصة الفاضح منها، هي التي شكلت القاعدة التي ارتكزت عليها ممارسات راسبوتين الدينية فيما بعد. فلم تفارقه أبدا فكرة أن الفرد يمكن أن يصبح أكثر قربا من الله إذا ارتكب عمدا ذنبا شهوانيا ثم تاب توبة نصوح.
نفوذ وشهرة
ومثلما ذاع صيت راسبوتين، خلال جولاته التي استقطب فيها إعجاب الأرستقراطيين ورجال الدين، ازدادت أيضا قوة يصيرته. ففي إحدى المناسبات، ظهرت له السيدة مريم العذراء وحثته على الذهاب إلى سان بطرسبرغ لمساعدة العائلة الملكية. وفي عام آلف وتسعمائة واثنين كان أول تحرك لراسبوتين باتجاه العاصمة، حينما زار مدينة كازان الواقعة بالقرب من نهر فولجا. وبدأ سريعا في تكوين أكبر مجموعة من الحواريين والمعارف على مستوى الطبقات العليا. ولم يعوقه عن ذلك عيناه المغناطيسيتان، ولحيته الطويلة القذرة، وشخصيته المشبوهة. إذ نظر"مجتمع موسكو المهذب" إلى راسبوتين باعتباره "مرشدا روحيا" أو (رجلا مقدسا).
جاهز للجني
وبحلول عام آلف وتسعمائة وثلاثة وصل إلى سان بطرسبرغ كلاما عن قوى صوفية قادمة من سيبريا ذات عيون وحشية مضيئة، ونظرة مجنونة. وبدا أن راسبوتين كان قد حدد موعدا لدخوله المجتمع الراقي في الوقت المناسب،. وقد ساهم في ذلك أن الطبقة الأرستقراطية كانت مولعة بمسائل السحر والتنجيم، و كانت عمليات تحضير الأرواح أمرا مألوفا.
وفي عام آلف وتسعمائة وخمسة قابل راسبوتين عالم لاهوت كان يعمل رئيسا لأكاديمية دينية وكاهن اعتراف للإمبراطورة، إلكسندرا فيودوروفونا. وقدم للبلاط من خلال تزكية مسئولي الكنيسة العليا وراهبتان سوداوتان الشعر – كانتا تعرفان باسم الغرابان- كانتا فعالتان بإمداد البلاط بالصوفيين. وكان للأسرة الملكية الروسية في الماضي تقليد استقبال الرجال المقدسين من أجل مناشدة تدخلهم بعدة طرق ، خاصة تلك التي تؤمن مولد ذكر يرث عرش روسيا.
حبيب ملكة روسيا
سجل القيصر نيقولا الثاني في مذكراته اللقاء الأول براسبوتين في الرابع عشر من نوفمبر عام آلف وتسعمائة وخمسة، قائلا "تعرفنا على غريغوري، رجل الرب، من أبراشية توبولساك". وبنجاحه المعهود مع النساء، ترك راسبوتين انطباعا عميقا لدى الإمبراطورة ألكسندرا فيوديوروفونا. إذ اقتنعت تماما بقدراته حين استطاع بإعجاز أن يخفف من المعاناة والنزيف الذي أصاب أليكسيس نيكوليافبتش، وريث عرش روسيا المريض بسيلان الدم. ولم يمضي وقت طويل منذ أثبت راسبوتين قوته الخارقة للأكسندرا، حتى أصبح مستشارها الشخصي المؤتمن على أسرارها، يزورها في القصر في موعد أسبوعي محدد.
حياة غير مقدسة
وبذيوع شهرة راسبوتين، نجح في جذب المزيد من الأنصار من جميع الطوائف الاجتماعية. وقد تطوع هؤلاء " البلهاء" كما كان يطلق عليهم "لارتكاب الخطيئة من أجل التطهر من آثامهم" مع رجل بدوا عاجزين أمام جاذبيته.
