كاتب الموضوع :
بـراءة
المنتدى :
القصص المكتمله
الجزء الثاني
عدت للشقة .. فدفعت زوجتي بنظارة مهند الشمسية نحوي و قالت بحدة :" خذ نظارة صديقك "
أخذتها .. و نظرت لعيني جمانة الملتهبتين .. لمَ كل هذا الغضب ..؟ اتجهت نحو غرفتها و قالت :" و لن أصنع عشاءاً الليلة أني متعبة "
ضحكت :" لا بأس ..سأتناول طعام العشاء الليلة مع أصدقائي "
التفتت و نظرت لي بقهر.. ثم تظاهرت بعدم الاكتراث حيث قالت :" فلتذهب "
و دخلت الغرفة .. و لا أدري لماذا كنت قاسياً .. فقد عدت للخروج من الشقة و صعدت سيارتي متجهاً لمنزل والدي .. ألقيت التحية عليهم ..و جلست بينهم .. فوجئت بأختي ( هيام ).. و قد بدت بشرتها السمراء أنقى و أصفى من قبل .. و بدت عينيها أكثر اتساعاً و شعرها الطويل أكثر نعومة ..نهضت هي و خرجت من غرفة المجلس .. فأسرعت لأمي أسألها :" ما بها هيام .. تبدو جميلة "
ضحكت :" و هي طوال عمرها جميلة .. لكنها تهتم أكثر الآن .. ربما تريد عيش السنوات التي فاتتها .. فقد بلغت السبع و عشرون عاماً "
ثم نكست رأسها و قالت بأسى :" و لم يعد يتقدم أحد لخطبتها كالسابق "
تنهدت ثم قلت :" لكنها جميلة .. و سوف تتزوج إن شاء الله "
ابتسمت أمي :" أراها متقبلة لموضوع الزواج عكس الماضي .. ليتها تتزوج .. أريد أن أراها عروساً .."
و استدركت قائلة :" أين ابنتك خلود ؟ لماذا لم تأتي بها ؟"
=
الساعة التاسعة إلا ربع ..عدت للشقة ..رأيت جمانة جالسة تشاهد التلفاز و تعبث بأصابعها بشعرها الطويل..بمجرد أن رأتني .. ظهرت عليها ملامح الانزعاج ..فاتجهت نحو غرفتي متجاهلاً إياها .. ارتديت البذلة الجديدة مع ربطة العنق و الحذاء و خرجت ..و لم أكن أكترث بأمر جمانة ..و كنت واثقاً أن لشجارنا تكملة..
صعدت السيارة متجهاً لمنزل سهيل .... و اتصلت به فأجاب :" أهلاً حسام ستأتي الآن ؟ لكني لم أجهز إلى الآن .."
ابتسمت :" لا بأس .. سأجلس معك قليلاً .. هيا .. أنا آت"
وصلت لمنزله و ترجلت من سيارتي ..اتجهت نحو الباب و قرعت الجرس ..و تأملت الحديقة الداخلية .. أتساءل لماذا تبدو بهذه البشاعة .. لماذا لا يزرعها..؟ إلى الآن لم أتعرف على سهيل جيداً ..و هناك الكثير من الأمور المهمة لم أسأله عنها .. لذلك سأبقى أتحدث معه هذه الليلة ..و أتعرف عليه أكثر ..
"أدخل "
--
جلست معه في صالة منزله الكبير و قلت مندهشاً :" ياه ..منزلك رائع .. أ.. أين أهلك .. لا أراهم "
ضحك :" خرجوا .. لدي أختان فقط ....."
و قال و هو يرتب ملابسه :" أنا أحضر نفسي حالياً للزواج "
قلت فرحاً:" حقاً "
ابتسم :"نعم و أود لو أتزوج من المقربين لي .."
و نظر لي نظرة عميقة فقلت :" هيا فلنذهب لمنزل كمال .. تأخرنا"
--
دخلت معه غرفة المجلس الكبيرة لمنزل كمال ..و قد اجتمع الكثير من الأصحاب..أصدقاء الطفولة .. و الأقارب و الكثير ..اقترب مني كمال و سلم علي فرحاً..هو شاب تعرفت عليه عن طريق مهند..ثري و لبق لكنه يهتم بالمظاهر كثيراً ..و لم يتزوج لحد الآن ..جلسنا في زاوية نتحدث .. رأيت سهيل قد ابتعد عني و اتجه نحو مهند ..هل يعرفه ؟ و كان مهند منشغل بالحديث مع ( جليل ) و هو شاب لديه إعاقة في ساقيه و لا يستطيع المشي..بصراحة ليست مجرد اعاقة .. بل هو تشويه ..ساقيه ملتفتان على بعضهما البعض .. ترى عن ماذا يتحدثان ..و كأنها مشادة كلامية حادة ..
