كاتب الموضوع :
بـراءة
المنتدى :
القصص المكتمله
الجزء الواحد و العشرون
زادت حدة شجاراتي مع جمانة لحد أنها طلبت الطلاق عدة مرات ..و خلود بدت متأثرة جداً بتأزم العلاقة بين والديها ..و في مرة من المرات أقفلت جمانة الباب و لم تسمح لي بدخول الشقة .. و كنت قد تأخرت حتى الساعة الحادية عشر ليلاً .. و في الفترة الأخيرة لم أكن أحمل معي مفتاح الشقة .. فلجأت لمهند و بت تلك الليلة عنده و سهرنا حتى الساعة الثالثة صباحاً نتحدث عن أمور شتى .. و الحديث اتخذ مجراه مما انفلتت من الكلمات دون أن أشعر:
" كمال تقدم لخطبة أختي مجدداً "
انزلقت الأوراق من يديه .. و انتشرت في الغرفة إثر هواء المكيف .. نظر لي لفترة مصدوماً..ثم همس :" بهذه السرعة ؟ "
انحينت لأجمع الأوراق قائلاً:"بعد اسبوعين سأسأل أختي أظنها تحتاج لفترة لتستقر مشاعرها بعد خوضها لتلك التجربة "
انحنى هو لجمع الأوراق لكنه عزف عن ذلك ..و رمى بجسده على المقعد و ظل يتأملني و أنا أجمع الأوراق ..
و قد برزت حبات العرق على وجهه المحمر و التصق شعره بوجهه مبللاً بالعرق ..المشكلة أن مهند ملامحه تفضح ما يشعر به .. جاءني صوته مخنوقاً :
"هل ستوافق ؟ "
رفعت رأسي و نظرت له .. ثم همست :" أظن ذلك .. فكمال كامل من جميع النواحي "
نظر لي طويلاً ..ثم خفض من نظراته .. انشغلت أنا بجمع الأوراق .. و عندما انتهيت .. نهضت و اتجهت نحوه .. وضعت الأوراق على الطاولة و نظرت له حيث ساهماً .. و هو يسند وجهه على كفه ..همست :
" مهند ؟ أريد معرفة مقدار قوة علاقتنا "
نظرت لي بعمق ثم قال :" قوة جبارة .."
صمتت كثيراً و أنا أتأمله .. ثم انحينت و همست :" إذ كانت علاقتنا قوية بهذا الشكل فأنت كأخي و الاخ يتمنى لأخيه كل خير .. و يحاول أن يدفع عنه كل شر عنه .. "
قطب حاجبيه :" إلى أين تريد الوصول ؟ حسام ؟ "
ابتسمت و أمسكت كتفه .. و قربت وجهي لوجهه و همست :
" أريد أن أعرف فقط .. ما الشيء الذي يعيب كمال و تريد اخفاءه عني "
تسمر مصدوماً .. ثم همس :" و من قال أن هناك شيء يعيب كمال أخفيه عنك "
نظرت له بحدة .. ثم ضربت الطاولة بقبضة يدي و صرخت بوجهه :" لا تحاول أن تخفي عني يا مهند .. هل جعلك كمال أن تقسم أن لا تخبرني .. ؟ حتى لو فعل ذلك سوف أجبرك على البوح بذلك السر ؟ "
ارتبك ..ثم همس :" أ.. ما بك حسام ؟ "
زمجرت :" لا تتهرب "
تأملني بخوف و ارتباك .. و نظر لأصابعي و هي تقبض على كتفه فقطب حاجبيه و قال بحدة :" أنت غريب فعلاً "
و أبعد يدي عنه و نهض و استدار لي قائلاً :" لست مضطراً أن أضع نفسي في مثل هذا الموقف .. ليس لي مصلحة في أن أخفي عليك شيئاً .. ربما يعود بالضرر عليك أو بأختك "
و قال بنبرة باستياء :" هل كنت تظن فعلاً أني سأدع ضرراً يصيبك أنت و أختك ؟ "
نظرت له مطولاً .. فقال متنهداً :" هناك أمور أعرفها عن كمال على أيام الثانوية و الجامعة .. أنت تعرف أننا كنا ثنائي مميز في المدرسة .. و الجامعة أيضاً .. و أعتقد أنه عدل عن فعل تلك الأفعال .."
نظرت له بعمق و قلت :" أية أفعال ؟ "
تنهد :" أفعال طائشة متعلقة بمرحلة المراهقة .. فهل ستحاسبه عليها ؟ "
انفعلت :" ما هي .. ؟ "
رمقني بحدة ثم قال :" لا يمكنني "
زفرت بضيق .. و همست :" يا لك من صعب ؟ "
نظر لي و قال :" الساعة متأخرة .. يستوجب أن أستيقظ غداً مبكراً "
و اتجه للحمام .. استوقفته :" مهند .. لازلت على صحبة مصعب .. صاحب الوجه المخيف ؟ "
همس :" نعم "
نظرته له بصدمة و هو يدخل الحمام ..لم أتوقع ذلك أبداً ..
=
في عصر اليوم التالي في صالون الحلاقة .. مع سهيل .. قلت أنا مخاطباً الحلاق مشيراً لسهيل :
" فلتقص له هذا الشعر الطويل المزعج ؟"
و نظرت لسهيل :" بصراحة شعرك الطويل المنساب لا يتناسب مع عضلاتك و وجهك "
صاح بي :" الشيء الوحيد الذي ربما يجذب زوجة المستقبل لي هو شعري .. فهل أقصه ؟ "
و ركز بكلامه على عبارة ( زوجة المستقبل ).. ثم قال :" مهند أخبرني منذ يومين أنه سيخاطر و سيقود السيارة بنفسه .. أظنه تأثر كثيراً بحديث جليل .."
