كاتب الموضوع :
بـراءة
المنتدى :
القصص المكتمله
الجزء التاسع و العشرون
نظرت له بصدمة :" بسببك ؟؟"
نكس رأسه ..فصرخت به :" أخاك ينتحر بسببك ؟ ماذا فعلت ؟ "
تنهد :" قيس كان أيضاً لديه اختلال بسيط في عقله .. لذلك فمن السهل التأثير عليه .. خصوصاً من أن أبي كان يحذرني من الحديث معه .. لهذه الدرجة .."
قلت بحدة :" ماذا فعلت بالتحديد "
عاد ينكس رأسه و قال بصوت متحشرج :" أ .. يوم ذهبنا لرحلة لجبل .. وقفت معه و ظللت أقنعه بالعالم الآخر الذي سينتقل له .. كان مجنوناً "
صرخت به :" و لماذا ؟ "
لمعت عيناه ثم همس :" لا أستطيع البوح بذلك "
" هل علم أباك بهذا الأمر "
" أخي صابر كان صندوق أسراري لكنه كشف كل ما كنت أفعله لأبي .. و هذا كان سبب أيضاً في انقلاب أسرتي علي "
نظرت له بحدة قاتلة :"مهند .. أنت أسوأ مما كنت أتصور "
=
و أنا أمشي في الشارع عائداً لشقتي .. كنت مستاءاً .. ألهذه الدرجة كان مهند يخفي الكثير ؟.. أنه صديقي المقرب من أيام الجامعة و كنت أعرفه أيضاً من أيام الثانوية .. لماذا لم أعرف عنه كل هذه الأشياء إلا الآن ..
سمعت من يناديني قائلاً :" حسام .. انتظر "
التفتتُ للخلف فكان كمال .. أقبل نحوي بسرعة :" أخيراً وجدتك .. "
و همس :" جئت لأتحدث معك في موضوع ...."
قلت بسرعة :" في موضوع الخطبة .. أعلم .. أعلم "
ابتسم :" هل أخبرت والدك ؟ "
نظرت له لفترة ثم قلت :" لا "
تأملني مستاءاً :"لماذا؟"
تنهدت :" أني مشغول بأمور كثيرة و كذلك أبي .. فلنأجل كل شيء للاسبوع القادم "
زفر :" أخشى أن تضيع مني كالمرات السابقة "
اصطنعت ابتسامة :" لن تضيع "
و استدرت ماشياً نحو شقتي .. لماذا أفعل هذا ؟ لا أدري ..لماذا لا أريد من كمال التقدم لخطبة أختي .. فلأصارح نفسي .. كأنني رافض لفكرة أن كمال يتزوج أختي .. و لكن لماذا ؟ كمال يقترب من الكمال .. هل الحاحه هو الذي يجعلني أرفضه .. يال السخف .. هناك سبب عميق يجعلني أرفض كمال بهذا الشكل.. هل حديث مهند هو من شتتني ؟!!
--
ها قد حل الليل المخيف ..ألاحظ قلق مهند الواضح حتى مع أضواء خافتة كلاسكية تنبعث من منزل أبا مهند الفخم.. يهمس سهيل :" ألن تدخلوا ؟ "
نظرت أنا لمهند الذي يمسح حبات العرق التي بالكاد لمحتها .. و رأيت أيضاً لمعات بعينيه العميقتين تتوافق مع نبضات قلبه التي هيء لي أني أسمعها .. أو ربما أسمعها فعلاً .. تنهدت أنا :" فلندخل "
مشينا ببطء و فتحنا باب السور و سرنا في الحديقة الجميلة .. فكل شجرة تحمل بين أغصانها مصابيح كلاسيكية تضيف جواً مميزاً .. و كان المنزل فخماً للغاية و تصميمه جديد .. حينها توقف مهند مكانه .. فاستدرنا له و قال سهيل :
" ما بك ؟ .. "
تنهد :" لست بحاجة لأبرر لهم شيئاً أو يبرروا .. أنا سأعود"
و استدار .. فأمسكته أنا و قلت :" أجننت .. هم ينتظرونك الآن .. أمر مخجل أن تعود هكذا "
نظر لي بكآبة عميقة .. فقال سهيل :" نحن سندعمك .. و إن كنت خائفاً من أخاك ذاك .. أنا سأحميك "
و ابتسم بمرح :" فلي عضلات يمكنني بها تفتيت جبل بأكمله "
ابتسم مهند :" لا تبالغ "
و تقدمت أنا في السير :" هيا .. فهم ينتظروننا الآن "
فأتممنا السير و وقفنا أمام باب غرفة الضيوف ..و دخلنا بهدوء و كان أولنا مهند الذي كان في قمة قلقه و ارتباكه .. فور دخولي غرقت في التأمل في هذه الغرفة الواسعة الفخمة التي تتدلى ثريا فخمة رائعة من السقف المزخرف مع ألوان متداخلة مذهلة ..