جلس سهيل خلفهما ينظر إليهما ...فدعوت أنا كمال لمشاركتهما الحديث .. و نهضنا و جلسنا على مقربة .. ألقى جليل علينا نظرة ثم قال مخاطباً مهند :" أرجوك لا تتحدث عن شيء تجهله "
قال مهند بحدة :" المشكلة أنك حساس زيادة عن اللازم .. "
قلت أنا :" ما المشكلة ؟"
قال مهند :"طلب أن يستقيل من عمله و خلق مشكلة كبيرة .."
ثم نظر إليه بعمق و قال :" هيه جليل .. لقد شجعك المدير و لذلك لا يجب عليك التذمر من الراتب فأنت عملك محدود لأنك معاق"
نظر إليه سهيل بحدة ثم نظر لي مستنكراً فصرخ جليل مغتاظاً :" اعاقتي لا تمنعني من الابداع و العمل .. فها أنا أبرمج و أصمم و هم لا يقدرون ..و المدير يبقى يمن علي لأنه قبلني موظف لديه .."
هز سهيل رأسه مؤيداً.. فقال مهند ساخراً:" هيه ..هل تخدع نفسك ؟.. هل صدقت كل مجاملات الناس ؟ أتساءل لماذا هذا الغرور و على ماذا ؟ الكثيرون يعملون في هذا المجال و قدرتهم تفوق قدرتك ..لا تتوهم جليل "
صرخ به كمال :"هيه مهند .. ما بك " و بقي سهيل ينظر إليه مستنكراً..فقال مهند و هو ينهض :" قلت لي .. تفكر بالزواج ؟"
و ضحك ساخراً:" واهم ..."
و مشى ..نظر لي سهيل باستغراب ..ثم نظر لجليل الذي ينكس رأسه بحزن ..و صدرت منه عبارة :" إنسان بغيض "
--
و أثناء العشاء جلس مهند بقربي نتشارك في صحن ما ..خاطبته هامساً :" منذ متى و أنت تأخذ و تعطي مع جليل ؟"
رفع رأسه و نظر لي بتلك العينين الناعستين ..ثم حك خده قائلاً :" و هل هذا يزعجك "
قلتها بسرعة :" نعم .. "
نظر لي باستغراب .. ثم قال :" جليل يحتاج لبعض التوجيه "
صرخت به :" لكن ليس منك "
لمعت نظرة غضب في عينيه فقلت أنا :" مهند .. باختصار .. ابتعد عن جليل .. إن كنا نحن نستحملك و نبتلع عثراتك .. فجليل حساس و كل كلمة تقولها سيأخذها على محمل الجد "
ثم همست في أذنه قائلاً باحتقار :" مهند .. اعرف قدر نفسك و وجه نفسك أولاً "
حملق بي بغضب ممزوج بأسى .. ثم نهض مسرعاً .. فسحبته بقوة و أجبرته على الجلوس .. و همست :" أكمل عشاءك "
و سهيل ينظر إليه باحتقار ..
=
بعد ذلك .. رأيت جليل منزوي على نفسه بجانبه كمال ..اقتربت منهما .. فسبقني سهيل .. يبدو على سهيل أنه مهتم بأمر جليل كثيراً ..اقتربنا منهما .. فسمعنا جليل يقول بحزن :" كل شيء لا أوفق فيه .. لماذا ؟ ألأنني معاق "
فوجئنا بسهيل يندفع نحوه و يمسك كتفه و يقول :" لا .. لا .. إن كانت الاعاقة لا تؤثر على ابداعك في البرمجة و غيره .. فهذا جيد .. الله لا ينسى عباده .. و قد منحنك موهبة عظيمة .. يجب أن تثق بنفسك و تترك عنك الأقاويل و الكلمات العابرة "
نظر إليه جليل لبرهة فابتسم سهيل :" أنا سهيل .. صديق حسام .. أتمنى لو نصبح صديقين .. فأنت شخص أعظم من أفوت على نفسي فرصة مصاحبته "
رأيت جليل قد انشرحت أساريره ... و لمعت نظرات الثقة من جديد في عينيه ..