نظرت له بصدمة :" يقود السيارة بنفسه ؟ "
ضحك سهيل :" نعم .. أتساءل إن كان سيستطيع أم لا ؟ "
صحت بحدة :" بالطبع لا يستطيع .. أنت تعلم أنه مصاب بالصرع "
"أوه يا حسام .. لا تصعبها .. "
قاطعته :" مهما تحسن .. هذا المرض أشبه بمرض أبدي لا يُشفى منه .. و إن قام بقيادة السيارة فأنه ينوي الانتحار "
" لكنه اليوم بدا مكتئباً .. لماذا يا ترى ؟ "
أنا لم أخبر سهيل أن كمال تقدم لخطبة أختي مجدداً .. و فضلت الصمت دفعاً لمزيد من الخلافات ..لكن الذي قصفني حقاً هي تلك الجملة و هي تصدر من سهيل بكل خجل و انسيابية :
" حسام .. أنا .. لدي موضوع حساس أريد التحدث معك فيه .. أنوي أن أتقدم لأختك بما أن الأمور قد هدأت"
--
ذهبت لمهند و أخبرته ..و ترجيته أن يحاول أن يقنع أحد الاثنين أن يؤجل فكرته لحين الآخر .. أنا لا أريد أن يعرف أحد منهما أن الآخر متقدم لأختي أيضاً ..لسوف تنفجر قنبلة من الخلافات ..بصراحة كمال عاثر الحظ لدرجة واضحة ..
مهند لم يكن بيده فعل شيء ..و أنا لا أستطيع التحدث لجليل الذي ابتعد عنا ..
=
ظللت أتأمل أختي هيام و هي تنحني بأنوثة و تلتقط عقدها الناعم من على الأرض .. و تعقده حول رقبتها ..و ترتب شعرها ثم تخاطبني بذلك الصوت الرقيق :" حسام .. ما بك ؟ "
هل أخبرها أن هناك اثنين يريدان خطبتها ؟ ..تنهدت :" لا شيء "
رن الهاتف .. فاتجهت هيام نحوه و رفعت السماعة ببطء و قربتها لأذنها و همست بصوت ناعم انسيابي انثوي :
" آلو .. مرحباً ..... ..؟ .. آ .. تريد حسام ؟ .. لحظة "
و نظرت لي :" حسام .. هناك من يريدك "
نهضت و سحبت منها سماعة الهاتف و أجبت :" أهلاً .. من معي ؟ "
جاءني سهيل و هو يلهث :" أنا سهيل "
" ما بك ؟ و كأنك في سباق مارثون؟ و لماذا لم تتصل على هاتفي"
" كان مغلقاً .. "
و قال بارتباك :"هل كانت من رفعت الهاتف هي أختك ؟ "
زمجرت :" سهيل ..!! لسوف أقتلك "
و منذ ذلك اليوم ترك سهيل الاتصال بي على هاتفي الخاص و ظل يتصل على هاتف المنزل .. و لم ينفك عن فعل ذلك برغم تهديداتي له ..
=
كمال استورد من الخارج كمية كبيرة من البضائع التي سيبيعها في محلاته .. و كان يتوقع نتائج جيدة .. أراه سعيداً للغاية ..و قد ركز علي أنه نسق شقته التي في منزل والده من حيث البنيان لكنه لم يعيد فرشها .. لأنه سيرى رأي أختي أولاً و كم كان سعيداً لدرجة لا تصدق ,, و قد حاول أن يربي له لحية و شارب لأن الفتيات حسب قوله لا يفضلن الرجل الذي يتنازل عن أي مظهر من مظاهر الرجولة ..باختصار أشعر أن كمال مندفع أكثر من تلك المرة ..
--
في صباح يوم ما .. دخلت المدرسة ممسكاً بيد صغيرتي خلود .. جمانة أصابت بارهاق شديد هذا الصباح و فضلت أن ترتاح في سريرها على أن أنقلها للمشفى و كان علي اصطحاب خلود معي للمدرسة ..انجذب إلي الكثيرين من الطلاب و المدرسين و المشرفين يسألوني عن خلود ..أخيراً جلست على مقعدي أمام مكتبي تاركاً خلود تجلس بجانبي ملاصقة لي و شغلتها بقلم و دفتر ترسم فيه ..قال سهيل :" و ماذا عن علاقتكما "
تنهدت :" ساكنة .. شجارات خفيفة "
رمقني بعمق ثم قال :" أنا .. جهزت نفسي و أخبرت أمي أننا سنأتي لخطبة أختك "
نظرت له بحدة .. ثم خفضت من نظرات .. و كان ينتظر مني جواباً واضحاً ...فزفرت بقوة :
" لا بأس "
استدار لي و قال بحدة :" يكفي .. أنت ليس لك الحق بتأنيبي بهذه الطريقة و أنا حر في تصرفاتي "
=
ثم قلت بندم :" لقد ضربت رأسه عدة مرات .. أنه يخضع لفحص دقيق .. أنا متأكد أنهم سيزيدون جرعة دواءه ..و أتمنى ألا يرقد مدة أطول .. لا أدري إلى أي درجة يمكن ان تتدنى حالته "
=
صاح :" بغض النظر عن ما فعله لا يحق له ايذاءه بهذا الشكل و أنت تعلم أنه مريض "
و أتمم :" بصراحة أنت حسام تعامله دائماً بشدة و لا تكترث لحالته .. صحيح أنكما قريبان لبعضكما لكن بالرغم من هذا لا يحق له التدخل في حياته و التحكم به بهذه الطريقة .. "
=
و قال بسرعة :" متى سيأتي يوم الاثنين .. ؟ و ماذا تتوقع أن يكون رد المحروسة ؟"
|