و رأيت رجال كثيرون يملؤون الغرفة مما أثار خوفي و ارتباكي فما بالكم بمهند ..ألقينا السلام فنهضوا جميعاً و ردوا السلام بنبرة حادة ..تقدم مهند ناحية والده الذي يتوسط الجلسة .. و قبل رأسه بحذر بينما كانت ملامح ذلك الرجل جامدة مخيفة .. و بعد مشوار السلام و التسليم .. استرحنا نحن الثلاثة على المقاعد الوفيرة الأنيقة ..نظرت لمهند المرتبك و هو يرمق أهله الذين يتهامسون فيما بينهم .. شعرت أنا بالغربة و الخطر و تمنيت لو لم آتي لهنا ولم أضع نفسي في هذا الموقف .. نطق سهيل بلطف :" مهند جاء ليعتذر و "
قاطعه مهند بحدة :" لا .. لم آتي للاعتذار "
سقط قلبي في معدتي يوم رأيت تلك العيون تتحول لكرات حمراء مخيفة تتقد بنار الغضب ..نظرت لمهند الذي أتمم بشجاعة لم أتوقعها منه :" جئت هنا حسب طلبكم لتعلموا أني أريد الصلح و لكن لم آتي للاعتذار .. لأنكم أنتم من يجب عليهم الاعتذار يا أهلي الكرام "
هنا أجاب أحد الرجال ..:" لا تجعل آخر ما حدث أول ما حدث .. فالذي فقدته من شقتك يمكننا تعويضه لك بعشر مرات .. تساؤل بسيط نريد منك جواباً مقنعاً وافياً .. لماذا أفسدت زواج أخيك هذه المرة أيضاً ؟"
نظر مهند لأباه ثم لأخاه صابر ثم للمختل عقلياً و قال :"لم أفعل ذلك أبداً "
فقال صابر :" لماذا تكذب .. فالفتاة كانت موافقة و مقتنعة و فجأة رفضت .. برأيك ما تفسير هذا ؟"
صمت مهند يفكر في الاجابة و هو يتفحص وجوههم ثم قال :"ربما علمت أنه مختل عقلياً عنذما سألوا عنه "
صرخ ذلك المجنون فأفزعني :" اخرس يا حقير .. تريد أخذها مني يا أناني "
نظر سهيل له مقطباً حاجباه ثم همس بأذني :" رباه "
تنهد مهند و أدار رأسه لأباه من جديد فهمس رجل آخر :" ما معنى أن لا يتزوج إلى الآن شخص بعمرك ؟ رغم أنك تعيش وحيداً .. ؟ ألا يجب أن تتخذ لك زوجة تؤنس وحدتك ؟ إلا اذا كانت عيناك سقطت على فتاة لا يمكنك الوصول لها "
نظر له مهند بصدمة و همس بارتباك :" ماذا تقصد خالي ؟ "
أجاب الآخر و هو ينظر لمهند بنظرات ثاقبة مخيفة :" تعلم جيداً ما أقصده .. ربما .. ربما .. وقعت عينك على الفتاة التي تقدم لها فياض ..و حاولت جاهداً أن تفسد زواج أخيك لتأخذها أنت .. لربما رفضتك .. فحقدت على أخاك المسكين و قررت أن تفسد عليه كل فرحة ستدخل لقلبه ..سواء كان زواجاً أم لا "
رأينا جميع من في المجلس مؤيدين ما يقال بنظراتهم .. تأملهم مهند مصعوقاً .. ثم نكس رأسه و همس :" حسناً "
و رفع رأسه ببطء ..:" لست مضطراً لاعادة الحديث و التبرير "
جاءنا صوتٌ صارم مخيف يزلزل القلوب :" مهند "
و كان أباه .. قال بحدة :" فلتحزم حقائبك و تهاجر .. أفضل أن تنتقل للعيش مع ابن عمك مراد في بريطانيا ..و لا تعود أبداً .. لا أظن أن هناك شيء يجبرك على العيش هنا "