جاءنا صوت مهند و هو يخاطبني :" حسام .. لا تخرج من دوني ..أريد منك إيصالي في طريقك لشقتي "
--
في السيارة .. في الخلف يجلس سهيل .. و مهند كان جالساً بجانبي يتحدث عن تخطيط اليوم .. قال باستياء ممسكاً برأسه :" شعرت بدوار غريب برأسي .. قد تكون الطبيبة وظفت للتو .. لأنها خطأت في البداية في أمر ما .. و حتى ( مصعب ) قال لي .."
ثم تعلثم و ابتلع كلماته .. فصحت به مستنكراً :" مصعب ؟؟؟ أتقصد ..."
بسرعة أخذ يبرر :" هيه حسام لا تفهمني خطأً .. "
صرخت به :"ذلك المنحرف ؟.. إذاً لازلت ترتاد معه تلك الأماكن "
نكس رأسه :" لا .. لكني احتجت له ليوصلني حيث المشفى فقط .."
" أنت شخص حقير .. و لا تستحق مصاحبة الناس لك .. و تختار دائماً أصدقاء يناسبوك فعلاً "
نظر لي عاضاً على شفتيه .. ثم نكس رأسه .. نظرت أنا لسهيل الذي ينظر لمهند باحتقار .. بعد فترة قال :
"وددت أن أحدثك يا.. .....ما أسمك "
استدار له مهند :" أنا ؟ "
" نعم "
" مهند .. "
نظر له بحدة :" الشاب الذي جرحته منذ قليل ( جليل ) .. ألم تفكر بمواساته ؟ "
نظر لي مهند .. ثم تنهد ..:" إلى أين تريد الوصول يا......... ."
" سهيل يا مهند ..لا أريد الوصول إلا للسبب الذي دفعك لجرح شاب معاق حساس "
نكس رأسه صامتاً .. حتى أوصلته حيث العمارة التي يسكن فيها .. فتح الباب .. فاستوقفته :"هيه "
التفت لي .. فأعطيته نظارته الشمسية .. سحبها و قال و هو ينظر لسهيل :" وداعاً .. سهيل .."
و غادر ..
في ذلك الوقت لم أكن أعتقد العلاقة التي تربطنا نحن الخمسة سوف تتطور و تصل لأقصى الدرجات ..
أنا حسام .. الشاب الطويل .. المتزوج .. الأسمر البشرة و الخفيف الشعر و الصغير العينين .. و لدي لحية و شارب خفيفين..
و مهند .. الشاب القصير القامة .. جسده ممتلئ قليلاً ..بشرته بيضاء متوردة .. وجهه مدور عريض ..شعره أسود ناعم يغطي أذنيه و جبينه.. و لديه نظرة مميزة ناعسة بعينين سوداوتين شديدتا العمق بلمعة رمادية ..و سكسوكة ..
كمال .. شاب طويل القامة ..أبيض البشرة ..وجهه طويل.. بعينين عسليتين صغيرتين و أنف طويل منسق.. و شعر خفيف بني ..و حاجبان خفيفان و لقد اعتاد ألا يربي لحية أو شارب ..برغم أن الكثيرين يستنكر ذلك ..ملامحه أجنبية ..
سهيل .. ضخم الجثة .. طويل و عريض المنكبين .. شعره طويل لحد كتفيه .. و خفيف ..حاجباه عريضان غليظان.. أسمر البشرة و لديه لحية ..لديه عينين صغيرتين و نظرة حادة واثقة ..
جليل .. ضئيل الجسد .. نحيف كثيراً .. يبدو أنه يصغرنا بأعوام .. عيناه جاحظتين بلون أزرق .. بشرته بيضاء مليئة بالبثور ..و شعره و حاجباه خفيفان .. جبينه عريض .. شكله يبدو أنه لازال مراهقاً فلم تنمو له لحية و لا شارب ..
التفتت له و قلت بهمس :" سهيل كفى .. أنه مصاب بالصرع كذلك لا يمكنه قيادة السيارة لذلك يعتمد علي "
نظر لي لبرهة .. فأتممت :" حالته متدنية للغاية .. "
=
.. التفتت لابن عمه الذي انتبه له فجأة و اقترب قائلاً :
" مهند ؟ ما بك.."
=
و زدت رعباً عندما رأيت دماً يتسلل إلى قطعة القماش ..صرخت و أنا ممسك بيديه :
" أرجوك مهند ..ارفق بنفسك "
=
ثم نظر لجليل و قال مبتسماً :" جليل .. أنا آسف"
|