تحت المراقبة
يزغ نجم الراهب راسبوتين في سان بطرسبرغ، وبالمثل زاد عدد أعدائه. إذ رآه كثيرون خارج حدود البلاط يحيا حياة السكر والعربدة، وغالبا ما يكون بصحبة ال******. وحين علم مسؤولون سياسيون كبار بهذه الشائعات، كلفوا شرطة سرية بتعقبه.
تحالف الأعداء
وكان اثنين من أنصار راسبوتين السابقين هما راهب يميني متعصب يدعى ليودور، وهيرموجان أسقف ساراتوف، على اقتناع تام بأن راسبوتين ما هو إلا تجسيدا للشيطان. وفي عام آلف وتسعمائة وإحدى عشر استدرجاه إلى طابق سفلي حيث اتهماه باستخدام قوى الشيطان للقيام بمعجزاته وضرباه بصليب. وأبلغ راسبوتين الإمبراطورة بالواقعة وادعى أنهما حاولا قتله، ومن ثم تم نفي الرجلين. وفي السابع والعشرين من يونيو عام آلف وتسعمائة وأربعة عشر عاد راسبوتين إلى قريته في سيبريا. وفي اليوم التالي تلقى برقية، وبينما كان في طريقه لإرسال الرد هاجمته ***** سابقة مشوهة مجدوعة الأنف، تدعى شيونيا جاسيايا، بوحشية مستخدمة سكينا، دفعها ليودور لقتل راسبوتين.
الموت وإبليس
مدينة الشيطان
وبينما كان راسبوتين يتعافى في المستشفى من الطعنات التي أوصى بها ليودور، كان القيصر نيقولا يحشد قواته استعدادا للحرب العالمية الأولى، التي جلبت كارثة على وطنه، حيث فقد أكثر من أربع ملايين روسي أرواحهم. وبالعودة إلى سان بطرسبرغ ومع غياب القيصر، استطاع راسبوتين اكتساب المزيد والمزيد من القوى السياسية، وساهم في تعيين وطرد الوزراء. وبنفوذه الطاغي على قرارات القيصر السياسية، زاد اللوم الموجه للراهب السيبيري على المشاكل التي عانت منها البلاد، حتى أن مدينة سان بطرسبرغ أصبحت تعرف باسم " مدينة إبليس".
نبؤته بالقتل
وفي ديسمبر عام آلف وتسعمائة وستة عشر كتب راسبوتين خطابا للقيصر يتنبأ فيه بقتله. وعن قتلته المحتملين، كتب يقول" إذا قتلني أقاربك فلن يبقى أي فرد من عائلتك حيا لأكثر من عامين، وتستطيع أن تقول أي من أولادك أو أقاربك، فسوف يقتلهم الشعب الروسي.. سأُقتل، لم يعد لي وجود في هذه الحياة. صلي أرجوك، صلي، وكن قويا، وفكر في عائلتك المصونة".
بعد ثلاثة وعشرين يوم فقط، قتل اثنان من أقارب القيصر نيقولا الثاني راسبوتين. وبعد مرور تسعة عشر شهرا على مقتله، أعدم قيصر روسيا وعائلته بأيدي الثوار البلشفيين. فقد تزامن مع نبوءته أن حضر راسبوتين لمقابلة الأمير فيليكس يوسوبوي، الزوج لإيرينا ابنة أخ القيصر. وأراد يوسوبوي قتل راسبوتين، شأنه شأن ابنا عم القيصر الغراندوق ديميرتي بافالويتش، والسياسي فلاديمير بيرشيكفيتش. وتآمر الثلاثة معا على قتل راسبوتين والحفاظ على سلالة العائلة المالكة.