تأمله مهند مصدوماً و همس :" ماذا ؟ "
فتشجع سهيل و قال منفعلاً :" لحظة ، لحظة .. أتسمحون لي بالتدخل ؟ .. أنه لمن الجهل أن تتصرف أسرة بهذا المستوى بهذه الطريقة لابنهم حتى لو كانوا تبرأوا منه .. مع عدم وجود دلائل تؤكد أن مهند هو من أفسد زواج أخاه أراكم تزجرون به و تحاربونه ..مهند منذ أن تخليتم عنه تخلى عنكم و نسى أمركم و انشغل بتكوين ذاته و تجميع المال للزواج لكن ليس من الفتاة التي يريدها أخاه و هو أصلاً لا يعرفها .. و لا يعلم عنها شيئاً .. أنكم تعظمون الأمور و تهولونها و تستهسلون احراق شقة مهند بما فيها من أشياء خاصة ثمينة مهمة عقاباً له على ذنب لم يقترفه "
صرخ به أحدهم بقوة فارتعدت أوصالي :" أصمت أيها الغريب .. و لم نسمح لك بالتذخل .."
زفر سهيل و التزم الصمت فزمجر والد مهند شعرت بصوته يكاد يفتت طبلة أذني .. بل يثقب قلبي من الرعب :
"مهند .. قلت لك تسافر و لا أحب أن يتدخل أحد من موضوعنا "
أجاب مهند :" لكني لن أسافر .. و لا داعي لأن أسافر "
نهض أباه بسرعة و صاح :" ستسافر حتى لو بالجبر "
و نهض جميع الرجال كأني بهم سيشنون الحرب و يهاجموننا .. نهض مهند و قال بحدة :" ليس لك شأن بي .. أنا مبتعد عنكم منذ فترة و لن أمسكم بسوء فلا تمسوني .. و أرجوك ..لا تعرقل مجرى حياتي على حساب ذلك المجنون "
صعقنا بصوت صفعة تدوي الغرفة ..
نظرت لمهند الذي قبض على خده متألماً .. تأمل والده بنظرة غضب ممزوج بحزن دفين ثم همس :" شكراً "
و نظر لأخاه المختل عقلياً بحقد .. هنا جذبه والده من قميصه بقوة و همس بأذنه بنبرة مخيفة :" تسافر "
رفع مهند رأسه و نظر لوجه أباه المليء بالتجاعيد الغزيرة التي نقشها زمن القسوة و الجنون .. ثم تنهد :" أنك لا تقنع "
قبض أباه أكثر على قميص مهند و صرخ :" لا ترد على ما أقوله و نفذ و حسب .. لا أريد أن أراك ثانية "
رمق أباه لفترة .. بمزيج من العواطف المختلفة العميقة المتداخلة فيما بعضها لتشكل عاطفة خطيرة تفوق الحقد و الكره .. أنها تقترب لنتيجة في قمة الخطورة و هذه النتيجة أشبه بشيء يسمى انتقام ..
في لمعة عينيه الرمادية أرى أفكاراً تسبح .. لا أراها واضحة .. لكني أرى سواداً رهيباً يطغي عليها ليغرقني في بحر الرعب .. أراني أبحث عن الباب .. علني أجد طريقاً للهروب !
فتحت عيناي مصدوماً فأتمم .. :" أوصيت كمال أن يحجز لي تذكرة ذهاب لبريطانيا .. لا أدري إذا كان أتم الاجراءات أم لا "
==
" ألست خائفاً على نفسك يا مهند ؟ "
==
بصراحة علي الاعتراف .. أن مهند أقرب و أحب صديق إلي .. و كنت أحمل همومه و كل شيء يخصه كأنه يخصني ..
==
من جديد .. يتقدم كمال لخطبة أختي ..!! لكن هذه المرة مغايرة للغاية ..
|