كعك وخمر
وفي ليلة السادس عشر من ديسمبر عام آلف وتسعمائة وستة عشر دعا يوسوبوي راسبوتين إلى قصر مويكا بحجة أن إيرينا التي يشاع عنها أنها أجمل امرأة في سان بطرسبرغ تريد مقابلته. وبينما كان ينتظر ظهورها، قدم رجل لراسبوتين كعك وخمر مدسوس بهما سما مميتا. وقد أصيب المتآمر بالهلع لما بدا من حصانة راسبوتين ضد السم، ولم يستطع يوسوبوي السيطرة على نفسه فنزع مسدسه وأطلق النيران على راسبوتين. وبصعوبة بالغة ترنح راسبوتين خارجا إلى ساحة القصر حيث كان بفالوفيتش وبيرشيكفيتش يستعدان للمغادرة، فأطلق يرشيكفيتش النيران ثانية على راسبوتين المترنح، وضرباه بهراوة وقيداه قبل أن يلقيا بجسده في نهر نيفا. وعندما تم العثور على الجثة بعد يومين دل تشريحها الذي كشف عن وجود مياه في الرئتين أن راسبوتين كان ما زال حيا عندما ألقى به في النهر. وكانت نهاية راسبوتين علامة على بداية النهاية للقيصر نيقولا والإمبراطورة ألكساندرا. فبعد عشر أسابيع فقط من وفاته، أطاحت الثورة الروسية التي اندلعت عام آلف وتسعمائة وسبعة عشر بأخر جيل من سلالة رومانوي. وبعد مرور أقل من عامين قامت فرقة معزولة بإعدام القيصر نيقولا وعائلته بأكملها في سيبريا. وبعد حوالي قرن ما زال السؤال مطروحا، هل كان راسبوتين معجزة حقيقية، أم نصاب بارع؟ سواء كان فلاح غامض، أم شيطان في جسد إنسان، فما زال إرث راسبوتين الأسود موجودا حتى الآن.
راسبوتين: حقائق
راسبوتين راهب روسي، " فاجر".
ألكسندرا كانت إحدى الحفيدات المفضلات للملكة فيكتوريا ملكة بريطانيا العظمى، ابنة العم الثالثة للقيصر نيقولا. وكانت ألكسندرا واحدة من عدة حفيدات قضين بمرض سيلان الدم الذي توارث في العائلة ووصل إلى الأبناء.
كان القيصران نيقولا الثاني ووليم قيصر ألمانيا، الذي حاربت ضده روسيا، أبناء عمومة.
دارت الشائعات بأن راسبوتين ووأكسندرا فيدوريونا زوجة القيصر كانا قائدين للمجموعة المؤيدة لألمانيا وكانا يسعيان لسلام منفصل مع قوى مركزية لمساعدة الناجين من الحكم الاستبدادي الروسي.
في السبعينيات قدمت فرقة البوني إم الشهيرة عملا كوميديا جمعت فيه مآثر راسبوتين، " نظر إليه معظم الناس من خلاله بخوف ورعب، ولكنه كان بالنسبة لأطفال موسكو، شخصا محبوبا".
تقول إحدى النظريات المتعلقة بقدرة راسبوتين على وقف النزيف الذي أصيب به أليكسيس، ابن القيصر، بأنه استخدم التنويم المغناطيسي لإبطاء النبض، ومن ثم تقليل القوة التي تدفع الدم إلى الدوران في جسده.
تداول البعض حقيقة أن راسبوتين لم يتأثر بالسم الذي دسه له قتلته نتيجة التهاب مزمن في معدته، وهي حالة تنتج عن الإفراط في الشراب وربما تعني أن السم المدسوس لم يكن فتاكا.
تم الاحتفال بنبأ موت راسبوتين ونظر إلى القتلة على أنهم أبطال أنقذوا روسيا من نفوذ ألكساندرا الألمانية و الراهب المجنون راسبوتين.
نفي نيقولا قتلة راسبوتين، ومن العجب أن هذه العقوبة أنقذتهم في النهاية من السجن أو الاغتيال بأيدي البلشفيين.
قام الناس خلال ثورة فبراير عام آلف وتسعمائة وسبعة عشر بإخراج جثة راسبوتين وحرقها.
|